خطبة: {وإنه لكتاب عزيز} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 641 - عددالزوار : 74677 )           »          الحج والعمرة فضلهما ومنافعهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 34 )           »          ٣٧ حديث صحيح في الصلاة علي النبي ﷺ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          قوق الآباء للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حقوق الأخوّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          دفن البذور عند الشيخ ابن باديس -رحمه الله- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الاغتراب عن القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          آخر ساعة من يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          هاجر… يقين في وادٍ غير ذي زرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الغش ... آفة تهدم العلم والتعليم والمجتمعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-02-2023, 07:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,734
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة: {وإنه لكتاب عزيز}

خطبة: {وإنه لكتاب عزيز}
رمضان صالح العجرمي
1- خصائص القرآن الكريم.
2- ما هي حقوق القرآن الكريم علينا؟

الهدف من الخطبة:
التذكير بعظمة القرآن الكريم وخصائصه، مع بيان حقوقه علينا.

مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون، عباد الله، لقد امتنَّ الله تعالى علينا بنعمةٍ جليلة، حين أنزل القرآن الكريم على عبدِهِ ونبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو نعمة عظيمة، حُقَّ لنا أن نفرح بها، ونعلن هذه الفرحة والسرور؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58].

ولو تأملنا فيما ورد من الفضائل والخصائص لهذا الكتاب العزيز، لرأينا الشيء الكثير والعظيم.

1- فمن خصائص القرآن الكريم أن الله تعالى قد وصفه بأنه كتاب عزيز؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]؛ فهذا وصف عظيم لكتاب الله تعالى.

2- ومن خصائصه أنه لو أُنزِل على الجبال الرواسي، لتصدَّعت وخشعت؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21].

3- ومن خصائصه أنه خاتم الكتب السابقة، وهو الكتاب المهيمن على ما عداه من الكتب التي أنزلها الله جل في علاه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].

4- ومن خصائصه أنه كتاب مبارك؛ فمن بركته أن بكل حرفٍ منه حسنة؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولام حرف، وميم حرف))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].

5- ومن خصائصه إعجازه والتحدي به.
فقد تحدى الله تعالى المشركين أن يأتوا بمثله، مع أنهم أهل لغة وفصاحة في ذلك الزمان؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطور: 33، 34].

‏وتحدَّاهم أن يأتوا بعشرِ سورٍ منه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [هود: 13].

‏وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة منه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يونس: 38].

‏ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 23، 24].

6- ومن خصائصه أيضًا أنه هداية للبشرية جمعاء؛ فقد جعله الله تعالى هاديًا للناس إلى سُبُلِ السلام، ومخرجًا للعباد من الظلمات إلى النور، وهاديًا إلى الصراط المستقيم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 16]، بل يهدي لِما هو أقوم؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].

7- ومن خصائصه أنه الكتاب الربانيُّ الوحيد الذي تكفَّل الله تعالى بحفظه، ولم يكِلْ حفظه إلى مَلَكٍ مقرب، ولا لنبي مرسَل؛ فقد تكفل الله تعالى بحفظه قبل نزوله وأثناء النزول وبعده.

فأما حفظه قبل نزوله؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 11 - 16]، وقال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 21، 22].

وأما حفظ الله تعالى للقرآن أثناء نزوله؛ فيدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ [الإسراء: 105].

‏وأما حفظه بعد نزوله؛ فيدل عليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

‏فقد هيَّأ له أسبابًا لحفظه؛ منها:
(أ) هيأ للقرآن الكريم سهولة الحفظ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].

(ب) وهيأ له رجال تلقَّوه وحفظوه في صدورهم؛ كما قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].

(ت) وهيأ له رجال من هذه الأمة دوَّنوه وحفِظوه من التحريف والتبديل.

8- ومن خصائصه ومما يدل على عظمته هو كثرة أسمائه؛ وقد بلغت هذه الأسماء خمسة وخمسين اسمًا، ذكرها الزركشي رحمه الله في كتابه (البرهان في علوم القرآن)، وأوصلها غيره إلى أكثر من تسعين اسمًا، وهذا يدل على شرفه وعلوِّ منزلته؛ فكثرة الأسماء تدل على شرف المسمَّى وعلو قدره.

فهو القرآن؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، ومعنى القرآن في الأصل هو القراءة، وقد ورد ذكره ثلاثًا وسبعين مرة في القرآن الكريم، وهو أشهر الأسماء.

وهو الفرقان؛ كما قال الله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، وسُمِّي بذلك؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل بأدلته الدالة على صحة الحق وبطلان الباطل.

وهو الهدى؛ كما قال تعالى: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، وقال تعالى: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 185].

‏وهو الشفاء: يشفي الأمراض الحسية، والمعنوية؛ كما قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، وقال تعالى: ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57].

وهو البيان؛ كما قال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138]؛ لأن الله تعالى بيَّن فيه الخير والحق، وطريق السعادة.

وهو الذكر؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، ومعنى الذكر: أنه ذكر من الله لعباده بالفرائض والأحكام، وأنه شرف لمن آمن به وصدق بما فيه.

‏وهو الكتاب؛ كما قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].

‏وهو النور؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174].

وهو الموعظة؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].

وهذا التعدد في أسماء القرآن الكريم هو من باب الألفاظ المترادفة؛ فهو وإن كانت أسماؤه كثيرة ومختلفة في ألفاظها، فإنها متفقة في معانيها، فجميعها تدل على شيء واحد؛ وهو القرآن.

9- ومن خصائصه، ومما يدل على عظمته أيضًا كثرة أوصافه التي وصف بها، وإليك طرفًا منها؛ فقد روى الترمذي والدارمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كتاب الله، فيه نبأُ ما كان قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، مَن تركه مِن جبارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلَقُ على كثرة الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾ [الجن: 1، 2]، من قال به صَدَقَ، ومن عمِل به أُجِرَ، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم))؛ [رواه الترمذي، والدارمي، ورجح الألباني أنه موقوف].

10- ومن خصائصه، ومما يدل على عظمته أنه كتاب متجدد، لا تفنى عجائبه؛ ولذلك كثرت وتعددت أنواع علومه التي تبحث في أحواله من جهات عدة؛ فقد أوصلها الزركشي رحمه الله في كتابه (البرهان في علوم القرآن) إلى سبعة وأربعين نوعًا، وأوصلها الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) إلى ثمانين نوعًا من أنواع علوم القرآن الكريم.
(أ) فمنها علوم ترجع إلى النزول زمانًا ومكانًا؛ كالمكي والمدني، الحضري والسفري، الليلي والنهاري، الصيفي والشتائي، والفراشي من الآيات، وأسباب النزول.

(ب) ومنها ما يرجع إلى السند؛ مثل: القراءات المتواترة والآحاد والشاذة، وقراءات النبي صلى الله عليه وسلم، والرواة والحفَّاظ من الصحابة والتابعين.

(ت) ومنها ما يرجع إلى الأداء؛ كالوقف والابتداء، وأحكام التجويد، وعلم القراءات.

(ث) ومنها ما يرجع إلى الألفاظ؛ كعلم غريب القرآن، وإعراب القرآن، وعلم إعجاز القرآن، وعلم التفسير، وأصول التفسير.

(ج) ومنها ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بآيات الأحكام؛ مثل: العام الباقي على عمومه، والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ.

فكل هذه علوم صُنِّفت فيها التصانيف والمؤلَّفات؛ مما يدل على عظمة هذا الكتاب الخالد، الذي لا تنقضي عجائبه إلى قيام الساعة.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته.

الخطبة الثانية
ما هي حقوق القرآن الكريم علينا؟
1- الإيمان به، والاعتقاد بأنه كلام الله تعالى حروفُه ومعانيه، تكلم الله به حقيقةً، وأنه منزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه غير مخلوق، والإيمان بأنه محفوظ بحفظِ الله جل في علاه؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، فإن الإيمان به من أركان الإيمان؛ كما في حديث جبريل عليه السلام.

2- ومن حقوقه قراءته وحفظه؛ فقد بيَّن الله تعالى أنها أعظم تجارة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّلْ كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح].

فينبغي أن يكون للمسلم وردٌ يومي يتلو فيه كتاب الله تعالى حتى يختمه، وليحرص أن يختمه كل شهر مرةً أو أكثر، ولا ينشغل عن قراءته بما لا ينفع.

3- ومن حقوقه أيضًا العمل به، والتحاكم إليه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الزمر: 55]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول من يعمل بالقرآن؛ فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((فقالت للسائل: ألستَ تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خُلُقَ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن))؛ [رواه مسلم].

‏وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن، حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".

‏وقال أبو عبدالرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آياتٍ لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا".

4- ومن حقوقه أيضًا تعلمه وتعليمه؛ ففي صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه)).

فإن تعليم القرآن الكريم بابٌ عظيم من أبواب الدعوة إلى الله عز وجل ومجالاتها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والدعاء إلى الله تعالى يقع بأمور شتى، من جملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع".

فينبغي أن يحرص المسلم على تعلمه وإتقان قراءته، ويجتهد في ذلك، فمن غير اللائق لمسلمٍ له سنوات طويلة وهو يدرس ويتعلم، ثم إذا قرأ القرآن، فإذا به لا يقيم حروفه وكلماته، وليس حاله كحال من يعذر لضعف تعليمه.

‏ومن وسائل تعلمه وإتقانه: قراءته على أحد المقرِئين، وكثرة الاستماع إليه، واستشعار أنه كلام الخالق جل وعلا، وغير ذلك.

5- تدبره وتفهمه، والخشوع عند قراءته؛ كما قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [النساء: 82]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 109].

6- كثرة الاستماع إليه؛ إما مباشرة عن طريق قارئ، أو الاستماع إليه مسجلًا؛ ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ((قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ القرآن، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: حسبك الآن، فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذْرِفان)).

7- الإنصات عند سماعه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، والآية تدل بعمومها على مشروعية الاستماع للقرآن إذا تُلِيَ؛ والإنصات هو: السكوت عند الاستماع.

8- التزام الأدب معه.
وذلك بألَّا يمسَّ القرآن إلا طاهر، فلا يقرؤه مَن عليه حدث أكبر حتى يغتسل؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يمس القرآن إلا طاهر)).

وألَّا يتناوله باليد اليسرى؛ تكريمًا له، ولا يرميه، ولا يمزقه، بل يحافظ عليه، فإذا تمزق، فلا يجوز رميه، بل يحرقه ويدفنه في موضع طيب.

‏وألَّا يُوضَع شيء عليه، بل يجعله أعلى من غيره؛ فإنه يعلو ولا يُعلى عليه.

‏وألَّا يتكئ عليه، ولا يجلس على شيء فيه مصحف؛ كالحقيبة والمكتب، كل هذا احترامًا لكتاب الله تعالى، والتزامًا للأدب معه.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يرزقنا الأدب معه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.45 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]