تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4858 - عددالزوار : 1811192 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4425 - عددالزوار : 1164407 )           »          كيف تعاتب دون إحراج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          خواطر ومواقف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الهدف من حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 5838 )           »          قل مع الكون: لا إله إلا الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1355 )           »          إلى من يجهله ويطعن فيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 2752 )           »          قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1489 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 9931 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-08-2023, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,167
الدولة : Egypt
افتراضي تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب

تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ مِن أَعظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، أَن يُصلِحَ لَهُم أَبنَاءَهُم ؛ فَيَنَالُوا بِذَلِكَ بِرَّهُم، ويَنتَفِعوا بِصُحبَتِهِم لَهُم وَخِدمَتِهِم إِيَّاهُم، وَيَسعَدُوا بِطَاعَتِهِم وَإِحسَانِهِم إِلَيهِم، وَتُرفَعَ دَرَجَاتُهُم في الآخِرَةِ بِدُعائِهِم لَهُم وَبِمَا يَبذُلُونَهُ عَنهُم مِن صَدَقَاتٍ، وَبِمَا يَكتَسِبُونَهُ مِن مِثلِ أَعمَالِهِم الَّتي يَعمَلُونَهَا مِن حَسَنَاتٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثَةِ أَشيَاءٍ: إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ»؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الرَّجلَ لَتُرفَعُ دَرَجَتُهُ في الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى لي هَذَا ؟! فَيُقَالُ: بِاستِغفَارِ وَلَدِكَ لَكَ»؛ رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ.

وَإِنَّهُ إِذَا كَانَت كُلُّ تِجَارَةٍ تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ وَمُصَابَرَةٍ، وَتَحَمُّلٍ لِلتَّعَبِ وَاحتِمَالٍ لِلمَشَقَّةِ؛ فَإِنَّ تَربِيَةَ الأَبنَاءِ وَالعِنَايَةَ بِهِم وَخَاصَّةً في مِثلِ هَذَا الزَّمَانِ، لا تَخلُو مِن مَشَقَّةٍ وَصُعُوبَةٍ؛ لَكِنَّها يَسِيرَةٌ مَعَ تَيسِيرِ اللهِ لَهَا وَتَوفِيقِهِ إِلَيهَا، عَلَى مَن عَلِمَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ يُؤجَرُ عَلَيهَا وَاستَحضَرَ حُسنَ عَاقبَتِهَا، فَأَحسَنَ النِّيَّةَ وَاجتَهَدَ وَجَاهَدَ، وَأَعَدَّ العُدَّةَ وَصَبَرَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ.

وَالهِدَايَةُ بِيَدِ اللهِ وَحدَهُ؛ ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ عَلَى العَبدِ الاجتِهَادَ وَفِعلَ الأَسبَابِ المَشرُوعَةِ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، هَنِيئًا أَيُّهَا الآبَاءُ لِمَن وَفَّقَهُ اللهُ فَحَسُنَ خُلُقُهُ، وَأَعَانَهُ رَبُّهُ فَطَابَ تَعَامُلُهُ، وَأَرَادَ المَولى بِهِ خَيرًا فَكَانَت عِلاقَتُهُ مَعَ أَبنَائِهِ مَبنِيَّةً عَلَى الشَّفَقَةِ وَالرَّحمَةِ، عُنوَانُهَا المَحَبَّةُ وَالمَوَدَّةُ، وَشِعَارُهَا السَّمَاحَةُ وَاللِّينُ، في كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَابتِسَامَةٍ صَادِقَةٍ، وَقَولٍ لَطِيفٍ وَسِترٍ وَتَحَمُّلٍ، وَإِظهَارٍ لِلمَحَبَّةِ وَإِعلانٍ لِلاهتِمَامِ، وَنَشرٍ لِلتَّسلِيمِ وَمُدَاعبَةٍ وَمُلاعَبَةٍ، وَإِدخَالٍ لِلسُّرُورِ وَابتِعَادٍ عَنِ التَّحقِيرِ وَالاستِصغَارِ فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ أَبصَرَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الحَسَنَ فَقَالَ: إِنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلتُ وَاحِدًا مِنهُم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ».

وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم مَرَّ عَلَى غِلمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِم؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَمِن الأَسبَابِ العَظِيمَةِ لِحُسنِ التَّربِيَةِ الاهتِمَامُ بِغَرسِ التَّوحِيدِ وَالعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ في قُلُوبِ الأَبنَاءِ، وَالحِرصُ عَلَى تَعلِيمِهِم أُمُورَ دِينِهِم مُنذُ الصِّغَرِ؛ فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كُنتُ خَلفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَومًا فَقَالَ: «يَا غُلامُ، اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعَت عَلَى أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَنفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيكَ، رُفِعَتِ الأَقلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»؛ رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَعَن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرٍ، وَفَرِّقُوا بَينَهُم في المَضَاجِعِ»؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

وَإِنَّ مِمَّا يَحسُنُ في التَّعلِيمِ وَالتَّربِيَةِ وَتَصحِيحِ الأَخطَاءِ، أَن يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بِالرِّفقِ وَاللِّينِ وَالرَّحمَةِ، بِلا إِهَانَةٍ وَلا تَجرِيحٍ، وَلا لَومٍ وَلا تَوبِيخٍ وَلا تَقرِيعٍ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنتُ غُلامًا في حِجرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَت يَدِي تَطِيشُ في الصَّحفَةِ، فَقَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن أَحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرسَلَنِي يَومًا لِحَاجَةٍ، فَقُلتُ: وَاللهِ لا أَذهَبُ، وَفي نَفسِي أَن أَذهَبَ لِمَا أَمَرَني بِهِ نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبيَانٍ وَهُم يَلعَبُونَ في السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَد قَبَضَ بِقَفَايَ مِن وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرتُ إِلَيهِ وَهُوَ يَضحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيسُ، أَذَهَبتَ حَيثُ أَمَرتُكَ؟ قَالَ قُلتُ: نَعَم، أَنَا أَذهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ.

وَمِن أَسبَابِ صَلاحِ الأَبنَاءِ العَدلُ بَينَهُم في العَطَاءِ مَالِيًّا وَمَعنَوِيًّا؛ فَهُو سَبَبٌ لِصَلاحِ قُلُوبِهِم وَغَرسِ المَحَبَّةِ بَينَهُم، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابني هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلتَ مِثلَهُ؟»، قَالَ: لا. قَالَ: «فَأَرْجِعْهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَيَسُرُّكَ أَن يَكُونُوا إِلَيكَ في البِرِّ سَوَاءً ؟»، قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَلا إِذَنْ»، وَفي رِوَايَةٍ قَالَ: «اِتَّقُوا اللهَ واعدِلوا في أَولادِكُم»، وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ جَالِسًا مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ ابنٌ لَهُ فَأَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ، ثم أَجلَسَهُ في حِجرِهِ، وَجَاءَت ابنَةٌ لَهُ فَأَخَذَهَا إِلى جَنبِهِ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «أَلا عَدَلتَ بَينَهُمَا»، يَعني في تَقبِيلِهِمَا؛ رَوَاهُ البَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَمِن أَعظَمِ الأَسبَابِ المُعِينَةِ عَلَى صَلاحِ الأَبنِاءِ الإِكثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُم بِالهِدَايَةِ وَالصَّلاحِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُستَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعوَةُ الوَالِدِ، وَدَعوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعوَةُ المَظلُومِ»؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

وَدُعَاءُ الآبَاءِ لِلأَبنَاءِ، مَنهَجُ الرُّسُلِ وَالأَنبِيَاءِ، فَهَذَا خَلِيلُ الرَّحمَنِ يَسأَلُ رَبَّهُ فَيَقُولُ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]، وَيَقُولُ: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وَقَالَ: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، وَهَذَا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 4 - 6]، وَقَالَ تَعَالى عَنهُ: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَانَ مِن هَديِهِ الدُّعَاءُ لأَبنَائِهِ وَأَحفَادِهِ وَأَبنَاءِ أَصحَابِهِ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: ضَمَّني رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمهُ الكِتَابَ»، وَفي رِوَايَةٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ»، وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ دَعَا لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَكثِرْ مَالَهُ ووَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعطَيتَهُ»، قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فَإِنِّي لَمِن أَكثَرِ الأَنصَارِ مَالاً، وَحَدَّثَتنِي ابنَتِي أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلبِي مَقدَمَ حَجَّاجٍ البَصرَةَ بِضعٌ وَعِشرُونَ وَمِئَةٌ.

وَلْيَحذَرِ الوَالِدَانِ كُلَّ الحَذَرِ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَى أَبنَائِهِمَا، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنفُسِكُم، وَلا تَدعُوا على أَولادكُم؛ لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَستَجِيبَ لَكُم»، وَكَم مِن دَعوَةٍ خَرَجَت مِن أَحَدِ الأَبوَينِ عَلَى أَحَدِ الأَبنَاءِ في سَاعَةِ غَضَبٍ، وَافَقَت سَاعَةَ إِجَابَةٍ، فَكَانَت سَبَبًا في فَسَادِ مُستَقبَلِهِ أَو هَلاكِه.

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الآبَاءُ، وَادعُوا لأَبنَائِكُم وَلا تَدعُوا عَلَيهِم، وَكُونُوا لَهُم عَونًا وَلا تَكُونُوا عَونًا عَلَيهِم، اللَّهُمَّ ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

عِبَادَ اللهِ:
مَتى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ
إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ




مَدَارِسُ تُعَلِّمُ وَتُرَبِّي، وَمُعَلِّمُونَ يُوَجِّهُونَ وَيَنصَحُونَ، وَخُطَبَاءُ يَأمُرُونَ وَيَنهَونَ، وَآبَاءٌ يُنفِقُونَ أَوقَاتَهُم وَأَموَالَهُم وَيَكدَحُونَ وَيَتَعَنَّونَ، وَرَسَائِلُ وَتَوجِيهَاتٌ وَفَتَاوَى في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَالقَنَوَاتِ وَالإِذَاعَاتِ، ثم يَذهَبُ كَثِيرٌ مِن ذَلِكَ سُدًى كَهَبَاءٍ طَارَت بِهِ الرِّيحُ، وَالسَّبَبُ هُوَ قِلَّةُ القُدُوَاتِ الصَّالِحَةِ الَّتي تَعمَلُ قَبلَ أَن تَقُولَ، وَتَجعَلُ العِلمَ وَاقِعًا في قَولِهَا وَعَمَلِهَا وَتَعَامُلِهَا، فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا آبَاءً وَإِخوَةً كِبَارًا، وَجِيرَانًا وَأَصحَابًا وَمُجتَمَعًا، وَلْنَحذَرْ مِن مُخَالَفَةِ الفِعَالِ لِلأَقوَالِ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

في صحِيحِ مُسلِمٍ عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسجِدِهِ، فَلْيَجعَلْ لِبَيتِهِ نَصِيبًا مِن صَلاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ في بَيتِهِ مِن صَلاتِهِ خَيرًا»، فَلْنَجعَلْ لِبُيُوتِنَا مِن صَلاتِنَا نَصِيبًا، بَل لِنَجعَلْ لِبُيُوتِنَا وَطُرُقَاتِنَا وَسَائِرِ شُؤُونِ حَيَاتِنَا مِن صَلاحِنَا العَمَلِيِّ نَصِيبًا، فَصَلاحُ المُجتَمَعِ وَاستِكثَارُ مَن فِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَاجتِهَادُهُم في الخَيرِ، وَحِرصُهُم عَلَى فِعلِ المَعرُوفِ وَاجتِنَابِ المُنكَرِ، كُلُّ ذَلِكَ مِن أَقوَى أَسبَابِ صَلاحِ الأَبنَاءِ، وَالنَّصِيبُ الأَكبَرُ مِن ذَلِكَ عَلَى الآبَاءِ، الَّذِينَ بِصَلاحِهِم يَدفَعُ اللهُ الشُّرُورَ عَن أبنَائِهِم، وَيَحفَظُهُم وَيَحفَظُ لَهُم، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82].

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: حَفِظَهُمَا اللهُ بِصَلاحِ وَالِدِهِمَا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.17 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]