|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
![]() سلسلة شرح الأربعين النووية عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت سلسلة شرح الأربعين النووية الحديث 21: ((قل: آمنت بالله ثم استقم)) عناصر الخطبة: • رواية الحديث. • المعنى الإجمالي للحديث. • المستفادات من الحديث والربط بالواقع. الخطبةالأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار. عن أبي عمرو - وقيل أبي عمرة سفيان بن عبدالله – رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، قُلْ لي في الإسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قُلْ: آمنت بالله ثم استقم))[1]. عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة لأنه من جوامع كلِمه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جمع للسائل بهاتين الكلمتين قواعد الدين، فأمره بالإيمان أولًا، ثم بالاستقامة ثانيًا؛ أي: الاعتدال على طاعة الله عقدًا وقولًا وفعلًا، مع المداومة على ذلك. فما الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟ نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي: 1- الترغيب في طلب النصيحة والوصية: لقول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا غيرك)، فتطلب من أهل الفضل والصلاح والدين، وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، كثيرًا ما يأتون النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال أو طلب نصح، ويأتون إلى أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق معنا[2]: ((الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))[3]، وقال عمر رضي الله عنه وهو أمير للمؤمنين في النصيحة: "لا خير فيهم إذا لم يقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم تُقَل لنا"[4]. 2- لا إيمان بدون استقامة: لأن الإيمان مع الاستقامة هو الدين الكامل؛ قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، وقال له أيضًا: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ﴾ [الشورى: 15]، والإيمان محله القلب، والاستقامة محلها الجوارح - وإن كان للقلب منها نصيب - ولذلك الاستقامة قسمان: • استقامة القلب: فأعظم ما ينبغي الاهتمام باستقامته هو القلب؛ لأنه متى استقام استقامت الجوارح، فهو كالملك لباقي الأعضاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((... ألَا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله؛ ألَا وهي القلب))[5]، فتعاهَدْ نيتك وإخلاصك لربك قبل العمل، واسأل سؤالًا: ماذا أريد بهذا العمل؟ فإن كان لله فأمضِه، وإن كان لغيره فتوقف حتى تصلح نيتك، وتعاهد معتقداتك في الله وملائكته، وكتبه ورسله، وقدره خيره وشره، وسائر الأمور الغيبية كأشراط الساعة، ونعيم القبر وعذابه، والجنة والنار وغيرها، حتى تكون وفق المعتقد الصحيح، وتجنب العقائد الفاسدة. وعاهِد قلبك في علاقتك بالناس، فتُحب لهم مثل ما تحب لنفسك، وتتجنب الحسد والبغضاء والكراهية، وهكذا إخواني بالمجاهدة تستقيم قلوبنا. • استقامة الجوارح:وهي تُعبِّر عما في القلب، فيستقيم لساننا فلا ينطق إلا بما يُرضي الله من الكلام الطيب؛ كإفشاء السلام، وقول كلمة الحق، وشكر الناس وغيرها، ويتجنب ما يجلب سخط الله؛ كالغِيبة، والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والكلام الفاحش وغيرها. ويعلم أنه مراقب؛ قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد لَيتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد لَيتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم))[6]. فاللهم ارزقنا استقامةً في القلب واللسان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:فكما ينبغي للسان أن يستقيم بالنسبة للجوارح، كذلك ينبغي للبصر أن يُغَضَّ عما حرم الله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 30، 31]، وينبغي لليد أن تستقيم فلا تسرق، ولا تغش أو تزوِّر، ولا تعتدي على الغير بالضرب أو القتل، ولا تقبض بها سيجارةً أو مخدرًا أو خمرًا، وبالمقابل تقدم يد العون للآخرين، وينبغي للرِّجل أن تستقيم فلا تذهب برجليك، أو تسافر بها إلى ما حرم الله، وبالمقابل تذهب بها إلى الصلاة الجماعية في المسجد، وتذهب لطلب العلم المشروع؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]. وهكذا لتعلموا - رحمكم الله - أن الإنسان مسؤول عن كل حواسه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. 3- فضل الاستقامة: إذ تحققت استقامة القلب والجوارح - عباد الله كما أسلفنا - حصدنا ثمارها باستقامة أحوالنا في الدنيا، وعِشنا حياةً آمنةً مطمئنةً سعيدةً، وأفاض الله علينا من خزائنه؛ قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]؛ أي: ماءً كثيرًا، وهو سبب للرزق الواسع، وأما في الآخرة، فإن المستقيم تنزل عليه الملائكة عند الموت والقبر وعند البعث، تؤمِّنهم من الخوف، وتبشرهم بالجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32]. فاللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك، ونسألك حسن عبادتك، ونسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب، آمين. (تتمة الدعاء). [1] رواه مسلم وغيره، رقم: 38، ولفظ مسلم: ((قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ)). [2] الحديث السابع. [3] رواه مسلم، رقم: 1718. [4] تاريخ المدينة، عمر بن شبة: 2 /773. [5] رواه مسلم، رقم: 1718. [6]رواه البخاري، رقم: 6478.
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
![]() سلسلة شرح الأربعين النووية عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت سلسلة شرح الأربعين النووية الحديث 22: ((أرأيت إذا صليت... أأدخل الجنة؟ قال: نعم)) عناصر الخطبة: • رواية الحديث. • المعنى الإجمالي للحديث. • المستفادات من الحديث والربط بالواقع. الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار. عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيتَ إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصُمتُ رمضان، وأحللت الحلال، وحرَّمت الحرام، ولم أزِدْ على ذلك شيئًا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم))[1]. عباد الله: هذا الحديث له أهميةٌ عظيمةٌ؛ لأنه من جوامع كلِمه صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا أحلَّ الشخص الحلالَ، وحرَّم الحرام، فقد أدَّى ما عليه، وسيُوفِّيه الله ما وعده؛ وهو الجنة. فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟ نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي: 1- إقامة الصلاة أولى الواجبات بعد التوحيد: لأنها شرطٌ في تحقق جواب الشرط؛ أي: دخول الجنة، والمقصود بالصلوات المكتوبات: الصلواتُ الخمس المفروضة في اليوم والليلة، والجمعة، ويجب فيها مراعاة ما يلي: • الإخلاص فيها لله تعالى بأن نؤديها لله؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. • أداؤها بالطريقة التي صلَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي))[2]، فمن أدَّاها بطريقة غير طريقته، فهي مردودةٌ عليه، كمن لا يطمئن في ركوعه وسجوده، أو لا يعتدل في قيامه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجلٌ، فصلى، ثم جاء، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلامَ، فقال: ارجِعْ فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ؛ ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أُحسن غيره، فعلِّمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة، فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))[3]. • الحرص على الصلاة في المسجد جماعةً، وهذا للرجال دون النساء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقلَ صلاةٍ على المنافقين صلاةُ العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة، فتُقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزُمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأُحرِّق عليهم بيوتهم بالنار))[4]، بهذا إخواني ستؤهلنا هذه الصلوات الخمس للدخول إلى جنة عرضها السماوات والأرض. 2- صوم رمضان واجبٌ: وهو أيضًا فرضٌ عيني لمن تحققت فيه الشروط وانتفت الموانع؛ ودليل وجوبه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184]، فلا بد من الصوم الذي يحقق التقوى ويقرِّب من الله، ويجب ألَّا نفهم من الصوم الإمساكَ عن الطعام والشراب والشهوات فقط، يعني الصوم الفقهي، بل لا بد أن نترقى في صومنا إلى صيام الجوارح عما حرم الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك، فلتقُل: إني صائمٌ، إني صائمٌ))[5]. فاللهم اجعلنا من المصلِّين والصائمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:فنستفيد كذلك: 3- وجوب إحلال الحلال وتحريم الحرام: فالحلال هنا أوسع مما عند علماء الأصول، فيدخل فيه الواجب كالزكاة والحج، وسائر الواجبات التي لم تُذكر في الحديث، ويدخل فيه المستحب والمندوب غير الواجب كنوافل الصلاة والصيام، ويدخل فيه الحلال الذي يستوي فيه الفعل والترك؛ كأنواع الطعام الطيب، واللباس المشروع، والسفر المباح. عباد الله: الويل لمن يسعى لإفساد الدين، وإفساد مجتمعات المسلمين، بإحلال ما حرَّم الله، أو تحريم ما أحله الله، اعتقادًا منهم أن شريعة الله غير صالحة لهذا الزمان، وتراهم يستبدلونها بتشريعات بشرية يستوردونها من هنا أو هناك، تصادم شريعة الرحمن في الظاهر والمقاصد؛ عن عدي بن حاتم قال: ((أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذهب فقال: يا عديُّ، اطرح هذا الوثن من عنقك، فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]، حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرِّمون ما أحل الله فتحرمونه، ويُحِلُّون ما حرم الله فتستحلونه؟ قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم))[6]. أما من هو مسرفٌ على نفسه بالمعاصي معتقدًا حرمتها وغير مستحلٍّ لها، فهذا أحسن حالًا من الطائفة السابقة، وعليهم بالمسارعة إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 53، 54]. والكمال في الإيمان – إخواني - في الوقوف على حدود الله وعدم انتهاك محرماته، وفعل الواجبات والمستحبات، وعدم حرمان النفس من المباحات والأخذ بالعزيمة في موضعها، وبالرخصة في موضعها، وخير الأمور أوسطها، وهذا الذي يُدخل الجنة، وينجي من النار. فاللهم اجعلنا ممن يُحلون حلالك ويحرِّمون حرامك، آمين. (تتمة الدعاء). [1] رواه مسلم وغيره، رقم: 38، ولفظ مسلم: ((قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ)). [2] رواه البخاري، رقم: 631. [3] رواه البخاري، رقم: 793. [4] رواه مسلم، رقم: 651. [5] رواه ابن خزيمة في صحيحه، برقم: 1996. [6] رواه الطبراني في الكبير، رقم: 218
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
![]() سلسلة شرح الأربعين النووية عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ الحديث 23: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ عناصر الخطبة: • رواية الحديث. • المعنى الإجمالي للحديث. • المستفادات من الحديث والربط بالواقع. الخطبةالأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار. عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجَّة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه؛ فمعتقها أو موبقها))[1]. عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلِمه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اشتمل على أبواب عظيمة؛ حيث رغَّب في الطهارة، والذكر، والصدقة، والصلاة، والصبر، والاهتمام بالقرآن وإنقاذ النفس. فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟ نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي: 1- الاهتمام بالطهارة: والمقصود بها الطهارة الحسية من الحدَث؛ كالوضوء والاغتسال، أو من الخبث؛ كالحرص على طهارة البدن والثوب والمكان، وهذه الطهارة شرط في صحة الصلاة؛ ولذلك فالمقصود بـ(الإيمان) هنا: الصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]؛ أي: صلاتكم، وهذه الطهارة الحسية مع الصلاة تؤدي إلى حصول الطهارة المعنوية؛ أي: طهارة القلب؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. 2- الإكثار من الذكر وقراءة القرآن: قال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وقال صلى الله عليه وسلم هنا في بيان فائدة الذكر: ((والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض))، وقال تعالى في بيان فائدته أيضًا: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((والقرآن حجة لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسه؛ فمعتقها أو موبقها))؛ أي: شفيع لمن يقرؤه ويعمل به، فيُعتقه من النار، ومن هجر تلاوته والعمل به، فهو حجة عليه وسبب في هلاكه في النار، وعلى سبيل المثال قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سورة البقرة وآل عمران: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوَين؛ البقرة، وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غَمَامتان - أو كأنهما غَيَايتان - أو كأنهما فِرْقان من طير صوافَّ، تحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَةُ، قال معاوية: بلغني أن البطلة: السَّحَرة))[2]. 3- الصلاة نور للمؤمن في الدنيا والآخرة: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]، فمن عاش بدون صلاة فهو يعيش في ظلام، وأنتم تعلمون نتيجة من يسير في الظلام، وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: ((من حافظ عليها، كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأُبَيِّ بن خلف))[3]؛ أي: إن الصلاة نفسها تضيء لصاحبها في ظلمات الموقف بين يديه، وبسببها يعلو النور وجه المؤمن، وقيل: النور معنوي؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب، فتصد عن المهالك، وتوصل إلى طريق السلامة، كما يُستضاء بالنور، فتصوروا معي - عباد الله - حينما تستيقظ وتصلي صلاة الفجر، كأنك تزودت بالطاقة والنور، كما نزود السيارة بالوقود، ثم تنطلق في أعمالك، ويبدأ إيمانك ونورك يضعف قليلًا بسبب المخالطة للناس، وتربُّص الشيطان بك، فتأتي صلاة الظهر فتتزود بالنور من جديد، وهكذا مع بقية الصلوات في يومك، وهكذا مع عمرك - ما حافظت على الصلاة إلى الممات - وتنير قبرك فتفرح بها، وحينما تُبعث بين يدي ربك فتُسر بصلاتك؛ لأنها حبل الصلة بينك وبينه، ولهذا كانت آخر وصية النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، قال: ((الصلاةَ الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم))[4]. فاللهم اجعلنا من المصلِّين والصائمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:فنستفيد كذلك: 4- الصدقة برهان على صدق الإيمان: الصدقة سواء كانت واجبةً كالزكاة، أو مستحبةً كأن تُحسن إلى شخص في طريقك بمال أو لِباس، والمراد بكلمة (برهان)؛ أي: إن الصدقة دليل واضح على صحة إيمانه وصدقه، ونبذ الشح والبخل؛ لأن النفس مجبولة على حب المال، فإذا أنفق الإنسان ما هو محبوب إلى قلبه، فهذا دليل على قوة يقينه بربه، وأنه سيُخلف له ما أنفقه، بخلاف البخيل الذي يخشى الفقر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا))[5]. 5- الصبر نور وانشراح للصدر: حينما يتعرض المؤمن لأقدار الله المؤلمة؛ كالمرض أو موت قريب، أو تعرض لأذى الناس، أو يجتهد في أداء ما افترض الله عليه من العبادات، أو ترك ما نهى عنه من المحرمات، ثم لا يتضجر ولا يتسخط، ولا ينتصر لنفسه؛ فهذا من علامات الصبر الذي يورث الضياء، ومعنى الضياء: هداية للإنسان وانشراح صدره، ونور في قلبه، يُورثه الله عز وجل إياه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35]. فاللهم اجعلنا من الصابرين والصابرات، والمتصدقين والمتصدقات، آمين. (تتمة الدعاء). [1] رواه مسلم، رقم: 38. [2] رواه مسلم، رقم: 804. [3] رواه أحمد في مسنده، رقم: 6576. [4] رواه أحمد في مسنده، رقم: 26483. [5] رواه البخاري، رقم: 1442.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |