|
ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() أبناؤنا والفراغ د عبد المجيد البيانوني الوقت هو الحياة ، وهو من أجلّ نعم الله على الإنسان ، لأنّه وعاء كلّ خير ، وظرف كلّ برّ ، ولكنّ كثيراً من الناس لا يقدّرون هذه النعمة حقّ قدرها ، ولا ينتفعون بها ، أو يستثمرونها الاستثمار الأمثل اللائق بها ، فيقتلون أوقاتهم وأعمارهم بأتفه الأمور وأحطّها ، ومن قتل وقته فيما لا يعود عليه بالخير ، فكأنّما يقتل نفسه ، وهو خاسر مغبون ، نادم حيث لا ينفع الندم ، وإلى ذلك يشير حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) (1) . كما بيّن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عِظَم مسئوليّة الإنسانِ يوم القيامة عَنْ عُمُرِهِ ، الذي قضاه في الدنيا ، وكان من أجلّ نعم الله تعالى عليه ، وكان رأسماله لتقوى الله والعمل الصالح ، فجاء في الحديث عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلمقَالَ : ( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَا وَضَعَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ : مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ ) (2) . وتبلغ الحَسرةُ أقصى مداها ، وأقسى تأثيرها وتبكيتها ، عندما يُوجَّهُ الخطابُ الإلهيُّ يومَ القيامة إلى أولئكَ الذين قتلوا أعمارهم لهواً ولعباً ، وسفهاً وعبثاً ، وظنّوا أنّهم إلى ربّهم لا يرجعون ، ولا يسألون ويحاسبون ، فيقولُ لهم الله تعالى : (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ) المؤمنون . ويقولُ الله تعالى : ( ..أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)) فاطر . يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله : " وينبغي التفكّر فى واجب الوقت ووظيفته ، وجمع الهمّ كلّه عليه ، فالعارف ابن وقته ، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلّها ، فجميع المصالح إنّما تنشأ من الوقت ، فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبداً ، قال الشافعي رضي الله عنه : " صحبت الصوفيّة فلم أستفد منهم سوى حرفين : أحدهما قولهم : " الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك " ، والكلمة الآخرى : " نفسك إن أشغلتها بالحقّ وإلاّ أشتغلتك بالباطل " (3)، فوقت الإنسان هو عمره فى الحقيقة ، وهو مادّة حياته الأبدية فى النعيم المقيم ، أو مادّة المعيشة الضنك فى العذاب الأليم ، وهو يمرّ أسرع من مرّ السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته ، وإن عاش فيه فعيشه عيش البهائم ، فإذا قطع وقته فى الغفلة والشهوة والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة ، فموت هذا خير له من حياته ، وإذا كان العبد وهو فى الصلاة ليس له من صلاته إلاّ ما عقل منها ، فليس له من عمره إلاّ ما كان فيه بالله ولله .. " (4) . وفراغ الوقت تبع لفراغِ النفس ، فإذا اجتمع مع فراغِ النفس : القوّة والشباب ، والغِنى والمال ، فقد أحدق الشرّ بالإنسان من كلّ جانب ، وأصبح أمام فتنة عظيمة ، وخطرٍ كبير ، لا منجى له منه إلاّ خوفٌ من الله تعالى رادع ، وحَياء مانع ، وعقل حكيم ، ووعي بآثار ذلك ومخاطره ، وفي ذلك يقول الشاعر : إنّ الشبابَ وَالْفَرَاغَ والجِدَه مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدَه ومن هنا فإنّ أرقَى مستَوى للتربية المثلى أن يربّى الناشئ على الشعور بقيمة العمر ، وحسن الاستثمار لأوقات الفراغ ، بما يجعله يحسّ بقيمة الحياة ، ممّا يعود عليه بأحسَن النتائجِ والثمرات ، وذلك ما يجمع له الخير من أطرافه ، ويختصر له الطريق إلى التنشئة الحصينة السويّة ، التي هي أغلى أمنية عند كلّ والدٍ ومربّ .. من خصوصيّات الوقت : وإنّ ممّا يدعو كلّ مؤمن عاقل إلى المحافظة على وقته ، بل نَفَسِه الواحد ، والضنّ به ألاّ يضيع سدى ، وأن يربّي أولاده عَلى ذلك : أن يعلم أنّ للوقت ثلاثَ خصوصيّات ليست لغيره : ـ أوّلها : أنّ كلّ مفقود يمكن أن يعُود أو يعوّض إلاّ الوقت ، فالوقت لا يقدّر بثمن ، وما مضى منه لا يعود . ـ وثانيها : أنّ واجبات العاقل الجادّ أكثر من أوقاته ، فهو لا يعرف الفراغ ، ولا يحسّ به . بل يتمنّى أن يبارك له في وقته ، فينجز في قليله ما لا يتأتّى له إلاّ في كثيره .. ـ وثالثها : أنّ الوقْت يمكن أن يَأتي بكلّ شيءٍ ، ولا يأتي أيّ شيء بما فُقِدَ من الوقت . ولكنْ ما السبيلُ إلى جعل أبنائنا يحرصون بأنفسهم ، وبدَافع داخليّ ذَاتيّ على حسن التقدير لقيمة الوقت ، واستثمار أوقات فراغهم بما يعود عَلَيهم بكلّ خير ونفع .؟! إنّ من طبيعة النفس حبّ الراحة وإيثارها ، والركون إلى القعود والكسل ، فلابدّ من تربية الطفل منذ الصغر على الجدّيّة في الحياة ، وتقدير قيمة الوقت ، وَحسن الاستفادة مِنْه ، ليكون ذلك سيرةً للإنسان ومنهجاً لحياته ، فإنّ فراغ الوقت تبَع لفَراغ النفس ، وفَراغ النفس صدى لفراغ الروح ، وتعطيل طاقاتها ، وحرمانها من أشوَاقها ، وحرمان الروح من أشوَاقها هو سرّ شقاء الإنسان وتخبُّطه ، وانحطاط حيَاته إلى مستوى البهيميّة السافِل ، فهَل وراء ذلك من أسباب أهمّ وأكبر تدعونا إلى إعطاء هذا الأمر أولويّته المناسبة .؟! فإذا أردنَا أَن نرى أوقاتاً محفوظة ، وأعماراً بالجدّ معمورة ، فلنوقد في نفوس أبنائنا الهِمَمَ العالِية ، والطموْحات الكبيرةَ ، ولنملأها بالأهداف الجليلة ، وسنرى من وراء ذلك أفعَالَ الرجال بأيدي الأطفال .. فإنّ القلِيل منَ الوقت الضائع لو أحسن الانتفاع به واستغلاله لكان مِن ورائهِ خير كثير ، وثروة هائلة ، فكيفَ بالأعمار المديدة ، والطاقات المبدعة ، التي منحها الله تعالى لعباده ، ومع ذلك فيرضى بعض الناس لأنفسهم أن تضيع هدراً ، وتذهب سدىً .؟! ويفتنّون في تبديدها فيما يسخط الله تعالى ولا يرضيه . فعلى الوالد والمربّي أن يلاحظ القوَاعد التاليَة ، في تربية الناشئ على الاستفادة من أوقات الفراغ وحُسْن استغلالها : 1 ـ اكتشاف هواية الطفل أو الناشئ ، والأخذ بها بعين الاعتبار في ملء فراغه ، وأن يؤخذ رأيه في ذلك . 2 ـ ضرورة التنويع في استثمار أوقات الفَراغ ، بين أنواع من الجدّ على مستويات ، وبين الترويح الهادف عن النفس ، كيلا يصاب الطفل أو الناشئ بالملل والسآمَة . 3 ـ ضرورة التربية العمليّة ، واستخدام لغة الحساب ، وضرب الأمثلة القريبة ، لمعرفة مدى الفرق بينَ ضياع الوقت وتَبديده ، أو الاستفادة منه وحسن استثماره . 4 ـ لابدّ منْ تقديم الوَالد أو المربّي الأسوة الحسنة للناشئ ، من نفسِه أو ممّن حوله ، كيلا يكونَ الكلام بعيداً عَن الواقعِ العمليّ ، ومن المبالغات التي لا تنفع .. 5 ـ ولابدّ منْ تقديم الصور الرائعة المشرقة ، من أخبار السلف الصالح ، وسيرهم في هذا المجال ، وما تركوا لنا من آثار عظيمة ، نتيجة حسن استثمارهم لأوقاتهم ، وإعمارهم لها .. 6 ـ ضرورة التدرّج في نَقل الطفل أو الناشئ إلى مرحلة الجدّيّة المطلوبة ، والأخذ بعين الاعتبار : سنّ الناشئ ، والمرحلة العمريّة التي هو فيها ، فإنّ المنبتّ لا أرضاً قطع ، ولا ظهْراً أبْقى .. وبعد ؛ فإنّ الحرص على إعمار الوقت ، وحسْن الاستفادة من الفراغ ، هو سرّ بَرَكة العمر ، وإنجاز الأعمال الكبيرة فيه ، ودوام نفعه حتّى ما بعد الموت ، وربّ قَليل من الوَقت أحسن استخدامه في مرضاة الله تعالى ، فكانت من ورائه السعادة الأبدِيّة ، أو أسيءَ استخدامه فكان من ورائه الدمار الاجتماعيّ ، والشقاء الأبديّ .. فهل لنا أن نقدّر للوقت أهميّته وقدره .؟! إنّا لنرجو ذلك ونتمنّاه ، والله وليّ التوفيق والعون والسداد .. (1) ـ رواه البخاريّ في كتاب الرقاق برقم /5933/ ، والترمذيّ وابن ماجة وأحمد والدارميّ . (2) ـ رواه الترمذيّ في كتاب القيامة والرقائق والورع برقم /2341/ ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه ، وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، ورواه الدارمي برقم /538/ . (3) ـ وجاء في بعض الكتب أنّ الكلمة الثانية : " وأفضل العصمة أن لا تجد " فأصبحت ثلاث كلمات . (4) ـ الجواب الكافي ص/109/ بتصرّف يسسير .
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |