|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حقوق الأم (1) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله الذي منّ علينا بالإسلام والإيمان، وتفضل علينا ببيان الشرائع والأحكام، وأحل الحلال وحرم الحرام، أحمده على نعمه الكاملة في كل آن، وأشكره على آلائه الشاملة لكل إنس وجان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار. وبعد: سنعيش مع من؟ مع القلب الرحيم والصدر الحنون، مع القلب المجبولِ على الشفقة، مع القلب الذي خُلِق يوم خُلِق فركّبت فيه الرحمة مع القلب الذي، يُحِبُّ وإن لم يُحَبّ، ويحنو وإن أغلِظ عليه. هل عرفتموه إنه قلب الأم. يا الله ما أحلى الحديث عن الأم وحنانها وعطفها؛ كيف لا؟ ودخول الجنة مُعلّق بطاعتها. نتكلم عن الأم يوم جعل غير المسلمين لها يومًا واحدًا وسموه: (عيد الأم) وهذا ليس من الإسلام في شيء، فالإسلام أمر ببرها في كل العام. نتكلم عن الأم في زمن نرى فيه الزوجات تُفضّل على الأمهات إلا من رحم الله. نتكلم عن الأم ونحن في زمن قلوب كثير من الأمهات تئن من العقوق وعيونهن لا تزال تدمع ألمًا وقهرًا من جُرم أبنائهم، عقوق وقطيعة يندى الجبين لها، وتقشعر الأبدان عند سماعها، بل إن العقل ليكاد ينكرها لبشاعتها. إنها الأم المخلوق الذي قدّم وضحّى ولم يزل. أمك يا عبد الله: كم حزنت لتفرح، وجاعت لتشبع، وبكت لتضحك، وسهرت لتنام، وتحمّلت الصعاب في سبيل راحتك، إذا فرحْت فرحَت، وإن حزنْتَ حزنَت، إذا دَاهمك الهمّ فحياتها في غمّ، أملها أن تحيا سعيدًا رضيًّا راضيًا مرضيًا. الأم المخلوق الضعيف الذي يُعطي ولا يطلب أجرًا، ويبذل ولا يأمل شكرًا، هل سمعتَ عن مخلوق يحبّك أكثر من ماله؟ لا، بل أكثر من دنياه، لا، بل أكثر من نفسه التي بين جنبيه، نعم يحبّك أكثر من نفسه، إنها الأم، الأم وكفى، رمز الحنان. تأمّل - أخي الحبيب: حالَ صغرك، تذكّر ضعف طفولتك، فقد حملتك أمك في بطنها تسعةَ أشهر وهنًا على وهن، حملتك كرهًا ووضعتك كرهًا، تزيدها بنموّك ضعفًا، وتحملها فوق طاقتها عناءً، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى، وعند الوضع رأت الموتَ بعينها، زفرات وأنين، غصص وآلام، ولكنها تتصبّر، تتصبّر، تتصبّر، وعندما أبصرتك بجانبها وضمتك إلى صدرها واستنشقت ريحك وتحسست أنفاسك تتردّد نسيت آلامها وتناست أوجاعها، رأتك فعلّقت فيك آمالها ورأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتنميك بهزالها، وتقوّيك بضعفها، فطعامك درّها وبيتك حجرها، ومركبك يداها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع، وتسهر لتنام، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة، إن غابت عنك دعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثتَ بها، تحسب الخير كلَّه عندها، وتظنّ الشرّ لا يصل إليك إذا ضمّتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها، فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها وتتبعك نظراتها وتسعى وراءك خوفًا عليك، ثم كبرت وأخذت منك السنين، فأخذ منها الشوق والحنين، صورتك أبهى عندها من البدر إذا استتمّ، صوتك أبدى على مسمعها من تغريد البلابل وغناء الأطيار، ريحك أروع عندها من الأطياب والأزهار، سعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، يرخص عندها كلّ شيء في سبيل راحتك، حتى ترخص عندها نفسها التي بين جنبيها، فتؤثر الموت لتعيش أنت سالمًا معافى. أمك يا عبد الله!! اسمع يا عبد الله وأعلم أن المحروم الضائع الخائب في الدنيا والأخرى من ضيّع حقوق الوالدين وخاصة الأم. روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن معاوية السلمي - رضي الله عنه -، قال: أتيت رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي وجه الله والدار الآخرة، قال: «ويحك، أحية أمك؟ » قلت: نعم، قال: «ارجع فبرها»، ثم قال: «ويحك، الزم رجلَها فثمّ الجنة». عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني جئت أُريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدار الآخرة، ولقد أتيت وإن والدي ليبكيان، قال: «فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]. عن أنس بن نضر الأشجعي قال: استقت أم ابن مسعود - ك - ماءً في بعض الليالي، فجاءها بالماء فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت عند رأسها حتى أصبح، ولما قدم أبو موسى الأشعري وأبو عامر على رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فبايعاه وأسلما، قال لهم عليه الصلاة والسلام: «ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟» قالوا: تركناها في أهلها، قال: «فإنه قد غفِر لها» قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: «ببرها والدتها» قال: «كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءهم النذير: إن العدوّ يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحمل أمها على ظهرها، فإذا تعبت وضعتها، ثم ألزقت بطنها ببعض أمها وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من حر الأرض حتى نجت» [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه]. إنها الأم، يا من تريد النجاة، الزم رجليها، فثمّ الجنة، قال ابن عمر - رضي الله عنهما - لرجل: (أتخاف النار أن تدخلها، وتحب الجنة أن تدخلها؟) قال: نعم، قال: (برّ أمك، فو الله لئن ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات)، يعني: الموبقات. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - أنه قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثةٌ: وذكر منهم صاحب جُرَيج، وكان جُرَيج رجلًا عابدًا فاتخذ صومعةً، فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جُريج، فقال: يا رب أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر وجوه المومسات ـ أي: الزواني ـ، فتذاكر بنو إسرائيل جُريجًا وعبادتَه، وكانت امرأةٌ بَغِيٌّ يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم، قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صَومَعَتِه، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت، فلما ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صَومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيت بهذه البَغِيِّ فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبيّ فطعن في بطنه وقال: من أبوك؟ قال فلانٌ الراعي، قال: فأقْبَلوا على جريج يُقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا» الحديث. ثلاث مراتٍ تناديه وهو لا يُلقي لها بالًا، وكان الواجب عليه أن ينصرف من صلاته ويجيب أمه؛ لأن ذلك أولى من صلاة النافلة. وروى الطبراني بسندٍ ضعيف عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -قال: كنا عند النبي - صلى الله وعليه وسلم - فأتاه آت فقال شاب يجود بنفسه قيل له قل لا إله إلا الله فلم يستطع، فقال كان يصلي؟ فقال نعم، فنهض رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - ونهضنا معه فدخل على الشاب فقال له قل لا إله إلا الله، فقال لا أستطيع، فقال لم؟ قال كان يعق والدته، فقال النبي - صلى الله وعليه وسلم - أحية والدته؟ قالوا نعم، قال ادعوها، فدعوها فجاءت، فقال هذا ابنك؟ فقالت نعم. فقال لها أرأيت لو أججت نار ضخمة فقيل لك إن شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذه النار أكنت تشفعين له؟ قالت يا رسول الله إذن أشفع، قال فأشهدي الله وأشهديني أنك قد رضيت عنه، قالت اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني، فقال له رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يا غلام قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فقالها، فقال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار »؛ ورواه الإمام أحمد مختصرا. ورد عن عائشة – رضي الله عنها - أن امرأة جاءت إليها ومعها بنتان لها، قالت: فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فَدَخَلَت عَلَيَّ النبيّ - صلى الله وعليه وسلم - فحدثتهُ حديثها، فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار»؛ [رواه البخاري ومسلم]، وفي لفظ: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، وأعتقها بها من النار». ما أعجب حنان الأم؟ ما هذه الرحمة التي في قلبها؟ ترى ابنها يعقها ويقطعها ولا تريد أن تدعو عليه، إن الرحمة التي في قلبها تنسيها مرارة العقوق وآلام القطيعة، إنها أمه لا تزال تحبه وترجو له الهداية، وتطمع في ذلك ولا تيأس. أخي الحبيب: هل تحرك قلبك لامك هل ندمت على ما فعلت وقصرت في حق أمك. أعرف رجلًا قطع أمه ما يقارب الثلاثين عامًا، ثلاثون عامًا لم يسافر إليها لزيارتها مع قدرته، ما منعه إلا الكبر، ومع ذلك لما جاءت ساعة وفاتها، أرسلت إليه تريد أن تراه، وتستأنس بلقياه قبل أن تفارق الدنيا، رحماك يا الله بها، وبجميع الأمهات الأحياء منهن والأموات. يدخل الزوج وهو يعيش مع والديه أو أن والديه يعيشان عنده، يدخل البيت معبس الوجه مكفهرّ الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأمّ الضحكات تتعالى من وراء باب الحجرة، أو يدخل ومعه هدية لزوجه فيعطي زوجته، ويدع أمه، ويل هؤلاء من رب العالمين، ويلهم من الله، لماذا يعيش هؤلاء؟ أي خيرٍ يريدونه وأي رحمةً يرجونها؟! وأي بركة في حياتهم ينتظرونها؟!! ليس لهم إلا السخط والغضب من رب العالمين، ألم يقل الرسول - صلى الله وعليه وسلم -: «إن سخط الرب في سخط الوالد وإن رضا الرب في رضا الوالد»؛ [رواه الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو] إنهم لو صدقوا في طلب مرضاة الله ورحمته لوجدوها في بر الوالدين. إن البر دأب الصالحين وسيرة العارفين، أراد ابن الحسن التميمي قتلَ عقرب فدخلت في جحر، فأدخلها أصابعه خلفها فلدغته، فقيل له في ذلك، قال: «خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي وتلدغها». قال محمد بن سيرين: "بلغت النخلة على عهد عثمان - رضي الله عنه - ألف درهم، فعمد أسامة بن زيد - رضي الله عنه - إلى نخلة فاشتراها، فنقرها وأخرج جمّارها، فأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟! قال: إن أمي سألتني ولا تسألني شيئًا أقدر عليه إلا أعطيتها». عبد الله بن عون نادته أمه فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين، وزين العابدين كان أبر الناس بأمه، وكان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فقيل له: إنك أبرّ الناس ولسنا نراك تأكل معها في صحفة واحدة؟! فقال: «أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها، ولقد مضى بين أيدينا أقوام لا يعلو أحدهم بيته وأمه أسفله». إنها الجنة، يا طالب الجنة، الزم قدميها فثمّ الجنة. روى الترمذي وصححه عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه». وفي صحيح الترمذي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «رضا الرب من رضا الوالد، وسخطه الرب من سخط الوالد». قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسبًا إلا فتح الله بابين ـ يعني من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرضى الله عنه حتى يرضى عنه)، قيل: وإن ظلما؟ قال: (وإن ظلما). لأُمك حق لو علمتَ كبير ![]() كثيرك يا هذا لديه يسير ![]() فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ![]() لها من جواها أنّة وزفير ![]() وفي الوضع لا تدري عليها مشقة ![]() فمن غصص منها الفؤاد يطير ![]() وكم غسّلت عنك الأذى بيمينها ![]() وما حجرها إلا لديك سرير ![]() وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها ![]() حنوا وإشفاقًا وأنت صغير ![]() فضيعتها لما أسأت جهالة ![]() وطال عليك الأمر وهو قصير ![]() فآهًا لذي عقل ويتبع الهوى ![]() وآهًا لأعمى القلب وهو بصير ![]() فدونك فارغب في عميم دعائها ![]() فأنت لما تدعو إليه فقير ![]() اللهم أعنا على بر أمهاتنا، والإحسان إليهن أحياءً وميتن.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() حقوق الأم (2) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله المستحق للحمد والخشية، المتفردِ بالجبروت والعزة والعظمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل من الحكمة والبيان ما تخشع له القلوب وتقشعر الأبدان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى والحق والفرقان، أكملُ وأجلُّ من خَشِي الواحدَ الديّان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: ما زال الحديث عن حقوق الأم. هذا شاب تخلّص من أمه المعاقة برميها عند باب أحد المستشفيات، وآخرُ يطرد أمه طاعة لزوجته، وأم تقول لي ابن ثلاث سنوات والله ما سلم عليّ، وآخر يُسمِعُها كلماتِ السب والشتائم، إذا تكلمت في زوجته وعصت أمرها. الله أكبر يا عبدَ الله، هل هذا جزاء من حملتك في أحشائها تسعة أشهر وهنًا على وهنٍ، حملتك كرهًا ووضعتك كرهًا. رأى ابن عمر - رضي الله عنهما - رجلًا يمانيًا يطوف بالبيت حمل أمه وراءه على ظهره، يقول: إني لها بعيرها المدلَّل، إن أذعِرت ركابها لم أذعر، الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتني، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟! قال ابن عمر: (لا، ولا بزفرة واحدة). إلى الذين يفضلون أزواجهم على أمهاتهم إلى الذين يعطون أزواجهم ويمنعون أمهاتهم. فلا تُطع زوجةً في قطع والدة ![]() عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا ![]() فكيف تنكر أمًا ثُقلَك احتملت ![]() وقد تمرّغت في أحشائها عُسرا ![]() وعالجت بك أوجاع النفاس وكم ![]() سُرّت لما ولدت مولودها ذكرا ![]() وأرضعتك إلى الحولين مكملة ![]() في حجرها تستقي من ثديه الدررا ![]() ومنك ينجسها ما أنت راضعه ![]() منها ولا تشتكي نتنًا ولا قذرا ![]() و"قل هو الله" بالآلاف تقرؤها ![]() خوفًا عليك وترخي دونك السُتُرا ![]() وعاملتك بإحسانٍ وتربية حتى ![]() استويت وحتى صرت كيف ترى ![]() فلا تفضل عليها زوجة أبدًا ![]() ولا تدع قلبها بالقهر منكسرًا ![]() يأتي رجل وزوجته، وأمه تحمل ولده؛ ليشتروا ذهبًا من بائع ذهب في هذه المنطقة، وبائع الذهب هو الذي يروي هذه الحادثة، تدخل زوجة هذا الرجل وتأخذ ذهبًا بما يساوي عشرين ألف ريال، وتقف الأم واجمة هناك تحمل ولده ثم تتقدم لتأخذ خاتمًا يساوي ثمانين ريالًا، فيقوم الابن بتسديد قيمة ذهب زوجته فيقول البائع: بقي ثمانون ريالًا، قال: لماذا؟ قال: قيمة الذهب الذي أخذته أمك، فانفجر غاضبًا وقال: كبار السن لا يحتاجون للذهب، أخذت الأم الخاتم وأعادته للبائع ولسان حالها يقول: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾[يوسف:86] خرجت تحمل ولده تريد السيارة وكأن زوجته أنبته على هذا الفعل وقالت: من يمسك لنا ابننا، أعطيها الخاتم. فأعطاها إياه فرمته وانفجرت تبكي قائلة: والله لا ألبس ذهبًا في حياتي أبدًا، حسبي الله ونعم الوكيل! لا إله إلا الله آباء يئنون وأمهات يشتكين! ولا إله إلا الله يحز في النفس ويدمي القلب ويندي الجبين يوم نسمع بل نرى بعض الأبناء يعق والديه! يؤذيهما ويجاهرهما بالسوء وفاحش القول! يقهرهما وينهرهما! يرفع صوته عليهما، يتأفف منهما! يقول بعضهم: أراحنا الله منك وعجل بزوالك يا شيبة النحس ويا عجوز الشؤم، لا إله إلا الله قول يستحي إبليس أن يقوله وبعض شبابنا يردده ناسيًا أو متناسيًا قول الله: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء:36] لا إله إلا الله! يا عبد الله! كم وكم من الرجال من يأخذ زوجته في سفر، وفي رحلة، وفي نزهة، ولا يكلف نفسه أن يقول لأمه: أتريدين الذهاب معنا؟ هلا سافرت معنا! فتجده لا يريدها. يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: «إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله من بر الوالدة » يقول: ما في الدنيا عمل أكثر قربة إلى الله من بر الوالدة: (الزم قدميها فثم الجنة). واسمع إلى هذه القصة، التي لولا أنها ذكرت في جريدة وتواترت على ألْسنة بعض الناس -والله- ما ذكرتها ولا قصصتها ولا كنت أظن أن من الناس من يفعل هذا، وسوف أتصرف في ذكرها فاسمعها -يا عبد الله- لتعلم أن هذا الشر مستطير، وأن هذا الفعل يوشك أن يؤذن لهذه المجتمعات بالعقوبة، وأن ينزل الله عزوجل عليها عذابه، بسبب ما يفعله كثير من الناس. يقول الراوي: إنه خرج مع أسرته إلى شاطئ البحر، فلما وصل -هو وعائلته- يقول: رأينا عجوزًا على بساط على الشاطئ لوحدها، يقول: فجلسنا على الشاطئ، فتعشينا في الليل، يقول: ثم بعد العشاء تسامرنا، وأخذنا نلهو ونتحدث حتى حلَّ منتصف الليل، يقول: وأردنا الرجوع، فلما أردنا الرجوع قلت في نفسي: سبحان الله! ما بال هذه العجوز جالسة لوحدها؟! لم يأتها أحد، ولم يقربها أحد، يقول: فلما قفلنا جئتها، فقلت لها - اسمع إلى هذا الخبر، واسمع إلى هذا العقوق - فقلت لها: يا أماه! خيرًا إن شاء الله، أنت لوحدك وليس معك أنيس ولا جليس، فقالت هذه العجوز: إن ابني أتى بي إلى هنا، وقال لي: أن عنده عملًا سوف يذهب إليه ثم يرجع. فقال لها: يا أماه! الوقت متأخر فهلا رجعت معنا؟ قالت: لا. سوف أنتظر ابني ولو تأخر، فقد أخبرني أنه: سوف يتأخر وسوف يرجع. قال: يا أماه! لكن الوقت متأخر جدًا ولا أحد في هذا المكان. قالت: لن أرجع حتى يرجع ابني، وعدني أنه سوف يرجع، وأعطاني هذه الورقة. قال: وما هذه الورقة؟ فقالت: اقرأها تعرف ما فيها. فقرأتها فإذا في هذه الورقة: يرجى ممن يقرأ هذه الورقة أن يأخذ العجوز إلى دار الرعاية. لعن الله من لعن والديه، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من لعن والديه، فهذه في الكلمات فكيف إذا كانت في الأفعال؟! يرميها على شاطئ البحر ويقول: يرجى ممن عثر على هذه العجوز أن يأخذها إلى دار الرعاية. اسمع هذه الأم، والشاعر يتكلم بلسانها، وكأنها تقول: لا تسبوا ولدي ما كنت ![]() رغم الغدر خصمه ![]() إن لي في قلبه حبًا ![]() وليس الحب تهمه ![]() هو طفلي وأنا ![]() أضمه مذ كان لحمه ![]() هو في الليل سميري ![]() وأنيسي في الملمه ![]() ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا *وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 23]. إخواني، كم ساعات قضى فيها المسلم للوالدين حاجات، غفر الله عز وجل بها الذنوب والزلات، وخرج بها الهموم والكربات، كم ولد بار أو فتاة بارة قاما من عند والديهما بعد سلام أو طيب كلام أو هدية متواضعة وقد فُتحت أبواب السماء بدعوات مستجابات لهما من والديهما الضعيفين الكبيرين. فاتقوا الله في الوالدين، سيّما إذا بلغا من الكبر والسنّ ما بلغا، ووهن العظم منهما واشتعل الرأس شيبًا، إذا بلغت بهما الحال ما بلغت وأصبحا ينظران إليك نظر الذي ينتظر لقمة هنية أو أعطية جزية. ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]. حَدّث أحد الضباط العاملين في جهاز الدفاع المدني فقال: إنهم وصلوا إلى بيت قد اشتعلت فيه النيران وفي البيت أم وأطفال لها ثلاثة، بدأ الحريق في إحدى الغرف، فحاولت الأم الخروج من الأبواب فإذا هي مقفلة، صعدت سريعا مع أطفالها الثلاثة إلى سطح المنزل لتخرج من بابه فألفته مغلقًا كذلك، حاولت فما استطاعت، كررت فأعياها التكرار، تعالى الدخان في المنزل، وبدأ النفس يصعب، احتضنت صغارها، ضمتهم إلى صدرها، وهم على الأرض حتى لا يصل الدخان الخانق إليهم، والأم الرؤوف تستنشقه هي، لما وصلت فرق الإنقاذ إلى سطح المنزل وجدوها ملقاة على بطنها، رفعوها فإذا بأبنائها الثلاثة تحتها أموات، كأنها طير يحنو على أفراخه يجنبهم الخطر، تدافع عنهم من عدوّ كاسر، وجدوا أطراف أصابع يدها مهشّمة وأظافرها مقطوعة إذ كانت تحاول فتح الباب مرّة، ثم نرجع إلى أولادها لتحميهم من لهيب النار وخنق الدخان مرة أخرى، حتى قضت وقضوا. في صورة تجسّد روعة التضحية، في لوحة مصونة بألوان الحنان منقوشة بريشة العطف والرحمة. ومع كلّ هذه التضحية والتفاني في الحفظ والرعاية التي تقدمها الأم لوليدها وفلذة كبدها، حتى قال النبي - صلى الله وعليه وسلم - في بيان عظم حقها مع الوالد: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فتشتريه فيعتقه»؛ [رواه مسلم]. مع هذا الحب الفياض والعطف الرؤوف والحنان المتدفق نسمع ونرى من صور العقوق ونكران الجميل والقسوة العجيبة والغلظة الرهيبة وإساءة العمل وسوء التعامل ما لا يتحمله عقل ولا قلب. ها هي رسالة تكتبها أم بدموعها. رسالة تبعَثها أم مكلومة إلى وليدها وريحانة فؤادها، قالت الأم المسكينة: "يا بني، منذ خمسة وعشرين عامًا كان يومًا مشرقًا في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أني حامل، والأمهات ـ يا بني ـ يعرفن معنى هذه الكلمة جدًّا، فهي مزيج من الفرح والسرور وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسدية، وبعد هذه البشرى حملتك ـ يا بني ـ تسعة أشهر في بطني فرحة جذلة، أقوم متثاقلة، وأنام بصعوبة، وآكلُ مرغمة، وأتنفّس بألم، ولكن كل ذلك لم ينقص من محبتي لك وفرحي بك، بل نمت محبتك مع الأيام وترعرع الشوق إليك. حملتك ـ يا بني ـ وهنًا على وهن وألمًا على ألم، بيد أني كنت أفرح وأفرح كلما شعرت بحركتك داخل جوفي، وأسرّ بزيادة وزنك، مع أنه حمل ثقيل علي، إنها معاناة طويلة، أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه القلم ولا يتحدّث عنه اللسان، ورأيت بأمي عيني ـ والله يا بني ـ الموت مرات عدّة حتى خرجت إلى الدنيا، فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي، وأزالت كل آلامي وجراحي. يا بني، مرّت سنوات من عمري وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، جعلت حجري لك فراشًا، وصدري لك غذاء، أسهرت ليلي لتنام، وأتعبت نهاري لتسعد، أمنيتي أن أرى ابتسامتك، وسروري كلّ لحظة أن تطلب مني شيئًا أصنعُه لك، فتلك منتهى سعادتي. ومرت الأيام والليالي وأنا على تلك الحال، خادمة لم نقصّر، ومرضعة لم تتوقف، وعاملة لم تفتر، حتى اشتدّ عودك واستقام شبابك، وبدأت تظهر عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يمينا ويسارًا لأبحث لك عن المرأة التي طلبت، وأتى موعد زفافك فتقطع قلبي وجرت مدامعي فرحة بحياتك السعيدة الجديدة وحزنا على فراقك، ومرّت الساعات ثقيلة فإذا بك لست ابني الذي عرفت، لقد أنكرتني وتناسيت حقي، تمرّ الأيام لا أراك، ولا أسمع صوتك، وتجاهلت من قامت لك خير قيام، يا بني، لا أطلب إلا القليل اجعلني من أطرف أصدقائك عندك وأبعدهم خطوة لديك. اجعلني - يا بني - إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق. يا بني، أحدودب ظهري وارتعشت أطرافي وأنهكتني الأمراض وزارتني الأسقام، لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقة، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك، لو أكرمك شخص يومًا لأثنيت على حسن صنعه وجميله، وأمك ـ يا رعاك ربي ـ أحسنت إليك إحسانًا لا تراه ومعروفًا لا تجازيه، لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات، فأين الجزاء والوفاء؟! إلى هذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟! يا بني، كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري، ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي، وأتساءل: أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدوة لك لا تطيق رؤيتي وتتثاقل عني؟! لن أرفع شكواك، ولن أبثّ الحزن لأنها إن ارتفعت فوق الغمام واعتلت إلى باب السماء أصاب شؤم العقوق ونزلت بك العقوبة، وحلت بدارك المصيبة، لا، لن أفعل، لا تزال ـ يا بني ـ فلذة كبدي وريحانة حياتي وبهجة دنياي. أفق يا بني، بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر سنوات ثم تصبح أبا شيخًا، والجزاء من جنس العمل وستكتب رسائل لابنك بدموع مثل ما كتبت لك، وعند الله تجتمع الخصوم. يا بني. اتق الله في أمك، كفكِف دمعها، وخفف حزنها، وإن شئت بعد ذلك فمزّق رسالتها، واعلم أنه من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها». سُئل الحسن البصري: ما دعاء الوالدين للولد؟ قال: نجاة، قال: فقلت: فعليه؟ قال: استئصاله، يعني الهلاك. لا إله إلا الله ما أعظم بر الوالدين! ما أحوجنا إلى الدعاء منهم، ما أحوجنا إلى رضاهم، ما أحوجنا إلى برهم وصلتهم، علَّ الله أن يكتب لنا بذلك الرضوان، لكننا مع عظيم الأسف نرى البعض كأنه ليس بحاجة لدعائهم. أخي الحبيب: إن حق الأم على الولد عظيم، وشانها كبير، فلا يدعُها باسمها، بل نادها بما تحبّ من اسم أو كنية، لا تجلس قبلها، ولا تمشي أمامها، قابلها بوجه طلق، قبل رأسها، والثم يدها، إذا نصحتها فبالمعروف من دون إساءة، أجب دعوتها إذا دعتك من دون ضجر أو كراهية، تكلم معها باللين، أطعمها إذا جاعت، أو اشتهت صنفًا وإن تأنيت في ذلك، أهدها قبل أن تسأل شيئًا، تحسَّس ما تحبّ فاجلبه لها، كان خادمًا مطيعًا لها، أطعها في غير معصية، لا تسبقها بأكل أو شرب، أبهجها بالدعاء لها آناء الليل وأطراف النهار بالرحمة والمغفرة، غضّ الطرف عن أخطائها وزلاتها، لا تتأسّف أو تحدّث أحدًا عن سبيل الشكاية أو النكاية، وقرها واحترمها، لا تتكبّر عليها فقد كنت في أحشائها وبين يديها، أدخل السرور عليها، صاحبها بالمعروف، اطلب الدعاء منها فله تفتح أبواب السماء. أخي الحبيب: اعلم رحمك الله ـ أن بر الوالدين لا ينتهي بموتهما، فعن أبي أسيد الساعدي قال: فيما نحن عند رسول إذ جاءه رجل من بني سلِمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويّ شيء أبرّهما بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاةُ عليهما والاستغفارُ لهما وانفاذُ عهدهما من بعدهما وصلة الرحِم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما». وبر الوالدين يستمرّ في ذرية الإنسان وعقبِه من بعده، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعِفّوا تعِف نساؤكم». كذلك بر الوالدين يزيد في العمر، عن سهل بن معاذ - رضي الله عنه -أن رسول - صلى الله وعليه وسلم - قال: «من بر والديه طوبى له، زاد الله في عمره». أسأل الله أن يعينني وإياكم على بر الوالدين وطاعتهم والإحسان إليهم أحياء وأموات وأن لا يميتنا وإياكم إلا وهو راضٍ عنا وصلى اللهم وبارك.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |