|
|||||||
| فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
بيع التَّورُّق[1] عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان ذكر بعض الباحثين أن تسمية (التورق) خاصة بالحنابلة، وأن بقية الفقهاء يذكرونها في ضمن بيع العينة[2]. صورتها: أن يحتاج إنسانٌ إلى نقدٍ فلا يجد من يقرضه فيشتري سلعةً إلى أجلٍ غير قاصدٍ لها وإنَّما ليبيعها ويستفيد من ثمنها[3]. مثالها: أن يحتاج رجل إلى مبلغ قدره 40.000 أربعون ألف ريالٍ، فلا يَجِدُ من يقرضه فيشتري سيَّارة بالتَّقسيط إلى خمسة أعوامٍ ويبيعها في السُّوق. تحرير محلِّ النِّزاع في المسألة: يقول ابن تيمية رحمه الله: (المشتري على ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصودُهُ السِّلعة ينتفِع بها للأكل والشُّرب واللُّبس والرُّكوب، وغير ذلك. والثاني: أن يكون مقصودُه التِّجارة فيها: فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنَّة والإجماع. النوع الثالث: أن يكون المشتري إنَّما يريد به دراهم مثلًا ليوفي بها دينًا، واشترى بها شيئًا فيتَّفقان على أن يعطيه مثلًا المئة بمئةٍ وعشرين إلى أجلٍ فهذا كُلُّه منهيٌّ عنه، فإن اتفقا على أن يعيد السِّلعة إليه؛ فهو بيعتان في بيعة، وإن أدخلا ثالثًا يشتري منه السلعة ثم تعاد إليه فكذلك، وإن باعه وأقرضه فكذلك، فهذه تسمَّى: (مسألة التَّورُّق)، وفيها نزاع بين العلماء)[4]. واختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال: القول الأول: أنَّه محرم، وهو مرويٌّ عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال أحمد في روايةٍ عنه اختارها ابن تيمية[5]. القول الثاني: أنَّه صحيحٌ، وبه قال الحنفيَّة[6]، والمالكيَّة[7]، والشافعيَّة[8]، والحنابلة على الصحيح من المذهب[9]، فهو قول جماهير أهل العلم. وذهب ابن عثيمين إلى أنَّها تجوز بشروطٍ: الأول: أن يتعذَّر القرض أو السَّلم. الشَّرط الثاني: أن يكون محتاجًا حاجة بينة. الشَّرط الثالث: أن تكون السِّلعة عند البائع فإن لم تكن عند البائع فقد باعَ ما لم يدخل في ضمانه، قال: (فإذا اجتمعت هذه الشُّروط الثلاثة فأرجو ألَّا يكون بها بأسٌ؛ لأنَّ الإنسان قد يضطرُّ أحيانًا إلى هذه المعاملات)[10]. دليل أصحاب القول الأول: استدلَّ أصحاب هذا القول على حُرمَةِ عقد التَّورُّق بالأدلَّة التي سبق ذكرها في أدلَّة تحريم العينة، يقول ابن القيم رحمه الله فيما حكاه عن شيخه ابن تيمية رحمه الله: (وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التَّورُّق، ورُوجِعَ فيها وأنا حاضرٌ مرارًا، فلم يرخِّص فيها، وقال: المعنى الذي لأَجْلِهِ حُرِّم الرِّبا موجودٌ فيها بعينه مع زيادة الكُلفَة بشراء السِّلعة وبيعها والخسارة فيها؛ فالشَّريعة لا تحرِّم الضَّرر الأدنى، وتبيح ما هو أعلى منه ..)[11]. وقال ابن القيم أيضًا: (وهي شقيقةُ مسألة العينة؛ فأيُّ فرقٍ بين مصير السِّلعة إلى البائع وبين مصيرها إلى غيره؟ بل قد يكون عَوْدُها إلى البائع أرفَقَ بالمشتري وأقلَّ كُلفَةً عليه وأرفع لخسارته وتعنِّيهِ، فكيف تحرِّمون الضَّرر اليسير، وتبيحون ما هو أعظمُ منه، والحقيقة في الموضوعين واحدةٌ)[12]. ويقول ابن تيمية أيضًا في بيان وجه الحيلة في التَّورُّق: (أن يكون المشتري إنَّما يريد به دراهم مثلًا ليوفي بها دينًا، واشترى بها شيئًا فيتَّفقان على أن يعطيه مثلًا المئة بمئةٍ وعشرين إلى أجلٍ فهذا كُلُّه منهيٌّ عنه، فإن اتفقا على أن يعيد السِّلعة إليه؛ فهو بيعتان في بيعة، وإن أدخلا ثالثًا يشتري منه السلعة ثم تعاد إليه فكذلك، وإن باعه وأقرضه فكذلك، فهذه تسمَّى: (مسألة التَّورُّق) وفيها نزاع بين العلماء)[13]. ونوقش: بعدم التَّسليم بأن عقد التَّورُّق حيلةٌ على الرِّبا، وفرقٌ بين العينة والتَّورُّق، فإن السِّلعة في التَّورُّق مقصودٌ فيها قيمتها، فإن المشتري يريدها لينتفع من ثمنها الذي سيبيعه بها في السُّوق، وليس الأمر كذلك في العينة، إذ أنَّها في مالٍ مقابل مالٍ، ومن جهةٍ أخرى: فإنَّ الرِّبا الصَّريح يُتصوَّر في طرفين معيَّنَين، واحتمال الرِّبا في صورة التَّورُّق بعيدٌ جدًّا، وذلك يظهر في تعيين المحتال على الرِّبا: فإن البائع باع كما يبيع النَّاس، ولا إشكال عند الجميع في جواز البيع لأجلٍ[14]، ولا يُنكَرُ كون الثَّمن في البيع المؤجَّل أكثر من الثَّمن في البيع الحالِّ، كما أنَّه لا إشكال عند الجميع -كما سبق في تحرير محلِّ النزاع- في جواز الشِّراء لأجلِ التِّجارة، فأين الرِّبا المحتال عليه والصورة هذه؟ ومن وجهٍ آخر: فإنَّنا لا نُنَازِع في المنع من الصُّورة التي حكاها ابن تيمية رحمه الله في قوله: (...وإن أدخلا ثالثًا يشتري منه السِّلعة ثم تعاد إليه فكذلك وإن باعه وأقرضه ...) الخ، ولكنَّنا نُنَازِعُ في عدِّ هذه الصُّورة من صور عقد التَّورُّق، فإنَّه حيث وُجِدَ التَّواطؤ بين الأطراف الثَّلاثة فإن العقد عقدُ عينةٍ ثلاثيَّةٍ ولا إشكال في منعه عند المذاهب الثلاثة كما سبق بيانه[15]، وأمَّا أن يشتري المشتري السِّلعة إلى أجلٍ ثم يذهب بها إلى السُّوق ليبيعها فإن الأطراف متباينون، ولا تواطؤ فالأقرب أن تكون من صور التِّجارة التي نقل ابن تيمية أن أهل العلم أجمعوا على جوازها[16]. دليل أصحاب القول الثاني: الدليل الأول: أنَّ الأصل في العقود الحلُّ، ولم تشتمل هذه الصُّورة على ما يوجب القول بحُرمة التَّورُّق إذ لا محظور فيه، (لأنَّ المشتري لم يَبِعْهَا على البائع عليه، وعموم النُّصوص تدلُّ على جوازها وكذلك المعنى؛ لأنَّه لا فرق بين أن يشتريها ليستعملها في أكلٍ أو شربٍ أو استعمالٍ، أو يشتريها لينتفع بثمَنِها، وليس فيها تحيُّلٌ على الرِّبا بوجهٍ من الوجوه، مع دعاء الحاجة إليها، وما دعت إليه الحاجة وليس فيه محظورٌ شرعيٌّ لم يحرِّمه الشَّارع على العباد)[17]. الدليل الثاني: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء بلال إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتمرٍ برنيٍّ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «من أين هذا؟»، قال بلال: كان عندنا تمرٌ رديءٌ، فبعت منه صاعين بصاعٍ، لنُطعِم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «أُوَّه أُوَّه، عينُ الرِّبا عينُ الرِّبا، لا تَفْعَلْ، ولكنْ إذا أردتَ أن تشتري فبِعْ التَّمر ببيعٍ آخر، ثم اشتره»[18]. وجه الدلالة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد بلالًا إلى طريق مباحٍ يغنيه عن الطريق المحرَّم، فكذا الحال بالنسبة للتَّورُّق، فإنَّ المشتري اتَّخذ الطريق الشرعيِّ للنَّقد بالشِّراء إلى أجلٍ ثم البيع[19]. قال ابن سعدي رحمه الله: (وفيه نصٌّ صريحٌ على جواز مسألة التَّورُّق)[20]. الترجيح: يظهر للباحث رجحان القول الثاني القائل بجواز عقد التَّورُّق؛ لأنَّ الأصل في المعاملات الحلُّ، كما أنَّ الحيلة في هذه الصُّورة بعيدةٌ، وما ذكره أصحاب القول الأول فلا ينازَعون فيه في صورة العينة الثلاثية، وما أشبهها ممَّا وُجِدَ فيه التَّواطؤ، فأمَّا حيث لم يوجد التَّواطؤ فلا موجِبَ للتَّحريم والله أعلم. هذا ما تيسَّر إيرادُه، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. [1] ما جاء في هذه الورقات مُستلٌّ من رسالتي في مرحلة الدكتوراه بعنوان: (أوصاف عقود المعاوضات المؤثرة في التكييف دراسة وتحليلًا)، وينظر من مراجع المسألة: كلام ابن القيم في تهذيب السنن (3/ 1650). [2] ينظر: أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية لمحمد تقي العثماني من بحوث الدورة التاسعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص (1) وموسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (2/ 350). [3] ينظر: فتح القدير (7/ 212)، والنهر الفائق (3/ 575)، والقوانين الفقهية ص(455)، وشرح مختصر خليل للخرشي (5/ 95)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (11/ 195-196)، وشرح المنتهى (2/ 26). [4] مجموع فتاوى ابن تيمية (29/ 499-500) مختصرًا. [5] ينظر: إعلام الموقعين (5/ 86)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (11/ 195-196). [6] ينظر: فتح القدير (7/ 212)، والبناية شرح الهداية (8/ 461)، وقد أطلق بعضهم كراهة التَّنزيه وعلَّل القول بالكراهة بأنَّ البائع عَدَل عن مبرَّة القرض إلى البيع بهذه الصُّورة، لكن قال في البناية (8/ 462): (وكأنَّ الكُره حصل من المجموع فإنَّ الإعراض عن الإقراض ليس بمكروهٍ، والبُخل الحاصل من طلب الرِّبح في التِّجارات كذلك وإلَّا لكانت المرابحة مكروهةً..)ا.هـ. [7] ينظر: القوانين الفقهية ص (455) وشرح مختصر خليل للخرشي (5/ 95). [8] ينظر: الحاوي الكبير للماوردي (5/ 288)، والعزيز شرح الوجيز (4/ 137)؛ حيث استدلوا بكلام صريح في إجازة التورُّق يقول الماورديُّ: (ولأنَّ كلَّ سِلعَةٍ جاز بيعها من غير بائعها بثمنٍ جاز بيعها من بائعها بذلك الثَّمن كالعَرض؛ ولأن كلَّ سلعةٍ جاز بيعها من شخص بعرَضٍ جاز بيعها منه بقيمة ذلك العرَضِ كالأجنبيِّ..) ا.هـ. [9] ينظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (11/ 195-196)، وشرح المنتهى (2/ 26). [10] الشرح الممتع (8/ 221). [11] إعلام الموقعين (5/ 86-87). [12] إعلام الموقعين (5/ 130). [13] مجموع فتاوى ابن تيمية (29/ 499-500) مختصرًا. [14] ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 222)، وينظر: الإجماع لابن المنذر ص(108)، وموسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (2/ 295). [15] تقدم في ص (212). [16] نقل الإجماع ابن تيمية وقد سبق عند تحرير محل النزاع وينظر في مجموع فتاوى ابن تيمية (29/ 499-500). [17] قاله ابن سعدي رحمه الله، عزاه له تلميذه ابن بسام ينظر: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ص (503-504)، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 398)، وينظر: مجموع فتاوى ابن باز (19/ 103). [18] متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوكالة، باب إذا باع الوكيل شيئًا فاسدًا فبيعه مردود برقم (2312) (3/ 101)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الطعام مثلًا بمثل برقم (1594) (3/ 1215). [19] ينظر: التعليقات على عمدة الأحكام ص (435)، وتيسير العلام شرح عمدة الأحكام ص (503-504)، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 398). [20] التعليقات على عمدة الأحكام ص (435).
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |