|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#3
|
||||
|
||||
|
حتمية السنة النبوية وضمان استمرارها 3/6 الدكتور الشريف محمد حمزة الكتاني الفصل الثالث: دلائل القرآن الكريم على وجود السنة وحجيتها نص القرآن الكريم في كل آياته التشريعية، والعقيدية، تلويحا أو تصريحا بوجوب اتباع هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أوامره ونواهيه، ولولا وجود تلك الأوامر والنواهي، وذلك الهدي، وحفظه على مر الأيام والأزمان؛ لما أمرنا الحق تعالى باتباعه، واقتفاء نهجه، ولزوم غرزه. وإلا لاقتضى أن تكون تلك الآيات الناصة على مثل ذلك لغوا، وكلاما في غير محله، والقرآن منزه عن ذلك، وإلا اقتضى بطلانه كلا، إذ بطلان البعض بطلانٌ للكل. فقد نص القرآن الكريم أن مهمة الرسول بالنسبة للقرآن أنه مبين له وموضح لمراميه وآياته، حيث يقول تعالى في كتابه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون}. [النحل/ 44]، كما بين أن مهمته: إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس: {وما أنزلنا إليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}. [النحل/ 64]، وأوجب النزول على حكمه في كل خلاف: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. [النساء/ 65]، وأخبر أنه أوتي القرآن والحكمة ليعلم الناس أحكام دينهم، فقال: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}. [آل عمران/ 164]. وقال تعالى في صفة المؤمنين: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراه والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}. [الأعراف/ 156]. وهذه من أشمل الآيات وأقواها دلالة على حجية وصحة السنة النبوية، إذ جعل من صفة المؤمنين اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وفصل مهامه: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث، والتشريع مطلقا بنسخ الديانات السابقة، ثم أمر بالإيمان بمن هذه صفته، ومناصرته، وتعظيمه، والإيمان بالقرآن الكريم الذي أنزل معه، وفي هذه الآية من التمييز بين القرآن الكريم وبين السنة النبوية ما لا ينكره إلا جاحد للحق. وقال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}. [النساء/ 80]، {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}. [الأنفال/ 24]، {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. [الحشر/ 7]، واعتبر الحق تعالى طاعة نبيه طاعة له، واتباعه إيمانا وحبا له، فقال عز من قائل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. [آل عمران/ 31]. بل حذر تعالى من مخالفة أمره فقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. [النور/ 63]، بل أشار إلى أن مخالفته صلى الله عليه وسلم كفر: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}. [آل عمران/ 32]، ولم يبح مطلقا للمؤمنين أن يخالفوا حكمه وأوامره، فقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}. [الأحزاب/ 36]. بل جعل الحق تعالى كلام نبيه وحيا لا يختلجه الخطأ، ولا يعتوره الشرود، بل جانس بينه وبين الوحي في خصائصه ومميزاته، حتى قال تعالى: {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى}. [النجم/ 1-4]، وقال جل جلاله: {وما صاحبكم بمجنون. ولقد رأه بالأفق المبين. وما هو على الغيب بضنين. وما هو بقول شيطان رجيم. فأين تذهبون. إن هو إلا ذكر للعالمين}. [التكوير/ 22- 27]. إلى غير ذلك مما يطول إيراده من الآيات. فليس وراء هذا البيان والإيضاح من كلام رب الأرباب، مما لا يدع شكا لمؤمن بالقرآن الكريم، أن سنة النبوي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله؛ أمرنا الحق تعالى باتباعها، والانتهاج بها، والاهتداء بهديها، وأن ذلك واجب مقترن بوجوب الإيمان، وأنها وحي لها ما للوحي، فهي دائمة بدوامه، محفوظة بحفظه. وبعد إثبات حتمية السنة النبوية، عقلا ونقلا، سأعمل في الفصول القادمة – بإذنه تعالى – على دحض شبهات ما فتيء أعداء الإسلام يبثونها لتشكيك المسلمين في دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. الفصل الرابع: تدوين السنة في العصر النبوي والرد على شبهات الطاعنين من الأمور التي دندن حولها المستشرقون قديما وحديثا، وكثرت كتاباتهم حولها: تدوين السنة النبوية، وأن السنة النبوية إنما دونت بعد مائة سنة من الهجرة، ولذلك فلا شك أن فترة كتلكم، اعتورتها صراعات سياسية طويلة، وانتشأت عنها طوائف ومذاهب، وتفرق فيها الصحابة في الأمصار، لا شك أن يدخلها الدخيل، ويُدس فيها ما ليس منها حسب زعمهم. واعتمدوا في ذلك على روايات في غير محلها، تشكيكا في نزاهة أئمة – كالزهري الذي نُسب إليه أنه أول من دون السنة النبوية – وفي الدولة الأموية التي ادعوا بأن حكامها عملوا جهدهم على التزوير في الحديث النبوي بإقصاء روايات في غير صالحهم، وإثبات أخرى في مصلحتهم السياسية. من شبهات من ادعوا عدم تدوين السنة في القرن الأول: ومما احتجوا به على ذلك؛ ما روي من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، في النهي عن تدوين الحديث، حتى لا يختلط بالقرآن الكريم.. وما ذكره الهروي في "ذم الكلام" له عن عبد الله بن دينار قال: "لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الأحاديث لفظا ويأخذونها حفظا إلا كتاب الصدقات، والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء حتى خيف عليه الدروس، وأسرع في العلماء الموت، فأمر عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم فيما كتب إليه أن: انظر ما كان من سنة أو حديث عمر فاكتبه". وقريب منه لمالك في موطئه من رواية الشيباني، وأورده البخاري معلقا. وعلى ما في "قوت القلوب" لأبي طالب المكي قال: "هذه المصنفات من الكتب حادثة بعد سنة عشرين أو ثلاثين ومائة من التاريخ، وبعد وفاة كل الصحابة وعلية التابعين، ويقال: إن أول ما صنف في الإسلام كتاب ابن جريج في الآثار وحروف التفسير بمكة"(16). اهـ. هذا ما دعا بعض الكتاب – خاصة من المستشرقين والنصارى – إلى اعتباره طعنا في مصداقية السنة النبوية، وفي التاريخ الإسلامي، حتى قال جرجي زيدان في "التمدن الإسلامي" بعد أن ذهب إلى أن الخلفاء الراشدين كانوا يخافون الحضارة على العرب فلذلك كانوا يمنعونهم من تدوين الكتب قال(17): "لأن علومهم في أول الإسلام كانت قاصرة على القرآن والتفسير ورواية الأحاديث، وكان الاعتقاد فاشيا في الصحابة والتابعين..قال: فقضى العرب عصر بني أمية ولم يدونوا شيئا غير القرآن". وقال(18): "العرب قضوا القرن الأول ونصف الثاني وأبحاثهم قاصرة تقريبا على العلوم الإسلامية ولم يدونوها إلا في أواخر تلك المدة". وقد انطلت هذه الفكرة على الكثير من البحاثة المتأخرين، ممن كتب في الدفاع عن السنة النبوية، أو تاريخ تطور علومها، غير أن ثلة من العلماء ألفوا أبحاثا قيمة لرد هذه الشبهة، وإثبات التدوين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مفرقين بين التدوين والتصنيف، وأن التصنيف على الأبواب والفصول هو الذي ابتدأ في القرن الثاني لا التدوين مطلقا. "ابتداء التدوين في الإسلام" للحافظ الكتاني: ولعل أوسع بحث في الموضوع هو: رسالة حافظ المغرب الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المتوفى عام 1382/ 1962، المعنونة بـ: "ابتداء التدوين في صدر الإسلام"، والتي تعتبر قفزة مهمة في أعمال الدراسات الحديثية. أصل هذه الرسالة محاضرة ألقاها صاحبها في مؤتمر المستشرقين بالرباط نحو عام 1342/ 1924، ونشرت ضمن فعاليات ذلك المؤتمر، ثم أعدتُ طباعة نصها في مجلة "السنة" الصادرة بالرباط بالمغرب، في العدد الأول منها، غير أن هاته الطبعة اعتورتها أخطاء وتصحيفات. قال الحافظ عبد الحي الكتاني(19): "من تتبع كتب أئمة الحديث والتاريخ والأخبار بمزيد روية وتأمل، يجد ما ينافي ذلك، ويثبت لعصر الصحابة – عصر العلم والنور والإيمان والفتح – غيرما جمع ونسخ وكتابة وتدوين وتصنيف لهم ولأتباعهم في القرن الأول الهجري وأول الذي بعده، بل إن تأمل المتأمل يجد أن التدوين والجمع وقع في زمنه عليه السلام، ومنه، فقد كتب عليه السلام كتبا لأهل الإسلام في الشرائع والأحكام".. التدوين والجمع في العصر النبوي: ثم استعرض الحافظ الكتاني ما ألفه أهل القرن الأول ودونوه من المجاميع المتضمنة لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته الشريفة، مبتدئا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن تأمل المتأمل يجد أن التدوين والجمع وقع في زمنه عليه السلام ومنه. فقد كتب عليه السلام كتبا لأهل الإسلام في الشرائع والأحكام؛ منها: كتابه عليه السلام في الصدقات، وكان عند أبي بكر. وكتابه عليه السلام في نصاب الزكاة وغيرها الذي كان عند عمر. وكتابه إلى أهل اليمن بأنواع الفقه وأبواب مختلفة في الزكاة والديات والأحكام، وذكر الطلاق والعتاق، وأحكام الصلاة ومس المصحف، وغير ذلك، وهو كتاب جليل، احتج الفقهاء وغيرهم بما فيه من مقادير الديات وغيرها". أخرج أحمد وأبو داود وحسنه، والحاكم من طريق أبي سفيان عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: "كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله، وقرنه بسيفه حتى قبض، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض". وقد ساقه الإمام مالك في "الموطأ" في باب: صدقة الماشية من كتاب الزكاة قائلا: "مالك: إنه قرأ كتاب عمر في الصدقات"...فساقه. وقال الإمام أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي في "القانون" لما تكلم على طرق نشر العلم وأنها مأثورة قديمة قال: "وأما التأليف؛ فأصله ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من كتب الوحي إذا نزل، وكتب الرسائل إلى الملوك وغيرهم، وكتاب الصدقات، وقد جمع فيه مسائل، فهو علم مدون، وذلك هو التأليف، ولكن كان المصطفى لا يكتب بيده لما أغناه الله عن ذلك، لقد كان يأمر بالكتب، والمقصود إنما هو: وضع العلم وتدوينه وتخليده، سواء كتب العلم بيده أم لا، وكم من عالم يملي ولا يكتب، ويكون ذلك تأليفا". وقال القاضي عياض: "اعتمد مالك، والعلماء والخلفاء قبلهم كل ما في هذا الكتاب، يعني: كتابه عليه السلام لعمرو بن حزم، ولم يرد عن الصحابة إنكار شيء منه". هـ. قال الباجي: "هو أصل في كتابة العلم وتصنيفه في الكتب". هـ. وقال بحجية هذا الكتاب وشهرته كل من الأئمة: ابن عبد البر، والنووي، وابن كثير، حتى قال: "هذا الكتاب متداول بين أئمة الإسلام قديما وحديثا، يعتمدون عليه في مهمات هذا الباب كما قال يعقوب السفياني: "لا أعلم في جميع الكتب أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا، كان الصحابة والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم، وصح أن عمر ترك رأيه ورجع إليه". بل قال الإمام الشريف ابن الوزير اليماني في "الزهر الباسم"(20) إثر كلام ابن كثير: "ظاهر كلامهم: دعوى إجماع أهل الصدر الأول على قبول حديث عمرو بن حزم، وذلك يقتضي الإجماع على العمل بالوجادة". هـ. قال الحافظ الكتاني: "وفي هذا: مكاتبه – عليه السلام – إلى الملوك والأطراف وولاته، فقد كانت بإملائه – عليه السلام – على كُتابه، واعتنى الصحابة ومن بعدهم بجمعها ونسخها وحفظ نصوصها". قلت: إلى أن وصلتنا في القرن الخامس عشر الهجري، وكثير منها محفوظ في متحف إصطنبول وغيره. وقد استوعب أكثر نصوصها الإمام ابن سعد في "الطبقات"، وكذا الإمام محمد بن علي ابن حديدة الأنصاري في كتابه: "المصباح المضي، في كتاب النبي الأمي، ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي". ووقوفنا على ذلك يفهمنا احتفاظ الصحابة والسلف بتلك المكاتب، وجمعهم نصوصها، وإلا؛ لما وصلت لابن سعد في القرن الثالث، وابن حديدة في القرن السابع، ثم وصولها إلى زماننا. بل في سيرة ابن هشام: "قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري أنه: وجد كتابا فيه ذكر بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى البلدان وملوك العرب والعجم، وما قال لأصحابه حين بعثهم. قال: فبعثت به إلى ابن هشام فعرفه". وفي آخر "نصب الراية" للحافظ الزيلعي(21): أن الواقدي استدعى عكرمة قال: "وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته، فإذا فيه"..وأتى بنص كتاب النبي صلى الله عليه وسلم للمنذر بن ساوى، وجواب المصطفى له عليه السلام. قال الشيخ عبد الحي الكتاني: "فيؤخذ منه أنه كان لابن عباس الكتب، إما من تصنيفه، أو من تصنيف من قبله، أو كان معه، ويفيد على كل حال وجود الكتب في تركة الصحابة وممتلكاتهم، ويفيد أنهم كانوا يعددون النسخ من مكاتبه عليه السلام ويدخرونها، وهذا هو الجمع والتدوين!". ثم نقل الحافظ الكتاني في رسالته المنوه إليها نصوصا تقتضي تدوين الصحابة لرسائل النبي صلى الله عليه وسلم، وخطبه، وطبقات من تلفظ بالإسلام، وأسماء من يتعين خروجهم في المغازي. قال المقريزي في خططه: "كانت كتابة الديوان في صدر الإسلام: أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرَجة". قال الحافظ عبد الحي الكتاني رحمه الله: "فيمكننا الجزم بأن هذا أول تدوين وقع في الإسلام، إذ كتابة الناس على اختلاف مراتبهم في السبقية للإسلام، والهجرة والنصرة والغزو؛ المادة الأولى لكتب تراجم الصحابة وتراجم زعماء الإسلام وأبنائهم". "وكان – عليه السلام - اتخذ كتابا يكتبون له أموال الصدقات؛ وهم: الزبير بن العوام، فإن غاب أو اعتذر كتب جهين بن الصلت أو حذيفة بن اليمان. ذكر ذلك ابن حزم في كتابه: "جوامع السيرة"، والقضاعي في كتاب "الأنباء". "وهذا يدل على أن النظام والضبط وصل في زمنه عليه السلام إلى تقييد الداخل والخارج مما يتعلق بالأموال ونحوها، فكيف لا يقيدون الدين وهو أهم وأكبر وأكثر وقعا؟". "...فهي أصل ديوان العطاء الذي دون في زمن عمر وبإذنه، وانتدابه لكتبه: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، قال الماوردي: كانوا شباب قريش، وقال لهم: اكتبوا الناس على منازلهم...". "فهذا الديوان العمري المادة الوحيدة لتواريخ البيوتات الإسلامية العربية وغيرها، وكان الأساس الأكبر للتدوين الإسلامي في الأنساب وأهل السبقيات". اهـ بخ. تدوين الصحابة رضوان الله عليهم: ثم نقل الشيخ عبد الحي الكتاني – رحمه الله – في رسالته المنوه إليها نصوصا تثبت تدوين أمة من الصحابة والتابعين إلى أواسط القرن الثاني، بما لا يدع مجالا للشك أن الأمة الإسلامية عرفت تدوين حديث نبيها صلى الله عليه وسلم، وسيرته، وأخباره، وأخبار أصحابه، وأحوال الأمة من سياسة واجتماع وتراجم، ودواوين...إلخ. فمنهم: أبو بكر الصديق؛ جمع في رق خمسمائة حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يرجع إليها إذا روجع. وعمر بن الخطاب؛ استكتب ما روي من شعر الجاهلية والإسلام. وله كتابه المشهور إلى قاضيه على البصرة أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "هو كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه". وسبق الحديث عن ديوانه، وكان له تابوت يجمع فيه كل معاهدة كانت بينه وبين الناس. وعلي بن أبي طالب؛ له كتاب في أقضيته، وكتاب القضاء والقضاة ساقه صاحب "نهج البلاغة". وعبد الله بن عباس؛ كان له كاتب يكتب رواياته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمع منها حمل بعير، وكان يكتب الفتاوى التي يُسأل عنها، وكتب عنه ابن الأزرق غريب القرآن، بل كانت له كتب يكتب عنها الناس كعكرمة وغيره. وعبد الله بن عمرو بن العاص؛ كان يكتب الحديث زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه، وكان يسمي صحيفته: "الصادقة"، واعتبر بعض العلماء إذن النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك نسخا للنهي المتقدم عنه. وزيد بن ثابت؛ نسب له كتاب في الفرائض. وجابر بن عبد الله؛ له منسك صغير خرجه الإمام مسلم، ألف فيه ابن المنذر جزءا كبيرا، استقصى منه نحو مائة ونيف وخمسين نوعا من الفقه. وله صحيفة فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدث عنها مجاهد. وعبد الله بن مسعود؛ كان له كتاب، رواه عنه ابنه عبد الرحمن. وأبو هريرة حافظ الصحابة، كانت لديه كتب كثيرة جمعها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنس بن مالك؛ كان له كتاب دون فيه مروياته عن النبي صلى الله عليه وسلم وضبطها وعرضها. ومعاوية بن أبي سفيان؛ استكتب فضائل عثمان بن عفان، ودون رواته وأحوالهم، وكانت تسرد عليه الكتب الكثيرة في التواريخ والكتابات، حتى قيل بأنه أول من جمع مكتبة، والصحيح أن أبا بكر الصديق هو أول من جمع مكتبة حسبما في "تاريخ المكتبات الإسلامية" للشيخ عبد الحي الكتاني، وكثرت في عهد معاوية الدواوين، حتى دون الولادات، والوافدين من الخارج. بل حدَّث هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة – كما في طبقات ابن سعد(22) - أنه: "أحرق يوم الحرة – سنة ثلاث وستين للهجرة – كتب فقه كانت له، فكان يقول بعد ذلك: لأن تكون عندي أحبُّ إلي من أن يكون لي مثل أهلي ومالي". فثبت بذلك أن كتب الفقه كانت موجودة مدونة في الصدر الأول للإسلام، وكتابة بعض الصحابة فتاواهم ومسموعاتهم وأحكامهم القضائية إنما يدل على كتابة غيرهم من أمثالهم ومن تلامذتهم، ما مؤداه أنها: كانت سلعة نافقة في ذلك العصر. وقد خص الحافظ الدارمي في مسنده بابا سماه: "باب من رخص في كتابة العلم"، ملأه آثارا وأحاديث في الموضوع، أردف به بابا بعنوان: "باب من لم ير كتابة الحديث". فكأنه يثبت به نسخ الحكم الأول أو تأويله، بل هو نفسه يدل على شيوع الكتابة في الصدر الأول. فليراجع. تدوين التابعين وتابعيهم: وممن دون كذلك بعد تلك الطبقة: الحارث بن كلدة، وصبيغ التميمي، والحسن البصري، وزائدة بن قدامة الثقفي ابو الصلت الكوفي، وحجر بن عدي، وسليم بن قيس الهلالي، وعلي بن أبي رافع، وعبيدة بن قيس السلماني، وعروة بن الزبير، وكعب الأحبار، وابن شهاب الزهري، وخالد بن يزيد بن معاوية، وأبو خلف الأزدي، والضحاك بن مزاحم، وعوانة بن حكيم الأزدي، وعكرمة مولى بن عباس، وأبو قلابة، وقتادة بن دعامة السدوسي، وأبو الأسود الدؤلي، ووهب بن منبه، وزيد بن أسلم مولى ابن عمر. قال الحافظ عبد الحي الكتاني: "فظهر لك بما سطر وقدر: أن التدوين والجمع إنما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز وبأمره في الأحكام والحلال والحرام، تدوينا مرتبا على الكتب والأبواب والمسائل، لا التدوين المفرد في الأبواب، ولا في التاريخ والأخبار والحكمة والطب، التي علمتَ مما سبق أن جمعا ألفوا فيها فيما قبل". -يتبع- الحلقة الثانية هنا ------------------------------------------------------------------- (16) "قوت القلوب" (1/ 159). (17) "التمدن الإسلامي" (3/ 50). (18) "التمدن الإسلامي" (3/ 205). (19) "ابتداء التدوين" ص2. (20) ص35. (21) (2/ 371). (22) طبقات ابن سعد، ج5، ص179- 180.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |