|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() رياضة محببة وجهاد أكبر :
هذا كله إذا قُبِلَ هذا الإنسان في الإمتحان ، فإذا قُبِلَ فهو في بدايـة النعيم ، فليكثر من حمـد الله سبحانـه ومن الإستغفـار ، بلى ، الشـروط حساسة ودقيقة ، فإيانا ثم إيانا أن ننظر إلى الأمر بقلة اكتراث : نحـن هنـا أمام التوبة ، التوبة إلى الله العزيز المتعال ، ذي الكبرياء والجبـروت ، الغنـي عنّـا وعن توبتنا وعن العالمين . ومن شروط التوبة أن تكون مقترنة بنيّة الامتناع عن الرجـوع إلى معصية ، امتناعاً قطعياً مطلقاً ، وملازمة الشعور بالندم الشديد ، ولمجرد تذكّر ما فات من ذنوب . وبطريقة أنه لو خـيّر التائب بين رجوع إلى معصية ، وبين أن يحرق بالنار ، فليصمّم على اختيار الحريق بالنار على أن يعود إلى معصية ، وليبك إذا استطاع ، خوفاً وامتناناً ، أما المواظبة على العبادة ، وأما الإكثار من ذكر الله عزّ وجلّ ، فحدث ولا حرج ، إضافة إلى قضاء ما فات . قد يقول القارىء هذا كثير ، وهذا متعب . لا ليس كثيراً ولا متعباً ، إذا كان بِحُبٍ وشوقٍ ، ومعرفة أمورٍ عن عظمـة الخالـق ، أمـا كـل عظمتـه سبحانه ، لا يحيط بها عقـل مخلوق لا في الأرض ولا في السموات . وفي المواقف الصعبة ، ليتذكر قول الرسـول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) : " ربي إن لم يكن بك عليّ غضب ، فلست أبالي ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بك . يا حبيباه ، يا الله ، يا ربّاه ، يا رب العالمين " . لا كل ذلك ليس كثيراً ، بل هو قليل قطعاً ، إلى جانب عظمة الله ، ونعم الله ، وكرم الله ، ورحمة الله ، . ذلك كله قليل وقليل جداً ، إذا عرف التائبُ ـ مع اكتمال شروط توبته ـ أن الله عزّ وجلّ يبدِّل سيئاته حسنات ، ويضاعف له أجره ، ويزيدُهُ من فضله ، وهو ذو الفضل العظيم ، ويصلح بالـه ، ويصلح حاله ، وذلك كله بوعد منه سبحانه في كتابه العزيز . { .. أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ .. }(1) . { .. وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ .. }(2) . وهاتيك النتائج والحبوات والعطاءات ، معروفة بالتجربة المحسوسة ، يعرفها العارفون : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة يونس ، الآية 55 . (2) سورة التوبة ، الآية 111 . { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا }(1) . * * * ومـمّا هو اختصاص العقل في الصميم ، وجدير بالعقلاء أن يُلموا به ويعقلوه ، لكي لا يكونوا مـمّن قال الله تعالى فيهم : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }(2). قلت مـمَّا هو من اختصاص العقل في الصميم هو وجوب إدراك معنى الآيتين الكريمتين ، قوله تبارك وتعالى : { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً..}(3) . وقوله عزَّ شأنه : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمـًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ..}(4) . ولنكون في ضوئهما بنسبة عالية ، لا بدَّ من إيضاحات : فواقع الحال ، هو أن كل مؤمن متعرض لابتلاءات ، وممتحن بامتحانات لا بدّ منها ، قوله تعالى : {الـم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِيـنَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }(5) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الكهف ، الآية 29 . (2) سورة الجاثية ، الآية 23 . (3) سورة الأنفال ، الآية 25. (4) سورة التوبة ، الآية 115 . (5) سورة العنكبوت ، الآيات 1 ـ 3 . وهذه الامتحانات قد تكون فردية ، كامتحان أيوب عليه السلام في نفسه وبدنه ، وقد تكون في بعض متعلقات الإنسان ، من أهل ومال ، كإمتحان إبراهيم في ذبح إبنه عليهما السلام ، الإبن الذي كان ما زال وحيداً ، وهو أغلى على أبيه من كل أهل الأرض آنذاك فاستجابا لربهما طائعين راضيين ، وكان الفداء العظيم للبلاء العظيـم . وامتحان سليمان عليه السلام في ماله الذي ضحىَّ به وهو من خير المال وأجمله ( الصافنات الجياد ) ، إذ أوقعه هذا المال في معصية الانشغال عن الصلاة ، فأعدمه وثاب إلى ربِّه خائفاً خاشعاً . وقد تكون في مواجهة جمهور من الناس ، على صعيد قرية أو أكثر ، أو مدينة أو أكثر ، أو شعب أو أمة أو العالم بأسره ، مواجهتهم بما لا يحبون . مـمَّا يعتبرون أنه حدّ من حرياتهم المزعومة ، من دعوة للحشمة بدل التسيّب الأخلاقي والانتحار الجماعي بالفواحش ، أو دعوة إلى النظام بدل الشتات والفوضى ، أو إلى العدل والرحمة ، في أزمنة الظلم والطغيان والتشوّه وسفك الدماء ، إلى آخر ما تتعرض له المجتمعات البشرية في مراحل بعدها الزمني عن عهودها مع الله ومنـزلاته : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }(1) . وإنما تكون هذه المواجهات بالنسبة للمكلفين على درجتين : الأولى : درجة النبوة وورثة الكتاب ، والثانية : درجة الفقهاء والعاديين . فالدرجة الأولى هي التي تكون بأمر من الله بيّن لا لبس فيه ، عموماً هو الوحي والإلهام ، فيختلف فيه التكليف وفق أزمنة المكلفين ومجتمعاتهم ، فتارة يكون بمجـرد توجيـه النـداءات وعرض التعـاليم المنـزلة ، مع تحمّل صنوف الأذى والائتمـار بالصـبر عـلى ردود الفعـل مهما كان شـرّها ، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الحديد ، الآية 16 . وذلك كما حصل لرسول الله عيسى عليه السلام ، وتارة يكون التكليف مُلْزِماَ بالدفاع عن الرسالة ، وهنا يضاف إلى ما ذكرناه عن تكليف المسيح عليه السلام ، أمر الله عزّ وجلّ بالدفاع عن الدعـوة إليه سبحانه وعن الرسـالة ، بأسباب القوة ، كالتكليف الذي كان لمحمد صلى الله عليه وآله ( بتبليغ الرسالة والقتال دونها ) . وفيه تكليف بتوجيه النداءات وعرض التعاليم المنزلة ، وفوق ذلك كله ، تكليفه بالتصدّي لقتال من يقف في وجه الدعوة إلى الله وحده لا شريك له ، وقتال كل من يقف موقفاً عدوانياً من الله ورسوله ، والدين الذي أنزل على رسوله ، دين التوحيد أو الحنيفية ، وهي الاستقامة والعدالة والرحمة ، قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(1) . على أن ابتلاءات الأنبياء والرسل كثيرة ومتعددة ، بتعدّد الغايات منها ، سواء ما كان شخصياً متعلقاً بكل فرد من الأنبياء على حدّه ، أو ما كان منها ذا وجهين خاص وعام ، فوجه يخصّ النبيّ والآخر عامة الناس ، كأَنْ يكون درساً أو قدوة أو عبرة لأولي الألباب . وما دام موضـوعنا ليس سـرد أنـواع الإبتلاء ، وإنما معنى آيتي الجاثية والتوبة الآنفتي الذكـر ، فسنكتفـي بهـذا المقدار عن الإبتلاء الذي توخينا بـه أن يكـون مدخـلاً للكلام عن الآيتين الكريمتين . ومن هذا الفريق ( الأنبياء والرسل ) ورثة الكتاب ، وهـم كذلك اصطفاهم الله سبحانه قبل ولادتهم ، لأدوار ، مثلما اصطفى الذين من قبلهم من النبيين والمرسلين ، واجتباهم ، وأورثهم الكتاب ، وذكر ذلك في كتابه الكريم مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وآله : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الحديد ، الآية 25 . { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ . ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ . وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }(1) . والمقصود من ظلم النفس في الآية الثانية ، لا هو من الكفر ولا من الشرك ولا من ظلم الآخرين ، وإنما من الظلم السلوكي الشخصي : من السيئات التي هي مع التوبة والإنابة ، يبدّلها الله سبحانه لمصلحة صاحبها بحسنـات . ويوضح ذلك سياق الآيات ، وصـولاً إلى قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ..} فهو سبحانه لم يستثن من المصطفين حتى الظالم لنفسه من دخول الجنة . كما يوضح ذلك كثير من الآيات المتعلقة بتصريحات لبعض الأنبياء ، مثل قول إبراهيم عليه السلام : { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ . وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }(2) . وكلمة خطيئة قد تعني الجمع في اللغة ، ومثلها كلمة نعمة وغيرها ، قال تعالى : { وَآتَاكُـم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }(3) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة فاطر ، الآيات 31 ـ 35 . (2) سورة الشعراء ، الآيات 81 ـ 82 . (3) سورة إبراهيم ، الآية 34 . وقال سبحانه : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُـمُ الضُّرُّ فَإِلَيْـهِ تَجْأَرُونَ }(1) . وواضح أن المقصود بكلمة ( نعمة ) في الآيتين الكريمتين هو الجمع أي النعم . ومثل هذا في اللغة كثير . ومثله قول موسى عليه السلام عندما قتل رجلاً : { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ..}(2). إلى آخر ما هنالك من تصريحات الأنبياء ، وصريح النصوص عنهم في القرآن المجيد . فإذا كان أفراد هذا الفريق ( الأنبياء والرسل وورثة الكتاب ) مبتلين ممتحنين وهم عند الله المصطفون الأخيار ، والمجاهدون الأبرار ، فكيف بأفراد الفريق الثاني ، عنيت الفقهاء وبقية الناس . يعني ما أريد أن أوضحه ، هو أنه إذا كان الأقرب الأحب إلى الله معرضـاً ـ وهو بشر ـ للوقوع في المعصية [ كآدم عليه السلام ] ، والخطيئة [ كإبراهيم عليه السلام ] ، والفتنة [ كداود عليه السلام ] ، مؤاخذاً عليها أشد المؤاخذة أحياناً [ كحبس يونس عليه السلام في بطن الحوت ] ، وما خطاياهم ومعاصيهم بذات بال إذا قورنت بخطايا البشر العاديين وجرائمهم . إذا كان كل هذا الرصيد لا يشكل عليهم حصانة تقيهم العثرات ـ خارج نطاق الوحي ـ فتراهم دائماً أحوج ما يكونون لرعاية الله ، وعنايته وإرشاده وتسديده لهم ، فما هو رصيد غير المصطفين من الناس ، خاصتهم وعامتهم ، حتى يتصدوا لمواقف مصيرية ، بكثير من التحكم والمزاجية والغرور ، والزج بالناس من أتباعهم ومنافسيهم في أتون فتن ، فيها الدمار والحرائق وسفك الدماء ، أم لهم ضمان عند الله ، أم اتخذوا عنده بذلك عهداً ؟! ... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة النحل ، الآية 53 . (2) سورة القصص ، الآية 16 . وإذا كان من حق الأنبياء والرسل وورثة الكتاب أن يتبعوا وأن يطاعوا ، ومن واجب الناس أن يؤمنوا لهم ويتبعوهم ويطيعوهم ويجاهدوا في سبيل الله بين أيديهم ، ذلك لأن هؤلاء المصطفيـن ، يوصلهم سبحانه عبر مراحـل من التربية إلى درجة السداد والرشـاد ، وندرة الوقوع في الخطأ ولو صغيرة ، وكذلك في المرحلة الأخيرة من تربيتهم ، عدم الوقوع في معصية أو خطيئة أو فتنة حتى خارج نطاق الوحي . ولأخذ فكرة عن عظمة وأهمية هذه التربية ، التي يربيها سبحانه للمصطفين من عباده ، نلخصها في سبع مراحل : الأولى : الحياة العادية . الثانية : الإشعار بالمسؤولية بشكل غير عادي . الثالثة : التَبَتُّلُ ، وإخلاص القلب لله ، وإخلاص كلية الإنسان لله ، ثم الفناء في فناء الله ، ثم الصحو بعد المحو ، ثم العطاءات من كرم الله ورحمته . وهذه المراحل الثلاث قد يتوصل إليها أي إنسان يصدق في توجّهه إلى الله سبحانه ، وقد شرحناها في مكان آخر من هذا الكتاب في مبحث : " لا إسلام بدون توحيد " . أما المراحل الأربع الباقية ، فالله سبحانه اختصّ بـها أصفياءَه مـن عباده : أُولاها : مرحلة : { إنِّي ذَاهِبٌ إلىَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }(1) ( لاحظ سين الإستقبال ) . الثانية : مرحلة : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ . الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }(2). ( وفيها رعاية مباشرة منه سبحانه ولكن فقط في الصلاة والمواقف ) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الصافات ، الآية 99 . (2) سورة الشعراء ، الآيات 217 ـ 218 ـ219 . الثالثة : مرحلة : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ..}(1) . ( وفيها رعاية دائمة منه سبحانه في جميع حالات ذي العلاقة ) . الرابعة : مرحلة : {..وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } (2) . والمعنى المتعارف في " وإن تظاهرا عليه " ( زوجتان للنبي صلى الله عليه وآله ) ، إلاَّ أن التأويل أعمّ وأعظم ، وهو الأصل ، إذ المقصود فيه ، الثقلان : الإنس والجن ، فهي عناية ربانية مباشرة ، في الأمور العظمى ، ثم حسب أهمية الأمور ، يأمر جبريل عليه السلام ، وصالح المؤمنين والملائكة ، بنصرة من يصطفيه من عباده ، له الحمد حمداً خالداً بخلوده . ومع ذلك لماذا لا يتولى سبحانه كل ذلك مباشرة ، دون توسيط أحد من خلقه ، وهو الغني عن العالمين ؟ صحيح ، وإنما ذلك : لأن { وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَـاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(3) . * * * * بعد أن أخذنا فكرة عن تلك التربية الحكيمة الفذّة ، والحليمة الكريمة ، والتي منطلقاتها جملةً وتفصيلاً ، من قوله تعالى ، لمن يصطفيه أو يجتبيه أو يختاره : { ..وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }(4) . لِيُصْبحَ بعد ذلك أهلاً للنبوة أو الرسالة أو وراثة الكتاب . ليصير بعد ذلك قائداً ملهماً من الله بالحقيقة ، مسدّداً من الله بالحقيقة ، داعياً إلى الله وحده لا شريك له ، لا إلى نفسه ، ولا إلى طائفة من الناس ولا إلى مخلوق مـمّا خلق الله ، ولا إلى قضية فيها إثم أو معصيـة ، ولا إلى قضية فيها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الطور ، الآية 48 . (2) سورة التحريم ، الآية 4 . (3) سورة الجاثية ، الآية 37 . (4) سورة طـه ، الآية 39 . شبهة إثم أو معصية ، ولا مفرقاً بين المؤمنين ولا بين المسلمين ، ولا متجبراً ولا متحكماً ، ولا منفراً من دين الله بحزب يتقوقع فيه ، أو تنظيم يتسـلط من خلاله . بل يكون سمحاً بعيد المرمى ، واسع الأفق ، رفيقاً بقومه على علآّتهم ، متسامحاً مع جميع الناس على اختلاف مللهم وتوجّهاتهم ، ما لم يعتدوا ويفسدوا ويحاولوا إلغاء دين الله وطمس رسالاته ، داعياً المؤمنين لأن يسلكوا مسالكه ، عملاً بتعاليم الله سبحانه وتعالى ، ومنها هذا العجب العجاب من حيث أمر الله بالتسامح : ومنها : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ }(1) . ومنها : { ..وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }(2) . ومنها : { ..وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..}(3). ومنها : { ..مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا .. }(4) . ومنها : {.. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }(5). ومنها : {.. وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمّ رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ }(6). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الجاثية ، الآية 14 . (2) سورة الحجر ، الآية 85 . (3) سورة آل عمران ، الآية 159 . (4) سورة المائدة ، الآية 32 . (5) سورة فصلت ، الآيات 34 ـ 35 . (6) سورة الرعد ، الآية 22 . ومنها : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ . يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء . أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ }(1) . ومنها : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }(2). ومنها : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }(3) . ومنها : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ }(4). ومنها : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ }(5) . * * * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة إبراهيم ، الآيات 24 ـ 29 . (2) سورة الحجرات ، الآية 6 . (3) سورة الحجرات ، الآية 10 . (4) سورة الحجرات ، الآية 11 . (5) سورة الحجرات ، الآية 12 . إلى آخر ما هنالك من تعاليم ، تطهر القلوب من رواسـب الشـرك ،والنفوس من الحيـرة والشبهات ، والظن بأن النفع والضرّ بأيدي المخلوقين ، والواقع أنه حتى محمّد صلى الله عليه وآله أمره ربه سبحانه أن يقول للناس : { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا } (1) . فكيف بمن هم دون محمّد صلى اله عليه وآله منـزلة عند الله ، أو بمنـزلة محمّد صلى الله عليه وآله ، فإنهم قطعاً كما قال الله سبحانه لا يملكون للناس ضرّاً ولا رشداً . بلى إن هذه التعاليم القرآنية ، تغسل القلوب من الرين ، وتزيل العتمة من النفوس المظلمة التي تعشعش فيها شياطين الحقد والعصبية والغـرور والأنانية ، والقناعة بوجوب إلغاء الآخر المنافس ، والحسد ، وبقية فروع الشجرة الشيطانية ، ولعل أبرزها أن يعتقد شخص أو مجموعة ، أو حزب أو تنظيم أنهم هم وحدهم يسندون أعمدة السماء ، ولولاهـم لوقعت على الأرض ، وأنهم هم وحدهم يدبّرون أمر الأمة ولولاهم لذهبت الأمة إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم . ويقرأون كتاب الله العزيز ، ويتلون فيه الآية الكريمة : { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }(2) . ولا يفهمون ... وخاصة قوله فيها سبحانه : { يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ } ، وكذلك قوله تعالى في مكان آخر : {.. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }(3) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الجن ، الآية 21 . (2) سورة الرعد ، الآية 2 . (3) سورة الطلاق ، الآية 3 . ولا يفهمون ... أن الأمر في جوهره هو أمر الله من قبل ومن بعد ، وأن الله بالغه عاجلاً أو آجلاً ، وهو الأعلم به ، وقد قدّر الأمور تقديراً أدق مـمّا قد يظنون أو يحلمون ، وهو أسرع الحاسبين ، ولا يفهمون قبل كل ذلك ، في هذه الآية وفي كثير غيرها ، أن من معاني التوكّل ، الثقة بالله وحده ، وليس الإعتماد على شخص بعينه أو دولة بعينها ، ، أو شعب بعينه ، أو أية قوة من مراكز القوى الظنّية في الأرض أو في السماء من دون الله العزيز الحكيم ذي القوة والجبروت ، فإن القوة لله جميعاً وإن العزة لله جميعاً . فمن أعزه الله ، فهو العزيز ، ومن أذلّه الله ، فهو الذليل ، وقد ينخدع بذلك ذو ضلالة ، إذا ظهر ظهـوراً مؤقتاً ، بقوة سياسية ، أو مالية ، أو عسكرية ، فيحسب أنه هو العزيز الكريم ، في وقت قد يكون فيه ، مـمّن مدّ لهم الله عزّ وجلّ في الضلالة ، أو مـمّن قال سبحانه فيهم : { وَمَاكَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ .. }(1). فيكون في جملة من أخبر عنهم سبحانه في سورة الدخان : إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ . كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ . خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ . ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ . ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ }(2). تقولها الملائكة تهكماً واحتقاراً للمتجبرين المتكبرين الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً . ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة ، الآية 115 . (2) سورة الدخان ، الآيات 43 ـ 49 . { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } . (39/ الأحزاب ) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة النمل ، الآية 59 .
__________________
سماحة العلامة الشيخ عبد الكريم آل شمس الدين لبنان - جبل عامل - عربصاليم |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الله أكبر للتحميل . . أكثر من 40 فلم لكتائب عز الدين القسام >>>>>أدخل وحمل | فتى القسام | ملتقى المرئيات - فلاشات - فيديو كليب | 10 | 16-08-2007 04:57 PM |
رياضة الجري | قاصرة الطرف | الملتقى الرياضي | 18 | 12-03-2007 10:41 PM |
رياضة الدراجات الهوائيه......صوره | رائد الصعوب | الملتقى الرياضي | 3 | 01-03-2007 09:05 PM |
رياضة المشى | قطرات الندى | ملتقى الحمية والتغذية | 10 | 30-05-2006 11:48 PM |
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |