|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() ذَمُّ الْبُخْل وَالْبُخَلاَءِ أَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَوَلاَّكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنْتَ ، وأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ ، فَإنَّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ ... [ القَواعدُ الأرْبَعَة ص7 ] وَبَعْدُ : يَنْسَى الغَنِيُّ وَهُوَ فِي نَعِيمِ الْحَيَاةِ مَا فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ بُؤْسٍ وشَقَاءٍ ، وَفَقْرٍ وَبَلاَءٍ ، لأَنَّ قَلْبَهُ مَرِيضٌ بِدَاءٍ عُضَالٍ يقَالُ لهُ "الْبُخْلُ" قَدْ حَجَبَ عَنْهُ موادَّ التَّوْفِيقِ وَ أسْبَابَ الرّحْمَةِ وأصبَحَ مِنَ الأَشْقِيَاءِ ، وإنْ بَدَا للنَّاسِ منْ خِلالِ مَظْهَرِهِ أنَّهُ فِي سَعَادَةٍ مَا بَعْدَهَا سَعَادَة وهَنَاءٍ مَا بَعْدَهُ هَنَاء ... َكَمْ دَقَّتْ وَرَقَّت واسْتَرَقَّتْ فُضُولُ الرِّزْقِ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ وَلَيْسَ الْبُؤْسُ مَقْصُوراً عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الّتِي تَأتِي مِنَ الْفَقْرِ وَمَا يَسْتَتْبِعُهُ الْفَقْرُ مِنَ الْجُوعِ الّذِي يُمَزِّقُ الْبُطُونَ ، والإِعْدَامِ الّذِي يُمَزِّقُ الثّيابَ ويُظْهِرُ مِنْ ثَنَايَاهَا الصّدُورَ والظُّهُورَ والأَكْتَافَ ، ولَكِنَّ الْبُؤْسَ قَدْ يَتَّصِلُ بِأشْيَاءٍ أُخْرَى لَيْسَتْ جُوعاً ولاَ إعْدَاماً وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ شَرّاً منَ الْجُوعِ وَالإعْدَامِ ، لأنَّهَا تَتَّصِلُ بِالنُّفُوسِ وَالْقُلُوبِ . وإِنِّي لأعْرِفُ قَوْماً كَثِيرينَ تَمْتَلِئُ أَيْدِيهِم بِالْمَالِ ويَعْظُمُ حَظُّهُم مِنَ الثَّرَاءِ حَتَّى يَضِيقُوا بِهِ ، وَهُم مَعَ ذَلِكَ يَجِدُونَ بُؤْساً ، أيَّ بُؤْسٍ ، وَشَقَاءً أيَّ شَقَاءٍ . كما يقُولُ طَهَ حُسَين فِي كِتَابِهِ [المُعَذَّبون في الأرضِ ص 25 ] قَالَ اللهُ تعَالَى : " وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [ آل عِمْرَانَ : الآيةُ 180 ] قالَ العلاًَّمَةُ ابنُ كَثِيرٍ (( رحمهُ اللهُ )) : أَيْ لاَ يَحْسَبَنَّ الْبَخِيلُ أَنَّ جَمْعَهُ الْمَالَ يَنْفَعُهُ بَلْ هُوَ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي دُنْيَاهُ . اهـ [عُمْدَة التَّفْسِيرِ ج 1 ص 443] قُلْتُ : وهَذَا هوَ الشَّقَاءُ عَلَى الْحَقِيقةِ .وَالّذِي يَجْعَلُ هَذَا الخُلُقَ الذَّمِيمَ ((الْبُخلَ ))يَتَمَكَّنُ منْ قُلُوبِ الْمُبْتَلِينَ بهِ مِنْ أرْبَابِ النِّعْمَةِ والثَّراءِ – علَى ما أعْتَقِدُ – هُوَ حُبُّ الذّاتِ إلَى دَرَجَةٍ تُنْسِيهِ تَعَاسَةَ المَنْكُوبِينَ مِنْ إخْوانِهِ وشَقَاءَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ ، فَالْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ – حُبُّ الذَّات – يَجْعَلُ نفْسَهُ مَحْبُوبَةً إِلَيْهِ إلَى دَرَجَةٍ يُصْبِحُ يحُسُّ مِنْ خِلاَلِها أنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَجْلُبَ لهَا جَميعَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِرِضَاهَا وَشِفَاءِ غَلِيلِهَا وَقَضَاءِ شَهَوَاتِهَا ...وَمِنْ تَمَّ فَلاَ رَغْبَةَ لَهُ فِي نَفْعِ الإخْوانِ ولاَ الْجِيرَانِ َ ولاَ ذَوِي الْحَاجَاتِ ...فَهُوَ يَسْكُنُ فِي مَسْكَنٍ وَاسِعٍ جِدّاً وَمَرْكُوبٍ فَاخِرٍ جِدّاً وَلَهُ أكْثَرُ مِن زَوْجَةٍ !! بَيْنَما أخُوهُ فِي دِينِ اللهِ لاَ مَسْكَنَ لَهُ ولاَ ومَرْكُوبَ ولاَ زَوْجَةَ ...وَإذَا الْتَقَى مَعَهُ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ ضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ بِحَرَارَةٍ يُخَيَّلُ للْنَّاظرِ إِلَيْهِما أنّهُمَا سَعدُ بنُ الرَّبيعِ وعبدُ الرّحمَن بن عَوفٍ !!! : مَوَدّتُهُ إذَا دَامَتْ لِخِلٍّ فَمِنْ وقْتِ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ قَالَ الشَّاعِرُ : فَهُوَ لاَ شُعُورَ لَهُ ولاَ كَرَامةَ ...الْكَرَامةُ أوِ الْكَرَمُ الّذِي يَجْعَلُ منَ الإِنْسَانِ إنْسَاناً وَيْرْقَى بِهِ إلَى الْمَنْزِلَةِ الْعُلْيَا منْ مَنَازِلِ الْكِرامِ ..فَيُصْبِحُ ذَا شُعُورٍ يَحُسُّ مِن خِلاَلِهِ بالتَّعَاطُفِ والتَّآلُفِ ، والتَّضَامنِ الإجْتِمَاعِي الّذِي يُلْقِي فِي رُوعِهِ أنَّه مَهْمَا كَثُرَ مَالُهُ فَهُوَ عُضْوٌ منْ الْجَماعَةِ الْمُسْلِمَةِ يَسْعَدُ بِسَعَادَتِهَا ويَشْقَى بِشَقَائِهَا ، ويأْخُذُ بِحَظِّهِ مِمّا يُصِيبُهَا مِنَ النَّعْمَاءِ والْبَأسَاءِ ، وما يَنُوبُهَا منَ السَّراءِ والضَّراءِ ...هَذَا الزَّمَانُ الّذِي كُنّـــَا نُحَذَّرُهُ فِيمَا يُحَدِّثُ كَعْبٌ وابْنُ مَسْعُودِ إِنْ دَامَ ذَا الدَّهْرُ لَمْ نَحْزَنْ عَلَى أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَّا وَلَم نَفْــرَحْ بِمَوْلُودِ وسَبيلُ الْمُؤْمِنِ الّذِي مَسَّ الإيمَانُ قَلْبَهُ حَقّاً ، هوَ ألاَ يَطْغَى إِذَا اسْتَغْنَى ، ولاَ يَبْطُرَ إِذَا نَعِمَ ، وَلاَ يَيْأَسَ إِذَا امْتُحِنَ ، بالْبُؤْسِ والشَّقَاءِ ، وألاَّ يُؤْثِرَ نَفْسَهُ بِالْخَيْرِ إِنْ أُتِيحَ لَهُ الْخَيْرُ مِنْ دونِ النَّاسِ ، وألاَ يَتْرُكَ نُظَرَاءَهُ نَهْباً للْنَّوَازِلِ حِينَ تَنْزِلُ ، وللْخُطُوبِ حينَ تُلمُّ ، وإِنَّمَا يُعْطِي النَّاسَ مِمَّا عِنْدَهُ حَتَّى يُشَارِكَهُم فِي نَعْمَائِهِ ، ويَأْخُذُ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ مَا عِنْدَهُم حَتَّلى يُشَارِكَهُم فِي بأسَائِهِم . [ الْمُعَذّبون في الأرضِ ص 162 بِتَصّرُّف] قَالَ اللهُ عَزّ وجَلَّ : " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً " [ الإنسان : الآيةُ 8 ] قَالَ ابنُ كَثِيرٍ (( رحمهُ اللهُ )) : قِيلَ : عَلَى حُبِّ اللهِ تَعَالَى . وَجَعَلُوا الضَّمِيرَ عَائِداً إِلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِدَلاَلَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ . وَالأَظْهَرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الطَّعَامِ ، أَيْ : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ فِي حَالِ مَحَبَّتِهِمْ وَشَهْوَتِهِم لَهُ ، قَالَهُ مُجَاهدٌ ، ومُقَاتِل ، واخْتَارَهُ ابنُ جَرِيرٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : "وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ " [ البقَرةُ : الآيةُ 177] ، وكَقَوْلِهِ : " لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " [ آل عِمْرَانَ : الآيةُ 92 ] . وَفِي الصَّحِيحِ [ صحيح مُسلم 1032 ] : " أفْضَلُ الصَّدَقَةِ أنْ تَصَدّقَ وأنتَ صَحيحٌ ، شَحِيحٌ ، تَأمَلُ الْغِنَى ، وَتَخْشَى الْفَقْرَ " أيْ : فِي حَالِ مَحَبَّتِكَ للْمَالِ وحِرْصِكَ عَلَيْهِ وَحَاجَتِكَ إِلَيْهِ . اهـ [ عُمْدَةُ التَّفْسِيرِ ج 3 ص 616 ] . وَمِمَّا زادَ الطِّينَ بِلَّةً والطّنْبُورَ نغْمةً هُوَ أَنَّ أغْلبَ الْمُنْتَسِبينَ للتّدينِ والإسْتِقَامَةِ منْ أرْبَابِ النعْمَةِ مُصَابُونَ بِهَذَا الْمَرضِ المُزْمِنِ ، فَتَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُم يَفْعَلُ أَكْثَرَ السُّنَنِ الّتِي رَغَّبَ فِيهَا الْمُصْطَفَى صَلّى الله عليه وسَلّم إلاَّ سُنَّةَ الإفْضَالِ عَلَى الإخْوانِ !! .. وقَدْ قُلتُ فِي مقَالٍ سابِقٍ منذُ سَنَتَيْنِ إسْمُهُ ((قَمعُ الأَدْعيَاء)) كلاَماً يصُبُّ فِي هَذَا الْمِضْمَارِ لعَلَّ مِنَ الْخَيْرِ أنْ أنقُلَ بعْضَهُ هُنَا : ((وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ مِنْ بَعْضِ الْمُنْتَسِبينَ لِلإِسْتِقَامَةِ وَالتَّدَيُّنِ مِنْ أَرْبَابِ النِّعْمَةِ وَالثَّرَاءِ عِنْدَمَا تَرَاهُ يَذْهَبُ إِلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلَّ عَامٍ وَكُلَّ سَنَةٍ وَفِي مَدِينَتِهِ وَقَرْيَتِهِ فُقَرَاءُ وَبُؤَسَاءُ مِنْ إِخْوَانِهِ لاَ يَجِدُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا يَقْمَعُ بِهِ شَهْوَتَهُ وَلاَ مَا يَغُضُّ بِهِ بَصَرَهُ فِي ظِلِّ هَذِهِ الْفِتْنِ الْمُضِلَّةِ ...فَيَتَجَاهَلُهُمْ ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَلاَ يُلْقِي لَهُمْ بَالاً وَبِاسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَسَاعِدَهُمْ عَلَى الزَّوَاجِ وَلاَ يُضُرُّ ذَلِكَ بِمَالِهِ الَّذِي خَوَّلهُ اللهُ إِيَّاه ..... وَلَعَلَّ أَبَا الْعَلاَء المعَرِّي قَصَدَ هَذَا النَّوْعَ بِقَوْلِهِ: تَوَهَّمْتَ يَا مَغْرُورُ أَنَّكَ دَيِّـنٌ عَـلَيَّ يَمِِينُ اللهِ مَالَكَ دِيــنُ تَسِيرُ إِلَى اْلبَيْتِ الْحَرَامِ تَنَسُّكًا وَيَشْكُوكَ جَارٌ بَائِسٌ وَخَدِيـنُ )) وَالْبَخِيلُ - وَإِنْ كَانَ ذَمِيمًا مَقِيتًا - بَيْدَ أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ ذَمُّهُ ، وَتَتَفَاقَمُ مَسَاوِئُهُ، بِاخْتِلاَفِ صُوَرِهِ وَأَبْعَادِهِ : قَوْمٌ إِذَا اسْتَنْبَحَ الأَضْيَافُ كَلْبَهُمُ قَالُوا لأُمِّهمْ بُولِي علَى النَّارِ فَأَقْبَحُ صُوَرِهِ وَأَشَدُّهَا إِثْمًا ، هُوَ الْبُخْلُ بِالْفَرَائِضِ الْمَالِيةِ ، الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، تَنْظِيمًا لِحَيَاتِهِمْ اْلاقْتِصَادِيةِ ، وَإِنْعَاشًا لِمُعْوِزِيهِمْ .... وَهَكَذَا تَخْتَلِفُ مَعَائِبُ الْبُخْلِ بِاخْتِلاَفِ الأَشْخَاصِ وَالْحَالاَتِ : فَبُخْلُ الأَغْنِيَاءِ أَقبَحُ مِنْ بُخْلِ الْفُقَرَاءِ ، وَالشُّحُّ عَلَى الْعِيَّالِ أَوِ الأَقْرِبَاءِ أَوِ الأَصْدِقَاءِ أَوْ الأَضْيَافِ أَوْ الْفُضَلاَءِ منْ أهْلِ الْعِلْمِ الفُقَرَاءِ أَبْشَعُ وأَسْمَجُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَالتَّقْتِيرُ وَالتَّضْييقُ فِي ضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ مِنْ مَطْعَمٍ ومَلْبَسٍ أَسْوَأُ مِنْهُ فِي مَجَالاَتِ التَّرَفِ وَالْبَذْخِ أَعَاذَنَا اللهُ مِنْ جمَيِعِ صُوَرِهِ وَمَثَالِبِهِ . قَال ابنُ عَبْدِ رَبِّهِ ((رحمهُ الله)) في العِقْدِ الْفَرِيدِ ج 1 ص 169 : قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ : " مَنْ سَيِّدُكُم " قَالُوا : الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى بُخْلٍ فِيهِ ، فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ " اهـ . قُلْتُ : الحدِيثُ صَحَّحهُ العَلاَّمَةُ الألْبَانِي ((رحمهُ الله)) فِي صحيحِ الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِرَقم 296 . وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْبُخَلاَءِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَسْخَيَاءِ يَأْمُرُهُ بِالإبْقَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَيُخَوِّفُهُ الْفَقْرَ . فَرَدَّ عَلَيْهِ : " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفْضْلاً " [ الْبَقَرة : الآيةُ 268 ] وإِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ أَتْرُكَ أَمْراً قَدْ وَقَعَ ، لأَمْرٍ لَعَلَّهُ لاَ يَقَعُ . [ الْمَصْدَرُ السَّابِقُ ج 1 ص 170 ] وَكَانَ كِسْرَى يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِأهْلِ السَّخَاءِ وَالشَّجَاعَةِ ، فَإِنَّهُم أَهْلُ حُسْنِ ظَنٍّ بِاللهِ تَعَالَى ، وَلَوْ أَنَّ أهْلَ الْبُخْلِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَرَرِ بُخْلِهِمْ وَمَذَمَّةِ النَّاسِ لَهُم وَإطْبَاقِ الْقُلُوبِ عَلَى بُغْضِهِم ، إِلاَّ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِرَبِّهِم فِي الْخَلَفِ ، لَكَانَ عَظِيماً . وَأخَذَ هَذَا الْمَعْنَى مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ فَقَالَ : مَنْ ظَنَّ بِاللهِ خَيْراً جَادَ مُبْتَدِئاً وَالْبُخْلُ مِنْ سُوءِ ظَنِّ الْمَرْءِ بِاللهِ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : سَادَاتُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الأسْخيَاءُ ، وَفِي الآخِرَةِ الأَتْقِيَاءُ . وَقَالَ زِيَّاد : كَفَى بِالْبُخْلِ عَاراً أنَّ اسْمَهُ لَمْ يَقَعْ فِي حَمْدٍ قَطّ ، وَكَفَى بِالْجُودِ مَجْداً أَنَّ اسْمَهُ لَمْ يَقَعْ فِي ذَمٍّ قَطّ . قَالَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَة : مَا أُحِبُّ أَنْ أَرُدَّ أَحَداً فِي حَاجَةٍ طَلَبَهَا ، لأَنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَرِيماً فَأصُونَ لَهُ عِرْضَهُ ، أَو لَئِيماً فَأصُونَ عِرْضِي مِنْهُ . قَالَ الأخْطَلُ يُعَيِّرُ قَوْمَ جَريرٍ بنِ عَطِيَّةَ الْخَطَفِي بِالبُخْلِ : فَتُمْسِكُ الْبَوْلَ بُخْلاً أنْ تَجُودَ بِهِ فَمَـا تَبُولُ لَهُمْ إِلاّ بِمِقْدارِ وَخُلاَصَةُ الْقَوْلِ : وَمِنْ لَطِيفِ مَا يُستَحْضَرُ فِي هَذَا الْمَقَام مَا ذَكَرَهُ أَبُومُحَمَّدٍ ابْنُ قُتيْبةَ ((رحمهُ الله)) فِي كِتَابِهِ [الشِّعْرُ وَالشُّعْرَاءُ ج 2 ص 781 بِتَحْقِيقِ أحْمَدَ شَاكِر ]:لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أتَصَوَّرَ أَنَّ الإِنْسَانَ إنْسَانٌ حَتَّى أَرَاهُ مُحْسِناً ، ..وإِنِّي أَرَى النَّاسَ ثَلاَثَةً : رَجُلٌ يُحْسِنُ إِلَى غَيْرِهِ لِيَتَّخِذَ إِحْسَانَهُ إِلَيْهِ سَبِيلاً إلَى الإِحْسَانِ إِلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ الْمُسْتَبِدُّ الْجَبَّارُ الّذِي لاَ يَفْهَمُ مِنَ الإحْسَانِ إِلاَّ أنَّهُ يَسْتَعْبِدُ الإِنْسَانَ ، ورَجُلٌ يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ ولاَ يُحْسِنُ إِلَى غَيْرِهِ وَهوَ الشَّرِهُ الْمُتَكَالِبُ الّذِي لَوْ عَلِمَ أنَّ الدَّمَ السَّائِلَ يَسْتَحِيلُ إِلَى ذَهَبٍ جَامِدٍ لَذَبحَ فِي سَبِيلِهِ النّاسَ جَمِيعاً ، وَرَجُلٌ لاَ يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ ولاَ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْبَخِيلُ الأَحْمَقُ الّذِي يُجِيعُ بَطْنَهُ لِيُشْبِعَ صُنْدُوقَهُ ، وَأمَّا الرَّابِعُ : وَهُوَ الّذِي يُحْسِنُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَيُحْسِنُ إِلَى نفَسِهِ ، فَلاَ أَعْلَمُ لَهُ مَكَاناً ، ولاَ أجِدُ لَهُ سَبيلاً ، وَأَحْسِبُ أَنَّهُ هُوَ الّذِي كَانَ يُفَتِّشُ عَنْهُ الفَيْلَسُوفُ ((دِيُوجِين الْكَلبي )) حِينَمَا سُئِلَ : مَا يَصْنَعُ بِمِصْبَاحِهِ ؟ وَكانَ يَدُورُ بِهِ فِي بَيَاضِ النَّهَار ، فَقَالَ : ((أُفَتِّشُ عَنْ إِنْسَانٍ !!)) اهـ [ النَّظرات ج 1 للكاتب البارع مصطفى لُطْفِي الْمُنْفَلُوطِي ((رحمهُ اللهُ)) ] . وسمِعَهُ رجُلٌ يُنْشِدُ [يَعْنِي أَبَا الْعَتَاهِيّة ] : فَانظُرْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ فَـلَنْ ترَى إلاَّ بَخِـــيلاً فقالَ لهُ : بَخَّلْتَ النَّاسَ جَمِيعاً ؟! قالَ : فَأَكْذِبْني بِسَخِيٍّ واحدٍ !! ((فَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَقَالِ مِنْ صَوابٍ فَمِنَ اللهِ فَهُوَ الْمَحْمُودُ الْمُسْتَعَانُ ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَطَأٍ فَمِنْ رَاقِمِهِ وَمِنَ الشَّيْطَانِ ، وَاللهُ بَرِيءٌ مِنْهُ وَرَسُولُهُ ، وَهَذِهِ بِضَاعَةُ مُؤَلِّفِهِ الْمُزْجَاةُ تُسَاقُ إِلَيْكَ ، وَسِلْعَتُهُ تُعْرَضُ عَلَيكَ ، فَلِقَارِئِهِ غُنْمُهُ وَعَلَى مُؤَلِّفِهِ غُرْمُهُ ، وَبَنَاتُ أَفْكَارِهِ تُزُفُّ إِلَيْكَ ، فَإِنْ وَجَدَتْ حُرّاً كَرِيماً كَانَ بِهَا أَسْعدَ وَإِلاَّ فَهِي خُودٌ تُزَفُّ إِلَى عِنِّينٍ مُتَعَدٍّ)) . كتاب عُدّة الصابرين لابن القيم بتصرف يسير ص10قَالَ ابنُ الْجَوْزِي ((رحمهُ اللهُ)) : رَأَيْتُ مِنْ أَعْظَمِ حِيَلِ الشَّيْطَانِ وَمَكْرِهِ ، أنْ يُحِيطَ أَرْبَابَ الأمْوالِ بِالآمَالِ ، والتَّشَاغُلِ بِاللَّذَّاتِ الْقَاطِعَةِ عَنِ الآخِرَةِ وَأَعْمَالِهَا . فَإِذَا عَلَّقَهُمْ بِالْمَالِ – تَحْرِيضاً عَلَى جَمْعِهِ ، وَحَثًّا عَلَ تَحْصِيلِهِ – أَمَرَهُمْ بِحِرَاسَتِهِ بُخْلاً بِهِ ، فَذَلِكَ مِنْ مَتِينِ حِيَلِهِ ، وَقَوِيِّ مَكْرِهِ . اهـ [صَيْدُ الْخَاطِر ص 19 ] قَالَ مُقَيِّدُ هذِه الْكَلِماتِ : لَعَلِّي أَكْتَفِي بِهَذَا القَدْرِ فَفِيهِ الْكِفَايَة إِنْ شَاءَ اللهُ ، وَخيرُ الْكَلاَمِ مَا قَلَّ ودَلَّ .. وَأَخِيراً : عِنِّين: هو من لا يستطيع إتيان النّساء . خود : أي حسناء جميلة . المُزجاة : اليسير القليلة لَعَمْرِي لَقَدْ نَبَّهْتُ مَنْ كَانَ نَائِماً وَأَسْمَعْتُ مَنْ كَانَتْ لهُ أُذُنانِ وَفَرَغَ الرَّبِيعُ الْعَاصِفُ مِنْ تَسْويدِهِ فِي 19 شُعْبَانَ 1431 هـ المُوَافِق 31 يُولْيُوز 2010 م
__________________
كن ما استطعت عن الأنام بمعزل إن الكثير من الورى لا يصحب
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |