شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 49 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 591 - عددالزوار : 334067 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          7أفكار لوجبات خفيفة للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أضرار مشروبات الطاقة: حقائق صادمة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #481  
قديم 22-02-2025, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [279]
الحلقة (311)



شرح سنن أبي داود [279]

أمر الله عز وجل بفريضة الصيام في الحضر، وخير المرء في السفر، وجعل الشارع الأمر معلقاً بمشقة المسافر وعدمها، فإن كانت المشقة حاصلة فالفطر للمسافر أولى، وإن لم توجد مشقة فالصوم أولى له؛ لأن المبادرة إلى إبراء الذمة أولى من التراخي فيها.

الصوم في السفر


شرح حديث (صم إن شئت وأفطر إن شئت)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصوم في السفر. حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : (أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: صم إن شئت، وأفطر إن شئت) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب الصوم في السفر ] أي: حكمه، والصوم في السفر سواء كان فرضاً أو نفلاً يسوغ ويسوغ الفطر، لكن أيهما أولى؟ قال بعض أهل العلم: إن الصيام أولى، وقال بعضهم: الفطر أولى، وقال بعضهم: إن هذا يرجع إلى المشقة وعدم المشقة، فإذا كان يشق الصوم عليه فإن الفطر أولى له، وإن كان لا يشق عليه فالصوم أولى له، وهذا القول فيما يبدو هو الأولى والأظهر؛ لأن الأولى للإنسان في حال مشقته أن يفطر حتى يسلم من المشقة ومن الضرر، وإذا لم يكن هناك مشقة وكان الصيام عليه سهلاً، فكون الإنسان يؤدي الواجب عليه لاسيما في شهر رمضان فهو أولى حتى يحمل نفسه ديناً، ويكون قد أدى الواجب عن نفسه في وقته، وحيث لا مشقة فإن هذا يكون هو الأولى. وعلى هذا فإن للإنسان في السفر أن يفطر وله أن يصوم سوء كان فرضاً أو نفلاً، ولكن الأولى يرجع إلى المشقة وعدمها، فإن كان يناله مشقة ويلحقه ضرر فالأولى في حقه الإفطار، وإن كان لا يلحقه شيء من ذلك فإن الأولى في حقه الصيام. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن حمزة الأسلمي رضي الله جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) وهذا يدل على أن الأمر في ذلك واسع، وله أن يصوم وله أن يفطر، أي: هو مخير بين هذا وهذا، ولكن الأولى في حقه ما ذكرناه. قوله: [ (أسرد الصوم) ]. يعني: يكثر من الصوم، والمقصود بهذا صوم النافلة؛ لأن النوافل هي التي يمكن للإنسان أن يقوم بها، وأما بالنسبة للفرض فإنه لازم لكل أحد، وإذا كان لم يصم في سفر فإنه يصوم أياماً أخر عوضاً عنها وبدلاً منها. ولا يفهم منه صيام الدهر؛ لأن المراد من السرد الإكثار منه، ولا يعني ذلك أنه يصوم الدهر كله؛ لأن صوم الدهر قد ورد ما يدل على النهي عنه.

تراجم رجال إسناد حديث (صم إن شئت وأفطر إن شئت)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عن حماد ]. وهو حماد بن زيد ؛ لأنه إذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه سليمان بن حرب ، ويروي عنه مسدد فالمراد به: حماد بن زيد ، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد حماد بن سلمة، وهكذا. وهناك كما سبق أن أسلفت فصل ذكره المزي في تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة و حماد بن زيد ؛ لأن الترجمتين متجاورتين، وبعد ترجمة حماد بن سلمة ذكر فصلاً بيّن فيه من يكون حماد إذا أبهم، وذكر عدداً من التلاميذ، إذا روى فلان أو فلان عن فلان فهو حماد بن زيد ، وإذا روى فلان أو فلان عن فلان فهو حماد بن سلمة. وهنا حماد غير منسوب، وهذا يقال له في علم المصطلح المهمل، أي: الذي لم ينسب وهو يحتمل شخصين أو أكثر، كما في حماد يحتمل حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، ومعروف أن سليمان بن حرب وكذلك مسدد إنما يرويان عن حماد بن زيد. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة ، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

شرح حديث (أي ذلك شئت يا حمزة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن عبد المجيد المدني قال: سمعت حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي يذكر أن أباه أخبره عن جده رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوة وأنا شاب، فأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: أي ذلك شئت يا حمزة) ]. أورد أبو داود حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار بين أن يصوم وأن يفطر، وهذا الحديث فيه تنصيص على أنه شهر الصوم. قال: إنه يجد قدرة ويريد ألا يحمل نفسه ديناً، وهو يقدر على الصيام، فقال: (أي ذلك شئت) يعني: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر، وهذا مثل ما جاء في حديث عائشة في قصته، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) وهو يدل على التخيير، ولكن كما قلت في التفصيل الذي أشرت إليه آنفاً: إن كان لا يجد مشقة ولا يصيبه تعب ومضرة فالأولى في حقه الصيام، حتى يكون قد أدى الواجب في وقته ولم يحمل نفسه ديناً، وإن كان عليه مشقة في ذلك فالأولى في حقه أن يفطر؛ لأنها رخصة رخص الله تعالى له بها، فإذا كان هناك مشقة فلا يقدم على شيء عليه فيه مشقة، وإنما يأتي بالرخصة التي رخص الله تعالى له بها بأن يفطر ويصوم عدة ما أفطر من أيام أخر. قوله: [ عن حمزة قال: (قلت: يا رسول الله! إني صاحب ظهر) ]. يعني: صاحب مركوب يعني: دواب. (أعالجه) يعني: أستعمله وأكريه. قوله: [ (أسافر عليه وأكريه) ]. يعني: أحياناً يسافر عليه لنفسه، وأحياناً يكريه. قوله: [ (وإنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوة وأنا شاب، وأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً أفأصوم يا رسول الله! أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: أي ذلك شئت يا حمزة) ]. أي ذلك شئت: يعني: لك هذا ولك هذا، لك أن تصوم ولك أن تفطر، وهو كالتخيير الذي جاء عن عائشة في قصة حمزة هذا، والإسناد ضعيف، ولكنه من حيث اللفظ مطابق لما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها في قصته من التخيير، فهو من حيث الإسناد ضعيف، ولكنه صحيح من حيث المعنى، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها بالطريق الصحيحة الثابتة المتقدمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خيره، و عائشة تحكي التخيير له، وهو يحكي التخيير لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (أي ذلك شئت يا حمزة)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ، ثقة ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن عبد المجيد المدني ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ سمعت حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي ]. حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي ، وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ يذكر أن أباه ]. وهو مقبول، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و النسائي . [ عن جده ]. جده حمزة بن عمرو رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي .

شرح حديث ابن عباس في إفطار النبي عندما بلغ عسفان


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فرفعه إلى فيه ليريه الناس، وذلك في رمضان، فكان ابن عباس يقول: قد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة في رمضان، وكان ذلك في عام الفتح، فكان صائماً، ولما بلغ عسفان دعا بإناء والناس يرونه، فشرب صلى الله عليه وسلم وأفطر، في أثناء اليوم حتى يعلم الناس بأنه مفطر، وكان ذلك في عام الفتح، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يفطروا ليتقووا على العدو لما قربوا من مكة، ولما وصلوا إلى مكة أو قاربوها أمرهم بأن يفطروا ليتقووا على العدو كما سيأتي، وهنا أفطر ليراه الناس وحتى يتابعوه ويقتدوا به صلى الله عليه وسلم. وفي هذا أنه صام وأفطر وهو مسافر؛ لأنه كان أولاً صائماً ثم أفطر للسفر، ففيه أنه صام قبل أن يصل إلى عسفان، وأفطر بعدما وصل إلى عسفان. فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: (قد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر) لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام أولاً ثم أفطر آخراً، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر، يعني: للإنسان أن يصوم، وله أن يفطر.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في إفطار النبي عندما بلغ عسفان


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة ]. مسدد مر ذكره. أبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام -وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير- وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (سافرنا مع رسول الله في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه قال (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام بعضنا وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم)، يعني: أن الأمر واسع، وأن كل واحد له أن يصوم وله أن يفطر، وما عاب من صام على من أفطر، ولا عاب من أفطر على من صام، فدل هذا على أن الأمر واسع في السفر، فللإنسان أن يصوم وله أن يفطر، ولكن التفصيل الذي أشرت إليه هو المناسب.

تراجم رجال إسناد حديث (سافرنا مع رسول الله في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الطويل ]. حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ لأن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أربعة أشخاص. ولا أتذكر أنزل إسناد عند أبي داود ، وسبق أن مر بنا إسناد فيه تسعة أشخاص، وهو في باب الصائم يستقيء عامداً. وهو حديث: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسن عن يحيى قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام أن أباه حدثه قال: حدثني معدان بن طلحة أن أبا الدرداء حدثه. فهذا سند فيه تسعة أشخاص.

شرح حديث (خرجنا مع النبي في رمضان عام الفتح فكان رسول الله يصوم ونصوم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و وهب بن بيان المعنى قالا: حدثنا ابن وهب قال: حدثني معاوية عن ربيعة بن يزيد أنه حدثه عن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو يفتي الناس، وهم مكبون عليه، فانتظرت خلوته، فلما خلا سألته عن صيام رمضان في السفر، فقال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان عام الفتح، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ونصوم، حتى بلغ منزلاً من المنازل فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر، قال: ثم سرنا فنزلنا منزلاً فقال: إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال أبو سعيد : ثم لقد رأيتني أصوم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك وبعد ذلك ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سأله قزعة عن الصوم في السفر، فأجابه بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه من المسالك التي يسلكها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في الفتوى، فكانوا إذا سئلوا عن شيء أجابوا بالحديث، وفيه الجواب مشتملاً على الدليل، وقد يجيب ثم يذكر الحديث، ولكن الغالب أنه يأتي بالأثر، وأحياناً يأتي بالحديث الطويل المشتمل على جملة معينة محددة من الحديث الطويل هي محل الشاهد، ولكنه يسوق الحديث بأكمله من أجل الجملة التي فيه، ومن ذلك حديث جبريل المشهور وهو أول حديث في صحيح مسلم ؛ أن ابن عمر رضي الله عنه جاءه أناس من البصرة وأخبروه أنه خرج في بلدهم أناس يتكلمون في القدر، فعبد الله بن عمر تبرأ منهم ثم ساق الحديث عن أبيه وأتى بحديث جبريل الطويل المشتمل على محل الشاهد، فكانوا رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم إذا سئلوا أجابوا بالأثر. قوله: [ أتيت أبا سعيد الخدري ، وهو يفتي الناس، وهم مكبون عليه ]. أي وهو يفتي الناس وهم مكبون عليه يستفتون، يعني: أنهم كثيرون. قوله: [ فانتظرت خلوته ]. يعني: تحين الفرصة حتى يخف عنده الزحام والناس مكبون عليه، فجاءه وسأله عن الصوم في السفر. قوله: [ فلما خلا سألته عن صيام رمضان في السفر، فقال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان عام الفتح، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ونصوم، حتى بلغ منزلاً من المنازل فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم) ]. هنا قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في رمضان عام الفتح، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويصومون معه، ولما كانوا في الطريق قال: (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم). هذا إرشاد وإيماء إلى أن يفطروا، وليس فيه عزيمة، لأنه ما أمرهم، ولكنه أرشد إلى أن هذا أقوى لهم، فلما دنوا من عدوهم قال: (إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة) معناه الأمر الأخير عزيمة، وأما الأمر الأول ففيه إرشاد؛ لأنه قال: (الفطر أقوى لكم) وفي الأخير قال: (أفطروا) لأنه قبل ذلك كان بينه وبين العدو مسافة، فكونهم يفطرون حتى يكون عندهم شيء من القوة أولى، ولكنهم بعد أن وصلوا إلى العدو وصاروا مصبحين له، أمرهم أن يفطروا حتى يكونوا على قوة ليتمكنوا مما يريدون، هذه هي العزيمة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو سعيد : [ثم لقد رأيتني أصوم مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وبعد ذلك ]. فدل على أن الصوم في السفر بابه واسع.

تراجم رجال إسناد حديث (خرجنا مع النبي في رمضان عام الفتح فكان رسول الله يصوم ونصوم...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ و وهب بن بيان ]. وهب بن بيان الواسطي ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني معاوية ]. معاوية بن صالح ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة بن يزيد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قزعة ]. قزعة بن يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. وهو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
اختيار الفطر


شرح حديث (ليس من البر الصيام في السفر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اختيار الفطر. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن -يعني: ابن سعد بن زرارة - عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يظلل عليه والزحام عليه، فقال: ليس من البر الصيام في السفر) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب اختيار الفطر يعني: كون الفطر أولى، ومعلوم أن الفطر يكون أولى فيما إذا كان هناك مشقة، وهو يختار في هذه الحالة، ولا شك أنه أولى وأفضل من كون الإنسان يتحمل مشقة ويتعب نفسه، والله تعالى قد يسر له ورخص وسهل، فيأخذ برخصة الله ولا يتعب نفسه ويحملها ما يشق عليها، وما يكون عليها فيه عنت ومشقة. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً يظلل عليه، فقال: (ما هذا؟ قالوا: صائم، قال: ليس من البر الصيام في السفر) أي: الصوم الذي يؤدي إلى هذه الحال، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر، وأصحابه صاموا معه في السفر، ولكن المقصود أنه ليس من البر الصيام الذي يؤدي بالإنسان إلى المشقة. فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل، قالوا له: إنه صائم، يعني: أن هذا الذي حصل له بسبب الصيام؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر).

تراجم رجال إسناد حديث (ليس من البر الصيام في السفر)


قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الرحمن يعني : ابن سعد بن زرارة ]. محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن حسن ]. محمد بن عمرو بن حسن بن علي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فقد مر بنا من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدرس عائشة و ابن عباس و أنس و أبو سعيد و جابر ، بقي منهم ابن عمر و أبو هريرة .

شرح حديث (إن الله وضع شطر الصلاة والصوم عن المسافر...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو هلال الراسبي حدثنا ابن سوادة القشيري عن أنس بن مالك رضي الله عنه رجل من بني عبد الله بن كعب إخوة بني قشير قال: (أغارت علينا خيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهيت، أو قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأكل، فقال: اجلس فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إني صائم، قال: اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام، إن الله تعالى وضع شطر الصلاة -أو نصف الصلاة- والصوم عن المسافر، وعن المرضع أو الحبلى، والله لقد قالهما جميعاً أو أحدهما قال: فتلهفت نفسي ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من بني عبد الله بن كعب، وهو صحابي ليس له إلا هذا الحديث الواحد، وهو يوافق أنس بن مالك الصحابي المشهور أبو حمزة خادم النبي صلى الله عليه وسلم باسمه واسم أبيه، والمشهور بأنس بن مالك هو الصحابي خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إنما جاء في هذا الحديث الواحد، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أغارت علينا خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهيت أو قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل فقال: اجلس فأصب من طعامنا هذا، قلت: إني صائم، قال: اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام، إن الله وضع شطر الصلاة أو نصف الصلاة) ]. يعني: شك الراوي هل قال: شطر الصلاة أو قال: نصف الصلاة، والمقصود من ذلك الصلاة الرباعية، فتقصر من أربع إلى ركعتين. قوله: [ (والصوم) ]. يعني: أنه وضع الإلزام بالصوم في حال السفر، فللمسافر أن يفطر ثم يصوم أياماً أخر، وهذه أمور كلها فيها تخفيف، ولكن هي متفاوتة في نوع التخفيف، فهذه الصلاة الرباعية خففت إلى ثنتين، وبدلاً من أن يلزم المسافر بالصيام رخص له أن يفطر، وأن يقضي أياماً أخر بدل الأيام التي أفطرها، وهذا نوع من التخفيف؛ لأنه لو ألزم بالصيام لصار عليه مشقة ومضرة، ولكنه رخص له أن يفطر ويقضي أياماً أخر بدلاً من الأيام التي أفطرها. قوله: [ (وعن المرضع أو الحبلى) ]. هذا شك من الراوي قال: (والله لقد قالهما جميعاً أو أحدهما) يعني: قال: المرضع والحبلى أو قال: المرضع أو الحبلى، والمرضع رخص لها أن تفطر من أجل ولدها، وكذلك الحامل تفطر من أجل ولدها، ولكنهما تقضيان وتطعمان؛ لأن الإفطار من أجل غيرهما، أما لو كان الإفطار من أجل مرضهما أو ضعفهما، فإنه ليس عليهما إلا القضاء بدون إطعام، ولكن إذا كان الإفطار من أجل مصلحة الغير فإنهما يفطران ويقضيان ويطعمان عن كل يوم مسكيناً. فكما وضع عن المسافر الصوم في الحال، وأنه يقضي أياماً أخر، فكذلك المرضع والحامل، ولكنهما تقضيان في أيام أخر، وإذا كان الترخيص لهما من أجل مصلحة جنينهما فعليهما الكفارة وهي إطعام مسكين مع القضاء. قوله: [ فتلهفت نفسي ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. يعني: كأنه تألم وتأثر بذلك، وتمنى أنه أكل.
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله وضع شطر الصلاة والصوم عن المسافر...)

قوله: [ حدثنا شيبان بن فروخ ]. شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو هلال الراسبي ]. أبو هلال الراسبي هو محمد بن سليم ، صدوق فيه لين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثنا ابن سوادة القشيري ]. هو عبد الله بن سوادة القشيري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أنس بن مالك ]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج له أصحاب السنن، وليس له إلا هذا الحديث الواحد.
من اختار الصيام


شرح حديث (خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته في حر شديد...)

قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب من اختار الصيام. حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني إسماعيل بن عبيد الله قال: حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه -أو كفه على رأسه- من شدة الحر، ما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، و عبد الله بن رواحة ) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من اختار الصيام. يعني: الترجمة السابقة فيمن اختار الفطر، وهنا من اختار الصيام، وأورد حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان في حر شديد، وكان الواحد منهم يضع يده على رأسه من شدة الحر، قال: (وليس فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة) رضي الله عنه، ومحل الشاهد من هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم قد صام وصام عبد الله بن رواحة في السفر. وفيه أنه حصل لهم مشقة من شدة الحر، وأنه كان في يوم حر شديد، ولكن أكثرهم مفطر، ولكن فيهم من صام وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم و عبد الله بن رواحة. فإذاً: دل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار الصيام، وكذلك عبد الله بن رواحة معه، فهذا فيه دلالة على ما ترجمه المصنف، ولكن الأمر كما سبق أن أسلفت يرجع إلى المصلحة، فإذا كان هناك مضرة ومشقة فالفطر أولى، وإن لم يكن هناك مشقة فالصيام أولى.

تراجم رجال إسناد حديث (خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته في حر شديد...)

قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل ، هو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الوليد ]. الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ]. سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إسماعيل بن عبيد الله ]. إسماعيل بن عبيد الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أم الدرداء ]. أم الدرداء وهي الصغرى، وهي تابعية ثقة، اسمها هجيمة ، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. وأما أم الدرداء الصحابية واسمها خيرة فليس لها رواية في الكتب الستة، وإنما التي لها رواية هي الصغرى، وقد خرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهذه تابعية ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وكل منهما يقال لها: أم الدرداء، وهما زوجتان لأبي الدرداء . [ عن أبي الدرداء ]. وهو عويمر بن زيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (من كانت له حمولة تأوي إلى شبع...)


قال المصنف رحمه تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى حدثنا هاشم بن قاسم ح وحدثنا عقبة بن مكرم حدثنا أبو قتيبة المعنى قالا: حدثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي قال: حدثني حبيب بن عبد الله قال: سمعت سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي يحدث عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن المحبق رضي الله عنه: (من كانت له حمولة) أي: مركوب، وهو الذي يحمل عليه كالبعير والحمار. تأوي أي: تأوي به أو توصله. إلى شبع: إلى مكان فيه شبع ورفاهية واستمتاع. قوله: [(فليصم رمضان حيث أدركه)]. يعني: لو كان ذلك في السفر، وهذا من أجل الترجمة: باب من اختار الصيام؛ لأنه أرشده إلى الصيام، فإنه يصوم الشهر حيث أدركه، ومعناه أنه يفضل الصيام، لكن الحديث ضعيف، وفي إسناده من هو متكلم فيه. وكون الإنسان مخير بين الصوم في السفر هذا واضح، ولكن الشأن هنا في الاستدلال على اختيار الصيام وتقديم الصيام على الإفطار، وأنه يكون أولى من الإفطار يعني: هذا الحديث مما يدل عليه.

تراجم رجال إسناد حديث (من كانت له حمولة تأوي إلى شبع...)


قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا هاشم بن قاسم ]. هاشم بن القاسم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو قتيبة ]. هو سلم بن قتيبة وهو صدوق، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه أبو قتيبة ، واسمه: سلم بن قتيبة ، ومن أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة ذلك ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر (أبي) بدل (ابن)، لو جاء سلم أبي قتيبة ، فالذي لا يدري أن كنيته أبو قتيبة يظن أن (ابن) صحفت وصارت (أبي)، لكن من عرف أن كنيته توافق اسم أبيه، إن قيل: سلم بن قتيبة فهو صحيح، وإن قيل: سلم أبي قتيبة فهو صحيح. وهذا هو الذي سبق أن ذكرت الكلمة التي قالها فيه يحيى بن سعيد القطان، أعني: في توهينه له، وهي عبارة مشهورة عند العوام في هذا الزمان، قال يحيى بن سعيد القطان : ليس من جمال المحامل، معناه: أنه ليس ذلك الذي يشبه جمال المحامل، أي: الذي يحمل ويستفاد منه. [ حدثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي ]. عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي ، ضعفه أحمد ، وقال ابن معين : لا بأس به، أخرج له أبو داود . وكلمة: (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق ، فهي تعادل ثقة. وذكره البخاري حيث قال: ذاهب الحديث، أو قال: منكر الحديث، فأقول: فيه كلام شديد. وقال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، يعني: هذا الحديث. [ حدثني حبيب بن عبد الله ]. حبيب بن عبد الله مجهول، أخرج له أبو داود . [ سمعت سنان بن سلمة بن المحبق ]. سنان بن سلمة بن المحبق ، له رؤية، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ يحدث عن أبيه ]. أبوه سلمة بن المحبق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة. وعلى هذا ففيه هذا المجهول، وفيه هذا الذي تكلم فيه، ضعفه أحمد وقال البخاري : منكر ، وقال: إنه ذاهب الحديث، وقال العقيلي : لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به.

شرح حديث (من أدركه رمضان في السفر..) وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن المهاجر حدثنا عبد الصمد -يعني: ابن عبد الوارث - حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال: حدثني أبي عن سنان بن سلمة عن سلمة بن المحبق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أدركه رمضان في السفر..) فذكر معناه ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى، ولكنه ذكر أوله وأشار إلى باقيه، قال: (من أدرك رمضان في السفر..) فذكر معناه، أي: فذكر معنى الرواية السابقة. قوله: [ حدثنا نصر بن المهاجر ]. نصر بن المهاجر ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الصمد يعني: ابن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال: حدثني أبي عن سنان بن سلمة عن سلمة بن المحبق ]. وقد مر ذكرهم جميعاً في الإسناد السابق."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #482  
قديم 22-02-2025, 05:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [280]
الحلقة (312)





شرح سنن أبي داود [280]

إن الله تبارك وتعالى بين لنا في كتابه وعن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم أحكاماً وأوامر ونواهي لا يستطيع المرء المسلم الباحث عن الحق الخروج منها؛ لأنه مستسلم لهذا الدين والشرع بكل كيانه، وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى أهل العلم في السؤال عن المشكلات والمبهمات التي قد لا يعلمها إلا العلماء الراسخون في العلم فقال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وبين أيدينا مجموعة من هذه
الأسئلة والفتاوى القيمة والمليئة بالفائدة.

معنى وضع شطر الصلاة والصيام عن المسافر والحامل والمرضع

السؤال: استشكل حديث أنس بن مالك القشيري الكعبي : (إن الله تعالى وضع شطر الصلاة أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع أو الحبلى) فهل المرضع والحبلى لهما دخل في وضع شطر الصلاة؟


الجواب: شطر الصلاة هو تابع للمسافر؛ لأن الصلاة خاصة بالمسافر؛ لأنه قال: (وضع عن المسافر) ثم ذكر: الصوم، فلهما دخل في الصوم وليس لهما دخل في الصلاة؛ لأن المرضع أو الحبلى ليس لهما دخل في الصلاة، وإنما هذه أمور تذكر وأحكامها مختلفة، فيكون للمسافر القصر والإفطار، وأما المرضع والحامل فلهما الإفطار فقط، وأما الصلاة فلا دخل لهما فيها، بل كل من كان له رمق في الحياة فإنه يصلي الصلاة في وقتها، على حسب طاقته وقدرته، ولكن المريض له أن يجمع، وليس له أن يقصر.


الإكباب على العلماء سنة قديمة

السؤال: في حديث أبي سعيد الذي فيه قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري وهو يفتي الناس، وهم مكبون عليه، فهل الإكباب على العلماء واستفتاؤهم سنة قديمة؟



الجواب: نعم.


حكم من لم يجد الهدي فأخر الصوم إلى شعبان

السؤال: ما حكم من أخر صيام سبعة أيام لمن لم يجد الهدي إلى شهر شعبان؟



الجواب: المبادرة مطلوبة، يعني: كون الإنسان يؤدي الصيام حيث قال تعالى: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] وهي دين عليه، لكنه ليس من المتعين عليه أنه يصوم من وقت ما يصل، فلو حصل التأخير فهي دين في ذمته، فإذا أتى به في شعبان أو في أي وقت من السنة فقد أدى ما عليه، ولا ينبغي له أن يؤخر، لكنه إن أخر فعليه أن يقضي؛ لأن حصول التأخير لا يسقط الدين الذي في الذمة.


حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة في حديث المجامع أهله في نهار رمضان


السؤال: ذكرتم بأن الكفارة لا تسقط عن المجامع في نهار رمضان، فالأخ يقول: ألا يكون هذا من تأخير البيان عن وقت الحاجة، أعني أن الكفارة لا تسقط عن الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، وأن تبقى ديناً في ذمته ولا يخبره النبي صلى الله عليه وسلم؟





الجواب: ليس فيه تأخير بيان؛ البيان موجود حيث قال: ألا تستطيع كذا؟ ألا تستطيع كذا..؟ وبعد ذلك قال: (خذه وتصدق به) فقال: أنا أحوج، فأخذه وأكله وما تصدق. إذاً: الدين موجود في الذمة، وما حصل التأخير؛ لأن الكلام الذي قد حصل يدل على لزومه، وكونه معسراً لا يدل على سقوطه، والإنسان إذا كان عليه دين فقد قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] ولا يقال: إنه يسقط، وهذا عليه دين فلا يسقط، ما من شيء يدل على سقوطه، بل يدل على ثبوته في الذمة، وهذا الرجل أعطي شيئاً ليتصدق به ويؤدي الدين الذي عليه، ثم قال: إنه أحوج الناس إليه، فبقي الدين في ذمته. وأما الكفارة على المرأة المطاوعة فما جاء شيء ينفيها أو يثبتها، لكن من أفطر في نهار رمضان بالجماع فعليه كفارة، فهو إذا كان قد أخبر عن نفسه أنه أفطر أعطي الجواب، وأما هي فما جاءت لتستفتي، وما عرفنا مجيئها، لكن كونها حصل منها ارتكاب محظور، فأيضاً يكون عليها كفارة.


حكم قضاء دين الميت


السؤال: إذا كان الميت عليه دين، فهل يجب على أبنائه أن يقضوا دين أبيهم؟



الجواب: لا يجب عليهم، ولكن يستحب لهم.


حكم المسابقات الجارية في الأسواق

السؤال: سائل يسأل عن المسابقات الموجودة الآن في الأسواق، وهي أن تشتري مثلاً علبة البيبسي أو نحوها، ثم تأخذ الورقة عليها، فتكتب الاسم ومعلومات عن عنوانك، ثم ترسلها للشركة، وبعد فترة يجري السحب، فتكون الجائزة للفائز؟



الجواب: الأولى للشخص أن يبتعد عن هذا الشيء ولا يشغل نفسه فيه.


حديث حمزة الأسلمي لا يدل على سرد الصيام


السؤال: في حديث عائشة رضي الله عنها قول حمزة الأسلمي رضي الله عنه: (إني رجل أسرد الصوم) هل هذا الحديث يدل على سرد الصوم في أيام معدودة كشهر أو نحو ذلك؟



الجواب: يمكن أن يكون مثلاً في شهر، أو يمكن أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ لأن قضية السرد لا تعني أنه مواصل، فقد يصوم شهراً وقد يصوم مثلاً نصف شهر، ثم نصف شهر في أوقات متفرقة، فيقال له: إنه سرد الصوم.


حكم الفطر لمن سافر من المدينة إلى مكة


السؤال: هل يجوز لي أن أفطر وأنا أسافر من المدينة إلى مكة في هذا العصر، والوقت لا يستغرق إلا خمس ساعات فقط؟



الجواب: الفطر جائز، ولكن الأولى لك ألا تفطر.


حكم المظاهرات السلمية الاحتجاجية


السؤال: نادى بعض الناس بإجراء مظاهرات لتأييد الإخوة في فلسطين، وأن هذه المظاهرات لا يوجد ما يمنع منها إذا كانت سلمية، فما قولكم حفظكم الله؟


الجواب: أقول: المظاهرات من السفه.


حديث حمزة بن عمرو الأسلمي لا يدل على تفضيل الفطر في السفر


السؤال: جاء في صحيح مسلم عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: (يا رسول الله! إني أجد في قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)، أليس في هذا الحديث إشارة إلى تفضيل الفطر في السفر مطلقاً؛ لقوله: (رخصة)؟



الجواب: معلوم أن الفطر رخصة، وذلك في حق الإنسان الذي يحتاج ويضطر إليها، فإنه يأتي بها من ناحية الأولوية، وأما إذا كان غير مضطر إليها مثل المسافر في هذا الزمان، حيث يسافر ساعات ويكون في مكان مرتاح فيه، في سيارة مكيفة، وقد ينام هذه الساعات، أو يذهب إلى مكة وليس هناك مشقة، لأنه ليس بينه وبين الإنسان الذي هو جالس في غرفة أي فرق، إلا أنه يقال: إن هذا يجوز له أن يفطر؛ لأنه مسافر، والترخيص يكون في السفر ولو لم يجد مشقة، ولكن الأولى للإنسان أن يصوم حيث لا مشقة.


أحوال الأخذ بالرخصة


السؤال: الفطر رخصة، والله جل وعلا يحب أن تؤتى رخصه، والإشكال في أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) فالفطر من الرخص، فلماذا لا يكون الفطر هو الأولى؛ لكونه رخصة من الله، والله يحب أن تؤتى رخصه؟



الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: إنها رخصة، وهو الذي صام وأفطر، فدل على أن الأمر في ذلك واسع، ولكن إذا كان فيه مشقة فإن الأولى الإتيان بالرخصة، أو كان الإنسان يرغب عن الرخصة فيجب عليه أن يفطر؛ حتى لا يحصل منه هذا الشيء المحظور وهو الرغبة عن الرخصة، وإذا كان يشق عليه الصوم فعليه أن يفطر. وإن كان ما رغب عن رخصة، ولكنه وجد من نفسه نشاطاً وقوة، ويريد أن يؤدي الدين الذي عليه في الحال، فإن الأولى في حقه أن يصوم، والرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه هذا وهذا، ويكون الأخذ بالرخصة متعيناً فيما إذا كان مثل ما جاء: (ليس من البر الصيام في السفر)يعني: في مثل هذه الحالة المعينة الأخذ بالرخصة هو المتعين.


حكم من يقول: اللهم إني وكلتك بمن ظلمني فاغفر لهم إن شئت أو عذبهم إن شئت


السؤال: هل يجوز للإنسان أن يقول في دعائه: اللهم إني وكلتك بمن ظلمني، فاغفر لهم إن شئت أو عذبهم إن شئت؟



الجواب: سبحان الله! ألا يصفح عنهم ويسامحهم ويحصل له أجر.


حكم من ترك السنن بنية الإقامة أربعة أيام


السؤال: يقول: إنه مسافر نوى الإقامة ثلاثة أيام، فلم يصل السنن التي يسن تركها في السفر، فزادت إقامته إلى أربعة أيام أخرى، فهل يستمر في ترك السنن؟



الجواب: إذا كان في حدود أربعة أيام فإنه يعتبر مسافراً له أن يفطر، ولا تلزمه السنن الرواتب، وأما الوتر وركعتا الفجر فهذه متعينة لا يتركها الإنسان دائماً وأبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركها لا في الحضر ولا في السفر.


حديث: (ليس من البر الصيام في السفر) لا يصح على لغة حمير


السؤال: حديث: (ليس من البر الصيام في السفر) هل صح على لغة حمير : (ليس من امبر امصيام في امسفر)؟



الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بلغة قريش، أي: بهذه اللغة التي تكلم بها، ولكن كونهم ينطقون بها بلغتهم فيقولون: (ليس من امبر امصيام في امسفر) فيجعلون بدل الألف واللام ميماً، فهذه لغتهم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تكلم به هو لغة قريش، ولا نعلم أنه تكلم بلغة حمير، لكن هذا يذكرونه تمثيلاً للغة حمير.


الشهوة لا تنقض الوضوء بخلاف المذي


السؤال: هل الشهوة تنقض الوضوء ولو غلب على الظن أن المذي لم يخرج؟



الجواب: الذي ينقض الوضوء هو المذي، وأما إذا وجد شهوة وما خرج مذي فلا ينتقض الوضوء.


حكم بناء دورات المياه في ساحة المسجد


السؤال: ذكرتم حفظكم الله أن ساحة المسجد تعد من المسجد، ولكن الإشكال في وجود دورات المياه في هذه الساحة، والمسجد ينبغي أن ينزه عن ذلك؟



الجواب: دورات المياه خارجة عن المسجد، وما عداه يكون مسجداً، ودورات المياه ليست من المسجد، ولو كانت تحيط بها الساحات، وكما هو معلوم لها مكان معين في البدروم، والناس ينزلون إليها، ومن نزل إليها خرج من المسجد.


حكم من قدم من سفر مفطراً فجامع زوجته وهي حامل مفطر


السؤال: إذا قدم الرجل من السفر وهو مفطر، فجامع زوجته في نهار رمضان؛ لأنها حامل ولا تصوم، فهل عليه شيء؟



الجواب: لا يجوز له أن يجامع إذا وصل من السفر؛ لأنه إذا قدم يمسك عن الأكل والشرب وعن الجماع الذي كان مباحاً له في السفر؛ لأنه وصل إلى الحضر فوجب عليه الإمساك، ومعنى هذا أنه ارتكب أمراً محرماً في وقت الصيام، وكان مرخصاً له قبل أن يقدم من أجل السفر، وبعد ما جاء فإن حرمة الشهر موجودة، وليس للإنسان أن يجامع.


حكم إفطار الحامل والمرضع


السؤال: ما الحكم إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على أنفسهما أو على ولديهما؟



الجواب: يقول في عون المعبود: والحامل والمرضع تفطران إبقاء على الولد ثم تقضيان وتطعمان من أجل أن إفطارهما كان من أجل غير أنفسهما، وممن أوجب على الحامل والمرضع القضاء مع الإطعام مجاهد و الشافعي و أحمد . وقال مالك : الحبلى تقضي ولا تكفر؛ لأنها بمنزلة المريض، والمرضع تقضي وتكفر. وقال الحسن و عطاء : تقضيان ولا تطعمان كالمريض، وهو قول الأوزاعي و الثوري ، وإليه ذهب أصحاب الرأي. يعني: فيه خلاف، لكن هذا القول الأول الذي هو قول مجاهد و الشافعي و أحمد أنهما تقضيان وتطعمان؛ لأن الإفطار ليس من أجل ضعفهما أو من أجل مرضهما، وإنما هما في صحة وعافية، ولكنهما أفطرا من أجل غيرهما.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #483  
قديم 22-02-2025, 05:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

دليل حرمة الاستمناء في رمضان

السؤال: إن مبطلات الصوم توقيفية على الدليل، وعليه فالاستمناء لا يبطل الصوم؛ لعدم ورود الدليل، فما رأيكم؟



الجواب: الدليل موجود وهو حديث: (يدع شهوته وطعامه من أجلي) وإخراج المني شهوة، والاستمناء حرام في رمضان وغير رمضان، ولكنه في رمضان أشد، ويفسد به الصيام، ولكن لا كفارة فيه؛ لأن الكفارة إنما هي في الجماع فقط.


حكم من جامع أهله قبل الفجر حتى الأذان فنزع


السؤال: شخص جامع أهله ظاناً أنه بقي شيء من وقت الليل، فسمع الأذان فامتنع من فعله وترك، فهل عليه شيء من الكفارة؟



الجواب: إذا جامع في الليل، وأذن وهو في الجماع ونزع فليس عليه شيء.


حكم أكل المرأة المكرهة على الجماع في نهار رمضان


السؤال: هل على المرأة المكرهة في الجماع الإمساك أم لها أن تفعل المفطرات؟



الجواب: عليها الإمساك، وليس للإنسان أن يأكل في نهار رمضان، المسافر قبل أن يصل له أن يأكل، وإذا وصل وجب عليه أن يمسك بقية اليوم إلى المغرب، وكذلك الناس لو لم يبلغهم الشهر إلا بعد طلوع الفجر يجب عليهم الإمساك، ويقضون.


حكم الكفارة لمن أفطر عامداً


السؤال: هل يقاس على الجماع من أفطر متعمداً بغير الجماع فتجب عليه الكفارة؟



الجواب: لا تجب الكفارة إلا في الجماع فقط.


حكم من ترك صيام رمضان خمسة عشر عاماً


السؤال: رجل لم يصم حتى بلغ الثلاثين سنة، فكان يفطر قبل ذلك في رمضان، فهو يسأل الآن بعد التوبة، هل عليه أن يقضي خمسة عشر شهراً؟



الجواب: هل كان يصلي أو لا يصلي؟ إن كان لا يصلي فلا يقضي، وإن كان من المصلين فعليه القضاء.


حكم من جامع في صيام التطوع


السؤال: ما حكم من جامع وهو صائم صوم تطوع؟



الجواب: صوم التطوع لا تجب فيه كفارة، وإنما الكفارة في صوم رمضان، بل لو جامع وهو يقضي فإنه لا تجب عليه كفارة؛ لأن الكفارة إنما هي لحرمة الشهر.


حكم من جامع ناسياً


السؤال: ما حكم من جامع ناسياً؟


الجواب: من جامع ناسياً فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من ألحقه بالأكل والشرب ناسياً، وقال: إنه لا كفارة عليه، ولا قضاء عليه. وبعض أهل العلم يقول: إن الجماع يختلف عن الأكل والشرب؛ لأن الجماع يكون من طرفين، وإذا نسي أحدهما يذكره الآخر، وأما الأكل فإنه ليس فيه إلا طرف واحد يجد طعاماً فيأكله، وليس عنده أحد. وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل وقال: هلكت، ما سأله: أنت متعمد أم ناس؟ بعض أهل العلم قال بأن عليه الكفارة؛ لأن الرسول ما استفصل. والذي يبدو أن فيه الكفارة؛ لأنه يختلف عن الأكل والشرب.


حكم من أفطر عشرة أيام من رمضان بالجماع


السؤال: رجل تزوج في أول يوم من رمضان وأفطر عشرة أيام بالجماع، فما الحكم؟



الجواب: أعوذ بالله! كل يوم عليه فيه كفارة؛ لأن الإفساد في كل يوم، فلو كان الجماع المتعدد في يوم واحد لكانت كفارة واحدة؛ لأن الإفساد وقع ليوم واحد، لكن إذا أفسد عشرة أيام فعليه عشر كفارات.


كيفية صيام المرأة لكفارة رمضان مع تخلل أيام حيضها


السؤال: كيف تصوم المرأة التي قد جامعها زوجها وهي راضية شهرين متتابعين مع أنها تحيض في كل شهر؟



الجواب: إذا كانت لا تستطيع العتق فإنها تصوم، والأيام التي هي معذورة فيها لا تحتسب، يعني: تأتي بالستين يوماً بدون الأيام التي أفطرتها، فإذا انتهى حيضها تعود إلى الصيام حتى تكمل ستين يوماً.


كراهة الانشغال بالنوافل عن الفرائض


السؤال: هل يجوز لمن عليه صوم قضاء أن يصوم النوافل؟



الجواب: الإنسان يؤدي الفرض قبل النفل، فالفرض مقدم على النفل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل) يعني: بعد الفرائض، ويقول بعض الأكابر كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور.


ظاهر حديث عائشة ترك النوافل من الصيام إلى شعبان


السؤال: هل حديث عائشة يدل على أنها ما كانت تصوم حتى النوافل إلى أن يأتي شعبان فتقضي ما عليها من رمضان؟



الجواب: هذا الذي يبدو، وهو ظاهر كلامها؛ لأنها كانت تؤخر ذلك لمكان رسول الله منها ويمكن أنها كانت تصوم بعض الأيام إذا كان النبي يصوم، فمعناه: أنه يبقى عليها شيء تقضيه في شعبان. لكن لا يقدم النفل على الفرض أبداً، وإنما يؤتى بالدين أولاً، ثم يؤتى بالنفل. وفي شهر شوال يكثر السؤال عن صيام الست من شوال، وكون الإنسان يصوم الست قبل ما يصوم القضاء، وليس بصحيح أن الإنسان يصوم ستاً من شوال قبل أن يصوم القضاء، وإنما عليه أن يقضي ثم يصوم الست؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) والذي عليه قضاء يعتبر ما صام رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) يعني: أدى الفرض ثم أتى بالنفل الذي هو الست من شوال، فليس للإنسان أن يتطوع بصيام الست من شوال قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يقضي الفرض أولاً ويبادر به، ثم يأتي بصيام الست من شوال.


قضاء رمضان لا يلزم فيه التتابع


السؤال: امرأة تقول: في رمضان الماضي كنت حاملاً، فنصحتني الطبيبة بأن أفطر خوفاً على الجنين، فأفطرت تسعة أيام، وحتى اليوم لم أقض هذا الدين، وأنا الآن أرضع، وأخاف إذا صمت أن ينقطع الحليب عن ولدي، السؤال: هل يمكنني أن أقضي هذه الأيام متفرقة، بأن أصوم يوماً وأفطر يوماً، أم لا بد من التتابع؟



الجواب: يمكن التفريق، وقضاء رمضان لا يلزم فيه التتابع، بل يمكن أن يصومه متفرقاً؛ لأنه قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، وهذا مطلق يصلح فيه التتابع والتفريق.


حكم من دخل عليه رمضان ولم يصم الذي قبله


السؤال: إذا دخل رمضان الثاني ولم يصم رمضان الأول فماذا يفعل؟



الجواب: يصوم بعد ذلك ويطعم عن كل يوم مسكيناً.


حكم من جامع في صيام قضاء رمضان


السؤال: إذا جامع الرجل زوجته في صيام، وكان هذا الصيام قضاء لصوم واجب، فهل تجب عليه الكفارة؟



الجواب: لا تجب، وإنما تجب بالجماع في نهار رمضان، وأما إذا صام قضاء رمضان في شوال أو في محرم أو في صفر وجامع فيه، فإنه لا كفارة عليه.


حكم دفع الأجرة لشخص يصوم قضاء عن الميت


السؤال: إذا دفع الولي مالاً لأحد لكي يصوم عن موليه، فهل يجوز ذلك؟


الجواب: لا يصلح بذل المال من أجل الصيام؛ لأن هذا العمل مبني على المؤاجرة، مثل الاستئجار على قراءة القرآن وإهدائه للأموات، وما إلى ذلك من الأمور والعبادات، أقول: مثل هذا لا يصلح، ولكن كونه يدفع لمن يحج؛ لأن الحج يتطلب نفقات، ويتطلب مشقة فلا بأس بذلك، وأما الصوم فإنه لا يصلح فيه المؤاجرة.


حكم ساحات المسجد


السؤال: إذا خرجت من باب الصديق بعد صلاة المغرب، ودخلت من باب آخر لأصل إلى الدرس، فهل يعتبر أني خرجت من الحرم فأحتاج إلى أن أصلي ركعتين؟



الجواب: ما خرجت؛ لأن الساحات هي من المسجد، بعدما وجد السور فإن الساحات داخلة في المسجد.


حكم طواف الوداع في العمرة

السؤال: هل للعمرة طواف وداع؟



الجواب: بعض أهل العلم قال بذلك، والذي يظهر أن الإنسان ينبغي له أن يودع، ولكن إن خرج غير مودع فليس عليه شيء، وليس كالحج، فالحاج لو خرج غير مودع فعليه فدية، وأما العمرة إن خرج غير مودع ليس عليه شيء، لكن ينبغي له أن يودع، وبعض أهل العلم قال بوجوبها كالحج، لكن لا نعلم شيئاً واضحاً يدل على الوجوب؛ لأن الأحاديث التي وردت إنما هي في الحج.


حكم من ترك أعمال الجوارح باستثناء الصلاة مع تلفظه بالشهادتين


السؤال: من ترك أعمال الجوارح باستثناء الصلاة مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي هل يكفر أو لا؟


الجواب: بعض الأعمال التي هي غير الصلاة جاء ما يدل على أن تركها تهاوناً لا يحصل به الكفر، كالزكاة جاء في الحديث الصحيح المشهور أن الرجل الذي عنده ذهب وفضة لا يؤدي زكاتها أنها يحمى عليها في نار جهنم، ويكوى بها جنبه وظهره.. إلى آخره. وجاء: (أنه إذا كان صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر إذا مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيري سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فقوله: (إما إلى الجنة وإما إلى النار) يدل على أنه لا يكون كافراً بذلك، وأما بالنسبة للصلاة فقد جاءت بها الأحاديث، والإنسان لا يترك الأشياء الواجبة؛ لأن كون الإنسان يترك الأمور الواجبة عليه هذا ضعف في إيمانه ويقينه.


حكم من تبايعا خارج المسجد وتقابضا فيه


السؤال: تبايع اثنان خارج المسجد، ولم تحصل المقابضة إلا في المسجد؟


الجواب: كون الإنسان يوفي ديناً عليه ويعطي نقوداً لشخص آخر يقضي بها دينه لا بأس بذلك. وهذا الفعل المذكور في السؤال لا بأس به؛ لأن البيع والشراء كان متفقاً عليه خارج المسجد، أما أخذ الدين أو رده في المسجد فلا بأس بذلك.


كتاب مباحث في علوم القرآن للقطان

السؤال: سائل يسأل عن كتاب مباحث في علوم القرآن؟



الجواب: مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان رحمه الله لا أذكره تماماً، لكنه فيه فوائد، أما كونه سليماً وليس عليه ملاحظات فليس عندي علم.


حكم من اشترى سيارة ثم باعها لينتفع بثمنها


السؤال: ما حكم شراء السيارة بالتقسيط، ومن ثم بيعها للانتفاع بثمنها؟


الجواب: الإنسان لا ينبغي له أن يحمل نفسه ديوناً من أجل أن يأتي بمشروع أو يأتي بتجارة، أو يعمل له عملاً من أعماله أو ما إلى ذلك، لأن الدين أمره خطير، وقد جاء في الحديث: أن الشهيد يغفر له كل شيء، ثم جاء استثناء الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سارني به جبريل آنفاً). "



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #484  
قديم 22-02-2025, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [281]
الحلقة (313)





شرح سنن أبي داود [281]

فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على العباد، وكلفهم به على قدر استطاعتهم، ولذا عذر المريض حتى يبرأ، والمسافر حتى يقيم، وأمر الكبير أن يطعم عن كل يوم مداً، وحث الشارع على صيام بعض الأيام الفاضلة كيوم عرفة وعاشوراء، والإثنين والخميس، ونهى عن صيام بعض الأيام لحكمة، كإفراد يوم الجمعة أو السبت، عيد الفطر والأضحى، وصيام الدهر.

متى يفطر المسافر إذا خرج؟



شرح حديث (أترغب عن سنة رسول الله؟...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يفطر المسافر إذا خرج. حدثنا عبيد الله بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد ح وحدثنا جعفر بن مسافر حدثنا عبد الله بن يحيى المعنى حدثني سعيد -يعني ابن أبي أيوب - وزاد جعفر و الليث قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره عن عبيد قال جعفر : عبيد بن جبر قال: (كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع، ثم قرب غداؤه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال جعفر في حديثه: فأكل) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب متى يفطر المسافر إذا خرج. يعني: إذا كان صائماً ثم خرج فمتى يفطر؟ هل يكمل صومه ذلك اليوم الذي بدأ به، أو أنه يمكن أن يفطر في أثناء ذلك اليوم الذي خرج في أوله أو في أثنائه؟ هذا هو مراد الترجمة، والحكم في هذا هو كالحكم في القصر، والإتيان برخص السفر، وأن الإنسان إذا غادر البلد وفارق البيوت والعمران -وإن كان يراها- فإنه يأخذ برخص السفر من فطر وقصر للصلاة، فيبدأ بالترخص من حين ما يغادر البلد، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خرج من المدينة وقد صلى بها الظهر، ونزل في الميقات الذي هو ذي الحليفة وقصر فيه، فصلى العصر قصراً، وهي قريبة من المدينة، فإذاً: إذا خرج الإنسان من البلد وإن كان يرى البيوت فإنه يبدأ بالإتيان برخص السفر التي هي الفطر والقصر، هذا هو الحكم، ويدل له ما أورده أبو داود من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه. كذلك أيضاً ما جاء في القرآن، وهو قول الله عز وجل: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] (( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ )) يعني: إذا بدأ الضرب في الأرض، وإذا خرج من البلد فإنه يكون بدأ في الضرب في الأرض، فمعنى ذلك أن له أن يأخذ برخص السفر من حين يبدأ بالسفر، وقد أورد أبو داود حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه . قوله: [ (كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان) ]. يعني: سافروا في سفينة من الفسطاط -وهي مكان في مصر يقال له: الفسطاط- وجاء في بعض الأحاديث أنه متجه إلى الإسكندرية، وهذا كما هو معلوم يكون في نهر النيل. قوله: [ (فرفع) ]. قيل: فرفع، يعني: فرفع هو ومن معه بمعنى: أنهم دفعوا وتحركوا، وفي بعض الروايات: فدفع، وفي بعضها: فدفعنا، يعني: أنهم تحركوا وانطلقوا في السفينة، وأن السفينة تحركت في البحر. قوله: [ (ثم قرب غداؤه) قال جعفر في حديثه: (فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة) ]. قوله: (فقرب إليه غداؤه) هذا قاله بعض الرواة، وقال جعفر الذي هو أحد شيوخ أبي داود : (فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة) أي: المائدة التي تقدم للأكل، (فلم يجاوز البيوت) معناه: أنه جاوزها، ولكنه قريب منها؛ ولهذا قال: إنك ترى البيوت. قوله: [ (قال اقترب: قلت: ألست ترى البيوت؟) ]. أبو بصرة يقول لعبيد بن جبر : اقترب يعني: كل، فقال: (ألست ترى البيوت) يعني: معناه أننا لا زلنا قريبين من البلد. قوله: [ (قال أبو بصرة : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) ]. يعني: أن الإنسان إذا دخل في السفر أو بدأ في السفر فإن له أن يترخص، ويدل له كما ذكرت الآية: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] والضرب في الأرض إنما يكون بالبدء بالسفر. قوله: [ قال جعفر في حديثه: فأكل ]. أي: الذي هو عبيد بن جبر . والحديث دال على ما ترجم له، وهو أن المسافر له أن يترخص من حين يغادر العمران، ولكن -كما أسلفت- فيما يتعلق بالصوم في السفر الأولى أنه ينظر في ذلك إلى حال الإنسان، فإن كان عليه مشقة فالأولى له أن يفطر، وإن لم يكن عليه مشقة فالأولى له أن يصوم حتى لا يحمل نفسه ديناً قد يثقل عليه أداؤه والقيام به.

تراجم رجال إسناد حديث (أترغب عن سنة رسول الله؟...)


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ]. عبيد الله بن عمر القواريري ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد هو المقرئ المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا جعفر بن مسافر ]. جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن يحيى ]. عبد الله بن يحيى لا بأس به، أخرج له البخاري و أبو داود . [ المعنى حدثني سعيد -يعني ابن أبي أيوب- ]. سعيد بن أبي أيوب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وزاد جعفر : و الليث ]. يعني: أن في رواية جعفر الطريق الثانية الرواية عن شيخين، يعني: عبد الله بن يحيى يروي عن اثنين: عن سعيد بن أبي أيوب و الليث . وأما الطريق الأولى التي هي طريق عبيد الله بن عمر فليس فيها الليث ، وإنما هي عن سعيد بن أبي أيوب فقط. [ حدثني يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن كليب بن ذهل الحضرمي ]. كليب بن ذهل الحضرمي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن عبيد قال جعفر : عبيد بن جبر ]. الشيخ الأول قال: عبيد فقط، ولم ينسبه، وأما الثاني: وهو جعفر بن مسافر شيخ أبي داود فإنه نسبه فقال: عبيد بن جبر ، وهو فيه كلام. وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات، وقال ابن خزيمة : لا أعرفه. وأخرج له أبو داود ، فهو إما صحابي، وإما أنه ثقة. [ كنت مع أبي بصرة الغفاري ]. أبو بصرة الغفاري رضي الله عنه وهو حميل بن بصرة بن وقاص ، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي .
قدر مسيرة ما يفطر فيه


شرح حديث (إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله وأصحابه..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قدر مسيرة ما يفطر فيه. حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث -يعني ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي : (أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب قدر مسيرة ما يفطر فيه ]. يعني: المسافة التي سيقطعها والتي هو متجه إليها والتي هي غايته وسينتقل إليها من البلد الذي هو فيه، يعني: هل تكون طويلة أو قصيرة؟! هذا هو المقصود من الترجمة؛ معناه: سيمشي من مكان كذا إلى مكان كذا فهل يفطر أو لا يفطر؟ ومعلوم أن الحكم إنما هو مناط بالسفر، وأن أحكام السفر متعلقة باسم السفر، فما يقال له سفر هو الذي تتعلق به الأحكام، وما لا يقال له سفر فإنه لا تتعلق به الأحكام، والمسافة القليلة التي لا يعتبر فيها الإنسان مسافراً حكمه فيها حكم المقيم وليس المسافر، وأما المسافة التي يطلق عليها اسم السفر هي التي يترخص فيها المسافر، يعني: إذا بدأ بذلك السفر متجهاً إلى تلك الجهة التي يعتبر الذهاب إليها سفراً، أما إذا كان المكان قريباً ولا يعتبر سفراً فإن هذا حكمه حكم الإقامة، وحكمه حكم البلد، و لا يعتبر الإنسان مسافراً. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً عن دحية بن خليفة الكلبي رضي الله تعالى عنه أنه خرج من قرية على مقدار ما بين الفسطاط وقرية عقبة، والمسافة قصيرة تبلغ ثلاثة أميال، فأفطر وأفطر معه بعض الناس، وبعض الناس توقفوا وامتنعوا ورأوا أن يصوموا، ثم إنه بعد ذلك أبدى تأثره وتألمه من هذا الصنيع، وقال: إنهم رغبوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اقبضني إليك، والحديث ضعيف ليس بثابت، ولا يصح، وكونه قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو غير ثابت، وإذا قيل: (سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) فحكمه حكم الرفع، لكن الشاهد في ثبوته، فهو غير ثابت ولا يحتج به، ويكون الأمر على هذا إنما هو متعلق بالسفر، فما يقال له سفر يحصل فيه الترخص سواءً كان في الفطر أو القصر أو الجمع أو غير ذلك، وما لم يكن كذلك فإنه لا يترخص فيه.
تراجم رجال إسناد حديث (إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله وأصحابه...)

قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد ]. هو عيسى بن حماد ، الملقب زربة المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا الليث -يعني ابن سعد - ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير ]. يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو الخير : هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور الكلبي ]. هو منصور بن سعيد أو ابن زيد الكلبي ، وهو مستور، ومستور بمعنى: مجهول الحال، أخرج له أبو داود ، وهو أيضاً مصري. [ أن دحية بن خليفة ]. هو دحية بن خليفة الكلبي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أبو داود ، و دحية بن خليفة هذا هو الذي كان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم على صورته. فيكون الإسناد كله مصريون إلا دحية فإنه كان في الشام في قرية يقال لها: قرية المزة، وهي التي منها أبو الحجاج المزي ، وهي في طرف دمشق. وما بين جدة إلى مكة بعض أهل العلم يعده سفراً، ولكن أمور السفر ينبغي أن يحتاط فيها، فإذا تردد الإنسان فعليه العمل بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

شرح أثر (أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن عبيد الله عن نافع أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة، فلا يفطر ولا يقصر ]. أورد هذا الأثر عن ابن عمر أنه كان يذهب إلى الغابة، وهي قريبة من المدينة في الشمال منها، وكان يذهب إليها فلا يقصر ولا يفطر، يعني لا يترخص؛ لأن هذا لا يعتبر سفراً.

تراجم رجال إسناد أثر (أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسهرد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

من يقول صمت رمضان كله


شرح حديث (لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يقول: صمت رمضان كله ]. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن المهلب بن أبي حبيبة حدثنا الحسن عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يقولن أحدكم: إني صمت رمضان كله وقمته كله) فلا أدري أكره التزكية أو قال: لا بد من نومة أو رقدة؟! ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب من يقول: صمت رمضان كله ]. يعني: هل ذلك يصلح أو لا يصلح؟ هل ينبغي ذلك أو لا ينبغي؟ والمقصود من ذلك أنه إذا كان الإخبار إخباراً بالواقع، وأنه وفق لصيام رمضان كله، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان المقصود به التزكية فهذا هو الذي كرهه من كرهه، والحديث الذي أورده أبو داود هنا ضعيف لا يحتج به، وليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه إذا كان الإنسان أخبر عن كونه صام رمضان، وأنه وفق لصيامه ولإكماله، وأن ذلك قد حصل منه، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان لغاية تزكية النفس والتبجح وما إلى ذلك فهذا الأولى تركه، ولكن الحديث الذي ورد غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (لا يقولن أحدكم: إني صمت رمضان كله وقمته كله) فلا أدري، أكره التزكية ]. يعني: قاله أحد الرواة، ولا يدري أكره كونه يزكي نفسه بهذا الكلام. قوله: [ أو قال: لا بد من نومة أو رقدة ]. أو أنه كلام غير مطابق للواقع؛ لأنه يكون فيه شيء من النقص، بمعنى: أنه إذا قال: قمته كله فليس معناه: أنه قام الليل كله من أوله إلى آخره، إذ لا بد من رقدة ولو شيئاً قليلاً، فيكون فيه عدم مطابقة للواقع، يعني: فيه احتمال تزكية واحتمال أن فيه عدم مطابقة للواقع، فهو يقول: قمته كله، وهو ما قامه كله، بل حصل له رقاد وارتياح.

تراجم رجال إسناد حديث (لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله...)


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المهلب بن أبي حبيبة ]. المهلب بن أبي حبيبة صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة ]. أبو بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نفيع بن الحارث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه الحسن وهو مدلس."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #485  
قديم 22-02-2025, 07:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [282]
الحلقة (314)





شرح سنن أبي داود [282]

صوم التطوع من الأعمال الفاضلة التي يرجو بها فاعلها الأجر الجزيل والثواب العظيم من رب العالمين، إلا أن هناك أياماً نهى الشرع الحنيف عن صيامها لكونها أيام أكل وشرب، وقد رخص الله لعباده فيها التمتع والتوسيع على أنفسهم وأهليهم، وهذه الأيام هي العيدان وأيام التشريق ويوم الجمعة.

ما جاء في صوم العيدين



شرح حديث (أن رسول الله نهى عن صيام هذين اليومين...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم العيدين. حدثنا قتيبة بن سعيد و زهير بن حرب وهذا حديثه قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي عبيد قال: (شهدت العيد مع عمر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صيام هذين اليومين، أما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم، وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم) ]. أورد أبو داود باب في صوم العيدين. يعني: حكم ذلك، أي: أن صومهما لا يجوز، ويجب أن يكون الإنسان مفطراً فيهما؛ وذلك لأن عيد الأضحى عيد فيه ذبح الهدي والأضاحي، وقد شرع للناس أن يأكلوا من الهدي والأضاحي فلا ينشغلوا بالصيام عن الأكل من هذا النسك الذي جعلت له هذه الأيام، التي هي يوم العيد وثلاثة أيام بعده وهي أيام التشريق، فيكون الإنسان بصيامه معرضاً عن هذه الضيافة وعن هذه النعمة وعن هذا النسك الذي شرعه الله تعالى في هذه الأيام. وأما يوم الفطر فإنه على اسمه، ومن شأنه أن يكون الإنسان فيه مفطراً، لا أن يكون صائماً، فليس هو عيد الصيام، وإنما هو عيد الفطر؛ لأنه الفطر من رمضان، وأيضاً فيه تمييز، وذلك أن اليوم الذي قبله من رمضان، وأيام رمضان كلها تصام، وهذا اليوم يجب إفطاره بحيث يكون الإنسان في هذا العيد مفطراً من رمضان. وحديث عمر رضي الله عنه فيه أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين، أما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم) ]. هذا التعليل للإفطار في العيدين؛ لأن الأضحى تأكلون فيه من لحم نسككم. قوله: [ (وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم) ]. يعني: صمتم فأفطرتم، فلا يجوز أن تواصلوا الصيام وأن تصوموا يوم العيد، بل يجب عليكم أن تفطروا يوم العيد، وفي صنيع عمر هذا دليل على أن الخطيب يأتي بما يناسب الحال؛ لأنه هنا بين حكم صوم العيدين وهو في خطبة العيد، يعني: في هذه الخطبة بين هذا الحكم فدل هذا على أن الخطب تبين فيها الأحكام المتعلقة بها، بأن يبين ما يتعلق بالفطر ويبين ما يتعلق بالأضحى وهكذا!

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن صيام هذين اليومين..)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و زهير بن حرب ]. زهير بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ وهذا حديثه ]. أي: حديث الشيخ الثاني زهير . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيد ]. أبو عبيد هو سعد بن عبيد الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: شهدت العيد مع عمر ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل ، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (نهى رسول الله عن صيام يومين...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى، وعن لبستين: الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد، وعن الصلاة في ساعتين: بعد الصبح وبعد العصر) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى) يعني: يومي العيدين نهى عن صومهما، (وعن لبستين: اشتمال الصماء والاحتباء) واشتمال الصماء: هو أن يلف جسده بثوب واحد بحيث يجمع جميع جسده ويداه داخلة تحت هذا الثوب الذي لف نفسه فيه، فيكون كالصخرة الصماء، فلو حصل له حاجة ما استطاع أن يخرج يديه إلا بانكشاف العورة، فهذه يقال لها: اشتمال الصماء. والاحتباء: هو أن يجلس على مقعدته وينصب ساقيه وليس عليه شيء آخر غيره، ثم يلفه على ظهره وركبتيه، فتكون عورته من فوق مكشوفة لا يغطيها شيء؛ لأنه ليس عليه ما في إلا الثوب الذي يحتبى به فجعله على ظهره وعلى ساقيه، فيكون فرجه مكشوفاً من جهة العلو، فنهى عن هاتين اللبستين، (وعن الصلاة في ساعتين: بعد العصر وبعد الفجر)، النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس.

تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن صيام يومين...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمرو بن يحيى ]. هو عمرو بن يحيى المازني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ] وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

صيام أيام التشريق



شرح حديث (... فهذه الأيام التي كان رسول الله يأمرنا بإفطارها ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صيام أيام التشريق. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يزيد بن الهاد عن أبي مرة مولى أم هانئ : (أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص فقرب إليهما طعاماً فقال: كل، فقال: إني صائم فقال عمرو : كل، فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا بإفطارها، وينهانا عن صيامها). قال مالك : وهي أيام التشريق ]. أورد أبو داود باباً في صوم أيام التشريق، وأيام التشريق هي: الأيام الثلاثة التي بعد يوم عيد الأضحى، الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويقال لها: أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يقددون اللحم -لكثرته- ويذرون عليه الملح، ثم يجعلونه في الشمس لييبس؛ فيدخرونه ويأكلونه فيما بعد، وهو ما يسمى بالقديد، فقيل لها: أيام التشريق؛ لأنه يشرق فيها اللحم، ويقال لها: أيام منى، ويقال لها: الأيام المعدودات، قال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] التي هي أيام منى، ويوم العيد ليس من الأيام المعدودات؛ لأن الأيام المعدودات هي الثلاثة، والتعجل في اليومين يوم الحادي عشر والثاني عشر، وليس العيد منها بحيث يكون الحادي عشر هو الثاني، وإنما اليوم الحادي عشر هو الأول، ويوم العيد غير محسوب، فأورد أبو داود حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، أن ابنه عبد الله و أبو مرة مولى أم هانئ دخلا على عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان في أيام التشريق، فقدم طعاماً فقال: كل، قال: إني صائم، فقال عمرو : (كل، فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها) ]. أمر بالفطر ونهى عن الصيام، ولا يرخص في صيامها إلا لمن لم يجد الهدي كما ثبت في الصحيح عن بعض الصحابة أنه قال: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي، يعني: في الثلاثة الأيام في الحج، فقد رخص له، وغيره لا يرخص له، فهو يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله إذا كان متمتعاً أو قارناً. أما غير ممن وجد الهدي فإن عليه أن يكون مفطراً ولا يجوز أن يصوم أيام التشريق. قوله: [ قال مالك : وهي أيام التشريق ]. يعني: هذه الأيام التي حصل فيها المحاورة.

تراجم رجال إسناد حديث (..فهذه الأيام التي كان رسول الله يأمرنا بإفطارها ...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن الهاد ]. يزيد بن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن الهاد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مرة مولى أم هانئ ]. أبو مرة مولى أم هانئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، واسمه يزيد . وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا وهب حدثنا موسى بن علي ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن موسى بن علي والإخبار في حديث وهب قال: سمعت أبي أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) ]. وكما هو معلوم فإن الحجاج الأولى لهم أن يكونوا مفطرين في هذه الأيام كلها حتى يوم عرفة، ويجوز الصيام ولكن الأولى الإفطار، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً ولم يكن صائماً في حجته، وكان الصحابة رضي الله عنهم تكلموا فيما بينهم هل الرسول صائم أو مفطر؟ فكان من ذكاء أم الفضل بنت الحارث الهلالية زوجة العباس وأم أولاده وأخت ميمونة بنت الحارث أن قالت: أنا أبين لكم هل هو صائم أو غير صائم، فأخذت قدحاً من لبن وقالت: ناولوه إياه، وكان على راحلته، فأخذه وشرب والناس يرون، فعرفوا أنه مفطر صلى الله عليه وسلم، والإفطار في يوم عرفة كما أنه اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم، فيه أيضاً تقوٍ على العبادة، وكون ذلك اليوم الذي ساعته عظيمة، وهو يوم عظيم ما رؤي الشيطان أدحر ولا أخزى منه في ذلك اليوم، يكون عند الإنسان نشاط وقوة إذا كان مفطراً، أما إذا كان صائماً يصير عنده كسل، فيكون ذلك شاغلاً له، فالأولى في حقه أن يكون مفطراً لا أن يكون صائماً، أما غير الحجاج فإن صيام يوم عرفة أفضل صيام التطوع، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية، والسنة الآتية). وكون عرفة يوم عيد لا شك أنه يوم عظيم، وفيه الأثر الذي جاء عن عمر رضي الله عنه: أن رجلاً من اليهود قال: إن آية نزلت عليكم لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: إني أعرف ذلك اليوم، وفي أي مكان. وهو عيد للمسلمين، لكنه عيد يصام فيه لغير الحجاج، فإنه ما جاء ما يدل على صيامهم له.

تراجم رجال إسناد حديث (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا وهب ]. هو وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا موسى بن علي ]. هو موسى بن علي بن رباح ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد خرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن علي ]. موسى بن علي عن أبيه. [ والإخبار في حديث وهب ]. يعني: كونه تصريح بالسماع الذي في الرواية. [ قال: سمعت أبي ]. الذي هو علي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم



حديث (لا يصم أحدكم يوم الجمعة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده) ]. أورد أبو داود حديث هذه الترجمة: [ باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم ]. يعني: من بين الأيام، بحيث يعمد إليه فيخصه ويصومه وحده، هذا جاء النهي عنه. قوله: [ (إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده) ]. بحيث يكون مضافاً إليه، أما أن يفرد ويخص بالصيام مع أنه عيد للمسلمين في الأسبوع فلا، ويوم الجمعة يقال له: يوم عيد، كما جاء في صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه أنه وافق يوم عيد الفطر يوم جمعة فخطب وقال: اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يعني: عيد الأسبوع وعيد السنة. عيد الأسبوع الذي هو الجمعة، وعيد السنة الذي هو عيد الفطر، اجتمعا في يوم واحد، فجاءت الأحاديث بالنهي عن إفراده؛ لأنه يوم عيد، فإذا أفرد فمعناه أنه قصد صيام ذلك اليوم الذي هو يوم عيد، فكانت السنة ألا يصام إلا ومعه غيره: (إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث أبي هريرة : (لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده) ]. (قبله) الذي هو الخميس (أو بعده) الذي هو السبت.

تراجم رجال إسناد حديث (لا يصم أحدكم يوم الجمعة...)


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح ذكوان السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه وأرضاه، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #486  
قديم 22-02-2025, 07:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

النهي أن يخص يوم السبت بصوم


شرح حديث (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم. حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا سفيان بن حبيب ح وحدثنا يزيد بن قبيس من أهل جبلة حدثنا الوليد جميعاً عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته وقال يزيد : الصماء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه) قال أبو داود : وهذا الحديث منسوخ ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب النهي عن أن يخص يوم السبت بصوم]. يعني: فيها إشارة إلى أن النهي الذي ورد إنما هو للتخصيص، ومع ذلك يقول أبو داود : إنه منسوخ، وعلى القول بأنه منسوخ يمكن أن يصام حتى مع الإفراد، وصيام يوم السبت جاء فيه هذا الحديث. قوله: [ الصماء ] . هي أخت عبد الله بن بسر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم). يعني: كون الإنسان يصوم فرضاً، سواء فرضه على نفسه كما في النذر، أو فرضه الله عليه كما لو كان عليه قضاء. قوله: [ (وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة ..) ]. اللحاء: هو القشرة التي تكون على العود، والتي تكون هي من أسباب بقاء العود، وإذا ذهبت القشرة كان ذلك سبباً في ذهابه؛ ولهذا يقول الشاعر: ويبقى العود ما بقي اللحاء. قوله: [ (إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه) ]. يعني: وليفطر ولا يكون صائماً، وقد اختلف في صيام يوم السبت، فمن العلماء من منع ذلك لهذا الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من رأى أن النهي إنما هو لإفراده، وليس لصيام غيره معه، بل إن صيام غيره معه جاء ما يدل عليه، ومن ذلك الحديث الذي مر: (لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله بيوم وبعده بيوم) واليوم الذي بعده هو السبت، فأذن بصيام يوم الجمعة ومعه اليوم الذي بعده، واليوم الذي بعده هو السبت، وكذلك حديث جويرية الذي سيأتي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة قال: أصمت أمس؟ -أي: الخميس- قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) معناه: أن النهي إنما هو عن إفراده، وأما إذا صيم ومعه غيره، فإن ذلك لا بأس به. وقال بعض أهل العلم: إن هذا منسوخ، وإنه يجوز إفراده، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري ورجح أنه يصام ولو كان مفرداً، وحكى قول أبي داود أنه منسوخ، وقال: ناسخه الحديث الذي ورد: (أنه ما مات حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد، وقال: إنهما عيد لأهل الكتاب، وإننا نريد أن نخالفهم). وذكر أموراً عديدة ذكرها في مخالفة أهل الكتاب وهذا منها، وهو يرجح أنه منسوخ كما قال أبو داود ، ويرى أن هذا فيه مخالفة لأهل الكتاب؛ لأن ذلك اليوم هو من أعيادهم، فيكون شَرَع مخالفتهم، لكن كونه جاء هذا النهي فإن المناسب أن يكون النهي عن إفراده بالصوم، يعني: كونه يفرد بالصوم، أما إذا صيم ومعه غيره فإن ذلك لا بأس به، والحافظ ابن حجر ذكر أنه ألف في ذلك كتاباً سماه: القول الثبت في صيام يوم السبت. وذكر فيه الأمور التي حصلت فيها المخالفة، وهو يقرر ويثبت أن النهي عن صوم يوم السبت منسوخ، وأنه يجوز إفراده بالصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على ذلك مخالفةً لأهل الكتاب، فذكر ذلك في الجزء العاشر صفحة ثلاثين واثنين وستين.

تراجم رجال إسناد حديث (لاتصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم...)


قوله: [ حدثنا حميد بن مسعدة ]. هو حميد بن مسعدة البصري ، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان بن حبيب ]. سفيان بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا يزيد بن قبيس من أهل جبلة ]. يزيد بن قبيس من أهل جبلة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً عن ثور بن يزيد ]. هو ثور بن يزيد الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن خالد بن معدان ]. خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته ]. عبد الله بن بسر السلمي ، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأخته الصماء أخرج لها أصحاب السنن.
ما جاء في الرخصة في صيام يوم السبت


شرح حديث جويرية (أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك. حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة ح وحدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي أيوب قال حفص : العتكي عن جويرية بنت الحارث: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) ]. أورد أبو داود الرخصة في ذلك، يعني: في صيام يوم السبت، وأورد فيه حديث أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، أنه دخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي صائمة يوم الجمعة، فقال: (أصمت أمس؟ -أي الخميس- قالت: لا، قال: هل تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) معناه: أن يوم الجمعة لا يجوز صومه، وهو مثل ما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) فكونه قال لها: (هل تريدين أن تصومي غداً؟) أي: السبت، يدل على أن صيام يوم السبت جائز، وليس بمقصور على الفرض. وبعض أهل العلم قال: إن قوله: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) استثني منه شيئان: استثناء متصل، واستثناء منفصل، فالاستثناء المتصل هو الفرض، والاستثناء المنفصل هو أن يصام مع غيره، يعني: ليس مفرداً، فيكون هذا النهي استثني منه الفرض، وهو استثناء متصل، واستثني منه أن يصام ومعه غيره وهو استثناء منفصل.
تراجم رجال إسناد حديث جويرية (أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة...)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا حفص بن عمر ]. هو حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي أيوب ]. همام و قتادة مر ذكرهما، وأبو أيوب اسمه: يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جويرية بنت الحارث ]. جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
توهين ابن شهاب لحديث النهي عن صيام يوم السبت

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا ابن وهب قال: سمعت الليث يحدث عن ابن شهاب ، أنه كان إذا ذكر له أنه نهي عن صيام يوم السبت، يقول ابن شهاب : هذا حديث حمصي ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن شهاب أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت قال: هذا حديث حمصي، وفي هذه الكلمة توهين له، وقيل: إن التوهين يتعلق بخالد بن معدان فإنه ثقة يرسل، وأيضاً تلميذه الذي هو ثور بن يزيد ، قالوا: إنه يرى القدر، فالتوهين من أجل هذين، وهذان الراويان حديثهما معتبر، ولكن إما أن يكون منسوخاً كما قال الحافظ ابن حجر أو أنه ليس بمنسوخ ولكنه يصام ومعه غيره.

تراجم رجال إسناد أثر توهين ابن شهاب لحديث النهي عن صيام يوم السبت


قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب ]. هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث عن ابن شهاب ]. الليث مر ذكره، و ابن شهاب مر ذكره.
أثر الأوزاعي (ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال: ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر. يعني: حديث عبد الله بن بسر هذا في صوم يوم السبت. قال أبو داود : قال مالك : هذا كذب ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الأوزاعي أنه قال: ما زلت له كاتماً، يعني: كأنه غير معتبر ولا معتمد عنده، فكان لا يريد أن يحدث به؛ لأنه لا يرى ما دل عليه. وقال مالك : هذا كذب. والكلمة هذه يمكن أن يكون المقصود منها أن فيها خطأ؛ لأن الكذب يأتي في بعض المواضع ويراد به الخطأ، لعل المقصود بذلك أنه خطأ، وليس المقصود بذلك أنه مكذوب وأنه موضوع، وإنما الكذب يأتي أحياناً في عباراتهم أنه بمعنى الخطأ.

تراجم رجال إسناد أثر الأوزاعي (ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر)


قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ]. محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد عن الأوزاعي ]. الوليد مر ذكره، و الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، فقيه الشام ومحدثها، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



توجيه قول شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا مزية للسلام على النبي عند بيته ولا للصلاة عليه


السؤال: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على الإخنائي في صفحة مائتين وثلاثة وستين إلى مائتين وخمسة وستين: ففي مسند أبي يعلى عن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها، فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخدوا بيتي عيدًا، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم) فهذا علي بن الحسين زين العابدين وهو من أجل التابعين علماً وديناً، حتى قال الزهري : ما رأيت هاشمياً مثله، وهو يذكر هذا الحديث بإسناده ولفظه، وهذا يقتضي أنه لا مزية للسلام عند بيته، كما لا مزية للصلاة عليه عند بيته، بل قد نهى عن تخصيص بيته بهذا وهذا. نرجو منكم توضيح كلام شيخ الإسلام هذا من قوله: وهذا يقتضي أنه لا مزية للسلام..؟



الجواب: معناه أنه لا يكون الأمر متوقفاً على كون الإنسان يأتي عند القبر ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما في أي مكان صلى وسلم فإن الملائكة تبلغه، كما جاء في نفس الحديث: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: بواسطة الملائكة، والذي يظهر أن الملائكة، تبلغه سواء كان عند القبر أو بعيداً من القبر؛ لأن كل ذلك يكون بتبليغ الملائكة وإيصالهم ذلك إليه، وكذلك الحديث الآخر: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام). والصلاة المقصود بها: الدعاء له صلى الله عليه وسلم، يعني: كونه يصلي عليه، أي: يدعو له مثل السلام عليه، وليس المقصود: الصلاة ذات الركوع والسجود؛ لأنه قال: (فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) وفي بعض الروايات: (تسليمكم يبلغني حيث كنتم) فهذا هو معنى، كون الإنسان يصلي عليه أو يسلم عليه سواءً عند بيته أو في أي مكان فإن الملائكة تبلغه ذلك. وعلى هذا فإن الزيارة على أساس أن الإنسان يأتي إلى قبر النبي ويسلم عليه أفضل لكن بدون تكرار؛ لأن قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً) يعني: المقصود منه التردد.

ضابط الشرك الأصغر عند السعدي والتعليق عليه


السؤال: قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في القول السديد في مقاصد التوحيد صفحة (54): فإن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر، فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء، كما أن حد الشرك الأصغر هو: كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة، فعليك بهذين الضابطين للشرك الأكبر والأصغر، فإنه مما يعينك على فهم الأبواب السابقة واللاحقة من هذا الكتاب، وبه يحصل لك الفرقان بين الأمور التي يكثر اشتباهها والله المستعان. أرجو توضيح ضابط الشرك الأصغر، وكيف نفرق بينه وبين البدع؟



الجواب: هذا الضابط غير واضح فيما يتعلق بالشرك الأصغر، وأنه كل وسيلة؛ لأن هناك وسائل لا تعتبر شركاً ولكنها تؤدي إلى الشرك، ولكن الشرك الأصغر مثل الحلف بغير الله؛ لأن فيه تعظيم غير الله، لكنه لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، اللهم إلا إذا اعتقد أن هذا الذي يحلف به أعظم من الحلف بالله، أو أنه يكون مساو للحلف بالله، فهذا يكون شركاً أكبر، أما مجرد كونه يعظم ويحلف به، ويقول: وفلان! وحياتي! أو والنبي! والكعبة.. وما إلى ذلك من الألفاظ التي هي من الشرك الأصغر، نعم هي صرف شيء لغير الله عز وجل لا ينبغي أن يصرف إلا لله عز وجل، لكن أن تكون كل وسيلة من الوسائل شركاً أصغر، فهذا ليس بواضح.

حكم كشف المرأة عن وجهها في الطواف


السؤال: هل المرأة إذا اعتمرت تكشف عن وجهها أو تحتجب في الطواف؟



الجواب: بالنسبة للطواف تحتجب؛ لأن الرجال موجودون أمامها ومعها، ولا يخلو المطاف من الطائفين من الرجال الأجانب، فعليها أن تغطي وجهها، وإنما تكشف وجهها إذا لم يكن عندها رجال، مثلما جاء عن عائشة : (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكن يكشفن عن وجوههن، فإذا حاذاهن الركبان أسدلت إحداهن خمارها على وجهها، فإذا تجاوزوها كشفت خمارها عن وجهها).

مسافة القصر والفطر في الشرع


السؤال: حدد لنا مسافة القصر والفطر بالكيلو متر؟



الجواب: المشهور عند بعض العلماء أنها سبعون أو ثمانون كيلو متراً أو قريب من ذلك، يعني: ما كان في هذا الحدود فهو الذي فيه الاحتياط، وبعض أهل العلم يرى أنها أقل من ذلك، ولكن: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

حكم من يصوم يوماً ويفطر يوماً ووافق صيامه يوم السبت

السؤال: من كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ووافق يوم الصيام يوم السبت، فهل يصوم أو يترك؟


الجواب: الذي يبدو أنه لا بأس أن يصوم لأن هذا شيء معتاد، ولو أنه صام الخميس والأربعاء متتابعة وأفطر يوم السبت قد يكون أولى، ولكن يبدو أنه لا بأس به."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #487  
قديم 22-02-2025, 07:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [283]
الحلقة (315)



شرح سنن أبي داود [283]

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر لما فيه من الغلو والمشقة على النفس، وتضييع حقوق وواجبات أخرى، وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى صيام أشهر أخرى كالأشهر الحرم وشعبان، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم غالب شعبان، فهذه مواسم لمن أراد التزود من عبادة الصيام.

ما جاء في صوم الدهر تطوعاً


شرح حديث (ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم الدهر تطوعاً. حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما رأى ذلك عمر قال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، فلم يزل عمر يرددها حتى سكن غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله! كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر -قال مسدد : لم يصم ولم يفطر أو ما صام ولا أفطر. شك غيلان - قال: يا رسول الله! كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: أويطيق ذلك أحد؟ قال: يا رسول الله! فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذلك صوم داود، قال: يا رسول الله فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، وصيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في صوم الدهر تطوعاً]. يعني: هل هو سائغ أو غير سائغ؟ صيام الدهر جاء ما يدل على منعه وذلك في بعض الأحاديث، ومنها: ما أورده أبو داود هنا، وذلك أن صوم الدهر فيه مشقة على الإنسان، وكونه يقصر في الأمور الأخرى الواجبة عليه، يعني: فيما يتعلق بالصلاة والنوافل، وما يتعلق بحقوق الأهل، وما يتعلق بحقوق من له حقوق عليه، فإن استمرار الصيام يلحق الضرر بجسمه، ويعيقه عن الإتيان بالأمور التي عليه أن يأتي بها، هذا هو التعليل للمنع منه، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أحاديث تدل على أن الإنسان إذا عمل بها فإنه يحصل له ثواب صوم الدهر، وتفضيل ذلك أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر -والحسنة بعشر أمثالها- وصيام رمضان وإتباعه بست من شوال يكون كصيام الدهر، فإنه يحصل الأجر للسنة كلها بهذا العمل، وأما كونه يصوم الدهر كله فإن هذا يترتب عليه المحاذير التي أشرت إليها آنفاً. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: كيف تصوم يا رسول الله؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: من هذا السؤال، وكان ينبغي له أن يقول: كيف أصوم؟ يعني: هو نفسه يسأل عن صيامه، وماذا ينبغي له أن يفعله في الصيام؟ وأما أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصوم؟ فهذا هو الذي غضب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغضبه عليه الصلاة والسلام إما لأن هذا الشخص قد يتقال عمله صلى الله عليه وسلم، ويحصل منه عمل كثير يلحقه به مضرة ومشقة، مثل قصة الثلاثة الذين جاءوا وسألوا عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أعماله، فكأنهم تقالوها، فقالوا لبعضهم: الرسول صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما نحن فنحتاج إلى عمل، فقال بعضهم: (أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أقوم الليل فلا أنام، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما علم بخبرهم قال: أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وسنته صلى الله عليه وسلم هي صيام وإفطار، وصلاة ونوم، وتزوج للنساء، فمثل هذا السؤال يمكن أن يبنى عليه أن يتقال العمل، أو يحاول أن يلزم نفسه بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيعجز عن ذلك، مثلما جاء في قضية الوصال، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يواصل لما نهى الصحابة عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: (إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى) كما مر بنا الحديث قريباً. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يوقفهم على مشقة ذلك الشيء الذي أرادوه فواصل بهم في آخر الشهر يومين أو ثلاثة، وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم) كالمنكل لهم، فهذا السؤال إما أن يترتب عليه كون الإنسان يلزم نفسه بشيء يشق عليه مثل الوصال ولا يستطيعه، أو أنه يتقال العمل فيلزم نفسه بشيء قد يطيقه في الحال ولكنه يشق عليه مع الاستمرار ومع طول الزمن، ومع مضي الأيام يلحقه بذلك مضرة ومشقة، فالرسول صلى الله عليه وسلم غضب لذلك، وعندما غضب قال عمر رضي الله عنه: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وجعل يرددها حتى سكن غضبه صلى الله عليه وسلم، وغضبه صلى الله عليه وسلم إنما هو للشفقة على أمته، والرفق بها، والحرص على ألا يحصل لها شيء يلحقها فيه مضرة ومشقة، وهذا من كمال نصحه صلى الله عليه وسلم لأمته، وأنه رءوف رحيم بها، كما وصفه الله عز وجل بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] وهذا الذي قاله عمر رضي عنه جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) وجاء في الدعاء عند الأذان: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) وجاء في أدعية الصباح والمساء: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً)وهذه الأمور الثلاثة التي جاءت في هذه الأحاديث هي الأمور التي يسأل عنها في القبر؛ لأن العبد يسأل في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه، وهذه الأمور الثلاثة هي التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه كتابه الأصول الثلاثة وأدلتها، وهي: الأول: معرفة العبد ربه. الثاني: معرفة العبد دينه. الثالث: معرفة العبد لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا الكتاب المختصر المفيد العظيم لا يستغني عنه الخاص والعام، ولا العامي ولا طالب العلم؛ لأنه مبني على هذه الأمور الثلاثة التي هي مدار السؤال في القبر: سؤال الإنسان عن ربه، ودينه، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يستغني طالب العلم عن هذا الكتاب الصغير الحجم العظيم الفائدة .. القليل المبنى، الواسع المعنى، وهو كتاب مشتمل على الأمور الثلاثة التي جاءت في الحديث، والتي جاءت في كلام عمر رضي الله عنه وأرضاه هنا، والتي بقي يرددها حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التحذير من صيام الدهر واستحباب الاقتصار على ما يطاق من العمل


قوله: [ (قال: كيف بمن يصوم الدهر كله؟) ]. انتقل السائل إلى هذا السؤال: كيف بمن يصوم الدهر كله؟ وهذا يبين أو يدل على أن السائل عنده جانب يعني: الزيادة أو الإكثار من العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جاء عنه أنه قال: (عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا) وقال عليه الصلاة والسلام (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، وقال: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل) ويقال في الحكم: (قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه) وقد يجد الإنسان في نفسه النشاط في بعض الأوقات، فيقدم ويلزم نفسه بشيء، ثم بعد ذلك يندم أنه ألزم نفسه بشيء عجز عنه، كما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه كان كثير العبادة والصيام، ولكنه بعد ذلك جاء عنه أنه تمنى أن يكون أخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصيام وبقراءة القرآن، والحد الذي حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحاصل أن الإنسان قد يجد في نفسه نشاطاً فيلزم نفسه بشيء، ثم يقصر فيما التزم به، أو يعجز عن الالتزام به، ولكنه كونه يحافظ على الشيء ولو كان قليلاً هذا هو الذي يعود عليه بالمصلحة، وهو الذي فيه الإبقاء على الشيء وبالمداومة عليه وإن كان قليلاً، والمداومة على الشيء ولو كان قليلاً يكون الإنسان على صلة بالله دائماً؛ لأن الموت إذا جاءه يأتيه وهو ملازم للعبادة ولو كانت قليلة، أما إذا نشط في بعض الأحيان وأكثر ثم أهمل في بعض الأوقات فقد يأتيه الموت وهو في وقت الإهمال؛ ولهذا قيل لبشر الحافي : إن أقواماً يجتهدون في رمضان فإذا خرج تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. قوله: [ (قال: كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر) ]. يعني: لم يصم ولم يفطر؛ لأنه ما حصل منه الصيام الذي يحصل معه الإتيان بالأمور الواجبة (ولا أفطر) يعني: ولا حصل منه الارتياح في الإفطار الذي يتمكن من أداء العبادات. وقيل: إنه دعاء عليه، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ينشد الضالة قال: (لا ردها الله عليك) يعني: دعاء عليه بأن لا يرد الله تعالى عليه ضالته التي ينشدها في المسجد، وكذلك ما جاء في القبر من قول الملكين: (لا تليت ولا دريت). يعني: قيل: إنه دعاء عليه، فقوله: (لا ردها الله عليك) مثل قوله: (لا صام ولا أفطر) يعني: دعاء عليه بأنه ما حصل له ذلك الشيء الذي يعود عليه بالخير. قوله: [ قال مسدد : (لم يصم ولم يفطر) أو (ما صام ولا أفطر) شك غيلان ]. يعني: مسدد الذي هو أحد الشيخين شك في أنه: (لم يصم ولم يفطر) أو (لا صام ولا أفطر) وأما الشيخ الثاني الذي هو سليمان بن حرب فإنه قال: (لا صام ولا أفطر) يعني: بدون شك، وأما هذا شك: هل قال هذه الكلمات كما قال سليمان بن حرب أو قال كلمة أخرى، وهي: (لم يصم ولم يفطر). قوله: [ (قال: يا رسول الله! كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: أويطيق ذلك أحد؟) ]. يعني: معناه يصوم ثلثي الدهر، فسأله عن صيام الدهر، ثم سأله عن صيام ثلثيه، يعني: يصوم من الشهر عشرين يوماً ويترك عشرة قال: (أويطيق ذلك أحد؟) يعني: هناك مشقة في الاستمرار على ذلك، أما كونه يطيقه في شهر أو في شهرين فهذا وارد، لكن مع الدوام والاستمرار وطول الحياة فإن في ذلك مشقة. قوله: [ (قال: يا رسول الله! فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذلك صوم داود) ]. يعني: هو خير الصيام كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: حين يصوم يوماً ويفطر يوماًً فإن في ذلك ارتياحاً وصياماً، وليس صياماً مستمراً لا راحة معه، ولا إفطاراً مستمراً لا صيام معه، وإنما صوم يوم وإفطار يوم. قوله: [ (فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك) ]. يعني: يصوم عشرة أيام من الشهر، وكون الإنسان يلازم على صيام عشرة أيام فهو يصوم ثلث الدهر، قال: (وددت أني طوقت ذلك) قيل: معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لانشغاله بأهله وضيوفه، وبأعماله وبالناس يجعله لا يصوم هذا المقدار باستمرار. وقيل: إن المقصود بذلك أمته.

بيان النبي للأيام التي يستحب صيامها


قوله: [ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من كل شهر) ]. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما ينبغي أن يفعل فقال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، الحسنة بعشر أمثالها، فيكون الإنسان كأنه صام الدهر؛ لأن كل يوم عن عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، فيكون صام ثلاثين يوماً في رمضان وكل يوم عن عشرة أيام، فإذا صام من كل شهر ثلاثة أيام يكون قد صام ستة وثلاثين يوماً، وكل يوم بعشرة أيام، وعلى اعتبار أن الأشهر كاملة، والحسنة بعشرة أمثالها، فيكون بذلك له أجر صيام الدهر، مثلما جاء في فرض الصلوات خمسين صلاة ثم خفضت إلى خمس صلوات، ثم قال الله عز وجل: (هن خمس في العمل وخمسون في الأجر)؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها، والصلاة عن عشر صلوات، واليوم عن عشرة أيام، وهنا يكون كأنه صام الدهر. وكما سيأتي في الحديث: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) أو (فكأنما صام الدهر) لأن رمضان بثلاثين يوماً، فيكون المجموع مع شوال ستة وثلاثين يوماً والحسنة بعشر أمثالها، فإذا صام رمضان وستاً من شوال، وصام ثلاثة أيام من كل شهر يكون بذلك كأنه صام الدهر مرتين، وحصل أجر صيام السنة مرتين؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها. قوله: [ (ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله، وصيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) ]. ويوم عرفة هو يوم من أيام السنة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وصيامه يستحب لغير الحجاج، وأما الحجاج فالأولى في حقهم أن يكونوا مفطرين لا أن يكونوا صائمين، وإنما الفضل في الصيام في حق من كان في غير عرفة وليس من الحجاج، فالحجاج بحاجة إلى أن يتقووا على الدعاء والذكر في ذلك اليوم، والصوم قد يحصل لهم معه كسل يحول بينهم وبين الإتيان بذلك الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل في تلك الساعات النفيسة العظيمة التي ينزل الله عز وجل ويباهي بأهل الموقف الملائكة. قوله: [ (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) ] يعني: هذا يدل على أن أفضل يوم يصام تطوعاً هو يوم عرفة، وذلك لغير الحجاج. والتكفير إنما هو تكفير الصغائر، وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى التوبة حتى تكفرها، أما أن يكون الإنسان مصراً على الكبائر ومداوماً عليها، ثم يصوم يوماً في السنة ويقول: هذا ينهي كل ما تقدم، فهذا لا بد فيه من التوبة؛ ولهذا يقول الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فهذا التقييد بقوله: (ما اجتنبت الكبائر) يدل على أن التكفير إنما هو للصغائر، وإذا صامه مع توبة نصوح، فإنه يكفر الكبائر والصغائر، أما صيام مع الإصرار على الكبائر وعدم التوبة منها فهذا لا يحصل منه تكفير الكبائر. قوله: [ (وصوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) ]. وهذا يدل على فضل صيام يوم عاشوراء، ولكنه يضاف إليه يوم آخر حتى يسلم من المشابهة لليهود، فيصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، والأولى أن يصوم يوماً قبله؛ لأن الأحاديث وردت بذلك، حديث قال صلى الله عليه وسلم: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) فهذا يدلنا على أنه يصام معه، ولكن كما جاء في الحديث هنا: (أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية) وهذا يدل على فضله، وأنه مثل يوم عرفة في الفضل؛ فعرفة يكفر السنة الماضية والآتية، وهذا يكفر السنة الماضية.
تراجم رجال إسناد حديث (ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله..)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن غيلان بن جرير ]. غيلان بن جرير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن معبد الزماني ]. عبد الله بن معبد الزماني ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي قتادة ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أرأيت صوم يوم الإثنين ويوم الخميس)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي حدثنا غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رضي الله عنه بهذا الحديث زاد: (قال: يا رسول الله! أرأيت صوم يوم الإثنين ويوم الخميس؟ قال: فيه ولدت وفيه أنزل علي القرآن) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، حديث أبي قتادة ، وأنه فيه زيادة: أنه سئل عن صوم يوم الإثنين والخميس فقال: (فيه ولدت، وفيه أنزل علي القرآن) وهذا في يوم الإثنين لا في يوم الخميس، وقيل: إن زيادة الخميس وهم؛ لأن الذي فيه ولادته وفيه إنزال القرآن عليه -أي: البدء في إنزال القرآن عليه- كان يوم الإثنين، وهذا يدلنا على فضل صيام يوم الإثنين، وأما صيام يوم الخميس فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على صيام الإثنين والخميس، وأن الأعمال تعرض فيهما على الله عز وجل، وأنه صلى الله عليه وسلم يحب أن يعرض عمله وهو صائم، وقد جاء ما يدل على صوم الإثنين والخميس أحاديث عديدة، ولكن كونه يعلل بأنه يوم ولد فيه وأنزل عليه فيه القرآن هذا يدلنا على فضل صيام يوم الإثنين. ثم إن بعض الذين فتنوا بالموالد يستدلون على إقامة مولد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وفي الحقيقة هذا الحديث ليس فيه دليل لهم؛ لأنهم في المولد لا يصومون، وإنما يأكلون الأطعمة ويتنافسون فيها، ويكثرون من أنواع الطعام، وهو خلاف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ذاك يوم ولدت فيه) ] معناه: من أراد أن يحصل منه احتفاء بذلك اليوم فإن الطريق إلى ذلك بأن يصومه؛ لأنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن فيه، أما أن يجتمع الناس فيه للتلاوة وقول المدائح وغيرها فهذا من الأمور المحدثة المبتدعة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ولم تأت فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فعلها الصحابة الكرام ولا التابعون ولا أتباع التابعين، ومضت ثلاثمائة سنة كاملة لا يوجد شيء اسمه الاحتفال بالموالد، حتى جاء الرافضة العبيديون الذين حكموا مصر في القرن الرابع فأحدثوا بدعة الموالد، وقبل إحداث الرافضة العبيديين لها في القرن الرابع لم يكن لها وجود؛ ولهذا الكتب التي ألفت في تلك الحقبة وفي تلك الأزمان لا ذكر للموالد فيها أبداً لا مضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا إلى خلفائه الراشدين، ولا الصحابة أجمعين، ولا التابعين ولا أتباع التابعين. فلو قال قائل: النصارى يحتفلون بميلاد عيسى، ونحن أولى أن نحتفل بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم. فنقول له: نحن مأمورون بمخالفة أهل الكتاب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) فهذا تنفير لنا عن متابعتهم والأقتداء بهم، وإنما أمرنا بأن نقتدي بما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالمولد بدعة في الدين ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، والرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس كل ما أمر بتبليغه، ولم يكن من ذلك هذه البدعة التي ابتدعها الرافضة العبيديون، وقلدهم من قلدهم فيها إلى هذا اليوم، ومنذ ذلك الوقت والناس بين فاعل لها ومنكر لها، ولكن قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) وهؤلاء الخيار لا وجود لهذا العمل عندهم أبداً، بل هو من محدثات الأمور، والنبي صلى الله عليه وسلم محبته يجب أن تكون في قلب كل مسلم، وفوق محبة كل محبوب بعد الله سبحانه وتعالى، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله، ويجب أن تكون محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلب كل مسلم أعظم من محبته لنفسه، ومحبته لأبيه وأمه وابنه وبنته، وزوجته وصديقه وأقاربه، والناس أجمعين، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) لماذا؟ لأن نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم.. نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، هي أعظم وأجل نعمة، لا يساويها نعمة ولا يماثلها نعمة، أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على المسلمين أن هداهم للإسلام، وهذه النعمة ساقها الله للناس على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذاً: محبته يجب أن تكون أعظم من محبة الأب والأم والابن والبنت وسائر الناس.. أعظم من محبته لأصوله وفروعه وكل من له به علاقة، بل ومن سائر الناس أجمعين، فهذه هي المحبة التي يجب أن تكون، لكن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامة الموالد أو بالتمسح بالجدران والشبابيك لا يصح، بل محبته صلى الله عليه وسلم باتباعه، وهناك آية في القرآن يسميها بعض العلماء: آية الامتحان والاختبار، وهو أن من يدعي محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة، ومعلوم أن البينات لا بد منها في الدعاوى، فكون إنسان يدعي على إنسان مالاً فمجرد الدعوى لا يثبت له بها الحق أبداً حتى يقيم البينة، والبينة شهود عدول أو اعتراف المدعى عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فكذلك في أمور الدين كمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد فيها من إقامة البينة على أن العبد محب للرسول صلى الله عليه وسلم، فما هي البينة؟ البينة هي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، هذه آية الامتحان والاختبار، وهي أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة، والبينة هي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، أما أن تكون محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد دعاوى وغلو، ثم يعصى الرسول صلى الله عليه وسلم ويخالف، ويعبد الله فيما ابتدع مما لم يكن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يجوز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وبعض الناس يمكن أن يقول: إن الإنسان الذي يفعل هذا قصده طيب، والإنسان يؤجر على قصده ونيته، والإنسان هو على خير ما دام قصده طيباً، فلو أنه فعل أمراً ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع له حسن قصده. نقول: هذا كلام غير صحيح؛ لأنه لا بد مع حسن القصد أن يكون العمل مطابقاً للسنة؛ لأن العمل الذي يقبل عند الله لا بد فيه من أمرين اثنين: الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله. الثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن فقد شرط الإخلاص رد على صاحبه، وإن فقد شرط الاتباع رد على صاحبه، ودليل رده على صاحبه إذا فقد شرط الإخلاص قول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]ودليل رد العمل إذا كان غير مطابق للسنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه، وفي لفظ لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). فإذاً: لا بد من الأمرين: إخلاص، ومتابعة، لا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو مقتضى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأن مقتضى أشهد أن لا إله إلا الله الإخلاص، ومقتضى أشهد أن محمداً رسول الله اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، وأن يكون العمل مطابقاً لسنته صلى الله عليه وسلم. ومما يوضح أن حسن القصد لا يكفي ما جاء في الصحيح عن أحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أنه في يوم عيد الأضحى ذبح أضحيته قبل الصلاة؛ لأنه يعلم أن الناس بحاجة إلى اللحم، وأنهم مشتهون للحم، فأراد أن تذبح أضحيته قبل الصلاة وتطبخ فإذا جاء الناس من المصلى وإذا اللحم قد طبخ، فتكون أضحيته أول ما يؤكل منها، فيقدمها للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع قال: (شاتك شاة لحم) ؛ لأنها ما وقعت في الوقت المحدد؛ لأن الذبح لا يكون إلا بعد صلاة العيد بعد أن يرجع الناس من المصلى، وقبل أن يخرجوا المصلى لا يذبحون، ولو ذبحوا ما أجزأهم ذلك، فهذا الصحابي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم) فكان قصده طيباً وحسناً، ولا إشكال في حسن القصد هذا، لكن العمل لما وقع غير مطابق للسنة لم يعتبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم) يعني: مثل الذبيحة التي تذبح في أي يوم من السنة للأكل، وأما أيام الذبح والنحر فهي أربعة: يوم العيد- عيد الأضحى - وثلاثة أيام بعده التي هي أيام التشريق. نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم قال: وفي هذا دليل على أن العمل لا يعتبر إلا إذا وقع مطابقاً للسنة، ولا يكفي حسن قصد الفاعل. يعني: إن العمل لا يعتبر إلا إذا كان مطابقاً للسنة ولو كان قصد صاحبه حسناً، وليس معناه: أنه يصير سنة وإن كان بدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم بين للصحابي أن شاته شاة لحم. الدليل الثاني على ذلك: أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى أناس في المسجد متحلقين وكل واحد منهم معه حصى، وفي كل حلقة واحد يقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ثم يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، ثم يقول كبروا مائة، فيكبرون مائة، وعند ذلك وقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال: ما ه

تراجم رجال إسناد حديث (أرأيت صوم يوم الإثنين ويوم الخميس ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مهدي ]. هو مهدي بن ميمون ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة ]. وقد مر ذكرهم.
شرح حديث (ألم أحدث أنك تقول: لأقومن الليل ولأصومن النهار؟)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب و أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ألم أحدث أنك تقول: لأقومن الليل، ولأصومن النهار؟ قال: أحسبه قال: نعم يا رسول الله! قد قلت ذلك، قال: قم ونم، وصم وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام، وذاك مثل صيام الدهر، قال: قلت: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قال: فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، وهو أعدل الصيام، وهو صيام داود، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أفضل من ذلك)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وقال: ألم أحدث أنك تقول: لأصومن النهار، ولأقومن الليل؟) قال: الرواي: أحسبه قال: نعم، الرسول أخبر بهذا، ولكنه سأله عن هذا الخبر الذي أخبر به، هل هو صحيح أو غير صحيح؟ قال: (ألم أحدث) ما قال له: إنك تقول كذا وكذا؛ لأنه قد يكون في الخبر شيء، فهذا يدل على الاحتياط والتثبت في الأخبار، وأنه لا يكفي مجرد نقل الأخبار، وأن يعول عليها دائماً وأبداً، فقد تكون الأخبار فيها وهم، وقد يكون فيها زيادة أو نقصان، وقد يكون فيها سهو أو خطأ، ولذا يقال: وما آفة الأخبار إلا رواتها. يعني: كثيراً ما تكون آفة الأخبار من رواة الأخبار، بأن يكون فيها خلل ونقص، فالرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (ألم أحدث) أراد أن يتثبت وأن يتحقق، وهل هذا الخبر الذي بلغه صحيح أو لا؟ (فقال: نعم) يعني: هذا الذي أخبرت به صحيح، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صم وأفطر، وقم ونم) يعني: لا تصم صياماً مستمراً، ولا تصل صلاة مستمرة، وإنما اجمع بين هذا وهذا، وهذا مطابق لهديه صلى الله عليه وسلم، كما جاء في قصة الثلاثة قال: (أما إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام) فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان يصوم ويفطر ويصلي وينام، ولا يتعب نفسه ويشق عليها. قوله: [ (قم ونم، وصم وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام) ]. أرشده إلى أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ويفطر سبعة وعشرين يوماً. قوله: [ (وذلك مثل صيام الدهر) ]. لأنه إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر، وكل يوم بأجر عشرة أيام؛ حصل له أجر صيام السنة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يومين) ]. معناه: يصوم عشرة أيام من ثلاثين يوم، فبدلاً من ثلاثة أيام انتقل إلى عشرة أيام. قوله: [ (فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، وهو أعدل الصيام، وهو صيام داوو) ]. فأشار إلى أمرين: كونه أعدل الصيام، وكونه صيام نبي الله داود عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (قال: إني أطيق أفضل من ذلك قال: لا أفضل من ذلك) ]. يعني: لا أفضل من كون الإنسان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فعندما يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً فهو يصوم نصف الدهر، ومع ذلك فيه مشقة عليه، ولهذا جاء عن ابن عمرو رضي الله عنه: أنه كان يتمنى أن يكون أخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ألزم نفسه بالشيء الذي التزمه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما كبر وشق ذلك عليه كان يتمنى أن يكون أخذ بالرخصة التي رخص له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لكونه فارق النبي صلى الله عليه وسلم على أمر ألزم نفسه به، واصل وداوم على ذلك الشيء، وإن كان فيه مشقة عليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث (ألم أحدث أنك تقول لأقومن ا لليل وأصومن النهار؟)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المسيب و أبي سلمة ]. ابن المسيب هو سعيد بن المسيب ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الإسناد فيه اثنان وكل منهما من الفقهاء السبعة، إلا أن واحداً متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو سعيد بن المسيب ، والثاني: مختلف في عده فيهم وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #488  
قديم 22-02-2025, 07:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [284]
الحلقة (316)



شرح سنن أبي داود [284]

الأشهر الحرم أربعة أشهر، ثلاثة منها متتابعة وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وشهر منفرد وهو رجب الفرد، والصيام من الأعمال الفاضلة في هذه الأشهر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيص المحرم من بين هذه الشهور بمزيد فضل ومزية وأن صيامه أفضل الصيام بعد رمضان.

ما جاء في صوم أشهر الحرم



شرح حديث (صم من الحرم واترك ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم أشهر الحرم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سعيد الجريري عن أبي السليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم انطلق، فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله! أما تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول، قال: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعاماً منذ فارقتك إلا بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم عذبت نفسك؟ ثم قال: صم شهر الصبر، ويوماً من كل شهر، قال: زدني فإن بي قوة، قال: صم يومين، قال: زدني، قال: صم ثلاثة أيام قال: زدني، قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها) ]. أورد أبو داود صوم الأشهر الحرم، والأشهر الحرم أربعة وهي: رجب وحده ليس متصلاً بشهر حرام، وشهر ذي الحجة، وشهر قبله وشهر بعده، أي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثلاثة مسرودة وواحد منفرد؛ ولهذا يقال لرجب: الفرد؛ لأنه منفرد عن الأشهر الحرم في أثناء السنة، والأشهر الباقية متصلة، والأشهر الحرم ما جاء فيها شيء يخصها فيما يتعلق بعمل خاص بها، ومنها شهر رجب، وجاء فيه هذا الحديث الذي هو عن عم مجيبة الباهلية أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سنة من السنوات، ثم جاءه بعد سنة وإذا هو قد تغير ونحل وضعف، فقال للرسول: أتعرفني؟ قال: من أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي لقيتك عام الأول، قال: ما الذي غيرك؟ يعني: هيئته تغيرت، قال: منذ فارقتك ما أكلت طعاماً إلا بليل، معناه: دائماً يصوم النهار، فقال: (لم عذبت نفسك؟) يعني: كونه جاء قبل في هيئة حسنة وشكل طيب، وبعد ذلك صار ناحلاً ضعيفاً هزيلاً متعباً، وهو سؤال إنكار! قوله: [ قال: (صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر) ]. الذي هو شهر رمضان، فهذا فرض فرضه الله على عباده، وقيل له شهر الصبر، لأن فيه حبس النفس عما تشتهي. قوله: [ (ويوماً من كل شهر، قال: زدني فإن بي قوة، قال: صم يومين قال: زدني، قال: صم ثلاثة أيام، قال زدني، قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك) ]. يعني: صم بعضها وأفطر بعضها. قوله: [ (وقال بأصابعه الثلاث فضمها ثم أرسلها) ]. يعني: إشارة إلى أنه يصوم ثلاثة أيام، ويترك ثلاثة أيام، وقيل في معناه: أنه يصوم ثلاثة ثم يترك ثلاثة، ثم يصوم ثلاثة. والحديث ضعفه الألباني ، لكن لا أدري ما وجه تضعيفه، والحديث فيه لاضطراب من ناحية مجيبة ، هل هو رجل أو امرأة؟ وإذا كان تعليله بالاضطراب فقد جاء على أوجه كثيرة، وأما ما عداه فالرجال معروفون.

تراجم رجال إسناد حديث (صم من الحرم واترك ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وقد مر ذكره، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي السليل ]. أبو السليل هو ضريب بن نقير ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مجيبة الباهلية ]. مجيبة الباهلية قيل: هي صحابية أخرج لها أبو داود و النسائي . [ عن أبيها أو عمها ]. عن أبيها أو عمها. قال البغوي و ابن مندة : اسمه عبد الله بن الحارث الباهلي ، وعلى كل حال: إذا كان صحابياً فلا إشكال، ولكن الشأن في الاضطراب الذي جاء في الراوي وهو مجيبة هل هو اسم رجل أو اسم امرأة؟ وهل هو عن أبيه أو عن عمه؟ على أوجه مختلفة.
ما جاء في صوم المحرم


شرح حديث (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم المحرم. حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل) لم يقل قتيبة : شهر، قال: رمضان ]. أورد أبو داود : باب صوم المحرم، والمحرم من الأشهر الحرم، وقد جاء ما يدل على فضل الصيام فيه، وأن أفضل الصيام بعد رمضان الصيام في شهر الله المحرم، فهذا يدل على فضل الصيام فيه، ولا يقال له: شهر محرم، وإنما يقال له: الشهر المحرم، بالألف واللام. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل). وهذا يدلنا على فضل صلاة الليل، وأنها أفضل الصلاة بعد المفروضة، ومن أهل العلم من قال: إن الحديث يدل على أنها أفضل من غيرها مطلقاً، وبعضهم قال بتفضيل السنن الرواتب التي هي تابعة للصلوات، والتي هي قبل الصلوات أو بعدها، والحديث دال على فضل قيام الليل، وأن شأنه عظيم.

تراجم رجال إسناد حديث (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ...)


قوله: [ حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد ]. مسدد مر ذكره، وقتيبة بن سعيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هووضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. أبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد بن عبد الرحمن ]. هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه و أرضاه.

شرح حديث (أن رسول الله كان يصوم حتى نقول لا يفطر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا عيسى حدثنا عثمان -يعني ابن حكيم - قال: (سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب؟ فقال: أخبرني ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عثمان بن حكيم قال: (سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب، فقال: أخبرني ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول: لا يفطر..) ]. يعني: سئل سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه عن صيام رجب، فروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: لا يصوم) معناه: أنه ليس ثابتاً على مقدار معين من الشهر، بل أحياناً يصوم الشهر حتى نقول: يكمله، وأحياناً يفطر حتى نقول: لا يصومه، ومعنى ذلك أنه أحياناً يصوم منه كثيراً، وأحياناً يصوم منه قليلاً، وهذا الجواب عن هذا السؤال ليس فيه شيء يدل على أن رجب يصام أو لا يصام، وإنما شأنه شأن غيره؛ ولهذا أتى بالجواب العام الذي يشمله ويشمل غيره، فأخبر عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصوم من الأشهر حتى نقول: لا يفطر، وأحياناً يفطر حتى نقول: لا يصوم ورجب لأنه لم يأت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه إذا عومل معاملة الشهور بأن يكون الإنسان ملازماً على شيء في أيام الشهور فرجب واحد منها، يعني: لو كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصوم الإثنين والخميس من كل شهر، فرجب يكون واحداً منها، فليس فيه شيء يدل على صيامه ولا على إفطاره، ولكن الشأن أن حكمه حكم سائر الشهور، اللهم إلا ما جاء فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يميز على غيره كشعبان والمحرم وست من شوال، وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان يصوم حتى نقول لا يفطر ...)


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. هو إبراهيم بن موسى الرازي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان -يعني ابن حكيم- ]. عثمان بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. قال: [ سألت سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ليس فيه شيء يتعلق بالترجمة؛ لأن الترجمة للمحرم، وليس فيه شيء يخص المحرم، ولكن لما كان السؤال عن رجب، ورجب من الأشهر الحرم أخبر عن الشيء الذي كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في الأشهر، وكذلك أيضاً يقال في محرم كغيره: أن الرسول كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، أو يفطر حتى يقال: لا يصوم.
ما جاء في صوم شعبان


شرح حديث (كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصومه شعبان ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم شعبان حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس سمع عائشة رضي الله عنها تقول: (كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان) ]. أورد أبو داود صوم شعبان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام منه، وجاء في بعض الأحاديث أنه ما استكمل شهراً إلا رمضان، وجاء هنا أنه كان يصوم شعبان ويصله برمضان، والأحاديث الدالة على أنه لم يستكمل شهراً إلا رمضان تدل على عدم إكماله شعبان، ولكن كونه يصوم كثيراً منه فإنه يعطي الأكثر حكم الكل، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يكمل صيام شهر من الشهور غير رمضان كما جاء في الحديث الذي مر: (كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ثم يفطر حتى نقول: لا يصوم) وهذا شأنه صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان..) ]. قيل: لأن شهر شعبان يكون قبل رمضان، وأنه قد يكون حصل له شواغل في بعض الشهور الماضية فيستدرك في شعبان، وقيل: لأنه يسبق رمضان فيكون صيامه كالسنن الرواتب في الصلوات التي تكون قبلها، كما أن صيام الست من شوال بعد رمضان كالسنن الرواتب البعدية، فيكون اتصال رمضان بما قبله وما بعده، والله تعالى أعلم. قوله: [ (ثم يصله برمضان) ]. معناه: أنه يصوم رمضان بعده، لكن كما عرفنا أن الاستكمال لم يكن ثابتاً عن رسول الله، وما جاء من كونه يصومه كله يكون محمولاً على الغالبية وعلى الأكثر.

تراجم رجال إسناد حديث (كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصومه شعبان ...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن أبي قيس ]. عبد الله بن أبي قيس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ سمع عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #489  
قديم 22-02-2025, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [285]
الحلقة (317)



شرح سنن أبي داود [285]

صيام النوافل من الأمور التي حض عليها الشرع الحنيف ورتب عليها الأجر الجزيل، ومن الأيام التي تصام تتنفلاً ستة أيام من شوال، ويستحب فيها التعجيل لورود الأمر النبوي بإتباع رمضان بها، ومما يستحب صيامه من الأيام يوما الخميس والإثنين.

ما جاء في صوم شوال


شرح حديث (صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم شوال. حدثنا محمد بن عثمان العجلي حدثنا عبيد الله -يعني ابن موسى - عن هارون بن سلمان عن عبيد الله بن مسلم القرشي عن أبيه رضي الله عنه قال: (سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام الدهر، فقال: إن لأهلك عليك حقاً، صم رمضان والذي يليه، وكل أربعاء وخميس، فإذاً أنت قد صمت الدهر) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في صوم شوال]. شهر شوال جاء فيه صيام الست من شوال، وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وأما صيام شوال، وصيام الأربعاء والخميس الذي جاء فيه الحديث فهذا لا يصح وغير ثابت، وإنما الثابت هو صيام ست من شوال، وما جاء فيه من ذكر صيام الدهر، (أن لأهلك عليك حقاً) هذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أورد أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة حديث عبيد الله بن مسلم القرشي عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام الدهر فقال: إن لأهلك عليك حقاً) ]. فهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصيام الدهر يضعف ولا يمكن من إيصال الحقوق إلى أهلها سواءً أهله أو أقاربه. قوله: [ (صم رمضان والذي يليه) ]. الذي هو شوال. قوله: [ (وكل أربعاء وخميس) ]. الأربعاء ما ثبت فيه شيء، والخميس ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام الإثنين والخميس في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصيام شوال بأكمله ما ثبت فيه شيء، وهذا الحديث لا يحتج به، فهو حديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مقبول لا يحتج به إلا عند المتابعة، وليس هناك ما يشهد لذلك في صيام شوال وصيام الأربعاء، وإنما الذي ثبت هو صيام ست من شوال كما سيأتي. قوله: [ (فإذاً أنت قد صمت الدهر) ]. يعني: إذا فعلت كذا وكذا تكون بذلك صمت الدهر، ولكن الثابت أن الإنسان إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر فهو كمن صام الدهر كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما كون الإنسان يصوم شوالاً ويصوم الأربعاء والخميس، ويكون بذلك صام الدهر، فهذا الحديث لم يثبت.

تراجم رجال إسناد حديث (صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس ...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان العجلي ]. محمد بن عثمان العجلي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا عبيد الله -يعني ابن موسى -]. عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هارون بن سلمان ]. هارون بن سلمان لا بأس به، ولا بأس به بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبيد الله بن مسلم القرشي ]. عبيد الله بن مسلم القرشي مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. وهو صحابي أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . والحافظ يرجح أنه مسلم بن عبيد الله ؛ ولهذا ذكره في التقريب في مسلم بن عبيد الله . [ قال أبو داود : وافقه زيد العكلي وخالفه أبو نعيم قال: مسلم بن عبيد الله ]. قوله: [ وافقه زيد العكلي ]. هو زيد بن حباب العكلي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ وخالفه أبو نعيم ]. أبو نعيم هو الفضل بن دكين الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: مسلم بن عبيد الله ]. و مسلم بن عبيد الله هو الذي رجحه الحافظ وهو الذي ذكر ترجمته في التقريب بهذا الاسم الذي هو مسلم بن عبيد الله ، وأما عبيد الله بن مسلم فهو مقلوب.
ما جاء في صوم ستة أيام من شوال


شرح حديث (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم ستة أيام من شوال. حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صفوان بن سليم و سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) ]. أورد أبو داود باب صيام ست من شوال، وستة أيام من شوال صيامها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات عند النسائي تفصيل ذلك بأنه إذا صام رمضان فيكون يقابل عشرة أشهر، وإذا صام ستاً من شوال يقابل شهرين، فيكون صام ثلاثمائة وستين يوماً؛ لأن اليوم عن عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، وهذا يوضح ما جاء في الحديث: (شهرا عيد لا ينقصان) وقد سبق أن المقصود بذلك أنه إن كان ناقصاً فهو كامل في الأجر والثواب؛ ولهذا جاء التفصيل بأن رمضان يعادل عشرة أشهر، وستاً من شوال تعادل صوم شهرين، وقد يكون الشهر تسعة وعشرين يوماً، فيكون ناقصاً، ولكنه قال: (لا ينقصان) يعني: في الأجر، وإن حصل النقص في العدد بأن يكون تسعة وعشرين يوماً فإن الأجر فيه كامل، ويكون كأنه صام ثلاثين يوماً، وهذا الذي جاء في هذا الحديث يبين هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (شهرا عيد لا ينقصان). ثم إن صيام ست من شوال أورد أبو داود فيه حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر). يعني: يشبه صيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، كما أن قوله: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال) يدل على أن الإنسان لا يأتي بصيام الست إلا بعدما يؤدي القضاء الذي عليه؛ لأنه لا يقال للإنسان إنه صام رمضان إلا إذا أدى ما عليه سواءً الفرض أو قضاء الفرض، يعني: لو أن أحداً كان عليه شيء من رمضان فيبدأ بالفرض قبل النفل ويشتغل به؛ ولهذا قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه) لأن من لم يصم ما عليه من رمضان لا يقال: صام رمضان بل رمضان باق في ذمته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) دال على أن المقصود بذلك من أدى ما عليه من الفرض في وقته وليس عليه قضاء، وإن كان عليه شيء من رمضان فعليه أن يبدأ بقضاء رمضان ثم يصوم ستاً من شوال، ولا يتشاغل بالفرض عن النفل، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال بعض الأكابر: من اشتغل بالفرض عن النفل فهو معذور، ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور. قوله: (ثم أتبعه بست من شوال) يدل على أن المبادرة إلى صيامها بعد العيد هو الأولى؛ لأن هذا هو الذي يقتضيه الإتباع في قوله: (ثم أتبعه بست من شوال)، ولكن إن لم يفعل فإن الشهر كله وقت وزمن لها، ولكن لا يؤخرها عن شوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بست من شوال) فهو في حدود شوال، يعني: من صام أثناء الشهر يكون حصل منه المطلوب، ولكن الأولى أن يبادر إلى الصيام بعد العيد إذا أمكنه ذلك؛ لأن هذا هو الذي يتحقق به الإتباع، ولكنه إذا لم يفعل وأتى بها سواءً كانت مجتمعة أو متفرقة فإن ذلك يحصل به المقصود، ثم إن كون الإنسان يصوم ستاً من شوال هذه بمثابة السنة الراتبة بعد الفريضة، وقد جاء في الحديث أن التطوع يكمل به الفرض إذا لم يكن أتمه وإذا كان في نقص، كما سبق أن مر بنا الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو بمنزلة الراتبة في صلاة الفريضة، ثم أيضاً كون الإنسان يأتي بصيام هذه الست يدل على رغبته في الطاعة ومحبته للصوم؛ لأنه أتى بالطاعة التي هي الصيام في رمضان، ثم بعد ذلك أتى بالتطوع، ويدلك كذلك على أنه لا يودع الصيام بانتهاء شهر الصيام، وإنما يصوم تطوعاً لله عز وجل، والله تعالى قد قال في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

تراجم رجال إسناد حديث (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال ...)


قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي هو عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفوان بن سليم ]. صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سعد بن سعيد ]. سعد بن سعيد صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، وهذا هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو أخو عبد ربه بن سعيد الأنصاري المدني، فهم ثلاثة إخوة، ولكن المعروف والمتميز فيهم والمتقدم هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني الذي هو من صغار التابعين، وهو شيخ مالك، وكثيراً ما يروي عنه الإمام مالك ، وهو راوي أول حديث في صحيح البخاري الذي هو: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عن عمر بن الخطاب علقمة بن وقاص الليثي وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة بن وقاص الليثي محمد بن إبراهيم التيمي وهو من أوساط التابعين، ورواه عنه يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وهو من صغار التابعين. [ عن عمر بن ثابت الأنصاري ]. عمر بن ثابت الأنصاري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي أيوب ]. هو أبو أيوب الأنصاري، وهو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
كيف كان يصوم النبي صلى الله عليه وسلم؟


شرح حديث (كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف كان يصوم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب كيف كان يصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: في النفل، والمقصود من إيراد هذه الترجمة بيان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه كان في بعض الأشهر يكثر من الصيام حتى يقال: لا يفطر، ومعناه: أنه يكمل الشهر، وفي بعضها: (يفطر حتى يقال: لا يصوم) فهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا وهذا، وأما قوله فقد جاء في أحاديث كثيرة صوم كذا وصوم كذا وصوم كذا، ولكن فعله الذي تحكيه عائشة رضي الله عنها أنه كان يصوم حتى يقولوا: لا يفطر، ومعناه: أنه يريد أن يكمل الشهر، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يصوم، معناه: أنه يكمل الشهر غير صائم، ثم يصوم، ومعنى ذلك: أنه لا يخلي شهراً من صيام، ولكنه أحياناً يكون كثيراً، وأحياناً يكون قليلاً، ثم بينت مثالاً للكثير وأنه لم يستكمل شهراً إلا رمضان، وهذا بيان منها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أكمل شهراً متطوعاً، ولكنها أخبرت بأنه أكثر ما كان يصوم في شعبان، وهذا يبين لنا ما تقدم من أنه يصوم شعبان كله، وأن المقصود به الغالبية والأكثر، كما جاء في هذا الحديث: (وأنه كان أكثر ما يصوم في شعبان) ولم يكن يستكمل شهراً إلا رمضان، ومعنى هذا: أن ما جاء عنها في بعض الروايات عن شعبان أنه يصومه ويصله برمضان أن هذا محمول على الغالب، وليس معنى ذلك أنه قد استكمله كما في هذا الحديث الذي جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ]. أبو النضر مولى عمر هو سالم بن أبي أمية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث (... كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه زاد: (كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله) وهذا إشارة إلى كثرة ما كان يصوم فيه، ولكن ما جاء أنه لم يكن يستكمل شهراً إلا رمضان دال على أنه لا يستكمل صيام أي شهر من الشهور.

تراجم رجال إسناد حديث (...كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله)


[ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو ]. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. أبو سلمة مر ذكره، وأبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

ما جاء في صوم الإثنين والخميس



شرح حديث (إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم الإثنين والخميس . حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن عمر بن أبي الحكم بن ثوبان عن مولى قدامة بن مظعون عن مولى أسامة بن زيد (أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له، فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس فقال له مولاه: لم تصوم يوم الإثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير؟ فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس، وسئل عن ذلك فقال: إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس) ]. أورد أبو داود صيام الإثنين والخميس، وهذان اليومان قد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باستحباب صيامهما، وجاء في ذلك أحاديث منها حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما هذا الذي أورده المصنف أنه كان مولاه قد سافر معه إلى وادي القرى، وهو واد تابع للمدينة في الشمال منها، وهو الذي سار فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى تبوك، وهو الذي فيه الحديقة التي خرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة وقال: إذا رجعنا فأخبرينا بالنتيجة، فلما رجعوا وإذا الواقع مطابق لما خرصه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث صحيح وقد سبق أن مر. وأسامة سافر معه مولاه، وكلمة (مولى) تأتي من الأعلى ومن الأسفل، فيقال للسيد أو المعْتِق: مولى، ويقال للعبد أو المعْتَق: مولى، ولهذا يقولون: من أنواع علوم الحديث معرفة الموالي من أعلى ومن أسفل؛ لأنه قد يكون مولىً لأنه سيد، وقد يكون مولىً لأنه عتيق.. قد يكون منْعِماً وهو السيد، وقد يكون منْعَماً عليه وهو المعتق، فيقال: مولى من أعلى ومولى من أسفل، فيقال: مولى فلان، يعني: أنه مولى من أسفل، وفلان مولى فلان، يعني: مولاه من أعلى، والولاء يكون أيضاً بغير العتق، فيكون بالحلف، ويكون بالدخول في الإسلام، مثل البخاري رحمة الله عليه كان الجعفي مولاهم؛ لأن أحد أجداده أسلم على يد واحد من الجعفيين، فكان جده ينسب ويقال له: الجعفي مولى، و البخاري كذلك يقال له: الجعفي مولى، وكان الولاء ولاء إسلام على يديه، وكان ولاء عتق، وهو من أعلى ومن أسفل. سافر معه مولاه إلى وادي القرى وكان في طلب مال له أي مال لأسامة بن زيد رضي الله عنه، وكان يصوم الإثنين والخميس، فقال له مولاه: لماذا تصوم وأنت شيخ كبير؟ يصوم تطوعاً في السفر وهو شيخ كبير، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس، ويقول: إن هذه الأعمال تعرض فيهما على الله عز وجل)، وجاء في بعض الأحاديث: (وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) والحاصل أن الإثنين والخميس من الأيام المستحب صيامها كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى ]. يحيى هو ابن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن أبي الحكم بن ثوبان ]. عمر بن أبي الحكم بن ثوبان صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مولى قدامة بن مظعون ]. مولى قدامة بن مظعون يقال له: أبو عبد الله ، أخرج له أبو داود و النسائي في المبهمات. وعلق أبو الأشبال : كذا في جميع الأصول التي عندي وفي التهذيبين هو: أبو عبيد الله راجع عون المعبود . وفي عون المعبود قال: إنه مجهول، وكذلك الذي يروي عنه. [ عن مولى أسامة بن زيد ]. مولى أسامة بن زيد هذا ما وجدت له ترجمة، وفي عون المعبود قال: إنه مجهول، لكن الجهالة لا تؤثر؛ لأن فضل صيام الإثنين والخميس جاء في أحاديث عديدة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون له شواهد. [ عن أسامة ]. هو أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبه وابن حبه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : كذا قال هشام الدستوائي عن يحيى عن عمر بن أبي الحكم ]. هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحيى و عمر بن أبي الحكم مر ذكرهما."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #490  
قديم 22-02-2025, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصيام
شرح سنن أبي داود [286]
الحلقة (318)





شرح سنن أبي داود [286]

حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام أيام معلومة، كصيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وأيام ذي الحجة، وصيام يوم عاشوراء، لما في صيامها من مضاعفة الأجور وتكفير السيئات، فضلاً من الله سبحانه وتعالى ورحمة بعباده، وفتحاً لباب الصالحات والتنافس في الخيرات.

ما جاء في صوم العشر


شرح حديث (كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم العشر. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الحر بن الصياح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس) ]. أورد أبو داود صيام العشر، أي: عشر ذي الحجة، ولكن المقصود التسع، وقد اشتهرت بهذا الاسم تغليباً، وإلا فإن اليوم العاشر يوم العيد، ولا يجوز صيامه بحال من الأحوال؛ لأنه يحرم صوم العيدين وأيام التشريق، وأيام التشريق لم يرخص في أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، أما العيدان فلا يجوز صيامهما بحال من الأحوال، بل يجب إفطارهما. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صيام العشر، وجاء حديث عام يشمل الصيام وغير الصيام، وجاء حديث في ترجمة أخرى بخلاف ذلك يعني: في الإفطار في أيام العشر، ولكن صيام العشر قربة من أفضل القربات، وداخل تحت عموم حديث : (ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر). قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة) ]. يعني: العشر من ذي الحجة ما عدا يوم العيد. قوله: [ (ويوم عاشوراء) ]. هو العاشر من شهر المحرم، وسيأتي له ترجمة مستقلة. قوله: [ (وثلاثة أيام من كل شهر أول إثنين من الشهر والخميس) ]. يعني: أنه يبدأ بأول إثنين من الشهر، ثم الخميس وفي بعض الروايات: (والخميسين) يعني: إثنين واحد وخميس مرتين، فتكون ثلاثة أيام من كل شهر، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه ينبغي أن تكون الثلاثة أيام البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والثلاثة أيام من كل شهر جاءت في أحاديث عديدة، وهي مما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك على سبيل الإجمال، وبعضها على سبيل التفصيل مثل ما جاء في هذا الحديث قوله: (أول إثنين من الشهر والخميس) ومما جاء في ذلك حديث أبي هريرة المتفق على صحته: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)، ومثله حديث أبي الدرداء الذي أخرجه مسلم في صحيحه قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد).

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحر بن الصياح ]. الحر بن الصياح ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن هنيدة بن خالد ]. هنيدة بن خالد مذكور في الصحابة، وقيل: هو من الطبقة الثانية التي هي طبقة كبار التابعين، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي . [ عن امرأته ]. قال الحافظ : لم أقف على اسمها وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و النسائي . [ عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ]. والمبهم في الصحابة أو المجهول غير المعين لا يؤثر. والحديث هذا مروي عن حفصة وعن أم سلمة ، وأخرجه النسائي عن هنيدة بإسناده فروى عنه كما ذكره أبو داود ، وروي عنه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وروي عنه عن أمه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى كل: أي واحدة منهما سواءً علمت أو جهلت يحصل المقصود بها، فإن الصحابة كلهم عدول، والمجهول منهم في حكم المعلوم.

شرح حديث (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح و مجاهد و مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) فهذا يدلنا على عظم شأن العمل في الأيام العشر، و أبو داود رحمه الله أورده تحت صيام العشر، مستدلاً به على أن الصيام من جملة الأعمال الصالحة، وأنه من بين الأعمال الصالحة التي تدخل تحت هذا الفضل العظيم: (ما من أيام العمل الصالح فيها) والصوم منها، وهذا وجه إيراد أبي داود له في ترجمة صيام العشر، يعني: يدخل في ذلك الصيام، ولكن الصيام كما هو معلوم للتسع؛ لأن العاشر هو يوم العيد، فهذا يدلنا على فضل العمل في تلك الأيام التي هي عشر ذي الحجة، ثم وضح بيان عظم أجرها لما قالوا له: (يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) معنى ذلك: أنه قتل واستشهد وماله ذهب، وهذا يدلنا على عظم أجر العمل في هذه العشر، والحديث رواه البخاري في صحيحه كما رواه غيره.

تراجم رجال إسناد حديث (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح السمان ، واسمه: ذكوان ولقبه: السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في فطر العشر



شرح حديث (ما رأيت رسول الله صائماً العشر قط)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فطر العشر. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صائماً العشر قط) ]. أورد أبو داود الفطر في العشر الذي هو ضد الصيام، يعني: ذكر سابقاً صيام العشر وهنا ذكر فطر العشر، وقد أورد فيه أبو داود حديث عائشة أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط) معناه: أنه يكون مفطراً، وهو يخالف ما تقدم من إرشاده لصوم الشعر وصومه لها، والحديث الأول فيه أنه كان يصوم التسع، والحديث الثاني من قوله يشمل الصيام وغير الصيام، حيث فيه بيان فضل التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، ويدخل فيه الصيام كما أشار إلى ذلك أبو داود في إيراده الحديث في الترجمة، ثم أورد أبو داود ترجمة في الفطر الذي هو عكس ما تقدم، ويجمع بين ما تقدم وبين ما جاء في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون ذلك كان في سفر، أو أنه كان في بعض الأحيان موجوداً ولكنه ما شوهد ذلك منه، وما جاء عنه من القول الدال على فضل الأعمال الصالحة في العشر ومنها الصيام، وكذلك أيضاً من كونه يصوم يدل على فضل صيامه وعلى استحباب صيامه، وكون الإنسان يصومه هو الأولى من كونه لا يصوم؛ لأن ما جاء عن عائشة يحتمل أن يكون كان في سفر، وأنها ما شاهدته وغيره شاهده، فالذي روى الحديث الأول أحد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، إما حفصة و إما أم سلمة ، فإذاً: هي أخبرت حسب علمها، وغيرها أخبر حسب علمه، والمثبت مقدم على النافي.

تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله صائماً العشر قط)


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم ]. مسدد و أبو عوانة مر ذكرهما وإبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
ما جاء في صوم يوم عرفة بعرفة


شرح حديث (أن رسول الله نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم يوم عرفة بعرفة. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري حدثنا عكرمة قال: كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه في بيته فحدثنا: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في صوم يوم عرفة بعرفة] يعني: للحجاج، كونهم يكونون واقفين بعرفة، ثم يصومون يوم عرفة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) وهذا الحديث يدل على أنه لا يصام يوم عرفة للحجاج الذين هم واقفون بعرفة، وإنما يكونون مفطرين لأمرين: اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان مفطراً ولم يكن صائماً. كذلك التقوي على العبادة في ذلك اليوم؛ لأن الصوم يضعف ويجلب الكسل للإنسان، فالأفضل له أن يكون نشيطاً قوياً حتى يستعمل تلك الساعات في الدعاء والابتهال والاستغفار والإقبال على الله عز وجل، ولا يعرض نفسه للكسل والخمول بالصوم، والحديث يوجد من تكلم فيه، فيه بأن من هو مقبول لا يحتج بحديثه إلا عند المتابعة، وأما الإفطار فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان مفطراً. فإذاً: الأولى للإنسان أن يكون مفطراً، لكن لو صامه لا يقال: إنه حرام؛ لأنه ليس هناك شيء يدل على النهي إلا هذا الحديث، وهو حديث غير صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حوشب بن عقيل ]. حوشب بن عقيل ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مهدي الهجري ]. مهدي الهجري مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنا عند أبي هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقد مر ذكره.

شرح حديث أم الفضل (أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول الله..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي النضر عن عمير مولى عبد الله بن عباس : (عن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب) ]. أورد أبو داود حديث أم الفضل بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، واسمها لبابة وهي زوجة العباس ، وأم أولاده، وهي أم الفضل ، وأكبر أولادها وأولاده الفضل رضي الله تعالى عنهم أجمعين، أورد أبو داود حديثها هنا، وهو أن الصحابة تماروا يعني: تكلموا، هل الرسول صائم أم هو مفطر؟ يعني: تحدثوا في هذا، هل هو صائم أم هو مفطر؟ فكان من ذكائها رضي الله عنها وأرضاها أنها أرادت أن تبين للناس بالفعل، فأخذت قدحاً من لبن وقالت: ناولوه إياه، فناولوه إياه وكان راكباً على دابته، واقفاً بعرفة فشرب والناس يرونه، فعرف الناس أنه مفطر، فكان هذا كما يقال: الجواب ما ترى لا ما تسمع، يعني: أم الفضل رضي الله عنها أرادت أن يكون الجواب ما يشاهده الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب اللبن ولا يرده، فأعطوه إياه فشربه صلى الله عليه وسلم والناس يرون، فعرفوا أنه مفطر، فهذا يدلنا على أن الأولى والأفضل في حق الواقفين بعرفة أن يكونوا مفطرين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً ليتقووا على الدعاء والذكر في ذلك اليوم العظيم.

تراجم رجال إسناد حديث أم الفضل (أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول الله ...)


قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك ]. مر ذكرهما. [ عن أبي النضر عن عمير مولى عبد الله بن عباس ]. أبو النضر مر ذكره و عمير مولى عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أم الفضل بنت الحارث ]. أم الفضل هي لبابة بنت الحارث الهلالية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 346.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 340.61 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]