شرح كتاب الحج من صحيح مسلم - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4929 - عددالزوار : 2009030 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4503 - عددالزوار : 1290384 )           »          ابن عمي يتحرش بي (اخر مشاركة : محمدمفسرالاحلام - عددالردود : 1 - عددالزوار : 784 )           »          تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 709 - عددالزوار : 141470 )           »          حياة القلوب - قلوب الصائمين انموذجا**** يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 49 )           »          حقوق العمالة وواجباتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          طهر قلبك من الحسد! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          البرنامج التأصيلي العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 10199 )           »          من يحمي المجتمع من عدوى الإعلانات؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-06-2025, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الاشْتَراكُ في الهَدْي


  • الهَدْيُ والنَّحْرُ مِنْ شَعائرِ الحَجِّ وفيه قُربَةٌ للهِ وإطعامٌ للفُقَراء والمساكين وقدْ بيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحكامَه وأنَّه يَصِحُّ أنْ يَشتَرِكَ سَبْعَةُ أشخاصٍ في بَدَنَةٍ واحدةٍ وتُجزِئُ عنْهم
عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ والبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، الحديث رواه مسلم في الحج (2/955) باب: الاشْتراك في الهدي، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة.
في هذا الحديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عبداللهِ -رَضِي اللهُ عنهما- أنَّهم عِندما كانوا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الحجِّ، أَمَرَهم رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يشْتركَ في الإبِلِ والبَقَرِ، كلُّ سَبعةٍ منْهم في بَدَنةٍ، وهذا يَعني: أنَّ الهَدْيَ إذا كان جَمَلًا أو بَقرةً، أجْزَأَ فيه أن يَشترِكَ فيها سَبعةٌ، وفي رِواية أُخرى عندَ مُسلمٍ: «اشتَرَك كلُّ سَبْعةٍ منْهم في بَدَنَةٍ». والبَدَنةُ: تكونُ مِن الإبلِ خاصَّةً، وقيل: البُدْنُ تُطلَقُ على الإبلِ والبقَرِ.
وفي رواية له: فقال رجُلٌ لجابرٍ: «أَيُشْتَرَكُ في البَدنةِ، ما يُشتَرَكُ في الجَزُورِ؟» والجَزُورُ: هو الصَّغِيرُ مِن الجِمَالِ، وقيل: إنَّ البَدَنةَ هي الَّتي تُهدَى للبيتِ قبْلَ الإحرامِ بالنُّسُكِ، وأمَّا الجَزورُ فهو ما اشْتُرِيَ مِن الإبِلِ وأُهدِيَ للبيتِ بعْدَ الإحرامِ، ولذلك سَألَ الرَّجلُ عنها: وهلْ يَجوزُ الاشْتراكُ فيها أيضًا؟ فقال له جابرٌ: «ما هي إلَّا مِن البُدْنِ» أي: إنَّ الجَزُورَ لَمَّا اشتُرِيَت للنُّسُكِ صار حُكمُها كالبُدْنِ.
حضور جابر - رضي الله عنه - الحديبية
وأخبَرَ أبو الزُّبيرِ- وهو راوي الحديثِ عن جابرٍ - رضي الله عنه - أنَّ جابرًا قد حضَر الحُدَيْبِيَةَ، وهي الواقعةُ الَّتي مُنِع فيها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - والمسلِمون مِن دُخولِ مَكَّةَ لأداءِ العُمرةِ، فحَلَّ ونَحَر الهَدْيَ في مكانِه الَّذي أُحصِرَ فيه، وكانت في السَّنةِ السَّادسةِ مِن الهجرةِ، والحُدَيبيَةُ اسمٌ لبِئرٍ يقَعُ بالقُربِ مِن مكَّةَ على بُعدِ حوالَيْ 20 كم على طَريقِ جُدَّةَ القَديمِ.
وأخبَرَ جابرٌ - رضي الله عنه - أنَّهم نَحَروا يومئذٍ سَبعينَ بَدَنةً، اشترَكَ كلُّ سَبعةٍ في بَدَنةٍ، وفي رِوايةٍ: «فأَمَرَنا» أي: النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - «إذا أَحْلَلْنا أنْ نُهدِيَ، ويَجتمِعَ النَّفَرُ منَّا في الهَدِيَّةِ» أي: يَشترِكَ الجماعةُ إلى السَّبعةِ في البَدَنةِ الواحدةِ، «وذلك حينَ أمَرَهم أنْ يَحِلُّوا مِن حَجِّهم» أمَّا الحجُّ فأراد به حَجَّةَ الوداعِ، وأمَّا العمرةُ فأراد بها عُمرةَ الحُدَيبيةِ، كما يُشيرُ إليه قولُه: «وحضَرَ جابرٌ الحُدَيبيةَ».
فوائد الحديث
  • مَشروعيَّةُ اشتراكِ السَّبعةِ في البَدَنة الواحدةِ، لإهْدائِها للحجِّ.
  • أنّ الهَدْيُ والنَّحْرُ مِنْ شَعائرِ الحَجِّ، وفيه قُربَةٌ للهِ، وإطعامٌ للفُقَراء والمساكين، وقدْ بيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحكامَه، وأنَّه يَصِحُّ أنْ يَشتَرِكَ سَبْعَةُ أشخاصٍ في بَدَنَةٍ واحدةٍ وتُجزِئُ عنْهم.
باب: الهَدْي مِنَ البَقَر
عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ النَّحْرِ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/956) الباب السابق، ورواه البخاري في كتاب الحَج (1709): باب ذَبحُ الرجلِ البَقر عن نِسَائه منْ غيرِ أمْرهنّ.
رواه عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- تقول: خرجنا مع رسُول الله -صلى الله عليه وسلم - لخَمْسٍ بقين من ذي القعدة لا نَرَى إلا الحجّ، فلمّا دَنَونا مِنْ مكّة، أمَرَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لمْ يكنْ مَعَه هَدْيٌ، إذا طَافَ وسَعَى بينَ الصّفَا والمَرْوة أنْ يُحلّ. قالت: فدُخلَ علينا يومَ النّحر بلَحْمِ بَقَر، فقلتُ: ما هذا؟ قال: نَحَرَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم - عن أزْواجه.
قال الحافظ: قوله: باب: ذَبْح الرّجل البَقَر عن نِسائه مِنْ غيرِ أمْرِهنّ، أمّا التّعبير بالذّبح مع أنّ حديث الباب بلفظ النّحر، فإشارةٌ إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ «الذّبح»، ونَحْرُ البقر جائزٌ عند العلماء، إلا أنّ الذّبحَ مُسْتحبٌ عندهم، لقوله -تعالى-: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (البقرة:67). وخالف الحسن بن صالح فاستحبّ نَحْرها.
قوله: «مِنْ غيرِ أمْرهِنّ»
وأما قوله: «مِنْ غيرِ أمْرهِنّ» فأخَذه منْ اسْتفهام عائشة عن اللّحم، لمّا دَخَل به عليها، ولو كان ذَبَحه بِعِلْمها، لمْ تَحتَج إلى الاسْتفهام، لكنْ ليسَ ذلك دافعاً للاحتمال، فيجوز أنْ يكونَ علمُها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك.
قولها: «فدُخلَ علينا»
وقولها: «فدُخلَ علينا» بضم الدال على البناء للمَجْهول. «بلَحْم بَقر» قال ابنُ بطّال: أخذ بظاهره جَماعة، فأجازُوا الاشْتراك في الهَدْي والأضْحية، ولا حُجّة فيه؛ لأنّه يحتمل أنْ يكون عن كلّ واحدةٍ بَقرة، وأمّا رواية يونس، عن الزهري عن عمرة عن عائشة: أنّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم - نحر عن أزواجه بقرة واحدة. فقد قال إسماعيل القاضي: تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره اهـ.
فتعقّبه الحافظ بقوله: رواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، ويونس ثقةٌ حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضاً، ولفظه أصْرح من لفظ يونس، قال: ما ذبح عن آل مُحمّد في حجّة الوداع إلا بقرة. وروى النسائي أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: ذَبَحَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عمّن اعْتَمرَ مِنْ نِسائه في حَجّة الوداع بقرة بينهن. صحّحه الحاكم، وهو شاهدٌ قويٌ لرواية الزهري.
قال: واستدلّ به على أنّ الإنْسان قد يلحقه مِنْ عَملِ غيرِه، ما عَمِله عنه بِغيرِ أمْره، ولا عِلْمه، وتُعقّب باحْتِمال الاسْتئذان كما تقدم في الكلام على التّرجمة.
وفيه: جَوازُ الأكل مِنَ الهَدْي والأضْحية، وسيأتي نقلُ الخِلاف فيه. انتهى مختصراً.
وقيل: فيه إشْكال أنّ زوجات النّبي - صلى الله عليه وسلم - كنّ تسعة، والبَقَرة لا تجزئ إلا عن سبعة، لكن قد يقال: إنّ الثّنتين الباقيتين ذبح عنهنّ شاة شاة، والله أعلم.
تعظيم الله -عزّوجل-
من عظم الله -سبحانه- وقدره حق قدره، تحقق فلاحه ونجاحه وسعادته في دنياه وأخراه، بل إنَّ تعظيمه -سبحانه- أساس الفلاح، وكيف يفلح ويسعد قلب لا يعظم ربه وخالقه وسيده ومولاه؟! ومن عظم الله عرف أحقية الله -عزّ وجل- بالذل والخضوع والخشوع والانكسار له، وعظّم شرعه، وعظّم دينه، وعرف مكانة رسله.
وهذا التعظيم لله -سبحانه- يعد أساسا متينا يقوم عليه دين الإسلام، بل إن روح العبادة في الإسلام هو التعظيم، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - (سيد ولد آدم إمام الأولين والآخرين وقدوة الخلائق أجمعين وأتقى الناس لرب العالمين) أنه -صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم -: «سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم -: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ -عزّ وجل-»، وكان -صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه: «سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ»، ويقول في سجوده: «سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى»، ويقول -صلى الله عليه وسلم -: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»، ومن أسماء ربنا وخالقنا ومولانا الحسنى «العظيم»، وهو -جل وعلا- عظيم في أسمائه، وعظيم في صفاته ، وعظيم في أفعاله، وعظيم في كلامه، وعظيم في وحيه وشرعه وتنزيله، بل لا يستحقّ أحدٌ التّعظيم والتكبير والإجلال والتمجيد غيره، فيجب على العباد أن يعظّموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبّته والذّل له والخوف منه، ومن تعظيمه -سبحانه- أن يطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ومن تعظيمه وإجلاله أن يخضع لأوامره وشرعه وحكمه، وألا يُعترض على شيء من شرعه، وهو -جل وعلا- عظيم مستحق من عباده أن يعظموه حق التعظيم ، وأن يقدروه حق قدره ، قال الله -تعالى-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر:67)، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك؛ فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه؛ تصديقاً لقول الحبر! ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-07-2025, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم



شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: نَحرُ البُدْن قِيَامًا مُقَيَّدَةً


  • أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدم إعطاء الجَزّار من الهدي لأنّ عطيّته كانت عِوضَاً عن عَمله فيكون في معنى بيع جزءٍ منْها وذلك لا يجوز
  • قولَ الصَّحابيِّ: مِن السُّنَّةِ كذا يأخُذُ حُكمَ الرَّفْعِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو كذلك عند الشيخين
عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَتَى عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً؛ فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم في الحج (2/956) باب: نحر البُدن قياماً مقيدة، ورواه البخاري في كتاب الحج (1713) باب: نحر الإبل مقيدة. في هذا الحَديثِ يَروي التابعيُّ زِيادُ بنُ جُبَيْرٍ: أنَّه رَأى عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- وقدْ مرَّ على رجُلٍ، لم يُذكر اسمه، «وهو ينحر بدَنتَه باركة» زاد أحمد: «ليَنْحرَها بمنَى»؛ أي: قد أقعدها ليَنحرها وهي باركة على الأرض، والبَدَنةُ: تكونُ مِن الإبلِ خاصَّةً.
«ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً»
فَقَالَ: «ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً» «ابعثها» أي: أثِرْها وأقمها، يقال: بَعثتُ الناقة أثرتها، قوله: «قِيَاماً مُقيّدة» أي: معقولة الرجل، قائمة على ما بقي من قوائمها، ولأبي داود: من حديث جابر: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - وأصْحابه كانوا يَنْحرُون البدنة، مَعْقولة اليُسْرى، قائمةً على ما بَقِي منْ قوائمها. وروى سعيد بن منصور: عن سعيد بن جبير: رأيتُ ابنَ عُمر يَنْحرُ بدنته، وهي معقولة إحدى يديها، فأمَرَه ابنُ عُمَرَ وأرْشَدَه أنْ يَجعَلَها واقفةً مُقيَّدةً مَربوطةَ اليَدِ اليُسرى، ثمَّ يَنحَرَها قائِمةً، وبيَّن له أنَّ ذلك هو سُنَّةُ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: «سنّة محمد» بنصب سنة بعامل مضمر، كالاختصاص، أو التقدير: مُتّبعاً سُنّة محمد. ونحْرُ الإبلِ: هو أنْ يَضرِبَها بحَربةٍ أو سكين في الوَهْدةِ التي بيْن أصلِ عُنُقِها وصَدْرِها. وقيل: إنَّ الحِكمةَ في تَخْصيصِ الإبِلِ بالنَّحْرِ قائمةً، هو طُولُ العُنُقِ؛ إذْ لو ذُبِحَت قريبًا مِن الرَّأسِ، لكان مَجرَى الدَّمِ مِنَ القَلبِ إلى محَلِّ الذَّبحِ بعيدًا، فلا يُساعِدُ على إخراجِ جَميعِ الدَّمِ بيُسرٍ، بخلافِ النَّحْرِ في آخِرِ العُنقِ، فإنَّه يُقَرِّبُ المسافةَ ويُساعِدُ القَلبَ على دَفْعِ الدَّمِ كُلِّه، أمَّا البقرُ والغَنَمُ فالذَّبحُ مُناسِبُ لهما.
فوائد الحديث
  • استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة.
  • تَعليمُ الجاهِلِ، وعدَمُ السُّكوتِ على مُخالَفةِ السُّنَّةِ وإنْ كان مُباحًا.
  • وفيه: أنَّ قولَ الصَّحابيِّ: مِن السُّنَّةِ كذا، يأخُذُ حُكمَ الرَّفْعِ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو عند الشيخين كذلك، لاحْتجاجهما بهذا الحديث في صحيحيهما.
باب: الصّدقة بلُحُوم الهَدْي وجِلالها وجُلُودها
عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وجُلُودِهَا وأَجِلَّتِهَا، وأَنْ لَا أُعْطِيَ الجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا». رواه مسلم في الحج (2/954) وبوب عليه النووي، بمثل ما بوّب المنذري.
في هذا الحَديثِ يروي علِيُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَه وهو في الحجِّ، لِيَتولِّي أمْرَ البُدْنِ الَّتي جَعَلَها هَدْياً، في ذَبْحِها وتَفرِقتها على الفُقراءِ. وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ: «أهْدى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِئةَ بَدَنةٍ». وفي صَحيحِ مُسلمٍ: مِن حَديثِ جابرٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نحَرَ ثَلاثًا وسِتِّينَ بيَدِه، ثمَّ أعْطى علِيًّا، فنَحَرَ ما غَبَرَ-أي: ما بَقِيَ-، وأشْرَكَه في هَدْيِه إلى المنحَرِ». والبُدْنُ: جمْعُ بَدَنةٍ، وهي بَهيمةُ الأنعامِ التي تُهْدى إلى البيتِ الحرامِ للتَّقرُّبِ بها إلى اللهِ -تعالى-، وتكونُ مِن الإبلِ خاصَّةً، وقيل: البُدْنُ تُطلَقُ على الإبلِ والبقَرِ. وأمَرَه - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَقسِمَ لُحومَها في المساكِينِ فقَسَمَها، ثمَّ أمَرَه أنْ يَقسِمَ جِلالَها وجُلودَها فقَسَمَهما، والجِلالُ: ما تَلبَسُه الدَّابَّةُ مِن كِساءٍ وقِلادةٍ ونحْوِها، وذلك لئلَّا يَعودَ إليه منها شَيءٌ؛ لأنَّه أخْرَجَها للهِ.
التجليل سُنّة
قال القاضي: التجليل سُنّة، وهو عند العلماء مُختصٌّ بالإبل، وهو ممّا اشْتُهر من عمل السلف، قال: وممّن رآه مالك والشافعي وأبوثور وإسحاق. قالوا: ويكون بعد الإشعار لئلا يتلطخ بالدم، قالوا: ويُستحبّ أنْ تكون قيمتها ونفاستها بحسَب حال المُهدي، وكان بعض السلف يُجلّل بالوشي، وبعضهم بالحبرة، وبعضهم بالقباطي والملاحف والأزر، قال مالك: وتشق على الأسنمة إنْ كانت قليلة الثمن، لئلا تسقط، قال مالك: وما علمت مَنْ تَرَك ذلك إلا ابن عمر، اسْتبقاء للثياب، لأنّه كان يُجلّل الجلال المرتفعة من الأنماط والبرود والحبر. قال القاضي: وفي شقّ الجِلال على الأسنمة فائدة أخرى، وهي إظْهار الإشْعار لئلا يَسْتتر تحتها. انتهى. وكذلِك أمَرَه ألَّا يُعْطي الجَزَّارَ شَيئاً منْها أجرةً على عَمَلِه فيها، فإعطاءُ الجَزَّارِ شَيئاً منها عِوَضًا مِن فِعلِه وذَبْحِه بَيعٌ، ولا يَجوزُ بَيعُ شَيءٍ مِن لَحْمِها، وأمَّا إعطاؤه صَدَقةً، أو هَديةً، أو زِيادةً على حقِّه، فلا حَرَجَ فيه. قال النووي: ومذهبنا أنّه لا يجوزُ بَيعُ جلدِ الهَدْي ولا الأضْحية، ولا شيء مِنْ أجزائهما، لأنّها لا ينتفع بها في البيت ولا بغيره، سواءً كانا تطوعاً أو واجبتين، لكن إنْ كانا تطوعاً، فله الانتفاع بالجلد وغيره باللبس وغيره، ولا يجُوز إعْطاء الجزار منْها شيئاً بسببِ جزارته، هذا مذهبنا، وبه قال عطاء والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق...
فوائد الحديث
  • جواز التَّوكيل في القِيامِ على الهَديِ والأضَاحي، مِنْ شرائه، وذَبْحِه، وقِسْمة لَحمِه، وغيرِ ذلك.
  • وفيه: جواز الاسْتِئجار على النّحر ونحوه.
  • وأنّه يتَصَدّق منْ لُحُومها وجلودها وجلالها.
  • وفيه: عدَمُ جواز بَيعِ ما أُخرِجَ للهِ -تعالى-، ولو جُزء منه.
  • فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَه ألا يُعْطى الجَزّار منْها؛ لأنّ عطيّته كانت عِوضَاً عن عَمله، فيكون في معنى بيع جزءٍ منْها، وذلك لا يجوز.
  • وأنّها تجلّل، واسْتَحبوا أنْ يكونَ جَلالاً حَسَناً.
  • وفي الحديث: الصدقة بالجلال.
محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان
إن محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أوثق عرى الإيمان، ومن أعظم درجات الدين، وهي دالة على صدق إيمان الإنسان، ولما كانت هذه المحبة أهم الحقوق الواجبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، جعلها الله فوق محبة الإنسان لنفسه، وأهله، وماله، والناس أجمعين كما قال الله -تعالى-: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة:24) فهذه الآية دليل واضح على وجوب تقديم حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحقه على كل حب وحق، وليت شعري أين نحن من هذه الآيـة؟! قال القاضي عياض: «كفى بهذه الآيـة حضا وتنبيهاً، ودلالة وحجة على لزوم محبته، ووجوب فرضها، واستحقاقه لها - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ قرع -تعالى- من كان ماله، وأهله، وولده، أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله -تعالى-: فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله». إن هذه الآية لم تجعل الواجب على الناس حب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط! بل ذهبت إلى ما هو أعلى من ذلك ألا وهو أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من الأموال، والأولاد، والإخوان، والأزواج! ويتطلب ذلك أن يقتدي الإنسان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في شؤون حياته، وهو متابعته، وعدم مخالفـة سنته كما قال -تعالى-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31)، ومما يدل على أن محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-12-2024, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ما يلزم مَنْ أحْرَمَ بالحَجّ ثمّ قَدِمَ مكّة مِنَ الطّوافِ والسّعي



  • كان التَّابِعونَ يَسألونَ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم فيما أشكَلَ عليهم مِن شَرائِعَ وعِباداتٍ وكانوا مِنْ أحرَصِ النَّاسِ على تَعلُّمِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ [ واتباعها
  • الجِماع مِن مَحظوراتِ الإحرامِ بل هو أشَدُّها حتى يَقضيَ المُحرِمُ مَناسِكَه ويَحِلَّ منها فلا يجوز الجِماع للمُحْرم بالحج أو العمرة حتى يَتحلّل وإذا جامع في العُمرة قبل الفراغ منْ سعيها فسَدَت العمرة
عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟»، وفي رواية: رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحْرَم بالحجّ، وطَافَ بالبيت، وسَعَى بينَ الصّفا والمَرْوة.
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعاً، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وفي الباب حديثان، رواهما مسلم في الحج (2/905) وبوّب عليه بمثل تبويب المصنف.
الحَديثِ الأول
في الحَديثِ الأول: يَرْوي التَّابِعيُّ وَبَرةُ بنُ عبدالرَّحمنِ الكوفيُّ أنَّ رجُلًا سَأل عبداللهِ بنَ عُمرَ -رضي الله عنهما-: هَل يصِحُّ أنْ أَطُوفَ بالْبَيتِ بعدَ الإِحْرامِ، وقبلَ الوُقوفِ بعَرفةَ؟ وفي رواية لمُسلم: «وقد أحرَمتُ بالحجِّ» أي: أفرَدَ الإحْرامَ بالحجِّ، ولمْ يكنْ مُتمتِّعًا ولا قارِناً، سألَه ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما-: وأيُّ شيءٍ يَمنعُكَ مِن أنْ تَبدأَ بالطَّوافِ؟! وهذا دَليلٌ عَلى مُوافَقةِ ابنِ عُمرَ عَلى مشروعيّة الطَّوافِ أوَّلًا. فقالَ الرَّجلُ السَّائلُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ؟ وفي رواية: «إنِّي رأيتُ ابنَ فُلانٍ» يقصِدُ عبداللهِ بنَ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- «يَكرهُهُ» أي: كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يَنهى عن الِابْتداءِ بالطَّوافِ، قبلَ قُدُومِ عَرَفةَ. فقَالَ له ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟». وفي رواية لمسلم: «وأنتَ أَحبُّ إلينا مِنه، رأينَاه قدْ فتَنَته الدّنيا» يقصِدُ أنَّه يقدِّمُ قولَ ابنِ عُمرَ على قولِ ابنِ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهم-، مُدَّعيًا أنَّ ابنَ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قد فَتنَتْه الدُّنيا؛ لأنَّه كان واليًا على البَصرةِ من قِبَلِ ابنِ عمِّه عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -، والوِلاياتُ تكونُ محلَّ الخطَرِ والفِتْنةِ، وأمَّا ابنُ عُمَرَ فلم يتوَلَّ شيئاً. فقال له ابنِ عُمرَ -رضي الله عنهما-: «وأيُّنا لمْ تَفتِنْه الدُّنيا» وهذا مِن إنْصافِه، وتَواضُعِه وزُهدِه، وردّه على طَعنِ الرَّجلِ على ابنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنه -، وبَيانًا منه لفَضلِ عبداللهِ بنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما. ثُمَّ أخبَرَ ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْرمَ بالحجِّ، وَطافَ بالبَيتِ طوافَ القُدومِ سَبعةَ أشْواطٍ، وسَعى بينَ الصَّفا والمَروةِ، يَعني: أنَّه ابتدَأَ بالطَّوافِ والسَّعيِ قبلَ الخُروجِ إلى مِنًى وعَرفةَ. قالَ العلماء: إنْ كان المُحْرِمُ مُفرِدًا بالحجِّ، وقَعَ طَوافُه هذا للقُدومِ، وإنْ كان مُفرِداً بالعُمرةِ أو مُتمتِّعاً أو قارِنًا، وقَعَ عن طَوافِ العُمرةِ نَواه له أو لغَيرِه، وعلى القارِنِ أنْ يطوفَ طَوافًا آخَرَ للقُدومِ. والمشهورُ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أحرَمَ قارِنًا لحَجَّةٍ وعُمرةٍ معًا، فكان طوافُه - صلى الله عليه وسلم - لعُمرتِه، ثُمَّ أُدخِلتِ العُمرةُ في أعْمالِ الحجِّ. وقد ذكر الصحابي الجليل ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- للرَّجلِ قاعدةً يتَّبِعُها في طلَبِه للعِلمِ، وهي أنَّ سُنَّةَ اللهِ وسُنَّةَ رَسولِه - صلى الله عليه وسلم - أَحقُّ وأوْلى في الاتِّباعِ مِن قولِ فلان، وسُنَّةِ فُلانٍ. وقولُه: «إنْ كُنتَ صادِقًا» مَعناه: إنْ كُنتَ صادِقًا في اتِّباعِكَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلا تَعدِلْ عن فِعلِه.
فوائد الحديث
  • وَرَعُ الصَّحابةِ عنِ خَوضِ بَعضِهم في أعْراضِ بعضٍ.
  • وفيه: عَدمُ القَبولِ بتَزكيةِ النَّفْسِ في مَعرِضِ ازْدِراءِ الآخَرينَ.
الحديث الثاني
الحديث الثاني رواه البخاري في العمرة (1793) باب: متى يَحلُّ المعتمر؟ وفي هذا الحَديثِ يَروي التَّابِعيُّ عَمرُو بنُ دِينارٍ أنَّهم سَألوا عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: هل يَجوزُ أنْ يُجامِعَ الرَّجُلُ زَوجتَه وهو في العُمرةِ قَبلَ السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ؟ ومعلومٌ أنَّ الجِماعَ مِن مَحظوراتِ الإحرامِ بل هو أشَدُّها حتى يَقضيَ المُحرِمُ مَناسِكَه ويَحِلَّ منها، فلا يجوز الجِماع للمُحْرم بالحج أو العمرة، حتى يَتحلّل، وإذا جامع في العُمرة قبل الفراغ منْ سعيها، فسَدَت العمرة، ولزم المضي والاستمرار فيها، ثم قضاؤها من مكان الإحْرام بالأولى، مع ذبح شاةٍ عن كلّ واحدٍ منكما، تُذبحُ وتُوزع على فقراء مكة.
وأمّا الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير، فلا تفسد به العمرة، لكن تلزم فيه الفدية على التخيير. فأخبَرَه ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ، فطافَ بالبَيتِ الحرامِ سَبعةَ أشواطٍ، ثم صلَّى رَكعتَيْنِ خَلفَ مَقامِ إبراهيمَ، ثم سَعى بَينَ الصَّفا والمَروةِ، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)، يُريدُ ابنُ عُمَرَ بذلك: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يكُنْ يَفعَلُ شيئًا مِمَّا ذكَرَه السَّائِلُ قَبلَ السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ.
وَجهُ الاستِدلالِ
ووَجهُ الاستِدلالِ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ العُمرةَ شَيئًا واحِدًا له أجزاءٌ: الطَّوافُ والصَّلاةُ خَلفَ المَقامِ، والسَّعيُ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، ثم الحلق أو التقصير، فهذه أجزاءُ العُمرةِ، فلا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ الرَّجُلُ على زَوجتِه بَينَ أجزائِها. وقد سألَ عَمرُو بنُ دِينارٍ جابِرَ بنَ عبداللهِ -رضي الله عنهما- أيضًا عن ذلك، فقال له جابِرٌ - رضي الله عنه -: لا يَقرَبِ الرَّجُلُ امرأتَه حتى يَطوفَ بَينَ الصَّفا والمَروةِ». رواه البخاري (1794)، أي: حتى يُتِمَّ عُمرَتَه بكُلِّ نُسُكِها، ويَحلِقَ أو يُقصِّرَ شَعرَه، ثم له أنْ يَتحلَّلَ ويُباشِرَ ما يَحِلُّ له.
فوائد الحديث
  • مَشروعيَّةُ إطلاقِ لَفظِ (الطَّوافِ) على السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ.
  • كان التَّابِعونَ يَسألونَ الصَّحابةَ -رَضيَ اللهُ عنهم- فيما أشكَلَ عليهم مِن شَرائِعَ وعِباداتٍ، وكانوا مِنْ أحرَصِ النَّاسِ على تَعلُّمِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واتباعها.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-01-2025, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

– باب: في الوقوف بعرفة، وقوله -تعالى-: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}


  • الوقوف بعرفة كان مِنْ شريعة إبراهيم عليه السلام فكانت العرب متمسكة به إلا ما كان مِنْ قريش فهدى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إليه
  • كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتعبَّدُ اللهِ على الفِطرةِ الخالِصةِ والدِّينِ القَويمِ ويَتحَرَّى فِعلَ ما كان يَفعَلُه أبوه الخَليلُ إبراهيمُ عليه الصلاة والسَّلامُ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَيَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ. (البقرة:199)، وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَقُلْت:ُ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمِنْ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا؟ وكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنْ الْحُمْسِ. في الباب حديثان، رواهما مسلم في الحج (2/893-894) وبوّب عليه بمثل تبويب المنذري.
الحديث الأول
حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كانت قريش وَمن دَان دينهَا» أَي: كانت قبيلة قريش ومن كان على دين قُرَيْش. قَالَ الْخطابِيّ: الْقَبَائِل الَّتِي كَانَت تدين مَعَ قُرَيْش هم: بَنو عَامر بن صعصعة، وَثَقِيف، وخزاعة.
وكان يُفيضُ جَماعةُ النَّاسِ -غيرَ الحُمْسِ- مِن عَرَفاتٍ، وتُفيضُ الحُمْسُ مِن جَمْعٍ، وهي المُزدَلِفةُ، ولا يَتجاوَزونَها إلى عَرَفةَ؛ لِئلَّا يَخرُجوا عن حُدودِ الحَرَمِ الذي شَرَّفَهمُ اللهُ بسُكناه، وجَعَلَه عِصمةً لدِمائِهم وأموالِهم، هكذا زين لهم الشيطان، وعَرَفةُ ليسَتْ مِنَ الحَرمِ، وَكَانُوا إِذا أَحْرمُوا لَا يتناولون السّمن والأقط، ولَا يدْخلُونَ من أَبْوَاب بُيُوتهم، وكَانُوا يُسمون الْحمس؛ لأَنهم تحمّسوا فِي دينهم وتصلّبوا، والحماسة الشدَّة.
قَوْله: {ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وقَوْله: {ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} أي: سَائِر الْعَرَب غير الحمس، وَقيل: المُرَاد بالنَّاس آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-، وَقيل: إِبْرَاهِيم، -عَلَيْهِ السَّلَام-، وقُرئ شاذّاً {من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِ} يَعْنِي: آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-.
ويَحكي عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ خالَتَه أُمَّ المُؤمِنينَ عائِشةَ -رضي الله عنها- أخبَرَتْ أنَّ آيةَ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (البقرة: 199). نزَلَتْ في الحُمْسِ، لِأنَّهم كانوا يُفيضونَ مِن جَمْعٍ مِنَ المُزدَلِفةِ، وهي المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بَعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، ويَبِيتونَ فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَيِ (1 كم)، فأُمِروا بالذَّهابِ إلى عَرَفاتٍ، لِيَقِفوا بها، ثم يُفيضوا منها إلى مُزدَلِفةَ مع بَقيَّةِ النَّاسِ، وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يَقَعُ على الطَّريقِ بَيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، يَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيِ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدَلِفةَ. فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ترك ما كان في الحَجِّ مِن أعمالِ الجاهليَّةِ، وأقَرَّ ما أمَرَه اللهُ -سُبحانَه وتعالى- بإقرارِه.
معنى الحديث
فمعنى الحديث: أنّ الإسلام قد غيَّر كثيراً من عادات الجاهلية وبيّن خَطأها، كما غير عاداتهم في أثناء الحجّ والعمرة، فكانت قريش ومَنْ اعتقد اعتقادها، وأخذ مأخذها من قبائل العرب، كخزاعة وبني عامر وغيرهم، يقفون بالمزدلفة لا يتجاوزونها، بل يُفيضُون منها إلى منى؛ وذلك لأنّ الشيطان اسْتهواهم، فقال لهم: إنكم إنْ عظَّمتم غيرَ حَرَمكم، استخفّ الناس بحَرَمكم! فكانوا لا يخرجُون مِنَ الحَرم، وهذا منْ جُملة ما غيّروه منْ دين إبراهيم -عليه السلام-. وكانوا يلقّبُون بالحُمْس، وسمّوا بذلك لما شدّدوا على أنفسِهم، وكانوا إذا أهلّوا بحجٍ أو عُمرة لا يأكلون لحْماً، وإذا قدِموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم. وكان بقية العرب غير الحُمْس، ومَنْ دانَ دينها يقفون بعرفة على العادة القديمة، والطريقة المستقيمة الموروثة عن إبراهيم -عليه السلام-، فلما جاء الإسلام أمَرَ الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم - أنْ يأتي عَرَفات، فيقف بها اتّباعاً لدَين إبراهيم -عليه السلام-، ثمّ يدفع مِنْ عَرَفات إلى المزدلفة، فذلك قوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي: ادْفعوا أنفسكم، أو مطاياكم يا معشر قريش، من عرفات إلى مزدلفة مع بقية الناس.
من فوائد الحديث
  • وجُوب الوقُوف بعرفة، وأنّ الحجّ لا يتِمُّ إلا به.
  • بيان تفسير هذه الآية الكريمة {ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} وذلك أنّ قريشاً امتنعت منَ الوقُوف بعَرفة؛ لكونه خارج الحَرم، فأمروا به، فالمراد بالإفاضة: الإفاضة منْ عَرفة، وإن كان ظاهر سياق الآية أنها الإفاضة منْ مزدلفة؛ لأنها ذكرت بلفظة «ثم» بعد ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام.
  • الوقوف بعرفة كان مِنْ شريعة إبراهيم -عليه السلام-، فكانت العرب متمسكة به، إلا ما كان مِنْ قريش، فهدى الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم - إليه.
الحديث الثاني
في هذا الحَديثِ أيضًا: يَحكي جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ -صلى الله عليه وسلم - أنَّه ضَيَّعَ بَعيرًا له، فذَهَبَ يَطلُبُه يَومَ عَرَفةَ -وذلك في الجاهليَّةِ قبل الإسلام- حتى وَصَلَ إلى عَرَفاتٍ، فرأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - واقِفًا بعَرَفةَ كسائِرِ القَبائِلِ العَربيَّةِ الأُخرى غيرَ قُرَيشٍ وما شابَهَها، فقال: هذا واللهِ مِنَ الحُمْسِ، يُشيرُ بذلك إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، لِأنَّ الحُمْسَ هم: قُرَيشٌ، وكِنانةُ، وجَديلَةُ، سُمُّوا بذلك، لِتَحمُّسِهم وتَشَدُّدِهم في دِينِهم، ومحمدٌ -صلى الله عليه وسلم - منهم؛ لِأنَّه قُرَشيٌّ، فما بالُه يَقِفُ ها هُنا في عَرَفاتٍ وهو مِنَ الحُمْسِ؟! والحُمْسُ إنَّما يَقِفونَ بِمُزدلِفةَ ولا يَتجاوَزونَها إلى عَرَفةَ، لِئلَّا يَخرُجوا عن حُدودِ الحَرَمِ، وعَرَفةُ ليسَتْ مِنَ الحَرَمِ. والمُزدَلِفةُ: المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بَعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، ويَبِيتونَ فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَيِ (12 كم).
وكانَتْ طَوائِفُ العَرَبِ تَقِفُ في مَوقِفِ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ- مِن عَرَفةَ، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أنْ يَقتفيَ أثَرَ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-، ثم كان وُقوفُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - -بَعدَ البَعثةِ- مع طَوائِفِ العَرَبِ بعَرَفةَ، لِيَدعُوَهم إلى الإسلامِ، وما افترَضَ اللهُ عليه مِن تَبليغِ الدَّعوةِ وإفشاءِ الرِّسالةِ.
فوائد الحديث
  • مُخالَفةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - لِمَا كان عليه أهلُ الجاهليَّةِ، مِمَّا خالِفوا فيه دِينَ إبراهيمَ -عليه الصلاة والسَّلامُ-.
  • كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَحفوظًا مِنَ اللهِ -سُبحانَه- قَبلَ البَعثةِ، وبَعدَها، وكان يَتعبَّدُ للهِ على الفِطرةِ الخالِصةِ، والدِّينِ القَويمِ، ويَتحَرَّى فِعلَ ما كان يَفعَلُه أبوه الخَليلُ إبراهيمُ -عليه الصلاة والسَّلامُ-.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-05-2025, 06:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم



شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في الحَلْق والتّقصير


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ولِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه،ِ ولِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: «ولِلْمُقَصِّرِينَ». (1302/320)، الحديث رواه مسلم
في هذا الحديثِ يَحكي ابنُ عمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كرَّرَ الدُّعاءِ للذينَ يَحلِقون شَعْرَهم في مَناسِكِهم، أنْ يَرحَمَهم اللهُ -تعالى-، وكان ذلك في حَجَّةِ الوداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، أو في عامِ الحُديْبيَةِ، أو فيهما جميعًا، فسَأَلَه الصَّحابةُ أنْ يَدْعو للمُقصِّرين مِثلَ ما دَعا للمُحلِّقين، فأجابَهُم لذلك وقال: «والمُقصِّرين»، لكن بعد المرَّةِ الثالثةِ. والحلْقُ: هو إزالةُ شَعرِ الرَّأسِ بالكُلِّيةِ، والتَّقصيرُ: هو قصُّ أطْرافِ شَعرِ الرأسِ، فدلَّ ذلك على مَشروعيَّةِ الأمرَين، إلَّا أنَّ الحلْقَ أفضَلُ مِن التَّقصيرِ بالنِّسبةِ للرِّجالِ، لأنَّه فِعلُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أولاً، ولأنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- قدَّمَه في كِتابِه فقال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (الفتح: 27). والحلق أبلَغُ في العِبادةِ، وأبيَنُ للخُضوعِ والذِّلَّةِ، وأدلُّ على صِدْقِ النيَّةِ، والذي يُقَصِّرُ يُبقِي على نفْسِه شَيئًا ممَّا يَتزيَّنُ به، بخلافِ الحالِقِ، فإنَّه يَشعُرُ بأنَّه تَرَكَ ذلك للهِ -تعالى-، وفيه إشارةٌ إلى التجَرُّدِ للهِ -عزَّ وجلَّ-. والحلْقُ يكونُ للرِّجالِ فقطْ، أمَّا النِّساءُ فليس لهم إلَّا التَّقصيرُ. والحلْقُ أو التَّقصيرُ في الحجِّ شَعيرةٌ مِن شَعائرِ الحجِّ، وبه يَتحلَّلُ المُحرِمُ مِن إحْرامِه، ويكونُ بعْدَ رمْيِ جَمرةِ العقَبةِ، وبعْدَ ذَبْحِ الهدْيِ إنْ كان معه، وقبْلَ طَوافِ الإفاضةِ. وفي العُمرةِ يكونُ بعْدَ السَّعيِ بيْن الصَّفا والمَروةِ.
فوائد الحديثِ
  • مشروعية الدُّعاءُ بالرحمةِ للأحياءِ، وأنَّ ذلك ليسَ مقصورًا على الأمواتِ، بل تكونُ الرحمةُ للأحياءِ والأمواتِ.
  • بيَّنَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَناسِكَ الحجِّ بأقوالِه وأفعالِه، ونَقَلَها لنا الصَّحابةُ الكرامُ -رضي الله عنهم- بكلِّ تَفاصيلِها، حتى يكونَ الناسُ على بيِّنةٍ مِن أمْرِ عِبادتِهم.
باب: الرّمي ثمّ النّحْر ثمّ الحَلق والبداية بالحَلْق بالجانبِ الأيمن
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا، والحَجَّامُ جَالِسٌ، وقَالَ بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ، فَحَلَقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ، فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «احْلِقْ الشِّقَّ الْآخَرَ» فَقَالَ: أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ الكُبْرى في مِنًى، وذلك صَبيحةَ يومِ عِيدِ الأضْحى في يومِ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وذلك في حُجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، قال: «ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا» أي: ذبَحَ ذَبِيحَتَهُ وهَدْيَه. قوله: «والحجام جالس» والحجّام يطلق على مَنْ امتهن الحِجَامة، وهي استخراج الدم الفاسد عن طريق الامتصاص، وهذا قديماً، وأما اليوم فلها طرق أخرى للحجم، وكان غالب من يمتهن الحجامة سابقًا الحَلاق. قال النووي رحمه الله: «واختلفوا في اسم هذا الرجل الذي حَلَق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فالصّحيح المشهور أنه: معمر بن عبدالله العدوي - رضي الله عنه -». (شرح النووي).
قوله: «وقَالَ بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ فَحَلَقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ»
أي: لمّا أراد حَلْقَ شَعَرِه، ناولَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحالِقَ شِقَّهُ الأيمَنَ، فَحَلَقَه، لأنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كان يُحِبُّ التَّيَمُّنَ في كُلِّ شَيْءٍ، «فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ» يعني: بيْن أصْحابِهِ. قوله: ثُمَّ قَالَ: «احْلِقْ الشِّقَّ الْآخَرَ» فَقَالَ: أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ». أي: ثُمَّ ناوَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحلاقَ الشِّقَّ الأَيْسَرَ مِن رأْسِه، ثم دَعا أبا طَلْحَةَ الأَنْصارِيَّ وهو زَوجَ أُمِّ سُلَيمٍ والدةِ أنَسٍ -رضي الله عنهم-، فَأعْطاهُ الشَّعرَ المحْلُوقَ، وخَصَّهُ به، لمَكانَتِهِ، ولعلَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ شَعرَهُ بيْنهم، ليكونَ برَكةً باقيةً بيْن أظهُرِهم، وتَذكِرةً لهم، وكأنَّه أشار بذلك إلى اقتِرابِ أجَلِه - صلى الله عليه وسلم - وانقضاءِ زَمانِ الصُّحبةِ. وفي رِوايةِ لأحمَدَ: أنَّ أبا طَلحةَ أعطاهُ لأُمِّ سُليمٍ- وهي زوجتُه- فَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تَخلِطُه في طِيبِهَا، وقدْ ثبَتَ أنَّ بعضَ الصَّحابَةِ كان يَأخُذُ مِن عَرَقِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويَجعَلُه في طِيبِه، وآخَرَ يَلتمِسُ أثرَ أصابِعِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الطَّعامِ، ليَأكُلَ مِن مَكانِه منه، وثالِثًا يَشْرَبُ مِن سُؤْرِه وبَقايا شَرابِه، هذا بالإضافةِ إلى تَتبُّعِهم السُّنَنَ والهَدْيَ النَّبوِيَّ، حبًّا للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتبرُّكًا بآثارِه الشَّريفةِ، وهذا خاصٌّ بآثارِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - العَينيَّةِ.
فوائد الحديث
  • التَّبرُّكُ بشَعَرِه - صلى الله عليه وسلم -، واقتِناؤُه.
  • وفيه: مُساواةُ الإمامِ والكبيرِ بيْنَ أصحابِه وأتْباعِه، فِيما يُفرِّقُه عليهم مِن العَطاءِ والهَديَّةِ.
  • وفيه: البَدْءُ في الحلْقِ بالأيمنِ مِن جانِبَي الرَّأسِ.
  • وفيه: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي طَلْحةَ - رضي الله عنه -، بتَوفيرِ نَصيبِه، ثمَّ إعطائِه النِّصفَ الآخَرَ، وإكرامِه بأنْ أمَرَه بتَفريقِه بيْن النَّاسِ.
  • وفيه: المواساةُ بيْن الأصحابِ في العطيَّةِ والهديَّةِ، وأنَّ المواساةَ لا تَستلزِمُ المُساواةَ.
  • كان أصحابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتسارَعونَ إلى أخْذِ آثارِه، يَتبرَّكون بها، وفي هذا الحَديثِ مَشهَدٌ مِن تلك المَشاهِدِ.
  • لا يثبت وجود شيء من آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - الآن، ومن ادعى وجود شيء من ذلك فلا دليل معه عليه، وعلى ذلك: فلا يجوز لأحدٍ أنْ يَدّعي أن بحوزته شيئاً من آثار النّبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بدليل قاطع، وأنّى له ذلك؟
  • قال العلامة المؤرخ أحمد باشا تيمور: «فما صحّ من الشّعرات التي تداولها الناس بعد ذلك، فإنّما وصل إليهم ممّا قسم بين الأصحاب -رضي الله عنهم-، غير أنّ الصُّعوبة في معرفة صحيحها من زائفها».



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-06-2025, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: ركوب البدنة


  • أرسلَ الله تعالى نبيَّه مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم رَحمةً للعالَمينَ وجعَل في امتِثالِ أمْرِه واجْتِنابِ نَهْيِه النَّجاةَ والصلاح واليُسر في الدُّنيا والآخِرةِ
  • في الحديث التَّرغيبُ في بَعثِ الهَدايا إلى مكَّةَ والتَّوكيلُ فيها إنْ لم يَذهَبْ بنفْسِه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: «ارْكَبْهَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّها بَدَنَةٌ؟ فَقَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْلَكَ، فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ»، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبداللَّهِ -رضي الله عنهما-: سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؛ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْها، حَتَّى تَجِدَ ظَهْراً». الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/960-961) باب: جواز ركوب البدنة المُهداة لمن احتاج إليها.
الحديث الأول
في الحديثِ الأول: يَرْوي أبو هُرَيرةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- رَأى رجُلًا ماشياً على قَدمَيه، ويَسوقُ أمامَه بَدَنةً، قدْ أهْداها إلى البَيتِ الحرامِ، يَتقرَّبُ بها إلى اللهِ -تعالى-، والبَدَنةُ: تكونُ مِنَ الإبلِ خاصَّةً، وقيل: البُدْنُ تُطلَقُ على الإبلِ والبقَرِ، فأمَرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرُكوبِها؛ ليَستريحَ ولا تحَصَلَ له مَشقَّةِ المَشْيِ ولا التّعب، فأخْبَرَه الرَّجُلُ أنَّها بَدَنةٌ مُهداةٌ إلى الكَعبةِ، فكيف يَركَبُها؟
فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في المرَّةِ الثانيةِ أو الثالثةِ: «ارْكَبْها، وَيلَكَ!» وأصلُ الوَيلِ: العذابُ الشَّديدُ، وهو غيرُ مَقصودٍ هنا، وإنَّما أرادَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَغلُظَ له في القَولِ لِيركَبَها.
وفيه: مَشروعيَّةُ رُكوبِ الهَدْيِ لمَن احتاج إليها، حتّى يجدَ ظهراً.
وهو مذهبُ الشافعي في رُكوب الهَدي؛ إذْ يقول: إنّه يَرْكبُها إذا احْتاج، ولا يَرْكبها مِنْ غيرِ حاجة، ويَركبُها بالمَعروف مِنْ غَيرِ إضْرار بها، وبهذا قال ابن المنذر وجماعة، وهو رواية عن مالك.
وقال عروة بن الزبير ومالك في الرواية الأخرى وأحمد وإسحاق: له رُكوبها مِنْ غير حاجةٍ، بحيث لا يضرّها، وبه قال أهل الظاهر. وقال أبو حنيفة: لا يَركبها إلا أنْ لا يجدَ منْه بُدّاً. وحكى القاضي عن بعض العلماء: أنه أوْجبَ رُكوبها المُطلق؛ للأمْر بذلك، ولمُخَالفة ما كانت الجَاهلية عليه مِنْ إكرام البَحِيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وإهْمَالها بلا رُكوب.
ودليل مَن منعَ منْ غير حاجة: أنّ الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهْدَى ولمْ يَرْكب هديه، ولمْ يأمر الناسَ برُكوب الهَدَايا، ودليلنا على عروة وموافقيه رواية جابر المذكورة. والله أعلم. «انظر: شرح النووي».
فوائد الحديث
  • جواز رُكوبِ الهَدْيِ، خصوصا لمَن لم يجد الظهر.
  • وفيه: النَّدْبُ إلى المُبادَرةِ إلى امتثالِ أمْرِ اللهِ -تعالى- ورَسولِه -صلى الله عليه وسلم -، وزجْرُ مَنْ لم يُبادِرْ إلى ذلك، وتَوبيخُه.
  • إنّ الله -تعالى- أرسلَ نبيَّه مُحمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَحمةً للعالَمينَ، وجعَل في امتِثالِ أمْرِه واجْتِنابِ نَهْيِه النَّجاةَ الصلاح واليُسر في الدُّنيا والآخِرةِ، وكانتْ طَريقتُه التَّيسيرَ على الناسِ في عِباداتِهم وحَياتِهم.
الحديث الثاني
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبداللَّهِ -رضي الله عنهما-: سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؛ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْها، حَتَّى تَجِدَ ظَهْراً».
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو الزُّبيرِ محمَّدُ بنُ مُسلِمٍ الأسدي مولاهم، أنَّ جابرَ بنَ عبداللهِ -رضي الله عنهما- سُئلَ عنْ رُكوبِ الهَديِ، وهو كلُّ ما يُهْدَى إلى البَيتِ منَ الأنْعامِ؛ قُربةً إلى اللهِ، فذكَرَ جابرٌ - رضي الله عنه - قَولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «اركَبْها بالمَعروفِ»، أي: بِوَجهٍ لا يَلحَقُها ضَررٌ، «إذا أُلْجِئْتَ» يعني: إذا اضطُررْتَ إلى رُكوبِها، «حتَّى تَجِدَ ظَهراً» أي: حتّى تجدَ مَركوباً آخَرَ منَ الدَّوابِّ غيرِ الهَديِ.
باب: ما عَطِبَ مِنَ الهَدْي قبل محله
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ؛ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتاً فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ». الحديث رواه مسلم في الحج (2/963) باب: ما يفعلُ بالهَدْي إذا عَطِب في الطّريق.
في هذا الحَديثِ يَرْوي أبو قَبيصةَ ذُؤيبُ بنُ حَلْحَلةَ الخُزاعيُّ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - كان يَبعَثُ مَعه بالبُدْنِ- وهي الأنعامُ الَّتي تُهْدى إلى بيتِ اللهِ الحرامِ- ثُمَّ يقولُ لَه: «إنْ عَطِبَ مِنها شَيءٌ» أي: أصابه أمرٌ يمنعها من السّير، مِن كسرٍ أو مرَضٍ أو تعَبٍ يَغلِبُ معه هَلاكُها وموتُها قبْلَ وُصولِها إلى مَوضعِ الذَّبحِ.
قوله: «فانْحَرْها» واذْبَحْها في مَكانِها، «ثُمَّ اغمِسْ نَعْلَها» المُقلَّدَةَ بها في دَمِها، «ثُمَّ اضرِبْ» بهذا النَّعلِ المُلطَّخِ بالدَّمِ على صَفحتِها، أي: اجعَلِ النَّعلينِ على جانبِ سَنامِ البُدنِ؛ ليكونَ ذلك عَلامةً مَعروفةً؛ لكيْ يَعرِفَها مَن يمُرُّ بها، فمَن جاء بعْدَهم يَنظُرُ إليها ويَعرِفُ أنَّها هدْيٌ، وقد عَطِب، فيَأكُلُ منها دونَ حرَجٍ، فلا يَحسَبُها مَيتةً؛ وذلك أنَّ الطُّرقَ الَّتي يَسلُكُها النَّاسُ في أسفارِهم كانت مَعروفةً مِن قِبَلِ غيرِهم.
وأيضا: فإنَّ العادةَ الغالبةَ أنَّ ساكِنِي الصَّحراءِ -البَدْو- وغيرَهم، يَتَّتبعون مَنازلَ الحجيجِ لالتقاطِ ما خلَّفوه في أماكنِ راحتِهم.
قوله: «وَلا تَطعَمْها أنت ولا أَحدٌ مِن أهلِ رُفْقتِك» أي: لا يَأكُلْ منها الوكيل ولا أحدٌ ممّن معه، سَواءٌ كان فَقيراً أم غَنيّاً، وفي هذا قطْعُ الذَّريعةِ؛ لئلَّا يَتوصَّلَ بعضُ النَّاس إلى نحْرِ الهدْيِ، أو تَعييبِه قبْلَ أوانِه.
من فوائد الحديث
  • التَّرغيبُ في بَعثِ الهَدايا إلى مكَّةَ، والتَّوكيلُ فيها إنْ لم يَذهَبْ بنفْسِه.
  • والهَدْيُ: اسمٌ لِما يُهدى ويُذبَحُ في الحرَمِ مِن الإبلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْزِ.
  • جواز توكيل مَنْ يَقومُ بذبح بدنه.
  • إنّ مَنْ بعثَ هدياً إلى الحرم، فعطب في الطريق قبل بلوغ محله، فلينحره ثم يصبغ نعله في دمه، ويضرب بالنّعل المصبوغ بالدم صفحة سَنامها؛ ليعلم من مرَّ بها أنّها هدي، فينتفع بها.
  • عدمُ جَوازُ أكْلها للوكيل، ولا أحد مِنْ أهل رفقته، وجوازُ أكلها لسائر الناس إذا كانوا بصفة الاستحقاق.
الافتقار إلى الله -تعالى-
إن من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق لله -تعالى-، فهـو «حقيقـة العبـودية ولبُّها»، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر:15)، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «يخبر -تعالى- بغناه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} أي: محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات وهو -تعالى- الغني عنهم بالذات؛ ولهذا قال -عز وجل-: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه».
وقال -تعالى- فـي قصة موسى -عليه الصلاة والسلام-: {فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(القصص: 24)، وقال -تعالى-: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38)، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت: 6).
عرَّف الإمام ابن القيم -رحمه الله- الافتقار إلى الله بقوله: «حقيقة الفقر: ألا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملْك واستغناء مناف للفقر». ثم قال: «الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقـة تامـة إلى الله -تعالى- من كل وجه».
فالافتقار إلى الله -تعالى- أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه -عـز وجل- متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته، قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام).
والمتأمل في أنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هو الصفة الجامعة لها، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله، يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة، وحسبك أن تتأمل في الصلاة أعظم الأركان العملية، فالعبد المؤمن يقف بين يدي ربه في سكينة، خاشعاً متذللاً، خافضاً رأسه، ينظر إلى موضع سجوده، يفتتحها بالتكبير، وفي ذلك دلالة جليَّة على تعظيم الله -تعالى- وحده، وترك ما سواه من الأحوال والديار والمناصب. وأرفع مقامات الذلة والافتقار أن يطأطئ العبد رأسه بالركوع، ويعفِّر جبهته بالتراب مستجيراً بالله منيباً إليه؛ ولهذا كان الركوع مكان تعظيم الله -تعالى-، وكان السجود مكان السؤال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «فأما الركوع فعظّموا فيه الرب -عز وجل-، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم»؛ ولهذا كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في ركوعه: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي».



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 133.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 129.37 كيلو بايت... تم توفير 4.05 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]