شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 63 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1168 - عددالزوار : 130839 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #621  
قديم 28-06-2025, 01:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [367]
الحلقة (399)



شرح سنن أبي داود [367]
للصلاة على الجنازة واتباعها فضل عظيم وأجر كبير، وذلك الأجر يشمل المصلي والمتبع والميت أيضاً، وقد جاءت صفة الصلاة على الجنازة واتباعها في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء النهي عن أمور لا يجوز فعلها في اتباع الجنائز ودفنها.




الدفن بالليل




شرح حديث دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر ليلاً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الدفن بالليل.
حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا أبو نعيم عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار أخبرني جابر بن عبد الله أو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) ] .
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في الدفن بالليل] ، أي: في حكمه، وقد سبق أن مر حديث وفيه: (أنهم دفنوا رجلاً ليلاً فزجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) ، وذلك في باب الكفن، أي: أنهم كفنوه بكفن غير طائل، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهنا أورد هذه الترجمة وهي الدفن في الليل: ما حكمه؟ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز إلا للضرورة، وقال بعضهم: إنه يسوغ إذا حصلت المصالح التي تحصل بالنهار للميت، وذلك أن يكفَّن بكفن مناسب، وأن يكثر المصلون عليه، فإذا حصل للميت في الليل مثلما يحصل له بالنهار فلا بأس بذلك، وأما إذا كان الدفن ليلاً يترتب عليه تقصير في حق الميت؛ وذلك بأن يكون الكفن غير كافٍ، أو يقل المصلون فإنه لا يصلى عليه ليلاً، بل يترك إلى النهار، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن في الليل، وكذلك أبو بكر وفاطمة وعثمان وعدد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قوله: (رأى ناس ناراً في المقبرة) ، قال العلماء: هذا يدل على أنه لا بأس بوجود الإضاءة في الليل؛ من أجل رؤية المكان، ومن أجل التمكن من الدفن، (فجاءوا وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وكان يقول: ناولوني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) أي: أن هذا الشخص كان مشهوراً برفع صوته بالذكر.




تراجم رجال إسناد حديث دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر ليلاً
قوله: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع] .
محمد بن حاتم بن بزيع ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو نعيم] .
هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن مسلم] .
هو محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن دينار] .
هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ضعفه الألباني، وسبب ضعفه محمد بن مسلم الطائفي، فهو صدوق يخطئ، ولكن للحديث شواهد تدل عليه.
قوله: [أخبرني جابر بن عبد الله أو سمعت جابر بن عبد الله] .
هذا يدل على عناية المحدثين بكتابة الألفاظ والصيغ، ومعلوم أن المؤدى واحد والنتيجة واحدة، ولكن هذا من باب العناية والدقة.
وكلا العبارتين فيها اتصال وتصريح بالسماع.




كراهة حمل الميت من أرض إلى أرض




شرح حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى أحد في مضاجعهم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض وكراهة ذلك.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم، فجاء منادي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم، فرددناهم) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الميت يحمل من أرض إلى أرضَ وكراهة] ذلك]، والمقصود من ذلك: كراهة نقل الميت من المكان الذي مات فيه إلى مكان آخر، والأصل أن كل ميت يدفن في المكان الذي مات فيه، وإذا كانت هناك مصلحة في النقل كأن يكون في مكان يخشى عليه فيه، أو يكون في بلد كفار فينقل عنهم ويقبر مع المسلمين، فإنه لا بأس بذلك، وإلا فإن الأصل أن كل ميت يدفن في البلد الذي مات فيه.
وقد أورد حديث جابر رضي الله عنه: (أنهم أرادوا نقل وحمل القتلى يوم أحد، فأخبرهم منادي النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يدفنوهم في مضاجعهم) أي: في الأماكن التي قُتلوا فيها، وقال بعض أهل العلم: إن هذا خاص بالشهداء، وأما غيرهم فيجوز نقلُه، ولكن الأصل هو عدم النقل، بل يدفن في المكان الذي مات فيه، ولا ينقل إلا لأمر يقتضي ذلك.
ويستدل القائلون بالجواز بأن سعد بن أبي وقاص نُقل من قصره في العقيق إلى المدينة، والحق أن مثل هذا لا يقال: إنه نقل من بلد إلى بلد؛ لأن الكل في المدينة، فالعقيق هو في أطراف المدينة، فنقله من أطراف المدينة إلى المدينة لا يقال: إنه نقل من بلد إلى بلد، فمثل هذا لا يصلح دليلاً على الجواز.




تراجم رجال إسناد حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى أحد في مضاجعهم
قوله: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس] .
الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نبيح] .
هو نبيح العنزي، وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
وهذا الحديث إسناده ضعيف، لكن كون الأموات يدفنون في مضاجعهم هذا ثابت، فقد دُفن قتلى أحد في مضاجعهم ولم ينقلوا إلى البقيع.
وكذلك نقْل الميت المسلم من بلاد مسلمة إلى بلاد مسلمة أخرى فيها أقاربه وأهله ليس بجيّد، بل ينبغي أنه يدفن كل واحد في المكان الذي مات فيه.




الصفوف على الجنازة




شرح حديث: (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصفوف على الجنازة.
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد اليزني عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) ، قال: فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف للحديث] .
أورد أبو داود [باباً في الصوف على الجنازة] ، أي: أنهم يجعلون ثلاثة صفوف، وليس بلازم أن يكونوا ثلاثة، ولكن هذا هو الحد الأدنى، وإذا كثروا وزادوا على ذلك فهو خير.
وقد أورد أبو داود حديث مالك بن هبيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) أي: إلا وجبت له الجنة بشفاعتهم وبدعائهم له، وهذا فيه دلالة على الترجمة من جهة أنهم يصفون ثلاثة صفوف.
وهذا الحديث ضعفه الألباني، ولكنه ذكره في (أحكام الجنائز) وجعله ثابتاً بشواهده، فذكر حديثاً فيه ابن لهيعة، وفي هذا الحديث: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على ميت، وكان المصلون سبعة، فجعل ثلاثة في صف، واثنين في صف، واثنين في صف) ثم قال: إنه شاهد للحديث الذي بعده، والذي بعده شاهد له، يعني: هذا الحديث الذي معنا، وعلى هذا فيكون تقسيمهم ثلاثة صفوف ثابتاً بشواهده.
قوله: [وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جعلهم ثلاثة صفوف للحديث] أي: عملاً بالحديث، وإذا كانوا قليلين لا يكملون ثلاثة صفوف كاملة على مقدار الصفوف فإنه يجزئهم بحيث يكونون ثلاثة صفوف.




تراجم رجال إسناد حديث: (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب)
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد] .
هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مرثد اليزني] .
هو أبو الخير، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن هبيرة] .
مالك بن هبيرة صحابي أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وهذا الحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، فإنه مدلس وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث الآخر الذي ذكره الألباني يشهد له.




اتباع النساء للجنائز




شرح حديث أم عطية: (نُهينا أن نتبع الجنائز ولم يُعزم علينا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اتباع النساء الجنازة.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا) ] .
أورد أبو داود [باباً اتباع النساء الجنائز] ، أي: أن النساء يتبعن الجنائز ويذهبن معها إلى المقبرة.
وأورد فيه حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: (نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا) ، وهذا فيه دلالة على أن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم كان على درجات وليس على درجة واحدة، والمراد من قولها: (ولم يعزم علينا) أي: كالعزم في بعض الأمور الأخرى التي نُهي عنها نهياً جازماً، فهذا يفيد أن النهي هنا دون النهي عن كثير من الأمور التي عُزم في النهي عنها، لذا فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن ذلك مكروه كراهة تنزيه لا تحريم؛ لقول أم عطية: (ولم يعزم علينا) وقال بعض أهل العلم: إنه للتحريم، وقالوا: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن زيارة القبور للنساء) ، قالوا: وذلك لضعفهن وعدم صبرهن، ولما يحصل منهن من الجزع والخوف والنياحة، ومعلوم أن اتباع الجنائز أشد من زيارة القبور؛ لأن ذلك يكون في وقت المصيبة، ووقت المصيبة أشد وأعظم من مجرد الزيارة، فعند الزيارة يكون قد حصل السلوان، وأما وقت المصيبة فهو الوقت الذي تكون فيه شدة وقع المصيبة على النفوس، فمن هنا قالوا: إن الحكم للتحريم.




تراجم رجال إسناد حديث أم عطية: (نُهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حفصة] .
هي حفصة بنت سيرين، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن أم عطية] .
أم عطية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.




فضل الصلاة على الجنائز وتشييعها




شرح حديث: (من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط)
قال المصنف يرحمه الله تعالى: [باب فضل الصلاة على الجنائز وتشييعها.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه يرويه قال: (من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان أصغرهما مثل أحد، أو أحدهما مثل أحد) ] .
أورد أبو داود [باباً في فضل الصلاة على الجنائز وتشييعها] ، أي: الذهاب معها بعد الصلاة عليها، فإذا صلى عليها فله قيراط، وإذا تبعها حتى تدفن ويفرغ منها فله قيراطان: قيراط لا تباع الجنازة، وقيراط للصلاة عليها، وقد جاء بيان حجم القيراط بأنه مثل جبل أحد، وهذا شيء عظيم، قالوا: ومعنى هذا: أن الأعمال تجعل أجساماً وتوضع في الميزان، ولهذا قال: مثل جبل أحد، أي: في العِظَم والضخامة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يرويه قال: (من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط) أي: أنه اكتفى بالصلاة عليها.
قوله: (ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان) أي: قيراط آخر مع القيراط الأول، وليس معنى ذلك أن الاتباع له قيراطان والصلاة عليها لها قيراط، فتكون ثلاثة قراريط، وإنما هي قيراطان للاثنين، وهذا من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) ، فليس معناه أن من صلى هاتين الصلاتين في جماعة فكأنه قام الليل مرة ونصف المرة، وإنما المراد هذا مع هذا.
وظاهر لفظ الحديث أن من تبعها من بيتها حتى صلى عليها فله قيراط، وأما من صلى عليها فقط فلا يشمله هذا الأجر، لكن لاشك أن الإنسان إذا صلى على الجنازة فله خير عظيم.
قوله: (حتى يفرغ منها) حدّ الفراغ منها أن يُهال عليها التراب وتُدفن.
قوله: (أصغرهما مثل أحد، أو أحدهما مثل أحد) شك هل قال: أحدهما، أو قال: أصغرهما.
وإذا صلى المصلي على أكثر من جنازة فالذي يبدو أنه يكون له في كل جنازة قيراط.




تراجم رجال إسناد حديث: (من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان] .
هو ابن عيينة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمي] .
سمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح] .
هو أبو صالح السمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.
[يرويه] .
أي: يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكلمة: يرويه، أو ينميه، أو يرفعه، أو رواية، كلها بمعنى يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث: (من تبع جنازة فصلى عليها) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله وعبد الرحمن بن حسين الهروي قالا: حدثنا المقرئ حدثنا حيوة حدثني أبو صخر وهو حميد بن زياد أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه أنه كان عند ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إذ طلع خباب صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر! ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها) ، فذكر معنى حديث سفيان، فأرسل ابن عمر إلى عائشة رضي الله عنها فقالت صدق أبو هريرة] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل الذي قبله، وفيه: (من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها فله قيراط) ، فهذا يوضح الحديث السابق، وأن اتباع الجنازة يكون من بيتها، وجاء عن ابن عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري أنه قال بعدما بلغه هذا الحديث: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، وهذا ندم على ما فات من الأجر العظيم الذي يحصل في الملازمة والحرص على هذه الأعمال العظيمة.




تراجم رجال إسناد حديث (من تبع جنازة فصلى عليها) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] .
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[وعبد الرحمن بن حسين الهروي] .
عبد الرحمن بن حسين الهروي مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا المقرئ] .
هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حيوة] .
حيوة بن شريح الحمصي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهناك شخصان كل منهما يقال له: حيوة بن شريح، أحدهما مصري، وهو في طبقة متقدمة، والثاني شامي، وهو في طبقة متأخرة، وهو من شيوخ أبي داود، فإذا جاء حيوة بن شريح من شيوخ أبي داود فالمراد به الشامي، وإذا جاء حيوة بن شريح في طبقة متقدمة فهو المصري.
[حدثني أبو صخر] .
هو حميد بن زياد، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه] .
يزيد بن عبد الله بن قسيط ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن داود بن عامر بن سعد حدثه] .
داود بن عامر بن سعد ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي.
[عن أبيه] .
أبوه هو عامر بن سعد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خباب صاحب المقصورة] .
خباب صاحب المقصورة قيل: له صحبة، وقيل: مخضرم، أخرج له مسلم وأبو داود.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.
[وعائشة] .
عائشة مر ذكرها.




شرح حديث: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الوليد بن شجاع السكوني حدثنا ابن وهب أخبرني أبو صخر عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شُفِّعوا فيه) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئا إلا شفِّعوا فيه) ، وهذا يدل على فضل كثرة عدد المصلين على الجنازة، وأن العدد كلما كثر كان أعظم وأفضل؛ لأنهم كلهم يدعون ويشفعون للميت، وقد مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصفّهم ثلاثة صفوف، وذكر أن من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب، وذلك يدل على سعة فضل الله عز وجل، وعلى عظم الأجر والثواب، وسواء بلغ العدد الأربعين أو المائة أو أقل من ذلك، ولكن لاشك أنه كلما كان العدد أكبر فإنه يكون أولى وأفضل.




تراجم رجال إسناد حديث: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون)
قوله: [حدثنا الوليد بن الشجاع السكوني] .
الوليد بن الشجاع السكوني ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني أبو صخر] .
أبو صخر مر ذكره.
[عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر] .
شريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فقد أخرج له في الشمائل.
[عن كريب] .
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




الأسئلة




معنى حديث: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً)

السؤال حديث: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً) هل يدخل هنا الشرك الأصغر؟

الجواب هذا يدل على أن المصلين يكونون مؤمنين موحدين وليسوا بمشركين، واللفظ هذا عام فيدخل فيه الشرك الأصغر.
رواية: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته مائة)
السؤال جاء في حديث أخرجه مسلم أنه يصلي عليه مائة؟

الجواب معلوم أنه كلما زاد العدد فهو أفضل، فإذا كانوا مائتين أو ألفاً فلاشك أن هذا أكمل وأفضل.

مضاعفة الأجر على صلاة الجنازة في المسجد النبوي
السؤال هل يكون الأجر في الصلاة على الجنازة في المسجد النبوي مضاعفاً بألف درجة؟
الجواب قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا) يشمل كل صلاة، لكن مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسجده هذا فقد كان في غالب أحواله يصلي على الجنائز خارج مسجده.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #622  
قديم 28-06-2025, 02:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [368]
الحلقة (400)


حكم الدعاء للميت في صلاة الجنازة بغير اللغة العربية
السؤال هل يجوز الدعاء للميت في صلاة الجنازة بغير العربية؟
الجواب الأصل أن الإنسان يتعلم الأدعية الشرعية باللغة العربية، وإذا لم يتمكن من ذلك فإنه يدعو بأي لغة.
الحكمة من دفن أبي بكر وعمر إلى جوار رسول الله
السؤال ذكرتم البارحة أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدفن في البناء، لكن قد دفن معه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فما الجواب؟
الجواب أنهم إنما دفنوا تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لينالوا بركة مجاورته والقرب منه، ولم يدفنوا استقلالاً.
حثو ثلاث حثيات عند دفن الميت
السؤال بعض الناس يأخذ حفنة من تراب ويرميها في القبر، فهل يعتبر مشاركاً في الدفن؟
الجواب الذي ورد أنه يحثو ثلاث حثيات.
تكفين المرأة بالأبيض
السؤال هل يستحب تكفين المرأة بالأبيض أو أنه خاص بالرجال؟
الجواب يُكفن الرجال والنساء بالأبيض، كما جاء في الحديث: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم) ، فهو عام للرجال والنساء.
فضل عيادة المريض في أول النهار وأول الليل
السؤال جاء في الحديث: (من عاد مريضاً ممسياً أو مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك) ، فهل يستحب زيارة وعيادة المريض في أول النهار أو أول الليل لكي يحصل كثرة استغفار الملائكة؟
الجواب لاشك أن كثرة الاستغفار تحصل إذا كانت العيادة في أول النهار، أو في أول المساء؛ لأنهم مستمرون من النهار إلى المساء، ومن المساء إلى النهار، فلو زاره في أول النهار فإن الملائكة تستغفر له إلى المساء، والعكس، ولو زاره في نصف النهار فإن الملائكة تستغفر له من ذلك الوقت إلى المساء، فالعيادة في أول المساء وأول النهار تكون أكثر استغفاراً من الملائكة.
الإمساك عن الصلاة في وقت النهي
السؤال رأيت حاجب الشمس قد بدأ في الطلوع، وقد فاتتني صلاة الفجر، فأفتيت نفسي أن أقف؛ لأني إذا صليت وقعت في النهي، ولأني أيضاً لا أُعتبر مدركاً للوقت، فما رأيكم؟
الجواب هذا الفعل صحيح، فالإنسان إذا بدأت الشمس في الظهور ينتظر حتى تطلع مقدار رمح، وأما إذا كانت لم تطلع بعدُ فإنه يدخل في الصلاة.
حكم تأخير الميت حتى يحضر أقاربه من أماكن بعيدة
السؤال ما حكم تأخير الميت في الصلاة عليه حتى يحضر أقاربه من أماكن بعيدة؟
الجواب إذا لم يكن التأخير كثيراً فلا بأس به، وفي زماننا هذا صار الوصول سهلاً بواسطة الطائرات والسيارات.




اتباع الميت بالنار



شرح حديث: (لا تُتبع الجنازة بصوت ولا نار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النار يُتبع بها الميت.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عبد الصمد (ح) وحدثنا ابن المثنى حدثنا أبو داود قالا: حدثنا حرب يعني: ابن شداد، حدثنا يحيى حدثني باب بن عمير حدثني رجل من أهل المدينة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تُتبع الجنازة بصوت ولا نار) ، قال أبو داود: زاد هارون (ولا يمشى بين يديها) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في النار يُتبع بها الميت] ، ومعنى ذلك: أنها لا تصحبها ولا تتبعها نار، وأما إذا كان معها إضاءة فلا بأس بها إذا دعت الحاجة إليها، كأن يحتاج إلى الإضاءة من أجل تسهيل الوصول إلى المقصود، وأما أن تُتبع بنار أو جمر فإن ذلك لا يجوز.
وقد أورد أبو داود في ذلك حديث أبي هريرة، وهو حديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح، ولا يقال: إنه ضعيف فلا يثبت معناه، بل الأصل هو عدم ذلك، ووجود ذلك من البدع المحرمة، وأما ما يتعلق بالصوت وهو النياحة فقد ثبت تحريمها، وجاء منعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، وحديث أبي هريرة هذا فيه: (أنها لا تتبع بنار ولا بصوت) والمقصود بالصوت هنا: النياحة.
وقوله في زيادة هارون: (ولا يمشى بين يديها) قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن الماشي يكون بين يديها، وعن يمينها، ومن خلفها، ومن ورائها) ولكن الأولى أن يكون أمامها، فما جاء في هذا الحديث من أنه لا يمشى بين يديها غير صحيح؛ لمخالفته للأحاديث الثاتبة، ثم هو حديث لا يثبت.



تراجم رجال إسناد حديث: (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] .
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الصمد] .
هو عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا ابن المثنى] .
هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بـ الزمن، وكنيته أبو موسى وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو داود] .
هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن حرب] .
هو حرب بن شداد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني باب بن عمير] .
باب بن عمير مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه] .
وهو مجهول.
[عن رجل من أهل المدينة] .
أي: أنه مبهم.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
إذاً: فالحديث فيه مجهولان ومقبول، فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.



القيام للجنازة



شرح حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القيام للجنازة.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب القيام للجنازة] ، أي: عند مرورها، فمن كان قاعداً ومرت به جنازة فإنه يقوم، وقد جاءت في القيام للجنازة عدة أحاديث، وجاءت أحاديث أخرى تدل على عدم القيام، فمن أهل العلم من قال: إن أحاديث القيام منسوخة؛ لأنه جاء ما يدل على أنه قام ثم قعد بعد ذلك، فعلى هذا فإنه لا يقام للجنازة، ومن أهل العلم من قال: إن القيام باق، وهو مستحب وليس بواجب.
وقد أورد أبو داود حديث عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمة: (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) مثل كلمة: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك متصل، وهذه الصيغة تدل على رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها) ، أي: قوموا من أجلها، (حتى تخلفكم أو توضع) أي: حتى تتجاوزكم، فإذا جاوزتكم فاجلسوا، وهذا يدل على ما كان عليه الأمر في أول الأمر من مشروعية القيام للجنازة.
وقيل: إن الحكمة من القيام للجنازة هي الفزع من الموت.



تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان] .
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم] .
هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عامر بن ربيعة] .
عامر بن ربيعة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع) ] .
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري قال: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع) أي: حتى توضع على الأرض، وهذا إذا تبعوها، وهو غير مسألة المرور، فإذا تبع الإنسان الجنازة فإنه يمشي معها حتى توضع على الأرض.



تراجم رجال إسناد حديث: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سهيل بن أبي صالح] .
سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، ورواية البخاري له مقرونة مع غيره، وتعليقاً.
[عن ابن أبي سعيد الخدري] .
هو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه هو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو سعد بن مالك بن سنان صحابي مشهور، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



روايات أخرى لحديث: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع) وترجمة رجال الأسانيد
[قال أبو داود: روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال فيه: (حتى توضع بالأرض) ورواه أبو معاوية عن سهيل قال: (حتى توضع في اللحد) ، قال أبو داود: وسفيان أحفظ من أبي معاوية] .
جاء في بعض الروايات من طريق سفيان الثوري تفسير الوضع بأنه حتى توضع بالأرض، أي: أنه قبل الدفن، وجاء في الرواية الثانية عن أبي معاوية أنه حتى توضع في اللحد، ثم قال أبو داود: وسفيان أحفظ من أبي معاوية، فتكون روايته هي المحفوظة، وأما تلك فتكون شاذة.
[قال أبو داود: روى هذا الحديث الثوري] .
الثوري مر ذكره.
[عن سهيل عن أبيه] .
أبوه هو أبو صالح ذكوان السمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ورواه أبو معاوية] .
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد وُصف سفيان بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكذلك شعبة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد ذكروا أن سفيان إذا اختلف مع شعبة فإنه يقدم على شعبة؛ لأنهم حصروا الأغلاط التي أخذت على سفيان والتي أخذت على شعبة فكانت التي أخذت على سفيان أقل، وهذه الطريقة يميزون بها بين الأشخاص في تقدمهم وتفوقهم، وذلك يكون بقلة الخطأ وقلة ما يؤخذ على الشخص، فـ سفيان متقدم في الحفظ والضبط والإتقان على شعبة، وقوله: [إنه أوثق من أبي معاوية] واضح.
وقد ذكر هذه المقارنة بين سفيان وشعبة الإمام الحازمي في (شروط الأئمة الخمسة) .



شرح حديث: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرت بنا جنازة فقام لها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو عن يحيى بن أبي كثير عن عبيد الله بن مقسم حدثني جابر قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ مرت بنا جنازة فقام لها، فلما ذهبنا لنحمل إذا هي جنازة يهودي، فقلنا: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودي، فقال: إن الموت فزع، فإذا رأيتم جنازة فقوموا) ] .
أورد حديث جابر رضي الله عنه: (أنهم كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فمرت جنازة فقام، فلما ذهبوا ليحملوها فإذا هي جنازة يهودي، فقالوا: يا رسول الله! إنها جنازة يهودي، فقال: إن الموت فزع) أي: إن هذا القيام إنما هو من أجل الفزع، وليس من أجل الجنازة.



تراجم رجال إسناد حديث: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرت بنا جنازة فقام لها)
قوله: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني] .
مؤمل بن الفضل الحراني صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا الوليد] .
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عمرو] .
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فكنيته وافقت اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف، فإذا جاء مثل: (عن عبد الرحمن أبي عمرو) فمن لا يعرف أن كنيته أبو عمرو قد يظن أن ابن صحفت إلى أبي، وأما من يعرف أن كنيته أبو عمرو فسواء جاء (عبد الرحمن أبي عمرو) أو جاء (عبد الرحمن بن عمرو) فإنه يعرف أن كل ذلك صحيح، فهنا ذُكر بكنيته فقط، وكثيراً ما يذكر بالنسبة فيقال: الأوزاعي.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
مر ذكره.
[عن عبيد الله بن مقسم] .
عبيد الله بن مقسم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن جابر] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنائز ثم قعد بعدُ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري عن نافع بن جبير بن مطعم عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنائز ثم قعدَ بْعدُ) ] .
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنائز ثم قعد بعد) ، وهذا يدل على النسخ، فقد كان القيام في أول الأمر، ثم قعد بعد ذلك، وهذا يدل على أن الحكم الأول منسوخ، فإن العبرة للآخر من أحواله صلى الله عليه وسلم.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنائز ثم قعد بعد)
قوله: [حدثنا القعنبي] .
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك] .
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري] .
واقد بن عمرو بن سعد الأنصاري ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن نافع بن جبير بن مطعم] .
نافع بن جبير بن مطعم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعود بن الحكم] .
مسعود بن الحكم له رؤية، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن أبي طالب] .
علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن بهرام المدائني أخبرنا حاتم بن إسماعيل حدثنا أبو الأسباط الحارثي عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية عن أبيه عن جده عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد، فمر به حبر من اليهود فقال: هكذا نفعل، فجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: اجلسوا، خالفوهم) ] .
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد) أي: وليس حتى توضع في الأرض، ومعنى ذلك: أن من تبعها يبقى قائماً حتى توضع في اللحد.
وهذه الرواية مثل الرواية السابقة عن أبي معاوية والتي قال فيها أبو داود: إن المحفوظ رواية سفيان، وهو مقدم، الذي قال: إنها توضع في الأرض.
قوله: (فمر به حبر من اليهود فقال: هكذا نفعل) أي: أنهم يقومون حتى توضع في اللحد.
قوله: (فقال: اجلسوا خالفوهم) أي: أنهم جلسا بعد ذلك، وقد مر في الحديث الصحيح: (حتى توضع في الأرض) وليس في اللحد، وجاء أيضاً في حديث البراء بن عازب: (أنه كان في جنازة وكان يُلحد لها فجلس وجلسوا معه) ، وذكر الحديث الطويل في قصة السؤال في القبر، فالحاصل: أنه قد جاءت أحاديث في جواز الجلوس قبل أن يحصل الدفن، وأن الأمر لا يتقيد بوضعها في اللحد، بل يجوز بوضعها في الأرض.



تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد)
قوله: [حدثنا هشام بن بهرام المدائني] .
هشام بن بهرام المدائني ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا حاتم بن إسماعيل] .
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الأسباط الحارثي] .
هو بشر بن رافع، وهو ضعيف الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية] .
عبد الله بن سليمان بن جنادة ضعيف أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه] .
أبوه منكر الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن جده] .
جده ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبادة بن الصامت] .
عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #623  
قديم 28-06-2025, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





الركوب في الجنازة




شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الركوب في الجنازة.
حدثنا يحيى بن موسى البلخي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ثوبان رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أُتي بدابة فركب، فقيل له، فقال: إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت) ] .
أورد أبو داود [باباً الركوب في الجنازة] أي: في حال الذهاب إلى الجنازة والرجوع منها، وقد جاء ما يدل عليه في الرجوع من الجنازة، وجاء ما يدل على عدمه فيما يتعلق بالذهاب إليها، وجاء ما يدل على أن الماشي يكون أمامها، أو عن يمينها، أو عن يسارها، أو من خلفها، وأما الراكب فإنه يكون وراءها، وهذا لا يكون إلا في حال الذهاب إليها؛ لأنه في حال الرجوع منها ليس هناك جنازة.
وقد أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها) .
قوله: (فلما ذهبوا ركبت) أي: في حال الرجوع.
وهذا الحديث يدل هذا على أن الملائكة تشيع الجنائز.
ويدل أيضاً على أدب الرسول صلى الله عليه وسلم مع الملائكة.
ويدل أيضاً على جواز الركوب، فإذا كان المكان قريباً فلاشك أن عدم الركوب هو الأولى، وأما إذا كان المكان بعيداً فالركوب يتطلبه بعد المسافة، فلا يتيسر للناس أن يمشوا مسافات طويلة، ولا يتمكنون حينئذ من التشييع.




تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها)
قوله: [حدثنا يحيى بن موسى البلخي] .
يحيى بن موسى البلخي ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[أخبرنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن] .
يحيى بن أبي كثير مر ذكره، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثوبان] .
هو ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
وهذا السند فيه يحيى بن أبي كثير وهو مدلس وقد عنعن، والشيخ الألباني يصححه أو يحسنه، فلا أدري هل له شواهد أو نحو ذلك أم لا؟



شرح حديث: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ونحن شهود ثم أُتي بفرس فعقل حتى ركبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سماك سمع جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ابن الدحداح ونحن شهود، ثم أُتي بفرس فعُقل حتى ركبه، فجعل يتوقص به، ونحن نسعى حوله) ] .
أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابن الدحداح ونحن شهود) ، أي: ونحن معه حاضرون.
قوله: (ثم أتي بفرس فعُقل حتى ركب فجعل يتوقص) أي: يتحرك حركة خفيفة.
قوله: (ونحن نسعى حوله) أي: نمشي حوله.



تراجم رجال إسناد حديث: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ونحن شهود ثم أُتي بفرس فعقل حتى ركبه)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك] .
هو سماك بن حرب، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جابر بن سمرة] .
جابر بن سمرة رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



المشي أمام الجنازة



شرح حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المشي أمام الجنازة.
حدثنا القعنبي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة) ] .
أورد أبو داود [باب المشي أمام الجنازة] ، والجنازة يمشى أمامها، وعن يمينها، ومن خلفها، ومن روائها، فأما المشي أمامها فقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة) .



تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)
قوله: [حدثنا القعنبي عن سفيان بن عيينة] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
الزهري مر ذكره.
[عن سالم عن أبيه] .
سالم وأبوه مر ذكرهما.



شرح حديث: (الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: وأحسب أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها، والسِّقْط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) ] .
أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن شمالها) ، والمشي خلفها يكون قريباً منها، وكذلك أمامها؛ لأنه إذا احتيج إليه لحمل أو غير ذلك فإنه يكون قريباً، بخلاف ما إذا كان بعيداً منها، فالحاصل أنهم يكونون حولها قريبين منها، سواء كانوا أمامها أو يمينها أو شمالها أو خلفها، وأما الراكب فإنه يكون خلفها.
قوله: (والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالرحمة) السقط: هو الذي يسقط من بطن أمه ميتاً قبل أن يتم، فإنه يصلى عليه مادام أنه إنسان مكتمل ولو لم يستهل صارخاً، وأما الذي يتعلق بالاستهلال فهو الميراث.



تراجم رجال إسناد حديث (الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها)
قوله: [حدثنا وهب بن بقية] .
هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن خالد] .
هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس] .
هو يونس بن عبيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد بن جبير] .
زياد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو جبير بن حية الثقفي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن المغيرة بن شعبة] .
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: وأحسب أن أهل زياد أخبروني بأنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم] .
قائل ذلك هو يونس بن عبيد.



الأسئلة



الطفل كالسقط في الدعاء لوالديه بالمغفرة والرحمة
السؤال هل يأخذ الطفل حكم السقط في الدعاء لوالديه بالمغفرة والرحمة؟
الجواب الذي يبدو أنه كذلك؛ لأنهما بمعنى واحد.
حكم الصلاة على السقط دون الأربعة الأشهر
السؤال إذا كان سن السقط أقل من أربعة أشهر فهل يصلى عليه؟
الجواب لا يصلى عليه، فهو ليس بلحم وإنما هو قطع دم تذهب كما تذهب الدماء والأوساخ.
الحكمة من الدعاء لوالدي السقط
السؤال لماذا يدعى لوالدي السقط؟
الجواب الحكمة من الدعاء لوالديه أنهما سبب وجوده، وأنهما أيضاً فقداه وهما يتطلعان إليه، وكانا حريصين عليه.




الإسراع بالجنازة



شرح حديث: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإسراع بالجنازة.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) ] .
أورد أبو داود [باب الإسراع بالجنازة] ، والمقصود من ذلك الإسراع بها عند حملها، وقد مر بنا باب في المبادرة بتجهيزها، وأما هذا فيتعلق بالإسراع بها في حال حملها إلى المقبرة بعد الصلاة عليها، فيسرع بها إلى المقبرة بحيث لا تكون هناك مضرة في ذلك على الحاملين لها ولا عليها هي، كأن تسقط مثلاً إذا تعثر أحد منهم بسبب السرعة، فتسقط الجنازة تبعاً لسقوطه، وإنما تكون السرعة مناسبة، فلا يكون هناك تباطؤ في المشي، ولا يكون هناك إسراع شديد تترتب عليه مضرة على الجنازة أو على الحاملين لها.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه) أي: إن كانت صالحة فإن أمامها خيراً، فيسرع بها إلى تحصيل ذلك الخير لها، (وإن تك غير ذلل) ، أي: غير صالحة، (فشر تضعونه عن رقابكم) أي: إن أمامها شراً، وتتخلصون من هذا الشر الذي تحملونه فوق رقابكم.



تراجم رجال إسناد حديث: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة من ثقات التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.
[يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم] .
أي: يرفعه إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملاً، أي بالجنازة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه: (أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشي مشياً خفيفاً، فلحقنا أبو بكرة فرفع سوطه فقال لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نرمل رملاً) ] .
أورد أبو داود حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أنهم كانوا في جنازة عثمان بن أبي العاص، وقد جاء في الرواية الأخرى التي بعدها أنها جنازة عبد الرحمن بن سمرة، وقد قال الألباني: إن هذا هو المحفوظ، وأما ذكر عثمان بن أبي العاص فهو شاذ، فتكون القصة واحدة والمراد بها عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، قال: كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص، وكنا نمشي مشياً خفيفاً، أي: مشياً بطيئاً.
قوله: (فرفع سوطاً كان معه سوط وقال: كنا نرمل رملاً) ، ومعناه: أنا كنا نسرع، والمقصود الإسراع الذي لا يترتب عليه مضرة، والوسط هو المطلوب، فلا يتأخر بها، ولا يسرع بها إسراعاً شديداً يحصل من ورائه مضرة.



تراجم رجال إسناد حديث: (لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملاً، أي بالجنازة)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة مر ذكره.
[عن عيينة بن عبد الرحمن] .
هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، وهو صدوق أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه هو عبد الرحمن بن جوشن، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن أبي بكرة] .
هو نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله نرمل رملاً) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا خالد بن الحارث (ح) وحدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا عيسى يعني: ابن يونس عن عيينة بهذا الحديث، قالا: في جنازة عبد الرحمن بن سمرة، وقال: فحمل عليهم بغلته وأهوى بالسوط] .
ثم أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه أنها جنازة عبد الرحمن بن سمرة، وأن أبا بكرة حمل عليهم بغلته، أي: كأنه آثرهم بالركوب، وأومى بالسوط، أي: أنه أراد منهم أن يسرعوا، وذكر أن ذلك هو السنة.
قوله: [حدثنا حميد بن مسعدة] .
حميد بن مسعدة صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا خالد بن الحارث] .
هو خالد بن الحارث الهجيمي، وهو ثقة ثبت أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا إبراهيم بن موسى] .
هو إبراهيم بن موسى الرازي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عيسى بن يونس] .
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيينة بهذا الحديث] .
عيينة هو الذي في الإسناد السابق، [بهذا الحديث] ، أي: إلا أن فيه ذكر حمله عليهم ببغلته.



شرح حديث: (سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشي مع الجنازة فقال: ما دون الخبب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن يحيى المجبر، قال أبو داود: هو يحيى بن عبد الله التيمي عن أبي ماجدة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (سألنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عن المشي مع الجنازة، فقال: ما دون الخبب، إن يكن خيراً تعجل إليه، وإن يكن غير ذلك فبعداً لأهل النار، والجنازة متبوعة ولا تتبع ليس معها من تقدمها) .
قال أبو داود: وهو ضعيف، هو يحيى بن عبد الله وهو يحيى الجابر.
قال أبو داود: وهذا كوفي، وأبو ماجدة بصري.
قال أبو داود: أبو ماجدة هذا لا يعرف] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المشي مع الجنازة فقال: ما دون الخبب) وهو الإسراع، قوله: (إن يكن خيراً) أي: إذا حصل الإسراع بها دون الخبب فإن يكن خيراً (تعجل إليه، وإن يكن غير ذلك فبعداً لأهل النار) .
قوله: (والجنازة متبوعة ولا تتبع) أي: أن الناس يمشون وراءها ولا يمشون أمامها.
وهذا الحديث ضعيف ومخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها أن المشاة يكونون أمامها، وعن يمينها، وعن شمالها، ومن ورائها، وأن الركاب يكونون وراءها.
قوله: (وليس معها من تقدمها) أي: أنه لم يفعل أمراً سائغاً ومشروعاً؛ لأن محله أن يكون وراءها لا أن يكون أمامها.
[قال أبو داود: هو ضعيف، هو يحيى بن عبد الله، وهو يحيى الجابر] .
أي: أن في الإسناد رجلاً ضعيفاً، ويحيى بن عبد الله هو يحيى الجابر والمجبر، وهو ضعيف.
[قال أبو داود: وهذا كوفي وأبو ماجدة بصري] .
أي: أن أحدهما كوفي والثاني بصري، فالتلميذ كوفي، والشيخ بصري.
[قال أبو داود: أبو ماجدة هذا لا يعرف] أي: أنه مجهول.



تراجم رجال إسناد حديث: (سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشي مع الجنازة فقال: ما دون الخبب)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة] .
مسدد مر ذكره، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة مشهور بكنيته أبي عوانة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى المجبر] .
يحيى المجبر لين الحديث أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال أبو داود: وهو يحيى بن عبد الله التيمي] .
هذا بيان لنسبه.
[عن أبي ماجدة] .
أبو ماجدة قيل: إن اسمه عائذ بن نضلة، وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن ابن مسعود] .
هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #624  
قديم 28-06-2025, 02:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [369]
الحلقة (401)



شرح سنن أبي داود [368]
للصلاة على الجنازة أحكام طارئة تختلف بحسب حال الميت نفسه، منها: حكم الصلاة على قاتل نفسه، وحكم الصلاة على من قتلته الحدود، وحكم الصلاة على الطفل، وهناك أحكام أخر كالأوقات التي تكره فيها الصلاة على الجنازة وكل هذه الأحكام بينتها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.



عدم صلاة الإمام على قاتل نفسه



شرح حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الذي نحر نفسه بمشاقص
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام لا يصلي على من قتل نفسه.
حدثنا ابن نفيل حدثنا زهير حدثنا سماك حدثني جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: إنه قد مات، قال: وما يدريك؟ قال أنا رأيته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه لم يمت، قال: فرجع فصيح عليه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه لم يمت، فرجع فصيح عليه، فقالت امرأته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال الرجل: اللهم العنه، قال: ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أنه قد مات، فقال: وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه، قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، قال: إذاً لا أصلي عليه) ] .
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب الإمام لا يصلي على من قتل نفسه] المقصود من عدم صلاة الإمام عليه أو من له منزلة ومكانة هو التحذير من مثل هذا العمل، والتنفير من الوقوع فيه، فهذا من أسباب تخلف من يرجى دعاؤه وشفاعته، وهذا لا يعني عدم الصلاة عليه مطلقاً؛ لأنه مسلم، والمسلم يصلى عليه، ولكن ليس كل الناس يصلي عليه، وقد يتخلف عن ذلك من يكون له منزلة، حتى يعرف الناس خطورة هذا الأمر، فيحسبون لذلك حساباً، وقد جاء مثل ذلك في قصة الدَّين، فقد مات رجل عليه ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا على صاحبكم) وأراد ألا يصلي عليه؛ للتحذير من أن يتحمل الإنسان الدين ولا يسددها، فقال أبو قتادة: (عليّ الديناران) ، فتقدَّم وصلى عليه.
وقد أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (مرض رجل فصُيِّح عليه) أي: صُيِّح على أنه قد مات، (فجاء جاره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إنه قد مات، قال: وما يدريك؟ قال: رأيته) ، أي: أنه سمع أهل المريض يصيحون حوله ففهم من ذلك أنه قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لم يمت، فرجع فَصُيِّح عليه، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد مات) أي: صارت المسألة مثل الأولى، (فقال: إنه لم يمت) وفي المرة الثالثة لم يرد أن يذهب إليه، فقالت امرأته: لو ذهبت إليه وأخبرته فقال: اللهم العنه! قال: ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه، ومعلوم أن لعن المعين لا يسوغ، وهذا الذي حصل من الصحابي ليس هناك ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه، بل حصل بينه وبين زوجته، ولعل سبب ذلك أنه كل مرة يقولون له: قد مات، فيذهب إلى الرسول فيخبره بأنه لم يمت، فيرجع فيجده لم يمت، فتكرر ذلك حتى سبه.
فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه قد مات، قال: وما يدريك؟ قال: (رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه، قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، قال: إذاً لا أصلي عليه) ، وهذا فيه التثبت في الأخبار، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله: (وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه، فقال: إذاً لا أصلي عليه) ، وهذا هو محل الشاهد، وهو أن الإمام لا يصلي على قاتل نفسه؛ وذلك من أجل زجر الناس عن الوقوع في مثل هذا الذنب العظيم.
ويلحق بالإمام من له منزلة عند الناس، فإذا تخلف عن الصلاة على فاعل ذلك تأثر الناس من تخلفه، كالعلماء مثلاً.



تراجم رجال إسناد حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الذي نحر نفسه بمشاقص
قوله: [حدثنا ابن نفيل] .
هو عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير حدثنا سماك حدثني جابر بن سمرة] .
وقد مر ذكرهم، وجابر بن سمرة صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث من الأحاديث الرباعية عند أبي داود.
الأسئلة



حكم دعاء المرأة بالدعاء الوارد عند زيارة المقابر
السؤال إذا مرت المرأة بجانب البقيع فهل يشرع لها أن تدعو بالدعاء المأثور؟
الجواب قد يكون مثل هذا سبباً لتعمد المرأة ذلك، فتكون زائرة للمقابر، فتتعرض للعنة، فالذي يبدو أن المرأة لا تفعل ذلك.



حكم الجلوس عند القبر عند دفن الميت
السؤال هل يستحب الجلوس عند القبر وقت دفن الميت؟
الجواب لا بأس بذلك.
معنى حديث علي: (قام في الجنائز ثم قعد بعد)
السؤال ألا يكون معنى حديث علي رضي الله عنه: (قام في الجنائز ثم قعد بعد) أي: أنه قام للجنائز عندما مرت به، ثم قعد بعد مرورها؟
الجواب هذا التفسير محتمل، لكن ذاك أولى من ناحية أنه قال: (قام في الجنائز، ثم قعد بعد) فمعناه: أنه كان يقوم في الجنائز، ولم يقل في الجنازة، بل هو يتكلم على جنس الجنائز، فمعنى ذلك أنه كان من عادته أنه يقوم للجنائز، ثم قعد بعد ذلك، أي: أنه نسخ.
ترجيح ابن القيم أن أحاديث القيام للجنازة ليست منسوخة
السؤال يقول ابن القيم رحمه الله: إن القيام للجنازة فيه أربعة أقوال: أحدها: أن ذلك كله منسوخ، وهذا المذهب ضعيف؛ لأن أحاديث القيام كثيرة صحيحة صريحة، ومنها حديث عامر بن ربيعة، فما التوجيه؟
الجواب القول بأن القيام ثابت لا شك فيه، لكن الكلام على النسخ، فما الذي أضعف مذهب النسخ؟ فالذي يظهر أن قوله: (ثم قعد بعد) يدل على أنه منسوخ، وأن ذلك الحكم قد انتهى.
حكم تشييع جنازة الكافر إذا كان من الجيران
السؤال هل يجوز تشييع جنازة الكافر إذا كان من الجيران؟
الجواب الذي يبدو أنه لا يشيع ولا يذهب معه.
حكم رفع اليدين عند الدعاء للميت بعد الانتهاء من دفنه
السؤال هل يشرع رفع اليدين عند الدعاء للميت بعد الانتهاء من دفنه؟
الجواب الذي يبدو أن الأمر في ذلك واسع، فما أعلم شيئاً ينفي ذلك، ولا أعلم شيئاً يثبته، فمن رفع فلا ينكر عليه، ومن لم يرفع فلا ينكر عليه أيضاً.
حكم تخصيص مسجد معين للصلاة فيه على الجنازة
السؤال هل تخصيص مسجد معين للصلاة على الجنازة يعد بدعة؟
الجواب ليس هذا بدعة، فإذا جُعل مسجد كبير يصلي فيه الناس، ويقصدون ذلك المكان من أجل أن يصلوا فيه على الجنازة فلا بأس بذلك؛ لأن هذا من أسباب كثرة المصلين، ففيه مصلحة وفائدة.
حكم إعلام الناس بصلاة الجنازة
السؤال هل يستحب للإمام إعلام الناس بأن هناك جنازة في المسجد الفلاني سيصلى عليها؟
الجواب الذي يبدو أنه لا بأس بذلك.
التفصيل بين حمل الجنازة مشياً إلى المقبرة وبين أخذها في السيارة
السؤال هل أخذ الجنازة إلى المقبرة في السيارة أفضل أم المشي بها؟
الجواب إذا كانت المقبرة قريبة فالمشي إليها هو الأفضل، وإذا كانت بعيدة يشق على الناس المشيء إليها فلا بأس أن يُذهب بها بالسيارة.
حمل جنائز أهل الشر
السؤال يقول عليه الصلاة والسلام (أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه) الحديث، هل يؤخذ منه أن الجنازة التي لا أعلم حال صاحبها هل هو صالح أم طالح أن الأفضل ألا أحملها؛ لأنها قد تكون جنازة شر؟
الجواب ليس معنى ذلك أن الشر يصيبك، وإنما المقصود أنه هو نفسه سينتهي إلى شر، وأن أمامه شراً ينتظره، فأنت ستؤجر على حملك، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، فقد يظهر للناس أنها صالحة وتكون بخلاف ذلك، وربما يظهر للناس أنها ناقصة وهي عنده على خير، فالحاصل: أن هذه من الأمور الغيبية، والميت مادام مسلماً فإن جنازته تتبع ويصلى عليها وتحمل، وأما أنه قد يكون صاحب شر فهذا لا يضر الحامل، وإنما الضرر على المحمول.
حكم الجلوس بعد وضع الجنازة على الأرض
السؤال من تبع الجنازة حتى وضعت على الأرض فهل يجب عليه الجلوس؟
الجواب الذي يبدو أن الأمر في ذلك واسع، فإن جلس فله ذلك، وإن لم يجلس فله ذلك.
حكم الصلاة على من نحر نفسه لمرض نفسي فيه
السؤال إذا كان الرجل به مرض نفسي ثم انتحر فهل يصلى عليه؟
الجواب أما الصلاة فإنه يصلى على كل مسلم، ولكن إذا تخلف عنه بعض الناس الذين لهم منزلة ومكانة من أجل أن ينزجر الناس عن مثل ذلك فلا بأس، وقد مر هذا في شرح حديث قاتل نفسه.
قاتل نفسه لا يخلد في النار
السؤال كيف يصلى على قاتل نفسه مع أنه قد ورد: (أنه من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في النار خالداً مخلداً فيها أبداً) ؟
الجواب معلوم أن هذا التخليد ليس كتخليد الكفار، وإنما هو تخليد نسبي؛ لأن كل من مات وهو غير مشرك بالله عز وجل فأمره إلى الله عز وجل، وإذا عذب فإنه لا يخلد في النار أبد الآبدين.
حكم ربط لحيي الميت وتوجيه رأسه إلى القبلة
السؤال هل ربط لحيي الميت بعد موته من السنة، وكذلك توجيه رأسه جهة القبلة؟
الجواب أما ربط اللحيين فلا أعلم شيئاً يدل عليه، ولكن إذا كان إطباق فمه من أجل أن يلتقي فكاه ولا يبقى منفتحاً فلا بأس.
وأما توجيه رأس الميت إلى القبلة فلا أعلم فيه نصاً، وإذا استقبل به القبلة احتجاجاً بالحديث الذي فيه: (خير المجالس ما استقبلت فيه القبلة) فلا بأس بذلك، وأما أن ذلك يجب ويلزم فلا أعلم فيه شيئاً خاصاً.
حكم التشريك في أجر تشييع الجنازة
السؤال هل يجوز لي وأنا أشيع الجنازة أن أقول: اللهم اؤجرني واؤجر والديَّ وإخوتي بهذا الأجر؟ وهل يؤجرون مثل أجري؟
الجواب لا يقال هذا، فإذا عمل الإنسان عملاً صالحاً فهو له، فيدعو الله أن يأجره عليه، ولا يكون ذلك له ولغيره.
وزن العامل والعمل والصحف يوم القيامة
السؤال ما هو الذي يوزن في الميزان يوم القيامة: هل هي الأعمال أو العامل؟
الجواب توزن الأعمال، وكذلك توزن الصحائف كما جاء في حديث البطاقة والسجلات، وجاء في وصف ساقي ابن مسعود رضي الله عنه: (أنهما أثقل في الميزان من جبل أحد) ، فقيل: معناه: أن شأنهما ومنزلتهما عند الله عز وجل عظيمة.
ومن أهل العلم من قال: يوزن العامل وعمله وصحفه، فالصحف جاء فيها حديث البطاقة والسجلات، وحديث الأعمال واضح في أن الأعمال توزن، وأنها تحول إلى أعيان، فقد جاء في الحديث: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان) ، فهذا يعني أن القول يجعل يوم القيامة جسماً وجرماً فيوضع في الميزان، وقد سبق أن مر بنا حديث: (من صلى على جنازة فله قيراط، من تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قال: والقيراط مثل جبل أحد) ، فمعناه أن الأعراض والأعمال تقلب أعياناً يوم القيامة، ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله وبحمده تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض) .
حكم الصيد بالكلب الأسود البهيم
السؤال هل يجوز الصيد بالكلب الأسود البهيم؟
الجواب ورد ما يدل على أن الكلب الأسود البهيم شيطان، فلا يصلح أن يتخذ للصيد، ومعلوم أن كلاب الصيد كلاب خاصة، فليس كل كلب يصلح أن يكون للصيد.
حكم هدايا الطلاب للمعلمين
السؤال هل تدخل هدايا الطلاب للمعلمين في هدايا العمال، وذلك بأن يشترك كل الطلاب فيشترون هدية ثمينة، فيقدمونها للمعلم من باب التودد والمحبة لا غير؟ وما حكم أن يعملوا وليمة في آخر العام الدراسي ويدعوا إليها المدرسين فقط؟
الجواب إعطاؤهم ذلك للموظف في وظيفة لاشك أنه محذور، سواء كان واحداً أو أقل أو أكثر؛ لأنه من العمال، وهدايا العمال غلول، ويمكن أنهم يتفقون أن يراعيهم جميعاً من ناحية الدرجات.
وأما تخصيص الوليمة للمدرسين فلا يصلح.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #625  
قديم 28-06-2025, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





حكم مقولة: اللهم إني لا أسألك رد القضاء
السؤال هل يجوز لإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك رد القضاء؟

الجواب لا أعلم شيئاً يدل على هذا، وإنما يسأل الإنسان ما يريد من خيري الدنيا والآخرة.
ثم إن القضاء الذي قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ لا يرد: (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) ، فكل شيء كُتب في اللوح المحفوظ لابد وأن يوجد، وأما الحديث الذي فيه: (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر) ، فهذا من قبيل الأسباب والمسببات، فالله عز وجل قدر أن يكون هناك شيء يندفع بسبب شيء آخر، فقدر المسبب وقدر مسببه، وقدر أن هذا لا يكون وقدر سبباً لعدم كونه، كما أن العمر محدد ومؤقت ولا يزيد ولا ينقص، وقد قال: (ولا يزيد في العمر إلا البر) ومعنى ذلك: أن الله تعالى قدر أن هذا يكون عمره طويلاً، وقدر من أسباب ذلك أن يكون هذا الشخص باراً، وليس المقصود أنه كان له عمر محدد ثم حصل منه البر فتغير ما في اللوح المحفوظ، فتحول عمره من خمسين سنة إلى سبعين سنة؛ فالأمر ليس كذلك، وإنما هو من باب حصول السبب والمسبب، ولهذا فعند أهل السنة والجماعة أن المقتول مقتول بأجله، بخلاف المعتزلة، فإنهم يقولون: إنه قُطع عليه أجله، ولو لم يقتل لعاش، وأما أهل السنة فعندهم أنه مات بأجله، فقد قدر أنه يموت في الوقت الفلاني، وقدر أن يكون سبب موته القتل ونحو ذلك.
كم الصلاة على قبر السقط الذي دفن ولم يصل عليه جهلاً
السؤال إذا سقط الطفل من بطن أمه بعد أربعة أشهر ودفن ولم يصل عليه جهلاً فهل يصلى على قبره؟

الجواب إذا كان قد نُفخ فيه الروح وصار إنساناً وطفلاً فإنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (والسقط يصلى عليه) ، فيصلى على قبره.




الصلاة على من قتلته الحدود



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على من قتلته الحدود.
حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر حدثني نفر من أهل البصرة عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل على ماعز بن مالك رضي الله عنه ولم ينه عن الصلاة عليه) ] .
قوله: [باب الصلاة على من قتلته الحدود] ، أي: من قتل في حد؛ لأنه لما ذكر في الترجمة السابقة الصلاة على قاتل نفسه، وأن الإمام لا يصلي عليه؛ من أجل التأديب والزجر للناس حتى لا يقعوا في الأمور المحرمة، أورد بعد ذلك الصلاة على من قُتل حداً، كمن قتل بحد الزنا، أو حد القصاص، وغير ذلك من القتل بالحق، فهل يصلى عليه أو لا يصلى عليه؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل على ماعز) وقد زنى ورجم، (ولم ينه عن الصلاة عليه) ، أي: أنه لم يصل عليه هو، وأما غيره فقد صلى عليه، وهذا يدل على أن كل مسلم يُصلى عليه، وأنه لا تُترك الصلاة عليه نهائياً بحيث يدفن دون أن يصلى عليه، فلابد من الصلاة على المسلم، ولكن قد يترك الإمام أو من له شأن عند الناس الصلاة على من قام ببعض الأعمال كقتل النفس، أو من ارتكب أمراً محرماً وأقيم عليه الحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم تخلف عن الصلاة عليه هنا من أجل الزجر.
ولكن الحديث الذي أورده أبو داود هنا وأنه لم يصل عليه، قد رواه جماعة هكذا، وجاء عن أحد الثقات وهو محمود بن غيلان أنه صلى عليه، فمن أهل العلم من قال: إن رواية محمود بن غيلان شاذة، ورواية غيره من الحفاظ التي فيها: أنه لم يصل عليه، هي المحفوظة، ومن أهل العلم من قال: إن رواية محمود بن غيلان مقبولة؛ لأنها جاءت من طريق ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، وتكون مثلما ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية وقد رجمت على الزنا) .
وعلى كل فإن كانت رواية محمود بن غيلان ثابتة فهي مطابقة لما جاء في الصحيح من الصلاة على الغامدية التي رجمت بسبب الزنا مثل ماعز، وإن كانت غير ثابتة ولم يصل عليه فيحتمل أن ذلك زجراً عن الوقوع في مثل هذه المعاصي، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بعض الأحوال، وتخلف عن الصلاة في بعضها.
والحاصل: أنه يصلى على الذي أقيم عليه الحد، كما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على الغامدية، وإن تركت الصلاة عليه من بعض الناس من أجل أن يكون في ذلك زجر وردع فلا بأس بذلك.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه)
قوله: [حدثنا أبو كامل] .
هو أبو كامل الفضيل بن حسين الجحدري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة] .
هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر] .
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني نفر من أهل البصرة] .
هم هنا عدد من التابعين، ولم يسموا، والألباني يصحح هذا الحديث، ولا أدري هل وقف على تسمية هؤلاء أو بعضهم، أو أنه مشى على عادته أنه إذا كان المجهولون أو المبهمون جمعاً فإنه يعول عليهم، ويصحح حديثهم؛ لأنهم عدد.
[عن أبي برزة الأسلمي] .
هو نضلة بن عبيد، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



الصلاة على الطفل



شرح حديث عدم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة على الطفل.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ] .
قوله: [باب في الصلاة على الطفل] ، الطفل يصلى عليه، وقد مر بنا الحديث الذي فيه: (والسقطُ يصلى عليه) وفي بعض ألفاظه: (والطفل يصلى عليه) ، وقد جاء في الأدعية: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا) ، فالصلاة على الأطفال قد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه إبراهيم فقد توفي وعمره ثمانية عشر شهراً ومع ذلك لم يصل عليه، فأخذ بعض أهل العلم من هذا أن الصلاة على الأطفال لا تجب، وقد جاء أنه يصلى على الأطفال، فالمعروف والمشهور عند العلماء أن الطفل يصلى عليه، وهل يستدل بترك الصلاة على أن الصلاة على الأطفال مستحبة، وأنه يمكن أن تترك على بعض الأطفال، أم يقال: إن هذا حصل لأن إبراهيم من أهل الجنة، وله ظئر ترضعه في الجنة؟ هذا ليس بواضح، وقد جاء فيما يتعلق بالصلاة على إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآثار المرسلة، وأما هذا الحديث الذي معنا فهو متصل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على أنه لم يصل على إبراهيم، ولكن الإشكال في كونه يتخذ دليلاً على أن الصلاة على الأطفال مستحبة وليست بواجبة، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه إبراهيم كما لم يصل على الشهداء؛ لأنه حصل لهم ما حصل من الكرامة والمنزلة، فيكون ابنه إبراهيم كذلك، فالذي يظهر أن التعويل يكون على أن الصلاة على الأطفال ليست بواجبة وإنما هي مستحبة فقط، وقد استدل الشيخ الألباني رحمه الله بعدم الصلاة على إبراهيم على استحباب الصلاة على الأطفال، وأنها غير واجبة.
وأما قول بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم انشغل بصلاة الخسوف عن الصلاة على ابنه إبراهيم فقول غير واضح؛ لأنه ليس هناك مشقة في أن يصلي عليه بعد صلاة الكسوف، وليس هناك ما يشغل عنها.



تراجم رجال إسناد حديث عدم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس] .
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد] .
يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الله بن أبي بكر] .
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة بنت عبد الرحمن] .
هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة مكثرة من الرواية عن عائشة وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا محمد بن عبيد عن وائل بن داود سمعت البهي قال: (لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المقاعد) .
قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني قيل له: حدثكم ابن المبارك عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة) ] .
أورد أبو داود هذين الحديثين المرسلين، وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم، وهما مرسلان؛ لأن الذي يرفعهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم من التابعين، وهما البهي، وعطاء بن أبي رباح، ومعلوم أن المرسل: هو ما يضيفه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس حجة عند المحدثين؛ لاحتمال أن يكون الساقط تابعياً، وذلك التابعي قد يكون ثقة وقد يكون ضعيفاً، فضعف المرسل لهذا الاحتمال.
وأورد أبو داود مرسلاً من طريق البهي وهو: (لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد) .
والمقاعد مكان قريب من المسجد، وفي الأثر الذي بعده: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه وهو ابن سبعين ليلة) ، وهذا فيه مخالفة لما تقدم من أنه مات وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فقال بعض أهل العلم: إن التعويل يكون على هذه المراسيل، ولكن المراسيل -كما عرفنا- غير حجة، والحديث المتصل ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والقول بأنه يستدل بالحديث المتصل السابق على أن الصلاة على الأطفال مستحبة وليست بواجبة فيه نظر؛ لاحتمال أن يكون ترك الصلاة عليه كما ترك الصلاة على بعض الشهداء، فابنه إبراهيم له منزلة، وكذلك الشهداء لهم منزلة، فلا يتخذ ذلك دليلاً على أن الأطفال أو بعضهم لا يصلى عليهم، أو أنها تكون مستحبة؛ لاحتمال أن يكون هذا الذي حصل له مثل الذي حصل للشهداء؛ لعلو منزلتهم ومكانتهم، ولعظيم ما أعده الله لهم من النعيم، ولا شك أن الصلاة فيها شفاعة وزيادة خير، فلعل العلة في ترْك الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة على الشهداء وعلى ابنه إبراهيم واحدة.



تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم
قوله: [حدثنا هناد بن السري] .
هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن عبيد] .
هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فائدة: إذا جاء محمد بن عبيد في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو الطنافسي، المتوفى سنة مائتين وأربع، وأما إذا جاء محمد بن عبيد في شيوخ أبي داود فيحتمل أنه محمد بن عبيد بن حساب، ويحتمل أنه محمد بن عبيد المحاربي، فالاثنان من شيوخه.
[عن وائل بن داود] .
وائل بن داود ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن البهي] .
هو عبد الله بن يسار، وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني] .
سعيد بن يعقوب الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[قيل له: حدثكم ابن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يعقوب بن القعقاع] .
يعقوب بن القعقاع ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عطاء] .
هو عطاء بن أبي رباح، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وذكر في (عون المعبود) أن الزركشي قال: ذكروا في ذلك وجوهاً منها: أنه لا يصلي نبي على نبي، وقد جاء أنه لو عاش لكان نبياً.
أقول: ليس هذا التعليل بظاهر، ثم ما هو الدليل على أنه لا يصلي نبي على نبي؟! فالأنبياء السابقون لا نعرف ما الذي حصل في زمنهم، فلا يُثبت ولا يُنفى إلا بدليل، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر صلى عليه أصحابه فرادى، فكان كل واحد منهم يصلي عليه على حدة، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم موجودة، فهذا التعليل ليس بالمستقيم.



الصلاة على الجنازة في المسجد



شرح حديث: (والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على الجنازة في المسجد.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا فليح بن سليمان عن صالح بن عجلان ومحمد بن عبد الله بن عباد عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد) ] .
قوله: [باب الصلاة على الجنازة في المسجد] الأصل أن الصلاة على الجنازة تكون في خارج المسجد، وهكذا كان الأمر في زمنه صلى الله عليه وسلم والغالب على فعله، وقد جاء ما يدل على أنه صلى على بعض الجنائز في المسجد، فدل ذلك على أنه سائغ، ولكن كون الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم أنه يصلي عليها في غير المسجد يدل على أنه هو الأولى، وقد يكون في الصلاة في المسجد مصلحة للميت، وذلك لأن المسجد يكثر فيه المصلون، فيحصل الدعاء والشفاعة من عدد كبير من الناس.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (والله ما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على ابن البيضاء إلا في المسجد) ، وسبب قولها هذا أنها طلبت أن يوتى بجنازة سعد بن أبي وقاص إلى باب حجرتها لتصلي عليه، فكأن بعض الناس تكلم في ذلك، فأجابت بهذا الجواب، واستدلت بهذا الدليل على الصلاة في المسجد، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على ابن البيضاء في المسجد، وأقسمت على ذلك من أجل بيان تحققها وتأكدها وضبطها للشيء الذي تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على جواز الحلف من غير استحلاف؛ من أجل التأكيد، لاسيما وقد حصل تردد من بعض الناس في هذا العمل الذي أرادت عائشة أن تعمله.



تراجم رجال إسناد حديث: (والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا فليح بن سليمان] .
فليح بن سليمان صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن عجلان] .
صالح بن عجلان مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن محمد بن عبد الله بن عباد] .
قال في التقريب: ويقال: صوابه محمد بن عباد بن عبد الله، أي: بتقديم عباد على عبد الله، وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
ولا يضر هنا وجود هذا الرجل في صحة الحديث؛ لأن الحديث في صحيح مسلم من غير هذا الوجه، فالحديث ثابت في صحيح مسلم، وفيه بيان سبب هذا الحديث، وهو طلب عائشة رضي الله عنها أن يؤتى بجنازة سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه لتصلي عليه عند باب حجرتها.
[عن عباد بن عبد الله بن الزبير] .
عباد بن عبد الله بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة مر ذكرها.



شرح حديث: (والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك -يعني: ابن عثمان - عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابني بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه) ] .
أورد أبو داود الحديث السابق من طريق أخرى عن عائشة: (أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على ابني بيضاء في المسجد) تعني: سهيلاً وأخيه.



تراجم رجال إسناد حديث: (والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] .
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن أبي فديك] .
هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الضحاك بن عثمان] .
الضحاك بن عثمان صدوق يهم أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي النضر] .
هو سالم المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة مر ذكرها.
فهذا الحديث إسناده مستقيم، فالإسناد السابق وإن كان فيه كلام إلا أن هذه الطريق بمعناه تشهد له.



شرح حديث: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب حدثني صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) هكذا جاء عند أبي داود: (فلا شيء عليه) ، وجاء عند غيره: (فلا شيء له) وفُسر قوله: (فلا شيء له) أنه ليس هناك ميزة ولا فضيلة بصلاته على الجنازة في المسجد على الصلاة في غير المسجد، فالمسجد هو خير البقاع وأشرفها، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغضها إلى الله أسواقها) ، فالمساجد هي أفضل البقاع وأحبها في كل البلدان؛ لأنها محل الذكر والعبادة والطاعة، ومع ذلك من صلى على الجنازة في المسجد لا يقال: إن له ميزة على الصلاة عليه في غير المسجد؛ لأن أكثر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليها أنه كان في غير المسجد، إذاً فالمراد أنه لا يظن باعتبار أن المساجد أفضل البقاع أن الصلاة فيها على الجنازة أفضل من الصلاة عليها في خارج المساجد، وإنما يدل على أن الصلاة عليها في المساجد سائغة، وفضل الصلاة في المسجد وميزتها إنما تكون في صلاة الجماعة، فهنا لها فضل وميزة على غيرها، وقد جاء في الحديث: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة) ، وفي رواية: (بخمسة وعشرين جزءاً) .
فالمقصود: أنه في الحديث السابق نفي شيء خاص، وليس نفي الأجر، فإن الأجر والثواب حاصلان، وقد قالوا: إن الصلاة على الجنازة في المسجد قد يترتب عليها أن الذي يصلي في المسجد قد ينصرف ولا يتبع الجنازة، وإذا ذهب إليها وصلى عليها في الأماكن التي يصلى على الجنائز فيها فإنه يكون قد ذهب خطوات من أجل الصلاة على الجنازة، فيؤجر على ذلك، ويحصل على القيراطين المذكورين في الحديث، وأيضاً فإنه يسهل عليه أن يذهب لتشييعها واتباعها، بخلاف ما لو صلى في المسجد فإنه ينصرف ولا يتبع الجنازة.



تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى القطان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب] .
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح مولى التوأمة] .
هو صالح بن نبهان مولى التوأمة، وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وابن أبي ذئب ممن روى عنه قبل الاختلاط، فروايته عنه صحيحة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقد ذكر الترمذي هذا الحديث في (العلل) ، ونقل عن البخاري أنه قال: ابن أبي ذئب روى عن صالح مولى التوأمة أخيراً، وروى عنه مناكير.
وذكره ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام) وحكم عليه بالنكارة.
وقد ذكر في (التقريب) أن ابن أبي ذئب ممن روى عن صالح مولى التوأمة قبل الاختلاط.
وقال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كـ ابن أبي ذئب وابن جريج.



الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها



شرح حديث: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يحدث أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تَضَيّف الشمس للغروب حتى تغرب) أو كما قال] .
قوله: [باب الدفن عند طلوع الشمس وغروبها] ، أي: أن ذلك جاء فيه النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو ندفن فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف للغروب) أي: حين تقترب من الغروب وتكون على وشك الغروب، فهذه الأوقات الثلاثة ينهى عن الصلاة فيها، سواء كانت صلاة جنازة أو غيرها، وينهى أيضاً عن الدفن فيها، وهي أوقات قصيرة يمكن أن يُنتظر حتى تنقضي، والانتظار فيها لا يؤثر.
قوله: (وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل) أي: حتى تميل إلى جهة الغرب، ويحصل الزوال الذي به يدخل وقت صلاة الظهر.
قوله: (وحين تَضَيَّف الشمس للغروب حتى تغرب) أي: إذا قربت من الغروب حتى تغرب.



تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا موسى بن علي بن رباح] .
موسى بن علي بن رباح صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عقبة بن عامر] .
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه له أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #626  
قديم 28-06-2025, 02:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [369]
الحلقة (401)



شرح سنن أبي داود [369]
إذا مات رجال ونساء فكيف يرتبون عند الصلاة عليهم؟ وأين يقف الإمام إذا صلى على الميت رجلاً كان أو امرأة؟ وكم عدد تكبيرات صلاة الجنازة؟ وما يقرأ فيها؟ وبماذا يدعى فيها للميت؟ هذه مسائل متعلقة بصلاة الجنازة، وقد جاءت مفصلة في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.




ترتيب جنائز الرجال والنساء عند الصلاة عليها




شرح أثر الصلاة على أم كلثوم وابنها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدّم.
حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا ابن وهب عن ابن جريج عن يحيى بن صبيح حدثني عمار مولى الحارث بن نوفل: (أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكرت ذلك، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة رضي الله عنهم، فقالوا: هذه السنة) ] .
قوله: [باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم] إذا حضر جنائز رجال ونساء وأطفال فإنه يقدم الرجال، ثم الأطفال، ثم النساء، وهذا مثلما يكون في صفوف الصلاة، ففي صفوف الصلاة يكون الرجال أولاً، ثم يليهم الأطفال، ثم تليهم النساء.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة أنهم قالوا: إن السنة تقديم الطفل على المرأة، وأن الطفل يلي الإمام، وتكون المرأة من ورائه، وقول الصحابة عن شيء: إنه من السنة، فإنهم يعنون بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون له حكم الرفع، ومن الصيغ التي لها حكم الرفع أيضاً قول الصحابي: هذا هو السنة، أو هو سنة، فهذا يحمل على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمقصود بالسنة هنا: الطريقة والمنهج، والسنة تطلق على أربعة إطلاقات.
الإطلاق الأول: تطلق ويراد بها الطريقة والمنهج، فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كل ما جاء في الكتاب والسنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) ، وقولهم هنا: (من السنة) ، أي: سنة الرسول، وهي منهجه وطريقته، فالمقصود بذلك المعنى العام.
الإطلاق الثاني: تطلق ويراد بها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فتكون مرادفة للحديث، ومنه قول الفقهاء والعلماء عندما يريدون أن يحتجوا بمسألة فيجملون الأدلة ثم يفصلونها، فيقولون: وقد دل على هذه المسألة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فأما الكتاب: فقول الله تعالى كذا، وأما السنة: فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، فالسنة إذا جاءت معطوفة على الكتاب فالمراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الإطلاق الثالث: تأتي السنة ويراد بها ما يعتقد موافقاً للسنة، أي: خلافاً للبدعة، فالسنة تقابل البدعة، ومنه الكتب التي ألفت في العقيدة من سلف هذه الأمة، كالسنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة للالكائي، والسنة للطبراني، والسنة لـ محمد بن نصر المروزي، ولـ أبي داود، وهو كتاب بعنوان: كتاب السنة ضمن السنن، وقد جمع فيه الأحاديث المتعلقة بالعقيدة، فالسنة هنا تقابل البدعة.
الإطلاق الرابع: تأتي بمعنى المندوب والمستحب، وهذا في اصطلاح الفقهاء، فإنهم إذا قالوا: يسن كذا، فمعناه: أنه من الأمور المستحبة المندوبة، وليس من الأركان ولا من الواجبات، وإذا قالوا: أركان وواجبات وسنن، فإنهم يقصدون بالسنن المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ويطلبها الشارع طلباً غير جازم.
وإذا كانت الجنائز جنائز أطفال ذكور وإناث فالذي يبدو أن الإناث تكون وراءها، فيقدم الذكور على الإناث، ولو كان هناك أطفال إناث ونساء في حال الصلاة فإن الأطفال والإناث يكنّ وراء النساء، فالذين يقدمون على النساء هم الأطفال الذكور، وتكون صفوفهم في الصلاة عليهم كصفوفهم في الصلاة وراء الإمام في صلاة الجماعة.
قوله: [عن عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها] .
هي أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنهما، وهي زوجة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعنها وعن الصحابة أجمعين، وابنها هو زيد، وقد ماتا في وقت واحد، وقدما للصلاة، فقدِّم الابن وجعلت هي وراءه، أي: أن الابن يلي الإمام وأمه تكون وراءه إلى جهة القبلة.




تراجم رجال إسناد أثر الصلاة على أم كلثوم وابنها
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي] .
يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن صبيح] .
يحيى بن صبيح صدوق أخرج له أبو داود.
[عن عمار مولى الحارث بن نوفل] .
عمار مولى الحارث بن نوفل صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[وفي القوم ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وأبو سعيد] .
هو سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[وأبو قتادة] .
هو أبو قتادة الحارث بن ربعي صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو هريرة] .
قد مر ذكره.




مكان قيام الإمام من الميت إذا صلى عليه




شرح حديث أنس في صلاته على الرجل وقيامه عند رأسه وصلاته على المرأة وقيامه عند عجيزتها ورفعه ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه؟ حدثنا داود بن معاذ حدثنا عبد الوارث عن نافع أبي غالب قال: (كنت في سكة المربد فمرت جنازة معها ناس كثير، قالوا: جنازة عبد الله بن عمير، فتبعتها فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينته، وعلى رأسه خرقة تقيه من الشمس، فقلت: من هذا الدَّهقان؟ قالوا: هذا أنس بن مالك، فلما وضعت الجنازة قام أنس، فصلى عليها وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع، ثم ذهب يقعد، فقالوا: يا أبا حمزة! المرأة الأنصارية، فقربوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ثم جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الجنائز كصلاتك، يكبر عليها أربعاً ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم، قال: يا أبا حمزة! غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن علي نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رسول الله! تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبايعه؛ ليفي الآخر بنذره، قال: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يصنع شيئاً بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله! نذري، فقال: إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك، فقال: يا رسول الله! ألا أومضْتَ إلي؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه ليس لنبي أن يومض) ، قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم.
قال أبو داود: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر بقتله بقوله: إني قد تبت] .
قوله: [باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه] أي: إذا قدِّم وجعل بين يدي الإمام ليصلي عليه، فأين يقف، هل يقف عند رأسه، أو وسطه، أو عند صدره، أو ماذا؟ وقد جاءت السنة بأنه يقف عند رأس الرجل ووسط المرأة عند عجيزتها، وهذه المسألة من المسائل التي جاءت في السنة بالمغايرة فيها بين الرجال والنساء في الأحكام، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، فلا يفرق بينهما إلا إذا جاء دليل يدل على التفريق بينهما كما في مسألتنا هذه، فإذا جاء التفريق فُرِّق بينهما، وأيضاً مثل التفريق بين بول الجارية وبول الغلام اللذين لم يأكلا الطعام، وهناك مسائل كثيرة يفترق فيها الرجال عن النساء في الأحكام، والأصل هو عدم التفريق إلا إذا وجد ما يدل على التفريق، فالسنة هي الوقوف عند رأس الرجل ووسط المرأة.
وقد أورد أبو داود حديث نافع أبي غالب قال: (كنت في سكة المربد) ، السكة هي الطريق، والمربد: مكان بالبصرة، (فمرت جنازة يتبعها ناس كثير فسأل عنها، فقيل: هذه جنازة عبد الله بن عمير فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينة له) وهو تصغير برذون، والبرذون -كما سبق أن مر بنا- هو الفرس غير العربي، فهو إذن ليس أصيلاً، فقد قيل: إنه من خيل الترك.
(وعلى رأسه خرقة تقيه من الشمس، فقلت: من هذا الدهقان؟) الدهقان يطلق على عدة معاني، منها: التاجر، ومنها: القوي على التصرف مع حدة، وزعيم الفلاحين ورئيس الإقليم.
قوله: (فلما وضعت الجنازة) أي: جنازة عبد الله بن عمير، (قام وصلى عليها، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء) معناه: أنه أتقن العمل الذي عمله أنس بن مالك في الصلاة، حيث صلى أربعاً، ووقف عند رأس الرجل.
قوله: (فقام عند رأسه) ، وهذا هو محل الشاهد، أنه يقف عند رأس الرجل، (وكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع) أي: ليس هناك تطويل ولا إسراع، وإنما هو توسّط، ومعلوم أن التكبيرات ليس فيها تطويل، ولكن الكلام فيما بينهن من القراءة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء.
وهذا يدل على أن التكبيرات على الجنازة تكون أربعاً، وقد جاء أكثر من ذلك إلى تسع، ولكن الذي عليه عمل الصحابة والخلفاء التكبير أربع تكبيرات.
قوله: (ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة! المرأة الأنصارية) ، أي: أنه لما فرغ ظن أنه ليس هناك جنازة أخرى، (فقيل: المرأة الأنصارية) أي: هناك جنازة أخرى لامرأة أنصارية.
قوله: فقربوها وعليها نعش أخضر، وهو غطاء غُطِّيت به ليسترها، قيل: إن هذا إنما أتي به من الحبشة، فقد كانوا يفعلون ذلك، وقيل: إن أول ما فُعل ذلك بـ فاطمة رضي الله عنها، وقيل: إنه فعل بـ زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها.
وهذا الأثر يدل على أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك، وهو ستر للمرأة يواري حجمها وتقاطيعها.
قوله: (فقام عند عجيزتها) أي: عند وسطها.
قوله: [(فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز كصلاتك يكبر عليها أربعاً ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم)] .
أي: هل فعلك هذا مطابق لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام في التكبير أربعاً والوقوف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ فقال: نعم، وهذا هو رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أنه من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وليس من فعل أنس نفسه، فهو متبع لا مبتدع.
قوله: (قال: يا أبا حمزة! غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا، فهزمهم الله، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن علي نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه؛ لأنه كان شديد الإيذاء والإساءة للمسلمين.
قوله: (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل) .
أي: تريّث الرسول صلى الله عليه وسلم في مبايعة ذلك الرجل ليفي الناذر بنذره، فلما لم يفعل الناذر شيئاً بايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وجيء بالرجل فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبايعه؛ ليفي الآخر بنذره، قال: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم)] ، المراد بالرجل الذي يتصدى صاحب النذر.
قوله: (ليأمره بقتله) أي: أنه ينتظر منه إشارة وأمراً بقتله.
[(وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله)] ، أي: أنه لم يُقدم بدون إشارة وإذن من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يحصل منه تنفيذ بايعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: (نذري يا رسول الله! فقال: إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك، قال: يا رسول الله! ألا أومضت إلي) أي: أشرت إليّ إشارة.
فقال عليه الصلاة والسلام: (إنه ليس لنبي أن يومض) أي: ليس له أن يظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر، وقد سبق أن مر بنا حديث مثل هذا، وفيه: (لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) .
قوله: [قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم] ، وهذا التعليل غير واضح؛ لأنه لو كان ذلك من أجل الستر فهي الآن مستورة، فينبغي أن يتغير هذا الأمر ويتحول لتغير العلة، ولكنه وقف وسطها مع سترها، فدل ذلك على أن الموقف يكون في وسط المرأة في جميع الأحوال، سواء كانت مستورة أو غير مستورة.
[قال أبو داود: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قتله بقوله: إني قد تبت] ، لأنه صلى الله عليه وسلم تريث وتمهل من أجل أن يفي بنذره.




تراجم رجال إسناد حديث أنس في صلاته على الرجل وقيامه عند رأسه وصلاته على المرأة وقيامه عند عجيزتها ورفعه ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا داود بن معاذ] .
داود بن معاذ ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الوارث] .
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع أبي غالب] .
نافع أبو غالب ثقة أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أنس] .
أنس رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها للصلاة وسطها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حسين المعلم حدثنا عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها للصلاة وسطها) ] .
سبق أن ذكر أبو داود ترجمة أين يقف الإمام في صلاة الجنازة فيما إذا كان المصلى عليه رجل أو امرأة، وجاء في حديث أنس بن مالك الذي تقدم أنه يقف عند رأس الرجل، وعند عجيزة المرأة، وقد أورد أبو داود بعد هذا حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه هذا وهو: (أنه صلى وراء النبي عليه الصلاة والسلام على امرأة ماتت في نفاسها، فوقف في وسطها) وهذا لا ينافي ما تقدم من ذكر العجيزة؛ لأن ذلك هو الوسط أو قريب من الوسط، وكل منهما يدل على أنه لا يقف عند رأسها، وإنما يقف عند رأس الرجل.




تراجم رجال إسناد حديث: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها للصلاة وسطها)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حسين المعلم] .
هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن بريدة] .
عبد الله بن بريدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة] .
هو سمرة بن جندب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




التكبير على الجنازة




شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر رطب فصفوا عليه وكبر عليه أربعاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير على الجنازة.
حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس سمعت أبا إسحاق عن الشعبي: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبر رطب فصفوا عليه، وكبر عليه أربعاً) فقلت للشعبي: من حدثك؟ قال: الثقة من شهده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما] .
قوله: [باب التكبير على الجنازة] أي: أن صلاة الجنازة فيها تكبيرات، وقد جاءت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأقل شيء جاء هو أربع تكبيرات، وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، وكذلك خلفاؤه، وأكثر ما ورد تسع تكبيرات، ولكن الأكثر من حيث العمل والذي عليه عمل الخلفاء هو أربع تكبيرات.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر رطب فصفوا عليه) ، قوله: (رطب) أي: حديث عهد بدفن، وعليه أثر الدفن، (فصفوا عليه، وكبر أربعاً) أي: صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فكان إماماً لهم، وكانوا يصلون معه بصلاته صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن من لم يصل على الميت قبل دفنه في المصلى أو في المسجد فإنه يصلي عليه بعد الدفن بحيث لا يطول الأمد كثيراً، ويكون حديث عهد بالدفن، وحديث ابن عباس هذا يدل على أنهم صلوا عليه في وقت قريب، فقد قال: (رطب) ، والرطوبة هذه نتيجة كونه دفن حديثاً ولم يتقادم عهده، فصلى عليه وصلوا معه، فدل هذا -كما ذكرنا سابقاً- على أن الصلاة على القبر بعد الدفن سائغة، وأن هذا ليس خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقد فعله معه أصحابه، والأصل أن الأحكام عامة، ولا تثبت الخصوصية للنبي عليه الصلاة والسلام إلا بدليل، وصلاة الصحابة معه تدل على أنه حكم عام وليس من خصائص الرسول، وحتى لو صلى وحده عليه الصلاة والسلام فإن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل.




تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر رطب فصفوا عليه وكبر عليه أربعاً)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن إدريس] .
هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا إسحاق] .
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أضاف الشعبي ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما سئل من حدثه به قال: الثقة من شهده، أي: من شهده عبد الله بن عباس، يعني: أن صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس.
فقوله: (من شهده) أي: من شهد ذلك وحضره مع هؤلاء الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما كلمة: الثقة، فمعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، ولا إلى توثيق الموثقين بعد تعديل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لعل الشعبي أراد من وراء ذلك أن يبين أن الذي حدثه بذلك هو عمدة، وهو ممن يعول على كلامه فقد شهد ذلك، وإلا فإن المعروف من طريقة العلماء أنه لا يقال للواحد من الصحابة: ثقة، وإنما يكفي أن يقال: صحابي، فإن وصف بأنه صحابي فهو أعلى الأوصاف، فلا يحتاج بعد ذلك إلى أن يوصف بشيء آخر لا ثقة ولا غير ثقة، ولهذا فالمعروف عند المحدثين وغيرهم من العلماء إذا ذكروا واحداً من الصحابة فإنهم يكتفون بأن يقولها عنه: له صحبة، اللهم إلا إذا كان له خصوصية فيذكرونها فيقولون: شهد بدراً، أو شهد الحديبية، أو إنه من السابقين الأولين، وغير ذلك من صفات الصحابة التي يتفاضلون ويتفاوتون بها، وأما توثيق الصحابة وأن يقال عن الواحد منهم: ثقة، فهذا غير معروف، وقد ذكروا في ترجمة عبد الله بن المبارك رحمه الله أن بعض العلماء قال عنه: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة؛ لأنه عظيم الشأن، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من باب أولى.




شرح حديث تكبير زيد بن أرقم على الجنائز أربعاً وخمساً ورفعه ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة (ح) وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى أنه قال: (كان زيد -يعني ابن أرقم - رضي الله عنه يكبر على جنائزنا أربعاً، وإنه كبر على جنازة خمساً فسألته، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكبرها) .
قال أبو داود: وأنا لحديث ابن المثنى أتقن.
] .
أورد أبو داود حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال ابن أبي ليلى: (كان زيد بن أرقم يصلي على جنائزنا أربعاً، وإنه كبر مرة خمساً، فسألته عن التكبير خمساً فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها) أي: أن ذلك قد حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على حصول التكبير أكثر من أربع، وجاء ما يدل على أكثر من ذلك، لكن المشهور والمعروف عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن بعض الخلفاء الراشدين أنه يكبر أربعاً، وهذا هو الذي عليه عمل الناس غالباً، والزيادة على ذلك في حدود ما ورد سائغة ما دام أنه قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فما دام أن الأغلب الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه هو التكبير أربع تكبيرات فالأولى فعل ذلك، فإن فعل غيره مما ورد فهو أمر سائغ، وهذا يسمى: اختلاف تنوع، فكل تلك الأنواع حق، فإذا أتي بذلك في بعض الأحيان حتى يُعرف أن الأمر ليس مقصوراً على أربع، وأن غير ذلك سائغ فلا بأس بذلك، فقد يجهل الناس ذلك كما حصل من عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقد كان المعهود أن الإمام يكبر أربعاً، فلما كبر خمساً سألوه، فبين أن الرسول فعل ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث تكبير زيد بن أرقم على الجنائز أربعاً وخمساً ورفعه ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] .
هو هشام بن عبد الملك، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن المثنى] .
معنى: (ح) التحول من إسناد إلى إسناد آخر، ومحمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر] .
محمد بن جعفر هو الملقب بـ غندر البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة عن عمرو بن مرة] .
هذا الإسناد أنزل من الإسناد الأول، ففي الإسناد الأول: هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة، أي: أن بين أبي داود وبين شعبة واسطة واحدة، وفي الإسناد الثاني: محمد بن مثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة، فبينه وبين شعبة واسطتان.
[عن عمرو بن مرة] .
هو عمرو بن مرة الهمداني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى] .
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أرقم] .
زيد بن أرقم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: وأنا لحديث ابن المثنى أتقن] .
أي: أنه أتقن حديث الشيخ الثاني في الإسناد النازل، وهو: محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #627  
قديم 28-06-2025, 02:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله




ما يُقرأ على الجنازة




شرح قول ابن عباس عن قراءة الفاتحة على الجنازة: (إنها من السنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب ما يقرأ على الجنازة.
حدثنا محمد بن كثير أخرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنه قال: (صليت مع ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، فقال: إنها من السنة) ] .
قوله: [باب ما يقرأ على الجنازة] ، أي: ما يُقرأ في الصلاة من القرآن.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أنه قرأ بفاتحة الكتاب وقال: إنها من السنة) ، والصحابي إذا قال: من السنة، فالمراد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون له حكم الرفع، فجاء عن ابن عباس رضي الله عنه قراءة الفاتحة، وجاء عنه قراءة سورة بعدها، والمتعين هو قراءة الفاتحة، وأما غيرها فهو مثل السورة في الصلاة المفروضة، أي: أنها مستحبة.
وقد أسمعهم ابن عباس قراءته هنا؛ حتى يعرفوا أنها سنة.
ولا يُشرع أن يقول شيئاً قبل الفاتحة غير الاستعاذة، فليس هناك دعاء استفتاح، فإنه لم يأتِ شيء يدل عليه في صلاة الجنازة.




تراجم رجال إسناد قول ابن عباس عن قراءة الفاتحة على الجنازة: (إنها من السنة)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن إبراهيم] .
سعد بن إبراهيم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن عبد الله بن عوف] .
طلحة بن عبد الله بن عوف ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.




الدعاء للميت




شرح حديث: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب الدعاء للميت.
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) ] .
قوله: [باب الدعاء للميت] ، أي: في الصلاة، ومعلوم أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت والشفاعة له، فهذا هو المقصود منها، وما قبل ذلك من الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بمثابة التمهيد؛ لأن من أسباب قبول الدعاء أن يسبقه حمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي سبق أن مر بنا في قصة ذلك الرجل الذي سأل في صلاته ولم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا) ، فدل هذا على أن من أسباب قبول الدعاء أن يسبقه بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة الفاتحة هي حمد لله وثناء عليه وتمجيد له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يأتي بالمقصود من الصلاة على الجنازة وهو الدعاء، إذاً فصلاة الجنازة إنما شُرعت للدعاء، وما سوى الدعاء مما يكون قبل ذلك إنما هو تمهيد؛ لأنه من أسباب قبول الدعاء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) أي: اجتهدوا في الدعاء من قلوب مخلصة، فهذا هو المقصود من صلاة الجنازة.
ومعلوم أنه كونه يدعا له وحده فهذا هو الأصل، لكن إذا دُعي للحي بعده كما جاءت به السنة فلا بأس بذلك، وأما أن يقوم الإنسان على الجنازة يدعو لنفسه فلا، بل يدعو للميت، وأما قوله في الدعاء: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) فهذا دعاء للحي، ولكنه يتعلق بالميت، فالذي يبدو أن المقصود منه هو أن الإنسان يجتهد ويقبل على الله، ويهتم بالدعاء، فلا يكون هناك ذهول ولا غفلة؛ حتى يحصل المقصود من الصلاة على الجنازة.




تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني] .
عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني محمد يعني: ابن سلمة] .
هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إبراهيم] .
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.




شرح حديث: (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا أبو الجلاس عقبة بن سيار حدثني علي بن شماخ قال: شهدت مروان سأل أبا هريرة رضي الله عنه: (كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الجنازة؟ قال: أمع الذي قلت؟ قال: نعم، -قال: كلام كان بينهما قبل ذلك- قال أبو هريرة: اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن مروان بن الحكم سأله: (كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة؟) والمراد بذلك الدعاء، أي: كيف سمعته يدعو للميت في صلاة الجنازة؟ (قال: أمع الذي قلت؟) وفي هذا إشارة إلى كلام سابق كان بينهما قبل هذا السؤال.
قوله: (اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له) .
وهذا فيه ثناء على الله عز وجل قبل الدعاء، ومعلوم أن التمهيد للدعاء بالثناء عليه وتعظيمه وتمجيده تعالى أمر مطلوب ينبغي للعبد أن يحرص عليه، وأن يعنى به.
وقوله: (وجئناك شفعاء) أي: ندعوك، فالمقصود بالشفاعة هنا، أي: جئناك نطلب منك أن تغفر لها، وأما ما قبله فإنما هو تمهيد له، ووسيلة إليه.
وإذا قيل: كيف يكون هذا والله جل وعلا يقول {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] ، فلا بد من الإذن؟ فيقال: لقد أذن الله تعالى في الشفاعة بالدعاء، ومعنى هذه الآية: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] ، أي: أن الشفاعة في الآخرة لا تكون إلا لمن أذن الله له فيها، ولا تكون إلا لمن رضي قوله وعمله، وأما بالنسبة للدنيا فالشفاعة دعاء، والدعاء مأذون فيه، وقد مر في الحديث: (إنه لا يصلي عليه أربعون يشفعون فيه إلا شفعهم الله فيه) أي: يدعون له.




تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام)
قوله: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو] .
أبو معمر عبد الله بن عمرو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث] .
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الجلاس عقبة بن سيار] .
أبو الجلاس عقبة بن سيار ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني علي بن شماخ] .
علي بن شماخ مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر، وقد مر ذكره.
[قال أبو داود: أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ، قال فيه: عثمان بن شماس، قال أبو داود: سمعت أحمد بن إبراهيم الموصلي يحدث أحمد بن حنبل قال: ما أعلم أني جلست من حماد بن زيد مجلساً إلا نهى فيه عن عبد الوارث وجعفر بن سليمان] .
جاء هذا في بعض نسخ أبي داود، ولا أدري ما معنى هذا الكلام، فـ عبد الوارث معروف أنه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، فلا أدري ما وجه أخذ حماد بن زيد عليه، ولعله لكونه رُمي بالقدر.
وأما جعفر بن سليمان فصدوق أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن، ولعل كلام حماد بن زيد فيه من أجل أنه كان يتشيع، ولكن هذا لا يمنع من الأخذ عنهما، فـ عبد الوارث بن سعيد أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو حجة وعمدة.
[قال أبو داود: أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ، قال فيه: عثمان بن شماس، وسمعت أحمد بن إبراهيم الموصلي] .
أحمد بن إبراهيم الموصلي صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة في (التفسير) .
[يحدث أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: ما أعلم أني جلست من حماد بن زيد] .
أي: أنه يكرر الكلام فيهما.




شرح حديث: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا شعيب -يعني: ابن إسحاق - عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جنازة فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعائه في صلاته على جنازة (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) .
هنا في رواية أبي داود ذكر الإيمان أولاً، وذكر الإسلام آخراً، فقال: (اللهم من أحييته فأحيه على الإيمان، ومن توفيته فتوفه على الإسلام) ، والمعروف في أكثر الروايات هو العكس، (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان) ، ومعلوم أن الإيمان والإسلام إذا انفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، وإذا جُمع بينهما في الذكر فإن المعنى يوزع بينهما كما في حديث جبريل، ومعلوم أن الإنسان في الحياة الدنيا يحيا على دين الإسلام، وأما عند الموت فإنه يكون على الإيمان، وهو أكمل من الإسلام، فدرجة الإيمان أعلى من درجة الإسلام؛ لأن الإيمان يشمل الإسلام وزيادة، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، ولهذا جاء في القرآن في سورة الحجرات: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] ، وجاء في حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جماعة وفيهم رجل كنت أظنه أولاهم، فقلت: يا رسول الله! إنك أعطيت القوم وفيهم فلان وهو مؤمن، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أوْ مسلم) أي: أنه يلقنه أن يقول: مسلم؛ لأن الإسلام هو المقدار الذي يشترك فيه الناس، فكل من دخل في الإسلام فإنه يقال له: مسلم، لكن ليس كل من دخل في الإسلام يقال له: مؤمن؛ لأن الإيمان أكمل من الإسلام، ولهذا فالمشهور عند أهل السنة أن الإنسان يستثني في الإيمان فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنها درجة كمال، ولكن إذا قيل له: أأنت مسلم؟ فإنه يقول: نعم مسلم، وإذا قيل له: أنت مؤمن؟ فيقول: مؤمن إن شاء الله.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجهاً في تقديم الإسلام وهو: أن الإسلام إذا ذُكر مع الإيمان فالمراد به العمل، وما دام أن الإنسان في الحياة فعنده استطاعة على العمل، وأما عند الموت فلا مجال إلا للإيمان، أي: الاعتقاد الصحيح.
أقول: وهذا يوضح هذا المعنى، فالإسلام -كما هو معلوم- هو الاستسلام والانقياد، فهنا قال: لأن الإسلام يراد به العمل، ولهذا لما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام في حديث جبريل قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) ولما فسر الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) فكله اعتقادات قلبية ليس فيها عمل، فعند الجمع بينهما يحمل الإسلام على الأمور الظاهرة، ويحمل الإيمان على الأمور الباطنة، وكما قال شيخ الإسلام إن الحياة فيها عمل، وأما عند الموت فإنه يموت على الإيمان والتصديق بأركان الإيمان هذه.
ويمكن أن يقال: إن الحديث وقع فيه قلب، وذلك كما وقع في حديث أبي هريرة: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) فقلبه بضعهم فقال: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) ، وكما جاء في حديث: (من كان له إبل لا يؤدي زكاتها بطح يوم القيامة بقاع قرقر، فتمر عليه تطؤه بأخفافها، كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها) ، فقد جاء مقلوباً: (كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها) ، مع أن الرد لا يكون إلا بعدما ينتهي الآخر، فيبدأ الأول من جديد، وأما إذا مر عليه الأول فالآخر يكون في الطريق إليه فلا يكون ذلك رداً، فالرد إنما يكون بعد الاستكمال، فيمكن أن يكون هذا من قبيل القلب.
والذي يبدو أن هذا اللفظ عام، فيدعا به لأي ميت، ولا تغير فيه الضمائر بحسب الميت إن كان ذكراً أو أنثى، بل يقال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا) للجميع، ثم هذا الدعاء شامل يدخل فيه الحي والميت، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، والشاهد والغائب، وهو دعاء للجنازة ولغير الجنازة، وللحاضر والغائب، والصغير والكبير، والذكر والأنثى.




تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا)
قوله: [حدثنا موسى بن مروان الرقي] .
موسى بن مروان الرقي مقبول أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا شعيب يعني: ابن إسحاق] .
شعيب بن إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الأوزاعي] .
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن أبي هريرة] .
أبو سلمة وأبو هريرة مر ذكرهما.




شرح حديث: (اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك فقه فتنة القبر وأنت أهل الوفاء والحمد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا الوليد (ح) وحدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا الوليد وحديث عبد الرحمن أتم، حدثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول: اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك، فقه فتنة القبر) ، قال عبد الرحمن: (في ذمتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم) .
قال عبد الرحمن: عن مروان بن جناح] .
أورد أبو داود حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فسمعه يقول: اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك) ، وهذا يدل على جواز تسمية الشخص إذا كان يعرفه، فقد قال: (اللهم إن فلان بن فلان) فيسميه باسمه كما جاء في هذا الحديث، وهنا أبهم الاسم؛ لأن الاسم ليس مقصوداً، وإنما المقصود هو العموم فأبهمه، وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: (في ذمتك) أي: في عهدك.
قوله: (فقه فتنة القبر) وهي رهبة وفزع السؤال والامتحان في القبر.
قوله: [قال عبد الرحمن: في ذمتك وحبل جوارك] .
وهذا قريب من معنى الذي قبله، والمراد في ذمتك.
قوله: (فقه من فتنه القبر وعذاب النار) ، وهذا سؤال يشمل السلامة من العذاب بعد الموت، سواء كان في القبر أو في النار.
قوله: (وأنت أهل الوفاء والحمد) أي: أهل الوفاء بالوعد، فقد وعد عباده بالمغفرة إذا فعلوا ما طُلب منهم، وهو أيضاً أهل لأن يحمد، وكل ذلك تعظيم لله عز وجل، وثناء عليه، وهذا من المناسب عند الدعاء كما عرفنا.
قوله: (اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم) ، وهذا أيضاً دعاء بالمغفرة والرحمة، فقد وصف الله عز وجل بأنه غفور رحيم، فهو غفور يطلب منه أن يغفر، وهو رحيم يطلب منه أن يرحم.
قوله: [قال عبد الرحمن: عن مروان بن جناح] أي: أن لـ أبي داود في هذا الحديث شيخين، أحدهما: عبد الرحمن وكان تعبيره: عن شيخه يعني عن ابن جناح، وأما الشيخ الثاني فقال: حدثنا، وهذا يبين أن التعبير الذي حصل من أحد الشيخين ليس مطابقاً لتعبير الثاني، وإنما قال هذا: حدثنا، وقال الآخر: عن، وهذا يبين عناية المحدثين بصيغ التحديث وإن لم يكن الشخص مدلساً.




تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك فقه فتنة القبر وأنت أهل الوفاء والحمد)
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي] .
عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو الملقب بـ دحيم، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الوليد] .
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا الوليد] .
هو الوليد بن مسلم.
[وحديث عبد الرحمن أتم] .
عبد الرحمن هو الشيخ الأول لـ أبي داود في هذا الحديث.
[حدثنا مروان بن جناح] .
مروان بن جناح لا بأس به، أخرج له أبو داود وابن ماجة، وقولهم: ولا بأس به بمعنى صدوق.
[عن يونس بن ميسرة بن حلبس] .
يونس بن ميسرة بن حلبس ثقة أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن واثلة بن الأسقع] .
واثلة بن الأسقع رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #628  
قديم 28-06-2025, 02:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [370]
الحلقة (402)



شرح سنن أبي داود [370]
الصلاة على الغائب والقبر من المسائل التي جاءت في السنة النبوية وفيها كلام للعلماء وخلاف بينهم.
ومن تكريم الإسلام للميت أن أمر بدفنه، وللدفن أحكام تتعلق بصفة القبر والدفن وما يلحق بذلك مما هو مذكور في الأحاديث النبوية.




الصلاة على القبر




شرح حديث صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على قبر المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على القبر.
حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن امرأة سوداء أو رجلاً كان يَقُمُّ المسجد، ففقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنه، فقيل: مات، فقال: ألا آذنتموني به؟ قال: دلوني على قبره، فدلوه، فصلى عليه) ] .
قوله: [باب الصلاة على القبر] ، يعني: أن ذلك سائغ ومشروع، وأن الإنسان إذا لم يصل عليه وأراد أن يصلي عليه فليصل على قبره، وقد مر بنا سابقاً الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر رطب، فصلى عليه هو وأصحابه) ، فذاك يدل على الصلاة على القبر، وهذا أيضاً يدل على الصلاة على القبر، وفي هذا الحديث: (أنه كان هناك امرأة سوداء أو رجل، وكان يقم المسجد) ، أي: ينظفه ويكنسه، (ففقده النبي صلى الله عليه وسلم) ، أي: لم يره يقوم بهذا العمل الذي كان يعرفه عنه، (فسأل عنه فقيل: إنه قد مات، فقال: ألا آذنتموني؟) أي: لماذا لم تخبروني؟ (ثم إنه قال: دلوني على قبره، فذهب وصلى عليه صلى الله عليه وسلم) ، وهذا يدل على مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يصل قبل ذلك، وأما من صلى فإنه لا يصلي، بل تكفيه صلاته الأولى، ويصلي على القبر إذا كان رطباً وحديث عهد بالدفن، وأما إذا تطاول الزمن فبعض أهل العلم يقول بالصلاة أيضاً، لكن الذي أراه أن يدعو له، وأما أن يصلي عليه فهذا يحتاج إلى دليل يدل عليه.




تراجم رجال إسناد حديث صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على قبر المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد] .
مسدد مر ذكره.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فائدة: إذا روى مسدد أو سليمان بن حرب عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد، وإذا روى موسى بن إسماعيل عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن سلمة.
وقد ذكر المزي في (تهذيب الكمال) ترجمة حماد بن سلمة وحماد بن زيد متجاورتين فبعد ذكره لترجمة حماد بن سلمة عقد فصلاً وذكر فيه أنه إذا جاء حماد مهملاً فإذا كان الراوي عنه فلان وفلان وفلان فيكون فلان بن فلان، وإذا كان الراوي عنه فلان وفلان فيكون فلان أي: أنه عند الإهمال فإن ذلك المهمل يعرف عن طريق التلاميذ الذين رووا عنه.
[عن ثابت] .
هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع] .
هو نفيع الصائغ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.




الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك




شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك.
حدثنا القعنبي قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) ] .
قوله: [باب في المسلم يموت في بلاد الشرك] ، أي: أنه يصلي عليه المسلمون صلاة الغائب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ النجاشي، فإنه -كما في حديث أبي هريرة هذا- نعى النجاشي إليهم في اليوم الذي مات فيه) أي: أخبرهم بوفاته في اليوم الذي مات فيه، فقد أطلعه الله عز وجل على ذلك، فأخبرهم بذلك في نفس اليوم، وهذا من علامات صدقه صلى الله عليه وسلم، فكونه يخبر عن شيء غائب وبعيد عنه فإنما يكون ذلك عن طريق الوحي، فهذا لا يحصل في الزمن الماضي إلا عن طريق الركبان، وذلك لا يكون إلا بعد مضي مدة طويلة، وأما في هذا الزمان فالخبر يصل في لحظة بواسطة الاتصالات التي هيأها الله للناس في هذا الزمان، ولكن في زمنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على ذلك، فنعاه) أي: أخبرهم بوفاته، والنعي منه ما هو جائز مثل هذا الإخبار، ومنه ما هو محرم، كما كان في الجاهلية من ركوب ركبان يطوفون ويقولون: مات فلان، ويعدون محاسنه.
(وخرج بهم إلى المصلى، وكبر عليه أربعاً) وهذا يدل على مشروعية الصلاة على الغائب، والحديث واضح الدلالة على ذلك، وليس هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو له ولأمته، ولهذا أمر الناس أن يصلوا معه.
وقال بعض أهل العلم من المالكية: إن هذا من خصائصه، فليس للأمة أن تصلي على أحد غائب، وأن الذي حصل من الصلاة على النجاشي إنما هو من خصائصه، وقالوا: إن الجنازة أحضرت له وشاهدها وعاينها، والله قادر على ذلك، والصحابة رضي الله عنهم لم يطلعوا عليها.
ولكن هذا من الأمور التي لا تعرف إلا عن طريق الدليل، والتي لا تثبت إلا بالنص.
ومن أهل العلم من قال: إنه لا يصلى عليه إلا إذا لم يصل عليه في تلك البلد، ولم يأت شيء يدل على أن النجاشي قد صلي عليه في بلده، فلذلك صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أهل العلم: إنه يصلى صلاة الغائب على كل من له منزلة ومكانة، فـ النجاشي كانت له منزلة ومكانة، وليس هناك دليل يدل على أنه لم يصل عليه في بلده، وليس هناك ما ينفي ذلك، نعم، إذا جاء شيء يدل على أنه لم يصل عليه وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك فيمكن أن يصلى عليه لأنه لم يصل عليه في بلده، وأما إذا لم يأت ما يدل على ذلك فلعله صُلي عليه لعلو مكانته ومنزلته.
وهذا الحديث من الأدلة الكثيرة التي فيها أن التكبير على الجنازة يكون أربع تكبيرات.




تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي
قوله: [حدثنا القعنبي] .
هو عبد الله بن مسلمة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[قال: قرأت على مالك بن أنس] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة من عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
قد مر ذكره.




شرح قول النجاشي (أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباد بن موسى حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي فذكر حديثه، قال النجاشي: أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه) ] .
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان ممن ذهب إلى الحبشة وهاجر إليها، وقدم من الهجرة بعدما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وذكر الحديث وقال: إن النجاشي قال: (أشهد أنه رسول الله، وأنه هو الذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه) أي: حتى يخدمه، فهذه كناية عن خدمته.
والحديث ضعفه الألباني، ولعل ذلك من أجل تدليس أبي إسحاق السبيعي، فقد روى هنا بالعنعنة، ولكن كون النجاشي كان مسلماً فهذا أمر معلوم، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى عليه إلا لأنه مسلم، وهناك أحاديث كثيرة تدل على إسلامه.




تراجم رجال إسناد قول النجاشي (أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم)
قوله: [حدثنا عباد بن موسى] .
هو عباد بن موسى الختلي، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إسماعيل يعني ابن جعفر] .
إسماعيل بن جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل] .
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق] .
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بردة] .
هو ابن أبي موسى، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى] .
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




الأسئلة




حكم نعي الميت في الصحف والمجلات
السؤال ما حكم النعي في الصحف والمجلات؟
الجواب ليس في ذلك بأس؛ حتى يكون الناس على علم بموت من كانوا يعلمون أنه حي فيدعون له.




حكم الصلاة على الغائب
السؤال ما حكم الصلاة على الغائب؟
الجواب الذي يبدو أنه لا بأس بذلك، وذلك لمن كانت له منزلة ومكانة، وليس لكل أحد.




حكم الامتناع عن الصلاة على الغائب الذي لا تنطبق عليه الشروط
السؤال إذا أمر الإمام بالصلاة على الغائب، وهذا الغائب لا تنطبق عليه الشروط، فهل لأحد من الناس أن يمتنع؟
الجواب ينبغي له أن يصلي ولا يتخلف.




لا يلزم من الصلاة على الغائب أن يموت في بلد الشرك
السؤال هل تقيّد الصلاة على الغائب بالموت في بلد الشرك؟
الجواب لا، ليس بلازم.




حكم الجمع بين الأدعية في صلاة الجنازة
السؤال هل للمصلي على الجنازة أن يجمع بين الأدعية الواردة في ذلك أو يختار بعضها؟
الجواب إذا كان المصلي إماماً فله أن يدعو بعدة أدعية ولكن لا يطيل، فإنه لو جمع الأدعية كلها فسيطيل، وأما المأموم إذا دعا بدعاء والإمام لا يزال يدعو فإنه يدعو بدعاء آخر، ولكن على الإمام ألا يطيل؛ لما جاء في حديث أنس الذي سبق وفيه: (أنه لم يطل ولم يستعجل) أي: أنه يتوسط.




الدعاء بعد التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة
السؤال هل هناك بعد التكبيرة الرابعة دعاء أم أنه يسلم مباشرة؟
الجواب يدعو بعدها، فقد ورد ذلك.




حكم أخذ الجنسية من دولة كافرة
السؤال هذا سؤال ورد من الإخوة المسلمين المقيمين في كندا: هل يجوز أخذ الجنسية الكندية لغرض استعمالها في أشياء تفيد المرء في دينه كتسهيل الدخول إلى دول الخليج عموماً للحصول على العمل فيها، وكذا تسهيل التنقل بالجواز الكندي لغرض التجارة، علماً بأنه يمكن أخذها بعد مرور مدة من الزمن من الإقامة القانونية في بلدهم، وعلماً أيضاً أنه يمكن أخذها بدون القسم أو المعاهدة على احترام دستورهم، وبدون معاهدتهم على موالاتهم في أي حرب، أو ما أشبهها من المعاهدات؟
الجواب كونه يدخل دول الخليج، أو يذهب لتجارة هذا لغرض ليس دينياً، وإنما هو دنيوي، أما لو كان يريد أن يدعو إلى الله تعالى هناك أو نحو ذلك، فهذا هو الغرض الديني، وعلى كل لا بأس بذلك إذا كان الإنسان مضطراً إلى ذلك، وكانت هناك سلامة في جميع ما يتعلق بأمور الدين، ولا يحصل منه تعاون، أو تساهل، أو تنازل، أو دخول في أمر لا يسوغ، أو إقدام على أمر لا يسوغ بسبب أخذ الجنسية.




حكم قطع النسل إذا كان الأولاد يولدون مشوهين
السؤال هل يجوز للمرأة أن تقطع نسلها إذا كانت تظن أن كل من ستلده يخرج مشوهاً؟
الجواب أقول: لا يعلم الغيب إلا الله، فقطع النسل لا يصلح.




موقف الإمام في الصلاة على المرأة التي قد دفنت
السؤال هل يكون موقف الإمام في الصلاة على المرأة على قبرها مثلما لو كانت حاضرة، فيقوم وسطها؟
الجواب الذي يظهر أنه يقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة.




عدم تميز جنائز الرجال عن النساء من حيث لون النعش
السؤال مر معنا حديث أنس: فقربوها وعليها نعش أخضر، فهل فيه دليل على تميز النساء عن الرجال باللون؟
الجواب لا تميز بهذا الغطاء، والمقصود سترها سواء كان اللون أخضر أو غير ذلك.




عموم قوله: (وأبدله زوجاً خيراً من زوجه وأهلاً خيراً من أهله) للرجال والنساء
السؤال جاء في بعض أدعية الجنازة: (وأبدله زوجاً خيراً من زوجه، وأهلاً خيراً من أهله) ، فهل يقال ذلك في الأنثى؟
الجواب يؤتى بالضمير كما جاء، والمقصود بذلك الميت، كما جاء ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فما يأتي بضمير الأنثى، ويكون المقصود به الميت.




عدم تميز أهل الفضل والعلم بالتكبير على جنائزهم أكثر من أربع تكبيرات
السؤال ما صحة قول بعضهم: إن الميت إذا كان من أهل الفضل والعلم فإنه يكبر عليه أكثر من أربع تكبيرات؟
الجواب ما نعلم شيئاً يدل على هذا، وكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متميزون ومع ذلك لا نعلم أنه كُبِّر عليهم أكثر من أربع لأجل تميزهم.




ماذا يفعل المسبوق بتكبيرة أو تكبيرتين في صلاة الجنازة؟
السؤال المسبوق بتكبيرة أو تكبيرتين في صلاة الجنازة ماذا يعمل؟
الجواب جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ، فإذا سلم الإمام عليه أن يأتي بالتكبيرات التي بقيت عليه، ويدعو بينها بدعاء قصير؛ لأن الجنازة ترفع فلا يبقى أمامه جنازة يدعو لها.




حكم الجهر بالفاتحة أو ببعضها في صلاة الجنازة لتعليم الناس
السؤال جاء في حديث ابن عباس: (أنه جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة، وقال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة) كما عند النسائي، فهل يشرع فعل هذا لتعليم الناس ممن لا يقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة؟
الجواب إذا جهر الإنسان في بعض الأوقات مثلما كان الرسول يفعل في الصلاة السرية، فإنه كان يجهر بالآية حتى يخبرهم بالسورة، فإذا أظهر من الفاتحة بعض الكلمات فلا بأس بذلك.




جمع الموتى في قبر واحد وتعليم القبر




شرح حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان بن مظعون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم.
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا سعيد بن سالم (ح) وحدثنا يحيى بن الفضل السجستاني حدثنا حاتم -يعني ابن إسماعيل - بمعناه، عن كثير بن زيد المدني عن المطلب أنه قال: (لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه أُخرج بجنازته فدفن، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحسر عن ذراعيه) قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي) ] .
قوله: [باب في جمع الموتى في قبر واحد، والقبر يعلّم] ، هذه الترجمة تشتمل على أمرين: الأول: أنه عند الحاجة يقبر الجمع من الموتى في قبر واحد، وقد مر بنا أحاديث عديدة وفيها: (أنه كان يسأل عن أكثرهم جمعاً للقرآن فيقدمه) .
والثاني: أنه يوضع للقبر علامة حتى يعرف بها أن هذا قبر فلان، فكل هذين الأمرين جاءت بهما السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الموتى في قبر واحد عند الحاجة إليه لا بأس به، ووضع علامة للقبر حتى يعرف جاءت به السنة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد في ذلك حديث المطلب قال: (لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته ودفن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام وحسر عن ذراعيه وحمله ووضعه عند رأسه وقال: أتعلّم قبر أخي، وأدفن عنده من مات من أهلي) ، فهذا يدل على وضع علامة على القبر، وفيه بيان الحكمة من جعل هذا الحجر وهي قوله: (أدفن عنده من مات من أهلي) قيل: إنه أخوه من الرضاعة، ويدفن حوله من مات من أهله.
قال في (عون المعبود) : (وأدفن إليه) أي: إلى قربه، وقال الطيبي: أي: أضم إليه في الدفن انتهى.
وبهذا المعنى يصح مطابقة الحديث للجزء الأول من الترجمة.
أقول: هذا غير واضح، أعني: كونه يدفن معه في القبر، وإنما يجعل حوله وقريباً منه، وأما الأحاديث التي فيها جمع الموتى في قبر واحد فذلك لما كثر القتلى في معركة أحد فكان يجمعهم في القبر الواحد، وأيضاً قلّت الثياب، فكان الثوب الواحد يقسم على اثنين أو على ثلاثة، ثم يجعلون في قبر واحد، ويسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثرهم جمعاً للقرآن فيقدمه إلى جهة القبلة في القبر.




تراجم رجال إسناد حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان بن مظعون
قوله: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة] .
عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا سعيد بن سالم] .
سعيد بن سالم صدوق يهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ح وحدثنا يحيى بن الفضل السجستاني] .
(ح)
للتحول إلى إسناد آخر، ويحيى بن الفضل السجستاني مقبول أخرجه له أبو داود.

[حدثنا حاتم يعني: ابن إسماعيل] .
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[بمعناه عن كثير بن زيد المدني] .
كثير بن زيد المدني صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن المطلب] .
هو المطلب بن عبد الله بن حنطب، وهو صدوق أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عمن أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم] .
أي: من أخبره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد ذلك، وهو هنا غير مسمى، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، فكلهم عدول بتعديل الله عز وجل وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم.




الأسئلة




حكم كتابة اسم الميت على القبر
السؤال هل يجوز أن يوضع فوق القبر شاهد ويكتب عليه اسم الميت: فلان بن فلان؟
الجواب لا يجوز كتابة الأسماء على القبور؛ لأنها لم تأت، والذي جاء به الدليل هو وضع الحجر على القبر؛ حتى يكون على علم بذلك القبر، فإنه بدون هذه العلامة لا يستطيع أن يميز بين القبور.
والفائدة في ذلك أن يدفن حوله من مات من أهله، وأما قول الطيبي الذي ذكره صاحب (عون المعبود) إن معنى ذلك أن يضيف إليه من مات من أهله في ذلك القبر، فليس بواضح أن ينبش القبر، ثم يدفن معه شخص آخر.

الحكمة من وضع علامة على القبر يعرف بها
السؤال هل هناك فعل مخصوص يترتب على معرفة قبر من القبور بوضع إشارة عليه؟
الجواب الفعل المخصوص هو أن يدفن إليه من مات من أهله، كما جاء في الحديث، وأيضاً إذا عرفه فإنه يأتي إليه ويدعو له.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #629  
قديم 28-06-2025, 02:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





ترك المكان الذي يوجد فيه عظام أثناء الدفن




شرح حديث: (كسر عظم الميت ككسره حياً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحفار يجد العظم هل يتنكّب ذلك المكان؟ حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سعد -يعني ابن سعيد - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حياً) ] .
قوله: [باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان] ، أي: أنه يترك ذلك المكان، ويحفر في مكان آخر ليس فيه قبر، والذي يظهر أن في هذا تفصيلاً وهو: إذا كان الميت ما زال موجوداً أو أكثر رفاته فإنه يترك ذلك المكان ويذهب إلى مكان آخر، وأما إذا كان القبر ليس فيه إلا عظم فإنه لا يكسره، ولكن ينحيه جانباً، ويدفن فيه ميتاً آخر.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حياً) ، أي: أنه محترم حياً وميتاً، فلا يجوز أن يستهان به في حال موته كما أنه لا يستهان به في حال حياته.
وهذا المنع من كسر العظم هو بالنسبة للمسلم، وأما عظم الكافر فلا بأس بكسره؛ لأن الكافر ليس له احترام، فمآله إلى النار.




تراجم رجال إسناد حديث (كسر عظم الميت ككسره حياً)
قوله: [حدثنا القعنبي] .
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد] .
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد يعني ابن سعيد] .
عن سعد بن سعيد صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرة بنت عبد الرحمن] .
هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




اللحد




شرح حديث: (اللحد لنا والشق لغيرنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اللحد.
حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا حكام بن سلم عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللحد لنا والشق لغيرنا) ] .
قوله: [باب في اللحد] ، اللحد: هو الشق الذي يكون في جانب القبر من جهة القبلة، فيكون مائلاً عن سمت القبر بحيث يقف الذين على القبر على الجهة المفتوحة إلى الأعلى، ثم يدخلونه في الجهة الأمامية وهي اللحد، واللحد لغة: هو الميل، وسمي اللحد لحداً لأنه مائل عن سمت القبر.
وقد لحد للرسول صلى الله عليه وسلم، ونُصب عليه اللبن نصباً.
وأما الشق: فهو أن يُشق في وسط القبر شق يوضع فيه الميت، ثم يوضع اللبن وضعاً على أطرافه، والميت يكون في وسطه، فاللحد ينصب فيه اللبن نصباً، فيكون اللبن واقفاً مائلاً، وأما الشق فإن اللبن يوضع وضعاً على أطرافه من الجهتين.
واللحد أفضل من الشق، وكل منهما جائز بإجماع العلماء، فإذا كانت الأرض صلبة فإن اللحد يكون أفضل، وأما إذا كانت رخوة بحيث إذا حفروا ينهال ويسقط عليهم التراب فالشق هنا أفضل؛ لأن الشق لا يبقي شيئاً معلقاً، فهم يأخذون كل ما أمامهم، وأما اللحد فإنه يحفر إلى جهة القبلة فيبقى الجزء الذي فوق الميت معلقاً، وهذا يكون أفضل إذا كانت الأرض صلبة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللحد لنا والشق لغيرنا) ، أي: أنه لأهل الكتاب، وهو سائغ لنا، ولكن اللحد أفضل من الشق.




تراجم رجال إسناد حديث (اللحد لنا والشق لغيرنا)
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل] .
هو إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهو ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثنا حكام بن سلم] .
حكام بن سلم ثقة له غرائب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن عبد الأعلى] .
علي بن عبد الأعلى صدوق ربما وهم أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه صدوق يهم أخرج له أصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير] .
سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




عدد الذين يدخلون القبر




شرح أثر دخول عدد من الصحابة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كم يدخل القبر؟ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال: (غسّل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم علي والفضل وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، وهم أدخلوه قبره) ، قال: وحدثني مرحب أو أبو مرحب: (أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فلما فرغ علي قال: إنما يلي الرجل أهله) ] .
قوله: [باب كم يدخل القبر؟] ، أي: من الرجال الذين يتولون وضعه في لحده، فيدخل من يحتاج إليه ومن يكفي لذلك، فقد يكتفى باثنين وقد يحتاج إلى أكثر من اثنين وذلك إذا كان الميت ثقيلاً فيتساعدون على حمله، وعلى وضعه في لحده، فهذا يتبع الحاجة.
وقد أورد أبو داود حديث مرحب أو أبي مرحب -وهو من الصحابة- أن علياً والفضل وأسامة بن زيد هم الذين غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم هم الذين نزلوا في قبره، وكان معهم عبد الرحمن بن عوف، فكانوا أربعة، فقال علي رضي الله عنه: إنما يلي الرجل أهله، أي: أنهم هم أولى الناس بإدخاله في القبر، فالأولوية لهؤلاء ويمكن أن يكون غيرهم، فإذا أرادوا ذلك فهم المقدمون، وإذا رغبوا من غيرهم أن يتولى ذلك لكونهم يجدون ضعفاً، أو عدم قدرة، أو عدم نشاط في ذلك فيجوز ذلك.




تراجم رجال إسناد أثر دخول عدد من الصحابة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن أبي خالد] .
إسماعيل بن أبي خالد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عامر] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحدثني مرحب أو أبو مرحب] .
مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود.




شرح أثر عدد الذين دخلوا قبر النبي من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح أخبرنا سفيان عن ابن أبي خالد عن الشعبي عن أبي مرحب أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه نزل في قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كأني أنظر إليهم أربعة) ] .
أورد أبو داود حديث مرحب وهو ابن أبي مرحب وأنه رأى عبد الرحمن بن عوف نزل وقال: (كأني أنظر إليهم أربعة) ، يعني: هم ثلاثة وعبد الرحمن معهم، ففي هذا مثل الحديث السابق أنهم أربعة.
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح] .
محمد بن الصباح صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[أخبرنا سفيان] .
هو ابن عيينة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي خالد عن الشعبي عن أبي مرحب] .
ابن أبي خالد والشعبي وأبو مرحب مر ذكرهم.




تراجم رجال الطريق الأخرى لأثر عدد الذين دخلوا قبر النبي




إدخال الميت من قبل رجلي القبر




شرح حديث: (أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخل القبر من قبل رجلي القبر وقال: هذا من السنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الميت يُدخل من قبل رجليه.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قِبَل رجلَي القبر، وقال: هذا من السنة] .
قوله: [باب في الميت يدخل من قِبَل رجلي القبر] ، أي: من الجهة التي تكون فيه رجلاه، فيؤتى برأسه ثم يستمر حتى يكون مسامتاً للقبر، فيؤتى برأسه من جهة رجليه لا أن يكون معترضاً من الجهة القبلية، ولا من الجهة التي يكون فيها رأسه.
وقد أورد حديث عبد الله بن يزيد رضي الله عنه أن الحارث أوصى بأن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، وأنه أدخله من قِبَل رجلَيه، وقال: (هذا من السنة) ، وقوله: (هذا من السنة) له حكم الرفع.




تراجم رجال إسناد حديث: (أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخل القبر من قبل رجلي القبر وقال: هذا من السنة)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ، ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
مر ذكره.
[عن أبي إسحاق] .
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد] .
عبد الله بن يزيد صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




الجلوس عند القبر




شرح حديث البراء بن عازب في جلوس النبي صلى الله عليه وسلم عند قبر رجل من الأنصار
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجلوس عند القبر.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، فجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا معه) ] .
قوله: [باب الجلوس عند القبر] ، أي: قبل أن يدفن، فعندما يُذهب بالجنازة فللإنسان أن يجلس على الأرض، وقد مر بنا أن من ذهب معها فإنه لا يجلس حتى توضع على الأرض، وجاء في بعض الروايات: (حتى توضع في اللحد) ، لكن الرواية الصحيحة هي رواية: (حتى توضع على الأرض) ، فمن أراد أن يجلس بعد ذلك فليجلس، ومن أراد أن يقف فله أن يقف، ولكن الجلوس لا يكون بعد أن توضع على الأرض.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب، وهو حديث طويل مشهور، وفيه ذكر ما يجري في القبر، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى القبر ولم يلحد بعد، أي: أنهم لم يزالو يحفرون لحده، فاحتاجوا إلى الجلوس، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسوا حوله، ثم ذكّرهم وأخبرهم بما يجري للإنسان في قبره، وهو حديث طويل، وقد أورد أبو داود رحمه الله منه ما يتعلق بالترجمة، وهي: الجلوس عند القبر، فدل هذا على جواز الجلوس عند القبر، سواء كان القبر لم يلحد بعد، أو كان قد ألحد وإنما أراد الإنسان أن يجلس حتى يُنتهى من دفنه، فلا بأس بذلك ما دام أنه قد وضع على الأرض كما سبق في بعض الأحاديث السابقة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جلس مستقبل القبلة، ومعلوم أنهم جلسوا غير مستقبلين القبلة؛ لأنهم كانوا محيطين به عليه الصلاة والسلام، فوعظهم وذكرهم في تلك المناسبة منتظرين انتهاء الدفن.




تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في جلوس النبي صلى الله عليه وسلم عند قبر رجل من الأنصار
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير] .
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] .
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المنهال بن عمرو] .
المنهال بن عمرو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن زاذان] .
زاذان صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن البراء بن عازب] .
البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




الدعاء للميت إذا وضع في قبره




شرح حديث: (كان إذا وضع الميت في القبر قال: باسم الله وعلى سنة رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره.
حدثنا محمد بن كثير (ح) وحدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا همام عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: باسم الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) هذا لفظ مسلم] .
قوله: [باب في الدعاء للميت إذا وضع في القبر] ، أي: أنه عندما يوضع في لحده فإن من يضعه يقول: (باسم الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في قبره قال: باسم الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وسنته هي منهجه وطريقته صلى الله عليه وسلم.
ولعل قائلاً أن يقول: إن الترجمة فيها الدعاء للميت، وليس في هذا الحديث دعاء، فما وجه المناسبة؟ فأقول: إن الدعاء -كما هو معلوم- على قسمين: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والذي في هذا الحديث هو دعاء العبادة.
وأما دعاء المسألة فهو الطلب كقوله: اللهم أعطني كذا، اللهم حقق لي كذا، اللهم اغفر لي، فهذا دعاء مسألة، وهو أيضاً عبادة؛ لأن الإنسان يعبد الله بدعائه، فالدعاء هو العبادة، والذكر أيضاً يقال له: دعاء، ولكنه دعاء عبادة وليس دعاء مسألة.




تراجم رجال إسناد حديث: (كان إذا وضع الميت في القبر قال: باسم الله وعلى سنة رسول الله)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسلم بن إبراهيم] .
هو الفراهيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام] .
هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الصديق] .
هو أبو الصديق الناجي واسمه: بكر بن عمرو، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




إذا مات للرجل قرابة مشرك




شرح حديث علي: (اذهب فوارِ أباك ثم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يموت له قرابة مشرك.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه أنه قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فوارِ أباك، ثم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني، فذهبت فواريته وجئته، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي) ] .
قوله: [باب في الرجل يموت له قرابة مشرك] ، أي: ماذا يفعل؟ معلوم أنه يواريه، ولا بد من ذلك، ولا يشيَّع، لكنه لابد أن يوارى ويدفن.
وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه: أنه لما مات أبوه أبو طالب على الشرك والكفر ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: (إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فواره) أي: ادفنه في التراب، (ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني، فذهب وفعل ما أُمر به، ثم إنه رجع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ودعا له) ، فهذا يدل على أن القريب المشرك إذا مات فإنه يجب على أقربائه المسلمين أن يواروه، ولكن لا يشرع تشييعه، ولا الذهاب معه، وإنما يذهب به من يحتاج إليه في مواراته ودفنه، وهذا الحديث يدل على أن أبا طالب مات كافراً، وقد جاءت عدة أحاديث تبيِّن أنه قد مات كافراً، ومن ذلك حديث ذهابه صلى الله عليه وسلم إليه في مرض موته، فقال له: (يا عم! قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده اثنان من المشركين في ذلك الوقت، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه، وأعادا عليه، وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، ولم يقل لا إله إلا الله) ، فمات كافراً، ولهذا قال علي: (إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فواره) ، وفيه: أن الرسول أمره بالاغتسال بعد مواراته، ودعا له.




تراجم رجال إسناد حديث علي: (اذهب فوارِ أباك ثم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو إسحاق عن ناجية بن كعب] .
أبو إسحاق هو السبيعي وقد مر ذكره، وناجية بن كعب، وهو ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن علي رضي الله عنه] .
علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه.




تعميق القبر




شرح حديث: (احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تعميق القبر.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي أن سليمان بن المغيرة حدثهم عن حميد يعني: ابن هلال عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال: (جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد فقالوا: أصابنا قرح وجهد فكيف تأمرنا؟ قال: احفروا، وأوسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر، قيل: فأيهم يقدَّم؟ قال: أكثرهم قرآناً، قال: أصيب أبي يومئذ عامر بين اثنين، أو قال: واحد) ] .
قوله: [باب في تعميق القبر] ، التعميق: هو النزول في الأرض، والعلة في ذلك أنه إذا كان قريباً فربما نبشته السباع والكلاب فتأكله، وأما إذا كان عميقاً فإنها لا تصل إليه، فيكون في ذلك حفظه، إذاً فتعميق القبر جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك بقدر كافٍ يحتاج إليه، فلا يعمق تعميقاً طويلاً جداً بحيث يكون بعيداً، ولا يكون قريباً جداً بحيث تصل إليه السباع والكلاب فتنبشه وتأكله.
وقد أورد أبو داود حديث هشام بن عامر قال: (جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد فقالوا: أصابنا قرح وجهد) أي: بعد ما حصل الموت الشديد الكثير، فحصل جهد وشدة ومصيبة، فقال: (احفروا وأوسعوا) أي: أن القبر يوسع حتى يكفي لعدد من الموتى، فإن حفر قبر لكل واحد فيه مشقة عليهم؛ لكثرة القتلى، فأمرهم أن يحفروا ويوسعوا، ولعل المقصود من التعميق هو ألا يصير الميت عرضة للسباع والدواب، (واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر) ، وهذا يدل على الترجمة السابقة وهي: جمع الموتى في قبر، والقبر يعلَّم، فهذا الحديث من الأدلة الدالة على تلك الترجمة.
(قيل: فأيهم يقدم؟) أي: إلى جهة القبلة، قال: (أكثرهم قرآناً) ، وهذا يدل على فضل القرآن وحفظه والاشتغال والعناية به، ومعلوم أن طريقة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن وتعلمه أنهم يجمعون بين العلم والعمل به، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن) أي: أنهم يتعلمون العلم والعمل جميعاً، فيكونون بذلك قد جمعوا بين العلم والفقه وبين معرفة أحكامه وما اشتمل عليه، فيجمعون العلم والعمل.
وإذا وضع جماعة في قبر واحد فالذي يظهر أنه لا يفصل بينهم؛ لعدم ورود دليل في ذلك، بل يضم بعضهم إلى بعض.
قوله: (أصيب أبي بين اثنين أو واحد) ، أي: أنه دُفن ومعه اثنان أو واحد، فالمهم أنه ليس وحده في قبره، بل جُعل معه غيره، فوقع الشك بين أنه كان معه اثنان أو كان معه واحد.




تراجم رجال إسناد حديث: (احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي أن سليمان بن المغيرة حدثهم] .
سليمان بن المغيرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد يعني ابن هلال] .
حميد بن هلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عامر] .
هشام بن عامر صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية عند أبي داود.
ولا نعلم في التعميق حداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت بعض الآثار في ذلك، وقد ذكرها صاحب عون المعبود) فقال: وقد اختلف في حد الإعماق، فقال الشافعي: قامة، وقال عمر بن عبد العزيز: إلى السرة، وقال مالك: لا حد لإعماقه، وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال: (أعمقوا القطر إلى قدر قامة وبسطة) ، قاله في النيل.
فالذي يظهر -والله أعلم- أنه يعمق بمقدار ما يؤمن فيه من وصول السباع والكلاب كما ذكرنا.




شرح حديث (احفروا وأوسعوا) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو صالح يعني الأنطاكي قال: أخبرنا أبو إسحاق يعني الفزاري عن الثوري عن أيوب عن حميد بن هلال بإسناده ومعناه، زاد فيه: (وأعمقوا) ] .
قوله: (وأعمقوا) هو محل الشاهد من إيراد الترجمة، وفي الأول ذكر السعة وذلك حتى يتسع القبر لعدة موتى، وهنا قال: (أعمقوا) ، أي: أنه يوسع ويعمق، فيوسع من أجل العدد، وأما إذا كان الميت واحداً فلا يحتاج إلى أن يوسع إلا بمقدار الحاجة.
قوله: [حدثنا أبو صالح يعني: الأنطاكي] .
هو أبو صالح محبوب بن موسى، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبي إسحاق الفزاري] .
هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الثوري] .
الثوري مر ذكره.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #630  
قديم 28-06-2025, 02:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,851
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





[عن أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد بن هلال بإسناده ومعناه] .
مر ذكره.




شرح حديث (احفروا وأوسعوا) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير حدثنا حميد يعني ابن هلال عن سعد بن هشام بن عامر بهذا الحديث] .

ثم أورده من طريق أخرى.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جرير] .
هو جرير بن حازم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد عن سعد بن هشام بن عامر] .
حميد مر ذكره، وسعد بن هشام بن عامر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[بهذا الحديث] .
أي: أنه يرويه عن أبيه؛ لأن صاحب الحديث واحد وهو هشام بن عامر.
الأسئلة




حكم تكفين الكافر
السؤال ما حكم تكفين الكافر؟
الجواب إذا وجد نص يدل على أن الكافر يكفن فلا بأس، وإلا فالذي يظهر أنه لا يكفن، فالميت المسلم يكفن في ثياب بيض، ويغسل وهذا من أجل تطهيره وإكرامه، وأما الكافر فإن وجد نص على أنه يكفن بغير ثيابه وإلا فإنه يكفن في ثيابه.

حكم أخذ بعض أعضاء الميت للحاجة
السؤال ما حكم أخذ بعض أعضاء الميت بعد موته للحاجة؟
الجواب أما المسلم فلا يجوز ذلك في حقه، وأما الكافر فلا بأس بذلك.

حكم تشريح الجثث
السؤال جاءت أسئلة في التشريح لتعلم الطلاب في كلية الطب حيث يشرحون الجثث، فما الحكم؟
الجواب أما الكافر فلا بأس أن يشرح، وأما المسلم فلا يشرح.

حكم نقل الأعضاء من إنسان إلى آخر
السؤال ما حكم نقل الأعضاء من إنسان إلى آخر، وهل يدل حديث: (كسر عظم الميت ككسره حياً) على المنع من ذلك؟
الجواب لا يجوز ذلك بالنسبة للمسلم، وأما بالنسبة للكافر فليس هناك مانع أن يستفاد من أعضائه إذا كانت هناك حاجة إليها، مثل أن يستفاد من العيون وغيرها.

تفتت عظم الميت عند أخذه
السؤال إذا قمنا في بعض الأوقات بتنحية عظم الميت فإنه يتفتت، فما حكم ذلك؟
الجواب إذا كان يتفتت من قبل نفسه وليس بسبب الإنسان فلا يؤثر.

أولى الناس بدفن المرأة هم محارمها
السؤال هل يقوم بدفن المرأة محارمها فقط أم أنه يجوز أن يقوم بذلك غيرهم؟
الجواب محارمها هم الأولى والأحق بذلك، وأما غيرهم فإذا كان هناك ضرورة إلى ذلك فلا بأس، مثل ألا يوجد أحد من محارمها.

حكم الجمع بين الرجل والمرأة في القبر
السؤال هل يجوز الجمع بين الرجل مع المرأة في القبر، وهل تشترط المحرمية في ذلك؟
الجواب يجوز ذلك عند الحاجة، ولا تشترط المحرمية.

حكم تشريح الجثة لأمر جنائي
السؤال في بعض القضايا الجنائية يحتاج رجال الأمن إلى عرض الجثة على الأطباء، فلابد من تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة، فما الحكم؟
الجواب المسلم لا يجوز أن يمثّل به، ولا يجوز أن يُعمل به شيء، وأما الكافر فلا بأس بذلك.

حكم صلاة الجنازة على من امتنع منها
السؤال سمعت من شيخ مسجدنا: أنه إذا أقيمت صلاة الجنازة ولم يصل عليها بعض الناس فلا يصلى عليه إذا توفي، والجزاء من جنس العمل، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب هذا ليس بصحيح، فإن الصلاة على الجنازة فرض كفاية، فإذا وجد أحد لم يصل عليها فقد فوت على نفسه خيراً كثيراً، وعلى الإنسان أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، فلو كان هو الميت لما أحب أن يتخلف عنه أحد، فلا ينبغي له أن يتخلف، وأما أن تترك الصلاة عليه بسبب فعله هذا فغير صحيح.
فكونه يعامل الناس بمعاملة ولا يحب أن يعامل هو بمثل هذه المعاملة فهذا شيء مذموم، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) ، حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو جزء من حديث طويل، فقوله: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي: أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، فإذا كان هو نفسه يحب أنه إذا قدِّم للصلاة عليه ألا يتخلف أحد عن الصلاة عليه فعليه أن يقوم هو بفعل هذا الشيء الذي يحب أن يؤتى إليه.
فالخلاصة: أنه يصلى على كل مسلم، ولا يمتنع من الصلاة عليه إلا على من عرف أنه كافر، فالكافر لا يصلى عليه.
وأما المبتدع فما دام أن بدعته لا توصله إلى حد الكفر فيصلى عليه.

حكم تعزية المسلم إذا مات قريبه الكافر
السؤال من مات قريبه الكافر هل يعزى لموته؟
الجواب لا يدعى للكافر الميت، ولكن يمكن أن يدعى للحي المسلم بأن يقال له: أعظم الله أجرك، وغير ذلك مما يعود عليه بالنفع.

فضل استقبال القبلة في الجلوس
السؤال هل جلوس النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة يدل على فضل ذلك؟
الجواب نعم يدل على هذا، فكون الإنسان يختار أن يجلس مستقبل القبلة فهذا أفضل كما يدل عليه هذا الحديث.

حكم الموعظة عند القبر
السؤال اعتاد الناس في بلدنا بعدما يدفنون الميت أن يقوم أحدهم فيعظ الناس ويذكرهم، فهل هذا من السنة؟
الجواب لا نعلم شيئاً يدل عليه إلا قصة البراء بن عازب وقصة البراء بن عازب كان الجلوس فيها لحاجة، وليس الأمر أن يجيء الناس للجنازة، ثم يتجمعون ويتحلقون ويوعظون ويذكرون، وإنما جلس النبي وأصحابه لأن القبر لم يكمل، فهم إذن بحاجة إلى الجلوس حتى يكتمل الدفن، فلما جلسوا وعظهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرهم، فلا يتخذ مثل هذا سنة، نعم لو وُجد شيء يقتضي التأخير وقام أحد يذكر الناس فلا بأس بذلك.

حكم الصلاة على تارك الصلاة
السؤال جدي يبلغ من العمر حوالي تسعين عاماً، وأنا متأكد أنه لم يصل قط ركعة واحدة في حياته، فهل أحضر جنازته إذا مات وأصلي عليه، علماً بأني إذا امتنعت سيغضب علي والدي، ولا يوجد في عائلتي من يعرف أحكام الدفن؟
الجواب لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقرباؤه، وإنما يكون ماله فيئاً في بيت المال، فيوارى كما يوارى سائر الكفار.

الدفن بجانب قبور الصالحين
السؤال هل في حديث عثمان بن مظعون دليل على أن الدفن بجانب الصالحين له فائدة؟
الجواب ليس فيه دليل على هذا، وإنما قال: (أدفن إليه من مات من أهلي) ، وهذا فيه دفن الأقارب بعضهم حول بعض.

علاقة سهولة القبر بصلاح الميت
السؤال في بلدنا يقولون: إذا كان حفر القبر فيه مشقة فصاحب القبر شقي، وإذا كان حفر القبر سهلاً فهو سعيد؟
الجواب هذا كلام ساقط، فالسعادة ليست بمشقة الحفر ولا بسهولته، وإنما تكون السعادة والشقاوة بسبب العمل، فالعمل هو عنوان السعادة والشقاوة.

من جامع في ليلته فلا ينزل في القبر
السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم عند دفن إحدى بناته: (أيكم لم يقارف الليلة؟) هل يؤخذ منه حكم خاص؟
الجواب نعم، فإنه يدل على أن الذي حصل منه مجامعة فإنه لا ينزل في القبر.

صفة الدعاء للميت عند القبر
السؤال ما هي صفة الدعاء للميت عند القبر؛ هل هو دعاء جماعي بالتأمين؟
الجواب لا يكون جماعياً، بل كل واحد يدعو بنفسه، ويقول: اللهم اغفر له، وارحمه، وثبته عند السؤال، ولا يدعو واحد ويؤمن الباقون، وإنما كل واحد يدعو بنفسه.

سبب دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع النبي في البنيان
السؤال إذا كان دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته من خصائصه فكيف بدفن أبي بكر وعمر معه؟
الجواب دفن أبو بكر وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً له؛ لأن دفن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجد في البنيان، فلم يدفنوا فيه استقلالاً، وإنما دفنوا تبعاً، فالدفن من خصائصه، وقد أضيف إليه أبو بكر وعمر، ولا يكون ذلك لغيرهم.

كيفية التعامل مع ثعبان البيت
السؤال رجل ساكن في بيت شعبي ينام ثم يستيقظ وإذا بثعبان ينام بجواره دائماً، فانتقل من هذا البيت إلى بيت جديد فنام فانتقل الثعبان ونام معه، فماذا يعمل؟
الجواب إذا كان الواقع كما يقول فعليه أن يحذره وينذره، فإذا لم يذهب عنه بعد ثلاث فإنه يقتله كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.





تسوية القبر




شرح حديث: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تسوية القبر.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي هياج الأسدي أنه قال: (بعثني علي رضي الله عنه، قال لي: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته) ] .
قوله: [باب في تسوية القبر] ، المقصود من ذلك ألا يكون عليه بناء، فلا يرفع رفعاً كبيراً بحيث يزاد عليه من غير ترابه، وإنما يكون في مقدار ترابه دون أن يزاد عليه شيء من غيره، وإن زيد عليه شيء خفيف مثل الحصى أو غير ذلك فتوضع عليه حتى لا تأخذه الرياح فيضيع القبر، فيكون وضع هذا الحصى سبباً في بقائه، فذلك سائغ ولا بأس به، وأما أن يزاد عليه شيء من غير القبر بحيث يرفع، أو يبنى عليه فإن ذلك لا يجوز ولا يسوغ.
ثم إن من العلماء من قال: إن القبر يكون مسطحاً، ومنهم من قال: إنه يكون مسنماً، أي: أنه يرتفع شيئاً فشيئاً، بحيث يكون أعلاه ضيقاً وأصله واسعاً، فيتدرج شيئاً فشيئاً.
والأولى هو التسنيم؛ لأنه جاء ما يدل عليه في بعض الآثار التي وصفت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان مسنماً، وأيضاً التسطيح عرضة لأن تمكث فوقه الحيوانات، فيكون ذلك سبباً لتهدمه، بخلاف ما إذا كان مسنماً، فإنه يكون مرتفعاً.
وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قال لـ أبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته) فقوله: (قبراً مشرفاً إلا سويته) هو المقصود من الترجمة، وهو هدم البناء الذي يكون على القبر؛ لأن رفعه رفعاً زائداً عن ترابه لا يجوز، وإنما يكون في حدود التراب الذي يخرج منه ولا يزاد على ذلك.
قوله: (ولا تمثالاً إلا طمسته) ، المراد بذلك الصور، فالمجسمة منها تكسر، والصور التي هي غير مجسمة تطمس، إلا إذا كانت في شيء يمتهن كالفراش ونحوه فإنه لا بأس بذلك، لكن ليس للإنسان أن يشتريها، ولا أن يشتري شيئاً فيه صور، ولكنه إذا ابتلي به ووصل إليه من طريق لم يسع فيها فإنه يستعمله على وجه الامتهان.




تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حبيب بن أبي ثابت] .
حبيب بن أبي ثابت ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل] .
أبو وائل هو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الهياج الأسدي] .
هو حيان بن حصين، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن علي] .
هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها -أي: القبور-)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث: أن أبا علي الهمداني حدثه قال: (كنا مع فضالة بن عبيد رضي الله عنه برودِسَ من أرض الروم، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بتسويتها) .
قال أبو داود: رودس جزيرة في البحر] .
أورد أبو داود عن أبي علي الهمداني: أنهم كانوا مع فضالة بن عبيد في جزيرة، وأنه مات صاحب لهم فأمر فضالة بتسوية قبره، وقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتسوية القبور) .
وقد عرفنا التسوية، وهي ألا يرفع حتى يصير مشرفاً، بل يكون مستوياً، والظاهر أن المقصود به مثلما مر في حديث علي: (ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) .




تراجم رجال إسناد حديث (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها -أي القبور-)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] .

أحمد بن عمرو بن السرح ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عمرو بن الحارث] .
عمرو بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا علي الهمداني حدثه] .
أبو علي الهمداني اسمه ثمامة بن شفي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن فضالة بن عبيد] .
فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.




شرح أثر القاسم في وصفه لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أمه! اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.

قال أبو علي: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدَّم، وأبو بكر رضي الله عنه عند رأسه، وعمر رضي الله عنه عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] .
ثم أورد أبو داود عن القاسم قال: دخلت على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقلت: (اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة) أي: أنها ليست عالية ولاصقة بالأرض، وإنما تكون مرتفعة عن الأرض قليلاً، (مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء) أي: أن عليها تراباً أحمر، (وقال: إنه يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم مقدَّم، وأن أبا بكر عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
أي: كأن أبا بكر -بناء على هذا الكلام- محاذياً للرسول صلى الله عليه وسلم، أي: أن رأسه عند رأسه، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم مقدماً، وأبو بكر وراءه، ورأسه عند رأسه، وعمر رأسه عند رجلي الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه هي صفة القبور، وهذا الذي ذكره أبو علي راوي السنن عن أبي داود قال: يقال: كذا، قد جاء في (مستدرك الحاكم) من كلام القاسم بن محمد تابع للكلام المتقدم في (مستدرك الحاكم) ، وجاء فيه: أن قبر الرسول كذا، ورأس أبي بكر -أظنه قال-: عند عند كتفي الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: أنه متأخر عنه وليس رأسه عند رأسه، ورأس عمر عند رجلي النبي عليه الصلاة والسلام، فهو إذن قريب من هذا الوصف، إلا أنه هناك قال: رأسه عند رأسه، وهنا قال: رأسه عند كتفيه، رأسه ليس مساوٍ لرأس النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو نازل عنه، بحيث يكون رأسه مساوٍ لكتفيه، وعمر عند رجلي النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الأثر فيه إسناده رجل مستور، فهو إذن غير ثابت.




تراجم رجال إسناد أثر القاسم في وصفه لقبر النبي وأبي بكر وعمر
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .

هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن أبي فديك] .
هو محمد بن إسماعيل بن مسلم وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ] .
عمرو بن عثمان بن هانئ مستور، أي: مجهول الحال، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن القاسم] .
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
وليس لـ عائشة هنا رواية، وإنما يصف القاسم ما شاهده.
وهناك وصف آخر ذكره -فيما أظن- في (عون المعبود) وهو أن كل واحد منهم أنزل من الثاني، فـ أبو بكر عند كتف الرسول، وعمر عند كتف أبي بكر، فيكونون متسلسلين، فالأول هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أبو بكر، ثم عمر، وكل واحد منهم عند كتف الذي قبله، فأظن أن هذا ذكره في (عون المعبود) ، فهذه صفة ثالثة.
ويذكر بعض الإخوة أنه جاء عند أبي بكر الآجري في كتاب: (صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم) عن هيثم بن بسطام المديني أنه قال: رأيت قبره صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز، فرأيته مرتفعاً نحواً من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه.




الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف




شرح حديث (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف.

حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا هشام عن عبد الله بن بحير عن هانئ مولى عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت فإنه الآن يسأل) .
قال أبو داود: بحير بن ريسان] .
[باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف] ، فبعدما يدفن فإنه يوقف عند قبره ويدعا له بالمغفرة، وأن يثبته الله عند السؤال، فيقال: اللهم اغفر له وثبته، وهذا يدل على مشروعية الدعاء في هذا الوقت، وفيه دليل على أنه حي في قبره، وأن هناك حياة برزخية، ويدل أيضاً على أن هناك سؤالاً في القبر، فالميت يسأل بعد دفنه، فقد قال: (فإنه الآن يسأل) ؛ ولهذا يطلب له التثبيت عند
السؤال بأن يثبته الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كأن يقال: اللهم اغفر له، اللهم ثبته بالقول الثابت.
أورد أبو داود حديث عثمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ، فكان يدعو ويرشد إلى الدعاء، والمقصود من ذلك: أن كل واحد يدعو بنفسه، لا أن يكون هناك واحد يدعو ويؤمن الباقون، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إني سأدعو فأمنوا، وإنما قال: (ادعوا لأخيكم) ومعنى هذا: أن كل واحد يدعو من قبل نفسه.
والوقوف على القبر يكون في جهة منه، ولا يلزم أن يقف عند رأسه إذا كان قبر رجل، ووسطه إذا كان قبر امرأة، وإذا كان الناس كثيرين فله أن يدعو ولو لم يكن مباشراً للقبر.
وفيه تنبيه للناس بأن يدعوا للميت، فربما يكون بعضهم غافلاً أو ساهياً.




تراجم رجال إسناد حديث: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام] .
هو هشام بن يوسف الصنعاني، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن بحير] .
عبد الله بن بحير وثقه ابن معين، وأخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن هانئ مولى عثمان] .
هانئ مولى عثمان صدوق أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عثمان بن عفان] .
عثمان بن عفان أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: بحير بن ريسان] .
أي: أن أبا داود زاد ذكر جد عبد الله، فهو في الإسناد هكذا: عبد الله بن بحير، وهنا ذكر اسم الجد.




الأسئلة




متى يكون سؤال الميت؟
السؤال جاء في الحديث: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ، فمتى يبدأ
السؤال عند الدفن، أو بعد الموت كمن طالت مدته مثلاً ووضع في الثلاجة؟

الجواب يبدأ عند الدفن، وأما من تأخر دفنه فلا يقال: إنه يسأل قبل أن يصل إلى القبر، وإنما قال ذلك بعد دفنه، ولكن كما هو معلوم أن الإنسان الذي لم يقبر كمن أكلته السباع، أو غرق في البحر، أو احترق بالنار أو ما إلى ذلك، فلا يقال: إنه لا يجري له ما يجري لمن يدفن، بل يجري ذلك للجميع، فكل يسأل، وكل يعذب أو ينعم، وذلك بأي طريقة مات، وسواء دفن أو لم يدفن.

تذكير الناس بالاستغفار والدعاء للميت عند الدفن
السؤال هل يسن تذكير الناس بالاستغفار والدعاء للميت؟
الجواب الذي يبدو أنه لا بأس بذلك.

حكم رفع اليدين في الدعاء للميت بعد دفنه
السؤال هل ترفع اليدين في هذا الدعاء؟
الجواب الأمر في ذلك واسع، فما نعلم شيئاً يدل على إثباته ولا على نفيه، فللإنسان أن يرفع وله ألا يرفع.
ورفع الأيدي له ثلاث حالات: حالات جاء النص على الرفع فيها، كالدعاء بعرفة، والدعاء عند الجمرة الأولى والجمرة الثانية، والاستسقاء.
وحالات لم يرد الرفع فيها، كالدعاء في خطبة الجمعة، فلا يرفع الإنسان يديه في الدعاء في خطبة الجمعة، لا الخطيب ولا المأمومون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه على كثرة خطبه بالناس، وهو إمام الناس صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الأحاديث: (أنه ما كان يزيد على أن يشير بأصبعيه) ورأى بعض الصحابة رجلاً يرفع على المنبر يديه فتكلم فيه وقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد على أن يشير بأصبعيه) ، فدل هذا على عدم رفع الأيدي في هذا المكان.
وكذلك أيضاً بعد الصلوات المكتوبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام الناس، وإذا كان موجوداً فلا يصلي أحد بالناس مع وجوده عليه الصلاة والسلام، ومع كثرة صلاته بالناس لم يؤثر ولم ينقل عنه أنه رفع يديه بعد الصلاة، فدل ذلك على أن هذا الموضع ليس من المواضع التي ترفع فيها الأيدي.
وأما المواضع الأخرى التي هي مطلقة فالأمر فيها واسع، فله أن يرفع، وله ألا يرفع.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 426.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 421.12 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]