شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 71 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1091 - عددالزوار : 127495 )           »          أدركتني دعوة أمي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حقيقة الإسلام ومحاسنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المرأة .. والتنمية الاقتصادية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أسباب الثبات على الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4778 )           »          مفاسد الغفلة وصفات أصحابها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          سفراء الدين والوطن .. الابتعاث فرص تعليمية وتحديات ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [407]
الحلقة (439)





شرح سنن أبي داود [407]
إن الغضب يغير العقل ويحيل الطباع عن الاعتدال، فلذلك أُمِر الحاكم بالتوقف في الحكم ما دام به الغضب، فيقاس على الغضب ما كان في معناه من جوع مفرط، وفزع مدهش، ومرض موجع، وعلى الحاكم أن يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد فيهما، فإنه يجتهد رأيه ولا يقصر في الاجتهاد وبلوغ الوسع فيه.




ما جاء في القاضي يقضي وهو غضبان




شرح حديث (لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القاضي يقضي وهو غضبان.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه كتب إلى ابنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان) ] .
أورد أبو داود باب: القاضي يقضي وهو غضبان.
أي: أنه لا يجوز له ذلك، وإنما يقضي في حال راحته وهدوئه، وعدم وجود ما يشوش فكره وباله؛ لأنه إذا غضب وقضى حال غضبه فإن الغضب يصرفه عن الإدراك والتأمل، وكذلك مثله مما يشابهه بأن يكون في حال جوع شديد أو يكون عنده مرض يؤلمه، فإنه يكون مشغولاً بالألم الذي ربما يؤثر عليه، أو غير ذلك من الأشياء التي تقاس على الغضب.
الحاصل أن القاضي إنما يقضي في حال هدوئه وراحته لا في حال كونه مشوشاً من غضب أو غيره.
أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان) .




تراجم رجال إسناد حديث (لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان] .
مر ذكرهما.
[عن عبد الملك بن عمير] .
عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة] .
عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




الحكم بين أهل الذمة




شرح أثر ابن عباس قال (( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم )) فنسخت قال (( فاحكم بينهم بما أنزل الله ))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحكم بين أهل الذمة.
حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] فنسخت قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:48] ].
أورد أبو داود باب الحكم بين أهل الذمة.
يعني: أن أهل الذمة إذا ترافعوا إلى القاضي فإنه يحكم بينهم بحكم الإسلام، ولا ينظر إلى ما عندهم وإلى ما بأيديهم؛ لأن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع، والحكم إنما هو بها دون غيرها، ولا يحكم بشيء سواها.
أورد أبو داود أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو قول الله عز وجل: [ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ] يعني: كان هناك تخيير بين أن يحكم بين أهل الذمة أو يعرض عنهم، وأنه إن حكم يحكم بينهم بالقسط، ثم قال: إن ذلك نسخ بقوله: [ {فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:48] ] يعني: أنه عندما يأتون للتخاصم فإنه يحكم بينهم وليس مخيراً بين أن يحكم ولا يحكم.
والظاهر أنه إذا ترافع أهل الذمة إلى القاضي المسلم فإنه يحكم بينهم.




تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس قال (( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم )) فنسخت قال (( فاحكم بينهم بما أنزل الله ))
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي] .
هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي وهو ابن شبويه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني علي بن حسين] .
هو علي بن حسين بن واقد، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد النحوي] .
هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله بينهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: (لما نزلت هذه الآية: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة:42] الآية.
قال: كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهم) ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس وفيه: لما نزلت: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة:42] ، فكان بنو النضير إذا قتلوا أحداً من بني قريظة دفعوا لهم نصف الدية، وإذا كان العكس فإنهم يدفعون الدية كاملة، فكان هناك فرق بين القبيلتين، وأن القتيل من هذه القبيلة يكون ديته نصف الدية، وإذا كان من هذه القبيلة يكون الدية كاملة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما حكم بينهم سوى بينهم وجعل الدية واحدة، وأنه لا فرق بين قبيلة وقبيلة.




تراجم رجال إسناد حديث (كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله بينهم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن سلمة] .
هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن داود بن الحصين] .
داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهنا فائدة: يقول ابن عدي: إن حديث داود بن الحصين على ضربين: إذا حدث عنه ثقة فحديثه صحيح، وإذا روى عنه غير الثقة كـ ابن أبي حبيبة وإبراهيم بن أبي يحيى فحديثه ضعيف، فالحمل على من روى عنه عن عكرمة وليس عنه هو.
وهذا تفصيل جيد.
[عن عكرمة] .
عكرمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
مر ذكره.




الأسئلة




حكم إلزام أهل الذمة بحكم القاضي المسلم
السؤال هل يُلزم أهل الذمة بالعمل بحكم القاضي؟
الجواب نعم إذا كانوا تحت ولاية المسلمين فإنهم يلزمون كما يلزم المسلمون، لكنهم قد يأتون من بلادهم، ويتحاكمون ويرجعون فلا يكون عليهم سلطة، أما إذا كانوا تحت ولاية المسلمين فإنهم يلزمون بالحكم كما يلزم المسلم، وإلا فما فائدة الحكم؟ وإلزامهم بحكم الإسلام إذا تقاضوا وتحاكموا إلى القاضي المسلم وحكم بينهم، فالحكم نافذ إذا طلب المقضي له أن ينفذ الحكم.
كذلك إذا كانوا يسكنون في بلاد الإسلام، فإنهم يلزمون بأحكام الإسلام، لكونهم في بلاد مسلمة، وذلك إذا كان هناك مقاضاة ولا يكون لهم قضاة، ولكن إذا اصطلحوا فيما بينهم وحلوا مشاكلهم فيما بينهم دون أن يرجعوا إلينا فلسنا ملزمين بالبحث عنهم ومتابعتهم، حتى المسلمين أنفسهم إذا لم يأتوا إلى القاضي فلا يبحث عنهم ولا يتابعوا.





اجتهاد الرأي في القضاء




شرح حديث معاذ بن جبل في اجتهاد الرأي في القضاء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اجتهاد الرأي في القضاء.
حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله) ] .
قوله: [باب اجتهاد الرأي في القضاء] .
يعني: حيث لا يوجد دليل من كتاب ولا سنة فإنه يجتهد في إلحاق النظير بالنظير، يعني: بالقياس أو بلفظ عام، أو قاعدة عامة من قواعد الشريعة، والمقصود من ذلك أنه يجتهد بالرأي بأن يقيس، أو يعتبره ضمن قاعدة من قواعد الشريعة، أو ضمن عموم من عمومات الكتاب والسنة التي يندرج تحتها ذلك الشيء أو تلك النازلة أو تلك الواقعة التي حصلت فيها الخصومة، وليس المقصود من ذلك أنه يعمل بالرأي المجرد دون أن يكون هناك سعي واجتهاد ووصول إلى الحكم بشيء بني عليه الاجتهاد إما قياس أو غير ذلك.
أورد أبو داود حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: [(كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد قال: أجتهد رأي ولا آلو) يعني: أجتهد رأيي ولا أقصر في الاجتهاد والبحث عن الحق، وإلحاق النظير بالنظير.
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: (الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحديث فيه ثلاث علل: أولاً: أن فيه إرسالاً؛ لأن أصحاب معاذ هم الذين يحكون القصة، ثانياً: أنهم مبهمون، ثالثاً: أن الحارث بن عمرو الذي يروي عن هؤلاء هو أيضاً مجهول.
ففيه هذه العلل، ولهذا ضعفه الشيخ الألباني، ولكن بعض أهل العلم صححه أو حسنه، ومنهم ابن كثير في أول تفسير سورة الفاتحة، وكذلك الشوكاني حسنه وقال: إن ابن كثير جمع فيه جزءاً وقال: كذلك أيضاً أبو الفضل بن طاهر المقدسي جمع فيه جزءاً.
وقد وجدت آثار عن عدد من الصحابة تدل على ما دل عليه، وهي مطابقة له تماماً، وذلك عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن مسعود وهما في سنن النسائي في باب الحكم باتفاق أهل العلم؛ لأن فيهما زيادة: (بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فما قضى به الصالحون) يعني: بما اتفق عليه أهل العلم وهو الإجماع، قال: (فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي) .
وكأن الألباني استنكره من ناحية المعنى، يعني: أن الكتاب والسنة شيء واحد، وأن كلاهما وحي، وأن هذا التفصيل فيه نظر.
والمقصود من ذلك أن الإنسان عندما يبحث في الأدلة يبحث في القرآن أولاً ثم يبحث في السنة، وكل منهما من ناحية الحكم والتعويل واحد؛ لأن السنة متعبد بها كما يتعبد بالقرآن من حيث العمل، وعليه أن يصير إلى ما يجد من دليل من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يحصل شيئاً من ذلك، ووجد إجماعاً أو حكاية إجماع واتفاق العلماء على ذلك فإنه يأخذ به، وإن لم يكن شيئاً من هذا ولا هذا فإنه يجتهد رأيه، وذلك بإلحاق النظير بالنظير، وإلحاق الشبيه بالشبيه، أو بإدخاله تحت قاعدة عامة، أو إدراجه تحت لفظ عام، أو ما إلى ذلك من الطرق التي يمكن أن يصار إليها؛ لأن الشريعة مستوعبة لكل شيء، وهذا الاستيعاب ليس بألفاظها؛ لأنه ليس كل قضية لابد أن يوجد فيها نص، ولكن هذا يكون بعموماتها وبقواعدها بقياس الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير وهكذا، ولهذا كل نازلة تنزل بالناس ولم يعرف لها مثيل فيما مضى فإنه إذا تؤمل في نصوص الكتاب والسنة وفي قواعد الشريعة وفي عمومات النصوص وفي القياس وما إلى ذلك فإنه يمكن إيجاد الحل لها؛ لأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وهي مستوعبة لكل شيء.
وأيضاً ذكر صاحب عون المعبود: أن البيهقي في كتابه السنن لما ذكر هذا الحديث الذي معنا ذكر بعد ذلك أربعة آثار: أثر عمر وأثر ابن مسعود وأثر زيد بن ثابت وأثر ابن عباس.
والحديث الذي أنكره الألباني هو هذا الحديث الذي معنا حديث معاذ، أما الآثار فليس فيها إشكال.
لكن كما هو معلوم أن العلماء عندما يأتون بالأدلة يذكرون أولاً أدلة الكتاب ثم أدلة السنة كما يأتي في كثير من المسائل، يعني: عندما يريد المستدل أن يستدل، يقول: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس أو المعقول، أما الكتاب فقول الله عز وجل كذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، وأما الإجماع فقد حكى فلان الإجماع، وأما القياس فكذا وكذا، أو المعقول فكذا وكذا.




تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل في اجتهاد الرأي في القضاء
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عون] .
هو محمد بن عبيد الله الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن الحارث بن عمرو] .
الحارث بن عمرو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل] .
مبهمون لا يعرفون، فيكون الحديث مرسلاً.




طريق أخرى لحديث معاذ بن جبل في اجتهاد الرأي في القضاء وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ بن جبل: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن، فذكر معناه) ] .
وهذا مثل الذي قبله إلا أنه هنا منتهٍ إلى معاذاً، وأن معاذ هو الذي حدث بذلك، وفي الحديث الأول أن أصحاب معاذ يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة بعث معاذ إلى اليمن.
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة] .
مر ذكره.
[حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ بن جبل] .
معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




ما جاء في الصلح




شرح حديث (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلح.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال ح وحدثنا أحمد بن عبد الواحد الدمشقي حدثنا مروان -يعني ابن محمد - حدثنا سليمان بن بلال أو عبد العزيز بن محمد شك الشيخ عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين) ، زاد أحمد: (إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) .
وزاد سليمان بن داود: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلمون على شروطهم) ] .
أورد أبو داود باباً في الصلح، والصلح يكون في أمور كثيرة، يكون بين الزوجين، ويكون بين المسلمين والكفار، ويكون في الخصومات بين الناس، والذي يأتي في المعاملات هو الذي يتعلق بالخصومات بين الناس.
والصلح: هو أن يرضى الطرفان ويتفقا على إنهاء الخصومة فيما بينهما دون أن يكون هناك قضاء ملزم؛ لأن القضاء إلزام لأحد الطرفين، والحكم لواحد على الآخر، وأما الصلح فهو اتفاق فيما بينهما بحيث يكون الخصمان مطمئنين إلى هذا الذي وافقا عليه، أما إذا كان في المسألة حكم وبت في القضية، فأحد الخصمين يكون مستحقاً والآخر ليس له شيء.
إذاً: الصلح يكون بالتراضي وبالاتفاق فيما بين الطرفين، والحق لا يعدوهما، فلهما أن يتصالحا بدون أن يصل الأمر إلى القاضي، وإذا ذهبا إلى القاضي ورأى الإصلاح بينهما، واتفقا على الإصلاح فلا بأس بذلك، ولكن لو أصر أحدهما على الحكم فإن على القاضي أن يحكم، ولا يلزمهما الصلح إذا لم يتفقا عليه.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فإذا كان الصلح على أمر محرم وعلى أمر غير سائغ ويترتب عليه محظور فلا يجوز، وإنما يجوز في أمور سائغة، وفي شيء لا محظور فيه ولا مانع منه.
قوله: [(المسلمون على شروطهم)] .
يعني: إذا كانت تلك الشروط مطابقة للكتاب وللسنة، أما إذا كانت تلك الشروط باطلة ومخالفة للحق فإنه لا عبرة بها ولا قيمة لها.




تراجم رجال إسناد حديث (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري مر ذكره.
[أخبرنا ابن وهب] .
مر ذكره.
[أخبرني سليمان بن بلال] .
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن عبد الواحد الدمشقي] .
أحمد بن عبد الواحد الدمشقي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا مروان -يعني ابن محمد -] .
مروان بن محمد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سليمان بن بلال أو عبد العزيز بن محمد شك الشيخ] .
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[شك الشيخ] .
قيل: إن الشيخ المقصود هو أبو داود، والذي قال ذلك من دون أبي داود.
[عن كثير بن زيد] .
كثير بن زيد صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن الوليد بن رباح] .
الوليد بن رباح صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.




شرح حديث كعب بن مالك في تصالحه مع ابن أبي حدرد على قضاء نصف دينه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك أخبره: (أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كشف سجف حجرته، ونادى كعب بن مالك فقال: يا كعب! فقال: لبيك يا رسول الله! فأشار له بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قم فاقضه) ] .
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أنه كان يتقاضى ديناً على ابن أبي حدرد، وأن كان ذلك في المسجد، وأنه ارتفعت أصواتهما حتى سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج أو ظهر إليهما ورفع السجف أي الستارة عن الباب، ونادى كعب بن مالك وأشار إليه أن ضع النصف من الدين، فقال: قد فعلت يا رسول الله! فقال: قم فأقضه) .
وهذا فيه صلح؛ لأنهما اتفقا على أن هذا يسقط شيئاً من الدين الذي كانا يختصمان عليه وهو شيء مؤجل، وأنه يكون هناك حط من الدين ووضيعة منه، ولكن على أن يكون هناك تسديد في الحال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قم فاقضه) ؛ لأنه لو لم يقضه لحصل للدائن شيئان: الوضيعة والمطل.
إذاً: كونه أسقط شيئاً من الدين الذي له على خصمه، فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من الصلح، ويدل على أنه إذا حصل اتفاق أو صلح على أنه يسقط عنه شيئاً من الدين الذي هو في ذمته فإنه يعطيه الذي اتفقا عليه من بعد الحط وبعد الوضيعة.
وفيه دليل على جواز التقاضي في المسجد، وأن الإنسان إذا كان له حق على إنسان وأعطاه إياه في المسجد أن ذلك لا بأس به، وإنما الذي لا يجوز هو البيع والشراء، وأما كونه بيعاً حاصلاً وشراءً حاصلاً من قبل فلا يضر؛ لأن القضية هي قضية تسديد دين، وذلك لا بأس به لهذا الحديث.




تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك في تصالحه مع ابن أبي حدرد على قضاء نصف دينه
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك] .
ابن وهب ويونس وابن شهاب مر ذكرهم، وعبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[أن كعب بن مالك] .
كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-06-2025, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

الأسئلة




حكم اصطلاح الخصمين بعد رفع القضية للقاضي
السؤال هل للخصمين التراضي بعد أن رفعت القضية للقاضي؟
الجواب نعم، هذا حقهما ويستريح القاضي، مثلما قال الشاعر: لو أنصف الناس استراح القاضي وجنح الجميع للتراضي وليس ذلك مثل الشفاعات في الحدود إذا وصلت للقاضي.




حكم التقاضي للدين في المسجد
السؤال تقاضيت ديناً من أحد الإخوة داخل المسجد فقال لي: هذا فيه شبهة قد يفهم العوام أنه بيع، أُخرج بنا خارج المسجد، فما رأيكم في عمله؟
الجواب التقاضي في المسجد ليس فيه بأس؛ لأن حديث كعب بن مالك هذا يدل عليه، والبيع كما هو معلوم غير التقاضي، يعني: إذا طلب رجل من آخر ديناً فأخرج النقود وأعطاه إياها فهذا ليس من قبيل البيع والشراء.




حكم رفع الصوت في المسجد للحاجة
السؤال في الحديث أنه ارتفعت الأصوات ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ذلك، فهل في هذا دليل على أن رفع الصوت للحاجة في المسجد جائز؟
الجواب نعم يدل على أن رفع الصوت للحاجة سائغ، لكن كونه يترك وتغض الأصوات في المسجد لا شك أن هذا هو الذي ينبغي.




حكم طلب المدين من الدائن إسقاط بعض الدين لأجل تسديد الباقي
السؤال هل يجوز لأي شخص عليه ديون ولا يوجد عنده قدرة على السداد أن يطلب من دائنه أن يسقط له نصف الدين ويسدد له الباقي؟
الجواب يجوز.




حكم اتخاذ المحامي عند المخاصمة لقوة حجته وحكم مهنة المحاماة
السؤال ما حكم اتخاذ المحامي وهو عادة يكون قوي الحجة ولو في الباطل؟
الجواب الإنسان الذي يعلم أنه مبطل لا يجوز له أن يخاصم بنفسه ولا بمن ينوب عنه، أما الإنسان إذا كان يرى أنه محق فله أن يخاصم بنفسه أو بمن ينوب عنه، وحتى المحامي إذا عرف أن الإنسان مبطل لا يجوز له أن ينوب عنه.
واتخاذ مهنة المحاماة وكون الإنسان فرغ نفسه للنيابة في الخصومات أو في غيرها ليس فيه بأس، لكن الواجب عليه ألا يدخل في شيء إلا بعد أن يدرسه ويعرف أن الشخص الذي ينوب عنه غير مبطل؛ لأن بعض الأشخاص يكون مبطلاً.




الرد على شبهة من استدل بقوله تعالى (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله )) على جواز المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الاستغفار
السؤال نرجو منكم توضيح قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64] الآية، حيث أن بعض المنتسبين لأهل العلم يحملها على ظاهرها من جواز الإتيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته، حتى إننا رجعنا إلى كثير من تفاسير المتقدمين فلم نجد أحداً منهم تطرق لهذه القضية، وهي أنها خاصة في حياته لا بعد موته، وأن من سأله بعد موته فهو شرك صريح، والعجب أن ابن كثير رحمه الله ذكر قصة العتبي في هذه الآية ولم يتعقبها لا إسناداً ولا متناً، فزادنا حيرة، فنرجو منكم الرد على هذه الشبهة من جميع النواحي، حتى من الناحية اللغوية إذ إن بعضهم قال: إذ هذه شرطية تفيد العموم مثل: إذ دخلت المسجد فاقرأ قرآناً، فهي عامة في أي وقت، فنرجو منكم ذكر من رد على هذه الشبهة من المتقدمين وبارك الله فيكم؟
الجواب أولاً: الآيات هي في المنافقين، والضمير في قوله: (( وَلَوْ أَنَّهُمْ )) عائد على المنافقين؛ لأن سياق الآيات في المنافقين، يقول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:60 - 64] ، ومعلوم أن هذا إنما هو في حياته صلى الله عليه وسلم، وكونهم يأتون إليه ويتوبون ويطلبون منه أن يستغفر لهم إنما يكون ذلك في حياته عليه الصلاة والسلام، وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فلم ينقل عن أحد من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم أنه جاء إليه عند قبره وطلب منه أن يستغفر له، وإنما كانوا يأتون إليه في حياته صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا حصل جدب وقحط يطلبون منه الدعاء أن يغيثهم الله فيغيثهم الله، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصل الجدب في زمن عمر طلب من العباس أن يدعو وقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) .
فلو كان الأمر جائزاً وأنه لا فرق بين الحياة ولا بين الممات لما تركوا الذهاب إليه ولطلبوا منه كما كانوا يطلبون منه في الحياة، فلما عدلوا عن ذلك وصاروا إلى الطلب من الأحياء، واختار عمر رضي الله عنه أقرب قريب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمه العباس بن عبد المطلب وقوله: (بعم نبينا) يفيد وجه اختيار العباس وهي عمومته للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما قال: وإنا نتوسل إليك بـ العباس؛ لأن المقصود هو عمومته للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته منه.
وكذلك أيضاً جاء في صحيح البخاري في كتاب المرضى: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (وا رأساه قال: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك) يعني: لو مت قبلي دعوت لك واستغفرت لك، فقوله هذا الكلام يبين بأن دعاءه واستغفاره إنما هو في حال حياته صلى الله عليه وسلم، ولو كان ليس هناك فرق بين الحياة والموت لما كان هناك حاجة إلى أن يقول هذا الكلام؛ لأنه سواءً سبقها بالموت أو سبقته بالموت فإنه يستغفر لها، هذا إذا كان الأمر أنه لا فرق بين الحياة والموت لكنه قال: (لو كان ذاك وأنا حي دعوت لك واستغفرت لك) ، وهذا جاء في صحيح البخاري في كتاب المرضى: باب قول المريض: وا رأساه، وهو يدل على أن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو في حياته، وبعد وفاته قد عرفنا في الحديث أنه عندما يذاد أناس عن الحوض يقال له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) .
أما قصة العتبي التي أوردها ابن كثير ولم يتعقبها بشيء لا يعول عليها؛ لأنها قصة منام، والمنامات ليست بعبرة ولا يعول عليها، هذا لو ثبتت فكيف وثبوتها فيه شك وفيه نظر.




حكم قول القائل خير يا طير
السؤال عندنا مثل منتشر بين أوساط الناس وهو قول: (خير يا طير) فما حكم ذلك؟
الجواب هذا من التطير، وهو التشاؤم، والطيرة هي: أن الطير إذا طار إلى اليمين تفاءلوا، وإذا طار إلى اليسار تشاءموا، فقوله: خير يا طير! هذا فيه شيء من التطير.




حكم قولهم: من حسن الطالع أن يحصل كذا وكذا
السؤال ما حكم قول بعضهم: إن من حسن الطالع أن يحصل كذا وكذا؟
الجواب إذا كان معناه: حسن الحظ، فلا بأس، وأما إذا كان الطالع له معنى آخر سيئ يراد غير ذلك فلا وجه له.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-06-2025, 03:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [408]
الحلقة (440)






شرح سنن أبي داود [408]
إن من حفظ الشريعة الإسلامية للحقوق بأنواعها أن جعلت لها بينات ودلائل، ومن أوضحها الشهادات، فبالشهادة تصان الأموال والأعراض وما إلى ذلك، ولقد بين الشارع فضل الإتيان بالشهادة قبل أن يسألها من له الحق إذا كان لا يعلم بها، بحيث تكون هذه الشهادة سبباً في إرجاع الحقوق إلى أهلها، وبالمقابل حذر الشارع من إعانة المبطل على باطله، وكذلك حذر من شهادة الزور أشد التحذير، وقرنها في الكتاب والسنة بالشرك، ومن أجل حفظ الحقوق أباح الشرع شهادة الذمي عند عدم وجود غيره في السفر.



ما جاء في الشهادات



شرح حديث (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشهادات.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني وأحمد بن السرح قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أخبره أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يُسألها) شك عبد الله بن أبي بكر أيتهما قال.
قال أبو داود: قال مالك: الذي يخبر بشهادته ولا يعلم بها الذي هي له.
قال الهمداني: ويرفعها إلى السلطان، قال ابن السرح: أو يأتي بها الإمام، والإخبار في حديث الهمداني قال ابن السرح: ابن أبي عمرة، ولم يقل: عبد الرحمن] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الشهادات] ، والمقصود من ذلك الشهادات التي يبنى عليها الحكم في القضاء؛ لأنه عند وجود المتخاصمين فإن المدعي يطلب منه البينة، والبينة من أوضحها الشهادات، والأحكام فيما يتعلق بالشهادات جاءت الشريعة فيها على تفصيل: فمنها ما لا يكفي فيها إلا أربعة شهود، وذلك فيما يتعلق بالزنا، ومنها ما يكتفى فيها بشاهدين، ومنها ما يكتفى فيها بشاهد ويمين، ومنها ما يكتفى فيها بشاهد واحد.
وقد ألف ابن القيم رحمه الله فيما يتعلق بذلك كتاباً واسعاً اسمه: (الطرق الحكمية) ، وأورد فيه أوجه الحكم التي يحكم بها القاضي، وذكر أصناف الشهود، وما يلزم من شهود في كل شيء، وهو كتاب نفيس وكتاب واسع، ومن أحسن ما كتب فيما يتعلق بطرق الحكم التي يحكم بها القاضي.
ومعلوم أن المدعي عليه البينة، والبينة من أوضحها الشهادة، والمدعى عليه عليه اليمين، فإذا لم يأت المدعي بشهود فإن المدعى عليه إذا حلف تبرأ ساحته ويخلى سبيله.
أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وذلك فيما إذا كان الشاهد عنده شهادة والذي له الحق لا يعلم بهذا الشاهد ولا يعلم أن عنده شهادة، فهو يأتي بشهادته في هذه المسألة، وهذا هو المقصود من كونه وصف بأنه خير الشهداء، أما إذا كان المشهود له يعلم بها، فإن على الذي عنده شهادة أن ينتظر حتى يأتيه صاحب الحق ويطلب منه الإدلاء بشهادته.
إذاً: الممدوح هو الذي يأتي بالشهادة التي لا يكون صاحب الحق عنده علم بها، حيث أن حقه يضيع لو لم تظهر هذه الشهادة، فيكون هذا الشاهد عنده علم يفصل به في الموضوع، ويثبت به الحق لمن له الحق، وهذا هو الذي مدح وأثني عليه ووصف بأنه خير الشهداء.
قوله: [قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها) ] .
يعني: هذا فيه شك من الراوي، هل قال: (يأتي بشهادته) أو قال: (يخبر بشهادته) .
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي أقوام فيحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون) ، فهذا ذم؛ لأنه على غير هذه الطريقة التي جاءت في هذا الحديث، يعني: كون المرء عنده شهادة والمشهود له لا يدري فيأتي ليفصل بين هذا وهذا ويظهر الحق لمن له الحق هذا هو الممدوح، وأما أولئك الذين لا يبالون بالشهادة ويتسرعون فيها، فتجد الواحد منهم تسبق شهادته يمينه ويمينه شهادته، وقد يكون أيضاً في نفسه شيء على من يشهد عليه؛ بسبب عداوة أو ما إلى ذلك، فهذا هو المذموم.
[قال أبو داود: قال مالك: الذي يخبر بشهادته ولا يعلم بها الذي هي له] .
يعني: هذا تفسير أو توضيح لهذا الممدوح، وهو الذي يخبر بشهادته وليس عند الذي له الشهادة علم بها.
قوله: [قال الهمداني: ويرفعها إلى السلطان] .
يعني: يدلي بشهادته عند السلطان -أي: القاضي- ليحكم لصاحب الحق.
قوله: [قال ابن السرح: أو يأتي بها الإمام] .
يعني: مثل الأولى إلا أنها اختلفت العبارة.
قوله: [والإخبار في حديث الهمداني] .
يعني: هذا الإسناد الذي هو موجود وفيه الإخبار، هو لفظ الهمداني الذي هو أحد مشايخ شيخي أبي داود، وأما الشيخ الثاني فعنده عنعنة.
قوله: [قال ابن السرح: ابن أبي عمرة ولم يقل: عبد الرحمن] .
يعني: أن السياق الذي فيه عبد الرحمن بن أبي عمرة هو سياق الهمداني، حيث قال: عبد الرحمن بن أبي عمرة وأما ابن السرح فقد قال: ابن أبي عمرة دون أن يقول: عبد الرحمن.



تراجم رجال إسناد حديث (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني] .
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[وأحمد بن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني مالك بن أنس] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي بكر] .
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أباه أخبره] .
هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان] .
عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[أن عبد الرحمن بن أبي عمرة] .
عبد الرحمن بن أبي عمرة يقال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن خالد الجهني] .
زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



حكم من يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها



شرح حديث (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد قال: جلسنا لـ عبد الله بن عمر فخرج إلينا فجلس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها] .
معنى هذا: أن من يخاصم أو ينوب عن أحد في خصومة، فإنه لا يدخل في النيابة إلا وهو يعلم أن ذلك الشخص محق، أما إذا دخل وهو يعلم أن ذلك الشخص مبطل فإنه يكون من المتعاونين على الإثم والعدوان، وفيه هذا الوعيد الشديد الذي جاء في هذا الحديث.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله) يعني: أن من شفع في ترك إقامة الحد وسعى في ذلك فيكون مضاداً لله؛ لأنه حال بين تلك العقوبة التي أوجبها الله عز وجل، وقد جاء في السنة ما يدل على المنع من الشفاعة في الحدود، وأنها إذا وصلت للسلطان فإنه لا يشفع فيها، وقد جاء في ذلك أحاديث، وهذا الحديث يدل أيضاً على خطورة ذلك، وأن في ذلك مضادة لله سبحانه وتعالى.
قوله: [(ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه)] .
وهذا هو محل الشاهد للترجمة، يعني: أنه دخل في خصومة يعلم أن صاحبها مبطل، وسواء كان هو المباشر والخصم أو أنه وكيل عن الخصم، فيكون كل منهما متوعد بهذا الوعيد حتى يترك هذا الباطل الذي دخل فيه.
والمحامي لابد أن يعرف أن هذا المدعي الذي سينيبه على حق، وأنه ليس مبطلاً، فإن عرف أنه مبطل فلا يجوز له أن ينوب عنه؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وأيضاً من أكل أموال الناس بالباطل.
قوله: [(ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال)] .
يعني: أنه مستحق أن يسكن ردغة الخبال، وردغة الخبال جاء في بعض الأحاديث: (أنها عصارة أهل النار) .



تراجم رجال إسناد حديث (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمارة بن غزية] .
عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يحيى بن راشد] .
يحيى بن راشد ثقة، أخرج له أبو داود.
[جلسنا لـ عبد الله بن عمر] .
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح طريق أخرى لحديث ابن عمر وفيه (ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله عز وجل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم حدثنا عمر بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد العمري حدثني المثنى بن يزيد عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه قال: (ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله عز وجل) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال: إنها بمعناه وفيه: (ومن أعان على خصومة بظلم، فقد باء بغضب من الله عز وجل) .
وهذا مثل الذي قبله، وفيه وعيد لمن أعان على خصومة بظلم، يعني: أنه ساعد الخصم الظالم، كأن ينوب عنه أو يشهد له شهادة زور، أو غير ذلك من الأشياء التي فيها إعانة للظالم في الخصومة من أجل الوصول إلى شيء لا يستحقه، فإن من فعل ذلك فإنه يبوء بغضب من الله.
والحديث في إسناده من هو متكلم فيه، ولكنه شبيه بالذي قبله.



تراجم رجال إسناد طريق أخرى لحديث ابن عمر وفيه (ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله عز وجل)
قوله: [حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم] .
علي بن الحسين بن إبراهيم صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عمر بن يونس] .
عمر بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عاصم بن محمد بن زيد العمري] .
عاصم بن محمد بن زيد العمري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني المثنى بن يزيد] .
المثنى بن يزيد مجهول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن مطر الوراق] .
مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن نافع] .
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.



ما جاء في شهادة الزور



شرح حديث (عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في شهادة الزور.
حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا محمد بن عبيد حدثني سفيان -يعني العصفري - عن أبيه عن حبيب بن النعمان الأسدي عن خريم بن فاتك قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح، فلما انصرف قام قائماً فقال: عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله، ثلاث مرار، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج:30 - 31] ) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في شهادة الزور] ، والزور هو الكذب، وكون الإنسان يشهد زوراً يعني: شهادة بخبر غير مطابق للواقع؛ لأن الشهادة التي تكون حقاً وصادقة هي التي تطابق الواقع، وأما هذه فهي غير مطابقة للواقع؛ لأنها زور وكذب، ولأن الواقع شيء والشهادة شيء آخر.
أورد أبو داود حديث خريم بن فاتك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله عز وجل ثلاث مرار، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30] ) .
والحديث في إسناده من هو متكلم فيه، ولكنه من ناحية كون شهادة الزور ذكرت مع الإشراك بالله فنعم ذكرت مع الإشراك بالله، وكونها قرنت مع هذا الأمر الخطير الذي هو أظلم الظلم وأبطل الباطل وأعظم الذنوب الذي هو الإشراك بالله عز وجل فهذا يدل على خطورة الأمر، وقد جاء في حديث متفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) ، وقد جمع بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كما جمع بينهما الله عز وجل في هذه الآية الكريمة، فهي من حيث اقترانها بالشرك هذا صحيح، ولكن إذا أريد أن شهادة الزور مساوية للشرك بالله فهذا غير صحيح، بل الشرك بالله لا يساويه شيء، وكل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله، وأما الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفر، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:116] .



تراجم رجال إسناد حديث (عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله)
قوله: [حدثنا يحيى بن موسى البلخي] .
يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا محمد بن عبيد] .
هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وإذا جاء محمد بن عبيد غير منسوب وهو من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فالمراد به الطنافسي كما هنا، وإذا جاء محمد بن عبيد في طبقة شيوخ أبي داود فالمراد به واحد من اثنين وهما: محمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن عبيد المحاربي؛ لأن هذين الاثنين من شيوخ أبي داود، ويأتي ذكرهما بدون هذا التمييز الذي يميز بينهما: ابن حساب أو المحاربي.
[حدثني سفيان -يعني العصفري -] .
سفيان العصفري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
وهو مقبول أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن حبيب بن النعمان الأسدي] .
حبيب بن النعمان الأسدي مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن خريم بن فاتك] .
خريم بن فاتك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
والحديث فيه هذان المقبولان: زياد العصفري وحبيب بن النعمان الأسدي.



بيان من ترد شهادته



شرح حديث (أن رسول الله رد شهادة الخائن والخائنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من ترد شهادته.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم) .
قال أبو داود: الغمر: الحنة والشحناء، والقانع: الأجير التابع مثل الأجير الخاص] .
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب من ترد شهادته] ، من ترد شهادته هو غير العدل المعروف بفسق أو فجور.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة) والمقصود بالخائن هنا الفاسق؛ لأن الفسق ومعصية الله عز وجل وعدم الالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله خيانة، وليس المقصود بالخيانة الخيانة في المال فقط، وإنما المقصود ما هو أعم من ذلك، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] ، ومعلوم أن الأمانة هي كل ما ائتمن الله الناس عليه من الحقوق التي هي لله عز وجل، أو الحقوق التي للناس.
وكونه نص على الأنثى مع الذكر في قوله: (الخائن والخائنة) زيادة في الإيضاح والبيان، كما في قوله: (( السارق والسارقة )) (( الزانية والزاني )) مع أن الحكم واحد، وأحياناً يأتي ذكر الرجال والنساء تبع لهم، وأحياناً يأتي التنصيص على النساء والرجال، كما يأتي كثيراً في القرآن ذكر النساء والرجال والذكور والإناث من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات وغير ذلك.
قوله: [(وذي الغمر على أخيه)] .
يعني: ذو الحقد والبغضاء على أخيه، والأخوة إما أن تكون أخوة الإسلام وأخوة الدين، أو أخوة النسب، وتوجد عداوة فتكون أعم، ولكن ليس المقصود هنا أخوة النسب بل الأخوة في الإسلام، فيكون سببه عداوة من أجل أمور دنيوية، وقد يحمله الحقد والبغضاء على أن يشهد زوراً أو يكذب ويفجر في شهادته.
قوله: [(ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم)] .
يعني: ترد شهادة الشخص الذي هو تابع لأهل البيت، أو الذي هو ملازم لأهل البيت، أو الأجير لأهل البيت؛ لأنه متهم في شهادته، أولاً: من ناحية المحاباة.
ثانياً: من أجل أنه يحصل له منهم إما إحسان أو أجرة.
كذلك من كان مثل هذا الشخص الملازم ومن كان يشبهه فإنه يكون متهماً في ذلك؛ لأنه سيجر إلى نفسه منفعة، وشهادة الوالد لولده، أو شهادة الولد للوالد، أو شهادة الزوجة للزوج كلها من هذا القبيل.
كذلك الأشياء التي لا يشهد فيها إلا القرابات، مثل شهادة الأخ لأخيه، فهذه المسألة كما هو معلوم فيها خلاف بين أهل العلم ليست متفقاً عليها، ولكن الحديث هنا ذكر القانع؛ لأن له علاقة بأهل البيت، وبذلك يكون متهماً.



تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله رد شهادة الخائن والخائنة)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن راشد] .
محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثنا سليمان بن موسى] .
سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب] .
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده] .
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن خلف بن طارق الداري حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى بإسناده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غمر على أخيه) ] .
وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة الزاني والزانية، والزنا نوع من أنواع الخيانة والعياذ بالله، وهي من أعظم الخيانة وأعظم والفواحش.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية)
قوله: [حدثنا محمد بن خلف بن طارق الداري] .
محمد بن خلف بن طارق الداري مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي] .
زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا سعيد بن عبد العزيز] .
هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سليمان بن موسى بإسناده] .
مر ذكره.



الأسئلة



حكم قبول شهاة الرجل على من يبغضه بسبب فسقه وفجوره ومعاصيه
السؤال هل تقبل شهادة ذي الغمر على أخيه إذا كان سبب البغض سبباً شرعياً كالابتداع أو الفسوق؟
الجواب لا، لا ترد شهادته؛ لأن بغضه في الله يحول بينه وبين أن يشهد شهادة زور، وإنما ترد شهادة الذي يكون بغضه من أجل الدنيا، والحقد عليه من أجل الدنيا، ولهذا شهادة المسلمين على الكفار مع وجود العداوة بينهم وبينهم مقبولة؛ لأن البغض ديني وليس دنيوياً، وغالباً أن الحزازات في الدنيا تكون مع ضعف الدين.



حكم قبول شهادة حالق اللحية وشارب الدخان والمستمع للأغاني
السؤال ذكرتم الخائن والخائنة أنه يعم أمور الدين لا الأمور المالية فقط، فهل تقبل شهادة حليق اللحية وشارب الدخان وسامع الأغاني؟
الجواب هذا يرجع للقاضي؛ لأنه قد يكون المدعى عليه مثله، فإذا اعترض عليه يقال: أنت مثله، وكما هو معلوم فشهادة الفاسق على الفاسق قد تقبل، وإذا اعترض يقال: أنت مثله فكيف ترد شهادته، أو تعترض على شهادته وأنت من جنسه؟ لكن إذا كان الشخص سليماً وليس فيه هذا العيب، وقدح في شهادته فإن له حق القدح، فكونه يعتبر أو لا يعتبر هذا يرجع إلى القاضي.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-06-2025, 03:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





وجه رد شهادة من يربي الحمام
السؤال ما يذكر في كتب الفقه أن الذي يربي الحمام يقدح في شهادته هل هذا صحيح؟
الجواب إذا كان من أجل أنه يؤكل، ومن أجل أنه يبيعه، فهذا ليس فيه بأس، أما إذا كان من أجل اللعب به واللهو به فهذا سفه ولهو.





حكم شهادة البدوي على أهل الأمصار



شرح حديث (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شهادة البدوي على أهل الأمصار.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد عن ابن الهاد عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية) ] .
أورد أبو داود باب شهادة البدوي على أهل الأمصار.
والبدوي: هو ساكن البادية الذي ينتقل من مكان إلى مكان، وليس ثابتاً ومستقراً في بلد وفي مكان، يعني: هو الذي يتبع العشب والرعي ويتبع الأمطار، فتجده يكون شهراً في بلد وشهراً في بلد آخر مع مواشيه وهكذا، وإنما ردت شهادته؛ لأن الغالب على الأعراب أن فيهم الجفاء والجهل، وعدم الإتيان بالشهادات على وجهها، فمن أجل ذلك جاء ما يدل على عدم قبول الشهادة، لكن إذا كان البدوي عنده معرفة وليس عنده الجهل وعدم البصيرة، وأنه يؤدي الشهادة على وجهها فإنه يكون كغيره من الحاضرة، ولا يقال: إن كل أهل البادية يكونون جهلاء، لكن الغالب عليهم الجهل، والغالب عليهم الجفاء، والغالب عليهم عدم البصيرة وعدم الإتيان بالشهادة على وجهها، ولهذا الله ذكر في القرآن الأعراب وبين شدة ما عندهم من الكفر في حال الكفر، وما عندهم من الجهل، وأنهم يمتازون على غيرهم في ذلك، كما قال الله عز وجل: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [التوبة:97] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية) وأصحاب القرية: هم سكان القرى والمدن.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية)
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب] .
أحمد بن سعيد الهمداني وابن وهب مر ذكرهما، ويحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ونافع بن يزيد] .
نافع بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن الهاد] .
هو يزيد بن عبد الله بن الهاد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو بن عطاء] .
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار] .
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر الصحابة حديثاً.



ما جاء في الشهادة في الرضاع



شرح حديث عقبة بن الحارث في شهادة المرأة في الرضاع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشهادة في الرضاع.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: حدثني عقبة بن الحارث وحدثنيه صاحب لي عنه وأنا لحديث صاحبي أحفظ، قال: (تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فدخلت علينا امرأة سوداء فزعمت أنها أرضعتنا جميعاً، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فأعرض عني، فقلت: يا رسول الله! إنها لكاذبة، قال: وما يدريك وقد قالت ما قالت؟ دعها عنك) ] .
أورد أبو داود باب الشهادة في الرضاع.
يعني: أنه يكفي في ذلك امرأة واحدة؛ لأن هذا من الأمور التي تحصل من النساء فهن اللاتي يرضعن، فتقبل شهادة الواحدة في ذلك، وفي هذا خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إن الأصل أنه لا يقبل إلا ما يكفي في الشهادة وهو شهادة رجل وامرأتين، ومنهم من قال: إنها تكفي شهادة المرأة الواحدة في الأمور التي لا تعرف إلا من طريق النساء، مثل هذا الذي جاء في حديث عقبة بن الحارث: أنه تزوج امرأة فجاءت امرأة سوداء وقالت: إنها أرضعتهما، أي: أرضعت عقبة بن الحارث وهذه التي تزوجها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك وقال: (إنها كاذبة، فقال عليه الصلاة والسلام: وما يدريك؟ دعها) أي: اترك هذه الزوجة التي شهدت تلك المرأة بأنها أرضعتكما.
والحديث واضح الدلالة في الاكتفاء بشهادة امرأة واحدة.



تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن الحارث في شهادة المرأة في الرضاع
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد] .
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي مليكة] .
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن الحارث] .
عقبة بن الحارث رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
قوله: [وحدثنيه صاحب لي عنه، وأنا لحديث صاحبي أحفظ] .
وهذا ذكره في الإسناد الذي بعده، وهو عبيد بن أبي مريم.
وهو مقبول، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.



شرح حديث عقبة بن الحارث في شهادة المرأة في الرضاع من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا الحارث بن عمير البصري ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية كلاهما عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه، وقد سمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد أحفظ، فذكر معناه] .
ذكر طريقاً أخرى للحديث.
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني] .
أحمد بن أبي شعيب الحراني ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا الحارث بن عمير البصري] .
الحارث بن عمير البصري وثقه الجمهور وفي أحاديثه مناكير، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا إسماعيل بن علية] .
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـ ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلاهما عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث] .
وقد مر ذكرهم، وعبيد بن أبي مريم مقبول، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[قال أبو داود: نظر حماد بن زيد إلى الحارث بن عمير فقال: هذا من ثقات أصحاب أيوب] .
يعني: هذا مدح له مع أنه زميل له، وكلاهما يروي عن أيوب.



حكم شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر



شرح حديث أبي موسى الأشعري في شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر.
حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا زكريا عن الشعبي: (أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه، ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة، فأتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا، وإنها لوصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما) ] .
أورد أبو داود باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر.
والمقصود أن المسلمين إنما يستشهدون المسلمين ولا يستشهدون الكفار، ولكن إذا حصل هناك ضرورة، وهي خاصة في هذا الموضع الذي جاء في هذا الحديث، وهو أن يكون المسلم في بلد وحده وليس معه أحد من المسلمين يشهده ويوصيه، وأشرف على الهلاك، واحتاج إلى أن يخبر أحداً من أهل الكتاب بأن هذا ماله، وأن له كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، وأنه يؤدي هذا المال إلى أهله، فإن ذلك سائغ للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، كما أن الإنسان عندما يضطر إلى أكل الميتة يأكل منها بقدر الحاجة، فكذلك هنا إذا احتيج إلى أن يشهد الكفار فيما يتعلق بالوصية؛ لأن هناك ضرورة حيث أشرف على الموت، وماله موجود معه ويريد أن يعطيه أحداً من الكفار حتى يتولى إيصاله إلى أهله، فإن ذلك معتبر، وقد جاء بذلك القرآن والسنة.
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الشعبي قال: (أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه) .
ودقوقاء بلد بين بغداد وإربل.
قوله: [(ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته)] .
الأصل أن الذي يشهد على ذلك مسلمون لا كفار، ولكن إذا كان هناك ضرورة مثل هذه الصورة ومثل هذه الحالة فقد جاءت السنة مبينة جواز ذلك.
قوله: [(فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة)] .
يعني: هذان الرجلان قدما الكوفة بعدما مات هذا الذي أشهدهما وأعطاهما ماله ووصيته.
قوله: [(فأتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)] .
يعني: هذه حادثة لا يعلم أنها وقعت إلا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سيأتي في قصة السهمي وهذه الحادثة وقعت بعد تلك الحادثة، يعني: كونه احتيج إلى شهادة كفار في السفر.
قوله: [(فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا)] .
فأحلفهما بالله بعد العصر، يعني: كما أن الشهادة تغلظ في المكان فكذلك تغلظ في الزمان، وهذا مما جاء في أن التغليظ في الشهادة يكون بعد العصر، وقد جاء أيضاً ما يدل على ذلك في غير هذا الحديث.
فهو أحلفهما أنهما ما كتما ولا بدلا ولا غيرا هذا الذي أعطاهما إياه، وأنهما أدياه كما أعطاهما دون تغيير ولا تبديل ولا نقص ولا أخذ شيء منه، وجاء في القرآن أنه إذا حصل ارتياب وحصل شك في صدقهم فإنهم يحلفون، قال عز وجل: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [المائدة:106] الآية.
وهذا ليس خاصاً بأهل الكتاب، وإنما يدخل معهم كل الكفار؛ لأن هذه ضرورة مثل أكل الميتة.
يعني: إذا ما وجد الميت مسلمين فليس له إلا أن يوصي كافراً سواءً كان ذمياً أو غير ذمي، لكن من ناحية التحليف بالله عز وجل بالنسبة للوثنيين الذين لا يقرون بوجود الله عز وجل فهؤلاء تحليفهم بالله معناه أنه من ناحية الشهادة وكونهم يحصل وصية لهم، هذه ضرورة لابد منها، ومعلوم أن الكفار الوثنيين فيهم من يعترف بوجود الله مثل كفار قريش فهم مقرون ومعترفون بتوحيد الربوبية، ومقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، فمثل هؤلاء الذين يعترفون بوجود الله يمكن أن يحلفوا.



تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى الأشعري في شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر
قوله: [حدثنا زياد بن أيوب] .
زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا زكريا] .
هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فأتيا أبا موسى الأشعري] .
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: إن صح سماع الشعبي لهذا الحديث من أبي موسى فالحديث صحيح.



شرح حديث ابن عباس في شهادة أهل الكتاب في السفر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال: (خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصاً بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم وجد الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال: فنزلت فيهم: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )) [المائدة:106] الآية)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً من بني سهم كان في سفر ومعه تميم بن أوس الداري وكان نصرانياً قبل أن يسلم، وكذلك عدي بن بداء كان أيضاً نصرانياً فمات وأنهما قدما بتركته، ولكنهما أخذا منها جاماً من فضة مخوصاً بالذهب، يعني: أنه مزركش أو على شكل خوص النخل.
فـ تميم وعدي باعا الجام في مكة واقتسما ثمنه وأتيا بالباقي، ووجد الجام بمكة، فسئل من كان عندهم فقالوا: اشتريناه من تميم الداري ومن عدي بن بداء، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان قد استحلفهما ثم لما تبين أنهما خائنان وأنهما استحقا إثماً، حلف اثنان من قرابة السهمي وأحدهما عمرو بن العاص أن شهادتهما أحق من شهادتهما، يعني: أحق من شهادة تميم وعدي وأن الجام إنما هو لصاحبهما.
وبعد أن تبين أن تميماً وعدياً هما اللذان باعا الجام ونزلت هذه الآية آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة:106 - 107] يعني: أنهما خانا، فإنه يحلف اثنان من قرابة صاحب التركة، فالرسول صلى الله عليه وسلم حكم به لقرابته.
قوله: [(خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء)] .
يعني: وكانا نصرانيين، أما عدي بن بداء فمات نصرانياًً، وأما تميم الداري فقد أسلم، وهو الذي روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث منها حديث: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم في صحيحه.
قوله: [(فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم)] .
ومعلوم أن الإشهاد وأن الوصية تكون لمسلم، والله عز وجل قال: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:106] أي: من المسلمين، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] يعني: إذا لم يوجد من المسلمين فمن الكفار.
قوله: [(فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصاً بالذهب)] .
يعني: أهله فقدوا الجام وكانوا يعرفون أن عنده هذا الجام الذي هو كأس من فضة مخوص، يعني: أنه على شكل خوص النخل.
قوله: [(فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة)] .
فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك وجد الجام، فكانا كاذبين في شهادتهما وحلفهما.
قوله: [(فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي)] .
يعني: أن الذين كانوا في مكة أخبروا بأنه دخل عليهما تميم وعدي فباعا منهم هذا الجام الذي كان للسهمي.
قوله: [(فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم فنزلت فيهم: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية)] .



تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في شهادة أهل الكتاب في السفر
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يحيى بن آدم] .
هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي زائدة] .
هو يحيى بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي القاسم] .
محمد بن أبي القاسم ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي.
[عن عبد الملك بن سعيد بن جبير] .
عبد الملك بن سعيد بن جبير لا بأس به، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي.
[عن أبيه] .
هو سعيد بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس وقد مر ذكره.



الأسئلة



حكم الصلاة على من مات وعليه دين وقد أوصى بتسديده
السؤال شخص يريد الحج وعليه دين يستطيع الوفاء به بعد الحج، ومع ذلك فقد أوصى ورثته بسداده إن مات، فإن مات قبل رجوعه من الحج هل يصلى عليه أم لا بحكم أنه مدين؟
الجواب يصلى عليه.



حكم الوصية للكتابي المأمون مع وجود المسلم الفاسق غير المأمون
السؤال إذا لم يجد الرجل المسلم في بلاد الكفار إلا مسلماً لكنه غير مأمون مطلقاً ووجد كتابياً مأموناً، فمن يوصي ومن يعطي تركته المسلم أم الكتابي؟
الجواب المسلم أولى من الكتابي، كما قال الله: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة:95] ومعلوم أن المسلم أولى من الكافر حتى ولو كان المسلم فاسقاً.



حكم إشهاد المسلم للكفار في بلاد الكفار مع وجود المسلمين وعدمهم
السؤال إذا كان الرجل في بلد الكفار وله حق يحتاج أن يشهد عليه في التوثيق، فهل له أن يشهد الكفار؟
الجواب الشهادة تكون للمسلمين، إذا كان هناك مسلمون فلا يجوز له أن يشهد الكفار.



حكم شهادة البدوي على مثله
السؤال إذا كان البدوي لا يشهد على صاحب القرية فهل تقبل شهادة البدوي على مثله؟
الجواب نعم، تصح شهادة البدوي على البدوي.



حكم صحة عقد النكاح بشهادة أصحاب المعاصي كحالقي اللحى وغيرهم
السؤال كلف أحدنا بعقد زواج ولم يحضر المجلس إلا حالق اللحية ومن ظاهرهم رقة الدين، فهل تجوز شهادتهم على عقد النكاح؟
الجواب يأتون بغيرهم من المأمونين الثقات العدول، لكن لو وقع فإنه يصح، ولكن الكلام عند الاختيار، فنقول: يختار أناساً فيهم سلامة، ولا يقال: إن العقد باطل.



حكم الولد من نكاح الشبهة
السؤال من تزوج امرأة وأنجب منها، ثم علم أنها أخته من الرضاعة، فما حال الولد؟
الجواب هذا نكاح شبهة، والولد ولده.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29-06-2025, 03:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [409]
الحلقة (441)





شرح سنن أبي داود [409]
لا يجوز للحاكم أن يقضي بالشاهد الواحد وإن علم صدقه، وحديث خزيمة خاص به، وإنما يقضي الحاكم باليمين والشاهد؛ لأن جانب المدعي أقوى، ولا تحل اليمين على المدعى عليه إلا إذا عدم المدعي البينة.




حكم الحاكم بالشاهد الواحد إذا علم صدقه




شرح حديث (أن النبي ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم أخبرنا شعيب عن الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ابتاع فرساً من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: أوليس قد ابتعته منك؟ فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بلى، قد ابتعته منك، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً، فقال خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين) ] .
قول المصنف: [باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به] هذه الترجمة ليست على إطلاقها؛ لأن هذا الشاهد الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين هي من خصائص ذلك الصحابي الذي هو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه؛ لأنه بادر إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والشهادة له؛ لأنه يخبر بالوحي ويخبر عن الله، وهو مصدق في كل ما يقول؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقاً ولا يتكلم إلا بصدق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهي ليست على إطلاقها في غير هذا الموضع، ولكن يمكن أن يقال: يقبل الشاهد الواحد مع اليمين، والحكم بالشاهد واليمين جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبالنسبة لـ خزيمة الذي جاء ذكره في الحديث أن شهادته بشهادة رجلين فهذا من خصائصه ولا يتعداه إلى غيره، وأما بالنسبة لغيره فإن الشاهد الواحد يكون معه اليمين في جانب المدعي؛ لأنه وجد بينة ولكنها غير كافية، تحتاج إلى ضميمة تضم إليها وهي اليمين من المدعي.
وعلى هذا فالترجمة التي أوردها المصنف ليست واضحة؛ لأنها تتعلق بشيء من خصائص ذلك الشاهد الذي حكم النبي صلى الله عليه وسلم بشهادته؛ لصدقه ولكونه شهد للنبي عليه الصلاة والسلام بأنه صادق في كل ما يقول، فمن أجل ذلك بادر إلى هذه الشهادة وسبق غيره إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين.
وعلى هذا فالترجمة ليست دقيقة في الحقيقة، من جهة أن الدليل خاص، ولا يشمل هذا الشمول الذي اشتملت عليه الترجمة، ولكن كونه يضم إليه اليمين، فهذا ليس فيه إشكال، فيحكم بشاهد واحد مع يمين المدعي كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الوضوء، لما جاء إلى حديث فيه شيء يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، أضاف الحكم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال في الترجمة: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم فضل وضوئه على المغمى، ثم ذكر الحديث الذي فيه أنه صب فضل وضوئه على مغمى عليه فأفاق، ولم يقل: باب صب الزائر على المريض؛ لأن هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن كل ما لامس بدنه صلى الله عليه وسلم يكون فيه بركه، ويكون له ميزة على غيره، فـ البخاري رحمه الله أتى بهذه الترجمة الخاصة التي تدل على الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأت بترجمة عامة أوسع مما جاء في الحديث، حيث قال: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم فضل وضوئه على المغمى عليه.
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن أخي خزيمة الذي هو عم عمارة بن خزيمة بن ثابت وفيه: [(أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه)] .
يعني اشترى فرساً من أعرابي، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتبعه كي يعطيه قيمة الفرس، والرسول صلى الله عليه وسلم أسرع وتقدم، والأعرابي كان يمشي ببطء، فصار هناك فجوة كبيرة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، والناس لقوا هذا الأعرابي الذي معه الفرس، فصاروا يساومونه ولا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتراه، وكأنه وجد زيادة، أو أكثر مما كان باعه على النبي صلى الله عليه وسلم فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته)] فالنبي صلى الله عليه وسلم التفت إليه فقال: [(أو ليس قد ابتعته منك؟! فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه)] يعني: حلف الأعرابي كاذباً، وهذا الذي حصل من هذا الأعرابي من جفاء الأعراب وجهلهم، وقد سبق أن مر في الحديث قريباً أنه لا تقبل شهادة البدوي على الحضري؛ لأنه يغلب عليهم الجهل، وعدم الإتيان بالأمور على حقيقتها، وهذا يوضح الذي تقدم؛ لأنه قد باع الفرس من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أنكر وحلف على إنكاره بأنه لم يبعه، ثم قال: [(هلم شهيداً)] يعني: يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر شهوداً على أنه باعه، فقال خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: [(أنا أشهد أنك بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟)] يعني: كيف تشهد وأنت ما حضرت؟ فقال: [(بتصديقك يا رسول الله)] يعني: أشهد على صدقك لأنك تأتينا بخبر السماء وبالوحي، والناس يصدقونه في كل ما يقول فكيف لا يصدقونه مع أعرابي؟ فهم يصدقونه في كل ما يقول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [(فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين)] هذه من خصائصه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.




تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس] .
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[أن الحكم بن نافع] .
هو الحكم بن نافع أبو اليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعيب] .
هو شعيب بن أبي حمزة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن خزيمة] .
هو عمارة بن خزيمة بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عمه] .
قيل: اسمه عمارة قاله ابن مندة.
وفي نسخة أبي الأشبال قال: قيل: اسمه عمارة بن ثابت صحابي، ورمز له بدال وسين.




الأسئلة




حكم قضاء القاضي بعلمه
السؤال إذا علم القاضي صدق أحد المتخاصمين، فهل له أن يقضي بناءً على علمه؟
الجواب لا، لا يحكم بكونه يعرف صدق هذا وإنما يحكم للمدعي بالبينة، والمدعى عليه عليه اليمين، وإذا وجد بينة غير كافية كالشاهد الواحد، فإنه يضم إليه يمين المدعي، وهذه القصة التي معنا يمكن أن تكون معتبرة مع يمين المدعي.





حكم القضاء باليمين والشاهد




شرح حديث (أن رسول الله قضى بيمين وشاهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القضاء باليمين والشاهد.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي أن زيد بن الحباب حدثهم قال: حدثنا سيف المكي قال عثمان: سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشاهد) ] .
قوله: [باب القضاء باليمين والشاهد] يعني: يمين المدعي مع شاهد يكون معه يشهد على دعواه، فإنه في هذه الحالة تضم إليه اليمين وتكون بمثابة الشاهدين، ولا تحول إلى المدعى عليه؛ لأنه قد وجد شيئاً يرجح جانب المدعي، وهو الشاهد الواحد، فلم يهدر هذا الشاهد ولكن ضم إليه شيء يقويه وهو يمين المدعي، وأما إذا لم يوجد مع المدعي بينة، فإن اليمين تكون على المدعى عليه وتبرأ ساحته باليمين، وعلى هذا فالبينة إذا حصل شاهدان فيما يتعلق بالحقوق حكم بها، وإن لم يوجد إلا شاهد واحد فتلك بينة لا تهدر، ولكن يضم إليها شيء يقويها وهو اليمين على المدعي، وبهذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد)] أي: يمين المدعي مع الشاهد الذي يكون معه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أضاف إلى الشاهد يمين المدعي وقضى له على المدعى عليه، ولا يقال: إن هذا يعارض ما جاء أن اليمين على المدعى عليه؛ لأن هذا إنما إذا لم يكن مع المدعي بينة تحتاج إلى ما يقويها، أما إذا وجد مع المدعي شيء من البينة التي هي شاهد واحد، فلا تهدر هذه البينة وإنما يضم إليها بينة أخرى تقويها وهي يمين المدعي، فلا يكون الحكم بالشاهد واليمين معارضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه) وذلك لأن اليمين على المدعى عليه إذا لم يكن هناك بينة مع المدعي، أما وقد وجد منه بينة ولكنها غير كافية وتحتاج إلى ما يقويها وهو اليمين فيتوجه اليمين إلى المدعي لا إلى المدعى عليه، وعلى هذا فلا تنافي بين الحديثين، يعني: لا تنافي بين ما جاء بالحكم بالشاهد واليمين، وما جاء بأن اليمين تكون على المدعى عليه.
والأصل أنه لا نطلب اليمين من المدعي عليه إلا إذا عدمت البينة من المدعي، ولا يجوز للقاضي استحلاف المدعى عليه إلا إذا عدم المدعي البينة.




تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قضى بيمين وشاهد)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[والحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[أن زيد بن الحباب] .
زيد بن الحباب وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سيف المكي قال عثمان: سيف بن سليمان] .
الشيخ الأول وهو الحسن بن علي قال: سيف المكي فقط، ولم يذكر اسم أبيه، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: سيف بن سليمان، يعني: ذكر اسم أبيه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن قيس بن سعد] .
قيس بن سعد، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عمرو بن دينار] .
هو عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




طريق ثانية لحديث ابن عباس وفيه (في الحقوق) وترجمة رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى وسلمة بن شبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار بإسناده ومعناه، قال سلمة في حديثه: قال عمرو: (في الحقوق) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال: بمعناه، يعني: بمعنى الحديث الذي تقدم.
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى] .
محمد بن يحيى مر ذكره.
وسلمة بن شبيب.
سلمة بن شبيب ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا محمد بن مسلم] .
هو محمد بن مسلم الطائفي وهو صدوق يخطئ إذا روى من حفظه، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن دينار بإسناده ومعناه] .
عمرو بن دينار مر ذكره.
[قال سلمة في حديثه: قال عمرو: (في الحقوق) ] .
يعني: أن مثل هذه الشهادة التي مع اليمين إنما تكون في الحقوق ولا تكون في الحدود.




طريق ثالثة لحديث اليمين مع الشاهد عن أبي هريرة وترجمة رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري حدثنا الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله وهو مثل حديث ابن عباس الذي تقدم: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد)] يعني: أن الشاهد الذي هو بعض البينة يضم إليه اليمين.
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري] .
أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري هو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الدراوردي] .
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن] .
ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل بن أبي صالح] .
سهيل بن أبي صالح، وهو صدوق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والبخاري إنما أخرج له مقروناًَ، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من طريقه وهو حديث: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أورده في ترجمته باب، حيث قال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) ولم يورده في الأصل؛ لأنه من رواية سهيل بن أبي صالح وهو ليس على شرطه، وإنما يروي عنه مقروناً وتعليقاً.
[عن أبيه] .
هو أبو صالح السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان ويقال: الزيات؛ لأنه كان يجلب السمن والزيت ويبيعه، وهو مشهور بكنيته، أبو صالح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.




طريق رابعة لحديث اليمين مع الشاهد وترجمة رجال الإسناد
[قال أبو داود: وزادني الربيع بن سليمان المؤذن في هذا الحديث، قال: أخبرني الشافعي عن عبد العزيز، قال: فذكرت ذلك لـ سهيل، فقال: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه، قال عبد العزيز: وقد كان أصابت سهيلاً علة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه] .
أورد أبو داود طريقاً أخرى وفيها كون ربيعة بن أبي عبد الرحمن رواه عن سهيل، وأن سهيلاً نسي بعد ذلك، ولكنه عالم بحفظ تلميذه ربيعة، فكان يحدث به عن ربيعة عنه عن أبيه.
وهذا من النوع الذي يسمى في علم المصطلح (من حدث ونسي) ويقول علماء المصطلح: إن فيه تفصيلاً، فإذا كان الذي نسي أنكر هذا وقال: ما حدثت بهذا قط، أو قال: هذا كذب علي؛ فلا تقبل روايته.
وأما إذا قال: لا أذكر، أو قال: إنه ثقة وأنا قد نسيت، فإنه في هذه الحالة، تعتبر روايته وتقبل، وكان بعض الرواة يقول: حدثني فلان عني أني حدثته عن أبي بكذا.
قوله: [قال أبو داود وزادني الربيع بن سليمان المؤذن.
الربيع بن سليمان المؤذن هو المرادي، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
[أخبرني الشافعي] .
هو محمد بن إدريس الشافعي، الإمام المحدث الفقيه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عبد العزيز] .
هو الدراوردي وقد مر ذكره.
[قال: فذكرت ذلك لـ سهيل فقال: أخبرني ربيعة] .
سهيل بن أبي صالح وربيعة بن أبي عبد الرحمن مر ذكرهما.




طريق خامسة لحديث اليمين مع الشاهد مع ترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد -يعني ابن يونس - حدثني سليمان بن بلال عن ربيعة بإسناد أبي مصعب ومعناه، قال سليمان: فلقيت سهيلاً فسألته عن هذا الحديث، فقال: ما أعرفه، فقلت له: إن ربيعة أخبرني به عنك، قال: فإن كان ربيعة أخبرك عني، فحدث به عن ربيعة عني] .
أورد أبو داود إسناداً من طريق أخرى، وفيه أيضاً نسيان سهيل وتصديقه ل ربيعة، وتجويزه الرواية عن ربيعة عنه.
قوله: [حدثنا محمد بن داود الإسكندراني] .
محمد بن داود الإسكندراني ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا زياد يعني ابن يونس] .
زياد بن يونس ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[حدثني سليمان بن بلال] .
سليمان بن بلال ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ربيعة بإسناد أبي مصعب ومعناه] .
ربيعة مر ذكره.




شرح حديث (بعث نبي الله جيشاً إلى بني العنبر فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا عمار بن شعيث بن عبد الله بن الزبيب العنبري حدثني أبي سمعت جدي الزبيب رضي الله عنه يقول: (بعث نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً إلى بني العنبر، فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف، فاستاقوهم إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فركبت فسبقتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: السلام عليك يانبي الله ورحمة الله وبركاته، أتانا جندك فأخذونا، وقد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم، فلما قدم بلعنبر قال لي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل لكم بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام؟ قلت: نعم، قال: من بينتك؟ قلت: سمرة، رجل من بني العنبر، ورجل آخر سماه له، فشهد الرجل، وأبى سمرة أن يشهد، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر؟ قلت: نعم، فاستحلفني فحلفت بالله لقد أسلمنا يوم كذا وكذا، وخضرمنا آذان النعم، فقال: نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذهبوا فقاسموهم أنصاف الأموال، ولا تمسوا ذراريهم، لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل ما رزيناكم عقالاً، قال الزبيب: فدعتني أمي، فقالت: هذا الرجل أخذ زربيتي، فانصرفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني فأخبرته، فقال لي: احبسه، فأخذت بتلبيبه، وقمت معه مكاننا، ثم نظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمين فقال: ما تريد بأسيرك؟ فأرسلته من يدي، فقام نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للرجل: رد على هذا زربية أمه التي أخذت منها، فقال: يا نبي الله إنها خرجت من يدي، قال: فاختلع نبي الله صلى الله عليه وسلم سيف الرجل فأعطانيه، وقال للرجل: اذهب فزده آصعاً من طعام، قال: فزادني آصعاً من شعير) ] .
أورد أبو داود حديث الزبيب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه القضاء بالشاهد واليمين، أي أنه لما قال: [(من يشهد لك أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا، فقال: سمرة، ورجل آخر قد سماه، فـ سمرة لم يشهد)] يعني: لم يشأ أن يشهد، أما الآخر فقد شهد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(فتحلف مع شاهدك الآخر فاستحلفني فحلفت بالله لقد أسلمنا في يوم كذا وكذا)] يعني: أننا أسلمنا قبل أن نؤخذ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يقاسموا المال، وألا تسبى الذراري، وقال: [(لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل ما رزيناكم عقالاً)] يعني: هذا النصف أخذوه، حتى يكون هؤلاء الذين خرجوا قد حصلوا على شيء من المغنم، ولكن الحديث ضعيف، ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه شخصين مقبولين، ولا يقبل حديث من يكون كذلك إلا إذا وجد ما يؤيده، وفيما يتعلق بالنسبة للشاهد واليمين، أو الحكم بالشاهد واليمين، فإن حديثي ابن عباس وأبي هريرة المتقدمين يدلان على جواز العمل باليمين مع الشاهد، وأما ما عدا ذلك مما لم يأت إلا في هذا الحديث؛ فإنه لا يكون ثابتاً بمجرد هذا الإسناد.
قوله: [بعث نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً إلى بني العنبر، فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف] .
ركبة مكان قريب من الطائف.
قوله: [(فاستاقوهم إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فركبت فسبقتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أتانا جندك فأخذونا، وقد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم)] يعني: أنهم كانوا يقطعون شيئاً منها لتكون علامة على إسلامهم.
قوله: [(فلما قدم بلعنبر قال لي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل لكم بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام؟ قلت: نعم، قال: من بينتك؟ قلت: سمرة رجل من بني العنبر، ورجل آخر سماه له)] يعني سماه للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فشهد الرجل، وأبى سمرة أن يشهد)] .
يعني: كون سمرة أبى أن يشهد لعله لم يكن عنده العلم بهذا الذي استشهد عليه.
قوله: [(فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر؟ قلت: نعم)] .
وهذا هو محل الشاهد للترجمة، يعني: فيه القضاء بالشاهد واليمين، وهذا يشهد له ما تقدم من الحديثين الذي في الصحيحين، وهما: حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة.
[(فاستحلفني؛ فحلفت بالله لقد أسلمنا يوم كذا وكذا، وخضرمنا آذان النعم، فقال: نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذهبوا فقاسموهم أنصاف الأموال ولا تمسوا ذراريهم، لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل ما رزيناكم عقالاً)] .
يعني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين ذهبوا إليهم واستاقوا ما معهم: اذهبوا وقاسموهم وخذوا النصف.
قوله: [(لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل)] يعني: عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والضلالة هي الضياع، يقال: ضل السمن في الطعام إذا ذهب وتلاشى فيه، ومنه قول الله عز وجل: {َقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة:10] يعني: إذا ذهبت أجسامنا واختلطت بالتراب وضاعت في التراب، فهذا المقصود بضلالة العمل.
قوله: [(ما رزيناكم)] يعني: ما نقصناكم.
قوله: [(عقالاً)] الذي هو عقال البعير.
قوله: [(قال الزبيب: فدعتني أمي فقالت: هذا الرجل أخذ زربيتي)] .
زربية هي نوع من المتاع والفراش، كما جاء في القرآن: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:16] .
قوله: [(فانصرفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني فأخبرته، فقال لي: احبسه، فأخذت بتلابيبه)] .
يعني: احبس الشخص الذي تدعي عليه، فأمسك بتلابيبه يعني: بثوبه من جهة رقبته.
قوله: [(وقمت معه مكاننا، ثم نظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمين فقال: ما تريد بأسيرك؟ فأرسلته من يدي، فقام نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للرجل: رد على هذا زربية أمه التي أخذت منها، فقال: يانبي الله! إنها خرجت من يدي، قال: فاختلع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم سيف الرجل، فأعطانيه، وقال للرجل: اذهب فزده آصعاً من طعام، قال: فزادني آصعاً من شعير)] .
يعني: أنه لما لم يجد الزربية أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم سيف الرجل فأعطاه لـ زبيب، وكأن السيف كان أقل من الزربية، فطلب من الرجل أن يعوضه بشيء من الطعام، فزاده على السيف آصعاً من شعير؛ ليكون ذلك السيف والآصع مقابل الزربية.
وهذا الحديث -ما عدا الشاهد واليمين- ما جاء إلا من هذا الطريق، وهذا الحديث غير ثابت لوجود من هو متكلم فيه.




تراجم رجال إسناد حديث (بعث نبي الله جيشاً إلى بني العنبر فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف)
قوله: [حدثنا أحمد بن عبدة] .
هو أحمد بن عبدة الضبي وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عمار بن شعيث بن عبد الله بن الزبيب العنبري] .
عمار بن شعيث بن عبد الله بن الزبيب العنبري وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
وشعيث هنا صحفت إلى شعيب، والسبب في هذا أن شعيثاً غير مشهور، وشعيب مشهور، ويقولون للشيء المشهور: الجادة، والشيء غير المشهور: على خلاف الجادة، ولهذا يحصل التصحيف في الشيء الغير المشهور فيؤتى به على اللفظ المشهور؛ لأن لفظ شعيب مشهور وشعيث غير مشهور، وقد سبق أن مر بنا رجل اسمه أبو أناس وأبو أناس صحفت إلى أبي إياس؛ لأن إياساً هي الجادة، وأناساً هذا على خلاف الجادة، فالشيء الذي هو غير مألوف وغير مشهور يحصل فيه التصحيف إلى ما هو مشهور، ومثل: نابت وثابت، يعني: ثابت مشهور وهو الجادة، ونابت غير مشهور، وهذا مر في ترجمة واحد من الرواة في التقريب اسمه: حرمي بن عمارة بن أبي حفصة نابت، بنون وموحدة ثم مثناه، وقيل: كالجادة يعني: ثابت؛ لأن لفظ ثابت هو الجادة، يعني: الشيء الكثير، ونابت قليل جداً أو نادر، ولهذا يذكر ابن حجر في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، عندما يذكر الكثير يقول: كذا الجادة، ثم يذكر شيئاً على خلاف الجادة مثل: أحمد هو الجادة، وهناك شخص يقال له: أجمد بالجيم وهذا نادر، وهو على خلاف الجادة، فيعبرون عن الشيء المشهور بالجادة، وبغيره على خلاف الجادة، والتصحيف يحصل بسبب ذلك، بإخراجه من غير الجادة إلى الجادة، مثل ما هو هنا صحف من شعيث إلى شعيب، ومثل ما مر بنا في أبي أناس صحف إلى أبي إياس.
[حدثني أبي] .
وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[قال: سمعت جدي الزبيب] الزبيب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-06-2025, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



الأسئلة




حكم تصحيح الحديث لكون الراوي قد حفظه مع طوله
السؤال ذكر الحديث بهذه التفاصيل، ألا يدل على أن الراوي قد حفظه؟
الجواب قد يكون الحديث طويلاً ومحفوظاً والذي أتى به قد حفظه، ولكن الإسناد لا يعول عليه، وإنما يحتاج إلى ما يؤيده، فالذي وجد ما يؤيده وهو الشاهد واليمين، فهذا يعتبر، والذي بخلافه لم يأت إلا من هذا الطريق، فلا يعتبر ثابتاً.




وجه الشبه بين قصة الرجلين اللذين ادعيا بعيراً عند النبي وقصة المرأتين اللتين ادعيتا الولد عند سليمان
السؤال أليست قصة الرجلين اللذين ادعيا بعيراً شبيهة بما حصل لسليمان عليه الصلاة والسلام مع المرأتين اللتين ادعتا الولد، فقال: ائتوني بسكين؟
الجواب هي شبيهة بها، لكن سليمان عليه الصلاة والسلام أتى بشيء استنتج منه الحكم، وهو أنه عندما رأى المرأتين تتنازعانه وتتجاذبانه ويدهما عليه وكل واحدة تدعيه، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فلما قال هذا الكلام قالت الكبرى التي ليس ولدها: شقه، وقالت الصغرى التي هو ولدها: هو ولدها، فعرف أن أمه هي الصغرى التي أرادت أن يبقى حياً ولو كان مع غيرها، وعرف أن الكبرى التي رضيت بشقه كاذبة؛ لأنه ليس في قلبها رحمة، ففهم منها أنها ليست أمه، وهذا من الفراسة، ومن الشيء الذي يستعمل لمعرفة الحق، ولهذا ترجم له بعض الأئمة بقوله: (باب قول الحاكم أفعل كذا وهو لا يريد أن يفعل) أي: وإنما أراد أن يستنتج الحكم.




تحديد ليلة الإسراء والمعراج وحكم إحيائها بالعبادة
السؤال هل الإسراء والمعراج كان في ليلة سبع وعشرين؟ وما حكم إحياء تلك الليلة؟
الجواب الإسراء والمعراج ليس له ليلة معينة معروفة؛ لأنه لم يثبت شيء يدل على أنها ليلة سبع وعشرين، أو أنها غير ليلة سبع وعشرين، ولو ثبت أنها ليلة سبع وعشرين، فإنه مع ذلك لا يجوز أن تخص بشيء لم تأت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحق إنما هو باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تميز ليلة من الليالي إلا إذا جاء فيها فضيلة وتمييز عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأعمال التي يتقرب فيها إلى الله عز وجل لابد أن تكون مشتملة على أمرين: أن تكون خالصة لوجه الله، وأن تكون مطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من الإخلاص ولابد من المتابعة، لا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا توافر الشرطان كان العمل مقبولاً ونافعاً، وإذا اختل أحدهما فإنه لا يقبل بل يكون مردوداً.
فإذا فقد الإخلاص وإن كان العمل مبنياً على سنة ومطابقاً للسنة، فإنه يكون مردوداً؛ لقول الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] ، وفي الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ، وإن كان العمل خالصاً لله، ولكنه ليس على السنة فإنه يكون مردوداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق علي صحته عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) ، وفي لفظ لـ مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وتجريد الإخلاص لله وحده هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فلا تخص ليلة من الليالي بعمل لم تأت به السنة؛ لأنه لو كان ذلك العمل خيراً لسبق إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لم يحصل ذلك منهم، دل على أنه ليس بحق، وأن الحق إنما هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
إذاً: من البدع تخصيص ليلة معينة بأنها ليلة الإسراء والمعراج، وتخصيصها بعبادة، وتخصيصها بعمل، ولو كان ثابتاً أنها ليلة سبع وعشرين ثم خصصت بعمل، فإن ذلك لا يجوز، فكيف ولم يثبت أنها ليلة سبع وعشرين! الحاصل أن الأعمال لابد أن تتبع فيها السنن، ولابد أن تكون مطابقة لما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن إحداث شيء ليس على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام يعتبر من البدع المحدثة، والنبي صلى الله عليه وسلم رغب في السنن، وحذر من البدع، فقال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) .
فهذه من البدع المحدثة ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة مشتملة على أمور متعددة، فيما يتعلق ببدعة المولد، وبدعة الإسراء والمعراج، وبدعة إحياء ليلة النصف من شعبان، وكذلك ما يتعلق به برؤيا خادم الحجرة النبوية الذي يقال له: أحمد، وهي كذب وافتراء، وطبعت هذه الرسائل الأربع في كتيب باسم (التحذير من البدع) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-06-2025, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله






شرح سنن أبي داود [410]
عند تعارض الدعاوى ولا بينة أو تكون البينة من الخصمين جميعاً فتتساقط الشهادات عند التعارض، ويحكم لهما بالشيء نصفين، هذا عند استوائهما في اليد، أما إذا كان الشيء في يد أحدهما فيحكم به لمن هو عنده وفي حوزته، وهذا من عدل الإسلام وعظمته.



حكم الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة



شرح حديث: (أن رجلين ادعيا بعيراً أو دابة إلى النبي ليست لواحد منهما بينة فجعله بينهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة.
حدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسى الأشعري: (أن رجلين ادعيا بعيراً أو دابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليست لواحد منهما بينة فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما) .
حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن سعيد بإسناده ومعناه] أورد أبو داود هذه الترجمة [باب الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة] كثيراً ما يأتي في التراجم ذكر الرجال دون النساء، وليس لذلك مفهوم، بل؛ لأن الخطاب في الغالب يكون معهم، فمن أجل ذلك يأتي ذكر الرجال، وإلا فالنساء كذلك، فإذا جاءت امرأتان وادعتا شيئاً وليس بينهما بينة، فهما كالرجال؛ لأن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء، إلا إذا جاء شيء يميز الرجال على النساء، أو النساء على الرجال، وإلا فالأصل هو التساوي، وهذا يكون في التراجم كثيراً، ويكون أيضاً في الأحاديث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فقوله: (إلا رجل) ليس له مفهوم، كذلك المرأة إذا كان لها صوم تصومه، ووافق يوم الشك الذي هو يوم الثلاثين، فلها أن تصومه.
إذاً من كان له صوم سواءًَ كان رجلاً أو امرأة فله أن يصومه بناء على ما اعتاده وعلى ما ألفه واستمر عليه، وإنما المحظور أن يكون مقصوداً من أجل إدراك رمضان والاحتياط لرمضان، أما كون الإنسان مداوماً على صوم الإثنين، ثم وافق يوم الإثنين الثلاثين من شعبان، فإنه لا بأس بأن يصومه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) ، وكذلك الحديث: (إذا ابتاع الرجل متاعاً ثم وجده عند رجل قد أفلس، فهو أحق به من الغرماء) وذكر الرجل هنا لا مفهوم له، وكذلك المرأة، سواء كانت هي المشترية أو البائعة فإن الحكم في ذلك للرجال والنساء على حد سواء.
وقد سبق أن مر بنا حديث اختلاف الرجلين في مواريث لهما ثم إن كل واحد منهما تبرأ منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهما بأن يقتسما المواريث بينهما نصفين، وأن يستهما، وأن يتحالا؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما.
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: [(إن رجلين ادعيا بعيراً أو دابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما).
يعني: هذا فيما إذا كانت يدهما عليه، أما إذا كان في يد واحد منهما، وادعى عليه الثاني، فإنه يحكم باليد لمن هو في يده، والمدعي عليه البينة، وإن لم يأت بالبينة يحلف المدعى عليه؛ لأن اليد معه وهو في حوزته.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلين ادعيا بعيراً أو دابة إلى النبي ليست لواحد منهما بينة فجعله النبي بينهما)
قوله: [حدثنا محمد بن منهال الضرير] .
محمد بن منهال الضرير ثقة، وحديثه أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي عروبة] .
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[سعيد بن أبي بردة] .
سعيد بن أبي بردة وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى الأشعري] .
أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الله بن قيس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يحيى بن آدم] .
هو يحيى بن آدم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحيم بن سليمان] .
عبد الرحيم بن سليمان هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد] .
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[بإسناده ومعناه] .
يعني: عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى.



شرح حدديث الرجلين يدعيان شيئاً وليس لأحدهما بينة أو تساوت بينتهما
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام عن قتادة بمعنى إسناده: (أن رجلين ادعيا بعيراً على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبعث كل واحد منهما شاهدين، فقسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما نصفين) .
حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: استهما على اليمين ما كان، أحبا ذلك أو كرها) .
حدثنا أحمد بن حنبل وسلمة بن شبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق قال أحمد حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها) قال سلمة: أخبرنا معمر، وقال: (إذا أكره الاثنان على اليمين) .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن الحارث عن سعيد بن أبي عروبة بإسناد ابن منهال مثله، قال: (في دابة وليس لهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستهما على اليمين) ] .
أي: أن كلاً من الشخصين يدعي أن ذلك الحق له، وليس لهما بينة، فما الحكم في ذلك؟ هل تقسم بينهما أو يكون غير ذلك؟ ذكر أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة هذه الأحاديث وفيها: أنه ليس لأحد بينة، ثم قضى بقسمتها بينهما، وأنهما يكونان فيهما على حد سواء، وجاء في بعضها أن كلاً منهما أحضر شاهدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قسمها بينهما، وجاء في أحاديث أنهما يستهمان على الحلف، فيحلف من يقع له السهم، فيكون له.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال: منهم من قال: إنه يسوى بينهما بحيث يقسم بينهما.
ومنهم من قال: إنه يكون لمن يقع له الاستهام، يحلف ويحوز ذلك.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنهما يقتسمان ذلك على حد سواء، حيث لم توجد بينة، أو وجدت بينات ولكنها متساوية، فإنه يكون الأمر لا يعدوها فيكون بينهما.
فإذا تساوت البينات تساقطت، فصار وجودها كعدمها، فرجعت المسألة إلى أنه ليس هناك بينة، وعلى كلٍ فما دام أنه ليس هناك بينة، أو وجدت بينات ولكنها متساوية، فإن النتيجة أن يقسم بينهما؛ لأنه لا مرجح لأحدهما على الآخر.
أما وجود رواية أن لهما بينة، ورواية أنه ليس لهما بينة، فيمكن أن يحمل على أنهما قضيتان، ويمكن أن يحمل على أنها قضية واحدة ولكن على اعتبار وجود البينة فالنتيجة أنهما تساوتا فتساقطتا.



تراجم رجال إسناد حديث الرجلين يدعيان شيئاً وليس لأحدهما بينة أو تساوت بينتهما
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار، هو الملقب بندار البصري ثقة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج بن منهال] .
حجاج بن منهال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام] .
هو همام بن يحيى العوذي ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] مر ذكره.
[بمعنى إسناده] .
أي: بمعنى إسناده المتقدم.
[حدثنا محمد بن المنهال] .
هو محمد بن المنهال الضرير ثقه، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس] .
هو خلاس بن عمرو الهجري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع] .
هو أبو رافع الصائغ وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وسلمة بن شبيب] .
سلمة بن شبيب ثقة، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أحمد: حدثنا معمر] يعني: التعبير الذي جاء عن أحمد أنه قال: حدثنا معمر، وسلمة بن شبيب قال: أخبرنا، يعني: بين الفرق بين الصيغة عند هذا وهذا.
[حدثنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام بن منبه] .
هو همام بن منبه بن كامل الصنعاني أبو عتبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.
[حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا خالد بن الحارث] .
هو خالد بن الحارث الهجيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي عروبة بإسناد ابن منهال مثله، قال: (في دابة، وليس بينهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين) ] .
وهذا مثل ما تقدم.
وتضعيف الشيخ الألباني للأحاديث الثلاثة الأول من هذا الباب ما أدري ما وجهه، ولعله من أجل أن فيها إرسالاً، لكنه ذكر أن شعبة الذي جاء الحديث من طريقه مرسلاً قد جاء من طريقه متصلاً.



حكم تساقط البينات وصفة الاستهام على اليمين
لو كان لكل واحد منهما بينة، ولكن بينة أحدهما أقوى من بينة الآخر، أيقضى للأقوى أم تتساقط البينات؟ أقول: ما دام أنهم كلهم شهود معتبرون، فإنها تتساقط.
وقوله: [(أن يستهما على اليمين)] يعني: يحلف من خرج له السهم بعد الاستهام ثم يكون له، وهذا مما يجعل القصة الواردة في الأحاديث متعددة.
والأولى في هذه المسألة أن يقسم بينهما المدعى إذا كان قابلاً للقسمة ولعل المقصود أن الاستهام من ناحية البدء، أي: كونه يبدأ بهذا قبل هذا، لا أن هذا يختص به دون الآخر؛ لأن الثاني مستعد أنه يحلف.
الاستحلاف لكل منهما يتبين به من ينكل ومن لا ينكل؛ لأنهما إن استحلفا فقد يحلفان جميعاً، فتكون المسألة مثل ما لو جاءا ببينة متساوية، فيكون بينهما على السواء، أما إذا نكل أحدهما فإنه يقضى عليه، ويختص به من حلف، أما لو أن كلاً منهما ليس عنده بينة، أو كلاً منهما عنده بينة ولكن تساوت البينتان، أو حصل النكول عن اليمين من كل منهما، فإنه يقسم بينهما ما ادعياه بالسوية.
إذاً: إذا حلفا جميعاً أو نكلا جميعاً، فإنها تصير بينهما بالسوية، وإن نكل أحدهما قضي على الناكل الذي لم يحلف، والذي حلف يحكم له، لكن على القول الذي يقول: إنهما يستهمان ويكون الحق لمن يخرج له السهم، فيحلف ويحوز البعير؛ فهذا الحكم غير ذلك الذي سبق.



متى تكون اليمين على المدعى عليه



شرح حديث (أن رسول الله قضى باليمين على المدعى عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اليمين على المدعى عليه.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: (كتب إلي ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين على المدعى عليه) ] .
أورد أبو داود [باب في اليمين على المدعى عليه] المدعى عليه هو المطلوب؛ لأن المدعي طالب والمدعى عليه مطلوب، والمدعي هو الذي إذا سكت لم يطلب، والمدعى عليه هو الذي لو سكت فإن سكوته ما ينفع؛ لأن الطالب يتابعه، وأما صاحب الحق إذا سكت، فإن القضية تنتهي، ليس هناك دعوة ولا هناك إشكال، فهذا طالب وهذا مطلوب.
والمدعي يلزمه أن يقيم بينة، فإن لم يقم بينة ولم يعترف المدعى عليه بما ادعي عليه؛ توجهت اليمين على المدعى عليه وبرئت ساحته بذلك، وإنما لزمت البينة على المدعي؛ لأنه لو كان يعطى بمجرد دعواه، لترتب على ذلك أن يدعي أناس أموال قوم ودماءهم وغير ذلك.
لكن جاءت الشريعة بأن المدعي يأتي بالبينة، وإن لم يأت بالبينة ولم يقر المدعى عليه، فإن اليمين تتوجه إلى المدعى عليه ويحلف وتبرأ ساحته، وإن وجد مع المدعي شاهد واحد تضم إليه يمين المدعي ويقضى له؛ لأن جانب المدعي أقوى من جانب المدعى عليه؛ لوجود بعض البينة، فضم إليها اليمين، كما سبق أن مر في الباب السابق (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين) .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [(أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه)] .



تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قضى باليمين على المدعى عليه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن نافع بن عمر] .
نافع بن عمر ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي مليكة] .
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: كتب إليّ ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا فيه اعتبار الكتابة، وكانت موجودة ومعروفة ومعتبرة بين الصحابة والتابعين، وكذلك أيضاً فيمن دونهم، فقد كانوا يعتبرون الكتابة ويعولون عليها، وهذا منها قال: [كتب إلي ابن عباس] والبخاري قد استعملها في موضع واحد عن شيخه محمد بن بشار قال: كتب إلي محمد بن بشار بكذا وكذا، فالكتابة معتبرة.



كيفية اليمين



شرح حديث: (احلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عندك شيء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف اليمين.
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:- يعني لرجل حلفه-: (احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء) يعني للمدعي] .
أورد أبو داود [باب كيف اليمين] يعني: كيف تكون اليمين؟ وما هي الصيغة التي يأتي بها الحالف؟ ومعلوم أن القاضي هو الذي يلقن الحالف اليمين، لا أنه يحلف بما يريد.
ومعلوم أن الحلف إنما يكون بالله وبأسمائه وبصفاته، وليس هناك صيغة معينة محددة يوقف عندها ويتقيد بها، بل ينعقد اليمين بكل حلف بالله عز وجل أو بأسمائه أو بصفاته.
أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس في هذه المسألة، وفيه: [(احلف بالله الذي لا إله إلا هو)] وهذا من جملة ما يحلف به، أو يقول: والله العظيم، ورب السماوات والأرض، ورب الكعبة، وغير ذلك من الصيغ التي هي محل الحلف، وذلك بأن تكون بالله عز وجل أو بأسمائه وصفاته.
والحديث الذي ورد هنا فيه ضعف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب، والذي روى عنه هو أبو الأحوص سلام بن سليم وهو ممن روى عنه بعد الاختلاط لا قبله.



تراجم رجال إسناد حديث (احلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عندك شيء)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، وحديثه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو الأحوص] .
هو سلام بن سليم الحنفي ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عطاء بن السائب] .
عطاء بن السائب وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري مقروناً، وأصحاب السنن، وعطاء بن السائب تعتبر رواية من روى عنه قبل الاختلاط، وأبو الأحوص سلام بن سليم ليس منهم، والحافظ ابن حجر ذكر في آخر ترجمة عطاء بن السائب في تهذيب التهذيب ستة أشخاص وقال: إن سماعهم منه صحيح؛ لأنهم سمعوا منه قبل الاختلاط، وهم: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد، زائدة بن قدامة، وزهير، وأيوب، وأيضاً الأعمش فيكونون سبعة، هؤلاء رووا عن عطاء قبل الاختلاط، فإذا جاءت رواية عطاء بن السائب ويروي عنه واحد من هؤلاء فروايته صحيحة، وإذا جاءت عن غيرهم، فإن كان ما جاء إلا من هذا الطريق، فإنه لا يكون الحديث ثابتاً، وإن كان جاء من طريق أخرى أو له شاهد، فالعبرة بالشواهد التي تؤيده وتقويه.
[عن أبي يحيى] .
هو زياد المكي، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.
[قال أبو داود: أبو يحيى اسمه زياد كوفي ثقة] .



حكم تحليف الذمي إذا كان مدعى عليه



شرح حديث: (كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال لي النبي ألك بينة؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا كان المدعى عليه ذمياًَ أيحلف حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن الأشعث رضي الله عنه قال: (كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألك بينة قلت: لا، قال لليهودي: احلف.
قلت: يا رسول الله! إذاً يحلف ويذهب بمالي! فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) [آل عمران:77] ) إلى آخر الآية].
أورد أبو داود [باب: إذا كان المدعى عليه ذمياًَ أيحلف؟] .
نعم يحلف، وقد جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود حديث الأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنه أنه قال: [(كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني)] .
يعني: جحد هذا الحق الذي للأشعث عنده.
قوله: [(فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألك بينة؟ قلت: لا.
قال لليهودي: احلف، قلت: يا رسول الله إذاً يحلف ويذهب بمالي)] .
لما سأل الأشعث: لك بينة؟ قال: لا.
فقال لليهودي: احلف، قال: إذاً يذهب بمالي، فأنزل الله عز وجل أن {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران:77] .
يعني: أنه ليس هناك إلا الحلف أو البينة، يعني: بينة المدعي أو يمين المدعى عليه.



تراجم رجال إسناد حديث (كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال لي النبي ألك بينة)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبو معاوية] .
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش] .
هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شقيق] .
هو شقيق بن سلمة أبو وائل وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأشعث] .
هو الأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والأشعث بن قيس كان ممن ارتد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وعاد إلى الإسلام، وقد اعتبر العلماء حديثه، ولم يرو أن ذلك الارتداد يسقط صحبته وروايته، بل المعتبر أنه إذا ارتد ومات على الردة خرج عن أن يكون صحابياً، أما لو ارتد وعاد إلى الإسلام فإنه لا يسقط ما كان قد عمله قبل ذلك؛ لأن حبوط العمل قيد بكونه يموت على الكفر وعلى الردة، يقول عز وجل: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة:217] يعني: أن حبوط العمل يكون بالموت على الردة، ولهذا اعتبروه صحابياً وأخذوا بحديثه وأخذوا بروايته، وكل من البخاري ومسلم خرج له حديثه، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر في تعريف الصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللته ردة في الأصح.
ويقال: إنه كان هناك جنازة وحضرها جرير بن عبد الله البجلي والأشعث، فقال الأشعث لـ جرير: تقدم فإني قد ارتددت وأنت لم ترتد، فقدمه للصلاة على تلك الجنازة.




الأسئلة



حكم وضع اليد على المصحف عند الحلف
السؤال ما حكم وضع اليد على المصحف عند الحلف؟ وهل له أصل في الشرع؟
الجواب ما أعلم أصلاً لوضع الإنسان يده على المصحف أثناء الحلف.




حكم الحلف بحق المصحف وبه
السؤال ما حكم عبارة: (وحق المصحف) هل هي جائزة في الحلف؟
الجواب لا؛ لأن الحلف إنما هو بالله، وحق المصحف تعظيمه، ولا يحلف بتعظيم المصحف، وإنما يحلف بالله وبأسمائه وصفاته، والمصحف كذلك لا يحلف به؛ لأن المصحف فيه كلام الله الذي هو القرآن، وفيه غير كلام الله مثل: الأوراق وهي مخلوقة، وفيه المداد وهو مخلوق، وفيه الغلاف وهو مخلوق، فلا يحلف بالمصحف لاشتماله على مخلوق وغير مخلوق، وأما القرآن فإنه يحلف به، وإذا قال: والقرآن، فجائز؛ لأن القرآن هو كلام الله.



حكم قبول يمين الذمي مع الشاهد الواحد
السؤال إذا كان المدعي ذمياً وعنده شاهد واحد فقط، فهل يعضد بينته بيمينه؟
الجواب إذا كان عنده شاهد واحد فحكمه حكم المسلم، ليس هناك فرق.




حكم الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه





شرح حديث اختصام الكندي والحضرمي في أرض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه.
حدثنا محمود بن خالد حدثنا الفريابي حدثنا الحارث بن سليمان حدثني كردوس عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه: (أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده، قال: هل لك بينة؟ قال: لا، ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه، فتهيأ الكندي يعني لليمين) وساق الحديث] .
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه] وذلك لأن الحلف يكون بالنفي المطلق، يعني: ما حصل كذا ما عندي كذا، ويمكن أن يحلف أنه ما يعلم كذا وكذا، وهذا هو المقصود بالترجمة، يعني: يحلف على علمه فيما غاب عنه، وذلك أن هذا الحضرمي ادعى على الكندي أن أباه غصبه الأرض، وأنها في يد الابن الآن، وهو يريد من الابن أن يسلمها إياه وليس عنده بينة، فإذاً يحلف الابن أو المدعى عليه بأنه لا يعلم أن الأرض للحضرمي؛ لأن هذا شيء غاب عنه وكان في زمن أبيه، وأبوه هو الذي اغتصبها، وهي الآن في حوزة الابن.
فإذاً: حلفه على علمه بأنه لا يعلم عن شيء غاب عنه، فهذا هو المقصود من الترجمة والمقصود من الحديث؛ لأنه قال: يحلف أنه ما يعلم أنها حقي؛ لأن الاغتصاب ليس منه وإنما من أبيه، وهي آلت إليه بالميراث.
[عن الأشعث] .
أورد أبو داود رحمه الله حديث الأشعث بن قيس قال: (أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده، قال: هل لك بينة قال: لا، ولكن أحلفه: والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه) ].
يعني: يحلف أنه لا يعلم أن هذه الأرض عند أبيه عن طريق الغصب من هذا الشخص، لا يقول: إن هذه الأرض ليست له؛ لأنه شيء يجهله، ولكن الشيء الذي ينفيه هو أنه لا يعلم أن أباه اغتصب هذه الأرض.
قوله: (فتهيأ الكندي يعني لليمين) وساق الحديث.
فتهيأ الكندي وأراد أن يحلف.
قوله: وساق الحديث، هنا اختصره، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع مال امرئ بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان) ، وفيه: أن الكندي قال: (هي أرضه وتركها) يعني: تخلص منها لما سمع الوعيد، وكان تهيأ للحلف، ولكنه لما خوف وبين له الحكم والعقوبة الشديدة والوعيد الشديد قال: (هي أرضه) يعني: أنه قال: ليست لي وهو صادق في دعواه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-06-2025, 04:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث اختصام الكندي والحضرمي في أرض
قوله: [حدثنا محمود بن خالد] .
هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الفريابي] .
هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الحارث بن سليمان] .
الحارث بن سليمان صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني كردوس] .
كردوس وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي.
[عن الأشعث بن قيس] .
الأشعث بن قيس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث اختصام الكندي والحضرمي من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه رضي الله عنه قال: (جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه، فقال: يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف، ليس يتورع من شيء، فقال: ليس لك منه إلا ذلك) ] .
أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، وهو أيضاً يتعلق بقصة حضرمي، وكندي، وهي شبيهة بالمسألة السابقة، ولعلها قصة واحدة، ويكون ذلك الحديث الذي مر وفيه الرجل المقبول، وهو حديث الأشعث له ما يؤيده، ويدل على ما دل عليه هذا الحديث، من أنه ليس للمدعي على من ادعى عليه إلا اليمين إذا لم يكن عنده بينة، أو يحصل إقرار من المدعى عليه.




تراجم رجال إسناد حديث اختصام الكندي والحضرمي من طريق ثانية
قوله: [حدثنا هناد بن السري] .
هو هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو الأحوص] .
أبو الأحوص مر ذكره.
[عن سماك] .
هو سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي] .
علقمة بن وائل بن حجر صدوق، وحديثه أخرجه البخاري في رفع اليدين، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
هو وائل بن حجر رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
وعلقمة بن وائل صح سماعه من أبيه، والحافظ ابن حجر قال: إنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه قد سمع، وقد جاء في مسلم من روايته عن أبيه حديث أو حديثان.



صيغة يمين الذمي



شرح حديث تحليف اليهود على وجود الزنا في التوراة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف يحلف الذمي.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني لليهود: (أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى؟) .
وساق الحديث في قصة الرجم] .
أورد أبو داود [باب كيف يحلف الذمي] .
يعني: ما هي الصيغة التي يقولها الذمي عندما يحلف؟ والذمي أو الكافر عندما يحلف فإنه يحلف بشيء يعظمه، كأن يقول: والذي أنزل التوراة على موسى أو ورب موسى أو غير ذلك من الأشياء التي فيها تعظيم عنده.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يعني لليهود: [(أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى؟)] .
وهنا سؤال لهم وليس فيه تحليف، فهو عليه الصلاة والسلام عندما سألهم ناشدهم بالله عز وجل على وجه فيه تعظيم لشيء يعظمونه، حيث قال: [(أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة)] وإذا حلف أحدهم يقول: والذي أنزل التوراة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألهم، سألهم بالله الذي أنزل التوراة.
إذاً: الكفار عندما يحلفون، يحلفون بشيء يعظمونه، ويقال لهم: قولوا: والذي نزل التوراة على موسى، أو ورب موسى، يحلفون بشيء يعظمونه.
والحديث في إسناده رجل مبهم فهو غير ثابت.



تراجم رجال إسناد حديث تحليف اليهود على وجود الزنا في التوراة
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس] .
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري] .
عبد الرزاق مر ذكره.
ومعمر هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا رجل من مزينة] .
رجل من مزينة مبهم.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.



شرح حديث تحليف اليهود على وجود الزنا في التوراة من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن الزهري بهذا الحديث وبإسناده، قال: حدثني رجل من مزينة ممن كان يتبع العلم ويعيه، يحدث سعيد بن المسيب وساق الحديث بمعناه] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه العلة التي في الذي قبله، وهي الرجل المبهم من مزينة.
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ] .
عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني محمد يعني ابن سلمة] .
هو محمد بن سلمة الحراني الباهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الزهري بهذا الحديث وبإسناده] .



شرح حديث تحليف اليهود من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن عكرمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يعني لـ ابن صوريا: أذكركم بالله الذي نجاكم من آل فرعون، وأقطعكم البحر، وظلل عليكم الغمام، وأنزل عليكم المن والسلوى، وأنزل عليكم التوراة على موسى؛ أتجدون في كتابكم الرجم؟ قال: ذكرتني بعظيم ولا يسعني أن أكذبك) وساق الحديث] .
أورد أبو داود الحديث عن عكرمة وهو مرسل، وقد جاء عن جابر رضي الله عنه كما جاء عند المصنف في قصة رجم الزانيين، وأنهما رجما كما جاء ذلك ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود من هذا أنه نشدهم بالله عز وجل الذي هذه صفاته، أي: أنه نشدهم بشيء يعظمونه، وبشيء عظيم عندهم، وهو مثل الذي قبله يدل أنهم يُحلَّفون بشيء يعظمونه، بأن يحلفون بربوبية الله عز وجل، أو بصفة من صفاته مضافة إلى شيء يعظمونه، كأن يقول: والذي نزل التوراة، يعني: المتصف بتنزيل التوراة، أو يقول: ورب موسى.



تراجم رجال إسناد حديث تحليف اليهود من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى] .
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى] .
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد عن قتادة] .
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة وقتادة مر ذكره.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث مرسل، ولكنه جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه ما في هذا الحديث.
[(قال لـ ابن صوريا)] .
ابن صوريا هذا عالم من علماء اليهود.



الأسئلة



وجه تصحيح الألباني لحديث الرجل الذي من مزينة في مناشدة الرسول لليهود
السؤال الحديث الأول في هذا الباب الذي فيه رجل من مزينة، صححه الشيخ الألباني كما في الإرواء؟
الجواب هو ضعيف، لكن لعله صححه من أجل أنه يتعلق بالرجم، والرجم ثابت، لكن من هذا الطريق هو ضعيف.



حكم تحليف الذمي بشيء يعظمه لا يتعلق بالله وأسمائه وصفاته
السؤال هل يجوز تحليف الذمي بأي شيء يعظمه ولو كان يعظم صنماً؟
الجواب لا يجوز أن يحلف بشيء فيه تعظيم لغير الله كالصنم وغيره، وإنما يحلف بشي فيه تعظيم لله وحده، أو بشيء فيه ذكر كون الله عز وجل منَّ عليهم بكذا وكذا، مثلما جاء في اليهود أنه ظللهم بالغمام ونجاهم من البحر وهي من أفعال الله عز وجل.



حكم تحليف القاضي لأناس بغير الله لتهيبهم وخوفهم من ذلك
السؤال هناك من إذا حلفهم القاضي بالله لا يتورعون من الكذب، لكن إذا حلفهم ببعض شيوخ الطرق يتهيبون، فيصدقون فما حكم ذلك؟
الجواب لا يجوز أن يحلف إلا بالله؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون.



تحليف من لا يقر بالله
السؤال إذا كان هذا الكافر ممن لا يقر بالله، فكيف يحلف؟
الجواب التحليف لا يكون إلا بالله ولا يكون بغيره، فصاحب الحق مقصر؛ لأنه لم يحفظ لنفسه بينة، وهذا الذي لا يقر بوجود الله كيف يحلف بالله وهو لا يقر به؟!




الرجل يحلف على حقه



شرح حديث (إن الله تعالى يلوم على العجز)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يحلف على حقه.
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة وموسى بن مروان الرقي قالا: حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن سيف عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك امرؤ فقل: حسبي الله ونعم الوكيل) ] .
أورد أبو داود [باب الرجل يحلف على حقه] يعني: يحلف على الشيء الذي يستحقه، كأن يحلف المدعى عليه أن هذا الذي طلب منه وهو بيده له، وأنه ليس لغيره، فيحلف على حقه، ومعنى ذلك أن الإنسان عليه أن يأخذ بالحزم وأن يحتاط في أموره، وأنه عندما يكون له حق يشهد عليه، أو يكون عنده البينة التي تثبته، وإذا حصل أنه أخذ بالحزم ثم بعد ذلك فاته الشيء الذي يريده، فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أما أن يقول: حسبي الله ونعم الوكيل مع العجز ومع عدم الأخذ بالأسباب، فإن الكيس هو خلاف ذلك، والكيس هو أن الإنسان يأخذ بالأسباب، وإذا فاته الشيء الذي أراده، فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وهذا مثل ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) يعني: استعن بالله عز وجل مع أخذك بالأسباب، ولا تقصر.
(وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل).
ومعنى هذا أن الإنسان مطلوب منه الحزم، ومطلوب منه الاحتياط، ومطلوب منه أنه يحافظ على أموره وشئونه، وأن يأخذ بالأسباب التي يكون فيها حفظ حقه، وإذا فاته شيء بعد ذلك فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أما أنه لا يأخذ بالأسباب ثم يقول: حسبي الله ونعم الوكيل مع عجزه وكسله، فهذا هو العجز الذي جاء في هذا لحديث.
وفي هذا الحديث أن الذي قضي عليه لم يأخذ بالأسباب وهو المدعي، أما المدعى عليه فإنه حلف على حقه؛ لأنه بيده، وقال: إن هذا حقي، والمدعي يقول: لا، إنه لي، وليس عنده بينة، وذاك حلف وبقي ما بيده بيده.
إذاً: المدعي قصر؛ لأنه لم يأخذ بالأسباب ولم يحتط ولم يشهد على حقه، فالمدعى عليه هو الذي يحلف ويجوز ما بيده.
قال صاحب عون المعبود في شرح هذه الترجمة [باب: الرجل يحلف على حقه] : أي: الرجل يحلف على إثبات حقه، ولا يضيع ماله بمجرد دعوى أحد، بل يقيم عليه البينة، أو يحلف كما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [(وعليك بالكيس)] .
أما المدعي فإن حقه الذي كان يدعيه فات عليه بعدم البينة؛ لأن ذاك المدعى عليه ما عنده إلا اليمين، والمدعي يقول: إن حقي عند فلان، ولكنه ما عنده البينة التي يستخرج بها هذا الحق، فإذاً فاته الحق الذي له بعدم الاحتياط، ولهذا المقضي عليه قال: حسبي الله ونعم الوكيل، والمقضي عليه هو المدعي حيث لا بينة، إذا حلف المدعى عليه صار مقضياً له، والمدعي هو المقضي عليه، فهو قال: حسبي الله ونعم الوكيل متحسراً على تفريطه، حيث لم يأخذ بالأسباب الواقية له من أن يصل إلى هذا الذي وصل إليه.
قوله: [(إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك امرؤ)] .
العجز هو الكسل وعدم الكيس، والعجز مذموم، والمأمور به الحزم في الأمور، كما جاء في الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) .
فأمر بقوله: (احرص على ما ينفعك) يعني: بالأخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأسباب يعول على الله عز وجل؛ لأن الأسباب لم يجعلها الله نافعة بذاتها، لكن مع أخذه بالأسباب يعول على مسبب الأسباب، وإن فاته شيء مع بذله ما يستطيع فلا يقل: (لو فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن يقل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) .
والعجز والكيس شيئان متقابلان، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل شيء بقدر، حتى كسل الكسول ونشاط النشيط، كل ذلك بقضاء الله وقدره، ولا يحصل في الوجود شيء إلا وهو بقضاء الله وقدره.
قوله: [(إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك امرؤ فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)] .
يعني: مع أخذك بالكيس ومع أخذك بالأسباب، فأنت تقول: حسبي الله ونعم الوكيل؛ لأنك بذلت ما تستطيع، أما أن تهمل ثم تعجز، وتقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلا، لكن خذ بالأسباب وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.



تراجم رجال إسناد حديث (إن الله تعالى يلوم على العجز)
قوله: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة] .
عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي].
[وموسى بن مروان الرقي] .
موسى بن مروان الرقي هو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بقية بن الوليد] .
بقية بن الوليد صدوق وهو مدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن بحير بن سعد] .
بحير بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن خالد بن معدان] .
خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سيف] .
هو سيف الشامي وثقه العجلي، أخرج له أبو داود والنسائي.
والعجلي وابن حبان متساهلان في التوثيق.
[عن عوف بن مالك] .
هو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



الأسئلة



بيان الحديث الذي ضعفه الألباني بسبب الإرسال في باب الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة
السؤال تضعيف الشيخ الألباني لحديث محمد بن المنهال عن يزيد عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسى هو وجود الإرسال، فأين الإرسال في هذا السند؟
الجواب الإرسال في غير هذا الحديث، هو في الحديث الذي رواه شعبة، وشعبة أيضاً جاء عنه الوصل.



حكم تساقط الأحاديث عند التعارض قياساً على تساقط البينات عند التعارض
السؤال هل يقال في الأحاديث: إنها تعارضت فتساقطت؟
الجواب لا يقال في الأحاديث: تعارضت فتساقطت، هذا يقال في البينات: إنها تعارضت فتساقطت، وإنما الأحاديث إذا تعارضت يوفق بينها ويجمع بينها.



حكم دعاء الله بصفاته
السؤال هل يجوز دعاء الله بصفاته؟
الجواب الصفات لا تدعى، لا يقال: يا رحمة الله أعطيني كذا، يا قدرة الله حققي لي كذا، وإنما يقول: يا ألله، يا رحمن، يا رحيم، وأما سؤال الله عز وجل بصفاته وأسمائه فنعم، يعني: له أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته.



حكم قول القحطاني في نونيته فوحق حكمتك
السؤال قال القحطاني في نونيته: فوحق حكمتك، فهل يسوغ هذا الحلف؟
الجواب يبدو أنه غير مستقيم؛ وهناك حديث ورد لكنه ضعيف وهو: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا) .
والذين قالوا بهذا، قالوا: إن حق السائلين هو الإجابة، فيكون سأل الله بصفة من صفاته، وكلمة حق حكمتك أو حق القرآن أو ما إلى ذلك هذا ليس له وجه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-06-2025, 04:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [411]
الحلقة (443)





شرح سنن أبي داود [411]
أجاز الشارع الحكيم حبس المماطل في قضاء الدين؛ وذلك من أجل حفظ حقوق الناس، وحتى لا يماطل من عنده القدرة على الدفع والتسديد، أما من كان معسراً فلا حبس عليه.
وأجازت الشريعة الوكالة في البيع والشراء والأخذ والعطاء وغير ذلك مما يجوز التوكيل فيه؛ لما في ذلك من التيسير على الناس، إذ لو منعت لشق ذلك عليهم، وحث الشارع الجار على ألا يمنع جاره من غرز خشبته في جداره للحاجة، ومن تسريح الماء إلى أرض جاره؛ حتى يعم المجتمع المسلم المودة والألفة والمحبة والأخوة.



حكم الحبس في الدين وغيره



شرح حديث: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحبس في الدين وغيره.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد الله بن المبارك عن وبر بن أبي دليلة عن محمد بن ميمون عن عمرو بن الشريد عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) قال ابن المبارك: يحل عرضه: يغلظ له، وعقوبته: يحبس له] .
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحبس في الدين وغيره] المقصود الحبس في الدين في حق الواجد الميسر الذي يماطل، فإنه يحبس حتى يقوم بالوفاء؛ لأنه قادر على ذلك، وهو ظالم في مطله، وقد جاء في الحديث: (مطل الغني ظلم) فيحبس من أجل أنه ظالم، أما من كان فقيراً معدماً فإنه لا يحبس، وإنما ينظر إلى ميسرة، كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] .
أورد أبو داود حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)] يعني: الواجد هو الموسر الذي يجد الوفاء والسداد.
قوله: [(لي الواجد)] هذا يدل على كونه يحبس، وكونه يغلظ له بالقول، لكونه قادراً وموسراً، وإذا كان معدماً فقيراً، فإنه لا يحبس ولا يستحق الحبس، وإنما الذي يستحقه من كان قادراً ولم يقم بوفاء ما وجب عليه.
والحديث يدل على العقوبة، ويدخل فيها السجن، أو تفسر بالسجن، ولهذا فسر عبد الله بن المبارك هاتين الكلمتين بقوله: [يحل عرضه: يغلظ له بالقول] يعني يتكلم في حقه كأن يقال له: إنك ظالم وغير ذلك، وهذا من الأمور التي يجوز فيها الكلام في الشخص في أمر يكرهه، ولا يعتبر من الغيبة المحرمة، وإنما هو سائغ ويحل عرضه بأن يقول: مطلني حقي وظلمني.
قوله: [وعقوبته] بأن يحبس من أجل الدين الذي عليه حتى يقوم بالسداد؛ لأنه إذا أحس بالعقوبة عند ذلك يترك المماطلة ويقوم بسداد الدين الذي عليه.



تراجم رجال إسناد حديث: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الله بن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن وبر بن أبي دليلة] .
وبر بن أبي دليلة وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن محمد بن ميمون] .
هو محمد بن عبد الله بن ميمون بن مسيكة الطائفي مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عمرو بن الشريد] .
عمرو بن الشريد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فأخرج له في الشمائل.
[عن أبيه] .
هو الشريد بن سويد رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.



شرح حديث ثعلبة التميمي: (أتيت النبي بغريم لي فقال لي الزمه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا معاذ بن أسد حدثنا النضر بن شميل أخبرنا هرماس بن حبيب رجل من أهل البادية عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغريم لي فقال لي: الزمه، ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك؟) ] .
أورد أبو داود حديث ثعلبة التميمي أنه قال: [(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم فقال لي: الزمه، ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك؟)] .
يعني: إذا كان معسراً فإنه لا سبيل إلى ملازمته، ولا سبيل إلى حبسه وإلى سجنه، وإن كان بخلاف ذلك فهو يستحق كما جاء في الحديث الماضي، لكن هذا الحديث الذي الذي معنا حديث ضعيف؛ لأن فيه شخصين تكلم فيهما.



تراجم رجال إسناد حديث ثعلبة التميمي: (أتيت النبي بغريم لي فقال لي الزمه)
قوله: [حدثنا معاذ بن أسد] .
معاذ بن أسد هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا النضر بن شميل] النضر بن شميل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هرماس بن حبيب] .
هرماس هو مجهول، والمجهول هو الذي لم يرو عنه إلا واحد ولم يوثق، هذا هو مجهول العين، قال الحافظ في التقريب: شيخ أعرابي لم يرو عنه إلا النضر بن شميل أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه] .
أبوه مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن جده] هو ثعلبة التميمي صحابي، أخرج له أبو داود وابن ماجة.



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلاً في تهمة) ] .
أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلاً في تهمة).
وهذا هو الذي يدخل تحت قول المصنف: [في الدين وغيره] فحديث: (لي الواجد ظلم، يحل عرضه وعقوبته) هو في الدين، وهذا في غيره؛ لأنه ذكر الدين وفيه الحديث الأول، وذكر التهمة، وهو في هذا الحديث، وهو في الذي دخل تحت قوله: [وغيره] يعني: أنه متهم في شيء فحبس ثم بعد ذلك خلي سبيله، والتهمة تكون في أمر من الأمور التي فيها الشخص متهم، والتهمة غير الدين، فالمتهم يحبس في شيء حتى يعرف هل يثبت عليه أو لا يثبت، حتى لا يشرد وينفلت.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بهز بن حكيم] .
بهز بن حكيم وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
هو حكيم بن معاوية وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن جده] .
هو معاوية بن حيدة القشيري صحابي رضي الله عنه، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
وهذا من رواية من روى عن أبيه عن جده، وإذا صح الإسناد إلى بهز فيكون الحديث حسناً، وإذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فيكون الحديث حسناً.



شرح حديث: (قام رجل إلى النبي وهو يخطب فقال جيراني بم أخذوا فأعرض عنه مرتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن قدامة ومؤمل بن هشام قال ابن قدامة: حدثني إسماعيل عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال ابن قدامة: (إن أخاه أو عمه، قال مؤمل إنه قام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب فقال: جيراني بم أخذوا؟ فأعرض عنه مرتين، ثم ذكر شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خلوا له عن جيرانه) لم يذكر مؤمل: وهو يخطب] .
أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة قوله: (إن أخاه أو عمه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: جيراني بم أخذوا؟ فأعرض عنه) ].
يعني: بم حبسوا؟ قوله: [(ثم ذكر شيئاً فقال: خلوا له جيرانه)] يعني: أطلقوا سراحهم.
قوله: [(قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب)] .
يعني: أنه خاطبه وهو يخطب، ومحادثة الخطيب سائغ حتى في الجمعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه رجل وهو يخطب يوم الجمعة فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال فانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا فرفع يديه واستسقى) وكذلك الخطيب يجوز له أن يكلم بعض الحاضرين، مثل ما حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء الرجل الذي كان يتخطى رقاب الناس، فقال له: (اجلس فقد آذيت) .
كذلك الرجل الذي جاء ودخل وجلس ولم يصل فقال: (أصليت ركعتين؟ فقال: لا.
قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما) وكذلك عمر رضي الله عنه لما كان يخطب يوم الجمعة فدخل عثمان بن عفان فقال: أي ساعة هذه؟ -يخاطب عثمان - فقال: إني كنت في كذا فما شعرت إلا وقد جاء الأذان فما زدت أن توضأت وجئت، فقال: والوضوء أيضاً! يعني: لم تغتسل مع تأخرك.
فهذا كله يدل على أن الخطيب يتكلم مع الحاضرين، وأن الخطيب يمكن أن يُخَاطب في الأمر الذي يقتضي ذلك، كأن يطلب منه أن يدعو الله عز وجل بأن يغيثهم الله سبحانه وتعالى، لكن هنا في هذا الحديث ما يدرى أكان في جمعة أم في غير جمعة.



تراجم رجال إسناد حديث: (قام رجل إلى النبي وهو يخطب فقال جيراني بم أخذوا فأعرض عنه مرتين)
قوله: [حدثنا محمد بن قدامة] .
هو محمد بن قدامة المصيصي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ومؤمل بن هشام] .
مؤمل بن هشام هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[قال ابن قدامة: حدثني إسماعيل] .
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـ ابن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده] .
قد مر ذكر الثلاثة.
[قال ابن قدامة: إن أخاه أو عمه] .
ابن قدامة هو الشيخ الأول قال: إن أخاه أو عمه، وأما مؤمل فقال: إنه هو الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أن معاوية هو نفسه الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم.
[لم يذكر مؤمل: وهو يخطب] .
كلمة [(وهو يخطب)] هي مما جاء عن محمد بن قدامة، فكأنه ساقه بلفظ ابن قدامة؛ وأشار إلى الفرق بينهما بأن أحدهما قال: إن أخاه أو عمه، ومؤمل بن هشام قال: إنه هو، وليس عند مؤمل بن هشام: وهو يخطب، وإنما هي عند محمد بن قدامة.



حكم الوكالة



شرح حديث: (إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوكالة.
حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمعه يحدث قال: (أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسلمت عليه، وقلت له: إني أردت الخروج إلى خيبر، فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) ] .
قال المصنف: [باب في الوكالة] .
الوكالة: هي نيابة الشخص عن غيره، إما أن يكون نائباً عنه نيابة مطلقة، يقوم مقامه في جميع شئونه، وفي جميع التصرفات، أو نيابة مقيدة بأن يقول: أنت وكيلي في الأمر الفلاني المعين، فيمكن أن تكون الوكالة مطلقة فيتصرف عنه كما يتصرف في ماله، وأن تكون الوكالة مقيدة في أمر من الأمور، كأن يشتري له بيتاً أو يشتري له سيارة، أو أي شيء معين.
والوكالة ثابتة بإجماع العلماء، والناس يحتاجون إليها ولا يستغنون عنها؛ لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يقوم بكل شئونه دون أن يوكل أحداً، بل من الناس من لا يستطيع أن يقوم بشئونه؛ لعجزه ولعدم قدرته، فيوكل من يقوم مقامه.
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه عندما أراد أن يذهب إلى خيبر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بذهابه، فقال: [(إذا أتيت وكيلي)] وهذا محل الشاهد؛ لأنه قال: (وكيلي) .
قوله: [(فخذ منه خمسة عشر وسقاً، فإن ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته)] فهذا يدل على مشروعية الوكالة، وهي مجمع عليها، ويدل على أنه يمكن أن تكون هناك علامة خاصة بين الوكيل والموكل، بمعنى أنه لو أرسل أحداً بدون أن يكون معه بينة فإنه يكفي أن يذكر هذه العلامة الخاصة التي اتفق عليها الطرفان الوكيل والموكل.
والترقوة هو العظم الذي يكون بين الكتف والرقبة، وكل إنسان فيه ترقوتان: ترقوة في اليمين، وترقوة في اليسار.
الحاصل أن الحديث يدل على هذا وعلى هذا، والحديث فيه كلام، لكن من حيث الوكالة فهي مجمع عليها، ولا خلاف فيها بين أهل العلم.



تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم] .
عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عمي] .
عمه هو يعقوب بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي] .
أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق] .
ابن إسحاق صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهنا روى بالعنعنة.
[عن أبي نعيم وهب بن كيسان] .
أبو نعيم وهب بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



أبواب من القضاء



شرح حديث: (إذا تدارأتم في طريق فاجعلوه سبعة أذرع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أبواب من القضاء.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا المثنى بن سعيد حدثنا قتادة عن بشير بن كعب العدوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا تدارأتم في طريق فاجعلوه سبعة أذرع) ] .
يقول المصنف رحمه الله: [أبواب من القضاء] يعني: هذه أمور متفرقة مختلفة الموضوعات جمعها المصنف في هذه الأبواب، فبدلاً أن يجعل لكل واحد منها باباً مستقلاً قال: [أبواب من القضاء] فسرد الأحاديث التي في موضوعات متفرقة وليست في موضوع واحد، أولها: حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا تدارأتم في طريق) يعني: إذا اختلفتم في طريق فاجعلوه سبعة أذرع، وهذا في غير الطرق التي تكون خاصة بين البيوت التي يجلعها الجيران بينهم، فتكون خاصة بهم، وإنما هذا في الطريق النافذ، فيكون قدرها سبعة أذرع؛ حتى يمكن سير الجمال بأحمالها فيه.
فالحاصل أن الطرق النافذة الشارعة تكون على حسب الحاجة، وقد كانوا قبل ذلك يجعلونها سبعة أذرع، حتى تمشي الجمال بأحمالها وتتقابل دون مزاحمة أو أذى، كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الطرق الخاصة التي تكون بين البيوت والأزقة فلا يلزم أن تكون سبعة أذرع، ولا يلزم أن تدخل فيها الجمال بأحمالها، وإنما المقصود بالتي تكون سبعة أذرع هي الواسعة، ولكل زمان ما يناسبه، فالآن في هذا الزمان توجد سيارات، ويوجد طريق للذهاب وطريق للإياب، فتكون الطرق على حسب ما يحتاج الناس إليه.



تراجم رجال إسناد حديث: (إذا تدارأتم في طريق فاجعلوه سبعة أذرع)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا المثنى بن سعيد] .
هو المثنى بن سعيد القسام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن كعب العدوي] .
بشير بن كعب العدوي وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.



شرح حديث: (إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وابن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه، فنكسوا، فقال: مالي أراكم قد أعرضتم؟! لألقينها بين أكتافكم) .
قال أبو داود: وهذا حديث ابن أبي خلف وهو أتم] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو في موضوع آخر؛ لأن ذاك يتعلق بالطريق، وعرض الطريق وسعة الطريق، وأما هذا فيتعلق بالتعامل بين الجيران، وأن الواحد إذا احتاج إلى أن يضع خشبته فوق جدار جاره، فإنه لا يرده ولا يمنعه، وهذا فيما إذا كان الجدار يتحمل، وأما إذا كان الجدار فيه خلل، أو فيه شقوق، ولو أضيف إليه شيء لسقط، فإنه لا يعمل شيئاً يؤدي إلى سقوطه.
فالحاصل أن الجدار الذي يكون بين الجيران، وكان الذي بناه أول الجارين، وجاء الجار الثاني، فإنه إن احتاج إلى أن يضع خشبة عليه فإنه يفعل، وعلى جاره أن يمكنه ولا يمنعه من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه) ].
قوله: [(فنكسوا)] يعني: كأنه حصل منهم عدم الرضا بهذا أو بعضهم، فقال: [(ما لي أراكم قد أعرضتم؟! لألقينها بين أكتافكم)] يعني: لأرمين بهذه الحجة وبهذه السنة بين أكتافكم، وأنه يبلغهم إياها، ويصدع بها، وقيل: إن المقصود من ذلك أنه كان أميراً على المدينة فأراد أن يلزمهم بها، يعني: بدل أن يجعلها في الجدار يجعلها على أكتافهم، مبالغة في إلزامهم بهذا الشيء الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29-06-2025, 04:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وابن أبي خلف] .
هو محمد بن أحمد بن أبي خلف وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
قد مر ذكره.
[قال أبو داود: وهذا حديث ابن أبي خلف وهو أتم] .
ابن أبي خلف هو الشيخ الثاني وحديثه أتم من حديث مسدد، فـ أبو داود لم يسق لفظ مسدد وإنما ساق لفظ محمد بن أبي خلف؛ لأنه أتم.




شرح حديث: (من ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عن لؤلؤة عن أبي صرمة رضي الله عنه، قال غير قتيبة في هذا الحديث: عن أبي صرمة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من ضار أضر الله به، ومن شاقّ شاق الله عليه) ] .
أورد أبو داود حديث أبي صرمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه)] والمقصود أن الجزاء من جنس العمل، فإذا كان العمل فيه ضرراً بالغير، فالجزاء أن يحصل له الضرر من الله، وكذلك إذا كان فيه مشقة على غيره منه فيكون الجزاء أن يحصل له مشقة من الله عز وجل، وقد جاءت أحاديث بمعناه مثل حديث: (لا ضرر ولا ضرار) وكذلك حديث: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه) .




تراجم رجال إسناد حديث: (من ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن يحيى بن حبان] .
محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن لؤلؤة] .
لؤلؤة هي مولاة الأنصار وهي مقبولة، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي صرمة] .
أبو صرمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
والحديث فيه هذه المرأة المقبولة أو المجهولة؛ لأنه ما روى عنها إلا محمد بن يحيى بن حبان، ولكن الحديث له شواهد، مثل حديث: (لا ضرر ولا ضرار) ، وحديث: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه) وكذلك أيضاً لفظ الحديث جاء من طريق أخرى.



شرح حديث سمرة أنه كان له نخل في حائط أنصاري فأبى أن يبيعه أو يناقله أو يهبه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا واصل مولى أبي عيينة قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: (أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: فهبه له ولك كذا وكذا، أمراً رغبه فيه فأبى، فقال: أنت مضار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصاري: اذهب فاقلع نخله) ] .
أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب أنه كان له نخل عند رجل من الأنصار، وأن ذلك الأنصاري عنده أهله، فكان يأتي نخله فيكون في ذلك مضايقة لهم، فأرادوا أن يتخلصوا من هذا الدخول والخروج، فطلب الأنصاري منه أن يبيع هذه النخلة أو النخلات فأبى، فطلب منه أن يناقله وأن يبادله عنها في مكان آخر غير البستان هذا فأبى، فجاء الأنصاري إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي، فعرض الرسول صلى الله عليه وسلم على سمرة مثل ما عرض عليه الأنصاري فأبى، ثم قال له هبها للأنصاري ورغبة في ذلك فأبى، فقال له: [(أنت مضار، فقال للأنصاري: اذهب فاقلع نخله)] .
قوله: [(كانت له عضد)] يعني: مجموعة من النخل متصلة.
وهذا الحديث غير صحيح وغير ثابت؛ لأن فيه انقطاعاً بين أبي جعفر محمد بن علي وبين سمرة بن جندب، ثم أيضاً فيه نكارة من حيث كونه يقلع النخل ويتلف المال على صاحبه دون أن يستفيد منه صاحبه، وكان يمكن أن يلزم بأمر آخر غير أن يضيع عليه حقه، ثم من جهة أخرى كون هذا الصحابي يكون بهذه الصفة التي فيها الشدة والتعنت، وكونه يعرض عليه كل شيء فيأبى؛ فهذا لا يليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا فيه شيء من النكارة.
إذاً: الحديث من حيث الإسناد غير ثابت، ومن حيث المتن أيضاً فيه هذه النكارة، من ناحية كون النخل يقطع ويتلف ولا يستفيد منه صاحبه بشيء، ومن جهة أن هذا الصحابي يكون بهذا الوصف الذي جاء في هذا الحديث كلما يعرض عليه يأبى.



تراجم رجال إسناد حديث سمرة أنه كان له نخل في حائط أنصاري فأبى أن يبيعه أو يناقله أو يهبه
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي] .
هو سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا واصل مولى أبي عيينة] .
واصل مولى أبي عيينة هو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي] .
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة بن جندب] .
سمرة بن جندب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث مخاصمة رجل من الأنصار للزبير في شراج الحرة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن الزهري عن عروة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حدثه: (أن رجلاً خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه الزبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للزبير: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، قال: فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: فو الله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] الآية) ].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما: أن أباه الزبير خاصمه رجل من الأنصار في شراج الحرة، والشراج هو المسيل أو السيل الذي يأتي من الحرة إلى البساتين، وبستان الزبير هو الأعلى، وبستان الأنصاري وراءه، ومعلوم أن الأعلى يشرب ثم يشرب الذي وراءه، ولكن الأعلى لا يحبس الماء عن جاره، بحيث يجعله في بستانه وحده دون أن يستفيد جاره، بل يستفيد ويفيد، فيستفيد هو ويرسل على غيره، فخاصم ذلك الأنصاري الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: [(اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، قال: فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟)] يعني: تقول هذا الكلام له؛ لأنه ابن عمتك؛ لأن الزبير أمه هي صفية بنت عبد المطلب وهي عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي التي ناداها النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فقال: (يا عباس يا صفية عمة رسول الله يا فاطمة بنت محمد) .
[(فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك)] يعني: تقول له هذا الكلام وتجعله يسقي، وهذا كلام فيه جفاء وفيه سوء أدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر) .
قيل: إن الحكم الأول كان فيه إرفاق بالشخص، وليس هو الحكم الذي يجب أن يكون عليه العمل، وإنما أراد من الزبير أن يحسن إلى الجار بأن يحصل منه أي سقي ثم بعد ذلك يرسل إلى جاره.
قوله: [(اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)] .
يعني: حتى يصل الماء إلى الجدران أو أسفل الجدار، بحيث تمتلئ المزرعة ويصل الماء إلى أسفل الجدار، الذي هو سور المزرعة أو سور البستان.
قوله: [(فقال الزبير: فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] ].
يجوز أن يكون ذلك الشخص من المنافقين؛ لأن النفاق إنما هو في الأنصار، وليس في المهاجرين؛ لأن المهاجرين ليس فيهم نفاق، وإنما النفاق حصل في الأنصار؛ لأنه لما ظهر الإسلام وقويت شوكة المسلمين، وكان في المدينة من لم يصل الإيمان إلى قلوبهم، أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فيجوز أن يكون هذا الشخص الذي قال هذا الكلام من المنافقين، ويجوز أن يكون من غير المنافقين، ولكنه حصل منه هذا الجفاء الذي هو في غاية السوء.
وكما هو معلوم أن النفاق إنما هو في الأنصار؛ لأن الإسلام ظهر في المدينة، فالذي عنده شر وعنده خبث أظهر الإيمان وأبطن الكفر؛ حتى يعيش مع الناس، وحتى يكون مع الناس وهو منطو على شر، وأما المهاجرون فليس فيهم منافق؛ لأن الإنسان الكافر من أهل مكة لا يحتاج أن يأتي إلى المدينة وعنده كفر، وإنما يبقى في مكة مع الكفار، ولكن المهاجرون خرجوا من أجل نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر:8] .
فالمهاجرون عندهم الهجرة والنصرة، ولهذا كانوا أفضل من الأنصار؛ لأن عندهم ما عند الأنصار وهو النصرة، وعندهم ما ليس عند الأنصار وهو الهجرة.



تراجم رجال إسناد حديث مخاصمة رجل من الأنصار للزبير في شراج الحرة
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] .
هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
هو الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
الزهري مر ذكره.
[عن عروة] .
هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عبد الله بن الزبير حدثه] .
عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عن الجميع، وهؤلاء العبادلة الأربعة صحابة أبناء صحابة، وابن الزبير أول مولود ولد بعد الهجرة؛ لأنه ولد والناس في قباء قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم من قباء إلى المدينة، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (أن رسول الله قضى في السيل المهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن الوليد -يعني ابن كثير - عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه ثعلبة بن أبي مالك: (أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلاً من قريش كان له سهم في بني قريظة، فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مهزور يعني: السيل الذي يقتسمون ماءه، فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل) .
حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثني أبي عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى في السيل المهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل) ] .
أورد أبو داود حديث ثعلبة بن أبي مالك عن كبرائهم، وهذا فيه إرسال، ولكن الحديث الثاني متصل، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وكل منهما يشهد للآخر، وفيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخاصموا في مهزور، وهو المسيل المشترك، جعل من كان في الأعلى يسقي الأول ثم يسقي من كان في الأسفل.
وفيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأنه يحبس الماء حتى يصل إلى الكعبين، أي إذا وقف الإنسان وكانت الأرض مستوية، ثم يوصله إلى جاره.
قوله: [(لا يحبس الأعلى على الأسف)] يعني: لا يحول بينه وبين الماء، وإنما يمسك حتى يصل إلى الكعبين ثم يرسله للأسفل.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قضى في السيل المهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أسامة] .
هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الوليد يعني ابن كثير] .
الوليد بن كثير وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مالك بن ثعلبة] .
أبو مالك بن ثعلبة وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه ثعلبة بن أبي مالك] .
ثعلبة بن أبي مالك وهو مختلف في صحبته، وقال العجلي: تابعي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة.
[أنه سمع كبراءهم] .
فيه جهالة، لكن الحديث الذي بعده معلوم الاتصال، وممكن أن يكون كبراؤهم هم الصحابة.
[حدثنا أحمد بن عبدة] .
هو أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن] .
المغيرة بن عبد الرحمن صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثني أبي عبد الرحمن بن الحارث] .
عبد الرحمن بن الحارث وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب] .
عمرو بن شعيب وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده] .
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (اختصم إلى رسول الله رجلان في حريم نخلة فأمر بها فذرعت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد أن محمد بن عثمان حدثهم حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي طوالة وعمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان في حريم نخلة، في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت، فوجدت سبعة أذرع، وفي حديث الآخر: فوجدت خمسة أذرع، فقضى بذلك، قال عبد العزيز: فأمر بجريدة من جريدها فذرعت) ] .
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلين اختصما في حريم نخلة، الحريم: هو ما تستحقه النخلة من الأرض التي تكون حولها لصاحبها، بحيث يكون ما وراءها لا يملكه، فإذا كان له نخلة في أرض، فإنه لا يملك ما يشاء حول هذه النخلة، وإنما يملك ما يتخذ من الأرض تابعاً لها، وذلك بأن يكون على مقدار عسيبها وجريدها، بأن تؤخذ جريدة منها ثم تجعل في ساقها وتمتد إلى نهاية تلك الجريدة، فيكون ذلك الحد مستديراً من جميع الجهات، هذا هو حريم النخلة، أي: يكون تابعاً لها، والذي يملك النخل يملك هذه الأرض التي بهذا المقدار.



تراجم رجال إسناد حديث: (اختصم إلى رسول الله رجلان في حريم نخلة فأمر بها فذرعت)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد] .
هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[أن محمد بن عثمان] .
هو محمد بن عثمان أبو الجماهر وهو ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد] .
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي طوالة] .
هو عبد الله بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعمرو بن يحيى] .
هو عمرو بن يحيى المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
هو يحيى بن عمارة المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، كنيته أبو سعيد ونسبته الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الأسئلة



الجمع بين قول أحد الرواة: (فذرعت فوجدت سبعة أذرع) وقول الآخر: (فوجدت خمسة أذرع)
السؤال في حديث أبي سعيد الأخير قال أحدهما: (فأمر بها فذرعت فوجدت سبعة أذرع) ، وقال الآخر: (فوجدت خمسة أذرع) فكيف الجمع بين القولين؟
الجواب يحتمل أن يكون العسيب طويلاً وأنه يبلغ هذا، أو أنها هي نفسها النخلة ذرع ساقها، والسبعة أذرع هي بمقدار ثلاثة أمتار ونصف.



وجه تقدير بعض العلماء لحريم النخلة على حسب طولها
السؤال لماذا قدر بعض العلماء أن حريم النخلة يكون على حسب طولها؟
الجواب هذا غير واضح؛ لأنها قد تكون غير باسقة (طويلة) وما يستفاد منها يسقط.



وجه قياس حريم الأشجار على حريم النخلة
السؤال هل يقاس حريم الأشجار الأخرى على حريم النخلة؟
الجواب نعم، غير النخلة كذلك أيضاً لها حمى، ومعلوم أن أغصانها تنتشر يميناً ويساراً، فالذي يصل إليه الأغصان يعتبر حريماً لها.



حكم الخروج من المسجد بعد الأذان
السؤال بعض الإخوة يخرجون من المسجد بعد الأذان فهل من تنبيه؟
الجواب الأولى للإنسان أن يخرج من الإشكال، وذلك بأن يخرج قبل الأذان إذا كان يريد أن يخرج من المسجد، وأما إذا كان الخروج لأمر ثم يرجع كالخروج للوضوء مثلاً فلا بأس.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 472.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 466.59 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]