شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 73 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 128286 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4759 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          مسيرة الجيش إلى تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #721  
قديم 30-06-2025, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



شرح سنن أبي داود [418]
حرم الشرع الحنيف في أول الإسلام الانتباذ في أوعية معينة كالدباء والحنتم والمزفت والمقير؛ لأن النبيذ كان إذا تخمر لا يظهر أثر ذلك من خارجها، ثم نسخ ذلك وأُبيح الانتباذ في كل وعاء بشرط ألا يصل النبيذ إلى حد الإسكار، فإذا وصل إلى حد الإسكار فإنه يحرم.



باب في الداذي



شرح حديث: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الداذي.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال: دخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء فقال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في الداذي، والداذي قيل: إنها حبوب توضع على النبيذ فيشتد، يعني فتكون سبباً في كونه يكون مسكراً.
وأورد أبو داود حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) يعني: أن الخمر هي كل مسكر (وكل مسكر حرام) ، فالحكم يناط بالإسكار ولو سمي المسكر بأي شيء يسمى به، فإن العبرة بالحقائق لا بالألفاظ، فإذا سميت الخمر باسم لا تعرف به، وقد يكون اسماً ظاهره الطيب وظاهره الحسن فإن الأسماء لا تغير من الحقائق شيئاً، فالحرمة حاصلة والتحريم موجود ولو سميت بغير ذلك، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يأتي أناس يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها فيقولون مثلاً: ماء العنب أو ماء الشعير أو ما إلى ذلك، فأي شراب وصل إلى حد الإسكار فهو محرم، وإن كان لم يصل إلى حد الإسكار فهو حلال، وإن وصل إلى حد الإسكار فالقليل والكثير حرام.



تراجم رجال إسناد حديث: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زيد بن الحباب] .
زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا معاوية بن صالح] .
معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن حاتم بن حريث] .
حاتم بن حريث مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن مالك بن أبي مريم] .
مالك بن أبي مريم مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[قال: دخل علينا عبد الرحمن بن غنم] .
عبد الرحمن بن غنم مختلف في صحبته فقيل: صحابي، وقيل: تابعي ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[فقال: حدثني أبو مالك الأشعري] .
أبو مالك الأشعري رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال أبو داود: حدثنا شيخ من أهل واسط قال: حدثنا أبو منصور الحارث بن منصور قال: سمعت سفيان الثوري وسئل عن الداذي فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) .
قال أبو داود: وقال سفيان الثوري: الداذي شراب الفاسقين] .
أورد أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى عن سفيان الثوري وسئل عن الداذي فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) يعني: وهذا معناه: أنه اسم محدث لها وأنه من تسميتها بغير اسمها.
وقوله: [وقال سفيان الثوري: الداذي شراب الفاسقين] .
يعني: أن الخمر أو كل شراب مسكر هو شراب أهل الفسوق أو إنما الذي يفعله أهل الفسوق إلا من كان مستحلاً فإنه يكون كافراً.
وقوله: [حدثنا شيخ من واسط قال: حدثنا أبو منصور الحارث بن منصور] .
الحارث بن منصور صدوق يهم، أخرج له أبو داود.
[قال: سمعت سفيان الثوري] .
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه مقبولان، ولكن له شواهد ذكرها ابن القيم في تهذيب السنن فقال: ولفظ حديث ابن ماجة الذي أشار إليه المنذري: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) ، وقد أخرج ابن ماجة أيضاً من حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة يرفعه: (لا تذهب الليالي والأيام حتى يشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونه بغير اسمها) ، وأخرجه أيضاً من حديث ابن محيريز عن ثابت بن السمط عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري في صحيحه: باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثنا عطية بن قيس الكلابي قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله! ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم تأتيهم الحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) .
وهذه كلها شواهد لقوله في هذا الحديث: (يسمونها بغير اسمها) .



الأسئلة



حكم الأدوية الطبية والبنج والعطور التي فيها كحول
السؤال كثرت الأسئلة عن حكم استخدام الأدوية الطبية والبنج والعطور التي فيها كحول؟
الجواب البنج ليس فيه إسكار، وإنما فيه تخدير حيث يكون الإنسان ليس به حراك لفترة معينة حتى يتمكنوا من إجراء عملية له ونحو ذلك، فالبنج ليس فيه إسكار وإنما فيه شبه الموت، فإذا بنج إنسان يصير كأنه لا حياة فيه، فيقطعون جلده كما يشاءون وهو لا يحس ولا يشعر.
وأما العطور فالأشياء التي فيها كحول تترك، والطيب الطيب كثير بحمد الله، فيستغنى بما هو طيب عن غيره.



حكم إقامة الحد على شارب الخمر بمجرد الرائحة
السؤال هل يقام الحد على شارب الخمر بمجرد الرائحة؟
الجواب جاء عن بعض الصحابة شيء من هذا، لكن قد يشرب الإنسان خمراً وهو لا يعرف أنها خمر، لذا لا يقام الحد بمجرد الرائحة.



حكم الثمر المسكر
السؤال في بلادنا نوع من الثمرات اسمها دوريان، إذا أكلنا منها أكثر من خمس حبات فقد تؤدي إلى الإسكار، فهل يدخل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) ؟
الجواب الذي يمنع هو الذي يسكر، والذي يصل إلى حد الإسكار، لكن إذا كان من الأشياء الطيبة فلا، فإن صاحب عون المعبود ذكر أن الزعفران إذا أكثر منه يسكر، مع أنه يستعمل ويخلط بالأطعمة ويستفاد منه، وكونه يحصل الإسكار بالكثرة لا يدل على تحريمه؛ لأنه ليس بشراب ولا بشيء من الأشياء التي تتخذ أو تخمر، وإنما هو شيء طيب، ولكنه قد يؤدي الإكثار منه إلى أمر لا يجوز، لكن لا يقال: إن استعماله لا يجوز، فالزعفران يجوز استعماله، مع أن الكثير منه يسكر، والله أعلم.



باب في الأوعية



شرح حديث: (نهى عن الدباء والحنتم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأوعية.
حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا منصور بن حيان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قالا: (نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير) ] .
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في الأوعية، أي: الأوعية التي ينتبذ فيها وتتخذ أوعية للنبيذ، والنبيذ يجوز شربه بشرط ألا يصل إلى حد الإسكار، ولا يجوز تركه حتى يسكر؛ لأنه يكون بذلك خمراً، والخمر لا يجوز استعمالها ولا الاحتفاظ بها، فينتبذ في الأوعية ما لم يصل النبيذ إلى حد الإسكار، فإن لم يصل إلى حد الإسكار فإنه ينتفع به ويستفاد منه.
وقد جاءت أحاديث عديدة فيها نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في بعض الأوعية، وتلك الأوعية كانت غليظة وكثيفة وسميكة بحيث إنه لو حصل التغير إلى حد الإسكار لا يظهر على سطحها من الخارج وعليها من الخارج، بخلاف الأسقية، فإنها إذا وصل النبيذ إلى حد الإسكار تتأثر وتتغير تلك الأسقية، ويظهر تغير ما في باطنها على ظاهرها، وقد تتشقق وتتفطر بسبب ذلك الذي تغير في داخلها، فنهوا في أول الأمر عن الانتباذ في أوعية غليظة سميكة إذا وصل النبيذ فيها إلى حد الإسكار لا يظهر عليها من الخارج، فمنعوا منها ونهوا عنها في أول الأمر، وبعد ذلك رخص لهم أن ينتبذوا في كل وعاء بشرط ألا يشربوا مسكراً، أي: أنه ينتبذ في أي وعاء ولكن بشرط ألا يصل إلى حد الإسكار، وإنما يستعمل قبل أن يصل إلى حد الإسكار.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم وفيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن أربعة أشياء: عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت) .
وهذه أربعة أوعية: الدباء وهو: القرع، وكانوا يقطعون رأس الدباء ثم يستخرجون اللب الذي في وسطها، ويبقى الغلاف الخارجي فييبسونه في الشمس فيكون وعاءً يضعون في وسطه النبيذ واللبن وغير ذلك من الأشربة، فكانوا ينتبذون فيه، ومعنى ذلك: أنهم كانوا يقطعون رأس الدباء الذي فيه العرق فإذا قطع يكون لها فم مستوٍ فيستخرجون اللب من أعلاها إلى أسفلها، ويبقى الغلاف الخارجي فتكون وعاءً توضع فيه الحاجات المائعة وغير المائعة، ومن ذلك أنه كان ينتبذ فيها، فهذا معنى قوله: (الدباء) يعني: أنها لا تتخذ وعاء ينتبذ فيه.
والحنتم: جرار تتخذ من الطين وكان ينتبذ بها.
والمزفت هو: ما طلي بالزفت.
والنقير هو: أنهم كانوا يأتون إلى أصل النخلة أو إلى خشبة عريضة فينقرونها بحيث تكون كالقدح أو الإناء فينتبذون فيها، فهذه الأشياء الأربعة كان النهي عنها موجوداً في أول الإسلام؛ لأن الانتباذ فيها قد يؤدي إلى الإسكار، وقد يغفلون عنها ويصل ما فيها إلى حد الإسكار فيشربونه ويسكرون، فنهوا عن الانتباذ فيها وأمروا أن ينتبذوا في الأسقية التي إذا حصل تغير للذي في داخلها يظهر على سطحها وعلى خارجها أنه تغير، وأنه حصل فيه الاشتداد والتغير، فإنه إذا اشتد يظهر على سطحها وقد يتمزق فيكون ذلك علامة على أنه وصل إلى حد الإسكار فيتركونه، وما كان قبل ذلك يستعملونه، وأما مثل الدباء والنقير والمزفت والحنتم فإنها قد تبلغ إلى حد الإسكار ولكن سطحها الخارجي لا يتبين عليه ذلك؛ لسماكته ولكثافته.
فهذه أوعية كان النهي عنها في أول الأمر وبعد ذلك لما مضى وقت واستقرت الأحكام واستقر للناس تحريم الخمر أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم أن ينتبذوا في كل سقاء لكن بشرط ألا يشربوا مسكراً كما جاء في حديث بريدة الذي ذكر فيه ثلاثة أمور فيها الناسخ والمنسوخ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروا) ، فالناسخ والمنسوخ موجود في حديث بريدة بن الحصيب هذا، ومنه الانتباذ في أوعية كالحنتم والنقير والدباء وغير ذلك، فكان الحكم الناسخ أنهم ينتبذون في أي وعاء لكن بشرط ألا يشربوا مسكراً، يعني: أنهم يتنبهون بحيث يستعملونه قبل أن يصل إلى حد الإسكار.
وقول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما: (نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن) فيه تأكيد للخبر وأنهما يعرفان ذلك تماماً ويشهدان أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الأشياء، أي عن الانتباذ فيها، وهي هذه الأمور الأربعة أو هذه الأوعية الأربعة.
فهذا إخبار منهما بأن النبي حرم هذا، وأكدا هذا الإخبار بأنهما يشهدان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم ذلك، فشهادتهما فيها إخبار عن شيء سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنهي والتحريم المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مأخوذ من سماع كلامه صلى الله عليه وسلم.
والانتباذ هو: وضع بعض الأشياء التي تتحول إلى نبيذ كالتمر ونحوه حتى تصير نبيذاً، يعني: أنهم يضعون التمر في الماء عدة أيام ثم بعد ذلك يتحول ويتحلل إلى أن يختلط بهذا الماء، فهذا هو النبيذ، لكن إذا وصل إلى حد الإسكار فإنه لا يجوز وقبل ذلك يجوز، والحديث الذي فيه قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنهم كانوا يسقونه اللبن فيخرج من جوفه ويسقونه النبيذ فيخرج من جوفه المقصود بالنبيد: أنه كان تمراً يعصرونه مع الماء حتى تختلط حلاوته بالماء فيكون الماء حلواً.
فالنبيذ إذا وصل إلى حد الإسكار بأن وضع التمر في الماء وأغلق عليه مدة ووصل إلى حد الإسكار لا يجوز، وإذا استعمل قبل أن يصل إلى حد الإسكار فإنه جائز، فالانتباذ يشمل نبذ الطعام ونبذ التمر ونبذ الزبيب ونبذ العنب، فالنبيذ هو ماء مختلط به جزئيات التمر أو جزئيات الزبيب أو جزئيات العسل أو جزئيات كذا فقبل أن يسكر هو مباح، وإذا وصل إلى حد الإسكار يصير خمراً حراماً.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهى عن الدباء والحنتم)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له أبو داود والبخاري والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد الواحد بن زياد] .
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا منصور بن حيان] .
منصور بن حيان ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن سعيد بن جبير] .
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر وابن عباس] .
ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله عبد الله بن عباس بن عبد المطلب هو أحد العبادلة وأحد السبعة.



شرح حديث: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حدثنا جرير عن يعلى -يعني: ابن حكيم - عن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر.
فخرجت فزعاً من قوله: حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيذ الجر، فدخلت على ابن عباس رضي الله عنهما فقلت: أما تسمع ما يقول ابن عمر؟ قال: وما ذاك؟ قلت: قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر.
قال: صدق؛ حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر.
قلت: وما الجر؟ قال: كل شيء يصنع من مدر) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس وابن عمر وهو مثل الذي قبله إلا أن الذي قبله مشتمل على أربعة أشياء، وهذا مشتمل على واحد وهو الحنتم، والحنتم هي جرار تتخذ من المدر الذي هو الطين.



تراجم رجال إسناد حديث: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسلم بن إبراهيم] .
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى قالا: حدثنا جرير] .
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يعلى يعني: ابن حكيم] .
يعلى بن حكيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد الله بن عمر] .
سعيد بن جبير وعبد الله بن عمر قد مر ذكرهما.



حكم العصير الذي يترك أكثر من ثلاثة أيام
إذا اتخذ عصير من التمر أو من الزبيب وترك أكثر من ثلاثة أيام ووضع في مكان بارد كالثلاجة مثلاً هل ينهى عنه أم لا؟
الجواب القضية ليست قضية أيام، بل القضية قضية إسكار وعدم إسكار، فإذا كان يصل إلى حد الإسكار فلا يجوز استعماله، وإذا كان لا يصل إلى حد الإسكار فإنه لا بأس باستعماله.
فمثل هذا لا يعرف بمعرفة الأوقات أو المدة التي يصل بها إلى حد الإسكار والهيئة التي يكون عليها الغطاء أو إحكام الغطاء، وإنما يعرف بالإسكار، فيقطع الشك باليقين، والناس كانوا يشربون إلى وقت قريب نبيذاً في الأوعية ولا يتركونه مدة طويلة، فالأمر دائر هل وصل إلى حد الإسكار أو لم يصل، ومعلوم أنه إذا وصل إلى حد الإسكار فإنه يعرف من هيئته وشكله ويقذف بالزبد وتكون له صفات معروفة.



حكم العصائر
وهنا
السؤال هل هذه العصائر الموجودة الآن من جنس النبيذ؟
و الجواب أن النبيذ يوضع في أوعية، وهذه العصائر قد توضع ولكن لا تكون بهذه الطريقة؛ لأنه يحصل استخراجها في الحال من المواد التي تستخرج منها، والناس يستعملونها ويكون فيها شيء يبقيها على سلامتها ونظافتها، والممنوع هو أن يكون هناك إسكار، وأن يكون هناك شيء مسكر، وأما هذه العصائر الموجودة التي تبقى ففيها مواد تحفظها من أن تفسد أو تتخمر، ثم أيضاً هي لم تأت عن طريق الانتباذ، وإنما جاءت عن طريق العصر، فهي عصرت ووضعت في علبتها.



شرح حديث وفد عبد القيس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عبيد حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد حدثنا عباد بن عباد عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول.
وقال مسدد: عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا حديث سليمان قال: (قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا هذا الحي من ربيعة قد حال بيننا وبينك كفار مضر، وليس نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بشيء نأخذ به وندعو إليه من وراءنا.
قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وعقد بيده واحدة، وقال مسدد: الإيمان بالله ثم فسرها لهم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس مما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء والحنتم والمزفت والمقير) ، وقال ابن عبيد: النقير مكان المقير، وقال مسدد: والنقير والمقير لم يذكر المزفت.
قال أبو داود: أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس وأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: (إنا هذا الحي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر ولا نخلص إليك إلا في شهر حرام) يعني: أنهم في الطريق بيننا وبينك ونحن نتحين الأشهر الحرم التي يمتنع الناس فيها من القتال فنأتيك يا رسول الله، وقالوا: إننا نريد أن تعلمنا شيئاً نأخذ به ونعلمه من وراءنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بأربع: الإيمان ثم فسر الإيمان بأنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتأدية الخمس من المغنم) ، وهذا فيه تفسير الإيمان بالأعمال الظاهرة، وهو يدل على أن الإيمان يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، ففي حديث جبريل فسر الإيمان بأعمال باطنة؛ لأنه جاء معه تفسير الإسلام بالأعمال الظاهرة، وهنا فسره بالأعمال الظاهرة، فدل على أن كل واحد منهما إذا أفرد شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا جمع بينهما فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، فإن جبريل سأل عن الإسلام وعن الإيمان ففسر الإسلام بأمور ظاهرة، وفسر الإيمان بأمور باطنة، وهنا حديث وفد عبد القيس ليس فيه ذكر الإسلام مع الإيمان، وإنما ذكر الإيمان ثم فسره بأمور ظاهرة هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتأدية الخمس من المغنم.
ثم قال: (وأنهاكم عن أربع: عن الدباء والنقير والمزفت والحنتم) وهذه الأمور هي التي مرت في الحديث السابق إلا أن شيوخ أبي داود الثلاثة صار بينهم اختلاف فمنهم من قال: (المزفت والمقير) ، ومنهم من قال: (المزفت والنقير) ، بدل المقير، والمزفت والمقير معناهما واحد؛ لأن هذا طلي بالزفت وهذا طلي بالقار، فمعناهما واحد أو متقارب، لكن النقير شيء مستقل عنهما، وهو: جذع النخلة الذي ينقر وسطه ويصير وعاءً أو خشبة ينقر وسطها وتصير وعاءً.
وقوله: [(قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا هذا الحي من ربيعة)] .
ربيعة هم: ينتمون إلى ربيعة بن نزار وربيعة أخو مضر وهو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
وقوله: (وبيننا وبينك كفار مضر ولا نخلص إليك) أي: لا نتمكن من الوصول إليك إلا في الشهر الحرام؛ لأن الكفار كانوا يمتنعون عن القتال في الأشهر الحرم.
وقولهم: (إنا هذا الحي من ربيعة) ، يعنون أنفسهم، يعني: جئنا إليك وليس يتيسر لنا أن نأتي إليك في كل وقت بل لا يتيسر لنا ذلك إلا في الأشهر الحرم، فنحن نريد منك وصية نأخذ بها ونبلغها من وراءنا؛ لأنه لا يتيسر لنا المجيء كلما أردنا، وإنما نأتي في الأشهر الحرم فقط، ومعلوم أن الأشهر الحرم هي ثلاثة متوالية وواحد منفرد وهو رجب الفرد، ويقال له: رجب الفرد؛ لأنه من الأشهر الحرم جاء منفرداً وحده في أثناء السنة، وأما الثلاثة الباقية فهي مسرودة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، أي: شهر الحج وشهر قبله وشهر بعده.
وقوله: [(فمرنا بشيء نأخذ به وندعو إليه من وراءنا)] .
هذا فيه بيان أن الذي يأخذ العلم ويأخذ الحق والهدى يعمل به ويبلغه إلى غيره، فينتفع وينفع ويستفيد ويفيد.
وقوله: [(قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وعقد بيده واحدة)] .
في بعض الألفاظ بدون الواو فتكون شهادة أن لا إله إلا الله تفسيراً للإيمان بالله، وقوله: (وعقد واحدة) يعني: أن الإيمان مع الإسلام هو شيء واحد ولا يقال: إنهما خصلتان وإنما هي خصلة واحدة، ولكن جاء في بعض الروايات أن الإيمان فسر بأمور أربعة: أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وقوله: [وقال مسدد: (الإيمان بالله ثم فسرها لهم: شهادة أن لا إله إلا الله) ] .
وقوله: [وقال مسدد: (الإيمان بالله ثم فسرها لهم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس مما غنمتم) ] .
ولم يذكر لهم الصيام ولا الحج، ولعلهم جاءوا في أول الهجرة قبل أن يفرض الصيام وقبل أن يفرض الحج؛ لأن الحج فرض في السنة الثانية، ومجيئهم يمكن أنه كان قبل ذلك، وهم أول من دخل في الإسلام من الوفود، فإسلامهم متقدم.
وقوله: [(وأن تؤدوا الخمس مما غنمتم)] .
يعني: مما غنتم من الجهاد، وهذا فيه أن الجهاد كان قد فرض.
وقوله: [(وأنهاكم عن الدباء والحنتم والمزفت والمقير)] .
المزفت والمقير معناهما واحد أو متقارب.
وقوله: [وقال ابن عبيد: النقير مكان المقير] .
يعني: النقير مكان المقير مع المزفت، أي: أنه ذكر النقير والمزفت.
وقوله: [وقال مسدد: والنقير والمقير لم يذكر المزفت] .
يعني: أن مسدداً ذكر النقير والمقير ولم يذكر المزفت.



تراجم رجال إسناد حديث وفد عبد القيس
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عبيد] .
محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[قالا: حدثنا حماد] .
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد حدثنا عباد بن عباد] .
مسدد مر ذكره، وعباد بن عباد ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي جمرة] .
أبو جمرة هو نصر بن عمران الضبعي مشهور بكنيته أبي جمرة، وهو من عبد القيس.
وأبو جمرة يروي عن ابن عباس وهناك راوٍ آخر يروي عن ابن عباس كنيته أبو حمزة واللفظ متقارب وقد يحصل التصحيف بينهما؛ لأن هذا أبو جمرة وهذا أبو حمزة، فالرسم واحد ولم يختلف إلا الجيم والزاي، يعني: نقطة واحدة تكون مع الجيم أو تكون مع الزاي، فهما من الألفاظ التي تتقارب ويحصل التصحيف فيما بينهما وأبو حمزة هو القصاب يروي عن ابن عباس وهو الذي روى عنه الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن معاوية: (لا أشبع الله بطنك) .
وأبو جمرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت ابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.



حكم التسمية بعبد القيس
وتسمية القبيلة بعبد القيس هو من الأسماء القديمة مثل عبد المطلب وعبد مناف وعبد العزى، يعني: أنه كانت التسمية موجودة في الجاهلية بهذا التعبير.



حكم القتال في الأشهر الحرم
والقتال في الأشهر الحرم هل لا زال باقياً أم أنه قد نسخ؟ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه منسوخ، ومنهم من قال: إنه باق، ولكن حرمتها وتعظيمها وكون الناس لا يظلمون أنفسهم فيها لا يزال باقياً، ولكن القتال هو الذي حصل فيه الخلاف، فمن العلماء من قال: إنه نسخ، ومنهم من قال: إنه لم ينسخ وإنه باقٍ.



سبب عدم ذكر الصيام والحج في حديث وفد عبد القيس
العظيم أبادي يقول: ولم يذكر في هذه الرواية صيام رمضان إما لغفلة الراوي أو اختصاره وليس ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ولم يذكر الحج أيضاً لشهرته عندهم أو لكونه على التراخي والتفصيل في الفتح.
وعلى كل الذي يبدو -والله أعلم- أنهم وفدوا في زمن مبكر، وأما في السنة التاسعة فالطرق انفتحت والكفار دخلوا في دين الله وظهر الإسلام وغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وعلى كل ينبغي أن يرجع أو يتحقق من هذا، لكن حديث وفد عبد القيس موجود في صحيح البخاري في كتاب الإيمان، وقد أورده تحت باب: أداء الخمس من الإيمان، وأتى بهذا الحديث وشرحه الحافظ ابن حجر شرحاً مفصلاً.



شرح حديث وفد عبد القيس من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية عن نوح بن قيس حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس: أنهاكم عن النقير والمقير والحنتم والدباء والمزادة المجبوبة، ولكن اشرب في سقائك وأوكه) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة: (والمزادة المجبوبة) ، وقيل: إن المزادة هي: القربة الكبيرة التي زيد فيها عن الجلد؛ لأن القربة على مقدار الجلد، كجلد الشاه أو جلد العنز، فهذه يقال لها: قربة، وقد تكون كبيرة بحيث يزاد فيها حتى إنها قد تحمل على البعير، وتأخذ ماءً كبيراً، ومنه الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة) ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في سفر وأنهم فقدوا الماء وأنهم أرسلوا ناساً يبحثون فوجدوا امرأة معها بعير عليه مزادتان، يعني: راويتان كبيرتان واحدة من اليمين وواحدة من الشمال، والمزادة هي أكبر من القربة؛ وقيل لها: مزادة؛ لأنه زيد فيها على مقدار الجلد حتى صارت أكبر، فسألوها عن الماء فقالت: إنه بعيد أو كذا، فقالوا لها: امضي معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أهو الصابئ؟ فكان جوابهم أن قالوا: هو الذي تعنيه، ولم يقولوا: هو الصابئ، فأتوا بها إليه، فأخذ القربة وصار يصب منها ووضع أصابعه حتى ملئوا أوعيتهم وبقيت المزادة على ما هي عليه لم تنقص، فأعطوها شيئاً من الطعام، فذهبت إلى قومها فقالت: جئتكم من عند رجل إما أنه كاهن أو أنه نبي، ولكن عليكم أن تدخلوا في دينه، وأن تتبعوه، فصارت سبباً في إسلام قومها.
الحاصل: أنه كان معها مزادتان على جمل، والمزادة هي: القربة التي زيد فيها عن مقدار الجلد.
وقوله: (مجبوبة) المجبوبة هي: التي قطع رأسها الذي هو مكان الرقبة؛ لأن الرقبة من الشاة أو العنز يكون فيها فم السقاء أو فم القربة طرفها، فجبت من أصل الرقبة فصارت كأنها وعاء من الأوعية، وقيل: هي ما لم يكن لها متنفس من أسفلها، وأنا لا يتضح لي هذا؛ لأن المزادة والجلد يتبين من ظاهره التخمر إذا حصل، لكن يمكن أن يكون هذا على اعتبار أنها مفتوحة من فوق وأنها مثل الوعاء المفتوح، والإ فلا يبدو لي وجه كونها ينهى عنها مع أنها من جنس السقاء وكلها من الجلد.
وقوله: (ولكن اشرب في سقائك وأوكه) يعني: أوكه بحبل ورباط حتى لا يدخل فيه شيء، حتى لا يدخل فيه حشرات، وحتى يبقى سليماً نظيفاً، والسقاء إذا حصل فيه شيء من التغير من الداخل ظهر على الجلد من الخارج؛ لأنه رقيق خفيف.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #722  
قديم 30-06-2025, 12:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث وفد عبد القيس من طريق ثانية
قوله: [حدثنا وهب بن بقية] .
وهب بن بقية الواسطي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن نوح بن قيس] .
نوح بن قيس صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الله بن عون] .
عبد الله بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين] .
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.




شرح حديث وفد عبد القيس من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا قتادة عن عكرمة وسعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة وفد عبد القيس قالوا: (فيم نشرب يا نبي الله؟! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بأسقية الأدم التي يلاث على أفواهها) ] .
يعني: أنه لما قال: أنهاكم عن كذا وكذا وذكر لهم الأشياء المحرمة التي لا ينتبذون فيها قالوا: (بأي شيء ننتبذ؟! فقال: عليكم بأسقية الأدم) ، والأدم هي: الجلود التي يلاث على أفواهها، يعني: أنها تربط وتوكأ أفواهها.
وسيأتي في رواية ثانية أنهم اشتكوا إليه وقالوا: إن أرضنا كثيرة الجرذان فتقرض علينا هذه الجلود.
فلا أدري هل ثبت هذا أو لم يثبت، لكنهم في أول الأمر نهوا عن أشياء سميكة غليظة ورخص لهم في أشياء خفيفة رقيقة، وفي الآخر رخص لهم أن ينتبذوا في كل وعاء بشرط ألا يشربوا مسكراًَ.




تراجم رجال إسناد حديث وفد عبد القيس من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان] .
مسلم بن إبراهيم مر ذكره، وأبان هو ابن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.



شرح حديث وفد عبد القيس من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن عوف عن أبي القموص زيد بن علي حدثني رجل كان من الوفد الذين وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عبد القيس يحسب عوف أن اسمه قيس بن النعمان رضي الله عنه فقال: (لا تشربوا في نقير ولا مزفت ولا دباء ولا حنتم، واشربوا في الجلد الموكى عليه، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم فأهريقوه) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من وفد عبد القيس قيل: إنه قيس بن النعمان قال: (لا تشربوا في نقير ولا مزفت ولا دباء ولا حنتم) وهذه الأمور الأربعة هي التي مرت قبل.
وقوله: (واشربوا في الجلد الموكى) أي: السقاء، وهو الذي مر ذكره.
(فإن اشتد فاكسروه بالماء) يعني: صبوا عليه الماء، والذي يبدو أن هذا قبل أن يبلغ إلى حد الإسكار يصب عليه ماء حتى يستفاد منه، أما إذا وصل إلى حد الإسكار صار خمراً والخمر لا يجوز الاحتفاظ بها والإبقاء عليها.
قوله: (فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم فأهريقوه) والاشتداد يقولون: هو دون الإسكار، والذي يبدو أنه يصب عليه الماء قبل الإسكار؛ لأنه إذا وصل إلى حد الإسكار يراق؛ لأنه يصير خمراً، والخمر تراق ولا يحتفظ بها.
قوله: (فإن أعياكم فأهريقوه) يعني: إن غلب وصار خمراً فيراق.



تراجم رجال إسناد حديث وفد عبد القيس من طريق رابعة
قوله: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد] .
خالد هو ابن عبد الله الطحان الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عوف] .
عوف بن أبي جميلة الأعرابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي القموص زيد بن علي] .
أبو القموص زيد بن علي ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني رجل كان من الوفد الذين وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عبد القيس يحسب عوف أن اسمه قيس بن النعمان] .
قيس بن النعمان صحابي، أخرج له أبو داود.



شرح حديث وفد عبد القيس من طريق خامسة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن علي بن بذيمة حدثني قيس بن حبتر النهشلي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن وفد عبد القيس قالوا: يا رسول الله! فيم نشرب؟ قال: لا تشربوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير، وانتبذوا في الأسقية، قالوا: يا رسول الله! فإن اشتد في الأسقية؟ قال: فصبوا عليه الماء، قالوا: يا رسول الله! فقال لهم في الثالثة أو الرابعة: أهريقوه، ثم قال: إن الله حرم عليَّ أو حرم الخمر والميسر والكوبة، قال: وكل مسكر حرام) ، قال سفيان: فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة قال: الطبل] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن وفد عبد القيس قالوا: يا رسول الله! فيم نشرب؟ قال: لا تشربوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير، وانتبذوا في الأسقية) وهذا قد مر شرحه.
وقوله: (قالوا: يا رسول الله! فإن اشتد في الأسقية؟ قال: صبوا عليه الماء) وهذا مثل الذي مر في الحديث الذي قبله.
وقوله: (قالوا: يا رسول الله! فقال لهم في الثالثة أو الرابعة: أهريقوه، ثم قال: إن الله حرم عليَّ أو حرم الخمر والميسر والكوبة) الكوبة فسرت بأنها الطبل، وهو آلة من آلات الملاهي، وذلك لحصول الأغاني مع شرب الخمر كما جاء في قصة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في الصحيحين، فإنه جب أسنمة الشارفين اللذين كانا لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبقر خواصرهما وكان سكران، وكانت عنده جارية تغني وتقول: (ألا يا حمز للشرف النواء) يعني: أنها تريد أن يفعل ذلك، فقام وخرج وجبها.
وقوله: (وكل مسكر حرام) ؛ لأن الحكم يتعلق بالإسكار، فكل ما أسكر من أي نوع كان فإنه حرام.
وقوله: [قال سفيان: فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة قال: الطبل] .
وهذا تفسير من علي بن بذيمة للكوبة بأنها الطبل.



تراجم رجال إسناد حديث وفد عبد القيس من طريق خامسة
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أحمد] .
أبو أحمد هو محمد بن عبد الله الزبيري ثقة قد يخطئ في حديث الثوري، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو هنا يروي عن سفيان، ولكن على كل له شواهد مما قبله.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن بذيمة] .
علي بن بذيمة ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثني قيس بن حبتر النهشلي] .
قيس بن حبتر النهشلي ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.



وقت نزول سورة المائدة
قد يقال: إذا كانت سورة المائدة من آخر السور نزولاً وفيها آية تحريم الخمر أليس يكون وفد عبد القيس وفد متأخراً بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم عليهم هذه الأوعية بعلة الإسكار؟
و الجواب أن سورة المائدة هي من آخر ما نزل بلا شك، وهذه الآية في آخرها وهي من آخر ما نزل، ولا شك إن التحريم جاء متأخراً، لكن هذا يحتاج إلى أن يراجع، وهل كانت في الآخر الأمر وهذا منها أم لا؟ ومعلوم أيضاً أن سورة المائدة فيها الوضوء، والصلاة كانت مفروضة في مكة، وفيها كيفية الوضوء وطريقة الوضوء، فقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ليس معناه أن الوضوء لم يكن مفروضاً من قبل، فإن الناس كانوا يصلون بوضوء، وليس هناك صلاة بدون وضوء، ولكن على كل يراجع متى كان وفد عبد القيس.



تحريم الانتباذ في بعض الأوعية كان بعد تحريم الخمر
قوله: (فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكراً) فيه دليل على نسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية المذكورة، قال النووي: كان الانتباذ في هذه الأوعية منهياً عنه في أول الإسلام خوفاً من أن يصير مسكراً فيها ولا يعلم به لكثافتها فيتلف ماليته، وربما شربه الإنسان ظاناً أنه لم يصر مسكراً، فيصير شارباً للمسكر، وكان العهد قريباً بإباحة المسكر، فلما طال الزمان واشتد تحريم المسكرات وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط ألا يشربوا مسكراً.
ولكن هذا النسخ عن الانتباذ كان بعد تحريم الخمر كما هو معلوم؛ لئلا تصير خمراً، أما قبل تحريم الخمر فكان الناس يشربونها كما هو معلوم.
فمعنى قوله: إن النهي عن هذه الأوعية كان في أول الإسلام يعني: بعد التحريم وليس قبل التحريم، وإذا كان تحريم الخمر متقدماً فلا إشكال، ولكن تحريم الخمر يبدو أنه لم يكن إلا في آخر الأمر.



شرح حديث: (نهانا رسول صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والجعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا إسماعيل بن سميع حدثنا مالك بن عمير عن علي رضي الله عنه قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والجعة) ] .
أورد أبو داود الحديث عن علي رضي الله عنه وهو مثل الذي قبله وفيه ذكر الجعة، والجعة فسرت بأنها النبيذ من الشعير.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا رسول صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والجعة)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا إسماعيل بن سميع] .
إسماعيل بن سميع صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا مالك بن عمير] .
مالك بن عمير مخضرم، أخرج له أبو داود والنسائي، والمخضرم هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام.
[عن علي] .
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهدين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا بها في أسفاركم) ] .
أورد أبو داود حديث بريدة بن حصيب رضي الله عنه الذي فيه النسخ لتحريم الانتباذ في الأوعية الغليظة السميكة، وأنه كان مباحاً لهم الانتباذ بالأسقية، وأنهم ممنوعون من تلك الأوعية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم في آخر الأمر أن ينتبذوا في كل وعاء بشرط ألا يشربوا مسكراً، يعني: أنه لابد أن يكون الشرب بشيء لم يصل إلى حد الإسكار، وكان التحريم والمنع في أول الأمر، ولما استقر عندهم تحريم الخمر وألفوا ذلك أبيح لهم أن ينتبذوا في أي وعاء لكن يحتاطون بحيث لا يكون شربهم لشيء مسكر، وإنما لشيء لم يصل إلى حد الإسكار.
وكذلك كان قد نهاهم عن زيارة القبور ثم أذن لهم بزيارتها وقال: (زورها فإنها تذكر الآخرة) أي: أن فيها عبرة وعظة، والإنسان عندما يزور القبور يتذكر الموت ويستعد له بالأعمال الصالحة.
وكان نهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليال ثم بعد ذلك أذن لهم أن يدخروا وأن يتزودوا في أسفارهم، والمنع الذي كان أولاً كان من أجل الدافة، وهم قوم مساكين جاءوا يريدون أن يحصلوا على اللحم فمنعوا من الادخار حتى يبذلوه لهؤلاء المحتاجين، وبعد ذلك جاءت السنة بأن لهم أن يدخروا وأن يتزودوا في أسفارهم وأنه لا مانع من ذلك.
وهذا الحديث فيه الجمع بين الناسخ والمنسوخ؛ لأن قوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها) ، فيه ناسخ ومنسوخ، وقوله: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فادخروا) فيه ناسخ ومنسوخ، وقوله: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) فيه ناسخ ومنسوخ.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معرف بن واصل] .
معرف بن واصل ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[عن محارب بن دثار] .
محارب بن دثار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن بريدة] .
عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية، قال: قالت الأنصار: إنه لابد لنا، قال: فلا إذاً) ] .
أورد أبو داود حديث جابر: (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قالوا: لابد لنا منها، فقال: فلا إذاً) يعني: ما دام الأمر كذلك فإنه لا بأس بها، ويكون الأمر كما هو محمول على أن النهي كان في أول الأمر حيث كان الناس حديثي عهد بتحريمها وبعد أن ألفوا ذلك واستقر لهم الحكم رخص لهم بأن ينتبذوا في كل وعاء.



تراجم رجال إسناد حديث: (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان حدثني منصور] .
سفيان مر ذكره، ومنصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن أبي الجعد] .
سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (اشربوا ما حل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن جعفر بن زياد حدثنا شريك عن زياد بن فياض عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوعية: الدباء والحنتم والمزفت والنقير، فقال أعرابي: إنه لا ظروف لنا، فقال: اشربوا ما حل) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوعية فقال أعرابي: إنه ليس لنا ظروف، فقال: اشربوا ما حل) يعني: ما كان حلالاً لم يصل إلى حد الحرام الذي هو الخمر، يعني: ما دام حلالاً فاشربوا، وإذا وصل إلى حد الإسكار فابتعدوا عنه، وهذا مثل قوله: (فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) .



تراجم رجال إسناد حديث: (اشربوا ما حل)
قوله: [حدثنا محمد بن جعفر بن زياد] .
محمد بن جعفر بن زياد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شريك] .
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي صدوق تغير حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زياد بن فياض] .
زياد بن فياض ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن أبي عياض] .
أبو عياض عمرو بن الأسود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي.
[عن عبد الله بن عمرو] .
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (اجتنبوا ما أسكر) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن -يعني: ابن علي - حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك بإسناده قال: (اجتنبوا ما أسكر) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (اجتنبوا ما أسكر) يعني: اشربوا ما حل ولا تشربوا مسكراً.
قوله: [حدثنا الحسن يعني: ابن علي] .
كلمة (يعني) هذه يأتي بها من دون أبي داود؛ لأن أبا داود لا يحتاج إلى أن يقول: (ابن علي) وإنما الذي قالها هو من دون أبي داود؛ لأن أبا داود ينسب شيخه كما يريد، لكنه هنا ما ذكره إلا بلفظ الحسن فالذي دونه هو الذي قال (يعني: ابن علي) وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يحيى بن آدم] .
يحيى بن آدم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك بإسناده] .
شريك مر ذكره.



شرح حديث: (كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاءً نبذ له في تور من حجارة) ] .
أورد أبو داود حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء) ، والسقاء: هو الذي مر ذكره، وأن تلك الأسقية كانت تلاث أفواهها وتوكأ أفواهها، قال: (فإذا لم يجد سقاءً نبذ له بتور) ، وهو إناء من حجارة.



تراجم رجال إسناد حديث: (كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثني زهير] .
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الزبير] .
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر مر ذكره.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #723  
قديم 30-06-2025, 01:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [419]
الحلقة (451)





شرح سنن أبي داود [419]
جاء الشرع الحنيف بتحريم الأسباب الموصلة إلى الحرام، ومن ذلك تحريم الأسباب الموصلة إلى الخمر، ومن الأسباب الموصلة إلى الخمر الجمع بين خليطين في الانتباذ، وكذلك ترك النبيذ حتى يصير خمراً؛ وهذا يدل على أنه يجب على المسلم أن يبتعد عن الخمر وعن الأسباب الموصلة إليها.



باب في الخليطين



شرح حديث: (نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخليطين.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً، ونهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعاً) [.
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في الخليطين، والمقصود من ذلك في باب الأشربة هو: انتباذ نوعين من الأنواع كالتمر والبسر أو كالزبيب والعنب، أي: أنه لا يجمع بين اثنين فأكثر في وضعهما في وعاء وانتباذهما معاً أو انتباذ الأنواع المتعددة مع بعض، هذا هو المقصود من الترجمة وهو المقصود من الخليطين؛ لأن انتباذ شيء واحد سبق أن مر ما يدل عليه، وسيأتي ما يدل عليه، والترجمة معقودة لنوعين يخلطان وينبذان مع بعض، وقد ورد في الأحاديث النهي عن ذلك، وكثير من أهل العلم حمولها على التحريم، وعللوا ذلك بأنه يسرع إليه الإسكار، وقالوا: إن المنع جاء ولو لم يسكر؛ لأن النهي جاء عن خلطهما، ومعلوم أن الشيء الذي يسكر ممنوع حتى ولو كان من نوع واحد، والخلط ممنوع، والسبب: أنه يفضي إلى الإسكار أو يسرع إليه الإسكار، وقالوا: إن الإنسان يجب عليه أن يمتنع وألا يفعل ذلك، وإن فعل وشرب قبل أن يسكر فهو آثم، وإن شرب بعد الإسكار فهو آثم من الجهتين: من جهة أنه شرب خليطاً وقد منع من الخلط ونهي عن الخلط، ومن جهة أنه شرب مسكراً، ومن المعلوم أن المسكر حرام مطلقاً سواء كان من جنس واحد أو أكثر، ولكن الخلط هو الذي فيه التحريم ولو لم يكن معه الإسكار.
وقد أورد أبو داود أحاديث عديدة تدل على منع الخلط والنهي عنه، أي: بين نوعين من أنواع ما ينتبذ، فيمنع من ذلك ولا يفعل.
وبعض العلماء أجاز ذلك ما لم يصل إلى حد الإسكار،، لكن إن وجد شيء يدل على الجواز فيكون النهي محمولاً على التنزيه، وإن لم يوجد شيء فالأصل أنه يبقى على التحريم كما قاله الكثير من أهل العلم.
وقد أورد أبو داود أولاً حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً) أي: بأن ينبذ أو يطرح الزبيب والتمر مع بعض في وعاء ثم يتخذ نبيذاً قبل أن يسكر، فإن ذلك لا يجوز، ولو لم يحصل الإسكار، أما مع الإسكار فلا يسوغ لا من الواحد ولا من أكثر من واحد، فلا ينبذ التمر والزبيب جميعاً، وأما الزبيب ينبذ على حده والتمر ينبذ على حده فلا بأس.
وقوله: (ونهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعاً) الرطب هو: الذي استوى وطاب أكله وصار رطباً، والبسر هو: الذي لم يصل إلى كونه صار رطباً وإنما يكون زهواً أو يكون أخضر لم يصل إلى حد الاستواء ولم يصل إلى حد الاحمرار والاصفرار، فالجمع بينهما جمع بين نوعين وبين خليطين، وقد جاء النهي عن ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن أبي رباح] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.



شرح حديث أبي قتادة: (نهى عن خليط الزبيب والتمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثني يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه (أنه نهى عن خليط الزبيب والتمر، وعن خليط البسر والتمر، وعن خليط الزهو والرطب، وقال: انتبذوا في كل واحدة على حدة) ] .
أورد أبو داود حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه وفيه مثل الذي قبله من النهي عن انتباذ نوعين، أي: فأكثر؛ لأنه إذا لم يجز في نوعين فمن باب أولى ألا يجوز في أكثر من ذلك.
وهذا موقوف على أبي قتادة، ولكن الذي بعده من الطريق الثانية مرفوع.
وقوله: [(أنه نهى عن خليط الزبيب والتمر وعن خليط البسر والتمر، وعن خليط الزهو والرطب)] .
(الزهو): الذي احمر واصفر، ومعنى ذلك: أنه لا يخلط الرطب بنوع آخر، وكذلك (الزهو) لا يخلط بنوع آخر و (البسر والبلح) لا يخلط بنوع آخر، وإنما كل واحد ينبذ على حدة دون أن يجمع مع نوع آخر.
وقوله: [(وقال: انتبذوا كل واحدة على حدة)] .
يعني: كل واحد ينبذ وحده ليس معه غيره.



تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة: (نهى عن خليط الزبيب والتمر)
قوله: [حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل] .
أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان] .
أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي قتادة] .
عبد الله بن أبي قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



طريق أخرى لحديث أبي قتادة: (نهى عن خليط الزبيب والتمر) وتراجم رجال إسنادها
[قال: وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث] .
ذكر أبو داود طريقاً أخرى لـ يحيى بن أبي كثير اليمامي من غير طريق عبد الله بن أبي قتادة وإنما من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي قتادة مرفوعاً إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن] .
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قتادة] .
أبو قتادة رضي الله عنه قد مر ذكره.



حكم العصير المشكل
والعصير المشكل لا يدخل في هذا النهي؛ لأن العصير شيء يعصر ويشرب، وأما هذا فينتبذ ويخلط نوعان مع بعض، وهذا يكون سبباً لسرعة الإسكار.
وبعض العصائر مكونة من قطع فواكه كثيرة: موز وبرتقال تقطع وتنقع في الماء مع السكر فيقال: مادام أنه ليس بنبيذ وإنما عصر وجمع مع بعض وشرب؛ فلا بأس به.
وفي بعض البلدان يوضع التمر مع الزبيب والتين مع السكر في الماء لمدة ست ساعات تقريباً ثم يتناوله الصائم خصوصاً، وهذا من الخلط الذي نهي عنه.
والفرق بين هذا وبين العصير المشكل أن العصير المشكل يعصر من عدة أشياء ثم تشرب مع بعض، وهذا لا بأس به، أما إذا كانت تقطع قطعاً ثم تنبذ وتترك مدة فإنها تكون من جنس النبيذ، يعني: إذا كان هناك أنواع جمعت وتركت حتى مضى عليها وقت فإن هذا يؤدي إلى أنها تكون نبيذاً، وقد تصل إلى حد الإسكار، لكن إذا عصرت هذه الأشياء ووجد شيء من القطع أو شيء من بقايا العصر وما إلى ذلك فهذا لا يؤثر؛ لأن هذا لا يقال له: نبيذ، بل هذا عصير.



حكم خلط الشرابين بعد الانتباذ
وإذا انتبذ كل واحد على حدة ثم خلطهما بعد الانتباذ فإن الاحتياط الابتعاد عن ذلك، لكنه إذا خلطهما معاً وشربهما في الحال فليسا خليطين من ناحية أنه يسرع إليهما الإسكار، وإنما إذا نبذا مع بعض أسرع اليهما الإسكار، وأما إذا جمع بينهما وصب بعضها على بعض وشربها في الحال فهذا لا يؤثر؛ لأنه ليس هذا انتباذ.



شرح حديث: (نهى عن البلح والتمر والزبيب والتمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر النمري قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن رجل -قال حفص: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهى عن البلح والتمر، والزبيب والتمر) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نهى عن البلح والتمر) أي: أن يخلط بينهما (وعن الزبيب والتمر) أي: أن يخلط بينهما، والمقصود من ذلك: النهي عن أن يجمع بين نوعين وأن يخلط بينهما وأن يجعلا نبيذاً.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهى عن البلح والتمر والزبيب والتمر)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحفص بن عمر النمري] .
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[قالا: حدثنا شعبة] .
شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم] .
الحكم بن عتيبة الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى] .
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل] .
هو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية سليمان بن حرب قال: عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما حفص بن عمر النمري فقال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما جهالة غيرهم هي التي تؤثر، فتبين من وصف الرجل من طريق حفص بن عمر أنه صحابي، وجهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم.



شرح حديث: (كان ينهانا أن نعجم النوى طبخاً أو نخلط الزبيب والتمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ثابت بن عمارة حدثتني ريطة عن كبشة بنت أبي مريم قالت: (سألت أم سلمة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه؟ قالت: كان ينهانا أن نعجم النوى طبخاً أو نخلط الزبيب والتمر) ] .
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يعجموا النوى طبخاً وأن يجمعوا بين الزبيب والتمر) .
أي: أن يجمعوا بينهما في الخلط بأن يكونا خليطين.
وقوله: (نهانا أن نعجم النوى) فسر بأنهم يطبخون التمر حتى يؤثر ذلك على النوى بحيث يتغير لونه ويتغير شكله فيكون في ذلك عدم الفائدة الكبيرة للدواب؛ لأنه بذلك لا يبقى عليها أثر التمر وأثر الحلاوة وأثر الحلوى بخلاف ما إذا أكل التمر وأخرج النوى فإنه يبقى عليها شيئاً من الحلوى عالق بها، لكن إذا طبخ التمر فإنه يتأثر ويتغير لونه فيكون النوى نفسه لا يستفيد منه الحيوان كما يستفاد منه إذا أكل ومضغ وأخرج منه النوى، وقيل: نهي عن طبخه لأنه يؤثر على التمر ويؤثر في طعمه.



تراجم رجال إسناد حديث: (كان ينهانا أن نعجم النوى طبخاً أو نخلط الزبيب والتمر)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
يحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت بن عمارة] .
ثابت بن عمارة صدوق فيه لين، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثتني ريطة] .
ريطة بنت حريث لا تعرف، أخرج حديثها أبو داود.
[عن كبشة بنت أبي مريم] .
كبشة بنت أبي مريم لا يعرف حالها، أخرج لها أبو داود.
[قالت: سألت أم سلمة] .
أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هند بنت أبي أمية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه هاتان المجهولتان فهو غير ثابت، ولكن من ناحية النهي عن الخليطين أو عن الجمع بين الزبيب والتمر فقد جاء ما يشهد له في الأحاديث السابقة.



شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له زبيب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بني أسد عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقي فيه تمراً، وتمر فيلقي فيه الزبيب) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقي فيه تمراً، وتمر فيلقي فيه الزبيب) يعني: أنه جمع بين خليطين، وهذا لو صح لكان حجة في أن النهي يحمل على التنزيه، لكن الحديث لم يصح؛ لأن فيه امرأة مبهمة من بني أسد، فهو غير ثابت.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له زبيب)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود] .
عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن مسعر] .
مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن عبد الله] .
موسى بن عبد الله ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل وابن ماجة.
[عن امرأة من بني أسد عن عائشة] .
هذه المرأة مبهمة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث عائشة: (كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن يحيى الحساني حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز الحماني حدثتني صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة رضي الله عنها فسألناها عن التمر والزبيب فقالت: (كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة: فسألناها عن التمر والزبيب فقالت: (كنت آخذ قبضة تمر وقبضة من زبيب فأمرسها) يعني: أنها تدلكها بأصابعها حتى تطلع الحلاوة التي فيها فتعطيها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا إذا كان في الحال فأمره سهل، ولكن إذا كان انتباذاً ومكث مدة فإنه كما مر يسرع إليه الإسكار، والإسناد فيه رجل ضعيف وهو أبو بحر، فالحديث غير ثابت.



تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء)
قوله: [حدثنا زياد بن يحيى الحساني] .
زياد بن يحيى الحساني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو بحر] .
أبو بحر هو عبد الرحمن بن عثمان البكراوي ضعيف، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عتاب بن عبد العزيز الحماني] .
عتاب بن عبد العزيز الحماني مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثتني صفية بنت عطية] .
صفية بنت عطية مجهولة، أخرج لها أبو داود.
[عن عائشة] .
عائشة مر ذكرها.



حكم غلي الزبيب والشعير والخلط بين أنواع من الفواكه
في بعض البلدان يجعل العصار زبيباً وشعيراً يغليهما على النار مع سكر من الليل، ويضعه في الثلاجة إلى اليوم الثاني، ثم يباع ويشتري الناس منه، وهذا خلط بين شيئين وقد جاء النهي عنه.
وفي بعض البلدان يجعلون أنواعاً من الفواكه قطعاً صغيرة في ماء حلو وبعد ساعات يؤكل، وهذا إذا كان يترك ساعات وقد يسرع إليه الإسكار فليس خارجاً عما تقدم من الجمع بين الأنواع والخلط بينها في النبذ.



حكم الانتباذ في الحليب
وبعض الناس يسأل ويقول: ما حكم الانتباذ في الحليب وجمع خليطين في حليب أو غيره بحيث لا يكون ماءً؟
و الجواب أنه ممنوع حتى ولو كان حليباً؛ لأن النتيجة واحدة، فلو لم يكن ماءً فيمكن أن يصير الإسكار مع الحليب بل الحليب يتغير طعمه إلى الحموضة.



باب في نبيذ البسر



شرح أثر جابر بن زيد وعكرمة: (أنهما كانا يكرهان البسر وحده ويأخذان ذلك عن ابن عباس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نبيذ البسر.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن جابر بن زيد وعكرمة: (أنهما كانا يكرهان البسر وحده ويأخذان ذلك عن ابن عباس، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أخشى أن يكون المزاء الذي نهيت عنه عبد القيس.
فقلت لـ قتادة: ما المزاء؟ قال: النبيذ في الحنتم والمزفت) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في نبيذ البسر، ونبيذ البسر هو كغيره من النبيذ، في كونه ينبذ ويصل إلى حد الإسكار، وإذا وصل إلى حد الإسكار فإنه لا يجوز، وإذا شرب قبل أن يسكر فإنه سائغ ما دام نوعاً واحداً ليس معه غيره، وقد جاء في هذا الإسناد من كراهيته عن ابن عباس وقوله: أخشى أن يكون المزاء، وفسر قتادة المزاء بأنه النبيذ في الحنتم والمزفت، لكن سبق أن مر بنا أن هذا كان منهياً عنه في أول الأمر، وأن الانتباذ في الأوعية الغليظة كان ممنوعاً ثم رخص فيه بشرط ألا يشرب الناس مسكراً، وابن عباس رضي الله عنه لم يجزم بالتحريم، وإنما قال: أخشى أن يكون المزاء الذي نهيت عنه عبد القيس، يعني: النبيذ في المزفت والحنتم، ومعلوم أن الذي نهيت عنه عبد القيس أبيح أخيراً، وعلى هذا فالبسر كغيره لا فرق بينه وبين غيره، فإذا انتبذ ولم يصل إلى حد الإسكار فإنه يدخل تحت قوله: (انتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) .



تراجم رجال إسناد أثر جابر بن زيد وعكرمة: (أنهما كانا يكرهان البسر وحده ويأخذان ذلك عن ابن عباس)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي] .
معاذ بن هشام بن عبد الله الدستوائي صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن زيد] .
جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعكرمة] .
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



رأي ابن عباس في نبيذ البسر
هذا رأي لـ ابن عباس؛ ولكنه لم يجزم بالحرمة، ثم النهي عن الانتباذ في الحنتم والمقير أو المزفت كان في أول الأمر ونسخ كما مر في الدرس الماضي في الطرق المتعددة عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما، وقد جاء حديث بريدة بن حصيب الذي فيه الناسخ والمنسوخ وفيه قوله: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا في أي وعاء ولا تشربوا مسكراً) ، والأحاديث جاءت مطلقة في النهي عن الجمع بينهما فتبقى على ما هي عليه دالة على الحرمة إلا إن ثبت شيء ينقلها من كراهة التحريم إلى كراهة التنزيه، وكثير من الفقهاء والمحدثين قالوا: الجمع منهي منه ولو لم يسكر، وإن حصل الإسكار صار منهياً عنه من الجهتين، ويأثم لو شربه وهو لم يسكر؛ لأنه داخل تحت ما نهي عنه، لكن أنا أقول: إن هذه الأحاديث الصحيحة إن وجد من النصوص شيء يدل على الجواز فيكون له وجه في نقله من التحريم إلى التنزيه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #724  
قديم 30-06-2025, 01:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



صفة النبيذ




شرح حديث: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد علمت من نحن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صفة النبيذ.
حدثنا عيسى بن محمد حدثنا ضمرة عن السيباني عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمت من نحن ومن أين نحن؛ فإلى من نحن؟ قال: إلى الله وإلى رسوله، فقلنا: يا رسول الله! إن لنا أعناباً ما نصنع بها؟ قال: زببوها، قلنا: ما نصنع بالزبيب؟ قال: انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم، وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم، وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل؛ فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلاً) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في صفة النبيذ، يعني: أن النبيذ الذي يسوغ شربه ويسوغ استعماله هو الذي لم يصل إلى حد الإسكار، وذلك بأن يترك مدة لا يصل فيها إلى حد الإسكار ثم يشرب.
وقد أورد أبو داود حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمت من نحن ومن أين نحن) وقوله: (علمت من نحن) يعني: القبيلة، وقوله: (ومن أين نحن) يعني: من البلد، ثم قال: (فإلى أين نحن؟ قال: إلى الله ورسوله) يمكن أن يحمل معنى هذا على أنهم صائرون إلى ما يأتي عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ويلتزمون بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامة وبركاته عليه.
وقوله: [(فقلنا: يا رسول الله! إن لنا أعناباً ما نصنع بها؟)] .
يظهر من السؤال أن الأعناب كانت عندهم كثيرة وأنها تزيد عن حاجتهم في استعمالها فاكهة، فقال: (زببوها) أي: حولوها إلى زبيب، يعني: يبسوها حتى تكون زبيباً، والزبيب يستعمل طول السنة.
وقوله: [(قلنا: ما نصع بالزبيب؟ قال: انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم)] .
هذا هو محل الشاهد، وهو بيان النبيذ الذي يجوز استعماله، والمعنى: انبذوه في وقت غدائكم واشربوه في وقت عشائكم، وانبذوه في وقت عشائكم واشربوه في وقت غدائكم، يعني: أن الغداء يكون في أول النهار والعشاء في آخر النهار، ففي وقت الغداء ينبذونه للعشاء ويضعونه في وعاء حتى يصير نبيذاً وحتى يختلط بالماء ثم يشرب في وقت مبكر وهو لم يصل إلى حد الإسكار؛ لأن هذه الفترة قصيرة لا يصل فيها إلى حد الإسكار، فقوله: (انبذوه على غدائكم) يعني: في وقت غدائكم، واشربوه في وقت عشائكم.
وقوله: (وانبذوه في وقت عشائكم واشربوه في وقت غدائكم) يعنى: أن الذي ينبذ في وقت العشاء يشرب مع الغداء والذي ينبذ في وقت الغداء يشرب مع العشاء، فيكون هذا من النبيذ المباح الذي فعله سائغ وشربه سائغ؛ لأنه لا يصل إلى حد الإسكار.
وقوله: [(وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل)] .
الشنان هي القرب التي تؤخذ من الجلود، وغالباً أن الجلد إذا كان قديماً يقال له: شن، وأما إذا كان جديداً فيمكن أن يقال له: شن، لكن الغالب أنه يستعمل في الشيء القديم الذي تغير أو حصل له اسوداد بسبب طول المكث بخلاف الشيء الجديد فإنه يختلف لونه عن لون القديم.
والقلل هي الجرار وغيرها، لكن عرفنا فيما مضى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في القلل ولكنه رخص فيه في الآخر كما جاء في حديث بريدة حيث قال: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) .
وقوله: [(فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلاً)] .
يعني: إذا طال مكثه فإنه يتغير.



تراجم رجال إسناد حديث: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد علمت من نحن)
قوله: [حدثنا عيسى بن محمد] .
عيسى بن محمد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ضمرة] .
ضمرة صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن السيباني] .
السيباني هو يحيى بن أبي عمرو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه] .
عبد الله بن فيروز الديلمي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
وأبوه هو فيروز الديلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب السنن.



شرح حديث: (كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى أعلاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكأ أعلاه وله عزلاء، ينبذ غدوة فيشربه عشاءً وينبذ عشاء، فيشربه غدوة) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهو مثل الذي قبله، يعني: أنه كان ينبذ له عشاءً فيشرب غدوة، وينبذ له غدوة فيشرب عشاءً، يعني: أنه كان ينبذ له عند الغداء فيشربه عند العشاء، ثم ينبذ له عند العشاء فيشربه عند الغداء كما مر في الحديث السابق.
وهذه الفترة ليست تحديداً بمعنى أنه لا يجوز الزيادة عليها، وإنما فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل ذلك، وسيأتي في بعض الأحاديث أنه يستعمل أكثر من هذه المدة.
وقوله: (وله عزلاء) قيل: العزلاء هي الفتحة التي تكون في أسفله تجعل ليشرب منها.



تراجم رجال إسناد حديث: (كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى أعلاه)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى] .
محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي] .
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن عبيد] .
يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن عن أمه] .
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأمه اسمها خيرة وهي مقبولة، أخرج لها مسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة] .
عائشة قد مر ذكرها.



شرح حديث عائشة: (كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت شبيب بن عبد الملك يحدث عن مقاتل بن حيان قال: حدثتني عمتي عمرة عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة فإذا كان من العشي فتعشى شرب على عشائه، وإن فضل شيء صببته أو فرغته، ثم تنبذ له بالليل فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، قالت: يغسل السقاء غدوة وعشية، فقال لها أبي: مرتين في يوم؟ قالت: نعم) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة وهو مثل الذي قبله، وفيه: (أنها كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة فإذا كان من العشي فتعشى شرب على عشائه) يعني: أن الذي تنبذه له في وقت الغداء يشربه في وقت العشاء مع عشائه، قالت: (وإن فضل شيء صببته أو فرغته) يعني: أن الذي يبقى في الإناء تصبه وتفرغه، ويمكن أنها تطعمه وإلا فإنه يتلف، لكنها لا تبقيه؛ لأن الإناء ينظف ويغسل بعد أن يشرب ما فيه، وذكرت أنه يغسل مرتين، فالذي فيه لا يبقى بحيث يضم إليه شيء آخر، وإنما يصب ويفرغ ذلك السقاء حتى يكون خالياً ثم ينبذ فيه مرة ثانية.
وهذا مثل الذي قبله، فيه انتباذ في الصباح وشرب في المساء أو انتباذ في المساء وشرب في الصباح، والحديث وإن كان فيه هذه التي لا تعرف لكنه مماثل لما تقدم.
وقوله: (فقال لها أبي مرتين في يوم؟ قالت: نعم) أي: فقال أبو عمرة لـ عائشة، كما في تحفة الأشراف وتهذيب الكمال.



تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا المعتمر] .
المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت شبيب بن عبد الملك] .
شبيب بن عبد الملك صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[يحدث عن مقاتل بن حيان] .
مقاتل بن حيان صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[قال: حدثتني عمتي عمرة] .
عمرة لا يعرف حالها أخرج لها أبو داود.
[عن عائشة] .
عائشة قد مر ذكرها.



شرح حديث: (كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي عمر يحيى بن عبيد البهراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيسقى الخدم أو يهراق) .
قال أبو داود: ومعنى يسقى الخدم: يبادر به الفساد.
قال أبو داود: أبو عمر يحيى بن عبيد البهراني] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة) يعني: أنه كان ينبذ له ثلاثة أيام، يعني: اليوم والغد واليوم الثالث إلى المساء ثم إذا بقي منه شيء فإنه يسقى للخدم، يعني: يبادر به حتى لا يسكر وحتى لا يصل إلى حد الإسكار، فإما أن يستفاد منه وإما أن يصل إلى حد الإسكار فيهراق؛ لأن بقاءه يؤدي إلى فساده ما دام أنه لم يوجد من يشرب منه، والمقصود بإعطائه الخدم: إسقاؤه لمن يستفيد منه قبل أن يصل إلى حد الإسكار.
وقوله: [قال أبو داود: معنى يسقى الخدم: يبادر به الفساد] .
يعني يبادر به حتى يستفاد منه قبل أن يفسد، كما قال الله عز وجل: {وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء:6] يعني: أنهم يأكلون أموالهم قبل أن يحصل أن يكبر اليتامى، فقوله: {وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء:6] يعني: مبادرة إلى أخذ الشيء من أموالهم قبل أن يكبروا فتسلم لهم، وهنا يبادر به الإسكار يعني: قبل أن يسكر حتى يستفاد منه ما دام أنه مباح وحلال حيث لم يصل إلى حد الحرام، وكأنه بهذا إذا زاد على ثلاثة أيام يصل إلى حد الإسكار.
وقيل في التوفيق بين هذا الحديث والحديث الذي قبله من جهة يوم وليلة أن ما ينتبذ في الصباح يشرب في المساء وما ينبذ في المساء يشرب في الصباح: لا تنافي بين هذا وهذا، فإما أن يكون هذا جزءاً وهو داخل في الذي بعده، وذاك إخبار عن واقع وهذا أيضاً إخبار عن واقع، ووجود الأصغر مع الأكبر لا تنافي بينهما فإن الأصغر داخل في الأكبر، أو أن هذا يختلف باختلاف الأزمان وباختلاف البرودة والحرارة، وأنه إذا كان في حال البرودة يمكث مدة طويلة وإذا كان في حال الحرارة لا يمكث مدة طويلة.
والحاصل: أنه لا تنافي بين هذا وهذا، والمهم ألا يصل إلى حد الإسكار في هذا وفي هذا.



تراجم رجال إسناد حديث: (كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد] .
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو معاوية] .
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] .
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عمر يحيى بن عبيد البهراني] .
أبو عمر يحيى بن عبيد البهراني صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره.



الأسئلة



حكم إسقاء البهائم النبيذ المسكر
السؤال إذا وصل النبيذ إلى حد الإسكار أيجوز أن يسقى البهائم؟
الجواب لا تسقى، بل يراق ويتلف.



معنى قول أبي داود يبادر به الفساد
السؤال هل يستفاد من قول أبي داود: يبادر به الفساد أنه يجوز إلقاء فضلات الطعام؟
الجواب تعطى لمن يستفيد منها ولا تلقى، هذا هو الذي ينبغي، والمقصود بقوله: (يبادر به) يعني: أنه يعطى لمن يستحقه قبل أن يصل إلى حد الفساد؛ لأنه إذا لم يعط لمن يستفيد منه سيحصل له الفساد، وليس معنى ذلك أنه بعدما يحصل له الفساد يبادر به وإنما يبادر به قبل أن يفسد، فما دام أنه يستفاد منه لا يلقى وإنما يعطى لمن يستفيد منه، وإنما الذي يلقى ويتلف هو الذي لا يصلح أن يشرب ولا يصلح أن يستعمل، وهو الذي وصل إلى حد الإسكار.



حكم عصير الفواكه المشكل
السؤال يباع في الأسواق علب فواكه مشكلة مخلوطة ومعها ماء فهل تدخل في هذا النهي؟
الجواب هذه الفواكه وهذه العصائر لا تدخل في النهي؛ لأنها ليست مسكرة وليست من قبيل ما يسكر.



الفرق بين النقع والانتباذ
السؤال ما الفرق بين النقع والانتباذ؟
الجواب النقع بمعنى الانتباذ، وكون الشيء ينقع معناه: أنه يوضع في الماء حتى يذوب وحتى يختلط، فالظاهر أنه لا فرق بين النقع وبين الانتباذ.



حكم نقيع الأعشاب
السؤال وضع عدة أعشاب في ماء دافئ من الليل حتى الصباح لتشرب هل هذا يعتبر من نبيذ الخليط المنهي عنه؟
الجواب إذا كان المقصود بها أدوية فالذي يبدو أنه لا محذور فيها؛ لأن هذه ليست من الأطعمة التي إذا حصل الجمع بينها يحصل الإسكار أو يبادر فيها الإسكار.



حكم السوبيا
السؤال ما حكم السوبيا الموجودة الآن، وهي شعير مع هيل وخبز وسكر يترك ليوم كامل ثم يصفى ويجعل منه عصير، علماً أنه لو مكث في الحرارة يؤدي إلى السكر على كلام كثير من الناس؟
الجواب وردت الأحاديث دالة على المنع من الخلط بين نوعين فأكثر وإن لم يسكر، والهيل أمره سهل، وإنما الكلام على الخبز الذي يكون معه.



حكم وضع أنواع متعددة في ماء حلو أو مالح
السؤال وضع أنواع متعددة في ماء حلو أو مالح هل يعتبر انتباذاً خصوصاً أن الماء السكري أو المالح من طرق حفظ الأطعمة؟
الجواب إذا كان فيه أنواع متعددة مثل التمر والعنب أو التمر والزبيب فهذا هو نفس الخليطين.



حكم الطرشي
السؤال ما حكم الطرشي، وهو قطع من الخضار تنقع في ماء مالح أو في خل؟
الجواب الطرشي كما هو معلوم هو خل إلا أنه موضوع في شيء حامض فيكون الماء حامضاً والقطع التي تكون فيه حامضة، لكن هل يترك مدة وتجمع فيه عدة أشياء في وقت واحد بحيث تمكث مدة أم لا؟ إذا كانت عدة أشياء فهي داخلة في الخليط، إلا إذا كان على اعتبار أنه لا يتحلل، وفيه قطع لا تتحلل؛ لأن التمر والعنب أشياء تحلل، لكن مثل هذه الأشياء كالجزر ونحوه يبقى على قساوته وعلى تماسكه ولا يتحلل والخيار مثله إلا أنه أخف منه قساوة, وفي الغالب أنه تدخل الحموضة في هذه الأشياء، والحموضة ما جاءت من جهة المكث وإنما جاءت من جهة كونه جعل في خل ووضعت فيه هذه الأشياء فصار فيه طعم الخل.
فالتمر أكل والزبيب أكل وينبذ في الماء ثم يتحول إلى شيء، ويقال له: نبيذ، ووضع الجزر ووضع الخيار مع الخل من أجل أن يدخله حموضة ليطيب أكله ولا ينبذ في الماء لا يكون نبيذاً؛ لأن الانتباذ هو في الماء كما هو معلوم، والماء يتغير لونه بسبب الشيء الذي نبذ فيه، لكن الجزر لا يوضع في الماء ولا يوضع الخيار في الماء وإنما يوضع في الخل من أجل أن يدخل فيه الحموضة فيطيب أكله، فلا يكون من قبيل النبيذ في الحقيقة؛ وذلك من جهة أن النبيذ إنما ينتبذ في ماء ويتغير لونه فبدل ما يكون ماءً يصير له اسماً آخر غير الماء، يقال له: نبيذ، وأما وضع الجزر في الماء ووضع الخيار ونحوه فإن الناس لا يضعونه من أجل أن يصير نبيذاً، وإنما يضعونه في خل من أجل أنه يتغير ثم يغمس به ويأكل، وعلى هذا فلا يقال: إن هذا من قبيل النبيذ.



منع الخلط بين نوعين فأكثر في الانتباذ
السؤال هل الممنوع هو الخلط بين الفواكه والحبوب أم أن الخلط ممنوع مطلقاً؟
الجواب الحديث دل على أنه لا يجمع بين نوعين فأكثر.



حكم الخل
السؤال قوله في حديث: (ولا تنبذوه في القلل فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلاً) هل يفهم منه تحريم الخل؟
الجواب لا؛ لأنه كما هو معلوم الخل ليس شراباً يشرب؛ لأنه حامض، يغمس به شيء يؤكل عليه، أما كونه يشرب فلا؛ لأن الخل لا يشرب.



بيان متى يمنع وضع قطع مختلفة من الفواكه في الماء الحلو
السؤال وضع قطع مختلفة من الفواكه في الماء المحلى بالسكر ثم شربه وأكله هل هو ممنوع مطلقاً أم إذا أسكر؟ وإذا صنع وشرب مباشرة هل يمنع كذلك؟
الجواب إذا فعل ذلك وشربه أو أكله في الحال فلا بأس، وإنما المنهي عنه كونه يوضع وينتبذ؛ لأن الانتباذ معناه أنه يتحلل ويتغير لون الماء، وأما إذا فعل في الحال مثل كونه يأكل هذا على حده وهذا على حده أو يأكل قطعة من هذه ثم قطعة من هذه مستقلة فهذا من جنسه، وكونه جمعهما في إناء واحد وصب بعضهما على بعض، لا بأس به.



حكم الفواكه المشكلة المعلبة
السؤال هذه الفواكه المشكلة المعلبة تكون صالحة لمدة سنة ولا تتحلل ولو فتحت العلبة ترى فيها قطعاً من الأناناس ومن التفاح ومن الموز وغيرها فما حكمها؟
الجواب كأنه يبقى بعد العصر شيء من الفتات، وكأن العصر يكون خفيفاً فلا تكون كلها قطعاً صغيرة، وعلى كل لو وجد شيء يدل على جواز الخلط يكون النهي محمولاً على كراهة التنزيه، فالشأن هو في وجود شيء يصرف التحريم إلى التنزيه، فإذا وجد شيء يصرف من التحريم إلى التنزيه فلا إشكال.



الفرق بين أسانيد السير والمغازي وأسانيد أحاديث الأحكام
السؤال هل صحيح أن الأسانيد التي جاءت في السير والمغازي لا تعامل معاملة الأسانيد التي جاءت في أحاديث الأحكام؟
الجواب هذا ليس بصحيح؛ بل لا يثبت شيء في السيرة ولا في غير السيرة إلا إذا جاء بأسانيد صحيحة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #725  
قديم 30-06-2025, 01:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [420]
الحلقة (452)




شرح سنن أبي داود [420]
أحل الله عز وجل الطيبات وحرم الخبائث، فعلى المسلم أن يأكل ما حل وطاب، كما أن عليه أن يجتنب ما خبث وحرم، ومن الطيبات التي أحلها الله عز وجل العسل.
ومما يجب على المرء المسلم أن يعلمه أنه لا يجوز له أن يحرم ما أحل الله أو يحلل ما حرم الله؛ فإن ذلك من خصائص الله عز وجل.
باب في شراب العسل
شرح حديث (أن النبي كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في شراب العسل.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: عن عطاء أنه سمع عبيد بن عمير قال: سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تخبر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي الله عنها فيشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة رضي الله عنهما أيتنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهن فقالت له ذلك، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له؛ فنزلت: (( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ )) [التحريم:1] إلى (( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ )) [التحريم:4] لـ عائشة وحفصة رضي الله عنهما: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم:3] لقوله: صلى الله عليه وسلم: بل شربت عسلاً)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في شراب العسل، وشرب العسل هو من أنفع الأشياء وأحلاها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى والعسل.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي الله عنها وكانت تسقيه عسلاً، فتواصت عائشة مع حفصة رضي الله تعالى عنهما أنه إذا جاء عند واحدة منهما تقول كل واحدة له: إني أجد منك ريح مغافير، فلما جاء عند عائشة قالت له ذلك فقال: بل شربت عسلاً ولن أعود إلى ذلك) أي: إلى شرب العسل الذي كان عند زينب رضي الله تعالى عنها، والمغافير هي: ثمر لنبت يكون فيه حلاوة ولكن فيه رائحة كريهة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الرائحة الطيبة ويكره الروائح الغير حسنة، فلما قالت له ذلك خشي أن يكون هذا الشيء الذي يشربه فيه ريح غير طيبة، وكان يحب الرائحة الطيبة ويكره الروائح الغير طيبة، ولذا قال: (بل شربت عسلاً ولن أعود إلى ذلك) والمغافير هو نوع من الثمر ترعاه النحل ثم يخرج منه العسل، فيكون في ذلك العسل رائحة ذلك الذي رعته، ومن المعلوم أن العسل يختلف باختلاف المراعي، يعني: أن جودته ورداءته وحسن رائحته وعدمها تكون باختلاف المراعي التي ترعاها النحل، فالنبي صلى الله عليه وسلم ظن أن هذا العسل الذي شربه من عند زينب من هذا القبيل الذي فيه حلاوة وترعاه وتجرسه النحل ويظهر منه تلك الرائحة التي تكون في تلك الثمرة.
فالحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشرب العسل وكان يحب الحلوى والعسل كما سيأتي، وكانت إحدى أم المؤمنين تسقيه شيئاً من العسل، وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة غرن مما قد حصل من زينب فتواصين عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لن يعود فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] ، وهذا هو سبب نزول هذه الآية، وقيل: إن سبب نزولها أيضاً كونه حرم مارية على نفسه وهي سريته وقال: إنه لن يطأها، وبعد ذلك أمره الله عز وجل أن يأتي بكفارة اليمين لما كان قد حلف عليه أو امتنع منه، فيحنث فيما عزم عليه ويحل له ذلك الشيء الذي عزم على الامتناع منه، وقد جاء فيما ذكره أبو داود في هذا الحديث عن عائشة بيان سبب نزول هذه الآية، وجاء أيضاً سبب النزول فيما يتعلق بـ مارية القبطية أم ولده إبراهيم.
قوله: [(فدخل على إحداهن فقالت له ذلك فقال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له)] .
هذا هو وجه التحريم أو الامتناع الذي حصل منه بقوله: (لن أعود له) يعني: شرب العسل، والسبب في ذلك: أنه خشي أن يكون فيه رائحة كريهة من ذلك الثمر الذي رعته النحل.
وهذا الحديث ورد بصيغة التحريم وورد أنه أقسم أنه لن يعود.
قوله: (فنزلت (( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي )) [التحريم:1] إلى: (( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ )) [التحريم:4] )].
هذا فيه عتاب لـ عائشة وحفصة: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] ، فضمير المثنى المراد به عائشة وحفصة فهما اللتان تواصتا على أن تقولا هذا الكلام.
وفي الحديث الثاني ذكر سودة، فيحتمل أن يكون فيه خطأ أو أن تكون قصة ثانية، فإما هذا وإما هذا.
وقوله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم:3] هو قوله صلى الله عليه وسلم: (بل شربت عسلاً) ، هذا هو الحديث الذي أسره.
والإسرار هنا المراد به: أنه حصل كلام بينه وبينها، يعني: خاص بينه وبينها ولكنه بعد ذلك فشا.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يمكث عند زينب جحش فيشرب عندها عسلاً)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج بن محمد] .
حجاج بن محمد الأعور المصيصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال ابن جريج] .
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عبيد بن عمير] .
عبيد بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (ولن أعود له)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ولن أعود له) الذي يبدو أنه للعسل الذي عند زينب وليس للعسل مطلقاً.
والتحريم هنا في قوله: لن أفعل كذا معناه: أنه يمنع نفسه منه ويحرم نفسه منه.
الراجح من الروايات في تسمية اللاتي تظاهرن على النبي صلى الله عليه وسلم
نقل صاحب عون المعبود عن القاضي عياض تصحيح الرواية الأولى التي فيها حفصة وعائشة وأنه قال: واعلم أن في هذا الحديث -أي: حديث عائشة من طريق عبيد بن عمير - أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش وفي الحديث الآتي -أي: حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - أن شرب العسل كان عند حفصة وأن عائشة وسودة وصفية هن اللواتي تظاهرن عليه، ثم قال القاضي عياض: والصحيح الأول.
أي: أنه بين حفصة وبين عائشة؛ لأنها قصة واحدة.
قال النسائي: إسناد حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج صحيح جيد غاية.
وقال الأصيلي: حديث حجاج أصح، وهو أولى بظاهر كتاب الله تعالى وأكمل فائدة، يريد قوله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم:4] وهما ثنتان لا ثلاث، وهما: عائشة رضي الله عنها وحفصة رضي الله عنها كما ذكره عمر رضي الله عنه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد انقلبت الأسماء على الراوي في الرواية الأخرى الذي فيه أن الشرب كان عند حفصة.
قال القاضي: والصواب أن شرب العسل كان عند زينب، وذكره القرطبي والنووي، وقاله الشيخ علاء الدين في لباب التأويل.
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، فذكر بعض هذا الخبر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن توجد منه الريح، وفي هذا الحديث قالت سودة رضي الله عنها: بل أكلت مغافير، قال: بل شربت عسلاً سقتني حفصة، فقلت: جرست نحله العرفط، نبت من نبت النحل) .
قال أبو داود: المغافير: مقلة وهي صمغة، وجرست: رعت، والعرفط: نبت من نبت النحل] .
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى وفيه أن الذي سقته اللبن هي حفصة، وأنها ليست ممن عني بقوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4] ؛ لأنها هي الساقية، ولكن على الرواية الأولى الساقية هي زينب بنت جحش، فإذا كانت القصة واحدة فالراجح والمحفوظ هو الطريق الأولى التي هي عن عبيد بن عمير عن عائشة وإن كانت القصة متعددة فمحتمل.
وقوله: (جرست نحله العرفط) ].
يعني: أكلت؛ لأن الجرس هو: أكل النحل العرفط الذي هو ثمر نبت من نبت النحل، يعني: من الأشياء أو النباتات التي تأكلها النحل, ومعلوم أن العسل الذي يحصل من النحل جودته وحسنه تابع لمرعاه ولرعيه، وهو يختلف باختلاف المراعي، وإذا كان المرعى الذي رعاه فيه رائحة فإن تلك الرائحة تظهر في العسل؛ لأنه مأخوذ منه والعسل نتيجة الرعي.
[قال أبو داود: المغافير: مقلة وهي صمغة] .
يعني: أن المغافير ثمر نبت يقال له: مقلة وهي صمغة، يعني: مثل الصمغ؛ لأنه حلو ولكن له رائحة.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا أبو أسامة] .
أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام عن أبيه عن عائشة] .
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعائشة قد مر ذكرها.
التعليق على كلام النسفي في نسبته الزلل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
جاء في العون عن النسفي أنه قال: وكان هذا زلة من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله.
وهذا كلام غير جيد، والرسول امتنع من هذا الشيء من أجل أنه ذكر له أن فيه رائحة كريهة وهو كان يحب الرائحة الطيبة ويكره الرائحة الكريهة، فعزم على ألا يعود إلى ذلك الشيء الذي شم منه رائحة غير طيبة، وهو عليه الصلاة والسلام كان يحب الطيب ويحب الرائحة الطيبة ويكره الروائح الغير الحسنة.
قال صاحب العون رحمه الله تعالى: وكذلك الحديث الذي يتعلق بـ مارية جاء من طرق صحيحة لكنها ليست في الصحيحين ولكنها ثابتة.
أي: أن ما يتعلق بالنسبة لـ مارية عند النسائي وعند ابن جرير من طريق صحيحة، وفيها أنه حلف أنه لا يقربها وأنه لا يعود إليها.
باب في النبيذ إذا غلى
شرح حديث أبي هريرة (علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النبيذ إذا غلى.
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا زيد بن واقد عن خالد بن عبد الله بن حسين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش، فقال: اضرب بهذا الحائط؛ فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في النبيذ إذا غلى؛ لأنه إذا غلى وقذف بالزبد فمعناه أنه وصل إلى حد الإسكار أو قارب الإسكار، وعلامته أنه يغلي ويقذف بالزبد، وهذا علامة على أنه وصل إلى الحالة السيئة.
وأبو هريرة رضي الله عنه يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً فتحين أن يأتي له بنبيذ يفطر عليه صلى الله عليه وسلم، ولما أتى به إذا هو ينش، يعني: كأنه يغلي وحصل له علامة التخمر أو ظهر منه التخمر، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: (اضرب بهذا الحائط) يعني: أنه يسكبه في حائط ويتخلص منه، وقال: (إن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر) ؛ لأن الخمر محرم لا يجوز شربه، فدل هذا الحديث أن غليانه وقذفه بالزبد علامة الإسكار.
قوله: [(علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء)] .
الدباء هو المذكور في حديث وفد عبد القيس الذي فيه النهي عن الدباء والحنتم والمقير والمزفت والنقير، وقد ذكرنا فيما مضى أنه جاء تحريم كما الانتباذ في هذه الأوعية في أول الأمر ثم بعد ذلك نسخ التحريم كما في حديث بريدة بن الحصيب عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) ، فهذا الدباء من الأشياء الغليظة التي قد يحصل تغير ما داخلها ولا يظهر على الغلاف من خارجه، بخلاف السقاء فإنه إذا وجد تغير في الداخل ظهر على الخارج، وتبين تغيره على سطحه من الخارج.
قوله: [(ثم أتيته به فإذا هو ينش)] .
يعني: أنه عندما وصل إليه تبين أنه ينش، يعني أن فيه علامة الإسكار فقال: (اضرب به هذا الحائط؛ فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر) يعني: الخمر، وذكر الإيمان بالله واليوم الآخر يأتي كثيراً في القرآن والحديث؛ وذلك أن الإيمان بالله عز وجل هو أصل الأصول؛ لأن أصول الإيمان ستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويأتي في كثير من الأحاديث الجمع بين الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله هو أصل الأصول وكل إيمان بغيره فهو تابع للإيمان به، ومن لا يؤمن به لا يؤمن بالملائكة ولا بالكتب ولا بالرسل، فهو مثل شهادة (أن لا اله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) بالنسبة لأركان الإسلام، فالإيمان بالله هو أصل لأصول الإيمان الأخرى الباقية التي هي: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما أن الشهادتين أصل لأركان الإسلام الخمسة، فكل عمل لم يكن مبنياً على الشهادتين فإنه لا عبرة به، وكل إيمان لا يكون مبنياً على الإيمان بالله فإنه لا عبرة به، فيأتي الإيمان بالله لأن الإيمان بالله هو الأصل، والإيمان باليوم الآخر يؤتى به لأن فيه التنبيه على يوم الحساب، وأن على الإنسان أن يستعد ويتهيأ لذلك اليوم، فإذا كان المقام مقام ترغيب فهو حث على ذلك العمل، وإن كان المقام مقام ترهيب فهو تحذير من ذلك العمل، وهنا المقام مقام ترهيب؛ لأنه قال: (شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر) ، وهذا تحذير وترهيب من هذا النبيذ الذي وصل إلى حد الغليان.
ومثل هذا فيما يتعلق بالتحذير والترهيب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم) ؛ لأن هذا من باب الترهيب من السفر بدون محرم، وفي باب الإثبات قال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وهذا ترغيب، وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، وهذا ترغيب، وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، وها ترهيب، وهكذا.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم)
قوله: [حدثنا هشام بن عمار] .
هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا صدقة بن خالد] .
صدقة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا زيد بن واقد] .
زيد بن واقد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن خالد بن عبد الله بن حسين] .
خالد بن عبد الله بن حسين مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (هذا شراب من لا يؤمن بالله)
قوله: (هذا شراب من لا يؤمن بالله) لا يدل على الكفر، وإنما نفى الإيمان الكامل أو الإيمان الواجب، وليس النفي لأصل الإيمان، وإن أريد به أنه حكاية عن الكفار الذين هذا شرابهم وأنهم يشربون وهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ذلك فهذا واضح، ولكن المسلم إذا شربه لا يقال: إنه كافر، وإنما يقال: إنه عاصٍ مرتكب كبيرة من أعظم الكبائر، فإن أريد به أن هذا شراب الكفار فهو على بابه، فهم كفار غير مؤمنين، وإن أريد به التحذير منه وأن من يفعله ليس عنده الإيمان فالمراد نفي الإيمان الواجب الذي يحصل معه الامتناع والارتداع والابتعاد عن ذلك الشيء الذي هو محرم.
والحاصل: أنه إذا أريد به المؤمن أو المؤمنون أو المسلمون فإنه لا يكون كفراً، إلا مع الاستحلال، فالاستحلال يكون كفراً مخرجاً من الملة.
وهذا الحديث فيه مقبول، ولكن من ناحية تحريم النبيذ الذي وصل إلى حد الإسكار ففيه أحاديث كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) .
وقول أبي هريرة: (تحينت فطره بنبيذ صنعته) أبو هريرة رضي الله عنه لم يرد أنه يأتي بشيء مسكر، ولكنه لما وصل به إذا فيه هذا الوصف، فهو لم يأت به على أساس أنه أتى بشيء مسكر، ولكنه أتى به على أساس أنه سليم ثم تبين أنه غير سليم لوجود هذه العلامة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #726  
قديم 30-06-2025, 01:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [421]
الحلقة (453)





شرح سنن أبي داود [421]
جاءت هذه الشريعة من عند الله كاملة متكاملة محكمة، لم تترك خيراً إلا ودلت الأمة عليه، ولا شراً إلا وحذرت الأمة منه، فجاءت ببيان الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات والمباحات، ومما جاءت ببيانه أحكام الشرب وبيان آدابه وما يستحب فيه وما يكره.
ما جاء في الشرب قائماً
شرح حديث (نهى أن يشرب الرجل قائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب قائماً.
حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً) ] .
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب في الشرب قائماً، أي: في حكمه، وهل هو سائغ أو غير سائغ؟ والمعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يشرب وهو جالس، وشربه وهو قائم حصل منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بقلة.
وقد جاء النهي عن الشرب قائماً، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائماً في بعض الأحوال، فمن العلماء من رأى أن هذا النهي الذي جاء عن الشرب عن قيام محمول على كراهة التنزيه، وأن فعله صلى الله عليه وسلم دال على الجواز، وجاء أيضاً ما يدل على ذلك من فعل الصحابة كفعل علي رضي الله عنه الذي سيأتي أنه شرب قائماً وقال: (إن رجالاً يكره أحدهم أن يشرب قائماً وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً) ، فيكون الجمع بين هذه النصوص هو أن الأصل الشرب عن جلوس وهو الذي ينبغي أن يحرص عليه، وإن شرب الإنسان قائماً في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك فلا بأس به.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً) ، وذكر الرجل هنا لا مفهوم له، فمثله المرأة، ولكن كما ذكرنا أن الغالب هو الخطاب مع الرجال، وإلا فإن المرأة حكمها حكم الرجل، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، ولا يفرق بينهما إلا بدليل يفرق بينهما، وعلى هذا فذكر الرجل في قوله: (نهى أن يشرب الرجل) لا مفهوم له؛ فإن المرأة كذلك منهية عن أن تشرب قائمة كما أن الرجل منهي عن أن يشرب قائماً.
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى أن يشرب الرجل قائماً)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام] .
هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
قتاده بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس] .
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.
شرح حديث (أن علياً شرب قائماً وقال إن رجالاً يكرهون أن يشرب الرجل قائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة: (أن علياً رضي الله عنه دعا بماء فشربه وهو قائم ثم قال: إن رجالاً يكره أحدهم أن يفعل هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل مثلما رأيتموني أفعله) ] .
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه شرب قائماً وقال: (إن رجالاً يكرهون أن يشرب الرجل قائماً وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مثلما رأيتموني أفعل) يعني: أنه شرب قائماً، ولكن كما هو معلوم هذا ليس هو المعتاد من فعله صلى الله عليه وسلم، بل المعتاد من هديه أنه كان يشرب جالساً، وإنما كان شربه قائماً في بعض الأحيان، فيكون الشرب جالساً هو الأصل وهو الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وإن شرب قائماً في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك فلا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن علياً شرب قائماً وقال إن رجالاً يكرهون أن يشرب الرجل قائماً)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر بن كدام] .
مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن ميسرة] .
عبد الملك بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن النزال بن سبرة] .
النزال بن سبرة ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[أن علياً رضي الله عنه] .
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.
حكم الأكل قائماً
والأكل قائماً إذا كان هناك حاجة تدعو إليه لا بأس به.
الشرب قائماً ليس من خوارم المروءة
يقول بعضهم: إذا شرب طالب العلم قائماً فهل هذا يعتبر من خوارم المروءة؟
و الجواب أنه لا يعتبر من خوارم المروءة، لكن الأولى به أن يفعل ما هو الأفضل وما هو الأولى، وإذا حصل أمر يقتضيه فلا بأس بذلك.
تقديم تحية المسجد على الشرب قائماً
إذا دخل الرجل المسجد ولم يصل التحية فلا يشرب قائماً ولا يشرب جالساً، بل يصلي التحية ثم يجلس ويشرب.
مدى صحة القاعدة التي تقول النهي في باب الآداب يحمل على التنزيه
هناك قاعدة تقول: النهي في باب الآداب يحمل على التنزيه وليس على التحريم.
وهذا ليس على إطلاقه، فلا يقال: إن هذا في كل شيء.
الجمع بين النهي عن الشرب قائماً مع شربه صلى الله عليه وسلم قائماً
إن قال قائل: كيف يحمل النهي على التنزيه مع ما ورد في صحيح مسلم: (من شرب قائماً فليستقئ) ؟
و الجواب هذا الذي فعله الرسول من الشرب قائماً دل على الجواز، وهذا الذي جاء في صحيح مسلم وفي غيره يقال: فيه زجر، يعني: أنه يدل على تأكيد أن يشرب الإنسان من جلوس، لكن إذا حصل أن شرب قائماً لأمر يقتضي ذلك فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه فعله مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحكمة في النهي عن الشرب قائماً
قد يقول قائل: هل حكمة النهي عن الشرب قائماً معلومة؟
و الجواب من العلماء من قال: إنه إذا كان عن جلوس فهو أفضل وفيه فائدة فيما يتعلق بالصحة وفيما يتعلق بالمروءة، ويكون فيه ميزات على كونه يشرب وهو قائم، فبعض العلماء ذكر أنه إذا كان جالساً فإنه يحصل فيه من الفائدة للجسم ومن عدم المضرة عليه ما لا يحصل في حال القيام.
ما جاء في الشرب من في السقاء
شرح حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشراب من في السقاء.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء، وعن ركوب الجلالة والمجثمة) .
قال أبو داود: الجلالة التي تأكل العذرة] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الشرب من في السقاء، يعني: أن يشرب الإنسان من فم السقاء، فلا يصب في إناء ثم يشرب منه، وإنما يشرب من فمه، والأصل الذي لا شك فيه هو أنه يصب في إناء ويشرب منه؛ لأنه إذا صب في الإناء تبين له ما في الإناء ونظافته أو وساخته أو ما فيه من أشياء مستقذرة أو أشياء محذورة؛ أما إذا كان يشرب من في السقاء فقد يكون فيه شيء من القذر والوسخ فيذهب إلى جوفه دون أن يشعر؛ لأنه لا يرى الذي يخرج.
ثم أيضاً قد يكون فيه تقذير لغيره ممن يحتاج إلى أن يشرب من هذا السقاء، فيكون ذلك سبباً في أن يكرهه ولا يرغب فيه، فالحكمة في ذلك إما الخوف من أن يكون فيه شيء من الوسخ أو شيء من حيوانات الماء مثل العلق وغيره من الأشياء التي تكون في الماء فتذهب إلى جوفه وهو لا يراها.
والشيء الآخر أنه إذا كان معه من يشاركه في ذلك فإنه قد يكون ذلك سبباً في استقذاره وعدم الشرب منه.
وأورد المصنف حديث ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء) والسقاء هو القربة، وقيل: إنه يطلق على ما كان صغيراً من الجلود، وما كان كبيراً يقال له: قربة.
وقوله: (وعن ركوب الجلالة) الجلالة هي الناقة التي تأكل العذرة، والعذرة هي رجيع الإنسان، والرجيع هو المستقذر النجس، فيكون أكلها وركوبها فيه مضرة، أما الأكل فلكون اللحم فيه هذا المأكول الذي هو نجس، فإنه يكون متعلقاً باللحم فترة من الزمان؛ وكذلك بالنسبة للركوب يمكن أن يصل إلى ثيابه أو إلى جسده فمها وفيه هذا الوسخ الذي قد يكون فيه شيء من النجاسة، فيترتب على ذلك مثل هذه الأضرار.
وقوله: (والمجثمة) هي الحيوان الذي يحبس ثم يتخذ هدفاً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، يعني: نهى عن اتخاذ الشيء الذي فيه روح هدفاً يرمى إليه ويعمل على إصابته، فالهدف لا يكون من الحيوانات وإنما يكون من الجمادات أو من الأشياء التي لا يترتب عليها مضرة أو إتلاف في غير فائدة ولا مصلحة.
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
حماد بن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا قتادة] .
قتادة مر ذكره.
[عن عكرمة] .
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم الشرب من فم القارورة الشفافة
النهي عن الشرب من في السقاء هو في الذي يشرب منه أو يستخدمه أكثر من واحد، وأما بعض المشروبات التي تكون في قارورة فيشربها الشخص وحده فهذه ليس فيها بأس، وهي في الغالب سليمة ونظيفة، وأيضاً هي غالباً شفافة يرى ما في داخلها؛ ولو كان فيها شيء من الأجسام التي تحذر ويخشى منها أو شيء من الوسخ فإنه قد يتبين من الداخل، فإذا كان الإنسان يشرب القارورة وحده فهذا ليس فيه بأس؛ لأنه يشرب منها ولا يقذر الشراب على أحد ما دامت خاصة به.
وقد ذكر الإمام الشوكاني في نيل الأوطار عن بعض العلماء أنه لو كان هذا السقاء شفافاً بحيث يعرف ما بداخله فلا بأس أن يشرب منه، وذلك لأنه يأمن خروج شيء من الحيوانات عليه.
ولكن يبقى موضوع المشاركة وكون بعض الناس قد يحتاج إلى أن يشرب منه فيستقذره بسبب شرب غيره منه، وهذا ليس مثله القدح الذي يشرب منه؛ لأن القدح يكون واسعاً، وقد يشرب الإنسان من جهة لم يحصل منها ملامسة شفتي الشارب الأول، لكن السقاء يكون فمه ضيقاً، وغالباً أنه يكون مع أسفله الذي يجيء الماء معه، فيكون مكان الشرب واحداً، فكونه تتوارد عليه الشفاه يجعل بعض الناس إذا سبقه أحد إلى هذا لا يعجبه ذلك.
حكم الشرب من فم الصنبور ونحوه
وأما الشرب من الحنفية أو الصنبور أو البرادات الكبيرة فليس من هذا القبيل؛ لأن المحذور في الغالب غير موجوداً في الصنابير؛ لأن الماء فيها يكون غالباً نظيفاً؛ لكن إذا كانت الصنابير فيها وسخ ويخرج منها أشياء قذرة فليس للإنسان أن يشرب منها، وفي الغالب أنها إذا كانت كذلك يصب في يده ويشرب ويتبين له، ولا يضع فمه في الصنبور؛ لأن الصنبور نازل إلى تحت، وهو في الغالب يضع يده ويشرب.
حكم الدجاج والنعامة التي تأكل من عذرتها
الدجاجة والنعامة قد تأكل من عذرتها، ولا يضر هذا؛ لأن ما يؤكل لحمه روثه طاهر، فمثل الإبل والبقر والغنم روثها طاهر ليس بنجس.
ما جاء في اختناث الأسقية
شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اختناث الأسقية.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري أنه سمع عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في اختناث الأسقية.
واختناث الأسقية هو: أن يثنى طرفها مثل كفت الكم بحيث ترجع أطرافه إلى وراء فيكون الذي ثني من خارج السقاء، هذا هو اختناث الأسقية؛ فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ قيل: الحكمة في ذلك أنه يكون سبباً في الإنتان.
ومن ناحية الشرب هو مثل الشرب من فم السقاء، فالنتيجة واحدة من ناحية الشرب، ولكن هذه الهيئة أيضاً يترتب عليها شيء آخر وهو أن يصير لها رائحة مع طول المكث وطول المدة.
والمقصود من ثنيه بهذه الطريقة أنه يصير أسهل للشرب، ولا يتدفق عليه بقوة؛ خاصة إذا كان في طرف الجلد خشونة.
أما الشرب من فم السقاء فقد جاء النهي عنه باختناث أو بعدم اختناث.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد مر ذكره.
[حدثنا سفيان عن الزهري] .
سفيان هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عبيد الله بن عبد الله] .
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #727  
قديم 30-06-2025, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن عمر عن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد فقال: اخنث فم الإداوة ثم اشرب من فيها) ] .
هذا الحديث عكس الذي قبله، فهذا معناه: أنه يثني فم القربة ويشرب من فيها، فهو يخالف ما قبله؛ فبعض العلماء قال: إن هذا يدل على الجواز، وإن ذاك يدل على المنع، فيحمل هذا على الجواز وذاك يحمل على التنزيه.
ومنهم من قال: إن هذا ضعيف؛ فإذاً: ذاك باقٍ على النهي الذي جاء فيه؛ وأيضاً كما هو معلوم أن من جملة الآداب في الشرب عدم الشرب من فم السقاء لما فيه من أمور يخشى منها.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد)
قوله: [حدثنا نصر بن علي] .
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى] .
عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن عمر] .
عبد الله بن عمر العمري ضعيف، أخرج له مسلم مقروناً وأصحاب السنن، وفي بعض النسخ عبيد الله بن عمر المصغر وهو ثقة.
[عن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار] .
عيسى بن عبد الله مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أبيه] .
أبوه عبد الله بن أنيس وهو صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي.
وإذا كان الذي في السند هو عبيد الله المصغر فالحمل في الحديث على شيخه الذي هو مقبول، وإن كان عبد الله المكبر ففيه علتان، ولكن عبد الله أضعف من المقبول.
الشرب من ثلمة القدح
شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب من ثلمة القدح.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب) ] .
أورد أبو داود باب النهي عن الشرب من ثلمة القدح، وثلمة القدح هي الكسر الذي يكون في أحد جوانبه من أعلاه الذي توضع عليه الشفاه للشرب؛ فإذا انكسر تحصل فيه ثلمة في بعض الجوانب ولم يبق على هيئته المستقيمة بحيث يكون أعلاه متساوياً ومستقيماً، فإذا حصل فيه ثلمة -وهي كسرة سقطت منه- يصير فيه هذا العيب وهذا النقص.
وأورد أبو داود حديث أبي سعيد: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح) وقيل في تعليل ذلك: إن الإنسان إذا شرب من الثلمة لا يسلم من كون الماء ينساب ويخرج؛ لأن الشفاه لا تمسك في الثلمة مثلما تمسك في الجوانب، فقد يخرج شيء من تحت الشفة ويتساقط على ثوب الإنسان وعلى لحية الإنسان.
وأيضاً قيل: إنه لا يحصل تنظيفها كما يحصل تنظيف الباقي فتجتمع فيها الأوساخ.
ويمكن أيضاً أن يقال: إنه قد يكون فيها شيء حاد فيجرح الإنسان، بخلاف فوهة القدح المستوية، فليس فيها شيء حاد، فالحاصل: أن النهي عن الشرب من الثلمة هو لما يترتب عليه من شر، فالذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل فيه عدة أمور محذورة.
قوله: (وأن ينفخ في الشراب) يعني: أنه لا ينفخ في الشراب لا سيما إذا كان الشراب مشتركاً، فكون الإنسان ينفخ فيه يقذره على غيره.
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الله بن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني قرة بن عبد الرحمن] .
قرة بن عبد الرحمن صدوق له مناكير، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري] .
هؤلاء قد مر ذكرهم.
حكم الشرب من فنجان القهوة والشاي
فنجان القهوة والشاي إذا كان فيه كسر خفيف في حوافه يدخل في هذا النهي، والإنسان لا يشرب من الثلمة، بل يشرب من الجهة الثانية ولا يتخير هذا المكان المنثلم.
حكم النفخ في الشراب
النفخ في الشراب جاء النهي عنه في هذا الحديث؛ ولعل الحكمة في ذلك: أن فيه تقذيراً له إذا كان مع النافخ أحد يشاركه؛ وإذا كان الشراب يخص الإنسان مثل كأس الشاي واحتاج إلى النفخ فيه ليبرده فلعله لا بأس بذلك إن شاء الله؛ لأنه ليس فيه تقذير، ثم أيضاً النافخ هو الذي سيشرب هذا الشيء؛ لأنه خاص به.
وأما النفخ في الطعام فإذا كان من الطعام المشترك فليس لأحد أن ينفخ فيه، واللقمة قد يتسامح فيها، لكن كما هو معلوم أن الفم يتحمل من الحرارة ما لا تتحمله اليد، ولهذا إذا كان عند الإنسان فنجان فيه قهوة لا يستطيع أن يغمس إصبعه فيه، لكنه قد يصبه في فمه ولا يحس به كما تحس الأصبع.
الشرب في آنية الذهب والفضة
شرح حديث: (نهى عن الحرير والديباج)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب في آنية الذهب والفضة.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: (كان حذيفة رضي الله عنه بالمدائن فاستسقى، فأتاه دهقان بإناء من فضة فرماه به، وقال: إني لم أرمه به إلا أني قد نهيته فلم ينته؛ وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج، وعن الشرب في آنية الذهب والفضة وقال: هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب الشرب في آنية الذهب والفضة، أي: أن ذلك لا يجوز، وأنه حرام، وذلك في حق الرجال والنساء، فالنساء يجوز لهن التجمل بالذهب، والرجال لا يجوز لهم التجمل به، والكل لا يجوز لهم الشرب بآنية الذهب والفضة.
وقد أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه أنه لما كان على المدائن استسقى، يعني: طلب من يسقيه ماءً ليشرب، فجاء دهقان بإناء من فضة، فرماه به حذيفة.
ثم اعتذر حذيفة عن كونه رماه فقال: إني لم أرمه به إلا أني قد نهيته فلم ينته، وهذا يفيد بأن من حصل منه تكرار المخالفة يغلظ عليه بالقول ويعامل بما لا يعامل الذي حصل منه الخطأ في الابتداء، فهو رماه به منكراً صنيعه، وقد سبق له أن منعه من ذلك فلم يمتنع، فاعتذر حذيفة رضي الله عنه بذلك ثم قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والديباج) ]، والديباج هو نوع من الحرير، فالحرير عام والديباج خاص؛ لأنه نوع من أنواع الحرير.
وقوله: [(وعن الشرب في آنية الذهب والفضة)] .
هذا محل الشاهد، وعلل ذلك فقال: (هي لهم في الدنيا) أي: للكفار (ولنا في الآخرة) وليس معنى ذلك أنها مباحة ومحللة لهم في الشريعة، بل هي محرمة في الشريعة على كل أحد، فلا يقال: إن هذا فيه دليل على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وإن لهم أن يشربوا فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (هي لهم) لم يقل: إنها حلال لهم، وإنما هذا إخبار بالواقع وأنهم يستعملونها في الدنيا؛ لأنهم لا يحرمون ما حرم الله.
وهي لنا في الآخرة؛ لأننا نتركها في الدنيا من أجل امتثال ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا تكون لنا آنية في الدار الآخرة.
إذاً: قوله: (هي لهم في الدنيا) ليس معناه أنها حلال لهم، وإنما هذا بيان للواقع.
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى عن الحرير والديباج)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن حجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم] .
الحكم بن عتيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى] .
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كان حذيفة] .
حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
باب في الكرع
شرح حديث (إن كان عندك ماء في شن وإلا كرعنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الكرع.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثني فليح عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحول الماء في حائطه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شن وإلا كرعنا؟ قال: بل عندي ماء بات في شن) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الكرع، والكرع هو الشرب من الحوض أو من الماء الكثير أو من الماء الجاري أو من الساقية التي تمشي أو من بركة كبيرة بدون إناء، وذلك بأن يضع فمه في الماء ويشرب.
وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ومعه رجل من أصحابه على رجل من الأنصار وكان يحول ماءه، يعني: أنه كان يعدله من جهة إلى جهة حتى يعم الشرب من نخلة إلى نخلة ومن حوض إلى حوض، فإذا امتلأ ذلك الحوض أغلقه ثم جعل ماء الساقية يذهب إلى حوض آخر أو إلى نخلة أخرى وقال: (إن كان عندك ماء في شن وإلا كرعنا) يعني: شربنا من الماء الجاري؛ فقال: بل عندي.
وقوله: (إن كان عندك شن) يعني: فائتنا به، أو فإننا نريده، والشن هو القربة، وفي الغالب أنها تكون قديمة، والمقصود من ذلك أن الماء يكون بارداً إذا كان في شن، وإن لم يكن فإنهم يشربون ويكرعون من هذا الماء الجاري؛ هذا هو معنى الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث (إن كان عندك ماء في شن وإلا كرعنا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا يونس بن محمد] .
يونس بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني فليح] .
فليح صدوق كثير الأوهام والخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن الحارث] .
سعيد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في الساقي متى يشرب
شرح حديث (ساقي القوم آخرهم شرباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الساقي متى يشرب؟ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي المختار عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ساقي القوم آخرهم شرباً) ] .
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في الساقي متى يشرب؟ أي: أن الذي يسقي الناس هل يشرب أولهم أو وسطهم أو آخرهم؟ والسنة جاءت بأنه يكون الآخر، ولا يشرب في الأول؛ لأن الشرب في الأول يكون فيه استئثار، وفيه أيضاً شيء من عدم الأدب والخلق الكريم، فالساقي يكون هو الآخر ولا يكون هو الأول، ولهذا جاء الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ساقي القوم آخرهم شرباً) .
وجاء في صحيح مسلم عن أبي قتادة أنه قال: (إن ساقي القوم آخرهم شرباً) .
فالحاصل: أن الساقي لا يشرب في الأول ولا في الوسط، وإنما يشرب في النهاية، وهذا فيه الأدب، وفيه عدم الاستئثار وعدم الشره.
تراجم رجال إسناد حديث: (ساقي القوم آخرهم شرباً)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المختار] .
أبو المختار هو سفيان بن المختار، كنيته توافق اسم أبيه، وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن أبي أوفى] .
عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (الأيمن فالأيمن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن) ] .
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهذا لا علاقة له بهذا الباب الذي هو باب في الساقي متى يشرب؟ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بالآخر.
وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء فشرب منه وأعطى الذي بجواره من اليمين وهو أعرابي، وكان عن يساره أبو بكر وقال: (الأيمن فالأيمن) .
أي: أن الذي يشرب من الماء أو اللبن يدفعه إلى من كان عن يمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شرب أعطاه الذي عن يمينه وقال: (الأيمن فالأيمن) .
وهذا يدل على أن الأيمن أولى ولو كان أقل رتبة من الذي يكون عن الشمال؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام، وكان عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كان عن يمينه أعرابي، فأعطاه للأعرابي وقال: (الأيمن فالأيمن) .
فدل هذا على أن الأحق بدفع الماء أو غيره مما يشرب بعد الشارب من كان عن يمينه.
تراجم رجال إسناد حديث: (الأيمن فالأيمن)
قوله: [حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة] .
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] .
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وهذا الحديث فيه رواية الزهري -وهو من صغار التابعين- عن أنس بن مالك وهو من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جواز إعطاء من على اليسار إذا أذن من على اليمين بذلك
قوله: (الأيمن فالأيمن) قاعدة عامة، وإذا كان في المجلس أناس فيهم شخص له منزلة ومكانة وغيره تابع له، فإنه يبدأ به ثم يعطى بعد ذلك من كان على يمين ذلك الشخص، مثلما كانوا يأتون بالشيء ويعطونه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه لمن كان على يمينه.
وعلى كل إذا قدم بعضهم بعضاً في الشرب أو الكلام أو في الأكل وقال الذي على اليمين: أعطه لفلان؛ يعطى له ولا إشكال.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن وكان يعطي الأيمن فالأيمن؛ لأن الأيمن هو صاحب الحق، لكن إذا أذن الشخص الذي له الحق أو أعطى هذا الحق لغيره فإن له ذلك.
شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي عصام عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ) ] .
أورد أبو داود حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: إنه أهنأ وأمرأ وأبرأ) .
والمقصود: أنه يتنفس ثلاثاً خارج الإناء، ولا يتنفس في الإناء، ولكنه يشربه في ثلاثة أنفاس ولا يشربه في نفس واحد أو نفسين، وإنما يجعله في ثلاثة أنفاس بحيث يشرب ثم ينحي الإناء عن فمه ثم يعيده فيشرب الثانية ثم يعيده فيشرب الثالثة، هذا هو المقصود بكونه إذا شرب تنفس ثلاثاً، أي: أن شربه يكون في ثلاثة أنفاس وليس في نفس واحد، وتلك الأنفاس إنما تكون خارج الإناء، فينحيه عن فمه ثم يعود إليه وهكذا.
فكان صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: (إنه أهنأ وأمرأ وأبرأ) يعني: أن هذه الصفات الموجودة فيه يكون فيها هناءة وفيها نفع وفيها مراءة بحيث يكون الشرب سهلاً في استعماله وفي فائدته وأبرأ من حصول ضرر أو حصول شيء غير محمود، وذلك إذا حصل بهذه الطريقة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام] .
هشام هو هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عصام] .
أبو عصام مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أنس بن مالك] .
أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره.
وهذا الإسناد والذي قبله رباعيان، وهكذا الذي قبلهما، وعلى هذا فإن أحاديث هذا الباب الثلاثة كلها رباعية، وهي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #728  
قديم 30-06-2025, 01:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [422]
الحلقة (454)




شرح سنن أبي داود [422]
من الآداب الشرعية التي على المسلم والمسلمة مراعاتها ذكر الله عز وجل والبدء باسمه عند الأكل والشرب، وحمده سبحانه والثناء عليه عند الانتهاء من ذلك؛ فإن الأكل والشرب من نعم الله عز وجل على العبد التي يجب أن يشكره عليها، ومن شكره عليها ذكر اسمه تعالى عند البدء وحمده عند الانتهاء.
كما أن على المسلم أن يذكر الله عز وجل في كل أحيانه وعند جميع تصرفاته؛ فإنه بذلك يُحفظ من شياطين الجن والإنس.



ما جاء في النفخ في الشراب والتنفس فيه



شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه.
يعني: النفخ في الشراب بفمه بحيث يطلق عليه الريح من فمه، والتنفس فيه يكون بأن يشرب ويتنفس وهو يشرب فيخرج نفسه وهو مواصل للشرب، فيكون ذلك في الشراب.
فجاء النهي عن ذلك؛ لأن النفخ قد يكون فيه الريق فيقع في الشراب.
وكذلك فإن الهواء الخارج من أنفه يقع في الشراب فيكون فيه استقذار له، وسواء كان له أو لغيره؛ لأن هذا شيء غير مرغوب فيه، وسواء كان في حقه أو في حق غيره فإنه مذموم ومنهي عنه، فكونه يظهر شيء من فمه ويقع في الشراب ويشربه هذا ليس بجيد.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينفخ في الإناء وأن يتنفس فيه.
فلا ينفخ فيه ولا يتنفس فيه وإنما يكون التنفس خارجه.
والذي يظهر أن النهي عن النفخ في الإناء والتنفس فيه يحمل على التنزيه، وأنه من الأدب ومن الأشياء التي فيها فائدة وفيها مصلحة له ولغيره، وعدم مضرة عليه وعلى غيره.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن عيينة] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم] .
هو عبد الكريم بن مالك الجزري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما من بني سليم قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي فنزل عليه، فقدم إليه طعاماً، فذكر حيساً أتاه به، ثم أتاه بشراب فشرب فناول من على يمينه، وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه: السبابة والوسطى، فلما قام قام أبي فأخذ بلجام دابته فقال: ادع الله لي؟ فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما.
وليس فيه مناسبة للترجمة التي هي النفخ في الشراب والتنفس فيه؛ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بالشراب وبالتنفس فيه؛ اللهم إلا أن يكون مما اختصر؛ لأن الحديث فيه اختصار كما هو واضح من لفظه، وأما اللفظ الموجود فليس فيه شيء يدل على الترجمة.
وفيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبيه وهو بسر وأنه قدم له طعاماً.
وقوله: (فذكر حيساً أتاه به) يعني: أتاه بهذا النوع من الطعام.
والحيس هو خليط التمر والأقط والسمن، وقد يكون فيه شيء من الدقيق، فهذه الأمور مجتمعة يقال لها: حيس.
ويضرب المثل بالحيس في شدة الاختلاط، فيذكر اختلاط الحيس عند ذكر شدة الاختلاط؛ وهناك أبيات وردت في هذا منها قول الشاعر: واختلط الناس اختلاط الحيس وادعت الروم أباً في قيس يعني: أنه حصل الاختلاط والامتزاج تشبيهاً باختلاط الحيس لشدة امتزاجه ببعضه؛ وهو مكون من هذه الأشياء الثلاثة التي هي التمر والأقط والسمن أو الدقيق.
وقوله: [(ثم أتاه بشراب، فشرب فناول من على يمينه)] .
هذا مثل الذي قبله فيما يتعلق بالذي أعطاه حيث قال: (الأيمن فالأيمن) .
وقوله: [(وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه: السبابة والوسطى)] .
يعني: كأن النوى كان يقع من فمه على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى، فكأنه كان يمسك التمر بداخل يده ويضع النوى على خارج الأصبعين فيرميه أو يلقيه.
وقوله: (فلما قام قام أبي) .
والده هو بسر.
قال: (فأخذ بلجام دابته وقال: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) .
وهذا دعاء، والرسول صلى الله عليه وسلم قاله بعد الأكل، فدل هذا على أنه يدعى به لصاحب الطعام اقتداءً برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.



تراجم رجال إسناد حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير] .
شعبة مر ذكره ويزيد بن خمير صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن بسر] .
عبد الله بن بسر رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي أيضاً؛ وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود.



مناسبة حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قال: العظيم آبادي: ومطابقة الحديث للباب أنه لم يلق النوى الذي خالطه الريق ورطوبة الفم في إناء التمر؛ لئلا يختلط بالتمر فتستقذره النفس، فكيف ينفخ في الشراب والطعام؟! لأن النفخ لا يخلو من بزاق وغيره مما تستقذره النفس.
وهو ألقاه خارج الإناء، ولكن أظن أنه لا يلزم أنه لا يضعه إلا في الإناء، بل يمكن أن يضعه في مكان آخر غير الإناء.
فيمكن أن يكون له وجه لكنه ليس بواضح؛ لأن النوى كما هو معلوم لا يوضع مع التمر وإنما يوضع خارج التمر؛ ولا شك أنه إذا وضع معه فيه استقذار، ويكون فيه شبه بمسألة النفخ، فإذا كان من هذه الناحية فقد يكون له وجه.



ما يقول إذا شرب اللبن



شرح حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا شرب اللبن.
حدثنا مسدد حدثنا حماد -يعني: ابن زيد - ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - عن علي بن زيد عن عمر بن حرملة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت في بيت ميمونة رضي الله عنها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فجاءوا بضبين مشويين على ثمامتين، فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: إخالك تقذره يا رسول الله؟! قال: أجل! ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه؛ فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن) .
قال أبو داود: هذا لفظ مسدد] .
أورد أبو داود باب ما يقول إذا شرب لبناً، أي: أنه يقول: (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) وهذا اختص به اللبن عن غيره لأنه يجزئ عن الطعام والشراب فإنه غذاء يغني عن غيره.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (كنت في بيت ميمونة) وهي أم المؤمنين ميمونة خالة ابن عباس؛ لأن أمه لبابة بنت الحارث الهلالية وهي لبابة الصغرى ولبابة الكبرى هي أم خالد بن الوليد ولبابة الصغرى هي أم أولاد العباس.
وكان خالد بن الوليد عند خالته ميمونة فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بضبين مشويين على ثمامتين، والثمامة هي أعواد، يعني: كأنهما يحملان بالعود الذي قد غرز في كل منهما، هذا الذي يبدو أنه المقصود بكونهما على ثمامتين، وليس معنى ذلك أنهما شويا على عودين، وإنما المعنى أنه قد أتي بهما كل واحد في عود.
وقوله: [(فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم)] .
يعني: لأنه لم يألفه، ففهم ذلك خالد بن الوليد منه وقال: (إخالك تقذره يا رسول الله؟ قال: أجل) يعني: نعم؛ ولكنه قد جاء أنه أذن بأكله وأن خالداً أكله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وعند خالته ميمونة، كما جاء ذلك في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنه ليس بأرض قومي فأنا أعافه) والشيء الحلال المباح قد تألف النفوس شيئاً منه وتكره شيئاً، وتميل إليه نفوس وتميل عنه نفوس أخرى؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يألف ذلك فتركه ولم يأكله، ولكنه أكل بين يديه، فدل ذلك على أن أكله سائغ وجائز ولا محذور فيه ولا مانع.
وقوله: [(ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب، فقال: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه؛ فإنه ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن)] .
وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء عند شرب اللبن، وهو الذي ترجم به المصنف حيث قال: باب ما يقول إذا شرب اللبن؛ أي أنه يقول: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، يعني: بارك لنا في هذا الذي شربنا، وزدنا منه.
فهذا يدل على ميزة اللبن وعلى تفضيله على غيره، وعلل ذلك بقوله: (فإنه ليس يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن) .



تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد يعني: ابن زيد] .
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا موسى بن إسماعيل] .
ح للتحول من إسناد إلى إسناد، وموسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد يعني: ابن سلمة] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن زيد] .
علي بن زيد بن جدعان ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمر بن حرملة] .
عمر بن حرملة مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قد مر ذكره.
الحديث فيه ضعيف ومجهول.
وفيما يتعلق بأكل الضب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن ميمونة وأنه أتي بضب وأن خالد بن الوليد أكله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما يتعلق بالنسبة للبن جاء ما يشهد لذلك، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم (2320) وذكر شواهد لهذا الحديث.



الفرق بين اللبن والحليب
اللبن في الأصل يطلق على الحليب ويطلق على اللبن المخيض، ولهذا لبن المرأة هو حليب المرأة، ولكن في الغالب أن اللبن يطلق على المخيض الذي مخض وأخرجت زبدته، وقبل أن يمخض وتخرج زبدته يقال له: حليب، ويقال للحليب: لبن، فيقال: شرب لبن المرأة، يعني: حليبها.



الجمع بين كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للضب وبين كونه ما عاب طعاماً قط
قد يستشكل فيقال: كيف يجمع بين حديث (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط) وبين قوله هنا: (إنه تبزق من لحم الضب، وقال له خالد أتكره ذلك؟ قال: أجل) ؟
و الجواب أنه عليه الصلاة والسلام إذا أتاه الطعام فاشتهاه أكله وإلا تركه، وهنا لما وجد في الرسول صلى الله عليه وسلم عدم الارتياح له قال له: كأنك تكره ذلك يا رسول الله؟! فقال: أجل! فهذا فيه بيان أنه شيء مباح ولكن نفسه تعافه، ومعلوم أن النفوس تختلف، فقد يعجب هذا الطعام أناساً ولا يعجب آخرين، ومن الناس من يعجبه -مثلاً- لحم الغنم، ومنهم من يعجبه لحم الإبل، ومنهم من يعجبه لحم البقر، ومنهم من لا يأكل هذا ويأكل هذا، ومنهم من يأكل الدجاج ومنهم من لا يأكل الدجاج، فالناس متفاوتون وكله حلال وكله مباح.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقدم له شيء فسبه وعابه، لكنه لما تركه قيل له: كأنك تعافه؟! فقال: نعم، وجاء في اعتذاره أنه قال: (إنه ليس بأرض قومي، فأجدني أعافه) .



إيكاء الآنية



شرح حديث (أغلق بابك واذكر اسم الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إيكاء الآنية.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أغلق بابك واذكر اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه، واذكر اسم الله، وأوك غطاءك واذكر اسم الله) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إيكاء الآنية، يعني: تغطيتها، فإذا كان هناك سقاء أو قربة فيوكأ بحيث إنه يربط بخيط أو بحبل؛ وإذا كان هناك قدر أو قدح فإنه يغطى، فالإيكاء في الغالب يكون للشيء الذي يكون مثل السقاء أو القربة أو ما إلى ذلك.
وأما تغطية الشيء بأن يوضع عليه شيء يغطيه فهذا لا يقال له إيكاء؛ لأن لفظ الإيكاء يتعلق بالأسقية والقرب وأشباهها.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (أغلق بابك واذكر اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً) لأنه ذكر اسم الله، فالإنسان يفعل السبب ويذكر اسم الله عز وجل على ذلك، فيكون في ذلك التخلص من الشيطان.
فإذا أغلق الإنسان بابه فهذا فيه السلامة من شياطين الإنس؛ لأن شياطين الإنس قدرتهم وتمكنهم هي على الشيء الموجود المحسوس أمامهم، والشيطان يطرده ذكر الله عز وجل، ومجرد إغلاق الباب لا يطرد الشيطان وإنما يطرده ذكر الله.
فشياطين الإنس يسلم منهم الإنسان بإذن الله بإغلاق الأبواب، وشياطين الجن يسلم منهم بذكر الله عز وجل.
وقوله: (فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً) يعني: باباً ذكر اسم الله عليه.
ولهذا جاء في الحديث: (إن الإنسان إذا دخل بيته وذكر اسم الله قال الشيطان لأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا دخل وأكل وسمى قال: لا طعام لكم) ، وإذا لم يحصل ذكر اسم الله عند الدخول ولا عند الأكل قال: أدركتم المبيت والعشاء.
فهو يشارك في الدخول ويشارك في الأكل.
والمراد بالباب هنا: الباب الخارجي.
وقوله: [(وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله)] .
المصباح كان فيما مضى يُجعل فيه الزيت أو شيء يشتعل به وإذا انكفأ حصل احتراق بسببه، والفويسقة كما جاء في بعض الأحاديث تضرم أو تفسد على أهل الناس بيتهم، فتكفأ السراج فيحصل احتراق.
فكان إطفاء السراج من أجل ألا تأتي مثل الفويسقة التي هي الفأرة فتقلبه فيحصل بسببه حريق؛ هذا هو الذي كان موجوداً في ذلك الزمان، أما الآن فتوجد اللمبات المضيئة والكهرباء، والناس بين أمرين: من الناس من يرتاح لإغلاق الأنوار ويبيت في الظلام، ومن الناس من يعجبه أن يبيت في الضياء وأن يكون عنده ضياء بحيث إنه لو استيقظ ينظر إلى الساعة ولا يحتاج إلى أن يقوم من منامه ليفتح النور، والمحذور الذي كان فيما مضى من ناحية إطفاء السراج هو الإحراق وليس بموجود، إلا أنه يمكن أن يوجد فيما إذا كان حصل تحمل في بعض اللمبات وتأثر وحصلت سخونة وطال المكث، فإنه قد يحصل التماس بسبب ذلك فيترتب على ذلك أمور ضارة مثلما هو مشاهد ومعاين في بعض الأحايين، حيث تجد بعض المفاتيح يحصل لها التماس بسبب ذلك فتحصل مضرة.
فإذا خشي شيئاً من هذا القبيل فيتخلص من المحذور، وإذا كان الناس يحتاجون إلى فتح لمبة وقد ألفوا أنه ليس فيها شيء من الخلل فالأمر في ذلك واسع؛ لأن المحذور الذي خشيه رسول الله صلى الله عليه وسلم غير موجود في مثل هذه الحال.
وقوله: [(وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه واذكر اسم الله)] .
التخمير هو التغطية؛ وقيل للخمار خمار لأنه يغطي الوجه والرأس، وقيل للخمر خمر لأنها تغطي العقل؛ فقيل للغطاء خمار لأنه يغطي الشيء الذي يراد تغطيته.
قوله: (خمر إناءك) يعني: غطه، وتغطيته فيها فائدة من جهة ألا تأتيه حشرات أو حيوانات كدواب تشرب منه ثم تمج فيه وقد تكون من ذوات السموم فيختلط سمها بما فيه فيفسده، فتغطية الأواني فيها مصالح وفيها فوائد.
وعندما يغطيه يذكر اسم الله عز وجل؛ لأنه إذا ذكر اسم الله عز وجل حفظه الله من الشيطان.
وقوله: (ولو بعود تعرضه عليه) قال الحافظ ابن حجر: لعل الحكمة في ذلك أن الإنسان يذكر اسم الله على شيء قد فعله، يعني: ذكر اسم الله يكون على فعل؛ والفعل هو التغطية، وإن لم تكن هناك تغطية فلا أقل من أن يعرض عليه عوداً؛ فعرضه هذا العود فعل من الأفعال يأتي معه بذكر اسم الله فيقول: باسم الله.
ويبدو أيضاً أن الإنسان إذا عود نفسه أن يعرض عوداً إذا لم يجد غطاءً يتعود على ألا يترك الإناء خالياً دون أن يغطى؛ لأنه إذا لم يجد غطاءً وعمل شيئاً فإن ذلك يجعله يألف أن يغطيه ويحرص على ذلك، لأن من يألف الشيء يستمر عليه، فيحصل بذلك استمراره على هذا الشيء وعنايته واهتمامه به.
وقد جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم أنه توكى الأسقية وتخمر الآنية وقال: (إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يترك شيئاً مفتوحاً إلا دخله) فيكون في إيكاء الأسقية وتغطية الأواني السلامة من وقوع هذا البلاء فيها، وهذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(وأوك سقاءك واذكر اسم الله)] .
يعني: بربطه بالخيط الذي يربط به، وربطه به فيه مصلحة ألا تدخل فيه حشرات ولا أشياء مستقذرة، وأيضاً يسلم مع ذكر الله عز وجل من الشيطان.



تراجم رجال إسناد حديث (أغلق بابك واذكر اسم الله)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عطاء عن جابر] .
عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجابر رضي الله عنه قد مر ذكره.



صيغة الذكر الذي يقال عند غلق الأبواب وتغطية الآنية
قوله هنا: (واذكر اسم الله) المراد أن تقول: باسم الله؛ لأن ذكر الله على الطعام يكون كذلك، وكذلك عند دخول الإنسان البيت يقول: باسم الله، وإذا أكل يقول: باسم الله، فيمنع الشيطان من المشاركة، فهذا عندما يقول: باسم الله فيه طرد الشيطان، ويكفي أن يقول: باسم الله.



اعتبار باب الثلاجة غطاءً للآنية
إذا كان الإناء مكشوفاً لكنه في الثلاجة أو في دولاب فهو يعتبر مغطى، لكن الأولى أن يكون مغطى بغطاء خاص؛ وإن لم يغط فإن الثلاجة تعتبر غطاءً، وهذا مثل الطعام الذي يكون بغير إناء ويوضع في الثلاجة؛ فإن الغطاء موجود وهو غطاء الثلاجة.



حكم تغطية الآنية إذا لم يكن فيها شيء
الآنية إذا لم يكن فيها شيء لا تغطى، وإنما تغطى إذا كان فيها شيء، أما إذا لم يكن فيها شيء فعلام تغطى؟! فليس فيها محذور؛ لأنه ليس هناك شيء يخشى منه.



الأسباب التي تدفع الشياطين
فإن قيل: هل يحتاج الشيطان إلى فتح باب إذا أراد الدخول وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم؟ ف
الجواب أنه يمنعه ذكر الله، فمجرد إغلاق الباب بدون ذكر الله لا يمنع من الشيطان، وإنما يمنع من شياطين الإنس؛ لأنهم هم الذين تنفع فيهم الأسباب الظاهرة.
أما شياطين الجن فلا تمنعهم جدران ولا أبواب كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ، ولكن الذي يمنع شياطين الجن هو ذكر الله عز وجل.
وأما شياطين الإنس فيعاملون كما قال عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ، فهذا هو الذي ينفع مع شياطين الإنس، وهو كون الإنسان يعامل غيره معاملة طيبة ويقابل السيئة بالحسنة فإن هذا من الأسباب التي تجعل المسيء يندم على إساءته.
وأما شياطين الإنس فأرشد الله عز وجل إلى ما يخلص منهم بقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36] .
وأما هل يمنع شياطين الإنس من فتح الباب بذكر اسم الله؟ ف
الجواب أن شياطين الإنس قد يكسرون الأبواب، ولاشك أن ذكر الله عز وجل ينفع، ولكن الله عز وجل إذا شاء فإنه يحصل من شياطين الإنس ما يحصل وقد يدخلون بكسر الباب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #729  
قديم 30-06-2025, 01:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تحديد الليلة التي ينزل فيها البلاء في السنة
في رواية مسلم التي فيها: (في ليلة من الليالي ينزل الداء) قال الليث: فإن الأعاجم عندنا يتقونه في كانون الأول.
وهذا التاريخ لا يعمل به، بل الإنسان يوكي ويغطي طول السنة، ولا ينظر إلى الذي عند الأعاجم ويفعله في شهر من الشهور ويتركه في باقي الشهور؛ لأن هذا لا يعرف تحديده، فما دام لم يأت تحديده في السُّنة فلا يلتفت إلى كلام أعاجم ولا غير أعاجم.
طريق أخرى لحديث (أغلق بابك واذكر اسم الله) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر وليس بتمامه قال: (فإن الشيطان لا يفتح باباً غلق، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف إناءً، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم أو بيوتهم) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ومنها: (إن الشيطان لا يفتح باباً غلق) يعني: أن شيطان الجن يطرده ذكر الله عز وجل، وإذا لم يذكر الله عز وجل فيمكن أن يدخل الشيطان، وشياطين الإنس هم الذين تمنعهم الأبواب؛ وقد يحصل بإذن الله أنهم يكسرون الأبواب ويفتحونها ويصلون إلى ما يريدون.
وقوله: [(وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم أو بيوتهم)] .
الفويسقة هي الفأرة، وهي تضرم على الناس بيوتهم بكونها تكفأ السراج الذي فيه الزيت والنار، حيث تكون النار في أعلى الفتيلة فإذا انكفأ الزيت اشتعلت النار، ولذا جاءت السنة بإطفاء السراج؛ لئلا يحصل بسبب الفويسقة شيء تعود مضرته على أهل البيت، كما سبقت الإشارة إليه في أول الحديث.
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة مر ذكره.
[عن مالك عن أبي الزبير] .
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله مر ذكره.
وهذا إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.
سبب تسمية الفويسقة بهذا الاسم
سميت الفويسقة بهذا الاسم لأن الفسق موجود فيها وهو من صفاتها، وذلك أنها تسيء إلى الناس وتفسد بيوتهم وطعامهم ولباسهم وغير ذلك من الأشياء.
التحذير من خطر الدفايات الكهربائية
الدفايات التي يستعملها الناس في الشتاء قد يترتب على تركها مفتوحة مضرة من الالتماس ونحوه، والضرر فيها أكثر مما يحصل من ضرر الإضاءة.
شرح حديث (واكفتوا صبيانكم عند العشاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وفضيل بن عبد الوهاب السكري قالا: حدثنا حماد عن كثير بن شنظير عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رفعه قال: (واكفتوا صبيانكم عند العشاء، وقال مسدد: عند المساء، فإن للجن انتشاراً وخطفة) ] .
أورد أبو داود حديث جابر وفيه قال: (واكفتوا صبيانكم عند العشاء أو عند المساء فإن للجن انتشاراً وخطفة) يعني: ضموهم في أول الليل، فأول ما يأتي الليل يكفت الصبيان، يعني: أن أهلهم يضمونهم إليهم ولا يتركونهم منتشرين، فإذا مضى شيء من الوقت فلهم أن يتركوهم.
وعلل ذلك بقوله: (فإن للجن انتشاراً وخطفة) يعني: يحصل منهم أذى بسرعة، فكما يحصل خطف الشيء من صاحبه بسرعة، أي يحصل من الشياطين أو من الجن إيذاء الأطفال إذا انتشروا في أول الليل.
تراجم رجال إسناد حديث (واكفتوا صبيانكم عند العشاء)

قوله: [حدثنا مسدد وفضيل بن عبد الوهاب السكري] .
فضيل بن عبد الوهاب السكري ثقة، أخرج له أبو داود.
[قالا: حدثنا حماد عن كثير بن شنظير] .
كثير بن شنظير صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن عطاء عن جابر] .
عطاء بن أبي رباح وجابر قد مر ذكرهما.
شرح حديث (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى، فقال رجل من القوم: ألا نسقيك نبيذاً؟ قال: بلى! قال: فخرج الرجل يشتد فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عوداً؟) .
قال أبو داود: قال الأصمعي: تعرضه عليه] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى، يعني: طلب ماءً ليشربه؛ فقيل له: ألا نسقيك نبيذاً؟ يعني: بدل الماء، قال: نعم؛ فذهب القائل يشتد مسرعاً فجاء بقدح فيه نبيذ وقال: (ألا خمرته؟ ولو أن تعرض عليه عوداً) .
وهذا هو المطابق للترجمة فيما يتعلق بإيكاء الأسقية وتغطية الآنية، وهو مثل الذي قبله.
[قال أبو داود: قال الأصمعي: تعرضه عليه] .
يعني: على الإناء، والأصمعي قال: تعرضه بالضم، وغيره يقول: تعرضه بالكسر، والأصمعي إمام من أئمة اللغة.
تراجم رجال إسناد حديث (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا أبو معاوية] .
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش] .
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح] .
أبو صالح هو ذكوان السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر قد مر ذكره.
والأصمعي هو عبد الملك بن قريب قال عنه الحافظ: صدوق سني، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي.
وكلمة (سني) عندما يؤتى بها في الترجمة معناها أن الراوي من أهل السنة وليس من المبتدعة أو ليس منسوباً إلى بدعة؛ وقد ذكر الحافظ في ترجمته في تهذيب التهذيب نقلاً عن الحربي أنه قال: علماء اللغة في البصرة هم من أهل الأهواء إلا أربعة وهم: أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي.
ولهذا قال عنه الحافظ: صدوق سني، يعني: ليس من أهل الأهواء.
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور وعبد الله بن محمد النفيلي وقتيبة بن سعيد قالوا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا) قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان] .
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا) يعني: يطلب له الماء العذب أو يؤتى له بالماء العذب من بيوت السقيا، وبيوت السقيا قال عنها قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان، يعني: كان يؤتى له بالماء من هناك.
وهذا الحديث ليس فيه ذكر إيكاء الآنية، ولكنه معلوم أن الغالب أن يؤتى بالماء في أسقية أو قرب ومعنى ذلك أنه مطلوب إيكاؤها.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الله بن محمد النفيلي وقتيبة بن سعيد] .
عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره، وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد] .
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام عن أبيه] .
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه عروة بن الزبير ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الأسئلة



حكم الصلاة بعد طلوع الشمس بثلاث دقائق
السؤال صليت صلاة الإشراق بعد طلوع الشمس بثلاث دقائق فهل علي شيء؟
الجواب لا ينبغي أن يصلي الإنسان بعد طلوع الشمس بثلاث دقائق، بل يتريث مقدار عشر دقائق أو نحو ذلك؛ لأن الثلاث دقائق هي في نفس وقت طلوع الشمس.
حكم شرب ساقي القوم آخرهم
السؤال حديث (ساقي القوم آخرهم شرباً) هل هو خبر بمعنى النهي أم لا؟
الجواب كأنه أمر، يعني: ليكن ساقي القوم آخرهم، أو كأنه إرشاد إلى أن يكون آخرهم.
حكم تقديم الضيف على الأيمن عند الشرب
السؤال إذا كان الجالس على الشمال هو الضيف فهل يبدأ به؟
الجواب يبدأ بالضيف ولا يبدأ بغيره، إلا أن يكون الشخص الذي يبدأ به له مكانة وله منزلة ولا يتقدم الضيف عليه فإنه يبدأ به ثم يكون الدور على اليمين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الأيمن فالأيمن) .
عدم تبويب أبي داود لبعض الأحاديث التي ليست لها مناسبة
السؤال مرت بعض الأحاديث وليس لها مناسبة للترجمة، فإذا كان هناك حديث ليس له مناسبة فلماذا لا يبوب له أبو داود تبويباً جديداً، ولماذا يورده في غيره مظنته والمقصود من السنن الترتيب على الأبواب؟
الجواب الغالب أنه يحصل الترتيب، ولكن قد تحصل أشياء يسيرة وقليلة جداً بلا ترتيب، ولا شك أنه كان مناسباً أن يبوب لها بشيء يظهرها أو تكون الترجمة أوسع أو يكون فيها إشارة بأن يقول: وغيره؛ لأن كلمة (وغيره) يكون فيها مجال لأن يدخل شيئاً لم ينص عليه.
حكم التنفس في الإناء عند الرقية
السؤال في حالة القراءة على الماء للمريض، هل يقرأ بحيث يكون نفسه في الماء أو ينحي الماء عن فمه؟
الجواب النفس إنما يكون ممن يشرب، فالذي يشرب هو الذي يقع نفسه في الماء؛ لأن النفس يخرج من الأنف، ولكنه يقرأ ثم ينفث فيه، ولا يكون أنفه موجهاً للماء حتى يتنفس فيه، ولا يكون الإناء لاصقاً بفمه حتى لا يخرج نفسه من أنفه على الماء.
حكم الشرب دفعة واحدة
السؤال إذا كان الشراب قليلاً فهل يجوز أن يشرب الإنسان دفعة واحدة أو يشرب ثلاث مرات؟
الجواب الذي ينبغي أنه يقسم الشراب ثلاثة أقسام ولو كان قليلاً، إلا إذا كان مثلاً يشرب كأساً ثم كأساً ثم كأساً فيصير ثلاثة، يعني: إذا شرب في إناء صغير، وكل إناء شربه في نفس؛ فهذا ليس فيه بأس، ولا يحتاج إلى أن يقسم شراب كل إناء ثلاثة أقسام.
حكم طلب الدعاء من الغير
السؤال ما حكم طلب الدعاء من الغير؟
الجواب طلب الدعاء من الغير سائغ، لكن الأولى للإنسان أن يدعو لنفسه وأن يكون له صلة بالله عز وجل، ولا يكون شأنه أن يطلب الدعاء من الناس وهو يغفل عن الدعاء، والله عز وجل بابه مفتوح وليس بينه وبين أحد حجاب، والله تعالى يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، فيحرص الإنسان على أن يكون من الداعين الذين يدعون الله عز وجل، ويسألون الله، ولا يكون شأنه أن يسأل الناس: ادع لي ادع لي ادع لي؛ وإن كان في الأصل أنه جائز.
حكم الشرب قائماً لمن لم يصل تحية المسجد
السؤال أكون أحيانا ًعطشان وأدخل المسجد النبوي وأريد أن أشرب من ماء زمزم فإن شربت جالساً قبل أن أصلي وقعت في النهي وإن صليت قبل أن أشرب وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام) وخاصة أن النفس مشغولة بهذا الشراب، وإن شربت قائماً وقعت في النهي، فماذا أفعل؟
الجواب الإنسان إذا دخل المسجد وهو بحاجة إلى الشراب فمقدار ركعتين لا تفوت عليه حاجته، فالإنسان يصوم ويمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولا يضره ذلك؛ فالحاجة للماء ليست مثل الحاجة للطعام، فالطعام هو الذي لو كان موجوداً تتعلق به النفوس، وأما الماء فأمره سهل، والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #730  
قديم 30-06-2025, 01:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [423]
الحلقة (455)






شرح سنن أبي داود [423]
مما جاء الحث عليه في الشريعة الإسلامية الوليمة عند العرس، وعلى من دعي إلى وليمة أن يجيب الدعوة، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليدع لصاحب الوليمة؛ ففي الاجتماع على الوليمة أنواع من التآزر والترابط والتآخي والتآلف ونحو ذلك.
ما جاء في إجابة الدعوة وحكمها



شرح حديث (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول كتاب الأطعمة.
باب ما جاء في إجابة الدعوة.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) ] .
لما فرغ المصنف رحمه الله من ذكر ما يتعلق بالأشربة وما يحل منها وما يحرم، ثنَّى بذكر الأطعمة، وأورد الترجمة التي هي: [باب ما جاء في إجابة الدعوة] يعني: إجابة دعوة أخيك المسلم إذا دعاك لطعام، فإن كان طعام وليمة عرس، فمن العلماء من قال بوجوب الإجابة، وإذا كان لغير العرس فيستحب للإنسان أن يجيب الدعوة؛ لما في ذلك من إدخال السرور على الأخ المسلم.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)] أي: يجيب الدعوة.
والوليمة في الغالب تطلق على وليمة العرس؛ وقد تطلق الوليمة على ما هو أعم من ذلك.
وقوله: [باب ما جاء في إجابة الدعوة] يعني: إجابة الداعي لطعام، وهو يشمل وليمة الزواج والنكاح وغيرها من الدعوات الأخرى.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)
قوله: [حدثنا القعنبي] .
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله] .
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
وجه تقديم أبي داود كتاب الأشربة على كتاب الأطعمة
إن قيل: ما وجه تأخير كتاب الأطعمة عن كتاب الأشربة، مع أن الأكل مقدم على الشرب عادة؟ فالجواب أننا نجد كثيراً في سنن أبي داود أبواباً أو كتباً كان الأنسب أن تكون في مكان آخر، فمثلاً أخر الصوم وجعله بعد النكاح وبعد عدة كتب أخرى، وكان من المناسب أن يأتي به مع العبادات بعد الزكاة وقبل الحج، كما هو المشهور عند العلماء من المحدثين والفقهاء، وكما جاء ذلك مرتباً في حديث جبريل وغيره: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) ، فهو يأتي أحياناً بالكتاب في غير المكان المناسب من ناحية الترتيب، ويمكن أن مقصوده من تقديم الأشربة على الأطعمة هو أن الماء لا يستغنى عنه، وهو الذي تكون به الحياة، وجعل الله من الماء كل شيء حي، وقد يستغني الإنسان عن الطعام ولا يستغني عن الماء، فقد يكون هذا هو وجه تقديم الأشربة على الأطعمة.
شرح حديث: (فإن كان مفطراً فليطعم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، زاد: (فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليدع) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، بمعناه وفيه زيادة: (فإن كان مفطراً فليطعم) يعني: يأكل.
قوله: (وإن كان صائماً فليدع) يعني: يدعو لأهل الزواج ولأهل الوليمة، يدعو لهم بالتوفيق، وأن يجمع الله بين الزوجين على خير، فيكون حضوره فيه إدخال السرور وحصول الدعاء.
ومعنى هذا: أن الأكل ليس بلازم، ولكن الحضور هو الذي أمر به، وإجابة الدعوة هو الذي أمر به، أما الأكل فليس مأموراً به، فيمكن للإنسان أن يحضر وقد لا يشتهي الطعام، وقد يكون صائماً، وقد يكون هناك شيء يجعل الإنسان لا يشتهي الطعام.
تراجم رجال إسناد حديث: (فإن كان مفطراً فليطعم)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد] .
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو أسامة] .
هو أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر] .
نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.
شرح حديث (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه) وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه: [(إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه)] يعني: سواءً كان دعوة زواج أو نحوه، مثل: دعاء العقيقة أو غيرها من الدعوات فليجب، ولكن كما هو معلوم أن وليمة الزواج تختلف عن غيرها.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر] .
نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.
طريق أخرى لحديث (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه) وترجمة رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المصفى حدثنا بقية حدثنا الزبيدي عن نافع بإسناد أيوب ومعناه] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا ابن المصفى] .
هو محمد بن المصفى وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بقية] .
هو بقية بن الوليد وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الزبيدي] .
هو محمد بن الوليد الزبيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
شرح حديث (من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من دعي فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: [(من دعي فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك)] يعني: أن إجابة الدعوة هي المطلوب، وإذا حضر فليس بلازم أن يأكل؛ وذلك لقوله: (فإن شاء طعم وإن شاء ترك) ، وكما عرفنا فيما مضى إن لم يأكل يدعو: (إن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائماً فليدع) وهنا إن شاء أكل وإن شاء ترك حتى لو كان مفطراً، فإذا لم يشته الطعام أو أن الطعام كان في وقت غير مناسب له، وعادته ألا يأكل في مثل هذا الوقت، فإنه يحضر ويدعو وليس بلازم أنه يأكل.
تراجم رجال إسناد حديث (من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير] .
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود.
شرح حديث (من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)] .
يعني: أن عدم إجابة الدعوة فيها معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق من دعي، وأما من لم يدع وجاء من غير دعوة فإنه كما في الحديث: [(ومن دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً)] أي: يدخل مثل السارق الذي يدخل بخفية وتستر وعدم بروز وظهور، ثم إنه بعد ذلك يظهر وكأنه ظفر بالشيء الذي يريده، فيكون مثل الذي أغار واكتسب شيئاً وخرج به، ولكن الحديث ضعيف فيه من لا يحتج به، وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا درست بن زياد] .
درست بن زياد وهو ضعيف، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة.
[عن أبان بن طارق] .
أبان بن طارق وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[عن نافع قال: قال عبد الله بن عمر] .
نافع وعبد الله بن عمر قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: أبان بن طارق مجهول] .
شرح أثر (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين، ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (شر الطعام طعام الوليمة) يعني: من شأنه أنه يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء، مع أن الأغنياء ليسوا بحاجة إلى الطعام، والفقراء بحاجة إلى الطعام، فيدعى من لا يحتاج إليه، ويترك من هو بحاجة إليه! قوله: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) والمقصود بذلك طعام الوليمة كما عرفنا؛ لأن الوليمة عندما يأتي إطلاقها يراد بها وليمة العرس.
تراجم رجال إسناد حديث (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب] .
القعنبي ومالك مر ذكرهما، وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.



الأسئلة

وجه الاستدلال بقوله (وإن كان صائماً) في كون الوليمة تكون في النهار
السؤال هل قوله: (وإن كان صائماً) يدل على أن الوليمة تكون في النهار؟
الجواب لا، ليس بلازم، وإنما فيه إشارة إلى أنه إذا جاء الإنسان وكانت الوليمة في النهار فهو إما أن يكون صائماً وإما أن يكون مفطراً، والمهم أن توجد الوليمة، سواء كانت في النهار أو في الليل.
حكم إجابة الوليمة في الليل مع تأخرها كثيراً
السؤال كما هو معلوم أن إجابة دعوة الوليمة واجبة، لكن الآن ربما لا يضعون العشاء إلا في وقت متأخر من الليل فماذا يفعل الإنسان إذا دعي إليها؟
الجواب هذا غير مناسب؛ لأنه قد يذهب أكثر الليل أو قسم كبير من الليل، فمثل هذا له أن يعتذر عن الحضور، أو يحضر ليدعو لهم ويرجع قبل أن يأتي الطعام وقبل أن يجتمع الناس.
صيغة الدعاء لأهل الوليمة لمن حضرها
السؤال قوله: (وإن كان صائماً فليدع) ، هل هناك نص معين في الدعاء أو يدعو بما تيسر؟
الجواب ليس هناك نص معين في الدعاء لمن حضر الوليمة، ولكن يدعو للزوجين بالدعاء المعروف: (بارك الله لهما، وبارك عليهما، وجمع بينهما في خير) وله أن يدعو لهم بدعاء آخر كأن يقول: جزاكم الله خيراً وما إلى ذلك، والمهم هو الدعاء بالتوفيق في الزواج الذي فعلت الوليمة من أجله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 370.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 364.21 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]