القمار الالكتروني ... تسلية محرمة تقود الى العيادات النفسية والفشل في الحياة

[إبراهيم محمد سعيد]

تتزايد أعداد مواقع المقامرة على الشبكة الإلكترونية مع انتشار استخدام الانترنت بين الأفراد في المجتمعات المختلفة.
ما يتيح المجال أمام القائمين على تلك المواقع لزيادة أعداد ضحاياهم، والتي توجه إليهم الدعوات، على اختلاف أعمارهم، لتجربة "حظهم" الذي قد يسعفهم بربح سهل مغرٍ.
وتختلف نظرة الأفراد إلى هذا النوع من المواقع، وذلك باختلاف توجهاتهم ومعتقداتهم الدينية، فمنهم من يمثتل لتحريمها، وبعضهم يرى فيها مجرد مضيعة للوقت، إلاّ أنّ آخرين قد يرون فيها تسلية بريئة لا تضر، حسب زعمهم.
ويجد العديد من المختصين في الطب النفسي وعلم الاجتماع أنّ هذا النوع من المقامرة "الإلكترونية" غاية في الخطورة، حيث يعرض الأفراد للمخاطر أكثر من ارتياد صالات القمار نفسها.
وتعتمد مواقع المقامرة أو "صناعة الكازينو الالكتروني" على حد وصف بعض المختصين لها، في الإشارة إلى ضخامة هذا القطاع وثراء من يقفون خلفه، على فكرة استغلال طمع الأشخاص في جني المال دون بذل جهد ودون ارتياد أماكن خاصة قد تسوق إليهم الشبهات أو قد تحتاج إلى امتلاك مبالغ كبيرة بغية السماح لهم بارتيادها، كما هو الحال في صالات القمار المرخصة في بعض الدول.
وتستهدف هذه المواقع شريحة واسعة تتكون من جميع مستخدمي الشبكة الإلكترونية، حيث يسمح هذا التوسع بزيادة أعداد الضحايا الذين تعتمد عليهم هذه "الصناعة" في استمرارها.
ولتحقيق هذا الأمر؛ تعتمد تلك المواقع على استخدام الدعاية بأشكالها المختلفة بغية الإعلان عن نفسها، مثل الرسائل الإلكترونية أو الإعلان من خلال المواقع المختلفة، إضافة لاستخدام الصفحات الخدمية التابعة لبعض البواحث الإلكترونية. كما قد تلجأ إلى استخدام صفحات الدعاية التي تظهر فجأة أثناء تصفح المواقع، أو ما يعرف باسم Pop up، رغم أنّ هذه الصفحات مثيرة لحنق المتصفحين.
ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين ينساقون وراء تلك المواقع، والواقعين في مصائدها خلال فترة تزيد على العقد؛ فإنّ العديد من المختصين يرفعون النداءات المطالبة بتوعية الأفراد من خطر التعامل مع تلك الكازينوهات الإلكترونية.
كما توجه بعض الباحثين إلى إجراء دراسات حول هذا الأمر، كان من أحدثها دراسة أجراها باحثون من المركز الصحي التابع لجامعة كونيكتكت الأمريكية، والتي شملت 1414 شخصاً من مراجعي المركز، حيث أشارت نتائجها التى ستُنشر في دورية "التطبيق العائلي"Family Practice في عددها لشهر آب (أغسطس) القادم؛ أنّ المقامرة على الانترنت تُعدّ من أخطر أنواع القمار، وذلك بسبب إصابة ثلثي الممارسين لها، وفقاً لحجم عينة الدراسة، بالمقامرة المرضية والتي ارتبطت بضعف صحة الفرد "جسدياً" واضطراب حالته النفسية.
ووفقاً لتعريف الاتحاد الأمريكي للأطباء النفسيين للمقامرة المرضية؛ فإنها مرض يعاني الفرد المصاب به من إدمان هذا النوع من السلوك، الأمر الذي يزداد سوء بمرور الوقت، ما يجر عليه وعلى والمقربين منه مشكلات نفسية واجتماعية جمّة، إضافة إلى المتاعب المالية.
وبحسب رأي المختصين؛ فإنه لا بد للفرد المصاب بهذا المرض من ارتياد عيادات الطب النفسي طلباً للعلاج، إذا ما كان يعاني من خمسة أعراض من أصل عشرة بحسب تقييم الاتحاد. ومن تلك الأعراض؛ عدم قدرته على التوقف عن ممارسة المقامرة، حيث يعاني من شعور بعدم الاستقرار والتهيج النفسي بمجرد التفكير بضرورة التوقف عن ممارسة هذا السلوك. كما أنه يلجأ إلى المقامرة هرباً من حل المشكلات التي قد تعترضه، إضافة إلى استخدامه الكذب لإخفاء ممارسته لهذا السلوك، كما أنّ البعض يبدو مستعداً لارتكاب أعمال غير مشروعة بهدف الاستمرار في ممارسة هذا الأمر.
كما قد يجازف الفرد بكل ما يملك من مال وصداقات، علاوة على التضحية بعلاقاته الاجتماعية، من أجل استمراره في ممارسة القمار.
وبحسب رأي المختصين؛ فإنّ المصاب بالمقامرة المرضية يمر بثلاث مراحل وهي مرحلة الفوز، وتحدث كما يوضح المختصون عندما يحالف المقامر الحظ مرة أو أكثر فينتابه شعور بالنشوة وإحساس عال بالتفاؤل، لدرجة قد تدفعه إلى الاعتقاد بأنّ الحظ لن يفارقه مستقبلاً.
ثم تأتي ثانياً مرحلة الخسارة، وعندها تستحوذ المقامرة على تفكير الفرد في هذه المرحلة، فيبدأ بالكذب حتى على أقرب الناس إليه، كما يحاول اقتراض المال مستخدماً كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، إضافةً إلى أنه يغدو أكثر جفاء لمن حوله، كما تبدو عليه عوارض الاضطراب والتهيج الأمر الذي يجر التعاسة عليه وعلى أفراد أسرته.
في ما أنّ المرحلة الثالثة هي مرحلة اليأس، وينتاب الفرد خلال هذه المرحلة الشعور باليأس من استعادة ما فقد من مال، كما يسيطر عليه إحساس بالندم على ما ضاع منه، فيبدأ بلوم من حوله على الحالة التي آل إليها، ما يدفعه إلى الابتعاد عن الناس واعتزال الجميع حتى الأشخاص المقربين منه، الأمر الذي قد ينتهي بانفصاله عن الشريك أو فقدانه لوظيفته.
وينوه المختصون إلى أنّ دور القمار "الكازينوهات" الإلكترونية تستهدف الأشخاص اليافعين لقلة خبرتهم واندفاعهم نحو الأمور التي يرغبون في تحقيقها دون دراسة تأثيراتها وعواقبها، إضافة إلى رغبتهم في جني المال لتوفير كافة احتياجاتهم .كما ويحذرون من خطورة ما تتميز به المقامرة على الشبكة الإلكترونية مقارنة بغيرها، حيث يسهل إخفاء ممارسة الفرد لمثل هذا السلوك، خصوصاً فيما يتعلق بالمراهقين، فقد يصعب حتى على الوالدين معرفة إذا ما كان أحد أبنائهم من ضحايا القمار الإلكتروني، خصوصاً عند ضعف الرقابة من جهتهم، حيث لا يتطلب الأمر أكثر من لحظات ضعف لشخص يُعتقد أنه كان ذو صحة نفسية جيدة في يوم من الأيام.