|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العلم والتعليم الشيخ صالح الونيان ملخَّص الخطبة: 1- الأمر بالعِلْم مقدَّم على الأمر بالعمل. 2- فضل العِلْم والإخلاص في طَلَبِه، وصفات طالب العِلْم. 3- أحوال النَّاس تجاه العِلْم. 4- مسؤولية الجميع في رعاية أبناء أمَّتنا (الطلاب). 5- دور المعلِّم في البناء. • • • • • أما بعد أيُّها المسلمون:الخطبة الأولى اتَّقوا الله تعالى، وتعلَّموا أحكام دينكم، وتفقَّهوا فيه؛ لأنَّ هذا طريق الخير؛ فمن يُرِدِ الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين. واعلموا أنَّ الله - تعالى - رفع شأن العلماء العاملين: فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [الزمر: 9]. عباد الله: لقد أمر الله - تعالى - بتعلُّم العِلْم قبل القَوْل والعمل؛ قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [المجادلة: 11]. وبوَّب البخاريُّ - رحمه الله - في "صحيحه": "باب: العلم قبل القَوْل والعمل". ولقد بيَّن النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - فضل العلماء العاملين؛ حيث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((وإنَّ العالِم لَيستغفر له مَنْ في السَّماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العِلْم؛ فمَنْ أَخَذَه أَخَذَ بحظٍّ وافرٍ)). وقال بعض العلماء: "تعلَّم العِلْم؛ فإنه يقوِّمكَ ويسدِّدك صغيرًا، ويقدِّمكَ ويسوِّدكَ كبيرًا، ويصلح زيغكَ وفسادكَ، ويرغم عدوَّكَ وحاسِدكَ، ويقوِّم عِوَجَكَ ومَيْلَكَ، ويحقِّقَ هِمَّتَكَ وأَمَلَكَ. ليس يجهل فضل العِلْم إلا أهل الجهل؛ لأنَّ فضل العِلْم إنما يُعرَف بالعِلْم، فلمَّا عدم الجُهَّال العِلْمَ الذي به يتوصَّلون إلى فضل العِلْم؛ جهلوا فضله، واسترذلوا أَهْلَه، وتوهَّموا أنَّ ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المُقتناة والطُّرق المُشتهاة أوْلَى أن يكون إقبالهم عليها، وأحرى أن يكون اشتغالهم بها". وقد بيَّن عليُّ بن أبي طالب - رضيَ الله عنه - فضل ما بين العِلْم والمال؛ فقال: "العِلْمُ خيرٌ من المال، العِلْم يحرسكَ وأنت تحرس المال، العِلْم حاكمٌ و المال محكومٌ، مات خزَّان الأموال وبقيَ خزَّان العلم، أعيانهم مفقودة، وأشخاصهم في القلوب موجودة". وربما امتنع بعض الناس عن طلب العِلْم لكِبَر سنِّه، واستحيائه من تقصيره في صِغَرِه أن يتعلَّم في كِبَرِه، فرضيَ بالجهل أن يكون موسومًا به، وآثره على العِلْم أن يصير مبتدئًا فيه، وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل؛ لأن العِلْم إذا كان فضيلةً؛ فرغبة ذوي الأسنان فيه أوْلَى، والابتداء بالفضيلة فضيلة، ولأَنْ يكون شيخًا متعلِّمًا أوْلَى من أن يكون شيخًا جاهلاً. عباد الله: وتعلُّم العِلْم على نوعَيْن: النَّوع الأوَّل: واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، ولا يَقْدِرٌ أحدٌ على تَرْكِه، وهو تعلُّم ما يستقيم به دِينه؛ كأحكام العقيدة، والطَّهارة، والصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجّ، على الوجه الذي يتمكَّن به من أداء هذه العبادة على وجهها الصَّحيح. ولكنَّ بعض النَّاس فرَّط في هذا، فتراه يؤدِّي العبادة بطريقة خاطئة، ومع ذلك لم يحاول تعلُّم أحكامها، بينما تجده حريصًا على دنياه، يطلبها من كلِّ وجهٍ، ومن هذا عمله؛ سيسأله الله على تفريطه؛ فليُعِدَّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا. والنَّوع الثَّاني من تعلُّم العِلْم: ما زاد عن ذلك؛ مِنْ تعلُّم بقيَّة أحكام الشَّريعة في المعاملات والتفقُّه في أمور العبادات؛ فهذا واجبٌ على الكِفاية، إذا قام به مَنْ يكفي من المسلمين؛ سقط الإثم عن الباقين، وإن تَرَكَه الكلُّ؛ أثموا. عباد الله: وفي هذه الأيام يستعدُّ الطلاَّب والطالبات لاستقبال عامٍّ دراسيٍّ جديد، يبتدئونه يوم غدٍ؛ يقضون هذا العام بين أوراق المدارس والمعاهد والكليَّات؛ لينهلوا من مناهل العِلْم والمعرفة على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم، ويشجِّعهم ويدفعهم إلى ذلك أولياء أمورهم، وهذا شيءٌ طيِّبٌ، وقد تقدَّم التَّرغيب في طلب العِلْم. ولقد حثَّ النبيُّ أصحابه على القراءة والتفقُّه في الدِّين، وخير مثال ضربه لنا في هذا المجال كان في إطلاقه لأسرى بدر، بعد أن اشترط عليهم أن يعلِّم كلُّ واحدٍ منهم نفرًا من المسلمين القراءةَ والكتابة. معاشر طلاَّب العِلْم: لابدَّ أن يكون طَلَبُ العِلْم خالصًا لوجه الله تعالى، لا يُراد به عَرَضٌ من الدُّنيا، وذلك ليعمَّ نفعُه، ويُؤْجَر صاحبه، وكذلك إذا أحاط طالب العِلْم عِلْمًا بالمسألة؛ فالواجب عليه أن يطبِّقها على نفسه ويعمل بها؛ ليكون عِلْمَه نافعًا؛ فإن العِلْم النَّافع ما طبَّقه الإنسان عمليًّا، والعمل بالعِلْم هو ثمرة العِلْم، والجاهل خيرٌ من عالِم لم ينتفع بعِلْمه ولم يعمل به؛ فإن العِلْم سلاحٌ: فإمَّا أن يكون سلاحًا لكَ على عدوِّكَ، وإمَّا أن يكون سلاحًا موجَّهًا إلى صاحبه. عباد الله: قولوا لي بربِّكم: ما فائدة العِلْم بلا عمل؟ أرأيتم لو أنَّ إنسانًا درس الطبَّ وأصبح ماهرًا ولم يعالج نفسه ولا غيره؛ فما فائدة عِلْمِه وتَعَبِه؟! عباد الله: وإنَّ القلب لَيعتصره الألمُ حينما نرى بعضَ من طرقوا أبواب العِلْم الشَّرعي أو انتقلوا في مراحل التعليم، ولكنَّ أخلاقهم على خلاف ما تعلَّموا؛ تعلَّموا من الأحكام الشيءَ الكثير، ولكنَّ الأثر مفقودٌ، تجد الواحد منهم يَعلَم حكم إسبال الثياب ويُسبِل ثيابَه، ويعلم حكم حلق اللِّحى ويقارفه، ويعلم حكم موالاة الكفَّار ويستقْدِمَهم، ويعلم حكم الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ويعلم حكم الرِّبا ويتعامل به أو يتحايل عليه، ويعلم حكم خُلوةَ الرَّجل الأجنبيِّ بالمرأة الأجنبيَّة واستقدم سائقًا ويضعه مع محارمه يخلو بهنَّ، أو هو يخلو بالخادمة أو غيرها من النساء الأجنبيَّات، ويعلم أنَّ مصافحة الرَّجل الأجنبيِّ للمرأة الأجنبيَّة لا يجوز ومع ذلك يصافح النِّساء الأجنبيَّات؛ فمَنْ هذه حالُه؛ فعِلْمُه وبالٌ وحُجَّةٌ عليه، نسأل الله السلامة والعافية. وكم من جامعٍ للكتب من كلِّ مذهبٍ يزيد مع الأيام في جَمْعه عمًى!! فإذا تعلَّم وطبق؛ فعليه أن يدعو إلى ذلك. معاشر طلاَّب العِلْم: وهناك شروطٌ يتوفَّر بها عِلْم الطَّالب، وينتهي معها كمال الرَّاغب، مع ما يُلاحظ به من التَّوفيق ويُمَدُّ به من العَوْن: أوَّلها: العقل الذي يدرك به حقائق الأمور. الثَّاني: الفِطْنَة التي يتصوَّر بها غوامض العلوم. والثَّالث: الذَّكاء الذي يستقرُّ به حفظ ما تصوَّره وفهم ما عَلِمَه. الرَّابع: الرَّغبة التي يدوم بها الطَّلَب، ولا يُسرع إليها الملل. والخامس: الاكتفاء بمادَّة تُغنيه عن كلف الطَّلب. والسَّادس: الفراغ الذي يكون معه التوفُّر ويحصل به الاستكثار. السَّابع: عدم القواطع المُذهِلَة من هموم وأشغال. الثَّامن: الظَّفْر بعالِمٍ سَمْحٍ بعِلْمِه، مُتأنٍّ في تعليمه. فإذا استكمل هذه الشروط؛ فهو أسعد طالب، وأنجح متعلِّم، وكذلك عليه أن يتأدَّب مع معلِّمه ويوقِّره ويحترمه ويعترف بفضله. قال بعض العلماء: "مَنْ لم يتحمَّل ذلَّ التعلُّم ساعةً؛ بقيَ في ذلِّ الجهل أبدًا". وقال بعض الشُّعراء مبيِّنًا مَغَبَّة ازدراء المعلِّم: إِنَّ الْمُعَلِّمَ وَالطَّبِيبَ كِلَيْهِمَا لا يَنْصَحَانِ إِذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا فَاصْبِرْ لِدَائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّمَا عباد الله: فإذا تعلَّم الإنسان وحصَّل قدرًا من العِلْم؛ فليَعْلَم أنَّه قليلٌ بجانب ما جهل، وعليه ألاَّ يدخله العُجْب، وليعلم أنَّه لا سبيل إلى الإحاطة بالعِلْم كلِّه؛ فلا عار أن يجهل بعضه، وعليه أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم. ولا ينبغي أن يجهل من نفسه مبلغ علمها، ولا أن يتجاوز بها قَدْرَ حقِّها، وقد قسَّم الخليل بن أحمد أحوال الإنسان، فقال: "الرِّجال أربعةٌ: رجلٌ يدري ويدري أنه يدري؛ فذلك عالمٌ؛ فاسألوه. ورجلٌ يدري ولا يدرى أنه يدري؛ فذلك ناسٍٍ؛ فذكِّروه. ورجلٌ لا يدري ويدري أنه لا يدري؛ فذلك مُسْتَرْشِدٌ؛ فأرشدوه. ورجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري؛ فذلك جاهلٌ؛ فارفضوه" اللهم إنَّا نعوذ بك من فتنه القَوْل كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلُّف لما لا نُحسِن، ونعوذ بك من العُجْب بما نُحْسِن. أقول هذا القَوْل، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب؛ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثَّانية الحمد لله ربِّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.أمَّا بعد أيُّها المسلمون: اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واعلموا أنَّ كلاًّ منكم على ثَغْرٍ من ثغور الإسلام؛ فحذار أن يُؤتى الإسلامُ من قِبَلِه. عباد الله، إخوتي أولياء أمور الطلاَّب، إخوتي أساتذة أبناء المسلمين: ممَّا لا يخفى على الجميع: أنَّ أبناء اليوم رجال الغد، وهم الذين سيتولُّون في المستقبل توجيه سفينة المجتمع وإدارة شؤونه؛ فإذا قُمنا اليوم بتوجيههم الوِجْهَة الصَّالحة التي أمر بها ديننا الحنيف؛ تخلَّصت مجتمعاتنا تحت إدارة هذه الصَّفوة من الشَّباب الطيِّب من أمراضٍ اجتماعيَّةٍ متفشِّية في المجتمعات؛ مثل النفاق، والوساطة، وأَكْل السُّحْت .. وغيرها. وأولياء أمور الطلاَّب والطَّالبات والمدرِّسين والمدرِّسات يقع عليهم العبءُ الأكبر؛ لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الطلاَّب؛ الأب مع أبنائه في البيت، والمدرِّس مع طلاَّبه في المدرسة؛ فينبغي أن يكون كلٌّ منهم متفهِّمًا لرسالة الآخَر. ويبلغ التأثير أعلاه حينما يكون الأب والمدرِّس كلٌّ منهما ملتزمٌ بأحكام الإسلام في العبادات والمعاملات والأخلاق؛ فإذا كان الأب والمدرِّس كلٌّ منهما ملتزمًا بأحكام الإسلام، معتزًّا بإسلامه، شاعرًا بواجبه في الدَّعوة إلى الله والتَّوجيه؛ أفاض على مَنْ يقوم بتربيته من نور هذا الإيمان الذي يحمله بين جنبَيْه ويمشي به في النَّاس. فليَكُنْ شعارُك أخي المدرِّس: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصِّلت: 33]. وليعلم كلٌّ من المدرِّس ووليِّ أمر الطلاَّب والطَّالبات: أنَّه راعٍ فيهم، ومسؤولٌ عنهم، ومطلوبٌ منه النُّصح لهم. وليعلم أنَّه: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لها؛ إلا حرَّم الله عليه الجنَّة)). وليعلم أنَّه إن ترك هذه البراعم الغضَّة؛ فإن رياح الشهوات ستعصف بها، وإنَّ أعداء الإسلام سيجلبون عليها بقَضِّهم وقَضِيضِهم، حتى يسلخوهم من الدِّين، فيعودوا حربًا عليه: لِمِثْلِ هَذَا يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إِسْلامٌ وَإِيمَانُ وليعلم كلُّ مَنِ اشتغل بالتَّدريس: أنَّ أقلَّ ما يُنتظَر من المدرِّس المسلم أن يكون مظهره إسلاميًّا، وأن يتَّفق قوله وفعله وسلوكه مع روح الإسلام ومبادئه. فمثلاً: إذا دخل على طلاَّبه؛ قابلهم بوجه طَلْقٍ، كما علَّمه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلْقَ أخاك بوجه طَلْقٍ))، وحيَّاهم بتحيَّة الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا بتحية العَوَام: صباح الخير، أو: مساء الخير!! وليبدأ حديثه بحمد الله والصَّلاة على رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فـ: ((كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بحمد الله؛ فهو أَقْطَعٌ))، إلى غير ذلك من الأمور التي تغرس في نفوس الصغار الأخلاق الحميدة. عباد الله: وتَختلُّ الموازين حينما يتولَّى التَّدريس مدرِّسٌ غير ملتزمٍ بأحكام الإسلام، متهاونٌ في أوامر الله، قد استحوذ عليه الشَّيطان؛ لأنَّ المطلوب منه الإرشاد إلى كلِّ خُلُقٍ حسن، والتَّحذير من كلِّ خُلُقٍ ذميمٍ، ولكنَّ فاقِد الشَّيء لا يُعطيه!! فَالطَّالب الذي يرى مدرِّسه في حالةٍ من المُيوعة والتَّسيُّب؛ كيف يتعلَّم الفضيلة؟! والطَّالب الذي يسمع من مدرِّسه كلمات السبِّ والشَّتْم؛ كيف يتعلَّم حلاوة المَنْطِق؟! والطَّالب الذي يرى مدرِّسه يتعاطى الدُّخان؛ سيَسْهُل عليه هذا الأمر!! والطَّالبة التي مدرِّستها تسير خلف ما يصدِّره لها الأعداء من أزياء فاضحة وأخلاق سافلة؛ كيف تتعلَّم الفضيلة؟! والطالبة التي ترى مدرستها متبرجة، كيف تلتزم بالحجاب؟! والطَّالبة التي ترى مدرِّستها تركب مع السَّائق وحدها؛ كيف تبتعد عن الاختلاط بالأجانب والخُلْوَة بهم؟! وقِسْ على هذه الأمور غيرَها. عباد الله: هذا وإنَّ بعض الآباء قد أغمضوا أعينهم عن أخلاق أبنائهم وبناتهم، ولم ينظروا في قدوتهم؛ هل هي حسنةٌ أم سيئةٌ؟! وهذا أمرٌ قد يُنذِر بالخطر. بل إنَّ بعض الآباء - هداهم الله - إذا وفق أبناؤهم بأساتذة صالحين مُصلِحين؛ تجدهم ينسفون ما تعلَّم أبناؤهم من أساتذتهم من أفكار صالحة. فالابن في المدرسة يتعلَّم أنَّ الغناء من المحرَّمات، ولكنَّ والده يجلب له آلات اللهو، وبأغلى الأثمان، ويخلِّي بينه وبينها!! وكذلك الولد يتعلَّم أنَّ الخُلْوَة بالأجنبيَّة حرامٌ، ووالده يناقِض ذلك، ويجلب له امرأةً أجنبيَّةً باسم الخِدْمَة، ويترك الأبناء ينظرون إليها وهي سافرةٌ لا يأمرها بالحجاب!! والبنت في المدرسة تتعلَّم أنَّ الخُلْوَة بالأجانب حرامٌ، ووالدها يجلب لها سائقًا أجنبيًّا، ويدعه يذهب بها وحدها إلى المدرسة أو غيرها!! مَتَى يَبْلُغُ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ؟! هذا؛ والواقع الذي ذكرته ليس على سبيل التَّعميم؛ فهناك أساتذة أكْفَاء، على مستوى من الخُلُق والدِّين، وكذلك الحال بالنسبة للآباء، ويظهر أثر ذلك جليًّا على أخلاق الناشئين؛ فيوم أن ترى الشباب ملتزمًا وذا خُلُقٍ فاضل؛ تعلم أنَّه قد وفِّق بمَنْ أحسن توجيهه، وتضافرت الجهود من المدرسة والبيت على ذلك، ويوم أن ترى قُطعانًا من الشَّباب يهيمون في كلِّ بقعة، ويجتمعون فيتكلَّمون في بعض الأحيان وقد علا الشَّتْم مجالسهم، ويسخرون بمَنْ يأمرهم بالمعروف؛ تعرف أنه قد تُرِكَ لهم الحبل على الغارِب حتى شبُّوا وتفلَّتوا، وإذا زال الحياء من الله ومن عباده، فحدِّث ولا حرج. فَلا وَاللهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() العلم والتعليم (2) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل العلماء الربانيون أمان للأمة الحمد لله رب العالمين؛ فضَّل هذه الأمة على سائر الأمم، وجعلها شاهدة لأنبيائهم عليهم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، ونستغفره لخطايانا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أخرجنا الله تعالى به من الضلال إلى الهدى، ومن الجهل إلى العلم {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الطَّلاق:11] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتبعوا ما أَنزل من الهدى، واحذروا مضلات الفتن واتباع الهوى؛ فإن الفتن تعمي عن السنن، وإن الهوى يهوي بأهله في نار جهنم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الكَافِرِينَ} [آل عمران:31-32]. أيها الناس: اختار الله تعالى دينَ الإسلام قاضيا على كل الأديان والشرائع، واختار سبحانه رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام خاتما للرسالات والنبوات، واختار القرآن كتابا لأهل الحق والهدى يبقى إلى آخر الزمان؛ فلا دينَ بعد الإسلام، ولا نبيَ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولا كتابَ بعد القرآن. وقد قضى الله تعالى بحفظ دين الإسلام وكتابه القرآن من التحريف والتبديل والضياع {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وجعل سبحانه وتعالى لهذا الحفظ أسبابا قدرية وأسبابا شرعية: فمن الأسباب الشرعية: تحذيرُ المسلمين من الابتداع في الدين، ونهيهم عن التشبه بالكافرين؛ لأن الابتداع والتشبه يُدخلان في الدين ما ليس منه، وإذا أُدخل فيه ما ليس منه، خرج ما هو منه، فحصل التحريف والتبديل. ومن الأسباب القدرية: أن الله تعالى جعل في كل زمان للحق أنصارا يذودون عن الدين، ويحفظونه من جهل الجاهلين، وينفون عنه تحريف المحرفين، ويصبرون في سبيل ذلك على أذى المؤذين، وظلم الظالمين؛ كما في حديث مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ الله لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ أو خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس). وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ولا تَزَالُ عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم. ومن نظر في تاريخ المسلمين منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام استبان له أن على رأسِ هذه الطائفة المنصورة العلماءَ الربانيين، فهم الذين يبلغون الحق خلفا عن سلف، وهم الذين يدرءون عن الدين شبهات المضلين، وهم الذين يُقوِّمون اعوجاج الأمة إذا اعوجت، ويتصدون للفساد والمفسدين، وينصحون العامة والخاصة، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدعون بالحق لا يخافون في الله تعالى لومة لائم. وفي حال المحن والفتن واختلاط الأمر يؤوب الناس إليهم لاستجلاء الأمر، واتخاذ المواقف المناسبة. لقد حفظ الله تعالى الأمة من الانحراف والضياع بالعلماء الربانيين، وبهم حفظ دينه، ولقد كان الصديق أبو بكر رضي الله عنه أعلم الصحابة بملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام، وبعلمه وثباته حفظ الله تعالى الأمة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام حين صُدم الناس بوفاته، ثم حفظ به الأمة مرة أخرى لما ارتد المرتدون، فثبت ثباتا عظيما قُضي بسببه على المرتدين، وسلمت به الأمة من الفتنة في أول عهدها. ثم لما أُحدث في الأمة بدعةُ الجهمية والمعتزلة، وانتحلها ثلاثة من خلفاء بني العباس تصدى لها الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى، وثبت ثباتا عجيبا ما ظَفِر المبتدعة منه بشيء حتى قال علي بن المديني رحمه الله تعالى: إن الله أيَّد هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة. وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى: لولا أحمدُ وبذلُ نفسه لذهب الإسلام. ولما احتلت الجيوش الصليبيةُ بيت المقدس في القرن الخامس نهض العلماء بواجبهم، يربون الأمة، ويردونها إلى دينها، ويحولون بين الناس وبين المعاصي والشهوات، فيخطبون في الناس، ويلقون الدروس والمواعظ التي تستنهض العزائم، وتشحذ الهمم، ويحثونهم على جهاد الصليبيين، ويبثون الحمية الدينية في قلوبهم؛ حتى تهيأت الأمة في عهد نور الدين رحمه الله تعالى وقد أعلى من شأن العلماء في دولته وأدناهم، وخلَّى بينهم وبين الناس في بيان الحق والصدع به. ثم خلفه على سيرته الحسنة صلاحُ الدين رحمه الله تعالى، فاتخذ من العلماء العاملين بطانة له، وكان بعضهم لا يفارقه في حضر ولا سفر، ولا حرب ولا سلم، كالقاضي ابن شداد الذي لازمه ربع قرن فكتب سيرته، وبإدناء العلماء، والتخلية بينهم وبين الناس؛ تهيأت الأمة على أيدي العلماء الصادقين لكسر جيوش الصليبيين، وإخراجهم من بيت المقدس أذلة صاغرين، وتم ذلك بعد تسعين سنة من احتلالها. ولما وطئ التتر بلاد المسلمين، وأسقطوا دولة بني العباس، وعاثوا فسادا في العراق والشام هيأ الله تعالى القائد سيف الدين قُطُز الذي تربى في مجالس العلماء، فقاد الأمة وما كان يقطع برأي في الإعداد لمواجهة التتر وجهادهم حتى يراجع العلماء، ويأخذ بمشورتهم، ولا سيما الشيخ عز الدين ابن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري. ولما جبن بعض الأمراء والقادة عن مواجهة التتر، وهابوا الخروج إليهم قال العز بن عبد السلام: أخرجوا وأنا أضمن لكم على الله تعالى النصر، واتفق مع السلطان قطز على إخراج ما في خزائنه من أموال، وكذلك خزائن الأمراء لتجهيز الجيوش، فانتصر المسلمون، وكسر الله تعالى على أيديهم التتر في عين جالوت، فلم تقم لهم قائمة بعدها. وكان لعلماء الأندلس الفضلُ بعد الله تعالى في تأخر سقوطها قرنين وزيادة، وذلك بالسعي في الصلح بين الحكام المتناحرين، واستنهاض همم الناس للجهاد في سبيل الله تعالى، ولما تدهورت أحوال المسلمين، وعظم الاختلاف والتناحر بين ملوكهم، وغلب النصارى على كثير من الأمصار؛ سافر جماعة من علماء الأندلس إلى يوسف بن تاشفين في المغرب، وعبروا البحر لأجل ذلك، فكان في رحلتهم تلك إنقاذٌ لكثير من ممالك الأندلس من السقوط في أيدي النصارى؛ إذ عبر إليهم ابن تاشفين بجيوشه، وكسر النصارى في معركة الزلاقة، وكان الفضل في ذلك بعد الله تعالى لعلماء الأندلس وفقهائه. وأما جهاد العلماء للمنافقين والمرتدين بأقلامهم، وذبهم عن الشريعة، وحمايتهم للأمة من الضلال والانحراف فأكثر من أن يحصر، لا قديما ولا حديثا، حتى إن من العلماء من اشتغل حياته كلها بذلك كابن تيمية وابن القيم الذي قال: والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان؛ ولهذا أمر به تعالى في السور المكية حيث لا جهاد باليد؛ إنذارا وتعذيرا فقال تعالى {فَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التوبة:73] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق.اهـ ولما عاب بعض الناس على ابن المُنَيِّر قعوده عن الغزو قال: ولا أجد في تأخري عن حضور الغزاة عُذرا إلا صرفَ الهمة للتحذير من هذا المصنف -يعني كشاف الزمخشري المعتزلي- والرد على أقواله التي تمثل رأي المعتزلة..اهـ وقد لقي العلماءُ الربانيون من أهل السوء والفساد والإفساد أنواعا من الأذى كالضرب والحبس والقتل، وما ردَّهم ذلك عن بذل النصح، والصدع بالحق، والقيام بأمر الله تعالى. والملاحظ في حوادث التاريخ، وسير الملوك والعلماء أنه متى اتفقت سياسة السلاطين مع كلمة العلماء، وتواصوا بالحق فيما بينهم، وتعاونوا على البر والتقوى، وكانت بطانة السلاطين من العلماء الناصحين؛ صلحت أحوال الرعية، واستقرت الممالك، وبقيت هيبة السلاطين والعلماء محفورة في قلوب الناس. ومتى وُجد انفصام بين العلماء الربانيين المخلصين وبين السلاطين فسدت أحوال الرعية، واضطربت الممالك، وسقطت مهابة السلاطين والعلماء على حدٍ سواء، وفي ذلك من الشر والفتن واضطراب الأحوال ما لا يخفى. إن العلماء دعاة بألسنتهم، وأصحاب السلطان دعاة بألسنتهم وسلطانهم، وباتفاق العلماء وأصحاب السلطان وتعاونهم تتقدم الأمة، ويصلح أمر البلاد والعباد؛ فالعلماء ورثوا العلم من مقام النبوة، وأهل السلطان ورثوا القوة من مقام النبوة، والعدل أساس الملك، والتقوى أساس العلم، فبالعدل والتقوى تبنى الأمم وتزدهر، ويسود الأمن والرضا، وبغير ذلك يكون الخراب والدمار. نعوذ بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين إنه سميع قريب. أقول ما تسمعون وأستغفر الله... الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور: 52]. أيها المسلمون: موت العلماء الربانيين خسارة عظيمة للأمة التي تعرف قيمتهم، وتدرك أهميتهم، وتعلم ما يترتب على فقدهم، وكان الناس -ولا يزالون- يبكون العلماء الربانيين. ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه قال أبو هريرة رضي الله عنه: مات اليوم حبر هذه الأمة ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلفا. وبقي ابن عباس رضي الله عنهما عالما للأمة وإماما لها سنوات طويلة فلما مات صفق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بإحدى يديه على الأخرى وقال: مات أعلم الناس وأحلم الناس ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق. وإنما كان موت العلماء الربانيين مصيبة عظيمة لأنه من نقص الأرض بنقص الدين والعلم فيها {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد:41] قال عطاء رحمه الله تعالى في معنى نقصها: هو ذهابُ فقهائها وخيارِ أهلها. وبتوافرِ العلماء الربانيين صلاحُ الدين والدنيا، وبفقدهم فسادهما؛ كما قال الإمامُ الزُّهْرِيُّ رحمه الله تعالى: كان من مَضَى من عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ، وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيعًا، فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وفي ذَهَابِ الْعِلْمِ ذَهَابُ ذلك كُلِّهِ. وقال الْحَسَنِ رحمه الله تعالى: كَانُوا يَقُولُونَ: مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ في الْإِسْلَامِ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ ما اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وسُئل سعيدُ بن جبير رحمه الله تعالى: ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم. والعلم إنما يزول من الأرض بموت العلماء، فَيَحِلُّ محلهم أهل الجهل والهوى، فيكون في ذلك تجهيل الناس وإضلالهم؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عَمْرِو رضي الله عنهما قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤوسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) متفق عليه. وفي رواية لأحمد: (إن اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنَ الناس بَعْدَ أن يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهُ وَلَكِنْ يَذْهَبُ بِالْعُلَمَاءِ كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا معه مِنَ الْعِلْمِ حتى يَبْقَى من لاَ يَعْلَمُ فَيَتَّخِذَ الناس رُؤَسَاءَ جُهَّالاً فَيُسْتَفْتَوْا فَيُفْتُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّوا وَيُضِلُّوا). ولقد رزئت الأمة في هذا العقد الثالث من المئة الخامسة بعد الألف بكوكبة من العلماء الربانيين تلاحقوا في سنوات قلائل؛ فَفُتِح على الناس بابٌ من الشر والفتن عريض، وكَثُر الاختلاف، واستنسر أهل الشر والفساد، وحقَّقُوا كثيرا من مآربهم الخبيثة، واستطاعوا في بضع سنوات تحقيق ما عنه عجزوا في خمسين سنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجبر الله تعالى مصاب المسلمين في علمائهم، وجعل في الخلف منهم عوضا عن السلف، والحمد لله على كل حال {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة:157]. وصلوا وسلموا على نبيكم.....
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |