الصيام ومحركات القلوب عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصحبة الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          فوائد من قصة يونس عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          ثمرات الابتلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          نهي العقلاء عن السخرية والاستهزاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          فتنة المسيح الدجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          معجزة الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          كيف أتعامل مع ابني المدخن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          حقوق الأخوة في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الأقصى: فضائل وأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الشباب أمل وألم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 13-01-2020, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,210
الدولة : Egypt
افتراضي الصيام ومحركات القلوب عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

الصيام ومحركات القلوب
عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف




- أقدار الله الكونية وشرائعه قائمة على الحكمة والتعليل، سواء علمناها أو لم نعلمها، فلا يقال: إن من الشرائع ما له علّة، ومنها ما هو تعبّد لا علّة له[1].
ومحاسن الصيام وأسراره لا تكاد تحصى، لكن نقتصر على بعض العبارات لابن القيم في هذا الشأن، حيث يقول: "أما الصوم فناهيك به من عبادة تكفّ النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقرّبين..فإذا كفت شهواتها لله ضيّقت مجاري الشياطين، وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها، محبةً له، وإيثاراً لمرضاته، وتقرّباً إليه»، إلى أن قال: «وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة، وتقمع النفس، وتحيي القلب وتفرحه، وتزهّده في الدنيا وشهواتها، وترغّب فيما عند الله..! "[2].
- إن حكمة الصيام جاءت منصوصاً عليها في قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
"فالصيام يحقق التقوى، وهو العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً، فهو يصوم رمضان، على نور من الله، يرجو ثواب الله؛ فالتقوى تجمع أصلين، أحدهما: أن الصيام باعثه الإيمان المحض وليس العادة أو الهوى. والآخر: أن الصيام غايته الاحتساب، فهو يصوم راجياً ثواب الله"[3].
ولذا؛ يكثر اقتران الإيمان بالاحتساب في غير حديث، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه))[4].
- إن الصيام يحرّك الإخلاص لله وحده، وينمّي حُسن القصد لله - عز وجل -، ويحقق التجرّد له - سبحانه -، كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - تعالى -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، إن ترك شهوته وطعامه من أجلي))[5].
ولذا قال غير واحد من أهل العلم: إن الصيام لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، وخصّ الصيام؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القلب، كما ورد في الأثر «ليس في الصيام رياء»[6].
"قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يُطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث: (( يدع شهوته من أجلي)). وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها، وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوب، بخلاف الصوم"[7].
وبتحقيق الإخلاص تحصل السلامة من السوء والفحشاء، إذ الإخلاص لله - تعالى -يمنع تسلّط الشيطان، قال - تعالى -: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24]، فمن كان مخلصاً لله - تعالى -حق الإخلاص لم يزنِ، وإنما يزني لخلوه من ذلك[8].
- إن الإغراق في شهوات البطون والفروج، واعتيادها، وإلْفها؛ يجعلها أسراً وقيداً، فتنجذب الروح إلى ذلك الانحدار والهبوط، أما إذا صام العبد إيماناً واحتساباً، فإن روحه تسمو وتعلو، فالصوم يحرر الروح من رق الملذات وأسر المألوفات.
ولطالما استحوذ على فئام من الناس التفنّن في فضول المطعومات، والتكلف في تناول المأكولات والمشروبات، والمرواحة بين «المقبّلات» و«المهضمات»! وفي مقابل شهوات الغيّ في البطون، كان سلفنا الصالح يتنعّمون بالفرح بفضل الله وبرحمته، ولذة الأنس بالله، فرحمة الله على تلك الأرواح، لم يبقَ منهم إلا الأشباح!
وهاك ما سطره ابن رجب - رحمه الله - في شأن القوم: و«نستغفر الله من الكلام فيما لسنا بأهل له»[9].
«قيل للإمام أحمد ابن حنبل: يجدُ الرجل رقّة من قلبه وهو يشبع؟ قال: ما أرى.
ولهذا المعنى شرع الله الصيام..
واعلم أن عيش الجسد يُفسد عيشَ الروح وينغصه، وأما عيش الروح فإنه يُصلح عيش الجسد، وقد يغنيه عن كثير مما يحتاج إليه من عيشه.
فمن وفّى نفسه حظها من عيش جسده بالشهوات الحسية؛ كالطعام والشراب؛ فسد قلبه وقسا، وجلب له ذلك الغفلة وكثرة النوم، فنقص حظ روحه وقلبه من طعام المناجاة وشراب المعرفة، فخسر خسراناً مبيناً.
فالصالحون كلهم قللوا من عيش الأجساد، وكثّروا من عيش الأرواح، لكن منهم من قلّل عيش بدنه ليستوفيه في الآخرة، وهذا تاجرٌ، ومنهم من فعل ذلك خوفاً من الحساب عليه في الآخرة.
والمحققون فعلوا ذلك تفريغاً للنفس عما يشغل عن الله، لتتفرغ القلوب للعكوف على طاعته، وذكره وشكره، والأنس به والشوق إلى لقائه.
فما تفرغ أحد لطلب عيش الأجساد، وأعطى نفسه حظه من ذلك؛ إلا ونقص حظه من عيش الأرواح، وربما مات قلبه من غفلته عن الله، وإعراضه عنه»[10].
إن البشرية اليوم تكابد سعار الشهوات، وتقاسي نكد الانحطاط في الملذات، وتعاني شقاءً وضنكاً؛ بسبب الولوغ والوقوع في تلك الدركات، والصيام جُنّة من تلك الآفات، وشفاء من جميع الغوايات، كما قال الشيخ محمد الخضر حسين: «أوليس في الصيام رياضة النفوس وتدريبها على احتمال المكاره، والصبر عن الشهوات، حتى لا تكون أسيرة في ملاذها! وفي النفوس التي اعتادت الصبر عما تشتهي - وهو حاضر - لديها قوة وجلادة لا تجدها في النفوس التي لا تكف عن المشتهيات إلا عند فقدانها، فالصيام بحق يشفي النفوس من علة الانحطاط في الشهوات كلما عرضت»[11].

- وفي الصيام جهاد للنفس على ترك العوائد والمألوفات، فهو يترك طعامه وشرابه وشهوته لأجل الله وحده، وجهاد النفس هو الأصل لكل جهاد[12].
والجهاد من لوازم محبة الله - تعالى -، والله - سبحانه - هو المعبود المألوه المحبوب المقصود، وهذه هي الحنيفيّة ملة إبراهيم - عليه السلام -، فمحبة الله أعظم الواجبات، وأصل كل الأعمال.
ثم إن الصيام إمساكٌ عن الشهوات، والغيُّ اتباع الشهوات، وأصل ذلك الغيّ هو الحبّ لغير الله[13]، فتحمله محبة الشهوات على تقديمها على محبة الله، فتضعف محبته لله - عز وجل -، وربما أصرّ على ذلك فسلب الإيمان بالكلية، فصار كافراً منافقاً، بعكس الصائم؛ فإن محبة الله في قلبه وتتضاعف كلما ارتقى في مقامات الصيام وأحواله.
كما أن محبة الصائم لله لا تنفك عن رجائه - عز وجل -، والخوف منه - سبحانه -؛ إذ كل محبّ راجٍ خائف، فكل محبة مصحوبة بالخوف والرجاء ضرورة[14]، ورجاء رحمة الله وقبول صيامه وقيامه يستلزم السعي والجدّ في شهر الرحمات والنفحات حسب الوسع والإمكان، إذ لا يصلح ولا يصح الرجاء إلا بالعمل[15]، وإلا كان مجرد أمانيّ عاجز مفرّط.
إن الصيام يرسّخ الإيمان باليوم الآخر ويقويه، ويربط الصائم بأحوال الآخرة وهمومها، ففي روايات الحديث الصحيح «الصيام جُنّة»، جاءت رواية عن سعيد بن منصور «جنة من النار»، ولأحمد «جنة وحصن حصين من النار»[16]، والإيمان بالآخرة يفتح باب الرجاء والخوف، والصائم يحقق الرجاء، فإن عبادة الرجاء تحث وتحدو القلوب على السير إلى الله والدار الآخرة، ونفوس الصائمين تنشط وتتسارع إلى الخيرات وتسابق إلى القربات كما هو مشاهد ومجرّب.
كما أن الصوم يقوي الخوف من الله، فالصائم يخاف من تقصيره وتفريطه وعدم قبول عمله، فهناك تلازم بين مجانبة الشهوات والخوف من الله تعالى؛ ولذا قال بعض السلف: إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها[17].. فاللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر: شرح الأصفهانية (ت: السعوي) ص 424.
[2] مفتاح دار السعادة 2/3 = باختصار.
[3] ينظر: الرسالة التبوكية لابن القيم ص 10 - 11.
[4] أخرجه البخاري وغيره.
[5] أخرجه البخاري ومسلم.
[6] ينظر: فتح الباري 4/107.
[7] فتح الباري لابن حجر 4/107.
[8] ينظر: التحفة العراقية لابن تيمية ص 59، والفتاوى 7/306، 8/222.
[9] قالها ابن القيم في طريق الهجرتين ص 333.
[10] مجموع رسائل ابن رجب 1/117-119 = باختصار.
[11] رسائل الإصلاح ص 108.
[12] ينظر: روضة المحبين ص 478.
[13] ينظر: جامع الرسائل لابن تيمية 2/265.
[14] ينظر: جامع المسائل لابن تيمية 8/28، ومدارج السالكين لابن القيم 2/43، والجواب الكافي ص 48.
[15] ينظر: مدارج السالكين 2/35.
[16] ينظر:الفتح لابن حجر 4/103 - 104.
[17] ينظر: مدارج السالكين 1/513.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.92 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]