|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() يوم الأرض د. محمد ويلالي يَتحدَّث العالَم هذه الأيام عن الذكرى الأربعين ليوم الأرض، الذي يُوافِق الثاني والعشرين من شهر أبريل، حيث الإشادة بأهميَّة الأرض، وضرورة الحِفاظ عليها بتطهيرها من الملوثات، والمواد السامَّة التي يكون لها أوخم العَواقِب على الإنسانية جمعاء. غير أن الخطابات العالمية حول هذا الموضوع، تنطَلِق من منطلقات ماديَّة، مُركِّزة على ما يضمن المصالح الخاصَّة، وإن كان في تحقيقها اعتداءٌ على مصالح الآخرين، ولا نكاد نجد أحدًا يَنطلِق من مفهوم الأرض في الإسلام، والضوابط الشرعية التي يجب أن تحكم تعامُل الإنسان مع الأرض، التي صارَتْ في زماننا ملكًا للأقطاب الكبرى، ومستودعًا لنفاياتهم الخطيرة. لقد ذكر القرآن الكريم لفظة الأرض ما يقارب 460 مرة؛ ممَّا يدلُّ على أهميَّتها، وتأكيد الاهتمام بها. إن الأرض - في الحقيقة - لله، وليست لأحدٍ، إنما نحن مُستَخلَفون فيها؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، فإذا ملَّكَك الله - تعالى - أشبارًا من هذه الأرض، فلِيَبتلِك ماذا أنت فاعل فيها؟ فمَن اعتَدَى على أرض غيره، استحَقَّ العقوبة الشديدة؛ يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث سعيد بن زيد - رضِي الله عنه -: ((مَن ظلم من الأرض شيئًا، طُوِّقَه من سبع أرَضِين))؛ البخاري. وفي حديث أبي مالك الأشعري - رضِي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((أعظم الغُلول عند الله - عزَّ وجلَّ - ذِراع من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار، فيقتَطِع أحدُهما من حظِّ صاحبه ذِراعًا، إذا اقتطَعَه طُوِّقه من سبع أرضين))؛ رواه أحمد وهو في "صحيح الترغيب". وكان بين أبي سلمة وبين أُناسٍ خصومة، فذكر ذلك لعائشة - رضِي الله عنها - فقالت: يا أبا سلمة، اجتَنِب الأرض؛ فإن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن ظلم قِيدَ شِبْرٍ من الأرض طُوِّقَه من سبع أرَضِين))؛ متفق عليه. فالإسلام يمنع التراميَ على حقِّ الغير مهما كان قليلاً؛ فقد قال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن اقتَطَع حقَّ امرئٍ مسلم بيَمِينه (أقسم على ذلك)، فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة))، فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: ((إن كان قضيبًا من أراك))؛ مسلم. وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لعن الله مَن ذبح لغير الله، ولعن الله مَن سرق مَنار الأرض (علاماتها وحدودها)، ولعن الله مَن لعن والده، ولعن الله مَن آوَى مُحدِثًا))؛ مسلم. فكيف بالذين يَحتالُون، ويُزَوِّرون، ويَحلِفون كذِبًا، ويُعطون الرشاوى من أجل النصب على الناس، والاعتِداء على حقوقهم؟! هؤلاء هم المُفسِدون في الأرض الذين حذَّر منهم القرآن في غير موضع؛ يقول - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 204- 205]، قال الزمخشري: "قيل: يُظهِر الظلم حتى يمنع اللهُ بشؤم ظلمه القطرَ، فَيَهلِك الحرثُ والنسلُ". - إن الله - تعالى - سَوَّى لنا الأرض، ويسَّر لنا السيْر عليها لنَعتَبِر بظلم مَن سبَقَنا؛ قال - تعالى -: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[آل عمران: 137- 138]، وقال - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الروم: 9]، فلا مَجال للتفاخُر بالبِنايات؛ فإنها إلى زوال، ولا بالقوة؛ فإنها إلى ضعف، ولا بالغنى؛ فإنه إلى فقر؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]. ولَمَّا أَذِنَ الله - عزَّ وجلَّ - في هذه الأيام لبركان صغير أن ينشط في أيسلندا، انبَعَثت منه سحابة واحدة غطَّتْ سماء أوربا، وعطَّلت المِلاحَة الجويَّة أسبوعًا، كانت الخسارة فيه قرابة المليارين من الدولارات؛ ﴿ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 17]. عَن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: ((يَطوِي الله - عزَّ وجلَّ - السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبِّرون؟ ثم يَطوِي الأرَضِين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبِّرون؟))؛ مسلم. لِمَنْ نَبْنِي وَنَحْنُ إِلَى تُرَابِ ![]() نَصِيرُ كَمَا خُلِقْنَا مِنْ تُرَابِ ![]() سَأُسْأَلُ عَنْ أُمُورٍ كُنْتُ فِيهَا ![]() فَمَا عُذْرِي هُنَاكَ وَمَا جَوَابِي ![]() فَإِمَّا أَنْ أُخَلَّدَ فِي نَعِيمٍ ![]() وَإِمَّا أَنْ أُخَلَّدَ فِي عَذَابِي ![]() إن التأمُّل في الأرض جَدِير بأنْ يَزِيد في إيمان المؤمن، ويستَشعِر لطف الحكيم الخبير، وأنَّه يُحيِي الموتى، وأنه على كلِّ شيء قدير؛ قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحج: 63]، وقال - تعالى -: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم : 50]. تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الْأَرْضِ وَانْظُرْ ![]() إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ ![]() عُيُونٌ مِنْ لُجَيْنٍ شَاخِصَاتٌ ![]() بِأَحْدَاقٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ ![]() عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ ![]() بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ ![]() إن انبِساط الأرض وجعْلها مِهادًا لنا وفِراشًا، من أعظم الأدلَّة على منْع الكبْر والتعالِي على الناس؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ﴾ [الإسراء: 37]، وقال - تعالى -: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146]، إنها الأرض التي ستُؤوِي هذا المستكبِر بعد موته، فيُقال لها: ((التَئِمى عليه، فتلتَئِم عليه، فتختَلِف فيها أضلاعُه، فلا يزال فيها مُعَذَّبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك))؛ "صحيح الجامع". والأرض أصل الإنسان، ومآله بعد الموت، تمهيدًا للخروج منها للحساب؛ قال - تعالى -: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55]، وقال - تعالى -: ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25]. والأرض مصدر للرزق، تنتَظِر مَن يضرب فيها، وينزع عنه رِداء العجز والبطالة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾ [النساء: 100]، وقال - تعالى -: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ﴾ [المزمل: 20]. إنَّ الذين يُنادون بضرورة الحِفاظ على الأرض هم أوَّل مَن يَنتهِك حرمتها، إن النفايات الإلكترونية - وحدها - تحتوي على أكثر من 1000 مادة مختلفة، الكثير منها ذات مكونات سامَّة، ومع ذلك تذهب الأُمَم المتَّحدة إلى أن السِّلَع الإلكترونية التي تتحوَّل إلى مُخَلَّفات ونِفايات في العالم، تصل إلى 50 مليون طن خلال السنَة الواحدة؛ فعن أيِّ أرض يتحدَّثون؟! ووفقًا لما جاء في التقرير الصادر عن معهد الدراسات الدولي من أجل السلام، فقد بلغ حجم تجارة السلاح في العالم 1120 مليار دولار خلال عام واحد، منها 600 مليون قطعة من الأسلحة الخفيفة تُستَخدَم في مختلف بِقاع العالم، وتَتسبَّب في مقتل نصف مليون شخص سنويًّا، بمعدَّل إنسان واحد في كلِّ دقيقة، يُنتَج من ذخيرتها 14 مليار طلقة في العام الواحد، ثم يتحدَّثون عن يوم الأرض، التي يُخشَى من تدميرها بالكامل من طرف هذا الإنسان الأرعن، الذي يملك قرابة 30000 رأس نووي، قادِرَة على تدمير الكرة الأرضية عِدَّة مرَّات. إنَّ الأرض لا تَزال تُعانِي من وَيْلات الحرب العالمية الثانية، التي أُزهِقت فيها 70 مليون نفسٍ بشريةٍ بين عسكري ومدني، واستُخدِمت فيها القنبلة الذريَّة، التي كُلِّفت في وقتها قرابة مليار دولار، واستُخدِم في إعداد مشروعها 130 ألف شخص، حوَّلت الهواء إلى كتلةٍ من اللهب، التهمَتْ كُلَّ شيء أمامَها وعلى مسافة 8 كيلو مترات من مركز الانفِجار، وبلغت حرارتها عِدَّة مئات من ملايين الدرجات المئوية، وانبعثَتْ منها أشعَّة تُسبِّب جميع أنواع السرطانات. ولا ننسى أن في فلسطين أرضًا للمسلمين اغتصَبَها اليهود، فعاثُوا فيها جميعَ أنواع الفساد، وهاهم اليوم يَتمادون في بناء مستوطناتهم عليها بكلِّ صَفاقَة وصَلَف، فكيف يَغمض للمسلمين جفن، ونحن نحتَفِل بيوم الأرض في غياب خطَّة لاستِرجَاع بيت المقدس؟! وَكَيْفَ يَرَى الْإِنْسَانُ فِي الْأَرْضِ مُتْعَةً ![]() وَقَدْ أَصْبَحَ الْقُدْسُ الشَّرِيفُ مَلاَهِيَا ![]() يَجُوسُ بِهِ الْأَنْذَالُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ![]() وَقَدْ كَانَ لِلْأَطْهَارِ قُدْسًا وَنَادِيَا ![]() مَعَالِمُ إِسْرَاءٍ، وَمَهْبِطُ حِكْمَةٍ ![]() وَرَوْضَةُ قُرْآنٍ تُعَطِّرُ وَادِيَا ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |