|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من هم الغرباء؟ د. أحمد فريد إن الحمد لله، نَحمَده ونستعينُه ونَستغْفِرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وما قلَّ وكفَى خيرٌ مِمَّا كَثُرَ وأَلْهى، ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام: 134]. روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء))[1]. وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ابن مسعود بزيادة في آخره: قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: ((النُّزَّاع[2] من القبائل))[3]. وأخرجه الآجُرِّيُّ، وعنده: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ((الَّذين يُصْلِحون إذا فسد الناس))[4]. وخرجه الترمذي من حديث كثير بن عبدالله المُزَني عن أبيه عن جدِّه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الإسلام بدأ غريبًا، ويرجع غريبًا، فطوبى للغرباء، الذين يُصْلِحونَ ما أفْسَد الناس بعدي من سُنَّتي))[5]. وخرجه أحْمد والطبراني من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طوبى للغرباء))، قلنا: وما الغرباء؟ قال: ((قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، مَنْ يَعصيهِمْ أكثَرُ مِمَّن يُطيعهم))[6]. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص مَرفوعًا وموقوفًا في هذا الحديث، قيل: ومن الغرباء؟ قال: ((الفرَّارون بدينهم، يبعثهم الله تعالى مع عيسى ابن مريم))[7]. فقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بدأ الإسلام غريبًا))؛ يريد به: أن الناس كانوا قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة عامَّة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّه نظر إلى أهل الأرض فمَقَتَهم عربَهم وعجَمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب))[8]. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى وينال منه، وهو صابرٌ على ذلك في الله عز وجل، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين، يُطرَدون ويُشرَّدون كلَّ مُشرَّد، ويَهرُبون بِدِينِهم إلى البِلاد النَّائية، كما هاجروا إلى الحبشة مرَّتَيْنِ، ثُمَّ هاجروا إلى المدينة، وكان منهم مَن يُعَذَّب في الله، وفيهم مَن قُتِلَ، فكان الدَّاخِلون في الإسلام حينئذٍ غُرَباء. ثُمَّ ظَهَرَ الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعزَّ وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجًا، وأظهر الله لهم الدين، وأتَمَّ عليهم النعمة، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون مُتناصِرُون، وكانوا على ذلك في زَمَنِ أبِي بكر وعمر رضي الله عنهما ثم أعمل الشيطان مَكائِدَهُ على المسلمين، وألقى بَأْسَهُم بينهم، وأفشى فيهم فتنة الشهوات والشبهات، ولم تزل هاتان الفِتْنَتَان تتزايدان شيئًا فشيئًا، حتَّى استحكمت مكيدة الشيطان، وأطاعه أكثر الخلق؛ فمِنْهُم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في طاعته في فتنة الشهوات، ومِنْهُم من جَمَع بينهما، وكان ذلك مما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوقوعه. فأمَّا فِتْنَةُ الشُّبُهات: فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: أنَّ أمَّته ستَفْتَرِقُ إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، وأنَّ جَميع تِلْكَ الفِرق في النَّار إلا فِرقة واحدة، وهِيَ مَن كان على ما هو عليْهِ وأصحابه صلَّى الله عليه وسلَّم[9]. وأمَّا فِتنة الشَّهوات: ففي "صحيح البخاري" عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واللهِ ما الفَقْر أخْشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليْكُم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلِككم كما أهلكتهم))[10]. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته هاتين الفتنتين، كما في مسند أحمد عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّما أخشى عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم، ومضلاَّت الفتن))[11]، وفي رواية ((ومضلاَّت الهوى))[12]. لقد عمت فتنة الشهوات غالب الخلق، فافتتنوا بالدنيا وزهرتها، وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك. وأمَّا فِتْنَةُ الشُّبهات والأهواء المُضِلَّة: فبِسَببها تفرَّق أهل القبلة، وصاروا شيعًا، وكفَّر بعضهم بعضًا، فلم ينجُ من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك))[13]. وهم في آخر الزمان (الغرباء) المذكورون في هذه الأحاديث، الذين يصلحون إذا فسد الناس، وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السُّنَّة، وهُم الذين يفرون بدينهم من الفتن، وهم النُّزَّاع من القبائل؛ لأنهم قلوا، فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان، وبهذا فسر الأئمة هذا الحديث. قال الأوزاعي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ)): أما إنَّه ما يذهب الإسلام، ولكن يذهب أهل السنة، حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد. ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيرًا مدحُ السنة، ووصفها بالغربة، ووصف أهلها بالقلة، فكان الحسن البصري - رحمه الله - يقول لأصحابه: "يا أهل السنة، ترفقوا رحمكم الله، فإنكم من أقَلِّ النَّاس". وقال يونس بن عبيد: "ليس شيءٌ أغرب من السنَّة، وأغرب منها مَنْ يعرفها". وعن سفيان الثوري أنه قال: "استوصوا بأهل السنة خيرًا؛ فإنهم غرباء". وقال يوسف بن أسباط: "إذا بلغك عن رجل بالمشرق أنَّه من أهل السنَّة فابعث إليه بالسلام، وإذا بلغك عن آخَرَ بالمغرب أنه من أهل السنَّة فابعث إليه بالسلام؛ فقد قلَّ أهل السنَّة والجماعة. ومُرادُ هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان هو وأصحابه عليها، السالمة من الشبهات والشهوات، ولهذا كان الفضيل بن عياض يقول: "أهل السنَّة مَنْ عرف ما يدخل بطنه من حلال"، وذلك لأنَّ أكل الحلال من أعظم خصال السنة التي كان عليها - صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. فالسُّنَّة الكاملة: هي الطريقة السالمة من الشبهات والشهوات، ثم صار في عُرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم السنة: عبارة عمَّا سَلِمَ من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك مسائل القدر وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم تصانيف سموها: كتب السنة، وإنَّما خصّوا هذا العلم باسم السنة، لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة. وهؤلاء الغرباء قسمان: أحدهما: من يصلح نفسه عند فساد الناس. والثاني: من يصلح ما أفسد الناس من السنة، وهو أعلى القسمين. قال الحسن البصري: "سُنَّتُكم والله الذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، والمترف والجاهل، فاصبروا عليها؛ فإن أهل السنة كانوا أقل الناس، الذين لم يأخذوا من أهل الإتراف إترافهم، ولا من أهل البدع أهواءهم، وصبروا على سنتهم حتى أتوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا". والغربة غُربتان: غُربة ظاهرة، وغُربة باطنة: فالظَّاهرة: غربة أهل الصلاح بين الفساق، وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق، الذين سلبوا الخشية والإشفاق، وغربة الزاهدين بين الراغبين في كل ما ينفد وليس هو بباقٍ. وأمَّا الغربة الباطنة: فغربة الهمة، وهي غربة العارف بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه. قال يحيى بن معاذ: "العابد مشهور، والعارف مستور، وربما خفي حال العارف على نفسه لخفاء حاله، وإساءته الظنَّ بنفسه". قال إبراهيم بن أدهم: "ما أرى هذا الأمر إلا في رجلٍ لا يَعْرِفُ ذاك من نفسه، ولا يعرفه الناس منه". وفي حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله يُحِبُّ العَبْدَ الخفيَّ التقيَّ)). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "كونوا جُدُدَ القلوب، خلْقان الثياب؛ تَخْفَون على أهل الأرض، وتعرفون في أهل السماء". اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، وأعْلِ راية الحق والدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعِزّ فاجْعَلْ عزَّ الإسلام على يديْه، ومَنْ أرادَنَا والإسلام والمُسلمين بكَيْدٍ فَرُدَّ كَيْدَه إلى نَحْرِه، واجعل تدبيره تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه. اللهُمَّ اقْسِم لنا من خشيَتِك ما تَحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تُهَوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعْنا بأسْماعِنا وأبصارنا وقوَّتنا أبدًا ما أحيَيْتنا، واجعلْه الوارث منا، واجعَلْ ثأرَنا على مَن ظَلَمَنا، وانصرنا على مَن عادانا، ولا تَجْعَل الدُّنيا أكبَر هَمِّنا، ولا مَبلَغَ عِلْمِنا، ولا تُسَلِّطْ علينا بذنوبنا من لا يَخافُك ولا يَرحَمُنا. اللهُمَّ عليْكَ باليهود الغاصبين، والأمريكان الحاقدين، والعلمانيّين والمنافقين. وصلى الله وسلم وبارك على مُحمَّد وآلِه وصحْبِه وسلَّم تسليمًا. [1] رواه مسلم (208). [2] أي من القبيلة الرجل والرجلان. [3] ابن ماجه (3978) وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه": "صحيح دون - قال: قيل ومن الغرباء... إلخ". [4] "السنن الواردة في الفتن" لأبي عمرو الداني (1/ 25) وغيره، وصححه الألباني في "الصحيحة" (3/ 267). [5] الترمذي (2630)، وقال الألباني: ضعيف جدًّا، انظر: "ضعيف الجامع" (1441). [6] أحمد (2/ 177)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (4/ 153). [7] "الحلية" (1/ 25)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4/ 338). [8] مسلم (5109). [9] أبو داود (3981) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (204). [10] البخاري (2924). [11] أحمد (18936) من حديث أبي برزة بإسناد صحيح. [12] أحمد (18937) من حديث أبي برزة رضي الله عنه بإسناد صحيح. [13] مسلم (3544).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |