|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إدراك السعادة في ظلال العبادة عبدالله بن عبده نعمان العواضي الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أحمده على نعم تترى، وآلاء لا أدرك لها حصرا، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة صدق تنجي صاحبها يوم الحق، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، وحجة على خلقه أجمعين، صلوات ربي وسلامه عليه، ما تعاقب الملوان، واستمر الجديدان، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومن انتهج هديه، واقتفى سعيه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، في أول أمركم ومنتهاه؛ فبتقوى الله صلاح دنيا المرء وأخراه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] أيها الناس، هناك ناس كثيرون ما زالوا يبحثون وسيبقون باحثين عنها حتى يصلوا إليها إن قُدِّر لهم ذلك؛ لأنها مطلب حياتي لا تحلو الحياة إلا بها، نعم، ظلوا واستمروا يبحثون عن السعادة وعن الراحة؛ علهم يلقون في ظلالها الاطمئنان والأمان. يقول كثير من الناس: إنهم غير سعداء، يعيشون حياة مغمورة بالكدر والضنك والحزن والهم، والقلق والوحشة، لا ابتهاج ولا سرور، ولا ارتياح ولا نعيم، ظلام دامس، في نهار شامس، وضيق خانق، في وسع مترامٍ باسق، يطول الزمان دون الوصول إلى الأماني وشواطئ الراحة، حتى تمنوا الموت، وما وصلوا إلى هذه الحال إلا من آثار هذا الشعور. بحثوا عن السعادة في المال فلم يجدوها فيه، بل كان سبب شقائهم وتعاستهم لما وجدوه، ماذا حصّل قارون من ماله الوافر غير الهلاك! قال تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76] ثم كانت النهاية: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81]. بحثوا عنها في الجاه والتسلط على رقاب الآخرين، فوجدوا الشقاء، وما وجدوا الحياة الطيبة. هل سعد فرعون وقد قال: ﴿ .. يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51]؟!، ألم يكن هذا الماء الذي افتخر به قبراً له ولجبروته!، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾ [طه: 77- 78]. بحثوا عنها بكثرة الأولاد والذرية، فماذا وجدوا؟ ماذا استفاد أبو لهب منهم، وقد تباهى بهم!، لم يجد أحداً منهم يتولى دفنه وإراحة الناس من جيفته عندما مات، قال تعالى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [المسد: 2]. بحثوا عنها في الشهرة بالفن أو الجمال أو القوة، أو غير ذلك فما وجدوها. فأين تكمن السعادة وأين نراها يا عباد الله؟ ماهي السعادة؟ وماذا تعني الحياة الطيبة؟ إن السعادة هي: راحة القلب، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، وهدوء البال. فأين نجد هذه النِّعم؟ أنجدها في سوق أم في ملعب أم في بيت أم في أغنية أم في وظيفة أم في زواج أم في سفر؟ أيها المسلمون، إن الله تعالى خلق الإنسان من جسد وروح، فأما الجسد فمخلوق من شيء محسوس وهو التراب؛ لذلك فسعادته تحصل عن طريق الأمور المحسوسة فيسعد سمعه بالمسموعات، وبصره بالمرئيات، وبطنه بالمأكولات والمشروبات، وهكذا. وأما الروح فنفخة من الملَك؛ ولذلك فإن سعادتها تكون عن طريق الملَك، ومن طريقه جاء الوحي عن الله تعالى، فسعادتها بامتثال الدين الحق الذي شرعه الله تعالى قال تعالى: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]. فمن هذه الآية تظهر أولى منارات طريق السعادة وأول علَم من أعلام سبيلها، ألا وهو الإسلام الذي به صلاح الروح وسعادتها. فإذا سعدت الروح سعد الجسد وإن قل نصيبه من الأشياء الحسية من طعام أو شراب أو كساء أو نكاح، وإن شقيت الروح شقي الجسد ولو زاد نصيبه من تلك الشهوات؛ لأن الجسد تابع للروح لا العكس. ولذلك نجد من الكفار من عندهم ترف ورفاهية في هذه الحياة لكنهم لا يجدون السعادة، بل ربما يحملهم ضيق الروح وتعاستها على الانتحار. أجريت مسابقة في بريطانيا مضمونها إجابة لسؤال يقول: ما المال؟ ما مفهومه وتعريفه؟ فكان الجواب الفائز: أن المال جواز سفر يذهب به الإنسان إلى كل بلد، ويحصل منه ما يريد، غير أنه لا يستطيع أن يجلب به السعادة!. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ![]() أتعبت جسمك فيما فيه خسران ![]() أقبل على الروح واستكمل فضائلها ![]() فأنت بالروح لا بالجسم إنسان ![]() أيها المسلمون، كلما ارتقى المسلم في سلم الإيمان زادت راحته وأقبلت سعادته، وكلما أسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب جلب لنفسه الشقاء. والعجب ممن يحيون هذه الحياة الضنكة ثم تراهم على معصية الله كشرب الخمر والمخدرات وسماع الغناء فينصح في ترك ذلك المحرم، فيقول: أريد أن أسلي على نفسي! وما يدري هذا المسكين أن ما يفعله سبب لزيادة عنائه وشقائه. والمستجير بعمرو عند كربته ![]() كالمستجير من الرمضاء بالنار ![]() فالمؤمن الطائع المنيب يحيا حياة طيبة ملؤها السرور والبهجة يقول الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. ما أحسن عيش المؤمن وما أطيبه! يحيا في جنة وارفة الظلال، يشتم عبيرها ويشرب العذب من نميرها، ويقول: لو كان أهل الجنة على هذا العيش لكفاهم. يطعم الراحة على اختلاف جهاتها، ويشعر بلذائذها وهنائها. راحة قلب وطمأنينة تفس، وانشراح صدر وهدوء بال. إنْ تقربَ إلى الله بعبادة أحس بلذتها، وتمنى لو بقي عليها ما بقي الدهر. قال أبو سليمان الداراني: أهل الليل في ليلهم الذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا. ينسون- وهم غارقون في لذة العبادة- آلام الجسد، وتعب الجسم، فهذا عباد بن بشر رضي الله عنه يقف في ثغور المسلمين حارساً، فحينما أحس بالهدوء رصّ قدميه بين يدي الله قائماً متهجداً فيرميه أحد الأعداء بسهم فيتصبب دمه وهو في لذة القيام يقول: لولا أن العدو يطلع من المسلمين على عورة لتابعت الصلاة!. إن المؤمن-ولو كان فقيراً معدماً وعنده نعمة الإيمان- يجد لذة لطعامه ولو كان قليلاً؛ لأن الطعام عنده وسيلة للتقوِّي على العبادة وليس هدفاً يعيش له. فقد كان بعض الصالحين يعيش على كِسَر من الخبز يتقوت بها لكن لذة الإيمان حملته على أن يقول: إنا لفي عيش رغيد لو يعلم الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف!. فالمؤمن إن ضاق عيشه وقُدِّر عليه رزقه يحمله إيمانه على القناعة والرضا بما قسم الله له؛ ولذلك يجد السعادة بذلك، وإلا فلا سعادة بالعُدم. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه) [2]. وإن المؤمن إن أصابته مصيبة أو نزلت به ملمة تلقاها بالرضا والصبر، لا بالجزع والضجر؛ فيجد السعادة بذلك. عن صهيب بن سنان: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)[3]. قال عمر بن عبدالعزيز: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر. وقيل له ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله عز وجل. وقال عبدالواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين. وإن أصابت المؤمنَ نعمةٌ شكرها ولم يبطر بها، فيتنعم في ظلالها ويبارك الله له فيها، بخلاف غيره ممن إذا نزلت عليه نعمة بَطِرَبها، وانحرفت بأخلاقه وسلوكه، وإن أصيب بمكروه نزل عليه القلق والأحزان والأمراض النفسية والفكرية. عباد الله، إن ذكر الله تعالى قولاً وفعلاً- من صلاة، أو قراءة قرآن، أو ذكر لساني مطلق أو مقيد- يجلب السعادة فينشرح الصدر ويطمئن القلب قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. لا شيء أحلى وألذ من ذكر الله عند المؤمنين؛ إذ هو محبوبهم وموئل راحتهم، وعلى قدر المعرفة والعلم بالله يكون ذكر العبد لربه، وتنعمه به. وأما المعرضون عن ذكر الله فهم في شقاء وضنك وقلق وحيرة قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾[طه124]، وقال: ﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]. و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت )[4]. قال رجل للحسن البصري: أشكوا إليك قسوة قلبي! قال: أذبه بذكر الله. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |