|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حق الله تعالى على عباده (1) أحمد عماري الإسلام حقوق وواجبات حق الله تعالى على عباده (1) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. ثم أما بعد: إخوتي الكرام؛ بعد هذه الجولة المباركة التي قضيناها مع الأخلاق المحمودة والمذمومة، نفتتح اليوم إن شاء الله تعالى سلسلة أخرى لا تقل أهمية عما كنا نتحدث عنه فيما مضى من الخطب، عنوانها: "الإسلام حقوق وواجبات". نتعرّف من خلالها على أهم الحقوق الإسلامية؛ التي أوجبها الإسلام على أتباعه، حماية لهم من المساوئ والمكاره، وتحقيقاً لمصالحهم في العاجل والآجل.. حقوق تضبط العلاقة بين العبد وخالقه ودينه، وأقاربه ومجتمعه وبيئته والناس أجمعين.. بأدائها والوفاء بها يكون الفوز والفلاح، والنجاة والهناء.. وبتحقيقها يفوز العبد بالخيرات، وينجو من التبعات.. حقوق يجب أن تُعرَفَ وتُحفظَ وتُصان، فعلى أساسها تقوم الحياة ويكونُ الحسابُ والجزاء. ♦ مفهوم الحقوق في الإسلام: الحق: هو الشيء الثابت الذي لا يسوغ إنكاره. والحق: خلاف الباطل. والحقوق الإسلامية: هي تلك الحقوق التي نصّ الشرع على وجوب أدائها وعدم الإخلال بها، لما يترتب على أدائها من مصالح دينية ودنيوية، وعلى الإخلال بها من مفاسد دينية ودنيوية.. سواء أكان الحق مُسْتحَقا بمقتضى العبودية، أو النبوة، أو القرابة، أو العلاقة التي تربط المرْء بغيره. وإنّ أعظمَ الحقوق وأوْلاها بالتقديم وأجْدَرَها بالذكر: حق الله رب العالمين.. حقالله الخالق البارئ المصور، الذي خلق فسوى والذي قدّرَ فهدى. حق الله العظيم المالك المدبر لجميع الأمور، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. حق الله الملك الحق المبين الحي القيوم، الذي قامت السماوات والأرض بأمره، وخضع كل شيء لسلطانه وقهره... ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الزمر: 62، 63]. حقالله الذي أوجدك من العدم، ورَبّاك بالنعم، وأنت في بطن أمك في ظلمات ثلاث، ثم أخرَجك إلى هذه الدنيا كاملَ الأعضاء سليمَ الحواس... ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. فأعظم الحقوق قدرا وأجلها مكانة: حق الله على عباده. ويتلخّصُ هذا الحق في القيام بعبادة الله والبُعد عن الإشراك به، كما قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]. وقال جل في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22]. وفي الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذ؛ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ: «فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ: أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا». "حق الله على العباد: أن يعبدوه". حَقّ وَاجبٌ على كل إنسان أن يعبد الله وحده، أن يكون عبدا لله في كل زمان وفي كل مكان، وهذا ليس أمراً اختياريا، ولا نافلة، ولا تبرّعاً، ولا مِنَّة على الله، بل هو حق عليك، لازم متحتم عليك، دَيْنٌ في عنقك، واجب في ذمتك، أنْ تكون عبدا لله.. فهذا أمر إلهي، وفرض رباني، وحق سماوي عليك أيها الانسان. فالعبادة هي حق الله تعالى على العباد؛ فمن أجلها خلقَ الله الثقلين، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. ومن أجلها أرسل الله الرّسلَ وأنزل الكتب، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]. والعبادة في الشرع: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. والعبادة في الإسلام: شاملة لحياة المسلم كلها؛ زمانًا ومكانًا وحالا، فالعبادة شاملة لكل حركات الإنسان وسكناته، في أي مكان، وفي أي زمان، وعلى أي حال... وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. فحياة العبد كلها دائرة بين أمرٍ ونهي، ومعصية، ومصيبة ونعمة؛ فأما حق الله عليك في الأمر فأَنْ تلتزم به، وأما حقه عليك في النهي فأَنْ تجتنبه، وأما حقه عليك في المعصية فأنْ تتوب منها، وأما حقه عليك في المصيبة فأَنْ تصبر عليها، وأما حقه عليك في النعمة فأَنْ تشكره عليها.. العبودية لله: هي الغاية من خلق الإنسان على وجه هذه البسيطة؛ فإن الله عز وجل ما خلقك عبثاً، ولا تركك همَلا.. ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116]. بل خلقك الله لحكمة، وأوجدك لغاية؛ أن تعبده وتنقاد لحكمه وتستجيبَ لأمره، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. هذه هي الحكمة من خلقك، وهذه هي الغاية من وجودك؛ أن تعْمُرَ هذه الأرض بطاعة الله، وأن تقضيَ هذه الحياة في عبادة الله. ﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 57، 58]. فالرزق مكفول، والعمر محدود، والإمكانات متوفرة، والمنهج واضح، والطريق مستقيم، وأنت مأمورٌ أن تسير على هذا المنهج، وأن تواصل السير على هذا الطريق المستقيم، وألا تلتف أو تنحرف؛ فإن من انحرف عن هدي الله وزاغ عن طريقه، كان مصيرُه هلاكا ودماراً في الدنيا، وعذاباً وبَوَاراً في النار: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]. العبادة حق لازم على العبد حتى يموت؛ وتلك حال العبد مع ربه تبارك وتعالى، لا يَخلُ وقتٌ من أوقاته، ولا حال من أحواله، إلا وتتمثل فيه عبودية لله تعالى، وقد قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]. وقال عز وجل: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]. وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". العبودية لله: أشرفُ المقامات، وأعلى المراتب، شرُفتْ بها ملائكة الله، كما قال الله عنهم: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19، 20]. وشرُفَ بها الأنبياء والمرسلون، كما قال عنهم رب العالمين: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173]. وقال عز وجل: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]. وأفضلُ الرّسل وأشرفُ الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شرّفه ربه بوصف العبودية في مقام التكريم والتشريف، فقال عنه في مقام الإسراء والمعراج: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ [الإسراء: 1]. وقال عنه في مقام نزول القرآن: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]. فبالعبادة تسمو الرّتب، وبالعبادة يترقى العبد في مدارج السالكين، ويلتحق بعباد الله المُنَعّمِين: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]. وبالعبادة تكون النجاة ويكون الفلاح، وتنال الجنة، وتكون النجاة من النار؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13، 14]. ♦ التوحيد أساس العبادة: إخوتي الكرام؛ حق الله على عباده: "أن لا يشركوا به شيئا". أنْ يوحدوه ويُفردوه بالعبادة، وأن يعتقدوا بيقين وجزم أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له في عبادته، ولا شريك له في ملكه وخلقه وتدبيره، ولا نظير له ولا مثيلَ ولا شبيهَ في أسمائِهِ وصفاتِهِ. ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]. فالتوحيد أساس العبادة؛ به أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، فما من نبيّ إلا وقد أمره الله تعالى أن يدعوَ قومه إلى أن يوحدوا الله ويعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]. والتوحيد: هو أولُ الدين وآخرُه، وظاهرُه وباطنه، وذروةُ سنامِه وقطبُ رَحاه، قامت عليه الأدلة، ونادت عليه الشواهد، وأوضحته الآيات، وأثبتته البراهين، نُصِبَتْ عليه القبلة، وأسِّسَتْ عليه المِلة، ووجبتْ به الذمة، وعُصِمت به الأنفس، وانفصلتْ به دار الكفر عن دار الإسلام، وانقسمَ به الناس إلى سعيد وشقي، ومهتدٍ وغويّ. روى الترمذي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». توحيد الله، وإسلام الوجه لله، وإفراده بالعبادة يَرتقي بالمؤمن في خُلُقه وتفكيره، ويُنقذه من زيغ القلوب وانحراف الأهواء وظلمات الجهل وأوهام الخرافة، يُنقذه من المحتالين والدجالين وأحبار السوء ورُهبانِه، ممن يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً... فلا يرتفع عن النفوس الشقاء، ولا يزول عن العقول الاضطراب، ولا ينزاح عن الصدور القلق والحرج إلا حين توقن البصائرُ وتسلِّم العقول بأنه سبحانه هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، له الملك كله، وبيده الأمر كله، وإليه يُرجَع الأمر كله، ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]. بالتوحيد يَخرجُ قلبُ العبدِ من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده.. يَخرُجُ من التيه والحَيْرَةِ والضلال والشرود، إلى المعرفة واليقين والطمأنينة والرضا والهداية.. يَخرُج من العبودية المذلة لأرباب متفرقين، إلى العبودية الموحِّدة لرب العالمين.. ففي الإنسان حاجة وفقر وضعف، وهو بين حالين لا ثالث لهما: إما أن يتوجه بعبادته وخضوعه وانكساره لله الواحد القهار، فيكون موحداً مطيعاً مطمئناً سعيداً.. وإما أن يكون خاضعاً أسيراً ذليلاً لمعبودات باطلة من الآلهة الكثيرة من الأصنام والأوثان، والهوى والشهوة، والمال والملذات، وكل ما تعلقَ به فتجاوزَ به حَدّه من مَحبوب أو متبوع أو مُطاع.. قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 39، 40]. فالله إلهنا وخالقنا ومالكنا؛ واحد في عبادته، واحد في ملكه وتدبيره، لا شريك له ولا ندّ ولا شبيه ولا مثيل في السماوات ولا في الأرض، ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 11، 12]. فإذا نزلت بك الشدائد، وأحاطت بك الخطوب والمكائد، فالله مَلاذك، والله مَعاذك، والله حَسبُك ومُجيرُك.. ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 14 - 18]. إذا نزلت بك المصائب وأحاطت بك الشدائد، فاصدَعْ وتضرّعْ إلى الله بصالح الدعوات، فلا مُغيثَ ولا مُجيرَ سواه، ولا إله غيرُه، ولا مُجيبَ عداه.. ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾[النمل: 62]. فكيف يَعبد الله حق عبادته مَن ترَك سؤاله، ودُعاءَه، وخوفه ورجاءَه، وقصَدَ بذبْحه ونذره من لا يملك لنفسه - فضلاً عن غيره - ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، من ميت رميم في التراب، أو حجر أو شجر أو جانّ...؟! أم كيف يؤدي حق ربه عليه مَن لا يعرف الله إلا في أوقات قليلة، وأزمنة ضئيلة، وأيام معيّنة، وليال مخصصة... وبقية العمر لعِبٌ ولَهْوٌ وغفلة وسُباتٌ وشهوة...؟! أم كيف يؤدي حق الله من نسي ربه، وأطاع شيطانه، واتبع هواه، وشغلته دنياه عن أخراه...؟! فاتقوا الله عباد الله! وأدوا الحق الذي أوجبه الله عليكم، وسلوا الله العون والسداد والتوفيق والرشاد. نسأل الله تعالى أن يعيننا على أداء حقه، ويوفقنا لعبادته وتوحيده. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ونور قلوبنا وعقولنا بتوحيدك، واعصمنا من الشرك، وأبعدنا عن سبيل المشركين، يا رب العالمين. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.. اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين.. يا رب العالمين. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() حق الله تعالى على عباده (2) أحمد عماري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. ثم أما بعد: إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع أعظم الحقوق منزلةً وقدراً، وأجلها مكانة وشأناً، مع حق الله الخالق البارئ المصور، الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه، وصوره فأحسن صورته... مع الحق الذي ينبغي أن نجعله في مقدمة همومنا وانشغالاتنا، نسعد بأدائه ونفرح بالقيام به... إنه الحق الذي من أجله خلقت السماوات والأرض ومن فيهن.. إنه الحق الذي ينبغي أن نعظمه ونجله؛ لأن صاحبه هو العظيم الجليل سبحانه. فمن حق الله تعالى على عباده أن تمتلئ قلوبُهم تعظيماً له ومهابة وإجلالاً.. فهو العظيم في ذاته، العظيم في صفاته وأفعاله، هو المتصف بكل كمال وجلال وجمال، وهو المنزه عن كل نقص وعيب وعبث.. له الأسماء الحسنى والصفات العلى. هو القادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وهو العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.. هو الغني ونحن الفقراء، وهو القوي ونحن الضعفاء، وهو الخالق ونحن خلقه، وهو المالك ونحن عبيده.. فما كانت الطبيعة يوماً من الأيام مُوجدة ولا خالِقة، بل الله خالقها وخالق كل شيء؛ ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [النازعات: 27 - 33]. وما كانت الطبيعة يوماً من الأيام رَازقة لخلق الله، بل الله هو الرزاق ذو القوة المتين؛ ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]. وما يقوم به الخلق في طلب الرزق مجرد أسباب، أما الرزاق فهو الله، ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 63 - 74]. فسبحان ربنا العظيم. فهاهو ربنا جل وعلا يدلنا على عظمته وجلاله وقدره في كتابه المقروء وفي كونه المنظور.. فالقرآن بألفاظه ومعانيه يدل على عظمة الله وجلاله وكماله، ففيه يقول ربنا سبحانه: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. وفيه يقول ربنا سبحانه: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]. والكون بأرضه وسمائه، ونوره وظلامه، وليله ونهاره، وسهوله وجباله، وبره وبحاره... يدل على عظمة الله وقدرته وقهره وسلطانه، لذا أرشدنا الله تعالى إلى النظر والتأمل في كونه ومخلوقاته لنتعرف منها على عظمة الخالق وجلاله، فيقول سبحانه: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 163]. فالأمر أمره، والخلق خلقه، والملك ملكه، ولا إله غيره، ولا ربّ سواه؛ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 71 - 73]. إنها آيات عظام، وشواهد جسام، وبراهين واضحات، وشواهد بينات، ودلائل ساطعات، تدلّ على عظمة المبدع وكمال الخالق جل شأنه، بادية لأولي العقول والأبصار، قد نُصِبَتْ شاهِدة بالوحدانية والربوبية والعلم والحكمة والعظمة للخالق جل جلاله. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]. تأمل سطور الكائنات فإنها ![]() من الملأ الأعلى إليك رسائل ![]() وقد خط فيها لو تأملت خطها ![]() ألا كل شيء ما خلا الله باطل ![]() ومن حق الله تعالى على عباده أن يُعظموا اسْمَه؛ فلا يستهينوا بحقه وقدره، ولا يجعلوه عرضة للسب والإهانة، ولا للأيْمَان الكاذبة.. ﴿ وَلا تجْعَلوا اللَّهَ عُرْضَة لأيْمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتَّقوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224]. ومن حق الله تعالى على عباده أن يُعظموا شعائرَه وَحُرُماتِه؛ فلا يستهينون بأمره، ولا يتجرؤون على نهيه، لا يستصغرون معصية، ولا يحتقرون معروفا. ففي تعظيم الحُرُمات خير وفلاح وفوز ونجاة، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]. وفي تعظيم شعائر الله دليل على تقوى العبد لمولاه، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تقوَى القلوبِ ﴾ [الحج: 32]. ومن حق الله تعالى على عباده أن تمتلئ قلوبهم محبة له وشوقا، وطمعا في رحمته ورجاء؛فكيف لا تحبه؛ وهو صاحب الجود والنعم، والعطاء والكرَم، نعمه لا تعَدّ، وعطاؤه لا يُحَدّ، وإحسانه لا ينقطع... ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]. في كل وقت وحين يُغدِق على عباده من كريم عطائه وبحر جوده وجميل إحسانه... وما من طرفة عين إلا وأنت ترفل في نعمه وجوده وفضله وكرمه.. ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]. كيف لا تحبه؛ وهو الذي منّ عليك بالهداية إلى الإسلام، ونوّرَ قلبك بالإيمان، وأنار عقلك بالقرآن، وجعلك من خير أمة أخرجتْ للناس... كيف لا تحبه؛ وهو الذي يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويعفو عن السيئات، يدعوك إلى التوبة ويفرح بتوبتك وهو الغني عنك، ويرغبك في مغفرته ورحمته مهما أذنبت وأسأت... كيف لا تحبه؛ وحبه دليل على الإيمان، وسبيل إلى الفلاح، وطريق إلى النجاة. ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]. روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كُنّ فيه وَجدَ بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار». ومن حق الله تعالى على عباده أن يخافوه ويستحيوا منه؛ فالله أحق أن تخشاه، وهو أحق أن تستحيي منه سبحانه.. فكيف لا تخاف غضبه وهو ناظر إليك وأنت تعصيه؟. وكيف لا تستحيي منه وهو مطلع عليك وأنت تعصيه؟. ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7]. كيف لا تخافه؛ وهو شديد العقاب؟. وكيف لا تخاف عذابه؛ وهو يحذرك من عذابه الذي لا يطاق؟ فيقول سبحانه: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]... وكيف لا تستحيي من الله؛ وهو الذي يرزقك وأنت تعصيه، ويسترك وأنت تذنِبُ ولا تبالي؟.. وكيف لا تستحيي من الله؛ والحياء خُلُق جميل يَحملك على فعل الجميل، وتركِ القبيح. وهو شعبة من الإيمان.. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حق الحياء». قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء؛ أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء». أخرجه الإمام أحمد والترمذي والطبراني والحاكم وصححه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع. ومن حق الله تعالى على عباده أن يكثروا من ذكره في كل وقت وحين، وأن يتضرعوا إليه بالدعاء في الشدة والرخاء.. فكيف تنساه ولا تذكرُه؛ وهو خالقك ومولاك؟. وكيف تغفل عن ذِكره؛ وأنت تزعم أنك تحبه؟. فمن أحبّ شيئا أكثر من ذِكره، لذا قال سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200].. فأكثرْ مِنْ ذِكْرِ الله بقدْرِ محبتك وتعظيمك له سبحانه، فقد دعاك إلى كثرة ذكره فقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]. وكيف لا تتضرّع إلى الله بالدعاء؛ والخير بيده، والملك ملكه، والأمر أمره؟.. عن ابن عباس، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».. وكيف لا تلجأ إلى الله بالدعاء؛ وهو القريب المجيب لمن دعاه؟. وقد قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. - كيف نؤدي حق الله علينا؟. إخوتي الكرام؛ كيف لنا أن نؤدي حق الله علينا بكل يسر ونشاط، دون كلل ولا ملل ولا ضجر... بل بكل سرور وطمأنينة وفرح...؟. أولا: تذكرْ أنك عن هذه الدنيا راحل، ولا ينفعُكَ بعد رحيلك إلا ما أديته من حق الله عليك... قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11]. وقال عز وجل: ﴿ يَوْمَ تجدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30]. ثانيا: تذكرْ أنك ستقف بين يدي الله وحيدا فريدا... ستمضي إلى الله صاحب الحق، ليسألك ويحاسبك، فماذا يكون جوابك وقد ضيعتَ حقه الذي أوجبه عليك؟.. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة». متفق عليه. ثالثا: تذكرْ أنك في حاجة إلى ما به يثقل ميزانك يوم القيامة. والميزان إنما يثقل بالحسنات، ويخف بالسيئات. فمن أدى الحق الذي أوجبه الله عليه ثقل ميزانه، ومن ضيع حق الله خف ميزانه. ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 8، 9]. رابعا: تذكرْ أنك فقيرٌ إلى الله، في حاجة إلى رحمة ربك ومغفرته وفضله وإحسانه، والله غنيّ عنك وعن عبادتك وعن الناس أجمعين. فأدّ الحق وقمْ بالواجب لتحظى بفضل الله ورضوانه، فقد قال سبحانه: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]. روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي؛ إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. يا عبادي؛ كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. يا عبادي؛ كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي؛ كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي؛ إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي؛ إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي؛ لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي؛ لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي؛ لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي؛ إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». وأخيرا: تذكرْ أن الفوز بالجنة والنجاة من النار، إنما يكون لمن أدى حق الله عليه في دنياه... قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الجاثية: 30، 31]. فاتقوا الله عباد الله، وأخلصوا دينكم لله، وأدّو الحق الذي أوجبه الله عليكم، وحققوا توحيدكم، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَافعَلوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبيّ الرحمة والهدى، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلونَ عَلَى النَّبيِّ يَا أيّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلوا عَليْهِ وَسَلمُوا تسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم. وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد. وارْضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن باقي الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم اختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، ووفقنا يا مولانا لما تحبه وترضاه. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأعنا على أداء حقك كما تحب وترضى، وتجاوز عما كان منا من تقصير في حقك، يا رب العالمين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، وأصلح أحوال المسلمين، واشف مرضى المسلمين أجمعين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |