|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة تفسير سورة الحجرات (2) أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي الخطبة الأولى نواصل حديثَنا اليوم حول الآداب والتوجيهات والفوائد والدروس في سورة الحجرات، وقد وصلنا عند قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، في هذه الآية بيانٌ لبعض حقوق المؤمنين بعضِهم على بعض، ومن ذلك النهيُ أن يسخرَ ويحتقرَ مسلمٌ مسلما؛ بأي قول أو فعل؛ وأن ذلك حرام ولا يجوز، ومن سوء هذه السخرية أنها تدل على إعجابِ الساخرِ بنفسِه وغروره؛ ولربما يكون المسخورُ منه أفضلَ من الساخر، وعلى هذا فإن السخرية من سيئ الأخلاق؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). ثم نهى الله عن اللمز؛ وهو أن يعيبَ شخصٌ بقوله شخصا آخر، وانظروا كيف سمَّى اللهُ المؤمنَ نفسًا لأخيه؛ ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ فالمؤمنون ينبغي أن يكون هكذا حالهم؛ كالجسد الواحد. ثم نهى الله عن التنابزِ بالألقاب؛ والتعيير بالألقاب المذمومة، وبيّن سبحانه أن من لم يلتزم هذه الآدابَ مع إخوانه المسلمين فقد وقع في الفسوق والعصيان؛ لأنه استبدل الإيمان والعمل بشرائعه وآدابه بالإعراض عنها ومخالفتها. وفي ختام الآية دعا سبحانه إلى التوبة من هذه الأفعال القبيحة؛ بقوله تعالى ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، وإنما تكون التوبة بأن يَخرج من حق أخيه المسلم باستحلاله؛ والاستغفارِ له؛ والمدحِ له مقابلةً على ذمّه. وبهذا يتضحُ أن الناس قسمان لا ثالث لهما: ظالمٌ لنفسه غيرُ تائب؛ وتائبٌ مفلح، جعلنا الله من التائبين المفلحين. وفي الآية التالية يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12] وفي هذه الآية نهى الله تعالى عن الظنِّ السُّوء بالمؤمنين، فإن الظنَّ السُّوءَ يكون إثما إذا كان خاليا من الحقيقة والقرينة، وكذلك فإن ظنَّ السُّوء قد يتطور إلى أقوال وأفعال؛ لأن بقاء ظنِّ السوء بالقلب لا يزال بصاحبه حتى يقولَ ويفعلَ ما لا ينبغي، فينتجُ عن ذلك البغضاء والشحناء بين المؤمنين. ثم نهى الله عن صفة أخرى ذميمة وهي صفةُ التجسسِ والتتبعِ والتفتيشِ عن عورات المسلمين، إذ الواجبُ أن يعاملَ الناسُ بظواهرهم؛ وتُتْركَ سرائرُهم إلى الله الذي يعلم السرَّ وأخفى؛ وهو الذي سيحاسبُ الجميع. ثم نهى الله عن فعلٍ قبيحٍ ربما يتساهل فيه الناس؛ ويظنونه هيِّنا وهو عند الله عظيم، إنها الغيبة وهي: ذكرك أخاك بما يكره مما هو فيه؛ (قيل: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته؛ وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه)، ثم ذكر الله مثلاً منفِّرًا عن الغيبة؛ فشبَّه المغتابَ بمن يأكلُ لحمَ أخيه المسلمِ ميّتا؛ فكذلك فلتكرهوا أكل لحمه حيًا بهذه الغيبة. وختم الله هذه الآيةَ بالدعوة إلى تقواه والتوبة إليه؛ فهو التواب؛ الذي يأذن بتوبة عبده فيوفقَه لها، ثم يمنُّ عليه بقبول توبته، وهو الرحيم بعباده؛ حيث دعاهم إلى ما ينفعُهم؛ وهو يقبلُ منهم توبتَهم. وفي الآية التالية يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13] في هذه الآية يخبر تعالى أنه خلق بني آدم من أصل واحد؛ وجنس واحد؛ وكلُّهم من ذكر وأنثى؛ آدمَ وحواء؛ اللذين بث منهما رجالاً كثيرا ونساء، وفرّقهم؛ وجعلهم شعوبًا وقبائلَ صغارًا وقبائل كبارًا، وهذه الأنساب لأجل أن يتعارفوا ويتآلفوا ويتناصروا ويتعاونوا، وبهذه الأنساب يكون التوارث والقيام بحقوق الأقارب، وليس كما هي الجاهلية بالفخر بهذه الأنساب والطعن فيها، ثم بيّن الله أن الأكرم هو الأتقى وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي؛ لا أكثرهم قرابة وقومًا؛ ولا أشرفهم نسبًا، والله تعالى عليم خبير؛ يعلم من يقومُ منهم بتقوى الله ظاهرًا وباطنًا؛ ممن لا يقوم بذلك؛ فيجازي كلا بما يستحق. اللهم أكرمنا بتقواك، ووفقنا لهداك، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت؛ واصرف عنا سيئها؛ لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. نفعنا بهدي كتابه القويم؛ وبسنة رسوله الأمين، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.... الخطبة الثانية تأتي الآياتُ في ختام هذه السورة لتخبرَ عن مقالةٍ لقوم من الأعراب؛ دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولاً من غير بصيرة؛ ولا قيام بما يقتضيه الإيمان؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 14] تخبر هذه الآيات أن هؤلاء الأعراب ادعوا تحقيقهم لمرتبة الإيمان؛ والتي هي أعلى من مرتبة الإسلام، فأمر الله رسولَه - صلى الله عليه وسلم - أن يرُدّ عليهم بأنهم حتى نزول هذه الآيات لم يؤمنوا وإنما أسلموا؛ لئلا يدّعوا لأنفسهم مرتبة الإيمان وهم لم يصلوا إليها. وربما أن منهم من آمن خوفًا أو رجاء أو نحو ذلك، ولذلك لم تدخلْ بشاشةُ الإيمان في قلوبهم، وقد مَنَّ الله على كثير من هؤلاء بالإيمان الحقيقي والجهاد في سبيل الله، ثم أخبر الله سبحانه أن من يطيعُه ورسولَه من هؤلاء الأعراب وغيرِهم بفعل خير أو ترك شر أنه سبحانه لا يِلِتْهم أجورَهم فلا يُنقِصُهم؛ بل يوفيهم إياها أكمل ما تكون مع الكرم منه سبحانه، وهو الغفور الرحيم لمن تاب إليه وأناب؛ حيث يقبل توبتَه ويغفر زلته. ثم قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15] يخبر تعالى أن المؤمنين على الحقيقة هم الذين جمعوا مع الإيمان بالله وبرسوله الجهادَ في سبيل نُصرةِ دين الله والدعوة إليه؛ ومن أعظم صور ذلك جهادُ الكفار؛ فإنه من علامات الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام والقيام بشرائعه فجهاده لنفسه على ذلك من باب أولى وأحرى، وشَرَطَ الله تعالى في الإيمان اليقينَ؛ لأن الإيمانَ الذي ينفع صاحبَه عند الله هو الخالي من الشك والريب. وختم الله هذه الآية بالتأكيد على أن من كان متصفا بهذه الصفات المذكورة في الآية فهم الصادقون؛ الذين قدَّموا البرهان على صدق إيمانهم. ثم قال الله تعالى موجها نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يخاطبَهم: ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 16] وفي هذه الآية تذكيرٌ بأن الله يعلم كلَّ الأشياء؛ فيعلم ما في القلوبِ من الإيمان والكفر؛ والبرِّ والفجور؛ يعلمُ ذلك كلَّه؛ ويجازي عليه. ومن سوء الأدب مع اللهِ أن يزكيَ العبدُ نفسَه؛ فيثني على نفسه بالإيمان؛ أو يتخذ ذلك مِنّة، ولذلك حذّر الله بعد هذه الآية من فعل هؤلاء الأعراب حينما مَنُّوا بإسلامهم؛ فإن المنَّة لله تعالى عليهم؛ فكما أنه تعالى يمُنّ عليهم بالخلق والرزق والنعم الظاهرة والباطنة؛ فمِنَّتُه عليهم بهدايتهم إلى الإسلام أعظمُ من كل شيء، ولهذا قال تعالى بعد هذه الآية: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]. ثم ختم الله هذه السورة بالتذكير بأنه وحده لا شريك له هو الذي يعلم كلَّ الأمور الخفية في السماوات والأرض، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحجرات: 18] فكل ما يخفى على الخلق لا يخفى على الله، وهو يعلم مكنونات الصدور؛ وخبايا الأمور. وهو سبحانه يُحصي أعمال العباد؛ ويوفيهم إياها؛ ويجازيهم عليها بما تقتضيه رحمتُه الواسعة؛ وحكمتُه البالغة؛ وعدلُه الكامل. اللهم أصلح منا الظاهر والباطن، وازقنا إيمانا صادقا؛ وعملا صالحا؛ وخُلُقا زاكيا؛ ونفوسا مطمئنة. اللهم وفقنا للتمسك بشرائع ديننا وأخلاقه وآدابه، ووفقنا لبذل ما نستطيع في نصرة ديننا وخدمته والدعوة إليه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |