حكم الامتحان في الاعتقاد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 1400 )           »          حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له دلك يده بالأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من مائدة التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 833 )           »          تدبر خواتيم سورة البقرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3085 - عددالزوار : 330954 )           »          أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أذكار وأدعية جامعة لخير الدنيا والآخرة ينبغي للمسلم حفظها والمداومة عليها ليحفظه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-12-2020, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,240
الدولة : Egypt
افتراضي حكم الامتحان في الاعتقاد

حكم الامتحان في الاعتقاد
محمد بن عمر الزبيدي




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسَلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعدُ:
فهذا بحثٌ يسير لمسألة الامتحان في الاعتقاد، جمعتُ فيها ما استطعتُ الوقوف من أدلة وآثار وأقوال للسلف في هذه المسألة، وحاولتُ الجمع بينها، والتوفيقَ بين ما يظهر من الاختلاف أو التضادِّ فيها، سائلًا الله سبحانه وتعالى السداد والتوفيق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

تعريف الامتحان:
يُطلق الامتحان في اللغة ويراد به: الاختبار، يقال: محنه وامتحنه، بمنزلة خبرته واختبرته، وبلوته وابتليته[1]، والمصدر من ذلك: (مِحْنَة)، يقول الخليل بن أحمد: "المِحْنَةُ: معنى الكلام الذي يُمْتَحَنُ به، فيُعرف بكلامه ضمير قلبه، وامتَحَنْتُه وامتَحَنْتُ الكلمة؛ أي: نَظَرْتُ إلى ما يَصيرُ صَيْرها"[2].

والمراد بالامتحان في الاعتقاد: اختبارُ النَّاس ببعض المسائل والأمور؛ لطلب معرفة عقائدهم وكشفها.

حكم الامتحان في الاعتقاد:
الأصل في هذا الباب: أنَّ الناس يُعامَلون بحسب ظواهرهم، وأَنْ تُوكَل سرائرُهم إلى الله تعالى، ويشهد لهذا الأصل قولُه صلى الله عليه وسلم: ((مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قِبْلتنا، وأكل ذبيحتَنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمَّة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته))[3].

ولكن إذا كان ثَمَّت حاجةٌ شرعية لكشف ما وراء هذه الظواهر، فإنَّ الامتحان يجوز ويُشرع آنذاك، فإنَّه قد جاء في النصوص الشرعية ما يدلُّ على جواز الامتحان ومشروعيته، فالله سبحانه وتعالى أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بامتحان النساء المهاجِرات إليه؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ﴾ [الممتحنة: 10]، وامتَحَن النبيُّ صلى الله عليه وسلم الجاريةَ، فقال لها: ((أين الله؟))، فقالت: في السماء، فقال: ((أعتِقْها؛ فإنها مؤمنةٌ))[4].

كما وردَتْ عن التابعين جملةٌ مِن الآثار تدلُّ بمجموعها على مشروعية الامتحان والاختبار إذا دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك، فقد كان رُواةُ الحديث يمتَحِنون مَنْ يأخذون عنه ومَن يُحدِّثونه:
يقول ابن سيرين (ت 110 هـ): "لم يكونوا يسألون عن الإسنادِ، فلما وقعتِ الفتنةُ، قالوا: سَمُّوا لنا رجالَكم، فينظر إلى أهل السُّنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البِدَع فلا يؤخذ حديثهم"[5].

وكان زائدةُ بن قدامة (ت 212 هـ) لا يُحدِّثُ قَدَريًّا ولا صاحب بِدْعة يعرفه، ولا يُحدِّث أحدًا حتى يمتحنه[6].
وكذلك صنع أبو حاتم الرازي (ت 277 هـ) فكان لا يُحدِّث حتى يمتَحِن[7].

ولم يقتصِرِ الامتحانُ عندَهم على باب رواية الحديث فقط، بل كانوا يستعمِلونه حتى في اختبار مَن يريدون توليَتَه؛ فهذا عمر بن عبدالعزيز يأمُرُ غلامه بأن يمتحن ابنَ أبي موسى لَمَّا أعجبه سَمْتُه، وأراد أن يُولِّيَه[8].

فهذا كله مما يدل على مشروعية الامتحان؛ حيث تدعو إليه الحاجة، يقول ابن تيمية: "والمؤمن مُحتاجٌ إلى امتحان مَن يريد أن يصاحبه ويقارنه بنكاح وغيره...".

وقال: "ومعرفة أحوال الناس تارةً تكون بشهادات الناس، وتارةً تكون بالجرح والتعديل، وتارة تكون بالاختبار والامتحان"[9].

وأما بخصوص الامتحان في الاعتقاد، فقد جاءت عن السلف جملةٌ مِن الآثار تدل على مشروعيته وجوازه أيضًا؛ منها:
أن سليمان التيمي (ت 143 هـ) كان لا يُحدِّث أحدًا حتى يمتحنَه، فيقول له: الزِّنا بقَدَر؟ فإن قال: نَعَم، اسْتَحْلَفَهُ أن هذا دينُك؟ فإن حلف حدَّثه خمسة أحاديث، وإن لم يحلِفْ لم يُحدِّثه[10].

وكان إذا جاءه مَن لا يعرفه مِن أهل البصرة، قال: "أشهد أنَّ الشقي مَن شقي في بطن أمه، والسعيد مَن وعظ بغيره"، فإنَّ أقر وإلا لم يُحدِّثه"[11].

وحبس هشام بن عُبيدالله الرازي (ت 221 هـ) - قاضي الري - رجلًا في التجهُّم، فتاب، فجيء به إلى هشامٍ ليُطلِقه، فامتحنه هشام، فقال: أتشهد أن الله على عرشِه بائنٌ مِن خلقه؟ فقال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائنٌ مِن خلقه، فقال: ردُّوه إلى الحبس؛ فإنَّه لم يَتُبْ[12].

وكان أبو العباس محمد بن إسحاق السَّراج (ت 313 هـ) يمتحن أولاد الناس، فلا يُحدِّث أولاد الكُلَّابية[13].

ومِن ذلك أيضًا: قولُ أحمد بن عبدالله بن يونس (ت 227 هـ): "امتحن أهل الموصل بمعافى بن عمران، فإن أحبُّوه فهم أهل السنة، وإن أبغضوه فهم أهل بدعة..."[14].

إلا أنه قد وردَتْ أيضًا آثار عن السلف في المنع مِن الامتحان، ووصفه بأنَّه بدعةٌ، وأنَّه من فعلِ أهل الأهواء؛ كالخوارج:
فقد قال ابن سيرين: "سؤالُ الرجل أخاه: أمؤمنٌ أنت؟ محنة بدعة، كما يمتحن الخوارج"[15].

ولمَّا بلغ ابن عون (ت 150ه) امتحان سليمان التيمي لأهل البصرة، قال: "ما هذا المُمْتَحِن الناسَ؟"[16].

وبنحوه ما جاء عن إبراهيم بن الحسين - المعروف بابن دِيزِيل (ت 281 هـ) - لَمَّا قيل له: إنَّ أبا حاتم الرازي لا يُحدِّث حتى يمتحِن، قال: "أبو حاتم عندنا أمير المؤمنين في الحديث، والامتحان دِينُ الخوارج، مَن حضر مجلسي فكان من أهل السنة، سمع ما تقر به عينه، ومن كان من أهل البدعة يسمع ما يسخن الله به عينه"[17].

ولَمَّا دخل البخاري رحمه الله نيسابور امتحَنَه بعضهم بمسألة اللفظ في القرآن، فقال البخاري: "القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة..."[18].

وجاء عن ابن تيميَّة رحمه الله وصفُه للامتحان بالأشخاص أنَّه بدعة، وأنَّه مِن فِعْل أهل الأهواء، فقد أنكر على العَدويَّة امتحانَهم النَّاسَ بيزيد بن معاوية، فقال لهم: "... فالواجبُ الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذِكْر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين به، فإنَّ هذا من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة..."[19].

ويُقال توفيقًا بين ذلك:
إنَّ الأصل في التعامل مع الناس والحُكْم عليهم هو اعتدادُ ظواهرِ أحوالهم، وأَنْ تُوكَل سرائرهم إلى الله تعالى، ولكن إذا دَعَتْ إلى الامتحان حاجةٌ أو ضرورة؛ فإنَّ الامتحان يجوز آنذاك، ولكن بضوابطَ وشروطٍ يجب اعتدادها؛ وهي:
ألا يتعلَّق هذا الامتحان بالمسائل الخفيَّة، أو الألفاظ المُجْمَلة، وألا يكونَ ذلك دَيدنًا، ويتَّضِح ذلك مِن خلال النظر إلى صفة الامتحان الوارد في النصوص والأقوال الدالَّة على مشروعيته، وصِفَة الامتحان الذي نهى عنه السلف ومنعوا منه؛ فإنَّ النصوص والآثار في الامتحان دلَّت بمجموعِها على جواز الامتحان ومشروعيته حيث تدعو له الحاجة، وفعل السلف في امتحانهم - صريحةٌ بأنَّ هذا الامتحان قامت له الدواعي ودعت إليه الحاجة، بل إنَّ بعض هذه النصوص صريحةٌ بوقوع ذلك في مسائل الاعتقاد، وقد يُعضد هذا أيضًا بتجويز بعض أهل العلم الدخول على العرَّافين والكُهَّان لأجل امتحانِهم واختبار حقيقة أحوالهم، وأن مَن كان هذا قصدَه خرَج من الوعيد المذكور في ذلك.

يقول ابن تيمية في ذلك: "وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يُميِّز به صدقه من كذبه، فهذا جائز"[20].

وهذا الامتحان لم يكن بسؤالٍ عن قضيَّة خفيَّة أو أمر مُجمَل مُشتبِه، بل كان بأمرٍ جَلِيٍّ ظاهر، فامتحان النبيِّ صلى الله عليه وسلم للجارية كان بسؤالها عن قضيَّة فِطريَّة ظاهرة، وهو سؤالُها عن علوِّ الله سبحانه وتعالى، وهو امتحان دعت إليه الحاجة لعِتْق هذه الجارية وفكاكها.

وأما ما جاء مِن وصف بعض السلف للامتحان بأنَّه بدعة، وأنَّه مِن فِعل أهل الأهواء كالخوارج - فإنا إذا نظرنا إلى طريقة أهل البدع في الامتحان تبيَّن لنا اشتمالُ هذا الامتحان على أوصافٍ هي مَظِنَّة تعليق الحكم بالمنع مِن الامتحان عليها؛ وهي:
1- تعميم ذلك الامتحان على فِئام كثيرة مِن الناس، وديمومته واستعماله في مسائل وأمور كثيرة؛ فالجهمية مثلًا امتحنَتْ بالقولِ بخلق القرآن أئمةَ الدين وعلماءَ المسلمين، وأشاعوا هذا الامتحان بين الناس، وتهدَّدُوهم بالقتل، وحبَسوا بعضًا منهم، وأمروا ألا تُقبَل شهادةُ شاهدٍ حتى يُمتَحن[21].

2- أن أهل الأهواء يُحْدِثون مسائلَ ليست من الشرع، ويمتحِنون بها، ويُكفِّرون مَن خالفهم فيها، يقول ابن تيمية:
"وكذلك سائر أهل الأهواء، فإنهم يبتدِعون بدعةً ويُكفِّرون مَن خالفهم فيها، كما تفعل الرافضة والمعتزلة والجهمية وغيرهم، والذين امتَحَنوا الناس بخَلْق القرآن كانوا مِن هؤلاء؛ ابتدعوا بِدعةً، وكفَّروا مَن خالفهم فيها، واستحلُّوا منع حقه وعقوبته"[22].

وقال: "ولهذا كان مِن شعار أهل البدع إحداثُ قولٍ أو فعل، وإلزامُ الناس به، وإكراهُهم عليه، أو الموالاةُ عليه، والمعاداةُ على تركه، كما ابتدعَتِ الخوارجُ رأيَها وألزمَتِ الناسَ به، ووالت وعادت عليه، وابتدعَتِ الرافضةُ رأيَها وألزمَتِ الناس به ووالت وعادت عليه، وابتدعت الجهميةُ رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه"[23].

3- كما يدخل في طريقة أهل البدع والأهواء أيضًا: الامتحانُ بالألفاظ المُجمَلة، وعلى هذا يُحمَل كلام ابن سيرين والبخاري رحمهما الله، فإنَّ الامتحان بالسؤال: أمؤمنٌ أنت؟ وبالقول في (اللفظ بالقرآن) - امتحانٌ بقضايا وألفاظ مُجمَلة مُحتَمِلة، لا بقضايا ظاهرة جليَّة وألفاظ شرعيَّة، وهذه المسائل المحتمِلة قد تخفَى على كثير من الناس، وتحتاج أيضًا إلى بيان وتفصيل، فليس الامتحان بها مثل امتحانه صلى الله عليه وسلم للجارية بسؤالها: أين الله؟ ولعل مما يُعضِّد هذا التوجيه ما قاله الإمام الأوزاعي (ت 157 هـ) موصيًا أحد أصحابه بقوله: "... ودَعِ امتحان مَن اتَّهَمت، وضَعْ أمرَه على ما قد ظهر لك منه...، ولا تكُنْ ممن يمتَحِن مَن لقي بالأوابد"[24].

ولأجل ذلك يقول ابن تيمية: "وليس لأحدٍ أن يمتحن الناس بلفظ مُجمَل ابتدعه هو، مِن غير بيان لمعناه"[25].
فما كان من الامتحان خاليًا من هذه الأوصاف؛ فإنَّه يكون جائزًا آنذاك.

وأما الامتحان بالألقاب والأشخاص، فلا بدَّ في بيان حكمه على وجه الخصوص من النظر إلى هذه الأسماء والألقاب من جهتينِ:
(الأولى): أن يُعتَدَّ في الامتحان - مع شرط الحاجة، وظهور المسألة - أن تكون هذه الأسماء من الأسماء التي جاء الشرع باعتبارها أو تفضيلها.

ويشهد لذلك صنيع زائدة بن قدامة (ت 212 هـ)، فإنه كان لا يُحدِّث أحدًا حتى يسأل عنه، فإن كان صاحب سُنة حدَّثه، وإلا لم يُحدِّثه، ولَمَّا كلمه زهير بن معاوية في رجل يُحدِّثه، قال: مِن أهل السُّنة هو؟ قال: ما أعرفه ببدعة، فقال: من أهل السنَّة هو؟ فقال زهير: متى كان الناس هكذا؟ فقال زائدة: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر![26].

(الثانية): ألَّا تكون هذه الأسماء والألقاب مِن الأسماء والألقاب غير الشرعية، فإنَّ هذا النوع من الأسماء والألقاب قد منع ابنُ تيمية الامتحانَ به، وجعله بدعةً، وتقريرُه رحمه الله يصح إذا اعتدَدْنا ما سبق ذكره من الشروط؛ فالامتحان بالموقف من يزيد بن معاوية - كما يذكر ابن تيمية - هو في حقيقته امتحانٌ بمسألة يقع فيها اشتباهٌ ولبس، ولأجل ذلك يُمنَع من الامتحان بها.

إلا أنه قد يورد على تقرير ابن تيمية رحمه الله ما سبق نقلُه من صنيع أبي العباس السَّراج بامتحانه أولاد الكُلَّابية، فإنه كان يقول في هذه الامتحان: "قُلْ: أنا أبرأ إلى الله تعالى من الكُلَّابية".

ويورد عليه أيضًا ذكره لصنيع أهل العلم في الامتحان بالإمام أحمد، فقد قال: "حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به، فمَن وافقه كان سُنيًّا، وإلا كان بِدعيًّا"[27].


والجواب عن ذلك:
أن امتحان أبي العباس السَّراج، وإن كان باسمٍ ولقب غير شرعي؛ فإن هذا اللقب قد عُرِف واشتَهَر بأنه بدعة ومخالفٌ للسُّنة، وانتفى عنه الإجمال.

وابن تيمية يجعل الانتساب بمجرده إلى نحو هذه الألقاب بدعةً، فقد قال: "لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة"[28].

وأما الامتحان بالإمام أحمد رحمه الله، فقد يُوجَّه بنحو ما وجِّه به صنيع السرَّاج، فيقال: إنَّ الإمام أحمد رحمه الله صار - بما أنعم الله عليه من الانتصار للسُّنة - عَلَمًا على السُّنة، واعتزى إليه خلقٌ كثير، حتى صار من أتباع المذاهب مَن ينتسب إلى إمام مذهبه في الفروع، وينتسب إلى أحمد في الأصول، والامتحان به ليس لمجرَّد الانتساب إليه، وإنما بموافقته على ما هو عليه من السُّنة المحضة في مسألة القرآن وأنه كلام الله مُنزَّل غير مخلوق، وغيرها.

هذا والله تعالى أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم

(أصل المقال: مبحثٌ مُستَلٌّ مِن رسالة الماجستير)




[1] انظر: تهذيب اللغة (5/ 78)، مقاييس اللغة (5/ 302).

[2] العين (3/ 253).

[3] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (391)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا، وهذا الأمر عدَّه أهل العلم في مسائل متعددة، ومِن ذلك عدُّ ابنِ تيمية له في مسألة الصلاة خلف مستورِ الحال، فقد وصف مَن لا يصلي خلف إمام إلا بعد التحقق من حاله وباطن اعتقاده بأنه مبتدعٌ مُخالِف للصحابة والتابعين؛ انظر: مجموع الفتاوى (4/ 542).

[4] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (537) من حديث معاوية بن الحَكَم السُّلَمي رضي الله عنه مرفوعًا.

[5] أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 14).

[6] انظر: المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي؛ ص (574)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال (9/ 276).

[7] انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 189).

[8] انظر: مجموع الفتاوى (15/ 329).

[9] مجموع الفتاوى (15/ 328، 330).

[10] أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 33)، ومن طريقه الذهبي في تاريخ الإسلام (9/ 159).

[11] أخرجه الفريابي في القدر برقم (332).

[12] أخرجه الهروي في ذم الكلام وأهله برقم (1210)، والذهبي في العلو للعليّ العظيم (2/ 1076) برقم (418). وانظر: الحموية ص (325).

[13] انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 395).

[14] أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 74) برقم (58)، وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (9/ 493).

[15] أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 1060)، برقم (1804).

[16] انظر: القدر للفريابي برقم (332).

[17] سير أعلام النبلاء (13/ 189).

[18] أخرجه ابن عساكر في تاريخه (52/ 91 - 92).

[19] الوصية الكبرى ضمن مجموع الفتاوى (3/ 414).

[20] مجموع الفتاوى (19/ 62).

[21] انظر: شرح الأصبهانية ص (373)، الفرقان بين الحق والبطلان ص (549).

[22] مجموع الفتاوى (17/ 311 - 312)؛ كالجهمية والمعتزلة في امتحانهم بالقول بخلق القرآن، فإنهم أحدثوا مسائل مخالفة للدين، وامتحنوا بها عباد الله المؤمنين، حتى بلغ أنهم يمتحنون بها في العطاء، وفي تولية الولايات؛ كإمامة الصلاة والقضاء، وفي فكاك الأسرى؛ انظر: التسعينية (1/ 76 فما بعدها)، بغية المرتاد (السبعينية) ص (348)، شرح الأصبهانية ص (373)، مجموع الفتاوى (6/ 35)، (12/ 31)، الفرقان بين الحق والبطلان ص (549).

[23] التسعينية (1/ 176)، وانظر: منهاج السنة النبوية (4/ 537)، بيان تلبيس الجهمية (5/ 397 - 398).

[24] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 140 - 141).

[25] التسعينية (1/ 194).

[26] انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (9/ 277).

[27] مجموع الفتاوى (5/ 553).

[28] مجموع الفتاوى (6/ 359).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-10-2021, 12:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم الامتحان في الاعتقاد

لا اله الا الله محمد رسول الله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.60 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]