|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جفاف النفحات الروحية بضجيج العصرنة الصاخب نايف عبوش لا شكَّ أن العَصْرَنة صاحَبَها الكثيرُ مِن الإنجازات العلمية، والمُعطَيات التقنية الإيجابية، التي انعكست بتداعيات نافعة للبشرية، لا يمكن التغاضي عنها وإنكارُها، إلا أنها مع كل ما أفرزَتْه من إيجابيات فإن لها من التداعيات السلبيةِ الماثلة للعيان في ذات الوقت، ما سبَّب - ولا يزال يسبِّب - متاعبَ كثيرة للإنسان المعاصر! فعلى سبيل المثال لا الحصر: تجدُرُ الإشارة في هذا المجال إلى ما تركَتْه تقنيات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من التقنيات الصناعية - من سلبيات لا تُعَد ولا تُحصى في حياة المستخدِمين؛ فحالةُ الانغماس الكُلِّي مِن خلال الاستخدام المُفرِط لهذه التقنيات قد أدَّت إلى ظاهرة إدمان البعض مِن المستخدِمين على التعاطي معها بشكل لافِتٍ للنظر؛ حيث انعكس هذا الأمر في سلوكهم اليوميِّ بهيئةِ عزلةٍ حقيقية عن الأسرة والمجتمع، الأمر الذي حرَمهم مِن التنعُّم بدِفْء الاندماج الاجتماعيِّ مع الغير، وسلب منهم نعمةَ عفويةِ التأمل والتخاطر مع آفاق الكون، بعد أن ذابوا في نمطيَّة فنية افتراضية مُمِلَّة. وبغضِّ النظر عن السلبيات الأخرى التي ترتَّبت على ظاهرة الانغماس في تقنيات العَصْرنة، وما يمكن أن تُفرِزه مجاراة معطياتها المتلاحقة، دون ترشيدِ استخدامٍ واعٍ لمخاطرِ تداعياتها الضارة في هدم المُثُل الرفيعة للإنسان، بما فيها هدر الوقت الذي يعتبر حيز عمر الإنسان في حياته الدنيا، وما يعنيه مثلُ هذا السلوك العابث مِن إفنائه في أمور تافهة لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع، فإن المطلوب أن يأخذ الإنسان حذرَه مِن التمادي في استهلاك زمن عمره في تُرَّهات لا طائل منها، قد تؤدِّي به إلى استلاب ذاته من حيث لا يشعر، وعندها لاتَ ساعة مَنْدَم. وهنا تجدُرُ الإشارة إلى الهَدْي النبويِّ الكريم في قولِه صلى الله عليه وسلم: ((خير القرون قرني))، بما يعنيه ذلك التوجيهُ والإرشاد البليغ من استشرافٍ كريم لحقيقة مستقبل القرون القادمة، وتدنِّي خيرية الأزمنة التالية لزمن النبوة الفاضل، الذي تميَّز حقًّا بظهور جيلٍ ربَّانيٍّ تقي مُدهِش، امتدَحَه القرآن الكريم بما هو أهلٌ له حقًّا، كما جاء في قوله تعالى عنهم: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]، وما عكسه ذلك الاستشراف مِن حقيقة استغراق الأزمنة التالية في صخب مُرهِق، وضجيج مُقرِف، يجعل منها أزمنةً مكتظَّة بمُلهِيات مُزعِجة، ومثقلة بترهات مُضْنِية، من صنع الإنسان، تُفسِد عليه مسار صلاحه، وتُلهِيه عن ذكر الله، على قاعدة: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]، وهو ما نلحَظُه جليًّا في واقع حالنا المُزرِي اليوم. ومِن هنا، فإن المسلم مُطالَبٌ اليوم بأن يتوخَّى تقوى الله في كل تعاملاته مع مُعطيات العصرنة، وأن يحرص على ألَّا يَدَعَها تأخُذُ مِن وقته أكثرَ مما تستحق، وألا يسمَح لها بتجفيف نفحاتِه الرُّوحية، وعزله عن أداء العبادات المكتوبة، فيخسر الدنيا بالاستلاب التقني الذي يُجفِّف في رُوح الإنسان نفحاتِ الإيمان، ويضيِّع الآخرة بإهمال العبادة، وذلك هو الخسران المبين!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |