|
|||||||
| فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
المُفتِي في الشَّريعة الإسلامية عبد العَزيز بن عبد الرَّحمن الرُّبَيعة لا يَخلُو أي عَصْر من العُصور - مهما كان ما يسير عليه من أنْظِمة دينية وسِياسية واقتِصادية ، وغيرها من ظَواهر اجتِماعية : تَبرُز في مُحيطِه ، ويكون لها الأَثَر القَوي في سُلُوكه ، والهَيمَنَة الكامِلَة في تَوجيه طاقاتِه نَحْو ما يَعود عليها بالخِدمَة ، للحِفاظ عليها وتنمِيَتها إن كانت ظَواهِر مَحمودَة ، وبإزالَتِها إن كان يمكن ذلك - أو إيجاد ما قد يَحُدُّ من خَطَرها - حين لا يمكن ذلك - إن كانت ظَواهِر سيِّئة . والباحِث النّابِه يكون واجِبُه تِجاه ذلك ، مُلاحَقَة تلك الظَّواهِر ، والتَّحَدث فيها ، والمُشارَكة في بَحْثها على النَّحو المُلائم لها ، شأنه في ذلك شَأن الطَّبيب الماهِر الذي يَتَتبَّع الأمراض البَدَنية ليُطَبِّق عليها ما جَدَّ في دُنيا الطِّب من عِلاج ، ويَعْصِر ذِهنَه بالمُقارَنَة والتَّجرِبَة لما لم يجد له قبل ذلك نَظيرا ، ويَتَتبَّع الظَّواهر الصِّحيَّة ، فيُهديها لِمُجتَمَعه ، ويُعين على تَنمِيتها إلى أرفَع مُستوى يستطيع الوُصول إليه بها . ومن هذه الظَّواهر الاجتماعية غير المَحمُودة ، التي برزت في المُجتَمَعات الإسلامية في هذا العَصْر ، الجَهْل بكثير من أحكام دينِها ، حتى صار كثير من الناس يَسير في أمور دِينه على غير هُدَى ، وصار الحَصيف فيهم من يسأل العُلَماء عما يحتاج إليه في ذلك . ومن هنا بَرَزَت قَضِية الفَتوَى من العالِم للجاهِل ، علاجا لتلك الظّاهِرة ، أو مُواجَهَة لها بما قد يَحُدُّ من آثارها على المُتَّصف بها . غير أن هذا العِلاج - وإن كان هو العِلاج الوَحيد لِهَذه الظاهرة - لم يَسِر سَيْره الذي يَنبَغي أن يَسيره في كَثير من الشُّعوب الإسلامية ؛ حيث تَصَدى للفَتْوى كثير ممن لا تَتَوفَّر فيهم شُروط المُفتِي ، ولا تَكتمِل فيهم كثير من الأمور التي ينبغي لمن نَصَّب نفسه لهذا المَنصِب أن يَتَفطَّن لها ، وذلك ناتِج في كثير من الأحوال عن قِلَّة من هو أهل لهذا المَنصِب ، وانغِمارِه في خِضَمِّ هذه الأمواج الهائِلَة من الجَهَلة بأحكام دينها ؛ وحُبِّ كثير ممن شَدا بِقِسط قليل من العِلم للظُّهور والتَّبَوُّء للمَكان الذي لم يَتَأهَّل بَعد لأن يَتسَنَّم ذِروته . ومن أجل ذلك كله آثَرْت أن يكون هذا البَحث مُتَناولا للمُفتِي في الشَّريعة الإسلامية . ولن يَخْفى على رُوّاد هذا المَيدان أن الإلمام به ، والتَّعَمُّق في جُزَيئاته - في بحث قصير كهذا - بَعيد ، إن لم يَكُن مُستَحيلا . لِذا فَإنَّني سأقتَصِر فيه على : التَّعَرف على المُفتِي . أقسام المُفتِين . مَنزِلَة المُفتِي في الشريعة الإسلامية . شُروط من يَتصَدَّى لهذا المَنصِب العَظيم . وجُملَة أمور ممّا يَنبَغي له أن يَتفَطَّن لها حينما يُمارِس الفَتْوى ، وأختِمُه بِخاتِمَة أُلَخِّص فيها ما أنتَهي إليه من نَتائِج ، مُذَيَّلة باقتِراحات تَهدي إليها تلك النَّتائج ، وتُؤكِّد ضَرورَتَها ، سائلا الله ( سُبحانه ) أن يَمُدَّني بعَونه فيما أتَرَسَّمه من خُطُوات ، وإلهامِه فيما أقُرَّره من حَقائق ، وتوفيقِه فيما أصِل إليه من نَتائج ومُقْتَرَحات . * * * تَعريف المُفتِي الحُروف : الأصلِيَّة التي قامت عليها هذه الكَلِمة ، هي الفاء ، والتاء ، والحرف المُعتَلُّ ، ولها مدلولان : أحدُهما : الطَّراوَة والجِدَّة ، والآخر : تَبَيُّن الحُكم ، والذي يُناسِب هذه الكَلِمة في مَوضوعِنا المَدلول الأخير ، وإذن فالمُفتِي اسم فاعل على وزن " مُفْعِل " مُشتَق من الإفتاء بِمعنَى الإبانَة ، يقال : " أفتاه في الأَمْر ، أبانَه له ويقال : " أفتى الفَقيه في المَسألة ، إذا بَيَّن حُكمها .وأما في الإصلاح ، فقد اختَلَف العُلَماء في تَعريفِه على آراء أهَمُّها : 1 - أن المُفتِي هو المُجتَهد المُطلَق ، وهو الفَقيه ، على حَدِّ تَعبير صاحِب " تَحرير الكَمال " ، ولهذا يقول " الصيرفي " إنه " مَوضوع لمن قام للنّاس بأَمْر دينِهِم ، وعَلِم جَمْل عُموم القُرآن ، وخُصوصِه ، وناسِخَه ومَنسوخَه ، وكذلك في السُّنن والاستِنْباط ، ولم يوضع لمن عَلِم مَسألَة وأدرَك حَقيقَتها " ويقول " ابن السَّمعاني " : " هو من استُكمِل فيه ثلاثَة شُروط : الاجتِهاد ، والعَدالَة ، والكَفُّ عن التَّرخيص والتَّساهُل . وللمُتَساهِل حالتان : إحداهما : أن يَتَساهَل في طَلَب الأدِلَّة وطُرُق الأحكام ، ويأخذ بِبادِئ النَّظر وأوائِل الفِكْر ، وهذا مُقَصِّر في حق الاجتِهاد ، ولا يَحِلُّ له أن يُفتي ولا يَجوز . والثانية : أن يَتَساهل في طَلَب الرُّخَص وتَأَوُّل السُّنة ، فهذا مُتَجَوِّز في دينه ، وهو آثَمُ من الأول " .2 - ويذهب بعض العُلَماء إلى أن المُفتِي يكفي فيه أن يكون مُتَبَحِّرا في مَذهب إمامِه ، فاهما لكَلامِه ، عالما لراجِحِه من مَرجوحِه ، خَبيرا بالمرجُوع عنه من المرجوع إليه ، فلا يُشتَرط فيه أن يكون مُستطيعا لاستنباط الأحكام من أدِلَّتها التفصيلية ، ولا مُتَبحِّرا في الكتاب والسُّنَّة ، عالما بوجوه مَباحِثِهما . وقد أيَّد أصحاب هذا القول كلامَهم بأن اشتِراط الاجتِهاد المُطلَق في المُفتِي ، يُفضِي إلى حَرَج عَظيم ، واستِرسال الخَلق في أهوائِهم ، ثم إن المُفتي حينما يكون مُتَبَحِّرا في مذهب إمامِه يكون ذلك كافيا ؛ حيث إنه يَغلِب على ظَنِّ العامِّي أنه حُكم الله عنده ، والقَضاء - وهو مَركَز عَظيم - قد أطبق النّاس فيه على تَنفِيذ أحكام من تَوَلاه دون مُراعاة لحُصول شَرط الاجتِهاد فيه ، فليَكُن للمُفتي ما للقاضي من حيث عَدَم اشتِراط الاجتِهاد فيه ، بل إنه قد انعَقَد الإجماع على جَواز الإفتاء لمن يَتَوفَّر فيه هذا الشَّرط ، فقد قال الشيخ " تاج الدين السُّبكي " : " وقد انعَقَد الإجماع في زَمانِنا على هذا النَّوع من الفتيا " .وإذا أضَفنا إلى ما تَقَدم ما يُحَدثنا به التاريخ من أن أُناسا بَرَزوا في العُصور الزّاهِية للإسلام وملأوا الدُّنيا بعُلُومهم وآرائهم الصّائِبة ، وادَّعَوا الاجتِهاد المُطلَق تَبَعا لذلك ، ومع ذلك لم يُسَلِّم لهم أهل عَصرِهم به ، وإذا أَضَفنا - أيضا - إلى ذلك ، ما نُشاهِدُه في واقِع الأُمة الإسلامية ، من كَثْرة الجَهْل بأحكام الدين في كَثير من أفرادِها ، وكَثْرة المَشاغِل التي تَنْتاب الفِئة المُتخَصِّصة في أحكام الشَّريعة الإسلامية مما قد يَحول بينهم وبين الوُصول إلى دَرَجة الاجتِهاد المُطلَق في أحكام شَريعَتها ، إذا أَضَفنا ذلك كله إلى ما تَقَدَّم ، تَبيَّن لنا أنه لا يُشتَرط لمن يَتَبوَّأ هذا المَنصب أن تَتَوَّفر فيه صِفَة الاجتِهاد المُطلق . ولَعَل من نافِلَة القَول أنه جاز لمن هذه صفَتُه أن يَتَصدَّى للفُتْيا ، فإنه يجوز بالأَوْلى لمن كان مُجتَهدا مُطلَقا ، أو مُجتَهدا مُقيَّدا في مذهب من ائتَمَّ به " بأن يعرِف قَواعِده ، وتَفْصيل مَذهَبه ، ويَقْوى على استِخراج الأَحكام فيما لم يَنُصَّ عليه إمامُه ، مُراعِيا قَواعِد إمامه ، وعلى تَرجيح قَول على آخَرَ داخِل المَذهَب ، حِينَما يَجهَل المتَقدِّم منها من المُتأخِّر " .ولهذا نرى الإمام " ابن القَيِّم " ( المُتوفَّى سنة 751 هـ رحمه الله ) حين تَحدَّث عمن يَجوز لهم أن يَنتَصِبوا للفُتْيا ، ويجوز للعامَّة أن يتَّجِهوا إليهم بالأسئِلَة عن أحكام دِينِهم - يقَسِّمهم إلى أربَعَة أقسام :أحَدُهم : العالِم بكِتاب الله ، وسُنَّة رَسولِه ، وأقوال الصَّحابَة ، فهو المُجتَهِد في أحكام النَّوازِل ، يَقصِد فيها مُوافَقَة الأدِلَّة الشَّرعية حيث كانت ، ولا يُنافي اجتِهادُه تَقليدَه لِغَيره أحيانا . فلا تَجِد أحدا من الأَئمَّة إلا هو مُقلِّد من هو أعلَم منه في بعض الأَحْكام . . . النَّوع الثاني : مُجتَهد مُقيَّد في مذهَب من ائتَمَّ به ، فهو مُجتَهِد في مَعرِفَة فَتاويه وأقوالِه ومَأخَذه وأُصولِه ، عارِف بها ، مُتَمكن من التَّخريج عليها ، وقِياس ما لم يَنُص من ائتَمَّ به عليه على مَنصوصِه ، من غير أن يكون مُقَلِّدا لإمامِه لا في الحُكم ولا في الدَّليل ، لكن سَلَك طريقَه في الاجتِهاد والفُتْيا ، ودعا إلى مَذهَبِه ، ورَتَّبه ، وقَرَّره ، فهو مُوافِق له في مَقصِده وطَريقِه معا . . . النَّوع الثالث : من هو مُجتَهد في مَذْهب من انتَسَب إليه ، مُقرِّر له بالدَّليل ، مُتقِن لفَتاويه ، عالِم بها ، لكن لا يتعدى أقوالَه وفَتاويه ، ولا يُخالِفُها إذا وجد نَصَّ إمامه لم يَعْدِل عنه إلى غيره ألبَتَّة . . . النَّوع الرابِع : طائفَة تَفَقَّهت في مَذْهب من انتَسَبت إليه ، وحَفِظت فَتاويه وفُروعَه ، وأقرَّت على أنفُسِها بالتَّقليد المَحض من جميع الوُجوه ، فإن ذَكَروا الكِتاب والسنَّة يوما في مَسألَة ، فعلى وجه التبَرُّك والفَضيلَة ، لا على وجه الاحتِجاج والعَمَل ، وإذا رأوا حَديثا صحيحا مُخالِفا لقَول من انتَسَبوا إليه ، أخَذوا بقَوْله ، وتَرَكوا الحَديث ، وإذا رَأَوا أبا بَكْر وعُمَر وعثمان وعليًّا وغيرهم من الصَّحابة ( رَضِي الله عَنهُم ) قد أفْتَوا بفُتْيا ، ووَجَدوا لإمامِهم فُتْيا تُخالِفها ، أخَذوا بفُتْيا إمامِهم ، وتَرَكوا فتاوَى الصَّحابة قائلين : الإمام أعْلَم بذلك مِنّا ، ونحن قد قلَّدْناه ، فلا نَتَعدّاه ولا نَتخطّاه ، بل هو أعلَم بما نذهَب إليه منا ، ومن عَدا هؤلاء ، فمُتَكلِّف مُتخلِّف ، قد دنا بنَفسِه عن رُتبَة المُشتَغِلين ، وقَصُر عن دَرَجة المُحصِّلين ، فهو مُكَذْلِكٌ مع المُكَذلِكين ، وإن ساعَد القَدَر واستَقَل بالجَواب ، قال : يَجوز بشَرْطه ، ويَصح بشَرْطه ، ويَجوز ما لم يَمنَع منه مانِع شَرْعي ، ويَرجع في ذلك إلى رأي الحاكِم ، ونَحْو ذلك من الأَجْوبة ، التي يَستحسِنها كُل جاهِل ، ويَستَحي منها كُل فاضِل " . * * * يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |