|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() قضاة على أبواب جهنم الشيخ د. : علي بن عمر با دحدح عناصر الخطبة 1/ وجوب إقرار الحق وأخذه لصاحبه 2/ ضرورة إقامة العدل ومنع من يتجاوزه 3/ المقصود الأعظم من نظام القضاء 4/ إقامة العدل مرجعه إلى جهتين 5/ شدة وعيد القاضي الجائر 6/ اختلال ميزان العدالة في كثير من البلاد 7/ قضاة على أبواب جهنم 8/ خطورة ترك العدل والولوغ في الظلم. اقتباس قضاة على أبواب جهنم يقضون بغير الحق عن علم، ويقضون بأمر يُفضي إلى إزهاق الأرواح وذهاب الأموال، وفساد الأحوال.. و”من وُلِّي القضاء أو جُعِل قاضياً بين الناس فقد ذُبح بغير سكين”، خطر عظيم، وعيد عظيم، لأن الأمر هنا فصلٌ في الدماء، في الأعراض، في الأموال، في إقامة وحفظ كليات الحياة الإنسانية التي بها وبحفظها يمكن أن تستقيم حياة البشر، وإلا تحولوا إلى غابة يبطش فيها القوي بالضعيف كغابة الحيوانات يفترس فيها الحيوان الأقوى الأضعف. واليوم ربما نرى في مجتمعات الناس عموماً -ولا يخلو ذلك بعض مجتمعات المسلمين- أنها صار الحال فيها أسوأ من حال الغاب والحيوان… الخطبة الأولى: معاشر المؤمنين.. وصية الله لكم في كل حين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. إخوة الإسلام والإيمان.. قال جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- لما رجعت مهاجرة الحبشة إلى المدينة قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟" فقال فتية منهم: يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز منهم تحمل فوق رأسها قلة فيها ماء، فمرت بشاب أو بفتى منهم فوضع يديه بين كتفيها ثم دفعها فسقطت على ركبتيها وسقطت قلتها، فالتفتت إليه وقالت: ستعلم يا غُدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا، فقال سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-: "صدقت ثم صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" (رواه ابن حبان في صحيحه). والحديث مروي عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقدس الله أمة لا يُقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع" (رجاله ثقات). وأنقلكم إلى مشهد من التاريخ ذكره السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) ذكر فيه: أن أبا جعفر المنصور كتب إلى سوار بن عبدالله القاضي قال له: "انظر إلى الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد وفلان التاجر فادفعها إلى القائد"، فكتب إليه سوار القاضي: إن البينة قامت عندي أنها للتاجر فلست أعطيها لغيره إلا ببينة، فكتب له الخليفة المنصور: "والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى القائد"، فكتب سوار القاضي: "إلى أبي جعفر المنصور الخليفة والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجها من يد التاجر إلا بحق"، فلما بلغ الجواب المنصور سُرّ به، وقال: "ملأتها والله عدلاً حتى صارت قضاتي تراجعني وتردني إلى الحق". وأمضي بكم إلى تقرير حقيقي لأصل هذا الدين وأثره في الحياة، خطب سعيد بن سويد في حمص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا أيها الناس إن للإسلام حائطاً منيعاً، وباباً وثيقاً، فحائط الإسلام الحق، وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعاً ما اشتد السلطان، وليست شدة السلطان قتلاً بالسيف، ولا ضرباً بالسوط، ولكن قضاءً بالحق، وأخذاً بالعدل". ولعمري إنها لكلمات تسمو فوق كل ما يسمى اليوم من قوانين العدالة وحقوق الإنسان والشرعية الدولية، تلك هي السياسة الشرعية الإسلامية المبنية على إقرار الحق وأخذه لصاحبه، وإقامة العدل ومنع من يتجاوزه، وقالها كلمات "ليست شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضرباً بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذاً بالعدل"، وهذا هو الذي قاله عمر بن عبدالعزيز لما كتب إليه بعض ولاته يطلب مالاً ليبني سوراً ويحصن المدينة، فكتب إليه كُليمات: "حصّنها بالعدل، ونقّ طرقاتها من الظلم"، تلك هي سياسة الأمم، تلك هي الإنسانية القائمة على العدل، والإسلام القائم على إقامة الحق والقضاء به. ومن كلام ابن القيم -رحمه الله- في ذات المعنى: "السياسة نوعان: سياسة ظالمة تحرمها الشريعة، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها". ويقول شيخه ابن تيمية –رحمه الله-: "العدل نظام كل شيء فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بالعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزئ في الآخرة". والمقصود من القضاء كما قال: وصول الحقوق إلى أهلها، وقطع المخاصمة، فوصول الحقوق هو المصلحة وقطع المخاصمة هو إزالة المفسدة، ووصول الحقوق هو العدل الذي تقوم به السماء والأرض وقطع الخصومة هو من باب دفع الضرر والظلم. ومن هنا -أيها الإخوة الكرام- إذا التفتنا في عالمنا وبلادنا العربية والإسلامية فلنكن على يقين أن كثيراً مما حلّ بها من البلاء والفوضى إنما هو بسبب الظلم الذي فشا فيها، والعدل الذي غاب عنها، والتجبر والاستبداد الذي سطا على الناس فيها، فأخذ حقوقهم، وضرب أبشارهم، وسلب أموالهم، وانتهك أعراضهم، بل وأزهق أرواحهم، وهذا هو لبّ وعين وجوهر الفساد الذي تفسد به حياة الأمم والمجتمعات وإن كانت ما تزال مرتبطة بالإسلام في الشعائر وفي أساسيات أخرى؛ لأن إقامة الأمم والمجتمعات تقوم على هذه السنن التي جاءت بها شريعة الإسلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 135]. الآيات كثيرة، وكل واحدة منها تؤسس لمعنى شامل ولحكم عادل ولضبط لئلا يختل ميزان العدل، (كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ)، فإن إقامة العدل لا تتم كاملة إلا لمن يراقب الله -سبحانه وتعالى- ويتقيه ويخشاه، (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)، وهنا يأتي التمحيص ويأتي تغليب أمر الله على هوى النفس وتغليب إقامة الحق على مراعاة المجاملات (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا)، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يجزي هو الذي يقيم العدل -سبحانه وتعالى- (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) أي: فيكون اتباعكم للهوى دافعاً لكم لترك العدل. وإذا مضينا فإننا نجد الآيات عظيمة ومنها: ما وجه مباشرة بأمر رباني لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى: 15]، (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة: 42]، وفي حديثه -صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور" ثم قال في وصفهم: "الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم" (رواه مسلم في صحيحه)، هذا هو العدل الذي أمر الله به: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى) [النحل: 90]. ولكن شريعتنا العظيمة كما أمرت بالعدل حذرت من الظلم، ولما كان أمر إقامة العدل مرجعه إلى جهتين: الحاكم الذي هو الإمام وولي الأمر، والقاضي الذي يقضي بين الناس في الخصومات والحقوق، كان الأمر حينئذ متعلقاً بهذين الوصفين أو هذين المنصبين في نصوص الشريعة كثير جداً لأن الأمر عند حصول الانحراف والفساد يكون خطره عظيماً وضرره كبيراً وأثره لا يقتصر على الأمور المادية بل يتجاوزها إلى الأمور المعنوية، فتفسد عقول الناس بالزيغ والضلال فلا يرون الحق حقاً بل يزيغون عنه، وتفسد فطرهم فلا يرون الظلم ظلماً ينفرون منه بل تأنس إليه نفوسهم وتتغير الأحوال تغيراً تنتكس به الفطر، وتنقلب به الموازين وتنعكس به القضايا، ويصير من وراء ذلك ما يحصل من هذا الضرر والخطر العظيم. ومن هنا جاءت نصوص كثيرة تنبه وتحذر، فهذا حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله مع القاضي ما لم يجر -أي: ما لم يكن جائراً ظالماً- فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان"، القائل هو الذي لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 4]، عليه الصلاة والسلام، بمجرد الظلم وحصوله عن عمد يحصل الانحراف الذي يجافي الحق بل ويعاديه والذي لا ينتصر له بل يسعى إلى نقضه وإبطاله والعياذ بالله. ومن هنا أيضاً يجيئنا حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في التحذير (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37]: "من وُلِّي القضاء أو جُعِل قاضياً بين الناس فقد ذُبح بغير سكين"، خطر عظيم، وعيد عظيم، لأن الأمر هنا فصلٌ في الدماء، في الأعراض، في الأموال، في إقامة وحفظ كليات الحياة الإنسانية التي بها وبحفظها يمكن أن تستقيم حياة البشر، وإلا تحولوا إلى غابة يبطش فيها القوي بالضعيف كغابة الحيوانات يفترس فيها الحيوان الأقوى الأضعف. واليوم ربما نرى في مجتمعات الناس عموماً -ولا يخلو ذلك بعض مجتمعات المسلمين- أنها صار الحال فيها أسوأ من حال الغاب والحيوان فيما فشا من الظلم وعمّ من الاستبداد وفيما سيّس به أمر القضاء أو جُعل مرجعه إلى الهوى أو ارتبط بالمصلحة أو غير ذلك مما رأينا ونرى وسنرى ما لم يرجع الناس إلى دين الله ومراقبة الله -سبحانه وتعالى-. وأحسب أننا جميعاً نحفظ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "القضاة ثلاثة: واحدٌ في الجنة واثنان في النار"، الذي في الجنة هو الذي عرف الحق فقضى به، وأما الذي عرف الحق فجار عنه أو لم يقض به فهو في النار، ومثله الذي لا يعلم الحق ولا يعرفه فيتصدى ليقضي بين الناس وهو جاهل فهو في النار لأنه بقضائه عن جهله سيعطي الحق لغير صاحبه، وسيفضي إلى اختلال ميزان العدالة، بل إن الأمر فيما ذكر لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لا نبقى في دائرة محصورة فإننا نحن آحاد الناس أيضاً قضاة، نحن نقضي بين أزواجنا ونقضي بين أبنائنا ونقضي إذا كنا معلمين بين طلابنا ونقضي إذا كنا رؤساء بين موظفينا، وعندنا وعند غيرنا قدر من الهوى وقدر من خوف سلطة أعلى وقدر من مراعاة مصلحة تجعلنا لا نقيم الحق ولا نحكم بالعدل ولا ننزل الناس منازلهم ولا نعطيهم حقوقهم، ولا يكون عندنا من قوة الإيمان واليقين ما يجعلنا نستحضر قصة سوار بن عبدالله وغيره في تاريخنا كثير يضيق المقام عن ذكر مشاهد وقوف القضاة موقف الحق بقوة وصلابة ردت حتى الحاكم إلى موضعه. وأحسب أننا جميعاً نذكر قصة شريك القاضي لما ادّعى يهودي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه أخذ منه درعه، فقال هي درعي، فجاء إلى مجلس شريك القاضي فقال: الدرع عند اليهودي فهل لك من بيّنة؟ قال: عندي شاهدان، من؟ قال: قنبر مولاي والحسن ابني، قال: ولكني لا أمضي شهادة الولد لوالده، قال: ألا تمضي شهادة رجل من أهل الجنة؟، والحسن والحسين "سيدا شباب أهل الجنة" كما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ولكني في مجلس القضاء لا أمضي شهادة الولد لوالده، فقال علي: هي لك أيها اليهودي، فقال اليهودي: قاضي المسلمين يقاضي أميرهم ثم يحكم لي عليه، أشهد أنها لك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أقول -أيها الإخوة- إن الأمر في كل الدوائر صغيرها وكبيرها وإليكم حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أمير عشرة -عشرة من الأشخاص- إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور" نسأل الله السلامة. ولعلنا ندرك الأهمية في كل المجالات وفي مجال القضاء على وجه الخصوص لأن "الظلم ظلمات يوم القيامة" كما قال سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال كما عند البخاري في صحيحه: "إن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]. قضاة على أبواب جهنم يقضون بغير الحق عن علم، ويقضون بأمر يُفضي إلى إزهاق الأرواح وذهاب الأموال، وفساد الأحوال، والله -عز وجل- يقول عن القرية كلها والمجتمع كله أنه يمكن أن تحل به عقوبة الظلم: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، فرعون أعتى جبابرة الأرض وأكبر طغاتها، (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) [القصص: 39-40]. نحن على يقين أن كل ظالم له عاقبة وخيمة، وله عبرة تقوم بين الناس شاهدة، ومن لم يكن له ذلك فحاله أسوأ وأشد بين يدي الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، ونحن نوقن بما ذكر الله -سبحانه وتعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [إبراهيم: 42-43]. والله -سبحانه وتعالى- يقتص يوم القيامة حتى من البهائم، حتى يقتص للشاة القرناء من الشاة الجماء -أي: في نطحها- فكيف بالناس؟، وكيف بمن قضى بظلم؟، وكيف بمن مكّن ظالماً من حق المظلوم الضعيف؟، وكيف بمن تسبب في إزهاق روح بظلم؟ سيُغلُّ بها في الآخرة قطعاً، وسيُعذب بها في الدنيا قطعاً حتى وإن لم يظهر العقاب، وإن لم يظهر العقاب في صورة مادية فهو ظاهر في رعب قلبه، ظاهر في ضيق صدره، ظاهر في ضيق عيشه، ظاهر في أمور كثيرة من حياته، كيف كان سلفنا يقولون "إن أحدنا ليجد أثر الذنب في خلق زوجته ودابته"، ماذا كانوا يقولون "إن أحدنا ليحرم العلم بالذنب يصيبه". فكيف بذنوب كأمثال الجبال!؟ وكيف بذنوب فيها أحكام ظلم تطير بها الرؤوس وتزهق بها الأرواح!؟ وكيف بأحكام ظلم تمكن الأعداء من رقاب المسلمين وتجعلهم يستبيحون أرضهم ويكونون متسلطين عليهم!؟ ومن هنا لابد أن ندرك أن قضية العدل في مجتمعاتنا محورية جوهرية بها استقامة الأحوال وانتظام الأمور وحصول الأمن والأمان والاستقرار، والتحصين لا يكون بالأجهزة الأمنية ومراقبتها، ولا بالأجهزة الشرطية وعقابها، ولا بالسجون وحبسها، وإنما يكون قبل ذلك كله بالإيمان وإقامة الحق والحكم بالعدل وإنصاف الناس وإرجاع الحقوق وإلا فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم حقه". نسأل الله -عز وجل- أن يعيذنا من الظلم ومن الظلمة ومن الطغاة المتسلطين على عباد الله بغير حق، نسأله -سبحانه وتعالى- أن يكفينا شرهم وأن يقطع عنا ضرهم وأن يمنع عنا كيدهم وأن يحبط عنا مكرهم. الخطبة الثانية: إخوة الإسلام والإيمان.. أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله -عز وجل- أعظم زاد يُقدم به العبد على مولاه. وإنّ إحقاق الحق وإقامة العدل في مقدمة معان التقوى ودلالاتها، ولعلي هنا أيضاً أتمم ببعض ما أرشد إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- ونبهنا عليه وحذرنا منه وكشف لنا ما يترتب على ترك العدل والولوغ في الظلم من آثار خطيرة في الدنيا وفي الآخرة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما روى الإمام أحمد بسند صحيح: "ثلاثة أخاف على أمتي منها: الاستستقاء بالأنواء، وحيف السلطان، وتكذيب بالقدر". و"حيف السلطان" أي: ظلمه، فسواء كان هذا السلطان حاكماً أو كان قاضياً، فإن ظلمه ظلمات يوم القيامة وإن ظلمه فساد في الدنيا، وها هو -صلى الله عليه وسلم- كما روى الترمذي بسند قال عنه حسن غريب: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر ظالم"، نسأل الله -عز وجل- أن يعيذنا وإياكم. تأملوا أيها الإخوة في أمر أربط بينه وبين هذا الظلم، الظلم قد يكون في الأموال، قد يكون في خصومات بين الناس، لكن أعتى وأبشع وأفظع أنواع الظلم وأكثرها خطورة مما ينخلع له قلب المؤمن حتى ولو لم يكن هو ذلك الظالم وإنما يخشى من أثر هذا الظلم هو الظلم الذي يترتب عليه أمران: أمر فيه سفك دماء معصومة لمسلمين من عباد الله. والأمر الآخر: هو الذي يحصل به تسلط الأعداء على بلاد المسلمين أو مقدراتهم، ولقد رأيتُ بالأمس وأنا أشاهد بعيني ويعتصر قلبي حزنا رأيت توثيقاً لأحداث في اليمن كشفت عن خيانة وتآمر وتواطؤ أفضى إلى إزهاق أرواح بالعشرات بل بالمئات وأفضى إلى تسلط الفسدة والفسقة والمجرمين بأن يمتلكوا القوة، وأن يسيطروا على السلطة وأن يسيموا المسلمين سوء العذاب، ويجري ما يجري إلى يومنا هذا. ولئن انتقلنا إلى ما لا ينبغي أن ننسى أبداً في كل الأحداث وفي جميع ما يجري في ديارنا وبلادنا العربية والإسلامية لا ننسى فلسطين والأقصى والقدس لنعلم مرة أخرى وقد مرت بنا في الجمعة الماضية ذكرى قيام الكيان الصهيوني الغاصب وعما قريب ستمر بنا ذكرى ما يقال عنه أو يسمى بالنكسة لنعلم أنها كانت خيانة وكانت تسليماً لأرض الإسلام ولرقاب المسلمين لألد أعدائهم من اليهود الصهاينة عليهم لعائن الله، وهكذا وهكذا. إذا سكت الناس واستمرؤوا الظلم قذف في قلوبهم وزرع في نفوسهم عدم إنكاره وعدم الغيرة على ما يقع من أثره وعدم الحمية لدفعه، وتلك هي المصيبة العظمى التي أحسب أن كثيرين منا قد أصيبوا بها، وإلا كيف نرى ما نرى من الظلم في سدد الحكم وفي منصات القضاء ونرى أمتنا لم يتكلم فيها أحد ممن له كلمة يجب أن يقولها بقوة ويجب أن يتبعها بفعل ليكون هناك ميزان يعتدل ولتكون هناك قوة تنصر الحق كما أن هناك قوى وأصواتاً تنصر الباطل وتروج له. ولقد رأيتُ بأم عيني وسمعت ما خشيت به أن تنزل بنا قارعة تحل بنا من عذاب الله عندما أستمع إلى من يتحدث في الشاشات متشفياً بمن يعلم يقيناً أنهم برآء وهو يقول: إنه مستمتع ينتظر لحظة قطع رؤوسهم أو تعليقها في المشانق أو غير ذلك، أين هي كل المقاييس الإنسانية والنظم الدولية وكل منظمات حقوق الإنسان كلها تبدي قلقاً أو تظهر انزعاجا أو نحو ذلك ولم نر على مدى أكثر من سبعين عاماً في فلسطين وغيرها في بلاد أخرى من بلاد العرب والمسلمين وإلى يومنا هذا فيما يجري في بلاد الشام وفيما في العراق وفيما يجري في اليمن وفيما يجري في مصر وفيما يجري في كل هذه الساحات التي اضطربت بسبب الطغيان والتي حلّ فيها ما حلّ من اضطراب وخلل وقتل وهرج ومرج بسبب الخيانة والظلم، أعاذنا الله وإياكم وحصّن قلوبنا وبيوتنا ومجتمعاتنا بالإيمان بالله ومراقبته وبإقامة العدل ومنع الظلم والنطق بكلمة الحق، والسعي إلى دفع الباطل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. اليوم قد نجد عشرات من وسائل الإعلام تروّج للباطل تدعو إلى الفتنة ربما تدعو إلى الإباحية، فهل تعجز الأمة أن تجعل أصواتا ناطقة بالحق داعية إلى الفضيلة قائمة بالواجب مذكرة بالعلم الشرعي قائمة بالدعوة ونحو ذلك، كثيرة هي الأمور التي فيها خلل لكن أعظمه في مجتمعاتنا كلها مع تفاوت هو أمر العدل وإقامته والقضاة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قاض في الجنة وقاضيان في النار". فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعيذنا أولاً من أن نكون ظالمين أو أن نرضى بظلم أو أن نقر ظلماً، ونسأله -سبحانه وتعالى- ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء والظالمون منا، ونسأله جل وعلا أن يعيذنا من شر الظلم وبلائه وما يترتب عليه من الضرر والخطر والعذاب والبلاء إنه -سبحانه وتعالى- ولي ذلك والقادر عليه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |