|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() رسالة إلى رضيع! إبراهيم حافظ غريب كان قريبًا منها.. تُناجيه ويناجيها.. تذكِّره بالنِّعمة ويذكِّرها.. تشاركه الفرحة ويشاطرها اﻷلَم.. كانا زوجين روهنجيين سعيدين، وأبوين مثقَّفين جديدين.. يعيشان معًا تجربة اﻹنجاب اﻷول، ولكن بعيدًا عن ضيفهما العزيز الوليد.. ينسجان له في مخيَّلتهما حكايات المستقبل المشرِق، ويرسمان بخيالهما سيناريوهات الغد الواعِد للجيل الروهنجي القادم رغم كلِّ مرارات الواقع اﻷليم، وقتامة اليأس المطبق على أنفاس الروهنجيين في الوقت الحاضر. كانا مؤمنين بقدرة التفاؤل المتشبِّث بسعة رحمة الله على إحداث تغييراتٍ، ولو بسيطة وبطيئة، ولكنَّها أكيدة وحاسمة على المدى البعيد. كلَّما تجاذبا أطرافَ الحديث حول مصير الجيل الروهنجي القادِم جَنَح بهما التفاؤل إلى توقُّع انفراجة قريبة في الشَّأن الروهنجي المتأزِّم؛ وذلك ما يضفِي على لحظات لقائهما الحميم مسحَةً من السَّعادة والانشراح والسُّرور؛ ولكن سرعان ما يَنتهي وقت الزِّيارة ككلِّ اﻷوقات السَّعيدة في الدنيا، وعليه أن يتركهما في المستشفى ويغادِر إلى البيت وحده.. رقد على السرير يحاول أن ينام.. تقلَّب كثيرًا.. أيقن أنَّ النوم أضاع الطريق إليه كساعِي بريد فقد عناوين من أُرسل إليهم.. قام يَبحث عن بديل.. فتح الثلاجة بسأم.. احتسى ماءً دونما حاجة.. توجَّه إلى رفِّ الكتب.. مسح بعينيه العناوين المتزاحِمة على اﻷرفف.. تناول موسوعةً مصورة في العناية بالمولود.. شرع يَقرأ.. حاول أن يركِّز.. لم يجد المتعة.. ما زال السَّأم سيد اللَّحظة.. وضع الموسوعةَ جانبًا.. فكَّر في بديل آخر.. قام يحضر دفتر المذكرات.. تناول القلمَ.. شرع يكتب: ولدي هتان: ولدتك منذ أكثر من 30 ساعة وما زلتُ بعيدًا عنك محرومًا منك، كلَّما اشتاقَت إليك نفسي، وتاقَت إليك روحي، وذهبت دنفًا أطلب رؤيتك - ردَّني عنك تذكُّري لتضجُّر الممرضة الآسيوية حين نرجوها بلُطفٍ بل نكاد نستعطفها أن توافِق على إخراجك من الحضّانة إلى عتبة الباب لنمتِّع أعينَنا بطلَّتك المشرِقة البهيَّة لدقائق معدودات، فتتأبَّى علينا متأفِّفة أو تكاد. حين حظيتُ بك ﻷول مرَّة كنتُ ذاهلاً عنك تمامًا منصرفًا بكلِّيتي إلى الاطمئنان على السيِّدة المصون والدتك الكريمة. عذرًا ولدي، لم أتنبه حين اقتحمتُ عليك بابَ الغرفة أنَّك موضوعٌ كملاكٍ صغير داخل حوض زجاجي في مواجهتي تمامًا. تخطَّيتك ولدي بكلِّ براءتك وهدوئك ووداعَتك - وعذرًا للمرة الثانية - وقصدتُ رأسًا إلى من أهدَتك إليَّ! كانت مثلك نائمة في براءةٍ ووداعة وهدوء؛ ولكن وجهها الطافِح بالمعاني السَّاميات كان يعكس بوضوح كلَّ آثار اﻷلَم النَّبيل الذي كابدَته وتحمَّلَته طيلة ساعات من أجل أن تهديك إلى الحياة، وتهدي إليك الحياة، بإذن الخالِق الإله! إنَّك لا تعلم يا ولدي ما عانَت وذاقت وقاسَت أمُّك من أجلك، إنَّك لا تدري ما أشقيتها به من اﻷلَم الممض الجارِح النازِف، وحسبك من ألَم بليغ يسيل في كلِّ أنحاء الجسم أن يوصَف بأنَّه ألَم أحمر ينزف! وحسبك من طغيان الألم وجبروته - بإذن ربه - أن تعلَم أنَّه ما من شيء في حياتي أخجلني من أمِّي مثلما شعرتُ وأنا أراك تُتعِب أمَّك في حملها بك تسعة أشهر، كأنهنَّ في طول المسافة تسعة أبحر أو أكثر! ولدي هتان: رجوتُك أن لا تنتظر مثلي طويلاً لتعرف حقَّ أمك عليك، رجوتُك أن لا تنتظر مثلي إنجابَ طفلك الأول لتعرِف فضلَ أمك عليك، رجوتك أن تكون أبرَّ بأمك من أبيك بأمِّه ما استطعتَ. أمَّاه يا أم خليل: واخجلتاه من نفسي وتقصيري في حقِّك وجهلي تجاهك! أماه واخجلتاه من كلِّ أنَّة ألَم وزفرةِ ضيق وآهةِ عذاب سبَّبَتها لك رفسةٌ عاقَّة من رفسات رِجلي الآثمة وأنا جنين فظٌّ في بطنك الرؤوم الرَّحيم! أمَّاه واخجلتاه ثم واخجلتاه! أمَّاه امسحي من كلِّ جسمي ومن داخل نفسي غبارَ الخجل المتراكم بابتسامة الرِّضا الوارف من عينيك الصَّافيتين الحالمتين! ولدي هتان: تنبَّهتُ بعد مدَّة - وقد اطمأننتُ وسكن قلبي برؤية أمِّك - تنبَّهتُ إلى وجودك معنا في حيِّز الغرفة الآمنة، رأيتك فجأة بلا مقدِّمات، ساقني إليك بصري من حيث لا أشعر، كأنَّ داعيًا خفيًّا لا يُرى يدعوني إليك، أو هاتفًا غائبًا لا يُسمع يهتف ويشير لي عليك، حطت عليك نظرتي كما يحط على الفرخ والدُه يخفض له جناحَ الرِّفق من الرحمة الغامرة. تأمَّلتُك.. اقتربتُ منك.. ركعتُ عليك.. أحطتك بذراعي.. تأمَّلتُك أكثر.. وضعتُ على جبينك بتؤدَة ومهل أولَ قُبلة دافقة أودعتُ فيها حنان اﻷشهر التسعة المنتظرة.. كانت لحظة التماس اﻷولى بيني وبينك.. كانت بشرتك طريَّة ناعمة.. كنتَ نائمًا في هدوء كأنَّه الليل ساجيًا.. كنتَ راقدًا في استسلام كأنَّه البحر ساكنًا.. ولم أتحمَّل زحمة المشاعِر، وخشيتُ انفجار البركان الثائر، واندفعتُ كالليث أخرج من الغرفة وأغادِر، وليتني لم أفعل، وظللتُ واقفًا إلى جوارك أحرسك وأتأمَّلك، وأتملَّى بعيني من بهائك وروعتك. غادرتُ الغرفةَ وغبتُ عنك، ولكنك لم تغِب عنِّي منذ تلك اللحظة "المتجمدة"، ولمَّا عدتُ إليك بعد حينٍ لم أجدك، أخذوك من الغرفة إلى الحضانة رغمًا عنِّي.. حبسوك فيها دوني.. منعوك منِّي ومنك منعوني.. أقاموا الحواجزَ بينك وبيني.. أبعدوك عنِّي وعنك أبعدوني؛ أشد ما تكون نفسي اشتياقًا إليك، وروحي لهفة عليك، وعيناي توقًا إلى عينيك، فسلام الله عليك ورحمتُه وبركاته يومَ ولدتَ وما حييت، ويوم تموت مجاهدًا في سبيل الله شهيدًا على أرض فلسطين أو فوق ثرى أراكان - إن شاء الله - كما ترجو أمُّك وتتمنَّاه. ولدي هتان: أكتب إليك بعد ولادتك بثلاثين ساعةً أو تزيد، ولا أدري متى ستقرؤها: أبعد ثلاثين عامًا أم تزيد؟ أكتبُ إليك وأنت بعيد عنِّي في ساعة السَّحَر، ولا أدري متى يكون اللِّقاء بك: أفي الظهر غدًا أم في العصر؟ ولكن الذي أرجو أن تدريه منذ الآن أنَّك بقدومك الميمون ومجيئك إلى الدنيا جعلتَني - من حيث لا تشعر - أرَقَّ إحساسًا وأرهف شعورًا بعظم تقصيري في حقِّ والديَّ العزيزين الكريمين، متَّعني اللهُ بهما ولا فجعني بشيء فيهما، وجعلني وإياك من البارِّين المجتهدين الصالحين. ولدي هتان: قل: آمين، وحيّهلا بك عضوًا صغيرًا واعدًا للعمل من أجل رفعة الإسلام. وجَدَ المتعةَ فيما كتب.. وضع القلمَ جانبًا إلى حين.. أيقن أنَّه وجد البديل.. حدَّث نفسه متأملاً: "لولا القدرة على الكتابة لكنت امرأً آخر.. شخصًا عاديًّا لا بصمة له تُميِّزه عن الآخرين".. شعر بالراحة ونام.. يسبح في عالم الأحلام.. يكمل مناجاته مع صغيره في حبٍّ ووئام!
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |