|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (1) ميسون عبدالرحمن النحلاوي حيث إن القوم أصبحوا ينادون بـ"الإنسانية"، مرددين هتافات أتباعها وأحفاد مؤسسيها دون وعي منهم بحقيقة المبدأ الذي ينادون به، مبادئه وأبعاده، واللبوس الذي يلبسه، والطريقة التي ينتهجها للتغلغل في عقيدة المسلمين؛ ومن ثَمَّ نقضها. وجدنا ضرورة وضع بحث متواضع عن هذا المذهب، على شكل مقالات؛ حتى لا نثقل على المهتم ببحث طويل. اللهم وجهك نبتغي. بسم الله نبدأ. أولًا: الدين الإنساني: تعاريف: الدين الإنساني: هو دين يؤلِّه الإنسان ويجحد كل ما عداه من قوى يمكن أن تتحكم في مسيرته في الحياة، لا يعترف هذا الدين بالشرائع السماوية؛ حيث إنه لا يؤمن بوجود إله مشرِّع، ويرى أن الإنسان وُجد من الطبيعة عن طريق التطور، وهو المسؤول الأول والأخير عن حاضره ومستقبله، يشكله كيف يشاء. ولا مكان "للغيب" في الدين الإنساني، فالمادة هي أساس الوجود، وهو ينكر كل ما وراء الملموس والمحسوس. تعريف الويكيبيديا للإنسانية الدينية: هي اندماج بين الفلسفة الإنسانية الأخلاقية والطقوس والمعتقدات الدينية التي تدور حول احتياجات الإنسان واهتماماته وقدراته[1]، والإنسانية الدينية ترفض الشرائع السماوية على تنوعها، وهو ما عبرت عنه المصادر التي بحثت في الإنسانية "بالمعرفة الموحاة أو المنزَّلة" Revealed Knowledge، كما ترفض الأخلاق والأدبيات التي تقوم على أساس الإيمان بالله، ولا تؤمن بالغيبيات. تؤمن الإنسانية بأن "الإنسان هو المتصرف الحقيقي بالكون، والقادر على كل شيء، كما أنها تؤله المادة، وتنكر كل الخوارق والمعجزات"[2]. تعريف في قاموس ويبستر العالمي الثالث "للإنسانية الدينية" 1961: حركة أمريكية معاصرة تتكون بشكل أساسي من إنسانيين غير موحدين، ومن الكنائس الإنسانية، وتهدف إلى تحقيق الأهداف الأخلاقية للدين، دون وجود معتقدات وطقوس تعتمد على الغيبيات". وتعتبر "الديانة الإنسانية" الجذر الأول لِما أضحى يُعرف "بمذهب الإنسانية"؛ حيث يعيد المؤرخون بذرتها إلى عصر التنوير[3]، فبالرغم من أن أتباع هذه الديانة لم ينتظموا رسميًّا تحت مسمى "الإنسانية" حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فإن تاريخ ظهور الأديان الإلحادية "التي تنكر وجود الإله"، والتي ارتبطت مع الفلسفة الإنسانية التي تقوم على "الأخلاق" - تعود إلى ذلك العصر[4]. ثانيًا: الدين الإنساني في الأقوام الغابرة: أ- عقيدة تأليه الإنسان في قوم عاد: • وقالوا من أشد منا قوة... تطاول الزمن على البشرية بعد نوح عليه السلام، فعادت إلى سيرتها الأولى من الشرك وعبادة آلهة الآباء، والتعنت والعناد والإصرار على إشراكها بالله في العبادة والتصرف في كل شؤون الحياة، لكنها في هذه المرحلة أضافت إلى الشرك شركًا استمدته من فيض شيطاني لم يكن في قوم نوح، فكان تأليه الإنسان! ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]. قوم نوح بذروا في العقيدة التي فطر الله البشرية عليها بذرة "الشرك بالصالحين"، عبادة صور وتماثيل الصالحين، وقوم عاد بذروا فيها بذرة "الإنسان الإله". ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 128 - 130]. ومنذ ذلك الوقت وفكرة الإنسان الإله بين مد وجزر، كنوع من أنواع الشرك، تجلت بعد عاد، في أقوى صورها، في بني إسرائيل، لتعود في قرون البشرية الأخيرة تحت مسمى "الدين الإنساني"، وتنتهي إلينا بالكثير من الصور المضللة؛ وأهمها "العلمانية". • المنطلق الأول لدين "الإنسانية" قوم عاد: مع عاد ظهرت فكرة الإنسان الإله. تقوم فكرة الإنسان الإله على الإيمان المطلق بالقوة المادية، وهذا الإيمان يتولد عن تعاظم القدرة البشرية في البناء والتطور والتقدم، وإيجاد ما لم يكن موجودًا من أسباب الحياة والرفاهية، بما تتوصل إليه الأقوام من اختراعات تقنية وعلمية، تتخيل معها أنها قادرة على حكم الكون والتحكم فيه، بعد أن بلغت أعلى مستويات العتو والتكبر ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15]. والوصول إلى هذا المستوى من التفكير ينتفي معه الإيمان بوجود قدرة عليا تحكم بني البشر، بعد أن وجد الإنسان نفسه هو الأقوى والأفضل والحاكم المتحكم! وانتفاء الإيمان بوجود قدرة عليا وإله متحكم بالكون، يستجلب نكران يوم الحساب والبعث بعد الموت، فتأليه الإنسان لنفسه يستوجب الاعتقاد بخلوده في النعيم، سواء على الأرض أو ما بعد حياة الأرض، وهذا ما اختلف في تصويره "الإنسان الإله" على مر العصور بعد عاد. • الأسس التي اعتمد عليها قوم عاد في رسم الإنسان الإله: 1- القوة الجسدية: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 7، 8]، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ [الأعراف: 69]. 2- الرخاء المعيشي: ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الشعراء: 132 - 134]. 3- القوة الحضارية: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 128، 129]. 4- الجبروت والسيادة الطاغية: ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 130]. 5- تكذيب واحتقار كل من خالفهم أو حاول المساس بسيادتهم، وهو حال جميع الأقوام الكافرة عندما تأتيهم الرسل والنذر: ﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الأعراف: 66]، ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [هود: 54]. 6- الاستكبار: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [فصلت: 15]. 7- إنكار القوة الإلهية واعتبار القوة المادية أساس التألُّه: لا يوجد قوة تحكم البشر فوق القوة البشرية: ﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]، كما تبدو هذه النزعة جلية عند فرعون: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 51 - 55]؛ ففرعون "المتألِّه" الذي حشر قومه ونادى فيهم: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24] يرى أن الاحتكام إلى المادة وامتلاكها هو الدليل الأمثل على أحقيته بالألوهية والربوبية المطلقة، والحق في التحكم بالأقوام والشعوب، والآيات تفيد أن فرعون تمكن من إقناع قومه بهذا المنطق، لما وجده فيهم من خفة عقل، وحال فرعون البارحة هو حال فراعنة الغرب اليوم الذين يعتقدون ألوهيتهم بما يملكونه من أسباب مادية، وخفة عقل قوم فرعون البارحة هي خفة عقول الشعوب اليوم التي ترى في فراعنة العصر آلهة فعلًا، فيتبعونهم شبرًا بشبر، وباعًا بباع. 8- إنكار اليوم الآخر والبعث: هم ينكرون البعث بعد الموت واليوم الآخر، معتبرين أن الحياة الدنيا نهاية كل شيء، فالإنسان والمادة هما المبتدأ والمنتهى: ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [المؤمنون: 35 - 37]؛ أي: يموت الآباء ويحيا الأولاد فتستمر الحياة، ولا بعث بعدها. 9- الإنكار المطلق لوجود قوة إلهية عليا تدير الكون، ترزق وتمنع، تحيي وتميت، ترحم وتعذب، فمن أهم سمات "الإنسان الإله" أنه أعمى تمامًا عن تدابير الخالق؛ لأنه لا يؤمن بقدرته أصلًا، فهو لا يرى مقدمات العذاب، ولا يشعر بالابتلاءات التي تحيق به على أنها تصرف خالقه فيه، هو يعتقد أن كل الحوادث التي يعيشها من صنعه هو، ولا يمكن أن تخرج عن المألوف الذي عاشه ودرج عليه، إلا بإرادته، فكل ما في الكون مسخر لخيره ورفاهيته، ولا يوجد قوة أعلى وأشد من قوته يمكنها أن تسلبه نعيمه وملكه وحضارته! وها هم قوم عاد يرون سحاب العذاب سحاب خير وفير: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]. أما فرعون، فقد أضاف إلى هذا الإنكار السخرية والاستهزاء بدعوة موسى له لعبادة الله الواحد؛ فقال لوزيره هامان: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾ [غافر: 36، 37]. هذه الأسس هي ذاتها التي يقوم عليها دين الإنسانية الحديث، الذي زُرعت شجرته في القرن الثامن عشر، وتمت رعايتها بهدوء شديد حتى ضربت جذورها في أمتنا، فأخرجت فروعها السامة على تنوعها، والتي سنأتي على ذكرها لاحقًا إن شاء الله. [1] http://en.wikipedia.org/wiki/Humanism [2] http://en.wikipedia.org/wiki/Religious_humanism [3] عصر التنوير ويسمى عصر الأنوار بالفرنسية (Siècle des Lumières): مصطلح يشير إلى القرن الثامن عشرفي الفلسفة الأوروبية،والذي برز فيه مفكرون وفلاسفة الأنوار. غالبًا ما يعتبر جزءًا من عصر أكبر يضم أيضًا عصر العقلانية، المصطلح يشير إلى نشوء حركة ثقافية تاريخية دعيت بالتنويروالتي قامت بالدفاع عن العقلانية ومبادئها، كوسائل لتأسيس النظام الشرعي للأخلاق والمعرفة، بدلًا من الدين، ومن هنا نجد أن ذلك العصر هو بداية ظهور الأفكار المتعلقة بتطبيق العلمانية، رواد هذه الحركة كانوا يعتبرون مهمتهم قيادة العالم إلى التطور والتحديث، وترك التقاليد الدينية والثقافية القديمة والأفكار اللاعقلانية، ضمن فترة زمنية دعوها "بالعصور المظلمة". [4] http://en.wikipedia.org/wiki/Religious_humanism
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (2) ميسون عبدالرحمن النحلاوي ب- عقيدة تأليه الإنسان في بني إسرائيل: علاقة بني إسرائيل بربهم ونظرتهم إليه: بعد يوسف عليه السلام تلوثت عقيدة بني إسرائيل بالوثنية التي عايشوها وهم في أرض فرعون، فقد شهدت الحقبة التاريخية التي وُجدوا فيها على أرض مصر خروج الهكسوس من مصر على يد الفراعنة بعد حرب استعادوا فيها ملكهم. صحيح أنهم كانوا ينتظرون موسى الذين عرفوا بأن الله سيبعثه لينقذهم من طغيان فرعون، لكنهم لم يكونوا مستعدين لعبادة الله الواحد.. بني إسرائيل قوم لم ينكروا وجود الخالق، لكنهم كانوا يجدون أنفسهم ندًّا له يحق لهم: أن يستكبروا على أوامره: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 93]. أن يتأكدوا من وجوده، ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 55]. أن يشركوا به متى ما أرادوا: ﴿ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]. أن يشترطوا عليه: " ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا ﴾ [البقرة: 61]. أن يتحايلوا عليه: أصحاب السبت.. أن يعبدوا غيره: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 148]. أن يستخدموه في قتال أعدائهم ليتمكنوا من دخول الأرض المقدسة: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]. تعالى الله عن كل ذلك علوًّا كبيرًا. كل هذا في ظل رسول يعيش معهم كل لحظات حياتهم، فكيف بعد وفاته؟ مقومات "الإنسان الإله" في دين "يهود": بعد وفاة نبيهم موسى عليه السلام، عاد بنو إسرائيل إلى انتكاستهم التي أخرجهم الله منها على يديه، ألَّفوا دينًا جديدًا خلطوا فيه دين موسى عليه السلام بما أملته عليهم أهواؤهم، فكان دين "يهود"... دين محوره الشخصية اليهودية المتميزة عن كل شعوب الأرض، تشارك الرب في حكم الخلق. المقومات: الإنسان "اليهودي" هو محور الكون، والكون خُلق لأجله وهو الشعب الذي أوجده الله ليحكم شعوب الأرض: (أنتم أولاد للرب إلهكم؛ لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًّا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض). (1-2 سفر التثنية). فرد عليهم القرآن الكريم بقوله تعالى: " ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18]. الحكم الإلهي خاضع لحساباتهم: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]. الجنة حكر عليهم دون الناس جميعًا: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]. إلههم أدنى منهم منزلة فهو فقير وهم الأغنياء، وهو بخيل أيضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ [آل عمران: 181]. ربهم بخيل: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64]، فرد عليهم المولى: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64]. إلههم يتعب ويستريح، فالله تعالى تعب من خلق السماوات والأرض - تعالى الله عما يصفون – ﴿ هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلاَمَةٌ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ اسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ ﴾ (سفر الخروج 31:17). كما جاء في سفر التكوين، الإصحاح الثاني: وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه؛ لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا. فردَّ الله عليهم بقوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38]، وذلك لكمال قوته وقدرته. اليهود يرون أن النبوة لا يستحقها إلا من كان منهم، ويرشحونه هم للنبوة، فإن لم يعجبهم اختيار الله للنبي جحدوه، فإما التكذيب أو القتل، ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]. ويناقشون أمر الله في شخصية الملك الذي طلبوه من نبيهم ليقاتلوا تحت رايته: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247]. ومن دلائل تأليههم الشيطاني لأنفسهم استعلائهم على أنبياء الله، وما ينسبوه إليهم من أفعال قبيحة وخطايا وآثام، فينفون عنهم كل عصمة وطهارة يتفضلون بها عليهم، حتى يجعلونهم في مستوى قذارتهم ونجاستهم (حاشاهم صلوات ربي عليهم): أ– فيدعون أن نبي الله هارون عليه السلام صنع عجلًا وعبده مع بني إسرائيل، (إصحاح 32 - 1 من سفر الخروج. ب- وأن إبراهيم عليه السلام قدَّم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها؛ (إصحاح 12 - 14 من سفر التكوين). ج- ولوطًا شرب الخمر حتى سكر، ثم قام على ابنتيه، فزنا بهما الواحدة تلو الأخرى، ومعاذ الله أن يفعل لوط ذلك، وهو الذي دعا إلى الفضيلة طوال عمره؛ (سفر التكوين إصحاح 19 - 30). د- وأن داود عليه السلام زنا بزوجة رجل من قواد جيشه، ثم دبَّر حيلة لقتل الرجل، فقتله، وبعدئذ أخذ داود الزوجة وضمَّها إلى نسائه، فولدت سليمان؛ (سفر صموئيل الثاني إصحاح 11 – 1). و- وأن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره، وعبد الأصنام وبنى لها المعابد؛ (سفر الملوك إصحاح 11 عدد 5). الجزء الإلهي فيهم يؤهلهم لأن يكون لهم ما ليس لبقية البشر: • ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]. • ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135]. • اليهودي عند الله أكرم من الملائكة، هو سبب البركة وخلق الشمس والمطر، ولو لم يخلق الله اليهود، لانعدمت البركة في الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس؛ جاء في التلمود ما نصه: "لو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس". • وكذلك فإن اليهود يعتقدون أن النار ليست لهم فلا يدخلها اليهود أبدًا، جاء في التلمود ما نصه: "إن النار لا سلطان لها على مذنبي بني إسرائيل، ولا سلطان لها على تلامذة الحكماء". يجعلون لإلههم صفات كصفاتهم: الإله لديهم سموه يهوه، وهو ليس إلهًا معصومًا، بل يخطئ ويثور، ويقع في الندم، وهو يأمر بالسرقة، وهو قاس، متعصب، مدمر لشعبه، إنه إله بني إسرائيل فقط، وهو بهذا عدو للآخرين، ويزعمون أنه يسير أمام جماعة من بني إسرائيل في عمود من سحاب.[1] انتقاصهم من قدر الله تعالى وكذبهم عليه، ومن ذلك قولهم: • النهار اثنتا عشرة ساعة في الثلاثة الأولى منها يجلس الله ويراجع الشريعة، وفي الثلاثة الثانية يحكم، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت والأسماك[2]. • ليس الله معصومًا من الطيش والغضب والكذب. • الإله عند اليهود يصارعه أبيهم إسرائيل ويصرعه، ففي توراتهم تصارع يعقوب مع الرب فصرعه: "فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر"، "ولَما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق، فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه ". "وقال: اطلقني؛ لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني، فقال له: ما اسمك؟ فقال يعقوب: فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل؛ لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت". "وسأل يعقوب، وقال: أخبرني باسمك، فقال: لماذا تسأل عن اسمي وباركه هناك"؛ الكتاب المقدس سفر التكوين، إصحاح 32: 24-29. تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا.. يتبع بإذن الله. [1] موسوعة الأديان – الدرر السنية. [2] المصدر السابق.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (3) ميسون عبدالرحمن النحلاوي الإنسانية المعاصرة وجذورها: البيان التأسيسي الأول:نذكّر أولًا بتعريف الدين الإنساني لمن فاتته الحلقة الأولى: "هي اندماج بين الفلسفة الإنسانية الأخلاقية والطقوس والمعتقدات الدينية التي تدور حول احتياجات الإنسان واهتماماته وقدراته[1]". والإنسانية الدينية ترفض الشرائع السماوية على تنوعها، وهو ما عبَّرت عنه المصادر التي بحثت في الإنسانية "بالمعرفة الموحاة أو المنزَّلة" Revealed Knowledge، كما ترفض الأخلاق والأدبيات التي تقوم على أساس الإيمان بالله، ولا تؤمن بالغيبيات. تؤمن الإنسانية بأن "الإنسان هو المتصرف الحقيقي بالكون، والقادر على كل شيء، كما أنها تؤلِّه المادة وتنكر كلَّ الخوارق والمعجزات[2]. البيان التأسيسي الأول لدين الإنسانية "ريموند براغ": Humanist Manifesto I - Raymond B. Bragg وضع البيان التأسيسي الأول للإنسانية، والذي يعرف بالبيان الإنساني الأول Humanist Manifesto I لتمييزه عن البيانات الإنسانية التي تلته، عام 1933 على يد Raymond B. Bragg، وروي وود سيلرز Roy Wood Sellars، ونُشر بذيله توقيع أربع وثلاثين فردًا، بما فيهم الفيلسوف جون ديوي John Dewey [3]. البيان التأسيسي الأول تكلم عن الإنسانية كدين، وهو ما تجنَّبته البيانات التي تلته، لتفادي الحساسية التي قد تؤدي إلى تحجيم انتشاره في صفوف المسلمين والمسيحيين وحتى اليهود، وكانت النتيجة ممتازة بالطبع ... فقد عُمد إلى تحويل الكلمة من "دين" إلى "مذهب" تارة و"حركة" تارة أخرى. علَّمنا التاريخ أن الكلمة الأولى في أي فكر أو مذهب أو دين، تكون للمؤسس الأول، فما يضعه أساسًا وقاعدة لمذهبه أو فكره أو دينه، هو الذي يؤخذ به، ويقوم عليه البناء، أما تغيير المسميات وأساليب الدعاية والشعارات التي تحرِّك مشاعر الشعوب، فهي ليست أكثر من أساليب ضرورية لضمان قوة الإقناع وسرعة الانتشار. يشير البيان التأسيسي الأول إلى الإنسانية على أنها حركة دينية هدفها تجاوز الأديان السابقة - التي تقوم على مزاعم الوحي الخارق الخارج عن المدارك الانسانية - وتمكين نفسها كبديل عنها. وضعت الوثيقة خمسة عشر بندًا، في عرض لنظام المعتقد الجديد، الذي يظهر فيه العمق العلماني بشكل صارخ.. فيما يلي البيان التأسيسي كما وضعه ريموند براغ Raymond B. Bragg 1933. البيان التأسيسي الأول للحركة الدينية "الإنسانية": "لقد حان الوقت كي نعترف - على نطاق واسع - بالتغييرات الجذرية للمعتقدات الدينية على مستوى العالم الحديث، لقد عفا الزمان عن الأفكار والمعتقدات التقليدية، فالتغيير الاقتصادي والعلمي الذي طرأ على العالم قد مزَّق العقائد القديمة، وأصبحت الأديان التي يقوم عليها العالم خاضعة لضرورة التماهي مع الظروف الحديثة التي خلقتها المعرفة والعلوم المتقدمة، والتحرك الآن في كل ميدان من ميادين النشاط البشري، هو باتجاه "الإنسانية" الصريحة والواضحة، ومن أجل فهم أفضل للإنسانية الدينية religious humanism، نحن الموقعون أدناه، نرغب في تقديم بعض التأكيدات التي نعتقد أنها تظهر من خلال حقائق حياتنا المعاصرة. هناك خطر كبير، ونعتقد بأنه قاتل، يكمن في التعريف الأخير لكلمة "دين" مع المذاهب والطرق التي فقدت أهميتها، وأصبحت عاجزة عن حل مشكلات الإنسان التي يواجهها في حياته في القرن العشرين، لطالما كانت الأديان وسائل لمعرفة أعلى قيم الحياة. فهم الإنسان الأوسع للكون اليوم، وإنجازاته العلمية، والفهم والتقدير الأعمق "للأخوة"، كل هذا خلَق وضعًا يتطلب كتابة جديدة لوسائل الدين وأهدافه. قد يبدو دين كهذا، جريء وصريح وقادر على وضع الأهداف الاجتماعية المناسبة وعوامل الرضا الإنساني، قد يبدو لكثيرين على أنه انقطاع تام عن الماضي، لكن بالرغم من أن هذا العصر يدين بدين كبير للأديان التقليدية، إلا أنه بات واضحًا أن أي دين يطمح بأن يكون قوة ديناميكية، متوالفة أو منسجمة مع هذا العصر، يجب أن يكون مفصلًا حسب احتياجات العصر، يعتبر تأسيس دين كهذا، ضرورة عصرية ملحَّة، وهو مسؤولية هذا الجيل[4] "؛ انتهى. (يجب أن يكون مفصلًا حسب احتياجات العصر"، وهذا بالضبط هو التعبير المستخدم باستمرار وبإصرار من قبل "الوسطيين". بنود البيان التأسيسي الأول: نحن الموقعون أدناه نقر ما يلي: 1- يؤمن المتدينون الإنسانيون أن الكون أوجد نفسه بنفسه، ولم يُخلق خلقًا. 2- تؤمن الإنسانية أن الإنسان جزء من الطبيعة، وأنه خرج كنتيجة لسلسلة من العمليات المتتالية. 3- مع تبنيهم للنظرة العضوية للحياة، يرى الإنسانيون وجوب رفض ثنائية العقل والجسم التقليدية. 4- ترى "الإنسانية" أن الثقافة الدينية والحضارة الإنسانية، كما صوَّرها التاريخ وعلم الإنسان، هي نتيجة تطور تدريجي يعود إلى تفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية وإرثه الاجتماعي، والإنسان الذي يولد ضمن بيئة ثقافية معينة، يتنمذج بها ومن خلالها. (وهذا ما يتبناه اليوم ويدافع عنه التغريبيون الذين يريدون الانصهار بالمجتمعات الغربية من بني ديننا - ميسون).. 5- تؤكد الإنسانية أن طبيعة الكون حسب ما يصورها العلم الحديث، تجعل من الخوارق الطبيعية أمرًا غير مقبول، مؤكد أن الإنسانية لا تنكر إمكانية وجود حقائق لم تُكتشف بعد، لكنها تصرُّ على أن السبيل إلى تقرير وجود أي حقيقة وتقييمها، يكون عن طريق وسائل التساؤل الذكي، وعن طريق تقييم علاقتها بالاحتياجات الإنسانية، يجب أن تُشكّل الأديان آمالها وخططها على ضوء الطرق والروح العلمية. 6- نحن مقتنعون أن زمن الربوبية والألوهية قد ولَّى ... 7- يتكون الدين من الأفعال والأهداف والتجارب التي تعود بالنفع على الإنسان، كل ما هو إنساني ليس غريبًا عن الدين، هذا يتضمن العمل، والفن، والعلوم، والفلسفة، والحب، والصداقة، والترفيه، كل هذا يمثل حياة إنسانية راضية بشكل ذكي، يجب إلغاء الفاصل بين ما هو مقدس وما هو دنيوي. 8- تعتبر الإنسانية الدينية أن نهاية حياة الإنسان عندما تبلغ الشخصية الإنسانية كمالها، وهي تنشد كمال التطور والإنجاز في حاضر الزمان والمكان، هذا هو تعريف العاطفة الاجتماعية الإنسانية. 9- عوضًا عن المواقف القديمة التي تتمثل في الصلاة والعبادة، يجد "الإنساني" the humanist عواطفه الدينية في ذِروة الشعور بالحياة الشخصية، وبالجهد التفاعلي للوصول إلى مخلوق جيد اجتماعيًّا. 10- يستدعي هذا أنه لا يوجد مشاعر ومواقف دينية فريدة تتعلق بالاعتقاد بالخوارق والمعجزات. 11- سيتعلم الإنسان كيف يواجه أزمات الحياة في سياق معرفته بطبيعتها وإمكانية حدوثها. المواقف الإنسانية والعقلانية سيتم تعزيزها بالثقافة ودعمها بالعادات. نحن نعتقد أن الإنسانية ستتخذ المنحى الاجتماعي والعقلاني، وتثبط الآمال العاطفية وغير الواقعية، والتفكير الحكيم. 12- الإيمان بأن الدين يجب أن يمارس من أجل الاستمتاع بالحياة، الإنساني المتدين يأمل بتعزيز الإبداع عند الإنسان وتشجيع الإنجازات التي تضيف أنواعًا من الرضا إلى الحياة. 13- تعتبر الإنسانية أن جميع المنظمات والمعاهد وجدت من أجل تحقيق الحياة الإنسانية. 14- التقييم الذكي، التحول، الضبط، وتوجيه مؤسسات ومنظمات كهذه من منظور تعزيز الحياة الإنسانية، هو هدف ومخطط "الإنسانية". يجب إعادة هيكلة المؤسسات الدينية، وأشكالها الشعائرية، وطرقها الكهنوتية، والأنشطة المجتمعية بأسرع ما تسمح به التجربة، من أجل العمل بشكل أكثر فعالية في العالم الحديث. 15- الإنسانيون مقتنعون تمامًا أن المجتمع الاكتسابي والذي تحرِّكه المصلحة والنفعية، قد برهن على أنه غير كافٍ، وأنه يجب تحقيق تغيير جذري في الأساليب والضوابط والدوافع، يجب إنشاء نظام اقتصادي تعاوني اشتراكي؛ بحيث يصبح التقسيم المتساوي لوسائل الحياة ممكنًا. 16- نؤكد أن الإنسانية: (أ) تؤكد على الحياة بدلًا مِن أن تُنكرها. (ب) تسعى إلى انتزاع إمكانيات الحياة، ولا تهرب منها. (ج) تسعى إلى تهيئة الظروف لحياة مرضية للجميع وليس فقط للقلة. وبهذه النيات والمُثل الإيجابية تسترشد، ومن هذا المنظور ستتفق آليات وجهود الإنسانية. هذه هي طروحات الإنسانية الدينية، وبالرغم من أننا نعتبر الأشكال والأفكار الدينية لآبائنا لم تعد مناسبة، يبقى مطلب الحياة الرغيدة هو المهمة الأساسية للبشرية، وأخيرًا أدرك الإنسان أنه هو فقط المسؤول عن تحقيق عالم أحلامه، أنه يمتلك في داخله القوة لتحقيقها، عليه أن يستخدم الذكاء والإرادة في هذا. (توقيع)[5]. يتبع .. [3] مرجع سابق [5] (Signed) J.A.C. Fagginger Auer-Parkman Professor of Church History and Theology, Harvard University; Professor of Church History, Tufts College.E. Burdette Backus-Unitarian Minister. Harry Elmer Barnes-General Editorial Department, ScrippsHoward Newspapers. L.M. Birkhead-The Liberal Center, Kansas City, Missouri. Raymond B. Bragg-Secretary, Western Unitarian Conference. Edwin Arthur Burtt-Professor of Philosophy, Sage School of Philosophy, Cornell University. Ernest Caldecott-Minister, First Unitarian Church, Los Angeles, California. A.J. Carlson-Professor of Physiology, University of Chicago. John Dewey-Columbia University. Albert C. Dieffenbach-Formerly Editor of The Christian Register. John H. Dietrich-Minister, First Unitarian Society, Minneapolis. Bernard Fantus-Professor of Therapeutics, College of Medicine, University of Illinois. William Floyd-Editor of The Arbitrator, New York City. F.H. Hankins-Professor of Economics and Sociology, Smith College. A. Eustace Haydon-Professor of History of Religions, University of Chicago. Llewellyn Jones-Literary critic and author. Robert Morss Lovett-Editor, The New Republic; Professor of English, University of Chicago. Harold P Marley-Minister, The Fellowship of Liberal Religion, Ann Arbor, Michigan. R. Lester Mondale-Minister, Unitarian Church, Evanston, Illinois. Charles Francis Potter-Leader and Founder, the First Humanist Society of New York, Inc. John Herman Randall, Jr-Department of Philosophy, Columbia University. Curtis W. Reese-Dean, Abraham Lincoln Center, Chicago. Oliver L. Reiser-Associate Professor of Philosophy, University of Pittsburgh. Roy Wood Sellars-Professor of Philosophy, University of Michigan. Clinton Lee Scott-Minister, Universalist Church, Peoria, Illinois. Maynard Shipley-President, The Science League of America. W. Frank Swift-Director, Boston Ethical Society. V.T. Thayer-Educational Director, Ethical Culture Schools. Eldred C. Vanderlaan-Leader of the Free Fellowship, Berkeley, California. Joseph Walker-Attorney, Boston, Massachusetts. Jacob J. Weinstein-Rabbi; Advisor to Jewish Students, Columbia University. Frank S.C. Wicks-All Souls Unitarian Church, Indianapolis. David Rhys Williams-Minister, Unitarian Church, Rochester, New York. Edwin H. Wilson-Managing Editor, The New Humanist, Chicago, Illinois; Minister, Third Unitarian Church, Chicago, Illinois. Copyright © 1933 by The New Humanistand 1973 by the American Humanist Association
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (4) ميسون عبدالرحمن النحلاوي تاريخ "الإنسانية". والركائز التي يقوم عليها "المذهب/ الدين الإنساني". يرى البعض أن جذور "الإنسانية" تعود إلى عصر النهضة، وتحديدًا إيطاليا، بينما يوغل آخرون في التاريخ فيصلون إلى الفلاسفة اليونانيين ما قبل أرسطو مثل طاليس Thales of Miletus وصديقه إكسنوفانس Xenophanes of Colophon؛ حيث يرون أنهما أول من حاول أن يشرح مصطلحات العقل البشري بعيدًا عن الأساطير والتقاليد أو المعتقدات؛ ولذا هم يرونهم أول الإنسانيين الإغريق. ويغوص الكثير من الإنسانيين في تاريخ الشعوب ليجدوا دعائم لهم في تاريخ البشرية، فيخرجون بنتائج تقول: إن الديانة الكنفوشية كانت إنسانية، وكذا البوذية، وبعض الديانات الهندية الأخرى. إلا أن أكثر تلك المحاولات مكرًا وهشاشة كانت محاولة تأكيدهم على وجود دعائم الإنسانية في العصر الذهبي الإسلامي؛ كالشكوكية والعلمانية، والتحررية.. ويستشهدون على هذا برسالة الهاشمي ابن عم الخليفة المأمون التي يدعو فيها صديقه النصراني إلى الإسلام، فيفسرون بعض التعابير التي وردت فيها على هواهم. عندما قرأتُ هذا الاستشهاد الذي اقتَبَسته المصادر الأجنبية عن شخص يدعى عماد الدين أحمد، الذي يرى "أن أحد أسباب ازدهار العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى كان التركيز المبكر على حرية التعبير، كما لخَّصها الهاشمي ابن عم الخليفة المأمون في الرسالة التالية إلى "معارض ديني" كان الهاشمي يحاول دعوته بواسطة العقل..."، عدت إلى نص الرسالة وقرأتُها كلها، فلم أقع فيها على أي شيء مما استوحاه هؤلاء، لكن لا عجب، فإن كان القرآن والسنة أصبحا عرضة لتفاسير الهوى، فلا إشكال في تفسير رسالة وتزوير تاريخ! والقول الحق في جذور الدين الإنساني يحكيها لنا القرآن الكريم، فيخبرنا أن تأليه الإنسان لنفسه يعود إلى أبعد من الإغريق القدامى، يعود إلى قوم عاد (تقدم الحديث عن ذلك في حلقة سابقة). في الحقيقة لا يهمنا في بحثنا هذا من تاريخ الحركة إلا بقدر ما يعزز فهمنا للركائز التي قامت عليها هذه الحركة الدينية، والأهداف والنتائج المترتبة عليها، والتي للأسف نراها تنتشر اليوم بين أبناء الأمة انتشار النار في الهشيم بكل معانيها ومفاهيمها مع اختلاف المسميات. الركائز التي يقوم عليها دين الإنسانية: عبادة العقل Cult of Reason: يعود تاريخ ظهور هذا المذهب إلى الثورة الفرنسية، وهو- كما تعرِّفه الويكيبيديا- دين يقوم على تقديس العقل ورفعه إلى درجة إله يُتعبد في محرابه، وضع أسسه خلال الثورة الفرنسية جاك أوبير Jacques Hébert، وبيير غاسبارج Pierre Gaspard Chaumette وداعموهما. مع اندلاع الثورة الفرنسية كان الناس متعطشين للخروج من إطار حياة الذل والاضطهاد التي كانت تطوقهم، والتي كانوا يرون أن سببها المَلَكية المدعومة بالكنيسة، ومناخ كهذا كان كفيلًا بتسهيل انتشار المذاهب التحررية اللادينية والتي كان هذا أحدها، حتى إنه في عام 1793 نجح أتباع هذا المذهب في تحويل كنيسة نوتردام Notre Dame de Paris إلى ما أطلقوا عليه "معبد العقل Temple to Reason"، كما نجحوا في استبدال تماثيل مريم العذراء الموجودة على المذابح بتماثيل سيدة الحرية Lady Liberty. لكن هذا "الدين" وجد نهايته عند مقصلة الثورة الفرنسية .. الثورة نفسها التي أمدَّته بالتربة المناسبة لبذر بذوره ورعاية نبتته.. المثل النموذجي للثورات التي تأكل أبناءها. وهذا هو الحال في كل الثورات التي تقوم على مبادئ "مدنية": الحرية، العدل، المساواة.. لأن كل فريق أو حزب أو طائفة "ثورية" يشترك في هذه الثورة أو تلك، يرى المبادئ من وجهة نظره البشرية الخاصة، ويفهمها حسب توجُّهاته ومنطلقاته التي يؤمن بها؛ ولذا هو يرى نفسه الوحيد القادر على تطبيق هذه المبادئ "العائمة" التي لا تخضع إلا لمقياس الهوى، وأنه هو فقط الذي يستحق البقاء، ولا حق للمنافسين في هذا "البقاء". ففي ربيع 1794، واجهت عبادة العقل الرفض الرسمي، عندما أعلن روبسبير Maximilien de Robespierre – سفاح الثورة الفرنسية - الذي كان يقترب من السلطة الدكتاتورية الكاملة في تلك الحقبة، عن تأسيس ديانة دينية جديدة للجمهورية، وهي "عبادة الكائن الأسمى"؛ فما كان إلا أن أرسل أوبيير، ومومورو، ورونسن، وفينسنت، Hébert, Momoro, Ronsin, Vincent، وآخرين إلى المقصلة في السنة الثانية (24 مارس 1794)، فكانت ضربة قاصمة للحركة، توَّجها روبسبير بإعدام القائد الثاني للحركة Pierre Gaspard Chaumette ومن بقي من أتباعهم بعد أيام، فكانت نهاية المذهب، وتوقفت عبادة العقل بشكل فعَّال. الجدير بالذكر أن روبسبير هذا الذي أرسل معظم قادة الثورة الفرنسية إلى المقصلة، قُتِل في النهاية على يد بعض أبناء الثورة أيضًا برصاصة في جبهته.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (5) ميسون عبدالرحمن النحلاوي الحلقة الخامسة وفيها: ♦ الركائز التي يقوم عليها "المذهب/ الدين الإنساني" -2- تكلمنا في الحلقة السابقة عن الركيزة الأولى؛ وكانت عبادة العقل Cult of Reason. ونتكلم في هذه الحلقة عن النفعية والفلسفة الوضعية. بسم الله نبدأ. 2- الركيزة الثانية: النفعية Utilitarianism:مؤسسها جيرمي بينتهام Jeremy Bentham (شباط 1748 - حزيران 1832)، فيلسوف بريطاني وقاضٍ، ومصلح اجتماعي، يعتبر مؤسس مذهب النفعية. تصنَّف النفعية "كمدرسة أخلاقية" ترى أن القيمة الأخلاقية للفعل تتحدد بمقدار إسهامه في النفع العام؛ بتعبير آخر: يكون تقييم الفعل حسب ما ينتج عنه من نفع. ♦ يرى بينتهام من خلال مذهبه في المنفعة أن الناس بطبائعهم يسعَون وراء اللذة ويجتنبون الألم كالحيوانات تمامًا، مع امتيازهم عن الحيوان باتباعهم لمبدأ النفعية؛ لاستخدامهم للعقل؛ لأن العقل هو الذي يحكم على الفعل الخير، فتطغى اللذة المستمرة على الألم، وبالعكس فإن الفعل الشرير يؤدي إلى طغيان الألم على اللذة[1]. ♦ يدعو بينتهام في مذهبه إلى الحرية الفردية والاقتصادية، والفصل بين الكنيسة والدولة، وحرية التعبير، والحقوق المتساوية بين المرأة والرجل، والحق في الطلاق، وعدم تجريم الشذوذ الجنسي[2]، كما يدعو إلى إلغاء الرق، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء العقاب البدني، إضافة إلى ما عُرف عنه بمناداته بحقوق الحيوان. ♦ يتحدث بينتهام في منشوره "جرائم بحق الذات" الذي لم يكن ليجرؤ على نشره في حياته Offences Against One's Self، عن الحرية المثلية "اللواط"، وكانت أول مرة نُشر فيها عام 1931، ويعتبر بيتنام أول من قال بتعديل القانون الإنجليزي فيما يخص الشذوذ الجنسي. ♦ وبالرغم من أن بينتهام كان يدعم بقوة الحقوق القانونية الفردية، فإنه كان يعارض فكرة القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية، معتبرًا أنها "كلام فارغ لا قيمة له"، من تلامذته: مساعده جيمس ميل James Mill، الفيلسوف جون أوستن، وروبرت أوين، أحد مؤسسي اليوتوبيا الاجتماعية. ♦ اعتُبر بينتهام "المؤسس الروحي" لجامعة لندن، بالرغم من أن دوره في تأسيسها كان يسيرًا جدًّا[i]، أعطاه قادة الثورة الفرنسية الجنسية الفخرية عام 1792م. ♦ أحد أبحاثه المثيرة للجدل في ذلك الوقت كان بحثه "دفاع عن الربا Defence of usuary " الذي أرسله من روسيا إلى إنجلترا عام 1787، عارض فيه الإدانة اللاهوتية للفائدة interest، من منطلق مبادئه القائلة بالحرية الفردية المطلقة التي تضمن للفرد تنفيذ ما يراه، طالما كان في صالح المجتمع، من وجهة نظره طبعًا! ♦ وعند عودته من روسيا أعد لنشر كتابه مبادئ الأخلاق والتشريع The Principles of Morals & Legislation 1789"، الذي لخص فيه مبادئ مذهبه "النفعية"، الذي يقوم على مفهومي السعادة واللذة من منطلق بشري بحتٍ؛ حيث يستطيع الإنسان أن يضع قوانينه الخاصة التي تضمن السعادة له ولأكبر عددٍ من المجتمع حوله، ولا حاجة في ذلك للاحتكام لأي معتقد ديني. ♦ كان بينتهام يهدف إلى إحلال الأخلاق الطبيعية محل اللاهوت، وإقامة السلوك والقانون على أسس قِوامها صالح المجتمع أو الوطن، أكثر من إقامتها على أسس قوامها إرادة السلطة التنفيذية أو مصالح طبقة من الطبقات، وتحرير القانون والسلوك من فروض الدين من ناحية، ومن الأحلام الثورية من ناحية أخرى. تعقيب بسيط: عند بحثي في النفعية تذكرتُ انتشارَ هذه المقولة التي أضحى أبناؤنا يرددونها دون وعيٍ منهم أو إدراك لمدى خطورتها في ميزان الإيمان، بل يضعونها عبارة على ملفاتهم الشخصية: "هدفي أن أجعل من حولي سعداء"، وعند مناقشتهم بأن السعادة مرتبطة بالامتثال إلى شرع الخالق "الله" الوحيد الذي يعلم ما يُسعد البشرية وما يتعسها، يصدمك إصرارهم على أن السعادة لا علاقة لها بالدين! 3- الفلسفة الوضعية 1850 Positivism (اللادينية الكونتية): مؤسسها أوغست كونت Auguste Comte. في عام 1850 أوجد الفيلسوف أوغست كونت أبو علم الاجتماع، ما عُرف بالفلسفة الوضعية Positivism، وقال عنه: إنه "دين الإنسانية ". يعتقد كونت أن العلوم الوضعية ستصبح أصلًا للإيمان المستند إلى البرهان، وكلما تقدم الإنسان في الدراسة الوضعية للظواهر، فإنه سيترك بالتدريج التفسيرات اللاهوتية والميتافيزيقية؛ لأنه سيتضح له أن الظواهر خاضعة للقوانين، فالمعرفة الحقيقية تنصبُّ على الظواهر وقوانينها[3]. عمل كونت سكرتيرًا للفيلسوف الفرنسي سان سيمون بعد أن كان تلميذًا له، وهو من نحت مصطلح الإيثار altruism، الكلمة في ظاهرها جميلة، لكن إذا عرفنا أن كونت كان لا يؤمن بالحقوق الفردية، وأنه القائل بأن الوضعية لا تقر حقًّا آخر غير حق القيام بالواجب، ولا تقر واجبًا غير واجبات الكل تجاه الكل؛ لأنها تنطلق دائمًا من وجهة نظر اجتماعية، ولا يمكن لها أن تقبل بمفهوم الحق الفردي، وأن كل حق فردي هو عبثي بقدر ما هو غير أخلاقي - ندرك حقيقة هذه الكلمة وإلامَ ترمي، خاصة عندما نجد التناقض الذي وقع فيه كونت عندما تبنَّى المساواة على الصعيد الاجتماعي، وقال بنقيضها تمامًا على المستوى السياسي، فقال بدكتاتورية النخب، التي اعتبر الشعب دونها مستوًى وحقوقًا. فكرُ كونت لا يدعو إلى المساواة على الصعيد السياسي، بل إنه يؤمن بدور النخب ويقيم تمييزًا حادًّا بين الجماهير والاختصاصيين والحكام، ويُنيط أمر تحديد الأهداف والوسائل بالمختصين بالعلوم السياسية وحدهم[4]. لكن هل وقف كونت عند هذه الأفكار وانتهى بها؟ يقول لنا المؤرخون لحياة كونت أن فكر الرجل تطور في أواخر حياته تطورًا قياسيًّا وصل حدَّ وضع دين جديد هو نبيُّه، وأسماه "دين الإنسانية"[5] "religion of humanity"؛ يرى الرجل أن هذا الدين هو الدين الذي يجب أن تدين به البشرية؛ لتخرج من عبودية الأديان الغيبية والتي تعترف بوجود إله يتصرف بالكون، عمل كونت على تطوير هذا الدين إثر علاقته العاطفية مع كلوتيد دو فو Clotilde de Vaux، والتي أصبحت قدِّيسته بعد موتها، فكان يقول: إنها كانت تأتيه في الحُلم، وتملي عليه أسس هذا الدين. وفي عام 1849 وضع كونت تقويمًا أسماه "التقويم الوضعيpositivist calendar"، وفيه سمَّى الأشهر بأسماء أكبر المفكرين والقادة والفنانين عبر التاريخ بترتيب زمني، كل يوم مكرَّس لمفكر من المفكرين[6]. العقيدة في دين كونت: يقول توني دافيز Tony Davies، الباحث في دين الإنسانية: "إن دين كونت العلماني الوضعي هو نظام متكامل، فهو كما له أسس عقائدية، له طقوسه وكهنوته، وكل ذلك يدور في حلقة منظمة تتمحور حول تعظيم الذات الإنسانية وتقديسها"، وهو ما يشير إليه بعبارة: الكينونة العظيمة العليَّة الجديدة" Nouveau Grand-Être Suprême (New Supreme Great Being)، وهو ما تم إكماله لاحقًا بعنصرين آخرين؛ هما: الأرض العظيمة، والكون العظيم؛ لتكتمل عقيدة الثالوث الإنساني الوضعي[7]. نص كونت في "نظام السياسة الوضعية 1851-1854" على أن أسس الدين هي: • الغيرية: وتقود إلى الكرم والغيرة، ومساعدة الآخرين. • النظام: اعتقد كونت أن المجتمع أصبح بحاجة إلى إعادة تنظيم بعد الثورة الفرنسية. • التقدم: وهو نتاج الثورات الصناعية والتقنية في المجتمعات الإنسانية. كما أنه وضع عام 1851 أسس التعليم الوضعي، فحدد سبعة أسرار للكنيسة الإنسانية: 1- المقدمة: (التعيين والرعاية). 2- القبول: (نهاية التعليم). 3- المستقر: (اختيار المهنة). 4- الزواج. 5- التقاعد (عن 63 عامًا). 6- الانفصال: (سر المسحة الاجتماعية). 7- الاندماج: (الذوبان في التاريخ) ثلاث سنوات بعد الموت. الطقوس والكهنوت: يصف توماس هيكسلي Thomas Huxley دين الإنسانية، الذي طرحه كونت، على أنه الكاثوليكية مطروحًا منها المسيحية، مضافًا إليها الثالوث المقدس: الإنسان والأرض والمصير، وهو دين له كهنوته. يشترط على كهنة هذا الدين أن يكونوا متزوجين؛ بسبب التأثير النبيل للأنوثة في الدين الانساني[8]. عليهم أن يقدموا خِدْمَاتٍ، بما فيها الصلوات الوضعية؛ وهي عبارة عن دفق مهيب من مشاعر الرجال النبيلة، وإلهامهم بأفكار أكثر عمقًا وشمولية، سواء في المحافل العامة أو الخاصة. يجب أن يكون الكهنة سفراء عالميين في نشر الغيرية، والتعليم والتحكيم في النزاعات الصناعية والسياسية، وفي توجيه الرأي العام، في الحقيقة يجب أن يمارس الكهنة جميع أنواع الفنون بما فيها الرقص والغناء، مثل الشعراء في المجتمعات القديمة. يحتاج هذا إلى تدريب طويل، لذلك يبدأ الكهنة بالتدريب عند بلوغهم الثامنة والعشرين، يدرسون في المدارس الوضعية، وعندما يبلغ الكاهن سن الخامسة والثلاثين يعمل كمعلم مبتدئ وممارس للطقوس، ويستمر كذلك حتى سن الثانية والأربعين، فقط عندما يبلغ الثانية والأربعين يصبح كاهنًا ناضجًا، لا يحق للكهنة اكتساب المال، أو شغل مناصب وظيفية غير الكهانة، بهذه الطريقة يكون تأثيرهم روحانيًّا وأخلاقيًّا بحتًا، يقيم الكاهن الإنساني الأعلى في باريس، التي ستحل محل روما كمركز للدين العالمي[9]. يرى دافيز أن فلسفة كونت الإنسانية المتقلبة والمحبطة نوعًا ما - التي كان ينظر إليها كفلسفة وحيدة ضمن عالم غير مكترث، ولا يمكن تفسيرها إلا من منظور العلم الوضعي - كانت أكثر تأثيرًا في إنكلترا في العصر الفكتوري من نظريات تشارلز داروين أو كارل ماركس[10]. لم يحقق نظام كونت النجاح المنتظر عند تأسيسه، إلا أن انسجام مبادئه مع نظرية داروين حول أصل الأنواع Origin of Speciesكان له أثر ملموس في انتشار منظمات العلمانية الإنسانية Secular Humanist المتنوعة في القرن التاسع عشر، وخاصة من خلال أعمال العلمانيين أمثال جورج هوليووك George Holyoake (الذي نحت مصطلح "العلمانية")، وريتشارد كونغريف Richard Congreve، وبالرغم من أن أتباعه من الإنجليز أمثال جورج إليوتGeorge Eliot وهارييت مارتينو Harriet Martineau رفضوا الجزء الأكبر من نظامه، فإنهم أحبوا فكرة "الدين الإنساني"، وما يدعو إليه من "الغيرية altruism". #الإنسانية_دين [1] http://www.alukah.net/sharia/0/44004/#ixzz3cCvsfGYv [2] Bentham, Jeremy. "Offences Against One's Self", first published in Journal of Homosexuality, v.3:4(1978), p. 389–405; continued in v.4:1(1978). • Also see Boralevi, Lea Campos. Bentham and the Oppressed. Walter de Gruyter, 1984, p. 37. [3]رابط الموضوع الدكتور مصطفى حلمي [4] http://ar.wikipedia.org/wiki/أوغست_كونت [5] https://en.wikipedia.org/wiki/Religion_of_Humanity [6] مرجع سابق [7] Davies, Tony. Humanism, The New Critical Idiom. Drakakis, John, series editor. University of Stirling, UK. Routledge, 1997, p.28-29 ISBN0-415-11052-1 [8] Rollin Chambliss, Social Thought: From Hammurabi to Comte, Dryden Press, New York, 1954, p.424 [9] Rollin Chambliss, Social Thought: From Hammurabi to Comte, Dryden Press, New York, 1954, p.424 [10] Davies, Tony. Humanism, The New Critical Idiom. Drakakis, John, series editor. University of Stirling, UK. Routledge, 1997, p.28-29 ISBN0-415-11052-1
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (6) ميسون عبدالرحمن النحلاوي الحلقة السادسة وفيها: الركائز التي يقوم عليها "المذهب/ الدين الإنساني" (3): تكلمنا في الحلقات السابقة عن الركيزة الأولى وكانت عبادة العقل Cult of Reason، والثانية وكانت عن النفعيَّة، والثالثة الفلسفة الوضعية، ونتكلَّم اليوم عن المذهب الأخلاقي كركيزة رابعة. بسم الله نبدأ: المذهب الأخلاقي Ethical Culture / Ethical movement 1876: جذر آخر من جذور الفلسفة الإنسانية/ الدين الإنساني، هي الحركة الأخلاقية أو المذهب الأخلاقي الذي ظهر في القرن التاسع عشر. المهد الأول: بريطانيا العظمى: تعود أصول هذا المذهب إلى "الجمعية الأخلاقية الجنوبية" التي أُسِّسَت عام 1793 في ساحة فينزبري الواقعة أقصى مدينة لندن، أُطلِق عليها حينها اسم "المعبد الجنوبي"، فيما كانت تُعرَف في وقت مبكر من القرن التاسع عشر "بمكان التجمُّع الأصولي". دعمت هذه الحركة مساواة المرأة بالرجل، فكانت آنا ويلر Anna Wheeler من أوائل النساء اللاتي قُمْن بحملة من أجل المرأة، تكلَّمت فيها عن حقوق المرأة، وكان هذا في اجتماع عام في إنجلترا عام 1829. تحوَّل اسم "المعبد" فيما بعد من الجمعية الأخلاقية الجنوبية إلى "جمعية كونوي هول الأخلاقية"، ثم ما لبثت أن أُسِّسَت الجمعية الأخلاقية الأولى في بريطانيا عام 1886، ومع حلول عام 1896 اتَّحدتْ أربع جمعيات بريطانية أخلاقية لتُشكِّل اتحاد الجمعيات الأخلاقية. ولم يكد يمْضي عَقْدانِ من الزمن حتى أصبح هناك أكثر من 50 جمعية أخلاقية في بريطانيا العُظْمى مع بداية القرن العشرين (ما بين عامي 1905- 1910)، سبعة عشرة منها تابعة للاتحاد[1]. الأخلاقية الدينية الحديثة - أمريكا: إلا أن الانطلاقة الحقيقية والفاعلة للمذهب الأخلاقي كانت على يد "فليكس آدلر" Felix Adler الذي يُعتبَر الأب الروحي لهذا المذهب، أسس آدلر جمعية نيويورك للثقافة الأخلاقية عام 1877 New York Society for Ethical Culture [2]، عندما كان عضوًا في الجمعية الدينية الحرة Freee Religious association . ومع حلول عام 1886، ظهرت مجموعة من الجمعيات المماثلة للجمعية الأم في كل من فيلاديلفيا وشيكاغو وسانت لويس[3]. تبنَّت هذه الجمعيات التي تعنتنق المذهب الأخلاقي مجموعة من المبادئ: • الأخلاق لا علاقة لها بالدين. • التأكيد على أن مشاكل أخلاقية جديدة ظهرت في المجتمع الصناعي لا تعالجها الأديان العالمية بالشكل المطلوب. • وجوب الانخراط بالأعمال الخيرية للارتقاء بالأخلاق. • الإيمان بأن الإصلاح الذاتي يجب أن يتلازم مع الإصلاح الاجتماعي. • النظام الجمهوري هو نظام الحكم المناسب للمجتمعات الأخلاقية وليس النظام الملكي. • الاتفاق على أن تثقيف الشباب هو الهدف الأهم. • استبدال اللاهوت بالأخلاق بشكل مطلق. • فصل المبادئ الأخلاقية عن المذاهب الدينية، والنظم الميتافيزيقية فصلًا تامًّا، وجعلها قوة مستقلة تحكم الحياة الشخصية والعلاقات الاجتماعية[4]. وجدت الحركة الأخلاقية في الأزمة الدينية التي كان يعيشها المجتمع الغربي بسبب فساد الكنيسة، فرصةً جيدةً لاستبدال اللاهوت بالأخلاق، كانت تهدف إلى تفكيك الأفكار الأخلاقية وسلخها عن العقائد الدينية والأنظمة الميتافيزيقية، وجعلها قوةً مستقلةً في الحياة الشخصية والاجتماعية. من هو فيليكس آدلر؟ • ولد فليكس آدلر Felix Adler في ألمانيا لحَبْر يهوديٍّ يُدعى صموئيل آدلر Samuel Adler وكان شخصيةً بارزةً في الحركة اليهودية الأوربية الإصلاحية، هاجرت العائلة من ألمانيا إلى الولايات المتحدة بعد أن تم تعيين الأب صاموئيل حَبْرًا أعظم head rabbi لمعبد إيمانويل في نيويورك Temple Emanu-El، كان فليكس حينها في السادسة من عمره[5]. • نشأ آدلر الصغير على التعاليم اليهودية، فقد كان يَتمُّ تدريبُه ليُصبح حَبْرًا كأبيه. • درس آدلر في مدرسة كولومبيا القواعد، وتخرج في جامعة كولومبيا عام 1870 بدرجة الشرف، تابع دراسته في جامعة هايدلبرغ؛ حيث كانت دراسته جزءًا من مرحلة تدريبية ليصبح "حَبْرًا"، حصل على درجة الأستاذية "بروفسور" من جامعة هايدلبرغ عام 1873 [6]، وأثناء إقامته في ألمانيا تأثَّر بالكانطية الجديدة (فلسفة إيمانويل كانط) neo-Kantian، وخاصة المفاهيم القائلة بأن المرء لا يستطيع إثبات أو دحض وجود الإله أو الخلود، وأن الأخلاق يجب أن تُؤسَّس بشكل مستقل تمامًا عن اللاهوت.. • في عام 1876 دعي آدلر- وكان قد بلغ السادسة والعشرين من عمره- لإلقاء محاضرة حول أفكاره التي كان قد عرضها أول مرة في خطبة له في معبد إيمانويل، وفي الخامس عشر من شهر مايو من عام 1876 كرَّر آدلر فكرته في حاجة البشرية إلى الدين؛ لكن بعيدًا عن الطقوس والعقيدة، دين يُوحِّد البشرية في عمل اجتماعي أخلاقي، كانت فكرة توحيد المتدينين والملحدين والمنكرين للقوى الغيبية في مذهب ديني مُوحَّد فكرة ثورية إلى حد كبير في ذلك الوقت. • بعد الخطبة ببضعة أسابيع شرع آدلر بإلقاء محاضرات أسبوعية كل يوم أحد. وفي شهر شباط من عام 1877، وبمساعدة جوزيف سيلغمان Joseph Seligman - رئيس معبد إيمانو- إيل Temple Emanu-El أسس آدلر جمعية الثقافة الأخلاقية Society of Ethical Culture [8]. أفكار آدلر: • يعتقد الرجل أن مفهوم "الرب الشخصي" ليس ضروريًّا، كما يعتقد أن شخصية الإنسان كانت هي القوة المركزية للدين، وهو يؤمن أن اختلاف الناس في تفسير الأديان يجب أن يُحترَم، كما تُحترَم الأديان نفسها، كانت الحركة الأخلاقية مفتوحةً للناس على اختلاف عقائدها. • يقول آدلر بالمذهب الأخلاقي كدين جديد يمكن أن يكتسح المذاهب "غير العلمية" بتعبير آخر الأديان التقليدية، في حين يعمل على استعادة جميع الرسائل الأخلاقية من جميع الأديان وتشكيلها بعيدًا عن البُعْد الديني. • كما يرى الرجل أن الأديان التقليدية ستُثبت في النهاية أنها غير مناسبة (متوافقة) مع النظرة العلمية العالمية (وهذا تمامًا المبدأ الذي يُنادي به الوسطيُّون اليوم). • الأديان تُعلِّم حقائق هامَّة حول العالم، إلا أنها تعرض هذه الحقائق من خلال استعارات غير مناسبة دائمًا للمفاهيم العالمية، على سبيل المثال- كما يقول آدلر- تقوم الأديان الموحَّدة على استعارة الملكية المستبدة، بينما أصبح معلومًا أن العلاقات الديمقراطية هي المثالية (ربط الدين بالاستبداد، واللادين بالديمقراطية). • يُعتبَر التركيز على العقيدة الدينية مصدرًا للتعصُّب الطائفي؛ لذا وجب استبدالها بالأخلاق. باختصار، كان آدلر ينتقد بشكلٍ خاصٍّ التركيز الديني على العقيدة، بحجَّة أنه سيكون مصدرًا للتعصُّب الطائفي، من هذا المنطلق أراد آدلر أن يستبدل الروابط الدينية برابطة عالمية منفصلة تمامًا عن الدين، وتنكره تمامًا كعاملٍ أساسي في حياة البشرية. بعد مرور عام على تأسيسها، بدأت جمعية نيويورك الأخلاقية مشاريعها بروضة أطفال، ومركز للتمريض في المنطقة، وشركة بناء للمساكن، وفي وقت لاحق، قامت الجمعية بافتتاح مدرسة الثقافة الأخلاقية، التي كانت يُطلَق عليها آنذاك اسم "مدرسة العامل"، إضافة إلى مدرسة الأحد، والمنزل الصيفي للأطفال، ثم ما لبثت أن بدأت الجمعيات الأخلاقية بإقامة مشاريع مماثلة. إلا أن الآدلريين لم ينتهجوا نهج "التبشير" المباشر، الذي كانت تتبعه الجمعيات الخيرية التابعة للمؤسسات الدينية في تلك الحقبة؛ بل كان الأسلوب المتَّبع أكثر ذكاء. التأثير النفسي المعتمد على تسليط الضوء على السلبيات التي تحكم المجتمع والتي سببها "الدين" دون فرض أي بديل مباشر، والاكتفاء بالإيحاءات في المراحل الأولى. (طبعًا هذا الأسلوب لا زال مُجْديًا حتى يومنا هذا، ليس من قِبَل أصحاب المذهب الأخلاقي تحديدًا؛ بل من قِبَل كل المذاهب والحركات التي تسعى إلى "سلخ المسلم عن عقيدته" .. اللهم افتح على بصيرة أبناء هذه الأمة). توحُّد الجمعيات الأخلاقية في أمريكا: توسَّعَتْ أنشطة الجمعيات إلى أن توحَّدَت الجمعيات الأربع التي كانت على الساحة تحت مظلة جمعية أُمٍّ أُطلِق عليها "الاتحاد الأخلاقي الأمريكي" American Ethical Union. بعد تحقيق بعض النجاح دخلت الجمعية في حالة ركود حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث عاودت نشاطها من جديد. في عام 1946 بدأت الجهود تتضافر لإعادة تنشيط المذهب الأخلاقي، فأُقيمت جمعيات في نيوجرسي وواشنطن دي سي، إلى جانب معسكرات المواطنة. ومع حلول عام 1996، أصبح هناك ثلاثون جمعية تضم ما مجموعه 5500 مواطن أمريكي، إلا أن هذه الجمعيات كانت تختلف عن سابقتها في أسلوب الانتشار، حيث اعتمدت تشكيل المجموعات في مناطق الضواحي، واستبدال مدارس الأحد للأطفال بفعَّاليات للمراهقين. كذلك، شهدت هذه الجمعيات الجديدة مزيدًا من التركيز على التنظيم والبيروقراطية، إلى جانب التركيز على احتياجات أعضاء المجموعة فيما يخص القضايا الاجتماعية العامة التي ركَّز عليها آدلر فيما سبق. كانت النتيجة تحوُّل المجتمعات الأخلاقية الأمريكية إلى شيء أقرب إلى التجمُّعات المسيحية الصغيرة التي يكون فيها أكثر شواغل الكاهن إلحاحًا هو التمسُّك بقطيعه. في القرن الحادي والعشرين، تابعت الحركة تنشيط نفسها من خلال شبكات التواصُل الاجتماعي، والانخراط في التنظيمات الإنسانية، مع نجاحات مختلطة تستغرق الطرفين، وفي عام 2014 أصبح هناك ما يُقارب 10000 عضو رسمي في الحركة الأخلاقية. الصبغة الدينية للمذهب الأخلاقي: تشبه الجمعيات الأخلاقية من الناحية الوظيفية كنائسَ النصارى وكُنُس اليهود، ويقوم على كُلٍّ منها قائد، بما يُوازي الكاهن في الكنيسة نموذجيًّا، تقيم الجمعيات الأخلاقية اجتماعات صباح الأحد؛ لكنها تُقدم فيها تعليمات أخلاقية للأطفال والمراهقين، وإقامة فعَّاليات خيرية وأنشطة اجتماعية، وربما يُقدِّمون برامج تثقيفية منوَّعة، ويُقيمون احتفالات الزواج والارتباط، وتسمية المواليد. ويمكن لأفراد الجمعية الأخلاقية أن يؤمنوا بإله أو أن يعتبروا المذهب الأخلاقي هو دينهم، يقول فليكس آدلر: "إن الثقافة الأخلاقية هي دين مَن يرون الدين ضرورةً للحياة، ومَنْ لا يعترفون بالدين يكتفون بها كأسلوب للحياة". ارتباط المنظمة الأخلاقية بالمذهب الإنساني: اعتبارًا من عام 1950 بدأ المذهب الأخلاقي يأخذ تعريفًا على أنه جزء من الحركة الإنسانية الحديثة، وفي عام 1952 تحديدًا أصبح الاتِّحاد الأخلاقي الأمريكي American Ethical Union التنظيم الأم لجميع الجمعيات الأخلاقية في الولايات المتحدة الأمريكية أحد المنظمات المؤسسة للاتحاد الأخلاقي الإنساني العالمي International Humanist and Ethical Union. الفعَّاليات: تعقد الجمعيات الأخلاقية عادة اجتماعات أسبوعية في أيام الأحد؛ حيث تكون الفعَّالية الرئيسية لكل اجتماع هي "المنبر"، وتتضمَّن خطابًا لمدة نصف ساعة من قِبَل رئيس الجمعية الأخلاقية، أو أحد أعضائها، أو ضيفًا عليها؛ كما تقام مدرسة الأحد للأطفال في معظم الجمعيات الأخلاقية بالتزامن مع فعالية "المنبر". يعقد الاتحاد الأخلاقي الأمريكي AEU اجتماعًا سنويًّا يضُمُّ الجمعيات الأخلاقية من كافة أنحاء الولايات المتحدة. [2] Howard B. Radest. 1969. Toward Common Ground: The Story of the Ethical Societies in the United States. New York: Fredrick Unger Publishing Co [3] Colin Campbell. 1971. Towards a Sociology of Irreligion. London: McMillan Press [4] reference Colin Campbell. 1971. Towards a Sociology of Irreligion. London: McMillan Press [5] Radest, Howard B. (1969). Toward Common Ground: The Story of the Ethical Societies in the United States. Milestones of Thought in the History of Ideas. New York: [6] Adler, Felix (1851-1933)". Encyclopedia of Ethics. Routledge. 2001. ISBN9780415936729 – via Credo Reference. [8] مرجع سابق
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() مقالات في مذهب الإنسانية: "الدين الإنساني" (7) ميسون عبدالرحمن النحلاوي الحلقة السابعة وفيها: منظمات الردة الحديثة لعنة خرجت من رَحِم المنظَّمات الإنسانية! للأسف الموضوع ليس حديثًا، من المرعب أننا بِتْنا نشهد في أيامنا هذه أحاديثَ مُكثَّفةً عن حوادث متتالية لتحوُّل مسلمين/ مسلمات، من الالتزام إلى الإلحاد، وبالمصطلح الشرعي "ارتدادهم عن الإسلام"، أحاديث لا تخلو من دهشةٍ وحيرةٍ وألمٍ ومرارةٍ يعلوها سؤال: لماذا؟ وكيف؟ • أولًا، جواب "لماذا"؟ هو: لأننا "نحن" من سمحنا بهذا، والحديث هنا يطول جدًّا؛ لكن يمكننا أن نقول باختصار: إننا نحن مَن أسلمنا زمامَ عقولنا وعقول أبنائنا لأعدائنا بحجة اللحاق بركب التطوُّر، ربطنا العلم والتفوُّق بالتحرُّر والانغلاق والتخلُّف بالدين، تمامًا كما أرادوا، فأصبحنا ملكيين أكثرَ من الملك. نسينا الله فأنسانا أنفسنا، ضربنا صفحًا عن كل مشوهات ومميعات العقيدة التي كان/ ولا زال يُحقن بها أبناؤنا، ووقفنا موقف الأبله الذي يُهدَم بيتُه أمام عينيه وهو مشغول برباط حذائه. • أما جواب كيف؟ هو: بجهود أعداء الإسلام الذين يعملون ليلًا ونهارًا بجهود استهَنَّا بها، على نقض عُرى الإسلام وهدمه من الداخل، وهنا سنقف قليلًا لنعرض شيئًا ممَّا قد يُبدِّد بعضَ الحيرة التي تتملَّك البعض فلا يجدون تفسيرًا لحالات الإلحاد المؤلمة التي يعيشها أبناءُ الأُمَّة من مختلف الشرائح الاجتماعية: المنظمات الراعية للردة عن الإسلام: ربما سمِعَ البعض مِنَّا عن هذه المنظمات فيما مضى لكن بصورة باهتة، اعتُبِرتْ في حينها هرطقات شُذَّاذ آفاق، منفصمين نفسيًّا، وهذا الخطأ لطالما ارتكَبْناه في الاستخفاف بمستصغر الشَّرَر. المرعب أنك عندما تتصفَّح محركات البحث الآن بعنوان "منظمات الرِّدَّة عن الإسلام" ترى مصائب وخاصة في مواقع اليوتيوب. The Central Council of Ex-Muslims المجلس المركزي للمسلمين السابقين، وأنا أحب أن أضعها موضعها فأترجمها: "المجلس المركزي للمرتدين عن الإسلام"، ففي الإسلام لا يوجد مسلم سابق ومسلم لاحق، يوجد مسلم ومرتد. والمجلس عبارة عن جمعية ألمانية من غير المتدينين، والأشخاص العلمانيين الذين كانوا مسلمين أو من بلد إسلامي، أُسِّسَت في 21 يناير 2007، وبحلول شهر مايو من ذات العام وصل عدد الأعضاء فيها إلى 200 عضو. وخلال مدة وجيزة افتَتَحَتْ هذه الجمعية فروعًا لها في عدد من البلدان، كان أوَّلها في بريطانيا وهولندا والدول الإسكندنافية، ومن ثمَّ في أمريكا الشمالية. طبعًا هدف القائمين على هذه المنظَّمات والأعضاء المنتسبين لها على حدٍّ سواء، هدفهم "مساعدة كل من يريد/ تريد الارتداد عن الإسلام" باعتبار الإسلام دينًا راديكاليًّا إرهابيًّا غير قابل للتغيير من جهة، وبدعوى حرية الدين والرأي، أي "التمتُّع" بالحرية المطلقة في نقد كل ما يعتبر "مقدسًا" في الإسلام. يعتبر "أبناء" هذه المنظمات أنفسهم سُفراء "الإنسانية"، أو المذهب أو "الدين الإنساني" في تطبيق مبادئه التي تقوم على اللادين، وحرية المعتقد والرأي والتعبير المطلقة. هذا المجلس أو المنظمة وفروعها يعيثون في الأرض فسادًا وبدعم من جهات لا يخفى هدفُها على أحد. الجدير بالذكر أن مجموعات المرتدين عن الإسلام في أمريكا الشمالية Ex-Muslims of North America، قامت بشكل مستقل في كل من كندا وأمريكا الشمالية، ثم ألحقت نفسها بالمجلس المركزي للمرتدين عن الإسلام. فيما يلي قائمة بالمنظمات والجمعيات التي تدعم كل مسلم يرغب في الارتداد عن دينه: • المجلس المركزي للمرتدين عن الإسلام Central Council of Ex-Muslims (ZdE) ألمانيا 2007. • مجلس المرتدين عن الإسلام البريطاني Council of Ex-Muslims of Britain (CEMB)، بريطانيا 2007. • الجمعية المركزية للمرتدين عن الإسلام Central Committee for Ex-Muslims، هولندا 2008. • المسلمون المرتدون المتحدون Former Muslims United، أمريكا 2009. • مبادرة المسلمين المرتدين Ex-Muslims Initiative، أستراليا 2010. • حركة المسلمين المرتدين في بلجيكا Movement of Ex-Muslims of Belgium، بلجيكا 2011. • اتحاد المرتدين عن الإسلام في سويسرا Association of Ex-Muslims of Switzerland، سويسرا 2012. • "جمهورية الملحد" Atheist Republic ، عالمية – 2012، مؤسسها الإيراني أمين نافابي. • الحلف الإلحادي اللاأدري الباكستاني Atheist & Agnostic Alliance Pakistan، الباكستان 2012. • مجلس المرتدين في سنغافورا Council of Ex-Muslims of Singapore، سنغافورا 2012. Muslimish، أمريكا 2012، تستقبل المسلمين والمرتدين معًا. • المرتدون في أمريكا الشمالية Ex-Muslims of North America (EXMNA)، كندا وأمريكا الشمالية، 2013. • مجلس المرتدين في فرنسا Council of Ex-Muslims of France (CEMF) فرنسا 2013. • مجلس المرتدين في المغرب Council of Ex-Muslims of Morocco (CEMM) المغرب، 2013. • المرتدون في أسكتلندا Ex-Muslims of Scotland، أسكتلندا 2014. • رابطة الإلحاد Association of Atheism، تركيا 2014، أول منظمة إلحادية قانونية في تركيا. • مذهب اللادين Faith to Faithless، بريطانيا، أسسها امتياز شمس وعاليا سليم. • منصة "المفكرون الأحرار الجُدُد" Platform New Freethinkers، هولندا 2015، برعاية Humanistisch Verbond HV, ، وترجمتها:"الجمعية الإنسانية في هولندا" Humanistic Association Netherlands. • المسلمون المرتدون في النرويج Ex-Muslims of Norway ، النرويج 2016. • حلف الإلحاد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا Atheist Alliance of the Middle East and North Africa، 2016 لا يوجد دولة محددة يوجد فيها؛ وإنما يتبع لـ MENA ، أو MENAP، وهو اختصار باللغة الإنجليزية يشير إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، والذي يتوافق مع الشرق الأوسط الكبير. • وتغطي MENA هذه منطقةً واسعةً تمتدُّ من المغرب الكبير في الغرب إلى باكستان في الشرق، غالبًا ما يُستخدَم اختصار MENA في الأوساط الأكاديمية والتخطيط العسكري والإغاثة في حالات الكوارث والتخطيط الإعلامي كمنطقة إذاعة وكتابة الأعمال. • مجلس المرتدين في سريلانكا Council of Ex-Muslims of Sri Lanka 2016. الملحدون واللاأدريون الإنسانيون الإيرانيون Iranian Humanist Atheists & Agnostics، 2016. • المسلمون المرتدون في جنوب إفريقيا Ex-Muslims of South Africa، جنوب إفريقيا، 2016. • المرتدون في جزر المالديف Ex-Muslims of Maldives، جزر المالديف 2017. • حلف المسلمين المرتدين Alliance of Former Muslims، إيرلندا 2017. • مجلس المسلمين المرتدين في الأردن Council of Ex-Muslims of Jordan، الأردن 2018. الإيرانيون الملحدون واللاأدريون Iranian Atheists & Agnostics، إيران، تاريخ التأسيس غير معلوم. • مجلس المرتدين عن الإسلام في نيوزيلندا Council of Ex-Muslims of New Zealand، نيوزيلندا، تاريخ التأسيس غير معلوم. • اللجنة المركزية للمسلمين السابقين في الدول الإسكندنافية Central Committee for Ex-Muslims of Scandinavia، المقر الدول الإسكندنافية (وتضم فلندا، الدنمارك، آيسلندا، النرويج، والسويد)، تاريخ التأسيس غير معلوم. • المرتدون في هولندا Ex-Muslims of the Netherlands، هولندا 2019.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |