توحيد العبادة وشهادة الألوسي في تفسيره - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصحبة الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 119 )           »          فوائد من قصة يونس عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 97 )           »          ثمرات الابتلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »          نهي العقلاء عن السخرية والاستهزاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          فتنة المسيح الدجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          معجزة الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف أتعامل مع ابني المدخن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          حقوق الأخوة في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          الأقصى: فضائل وأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الشباب أمل وألم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-03-2022, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,210
الدولة : Egypt
افتراضي توحيد العبادة وشهادة الألوسي في تفسيره

توحيد العبادة وشهادة الألوسي في تفسيره
مصعب سعيد السامرائي

العلامة الشيخ المفسِّر الفقيه أبو الثناء الألوسي علَّامة العراق صاحب تفسير "روح المعاني"، ولد ببغداد سنة 1217 هجرية وتوفي سنة 1270 هجرية، ولستُ هنا لإثبات علمه ومشيخته فهذا أشهر من أن ينال منه، فهو علَّامة العراق وفخرها، تصدر للإفتاء بموجب فرمان عثماني وهو في شبابه، وتولى صدارة المدرسة القادرية والمرجانية، وسافر إلى إسطنبول وقابل الباب العالي وأكرمه السلطان العثماني عبد المجيد، وكان مفتي الحنفية في العراق، وتولى أوقاف مدرسة مرجان، وشرطها أن تعطى لكبير علماء البلد وقد تحقق أنه لا أعلم منه في العراق، ومنحه السلطان محمود الثاني رتبة تدريس الأستانة. من بيت علم ودين، وبالجملة فهو من أعلم أهل زمانه والمرجوع إليه في الفتوى والعلم.

أهم كتبه تفسيره "روح المعاني" ودوَّن فيه عصارة علمه ومقولات أهل العلم ومواضيعهم في زمنه.

وزمنه هو نفس زمن ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، وفيه انتشرت بدع القبور والاستغاثة بغير الله ودعاء سواه مما يسميه أهل العلم الشرك في العبادة، وأنكره العلماء ما بين مصرّح ومعرّض، وما بين من أنكر باليد أو باللسان أو ربما بالقلب، وفي هذا المقال أجمع فيه ما ذكره الشيخ أبو الثناء مما رآه وذكره من ذلك وموقفه منه وفي ذلك فوائد؛ منها:
معرفة قوله في ذلك وإنكاره له خاصة وأن هذا الشيخ معتمد من قِبَل أهل المذاهب؛ فقد كان شافعيًّا ثم أصبح حنفيًّا، وقوله معتمد عند أصحاب هذه المذاهب؛ بل كان هو الذي تُرجع إليه الفتوى عندهم، بل أظنه معتمدًا عند أهل التصوف والأشاعرة كما يصرحون بذلك، فلعلهم يستفيدون من أقواله ليُعلم أن أمهات مسائل توحيد العبادة مما لم تختلف فيه مذاهب أهل الإسلام.

ومن فوائد ذلك أن نعلم أنه ما زال في الأمة من ينكر هذه البدع رغم شيوعها، بل وتأييد الدولة العثمانية في فترات لها، بل وإنزال الأذى بمن ينهى عنها، لكن غلبة الجهل وتسلُّط الجهلة وارتباطهم ببعض رجالات الدولة وتهييج الدهماء يجعل بعض العلماء يكتفي بالنهي عنها كلامًا وكتابة، ويرى أن هذا هو السبيل الأقوم كما عند الشيخ أبي الثناء، وبعضهم- أعانه الله- نهى عنها بيده وبقوة دولته ومناصريه، ولكلٍّ وجهة هو موليها، ولكل حال مقال.

ومن الفوائد شهادة هذا الشيخ الجليل على حال أهل زمانه لتكون شهادته مطابقة لشهادة غيره من دعاة التوحيد والرد على من يزعم تهويل دعاة التوحيد لمنكرات ذلك الزمان أو أن الشرك لم يكن منتشرًا كما يقولون، فهذا عالم جليل يُدْلي بشهادته، وهي شهادة صادقة لا يمكن لمنصف الطعن في صحَّتِها وصِدْقِها.

يقول الشيخ في تفسير قول الله: ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 14] يقول: "وقد يقال: إنهم أشاروا بالجملة الأولى إلى توحيد الربوبية، وبالجملة الثانية إلى توحيد الألوهية وهما أمران متغايران، وعبدة الأوثان لا يقولون بهذا ويقولون بالأول ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لقمان: 25]، وحكى سبحانه عنهم أنهم يقولون: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3] وصحَّ أنهم يقولون أيضًا: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. وجاؤوا بالجملة الأولى مع أن ظاهر القصة كونهم بصدد ما تشير إليه الجملة الثانية من توحيد الألوهية؛ لأن الظاهر أن قومهم إنما أشركوا فيها وهم إنما دعوا لذلك الإشراك دلالة على كمال الإيمان، وابتدؤوا بما يشير إلى توحيد الربوبية؛ لأنه أول مراتب التوحيد، والتوحيد الذي أقرت به الأرواح في عالم الذر يوم قال لها سبحانه: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ [الأعراف: 172]، وفي ذكر ذلك أولًا وذكر الآخر بعده تدرُّج في المخالفة؛ فإن توحيد الربوبية يشير إلى توحيد الألوهية بناءً على أن اختصاص الربوبية به عز وجل علة لاختصاص الألوهية واستحقاق المعبودية به سبحانه وتعالى، وقد ألزم جل وعلا الوثنية القائلين باختصاص الربوبية بذلك في غير موضع، ولكون الجملة الأولى لكونها مشيرة إلى توحيد الربوبية مشيرة إلى توحيد الألوهية، قيل: إن في الجملة الثانية تأكيدًا لها فتأمل، ولا تعجل بالاعتراض"؛ انتهى.

ونلحظ هنا ذكره لتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتفريقه بينهما وتثبيت أن مشركي العرب أقروا بالأول دون الثاني وأن القرآن دعاهم لإثبات توحيد الألوهية واحتج عليهم بأن توحيد الربوبية يقتضي الألوهية، وهذا مما يلهج به دعاة التوحيد وينكره مخالفوهم وكأنك تلحظ في قوله: "فتأمل ولا تعجل بالاعتراض" إجابةً لمن يعترض على ذلك من معاصريه ومعاصرينا، ويجيبهم بآية أهل الكهف وقولهم: ﴿ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ﴾.

ويقول في تفسير قول الله في الزمر: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45]، يقول: "وقد رأينا كثيرًا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله تعالى بها المشركين يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم توافق هواهم واعتقادهم فيهم، ويعظمون من يحكي لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة وينسبونه إلى ما يكره، وقد قلت يومًا لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات وينادي: يا فلان أغثني، فقلت له: قل يا الله؛ فقد قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186] فغضب وبلغني أنه قال: فلان منكر على الأولياء، وسمعت عن بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عزّ وجلّ وهذا من الكفر بمكان نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان"؛ انتهى.

ونلحظ هنا شهادته بكثرة من يستغيث بغير الله في زمانه ونفرة هذه الكثرة من ذكر الله وحده، ويفضلون عليه ذكر حكايات كاذبة عمَّن يستغيثون بهم حتى بات عندهم اعتقاد أن الولي أسرع إجابةً من الله والعياذ بالله، وغضبهم على من يدعوهم إلى الله وحده ورميه بالإنكار على الأولياء، وأهم من كل ذلك حكمه على ذلك بأنه من الكفر بمكان، فدعاء غير الله كفر، فما بالك بمن يفضل دعاء غير الله على دعاء الله، وقد اشتد إنكار البعض على دعاة التوحيد وَسْمَ هذا بالكفر، فهذا علَّامة العراق الشيخ الألوسي يقول هذا من الكفر بمكان.

ويقول في تفسير قول الله في الزمر: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ﴾ [الحج: 72] الآية: "فيه إشارة إلى ذم المتصوفة الذين إذا سمعوا الآيات الرادة عليهم ظهر عليهم التجهم والبسور وهم في زماننا كثيرون، فإنا لله وإنا إليه راجعون"، وفي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا ﴾ [الحج: 73] "وفي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا ﴾ [الحج: 73] إلخ إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى؛ حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى وينذرون لهم النذور والعقلاء منهم يقولون: "إنهم وسائلنا إلى الله تعالى وإنما ننذر لله عز وجل ونجعل ثوابه للولي"، ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين: "إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى"، ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم أورد غائبهم أو نحو ذلك، والظاهر من حالهم الطلب، ويرشد إلى ذلك أنه لو قيل: أنذروا لله تعالى واجعلوا ثوابه لوالديكم فإنهم أحوج من أولئك الأولياء لم يفعلوا، ورأيت كثيرًا منهم يسجد على أعتاب حجر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعًا في قبورهم لكنهم متفاوتون فيه حسب تفاوت مراتبهم، والعلماء منهم يحصرون التصرف في القبور في أربعة أو خمسة، وإذا طولبوا بالدليل قالوا: ثبت ذلك بالكشف، قاتلهم الله تعالى! ما أجهلهم! وأكثر افترائهم! ومنهم من يزعم أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة، وعلماؤهم يقولون: إنما تظهر أرواحهم متشكلة وتطوف حيث شاءت وربما تشكلت بصورة أسد أو غزال أو نحوه، وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة، وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة في اليهود والنصارى، وكذا لأهل النحل والدهرية، نسأل الله تعالى العفو والعافية"؛ انتهى.

ونلحظ هنا أن من هؤلاء من يطلب من غير الله ما لا يُطلب إلا منه تعالى، ومنهم من يقول: "يجعل الثواب للولي" وأن الثاني أهون من الأول لكن ظاهر حالهم الطلب لا نقل الثواب، ومنهم من جعل تصريف الأمور لبعض الموتى، وأنه بسبب قصصهم الكاذبة وخرافاتهم أفسدوا على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لليهود والنصارى، فترك الناس الدين لما زوّروه منه، كما هو معلوم في نهاية دولة بني عثمان حيث انصرف الكثير من الناس عن الدين، وهذا معلوم مشاهد، فالبدع تقود للكفر وترك الدين بالكلية، وإلى الله المشتكى.

ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة يونس: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [يونس: 22]: "الآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع ولا يرى ولا يسمع؛ فمنهم من يدعو الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى فيهم أحدًا يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال، فبالله تعالى عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلًا وأي الداعيين أقوم قيلًا؟ وإلى الله تعالى المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة، وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف"؛ انتهى.

ونلحظ هنا تشابه قوله مع ما سطره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كشف الشبهات؛ إذ يقول: "إنَّ الأَوَّلِينَ لَا يُشْرِكُونَ وَلَا يَدْعُونَ المَلَائِكَةَ وَالأَوْلِيَاءَ وَالأَوْثَانَ مَعَ اللَّهِ؛ إِلَّا فِي الرَّخَاءِ، وَأَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ لِلَّهِ الدِّينَ...إنَّ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ فِي الرَّخَاء، وَأَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَلَا يَدْعُونَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ تَبَيَّنَ لَهُ الفرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْأَلَةَ فَهْمًا رَاسِخًا؟! وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ"؛ انتهى.

فمن قرأ كلام الشيخ الألوسي وكلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى تبين له أنهما يخرجان من مشكاة واحدة ويصفان حالًا واحدًا ويحكمان عليه بحكم واحد. ويصف زمانه بأنه عصفت فيه ريح الجهالة والضلالة وخرقت الشريعة مما قد يكون عذرًا لهؤلاء الجهلة، ويذكر الشيخ الألوسي ما صار إليه الجهل في ذاك الزمان في الجزيرة العربية قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بها، وهي المرة الوحيدة التي يذكر الشيخ محمد إشارة في زمن كان ذكر هذا خطيرًا؛ فالدولة العثمانية كانت في حرب معه وربما جرَّه ذكر ذلك لحتفه، يقول الشيخ في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ﴾ [الأعراف: 127]: "ولا يبعد أن يكون في الناس من يذعن بمثل هذه الخرافات ولا يعرف أنها مخالفة للبديهيات، وقد نقل لي من أثق به أن رجلين من أهل نجد قبل ظهور أمر الوهابي فيما بينهم بينما هما في مزرعة لهما إذ مر بهما طائر طويل الرجلين لم يعهدا مثله في تلك الأرض فنزل بالقرب منهما، فقال أحدهما للآخر: ما هذا؟ فقال له: لا ترفع صوتك، هذا ربنا، فقال له معتقدًا صدق ذلك الهذيان: سبحانه ما أطول كراعيه وأعظم جناحيه"؛ انتهى.

فهذا حال العوامّ في تلك الفترة، ثم يبين الشيخ أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح متعذرًا محفوفًا بأصناف الحتوف، وهذا مشابه لما حدث للشيخ محمد بن عبد الوهاب لما امتحن وأخرج من بلاده وتعرض للموت، وكم من دعاة التوحيد أوذوا وربما قتلوا، طواهم التاريخ لكن الله يعلمهم ويثيبهم من فضله، والله يجازيهم على نصحهم وجهادهم. إن زمانًا يصبح فيه النهي عن الشرك والأمر بالتوحيد يستوجب أصناف الحتوف لزمن صعب يؤتي الله من قام فيه للتوحيد الأجرَ الجزيل.

ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة النحل: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل: 20، 21]: "ما أعظمها آية في النهي على من يستغيث بغير الله تعالى من الجمادات والأموات، ويطلب منه ما لا يستطيع جلبه لنفسه أو دفعه عنها. وقال بعض أكابر السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم: إن الاستغاثة بالأولياء محظورة إلا من عارف يميز بين الحدوث والقدم فيستغيث بالولي لا من حيث نفسه؛ بل من حيث ظهور الحق فيه، فإن ذلك غير محظور لأنه استغاثة بالحق حينئذٍ، وأنا أقول إذا كان الأمر كذلك فما الداعي للعدول عن الاستغاثة بالحق من أول الأمر؟ وأيضًا إذا ساغت الاستغاثة بالولي من هذه الحيثية فلتسغ الصلاة والصوم وسائر أنواع العبادة له من تلك الحيثية أيضًا، ولعل القائل بذلك قائل بهذا. بل قد رأيت لبعضهم ما يكون هذا القول بالنسبة إليه تسبيحًا ولا يكاد يجري قلمي أو يفتح فمي بذكره، فالطريق المأمون عند كل رشيد قصر الاستغاثة والاستعانة على الله عز وجل؛ فهو سبحانه الحي القادر العالم بمصالح عباده، فإياك والانتظام في سلك الذين يرجون النفع من غيره تعالى"؛ انتهى.

ويلحظ هنا ذكره بأن هذا الشرك ارتبط بالمتصوفة، والعجيب أنه يذكر القول المنكر وينسبه لأكابر السادة الصوفية، فنلحظ في هذا ترفقه بالقول مراعاة لأهل زمانه وإعذاره لهم إما بجهل أو بتأويل، فهو رغم إنكاره الشديد لما يقولون بل يصفه في بعض المواضع أنه من الكفر بمكان، لكن يرفق بمن قاله إعذارًا أو ترفقًا أو لأمر يراه، واحتجاجه بأنه إن جاز دعاء غير الله فعلام تحرم الصلاة لغير الله أو الصوم وسائر أنواع العبادة، فكل تلك عبادات أمرنا الله أن نصرفها له وحده، فكيف أوَّلتم دعاء غير الله وأنكرتم ما سواه؟! وهذه حجة لا مهرب منها إن أبحنا دعاء غير الله، والدعاء هو العبادة، فالقياس أن نبيح صرف كل العبادات لغيره تعالى، ونتأوَّل لها ما نتأوَّله للدعاء، وهذا مما يُعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام.

ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة الأنبياء قَالَ: ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 66، 67] "﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴾ فيه إشارة إلى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة في عقله؛ ا هـ. وقال حمدون القصار: استعانة الخلق بالخلق كاستعانة المسجون بالمسجون ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، قال ابن عطاء: كان ذلك لسلامة قلب إبراهيم عليه السلام وخلوه من الالتفات إلى الأسباب وصحة توكُّله على الله تعالى؛ ولذا قال عليه السلام حين قال له جبريل عليه السلام: ألك حاجة؟ أما إليك فلا"؛ انتهى.

ونلحظ هنا استشهاده بالصوفية الأوائل الذين يعظمهم أهل زمانه بأنهم كانوا ينكرون الاستعانة بغير الله ويحتج عليهم بها. وفي هذا وفي كلامه رحمه الله ما يثبت أن توحيد الألوهية وتحريم عبادة غير الله مما لم يختلف فيه المسلمون في قرونهم الأولى وأهل العلم منهم، إنما راج ذلك على العوام وفُتنوا به.

ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة يوسف: "﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106] وقد يقال نظرًا إلى مفهوم الآية: إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلًا وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور، الناذرون لها، المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها وهم اليوم أكثر من الدود"؛ انتهى.

ونلحظ هنا تعبيره عمن يصرف العبادة لغير الله بعبدة القبور بهذا اللفظ الذي ينكره البعض على دعاة التوحيد ووصفه لهم بأنهم أكثر من الدود في زمانه، وما أجمل تشبيهه لهم بالدود!

ويقول في تفسيرة آية الوسيلة من سورة المائدة: "إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه، وقد عدَّه أناس من العلماء شركًا، وإن لا يكنه فهو قريب منه، ولا أرى أحدًا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى، وإلا لما دعاه ولا فتح فاه، وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوي الغني الفعال لما يريد، ومن وقف على سر ما رواه الطبراني في معجمه من أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال الصديق رضي الله تعالى عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فجاؤوا إليه، فقال: ((إنه لا يستغاث بي، إنما يستغاث بالله تعالى)) لم يشك في أن الاستغاثة بأصحاب القبور- الذين هم بين سعيد شغله نعيمه وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شقي ألهاه عذابه وحبسه في النيران عن إجابة مناديه والإصاخة إلى أهل ناديه- أمرٌ يجب اجتنابه ولا يليق بأرباب العقول ارتكابه، ولا يغرنك أن المستغيث بمخلوق قد تقضى حاجته وتنجح طلبته؛ فإن ذلك ابتلاء وفتنة منه عز وجل، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به، فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات هيهات! إنما هو شيطان أضلَّه وأغواه، وزين له هواه، وذلك كما يتكلم الشيطان في الأصنام ليضل عَبَدتها الطغام، وبعض الجهلة يقول: إن ذلك من تطور روح المستغاث به، أو من ظهور ملك بصورته كرامةً له، ولقد ساء ما يحكمون؛ لأن التطور والظهور وإن كانا ممكنين لكن لا في مثل هذه الصورة وعند ارتكاب هذه الجريرة، نسأل الله تعالى بأسمائه أن يعصمنا من ذلك، ونتوسل بلطفه أن يسلك بنا وبكم أحسن المسالك"؛ انتهى.

ونلحظ هنا قوله: "قد عده أناس من العلماء شركًا وإن لا يكنه فهو قريب منه" وهذا الذي كثر فيه كلام العلماء من إمكانية إعذار الناس في مثل هذا بالجهل أو التأويل وإن كان فاسدًا، وفي هذا جرى النقاش بين علَّامتي اليمن الصنعاني والشوكاني، في الحكم بشرك من يفعل ذلك، وألَّفوا في ذلك الرسائل، وبالجملة كان أهل العلم ينهون عن ذلك أشد النهي، لكنهم يتحاشون تكفير المسلمين دون إبلاغهم الرسالة، ويجعلون أمرهم على خطر عظيم، ويكتفون بذلك لما في التكفير من محاذير.

وبعد فهذه مواضع من تفسير هذا الإمام العلَّامة ناطقة بنهيه عن شرك العبادة، واصفة لحال أهل زمانه، شاهدة عليهم ساعيًا بالنهي والإنكار عن هذا المنكر الذي هو أكبر منكر في الإسلام، ونلحظ أمرين:
الأول: أن شهادته مطابقة لشهادة غيره من أهل العلم كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حذو القذة بالقذة، وقد عاشا في زمن واحد، وكلاهما ينطق من مشكاة واحدة.

والثاني: أنه وإن أنكر كل ذلك لكن سلك سبيل الإنكار والتعليم دون الإنكار باليد؛ لغلبة الجهل وقوة أهل الباطل ولحال بلده وخضوعه لدولة بني عثمان، فاختار هذا دون غيره؛ لأنه الأصلح لبلده، والأنفع لإزالة هذا المنكر دون إنكار اليد. ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.63 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]