|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع آية الكرسي عبدالعزيز أبو يوسف الخطبة الأولى الحمد لله عدد خلقه، ورِضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، وأُصلي وأُسلم على الرحمة المهداة نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فهي سبب عظيم لتنفيس الكُرَب، وتفريج الضوائق، وبسط الأرزاق، وحلول الأمن،كما قال العزيز الرحيم:﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]. عباد الله، يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]، فهذا القرآن العظيم لو أُنزِل على جبل مع غلظته وقساوته ففَهِم هذا القرآن وتدبَّر معانيه لخشع وتصدَّع من خشية الله تعالى؛ لعظمة هذا القرآن الحكيم، وعلوِّ قدره ومنزلته وبيانه، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب، وأن تتأثَّر عند سماعه، وتتدبر آياته وعبره ودلالاته؛ فقد قال جل وعلا في بيان أسباب إنزاله: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. إخوة الإيمان: نقف في هذه الخطبة وقفات يسيرة مع تدبر آية من كتاب الله عز وجل، هي أعظم آية في القرآن العظيم، وكل القرآن عظيم، فما أعظم آية في القرآن؟ سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال أُبَيَّ بنَ كعب رضي الله عنه فقال: "يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]فضرب صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر"؛ رواه مسلم، فآية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل، وقد اشتملت هذه الآية العظيمة على عشر جُمَل مستقلة، فقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ إخبار بأنه سبحانه المستحق وحده لفظ الإله، فله جميع معاني الألوهية، فلا تُصرف العبادة بأنواعها كلها إلا لله وحده؛ إذ لا معبود بحقٍّ إلا الله تعالى، وقوله سبحانه: ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ هذان الاسمان لله جل وعلا، قيل: إنهما اسمُ الله الأعظم اللذين إذا دُعي الله بهما أجاب، وإذا سُئل بهما أعطى؛ لأنهما جامعان لكمال الأوصاف، ولكمال الأفعال، فكمال الأوصاف في قوله: ﴿ الْحَيُّ ﴾، وكمال الأفعال في قوله: ﴿ الْقَيُّومُ ﴾، فالحي: هو الذي له جميع معاني الحياة الكاملة أزلًا وأبدًا، حياةٌ لم تُسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، هذه الحياة كاملة في الصفات، في السمع والبصر والعلم والقدرة وجميع صور الكمال، والقيوم: هو القائم بنفسه القائم على غيره، فهو سبحانه القائم بنفسه كما قال عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263]، فالله غني عن العالمين، لا يحتاج إلى أحد من خلقه، يُطعِم ولا يُطعَم، يَسقي ولا يُسقى، يَرزق ولا يُرزَق فلا يحتاج إلى معين، ولا إلى ناصر، وهو القائم على غيره، كما قال عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33]، فهو سبحانه القائم بجميع الموجودات، فأوجدها وأبقاها وأمدَّها بجميع ما تحتاج إليه، فجميع الموجودات مفتقرةٌ إليه، ولا قوام لها بدونه، وهو سبحانه غني عنها الغنى المطلق، ومن كمال حياته وقيُّوميته أنه تعالى: ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]، والسِّنَة: هي النعاس وهو مقدمة النوم؛ وذلك لأن السِّنَة والنوم إنما يعرضان للمخلوق الذي يعتريه الضعف والعجز، أما الحي القيوم ذو العظمة والكبرياء والجلال، فإن السِّنَة والنوم لا يعرضان له بأي حال، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، ولكن يخفض القسط ويرفعه"؛ رواه مسلم، ثم قال عز وجل: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 255] فجميع ما في السماوات وما في الأرض عبيد لله تعالى، وملك له، وتحت قهره وسلطانه، فالله سبحانه له صفات الملك والتصرُّف والسلطان والكبرياء المطلق لا يُنازع فيها جل وعلا، ثم قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وهذا من تمام ملكه وعظمته وجلاله وكبريائه أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه جل وعلا، فكل الشُّفعاء والوجهاء عبيد لله تعالى، مماليك له، لا يُقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم، حتى أعظم الناس جاهًا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام لا يشفع إلا بإذن الله، فيُشترط لقبول الشفاعة عند الله تعالى إذنه تعالى للشافع ورضاه جل وعلا عن الشافع والمشفوع له كما قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]، ثم أخبر سبحانه عن علمه الواسع المحيط بكل شيء فقال: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [البقرة: 255]، فهو سبحانه يعلم جميع الكائنات، ماضيها وحاضرها، ومستقبلها، وقوله: ﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾؛ أي: من الأمور المستقبلة، فهو سبحانه يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة التي لا نهاية لها، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾؛ أي: من الأمور الماضية، فهو سبحانه يعلم ما كان، وما يكون، وما هو كائن كيف يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فلا يحجزه زمانٌ ولا مكانٌ، فعلمه محيط بكل شيء، ثم قال جل شأنه: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]؛ أي: لا يطَّلِع أحد على شيء من علم الله تعالى إلا بما أعلمه الله عز وجل، وأطلعه عليه، قال ابن كثير رحمه الله: "المراد لا يطَّلِعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم عليه"، فنحن لا نعلم شيئًا مما يعلمه الله تعالى، حتى فيما يتعلق بأنفسنا إلا بما شاء الله تعالى أن يُعْلِمنا إيَّاه، كما أننا لا نعلم شيئًا مما يتعلق بذاته أو صفاته، إلا بما شاء جل وعلا، ثم قال سبحانه: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255] وسع؛ أي: شمل وأحاط، والكرسي: هو موضع قدمي الرب عز وجل، وهو بين يدي العرش، كالمقدمة له، كما صحَّ ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال به جمهور السلف، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما السماوات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة في فلاة من الأرض، وإن فضل الكرسي على العرش كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة"؛ رواه ابن حبان وابن أبي شيبة وصححه الألباني. أيها المباركون، هذه السماوات على سعتها وعظمتها وبديع صُنْع الله تعالى فيها، وهذه الأرضون العظيمة ما هي بالنسبة للكرسي إلا كحلقة في صحراء، أو كحبة رمل في صحراء بالنسبة للكرسي، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلات من الأرض، فسبحان الله العظيم ما أجَلَّه! وما أعظمَه وأعظم ملكه! وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة، التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب، وإذا كانت هذه عظمة مخلوق فكيف بعظمة الخالق تبارك وتعالى؟! ثم قال ربُّنا عز وجل في هذه الآية العظيمة: ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [البقرة: 255]؛ أي: لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما، وذلك لكمال عظمته وقدرته وقوته، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، وهو على كل شيء قدير، وكل ذلك سهلٌ يسير عليه، وهو سبحانه القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء، ولا يغيب عنه شيء، بل الأشياء كلها حقيرة بين يديه، متواضعةٌ ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة إليه، وهو الغني الحميد، الفعَّال لما يريد، الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وهو القاهر لكل شيء، ثم قال: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255] فهو سبحانه العليُّ، ذو العلو المطلق، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، وهو العظيم الذي لا شيء أعظم منه، فهو ذو العظمة في ذاته وسلطانه وصفاته. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:أيها المسلمون،من فضائل هذه الآية المباركة أن قراءتها قبل النوم من أسباب حفظ النائم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح"، فينبغي أن تُقرأ قبل النوم، حتى يكون المسلم في نومه عليه من الله حافظ يحفظه ويحرسه حتى يصبح، ولا يقربه شيطان؛ ولذلك ينام نومًا بعيدًا عن الإزعاجات والمنغصات بسبب حفظ الله تعالى له بقراءة هذه الآية العظيمة، كما يُستحب قراءة هذه الآية أدبار الصلوات المكتوبة، فقد جاء في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت"؛ رواه النسائي وغيره وهو حديث حسن لمجموع طرقه، وهذا يدل على أن السنة قراءة هذه الآية العظيمة، دبر كل صلاة، وقراءتها مع أذكار الصباح والمساء فهي حافظة بإذن الله من الشرور. أيها الفضلاء، ما أجمل أن نتدبر ونفهم معاني ما نقرأ من كتاب الله تعالى خاصةً تلك السور والآيات التي نكررها وقد نجهل بعض معانيها وحكمهما وأحكامها؛ ولذا فإن من تدبَّر هذه الآية العظيمة استقر في نفسه عظمة من خلقه تعالى وصوره وأمره أن يعبده ويدعوه وحده جل وعلا ولا يشرك به أحدًا، واستحى أن يعصي هذا الخالق العظيم ويخالف أمره ولو كان خاليًا، وطمع في فضله وإحسانه، فأكثر دعاءه لعلمه أنه الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وغير ذلك من المعاني التي تحدثها هذه الآية العظيمة في النفوس لمن تدبَّرها. عباد الله، صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصَّحْب والآل ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاء، اللهم وفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، ومُدهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا على القوم الظالمين، واحفظهم واشفِ مريضهم وداوِ جريحهم، وتقبَّل ميتهم في الشهداء، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، وحرم على النار أجسادنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمه يزدكم، ولذِكرُ الله أكبرُ والله يعلم ما تصنعون.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |