|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تفسير الجزء الأول من سورة الملك الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمدُ للهِ رب العالمين، وقيوم السماوات والأرضين، الإله الحق المبين، منهُ المبتدأ، وعليهِ المعتمدُ، وبه نستعين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحدهُ لا شريك له، ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65]، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الخلق أجمعين، المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيبين، وصحابتهِ الغرِّ الميامين، والتابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فإن خير الوصايا الوصيةُ بتقوى الله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]. معاشر المؤمنين الكرام: آياتُ القرآنِ العظيمِ لها قوةٌ خاصة، ولها تأثيرٌ لا يخفى، فهي تلهِمُ الأرواحَ وتنيرُ العقولَ وتحركُ القلوب.. ونحن اليومَ بين يديِّ سورةٍ مباركةٍ عظيمة، مقصِدُها الأعظمُ هو تقريرُ استحقاق الله للعبادة وحده لا شريك له، ببيان كمالِ قدرةِ اللهِ جلَّ وعلا، وإتقانهِ التَّامِّ لكلِّ ما خلق، وشمولِ علمهِ المحيطِ بكلِّ شيء، وتفردهِ سبحانهُ بالملك والتدبير، والحثِّ على تعظيم اللهِ وخشيته، والتحذيرِ من عقابه وسطوته.. كما أنَّ في طياتها دعوةً للعقولِ والأسماعِ والأبصار، كي ترتادَ آفاقَ الكون، وطِباقَ السماء، ومناكبَ الأرض، وطيورَ الفضاء، وأغوارَ النفس، ومساربَ الماء، فيروا هنا وهناك قدرةَ الله المبدعة، وحكمته البالغة، ورحمته الواسعة.. سورةٌ لها شأنٌ خاص، ومكانةٌ مميزة، تعيدُ للنفس راحتها وهدوءها.. وتشفعُ وتستغفرُ لقارئها، وقد صحَّ في فضلها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً في القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفَعت لصاحبِها حتَّى غُفِرَ لَه تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ".. ولذا تسمى المنجيةُ والمانعة.. فعلى بركة الله نشرعُ في تفسيرها: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1]. يستفتحُ اللهُ جلَّ وعلا هذه السورةَ العظيمة، بمطلعٍ جميل، وثناءٍ جليل، فيه من روعة التعبير، وبراعةِ الاستهلال ما لا يخفى من النظْم الجزيل، والتناغمِ الأصيل، وفيه يثني الله جلَّ وعلا على نفسه العلية، ويمجدها بما هو أهله فيقول: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ الله وتعالى ذاتًا، وتقدَّسَ وتعاظمَ صِفةً، وكثرُت خيراته، وعظُمت بركاته، وعمَّت فضائلهُ جميعَ مخلوقاته.. ﴿ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ كله، والسُّلطانُ كله، يتصرفُ فيه كيف يشاء بما يشاء، لا يُعجزه شيءٌ، ولا يخرجُ عن أمره ومشيئتهِ شيء، ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، لهُ مُطلقُ الأمرِ والتَّدبير، وكمالُ القُدرةِ والتَّقدير.. ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]. ﴿ الَّذِي ﴾من فيض بركته، وكمالِ مُلكهِ وقدرته، وبالغِ حكمته ﴿ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾، وقدَّرهما على كل موجودٍ ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ ويختبركم أيها العباد، ليظهرَ ﴿ أَيُّكُمْ ﴾ أشدُّ لله اخلاصًا، وللرسول متابعةً، فيكونَ بذلك ﴿ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾، وبدأ بذكر الموتِ قبل الحياة؛ لأنهُ الأسبقَ وجودًا، والأقوى في النفوس أثرًا، ولأنهُ نهايةُ الابتلاء، ومن بعده يأتي الحسابُ والجزاء.. ولئِن كان أولُ الآيةِ شديدًا على النفس، فإنَّ في آخرها طُمأنينةً وأُنسًا، تأمل: ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾، فالعزيزُ هو المنيعُ الغالبُ القاهر، الذي لا يُعجزهُ من أساء العمل، لكنه ﴿ الْغَفُورُ ﴾ التَّوابُ لمن تاب وأنابَ من أهل الزلل.. كما أنَّ في الآية ما لا يَخْفى من التَّرْغِيبِ في إصلاح النفسِ وتزكيتها، والترهيبِ من إهمالها وتهتكها.. ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [الملك:3، 4]. ﴿ الَّذِي ﴾ من كمالِ ملكهِ وقدرتهِ أيضًا ﴿ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ هائلةٍ عاليةٍ البنيان، وسوَّاها في غاية القوةِ والروعةِ والإتقان، وجعلها ﴿ طِبَاقًا ﴾ بعضُها فوق بعض، بلا أساسٍ ولا عُمدٍ ولا أركان.. فيا أيها الناظرُ إليها، تأمَّل جيدًا فيها، فهي من رحمة خالقها، خاليةٌ من الثقوب، سالمةٌ من العطوب، وليست السماوات وحدها هيَ السالمة، بل ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ ﴾ كلهِ ﴿ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ ولا عيوب.. وإن كنت غيرَ متيقنٍ، ﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ ﴾ وأنظر: ﴿ هَلْ تَرَى مِنْ ﴾ شقوقٍ أو ﴿ فُطُورٍ ﴾، هل تلحظُ صدْعًا أو خللًا أو فروجٍ.. ﴿ ثُمَّ ﴾ إن شئت فلا تتردد، ﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ ﴾ وانظر كرةً أخرى أو ﴿ كَرَّتَيْنِ ﴾، ومهما كررت النظرَ؛ فلن ترى إلا ما يُثير العقل، ويُبهر العين، وستُسلِّمُ صاغرًا و﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾، ويَؤُوبُ طرفُكَ يائسًا وهو كسير. ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الملك:5، 6]. وهنا ينوه الله تعالى بجانبٍ آخرَ من كمالِ مُلكهِ وقدرته، وبديع خلقه وبراعته، فيقول سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ﴾، فهذه السماء التي تليكم، زيناها ﴿ بِمَصَابِيحَ ﴾ مضيئة، ونجومٍ لامعة، ﴿ وَجَعَلْنَاهَا ﴾ متعةً للناظرين، وهدايةً للسائرين، وحفظًا وشِهابًا رصدًا و﴿ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾، فما يتجرأ أحدٌ منهم على استراق السمع إلا ويطاردهُ شِهابٌ مبين.. وأما في الآخرة فإنَّ جهنمَ موعدهم أجمعين، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ ﴾ فيها نارًا محرقةً و﴿ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴾.. وليست الشياطينُ هي من وعد بهذا فقط، بل ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ﴾ جميعًا ﴿ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.. ﴿ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك:7- 11]. إنه مشهدٌ حيٌّ وعجيبٌ من مشاهد يومِ القيامة، يصورُ بكل دقةٍ حالَ هؤلاء الأشقياء حين يُقذفونَ في النار قذفًا، وحالَ جهنمَ وهي تتلهَّفُ لإلقائهم فيها تلهُّفًا، فإنهم ﴿ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا ﴾ من بعيد، ﴿ سَمِعُوا لَهَا ﴾ صوتًا عاليًا يصمُّ الآذان، و﴿ شَهِيقًا ﴾ مرعبًا يزلزلُ الأركان، ورأوا ألسنةَ لهبها ﴿ وَهِيَ تَفُورُ ﴾ بهم فوران البركان، وتُظهرُ لهم من قوةِ حنقها، وشدَّةِ غيظها، قدرًا عظيمًا لا يعبرُ عنه لسان، حتى إنها ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ ﴾ وتتمزقُ ﴿ مِنَ ﴾ شدَّة ذلك الْغَيْظِ ﴾.. وحيث إنَّ جهنمَ أقسامٌ وطبقاتٍ، وشدَّة العذاب فيها أنواعٌ ودرجاتٌ، ولكلِّ قسمٍ منها ما يخصهُ من الملائكة السجَّانين، وهذه الأقسامُ المختلفة من النار، ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾ بحسب عقوبتهم، ﴿ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ السجَّانون، سؤالَ توبيخٍ وتقريع، أما جاءتكم الرسل في الدنيا بالآيات والبينات، ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ﴾ من ربكم ﴿ نَذِيرٌ ﴾ وبشير، ﴿ قَالُوا ﴾ وهم في قمة الألمِ والنَّدم: ﴿ بَلَى ﴾ وربنا ﴿ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ ﴾ يُنذرنا، ورُسولٌ يُرشدنا، ولكنَّا لبعدنا عن الحق ﴿ فَكَذَّبْنَا ﴾ به، ﴿ وَقُلْنَا ﴾ لأولئك الرسل: ﴿ مَا نَزَّلَ اللَّهُ ﴾ على بشرٍ ﴿ مِنْ شَيْءٍ ﴾، لا وحيٍّ ولا آيٍ ولا كتاب، ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴾، وكلّ ما جئتم به أوهامٌ وأساطير.. ويستمر المشهدُ الحيُّ في وصف حالِ أولئك المكذبين، فقد رجعوا إلى أنفسهم لائمين، ﴿ وَقَالُوا ﴾في حُرقةٍ مُتحسرين،﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ ﴾ سَماعَ من يقبلُ بالصدق، ﴿ أَوْ ﴾ كنا ﴿ نَعْقِلُ ﴾ عقلَ من لا يرفضُ الحقَّ، لما وصلنا إلى هذا الحالِ المرير، ولـ﴿ مَا كُنَّا ﴾ اليوم ﴿ فِي ﴾ جهنم من ﴿ لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾.. ﴿ فَاعْتَرَفُوا ﴾ بعد فواتِ الأوانِ ﴿ بِذَنْبِهِمْ ﴾) وأقروا بجرمهم، ﴿ فَسُحْقًا ﴾) وبُعدًا عن رحمة الله﴿ لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ كلهم، اعترفوا بذنبهم أم لم يعترفوا.. ﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [التوبة: 70]. ونستأنف التفسير في الخطبة الثانية بعون الله.. أقول ما تسمعون.. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده اللذين اصطفى..أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]. معاشر المؤمنين الكرام: لما ذكر اللهُ ما أعدهُ في الآخرة للمكذبين الكفار، أعقبهُ بذكر ما أعده للمؤمنين الأخيار، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾، وهم لم يروه، ويخافونَ عذابهُ وإن لم يعاينوه، ويطيعونَ الله سِرًا وعلانية، رآهم أحدٌ من الناس أم لم يرهم، أولئك لهم ﴿ مَغْفِرَةٌ ﴾ واسعةٌ لذنوبهم،﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ في الجنةِ جزاءً لإخلاصهم، والله ذو الفضل العظيم. ثم يخاطب اللهُ جميع المكلفين فيقول: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 13- 15]. ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ ﴾ كتمًا له وإخفاءً، ﴿ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ﴾)كشفًا له وإفشاءً، فكلا الحالين عند الله سواء، ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾ [الرعد: 10]، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾، مطلعٌ على كلِّ ما فيها من الخواطر والأسرار،﴿ أَلَا يَعْلَمُ ﴾ سبحانه ما تسرون وما تعلنون، وهو ﴿ مَنْ خَلَقَ ﴾ الظلام والنور، والألسنَ والصدور، ﴿ وَهُوَ اللَّطِيفُ ﴾ الذي أحاط علمًا بما خفي من بواطن الأمور وظواهرها، ﴿ الْخَبِيرُ ﴾ الذي يعلم بأدق حقائق الأشياءِ وجواهرها.. فمن لطفه ورحمته: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ﴾ طيِّعةً ليِّنةً منقادة، فتحرثونها متى شئتم للإنبات، وتسوون خلالها الشوارع والطرقات، وتشقون فيها الجداول والقنوات، وتبنون عليها الدور والمنشآت، وتدفنون فيها المخلفات والأموات، وتنقبون في باطنها عن المعادن والثروات، وغيرُها الكثير من المصالح والاحتياجات..﴿ فَامْشُوا ﴾ أيها الناسُ ﴿ فِي ﴾نواحي الأرضِ و﴿ مَنَاكِبِهَا ﴾، وتحركوا حيث شئتم من أقطارها وجوانبها، وانتفعوا بكل ما سخرهُ الله لكم من خيراتها،﴿ وَكُلُوا ﴾ من الطيبات وممَّا أخرجَ الله لكم ﴿ مِنْ رِزْقِهِ ﴾، وما أكرمكم به من واسع فضله، ثم احذروا الركون إلى متع الدنيا فإنها دار غرور، وتجنبوا الخبائثَ والمعاصي والشرور، ولا تنسوا شكر المنعم، فإنَّ إلى ربكم الرجعى،﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾.. ونكمل بإذن ما تبقى من تفسير السورة في خطبة قادمة بإذن الله.. فاقرؤوا يا عباد الله كتاب ربكم متدبرين، وتأملوا معانيه الجليلة متعظين، وقفوا عند عجائبه متفكرين، حركوا به القلوب، واعْمِلوا به العقول، ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].. ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.. اللهم صل على محمد..
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |