|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مضت من العشر ليلة الشيخ عبدالله بن محمد البصري أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ، ﴿يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [غافر: 39، 40]. أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ البَارِحَةَ دَخَلَتِ العَشرُ المُبَارَكَةُ، وَحَلَّت بِنَا لَيَالٍ عَظِيمَةٌ نَيِّرَةٌ، وَدَخَلنَا مَوسِمًا مِن مَوَاسِمِ الآخِرَةِ، وَالعَادَةُ أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ مُهتَمٍّ بِدُنيَاهُ، يَغتَنِمُ المَوَاسِمَ وَيَبحَثُ عَنِ الأَسوَاقِ وَيَتَعَنَّى إِلَيهَا، وَيَتَحَمَّلُ العَنَاءَ وَيُطِيلُ الوُقُوفَ فِيهَا؛ لِيُتَاجِرَ وَيُنَمِّيَ مَالَهُ وَيَزِيدَ في رَصِيدِهِ، فَكَيفَ بِمَوسِمٍ مِن مَوَاسِمِ الآخِرَةِ الرَّابِحَةِ، الَّتي تُعرَضُ فِيهَا بِضَاعَةُ الجَنَّةِ الغَالِيَةُ؟! أَلَيسَ هَذَا المَوسِمُ أَحَقَّ بِأَن يَغتَنِمَهُ المُؤمِنُ لِيُتَاجِرَ فِيهِ مَعَ رَبِّهِ؟! بَلَى وَاللهِ، إِنَّ المَوسِمَ الأُخرَوِيَّ لأَحَقُّ وَأَولى بِأَن يُغتَنَمَ وَيُهتَمَّ بِهِ، وَأَن يُحرَصَ عَلَى المُرَابَحَةِ فِيهِ وَالتَّزَوُّدِ مِن كُنُوزِ الآخِرَةِ، فَإِنَّهُ مَا مِن أَحَدٍ طَالَ عُمُرُهُ أَو قَصُرَ، إِلاَّ وَهُوَ مُلاقٍ رَبَّهُ وَمَاثِلٌ بَينَ يَدَيهِ، وَمُحَاسَبٌ عِندَهُ وَمُجَازًى لَدَيهِ، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7، 8]. أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لا أَحَدَ مِنَّا يَجهَلُ الغَايَةَ مِن خَلقِ اللهِ الخَلقَ وَإِيجَادِهِم، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]؛ وَلِهَذَا فَإِنَّ العَاقِلَ يَجعَلُ هَذِهِ الغَايَةَ نُصبَ عَينَيهِ وَأَمَامَ نَاظِرَيهِ، وَيَحذَرُ أَشَدَّ الحَذَرِ مِن أَن تَأخُذَ بِهِ بُنَيَّاتُ الطَّريقِ يَمِينًا وَشِمالاً وَتَبتَعِدَ بِهِ عَن غَايَتِهِ، فَيَضِلَّ ضَلالاً بعيدًا ويَخسَرَ خُسرانًا مُبِينًا. وَإِنَّ هَذِهِ الدُّنيَا الَّتي قَد نَنشَغِلُ بِهَا وَنُؤثِرُهَا عَلَى العِبَادَةِ، وَتُلهِينَا عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ وَالطَّاعَةِ، إِنَّهَا لَيسَت بِشَيءٍ إِذَا وُضِعَت بِجَنبِ الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ [غافر: 39]، فَالدُّنيَا بِطُولِهَا وتَوَالي سَنَواتِهَا وَامتِدَادِ قُرُونِهَا، لا تَعدِلُ في الآخِرَةِ إِلاَّ كَمَا يَضَعُ أَحَدُنَا أَصبُعَهُ في اليَمِّ فَلْيَنظُرْ بِمَ يَرجِعُ؟! فَيَا حَسرَةً عَلَى مَن يَعمُرُ المَتَاعَ الفَانيَ، وَيُضِيعُ النَّعِيمَ البَاقِيَ. وَأَمَّا الجَنَّةُ الَّتي هِيَ سِلعَةُ اللهِ، فَهِيَ غَالِيَةٌ غَالِيَةٌ، وَمِمَّا يَجِبُ أَلاَّ يُغفَلَ عَنهُ أَنَّهَا لا تُعطَى بَعدَ رَحمَةِ اللهِ إِلاَّ لِمَن بَذَلَ ثَمَنَهَا، وَثَمَنُهَا هُوَ العَمَلُ الصَّالِحُ، قَالَ تَعَالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 132]، وَقَالَ تَعَالى في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ: « يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا عَلَيكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ ». أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ الجَنَّةَ لا تُنَالُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّشَهِّي، وَلَكِنَّ دُخُولَها بَعدَ رَحمَةِ اللهِ مَرهُونٌ بِمَا يُقَدِّمُهُ المَرءُ مِن عَمَلٍ صَالِحٍ، وَمَن زَرَعَ اليَومَ عَمَلاً صَالحًا، وَقَدَّمَ بِرًّا وَعَمِلَ خَيرًا، حَصَدَ عَظِيمَ الأَجرِ في جَنَّةِ الخُلدِ. تِلكَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ بَعضٌ مِن حَقَائِقَ وَثَوَابِتَ، غَفَلَ عَنهَا مَن غَفَلَ، فَلَم تُجَاوِزْ هِمَّتُهُ بَطنَهُ، وَلم يَعْدُ اهتِمَامُهُ شَهوَتَهُ، وَانتَبَهَ لَهَا رِجَالٌ سَمَت نُفُوسُهُم وَعَلَت هِمَمُهُم، وَوَعَاهَا مُوَفَّقُونَ ارتَقَت أَهدَافُهُم وَبَعُدَت غَايَاتُهُم، فَهُم يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لها سَابِقُونَ. وَهَؤُلاءِ المُوَفَّقُونَ المُسَدَّدُونَ، لَيسُوا مَلائِكَةً وَلا هُم مِن عَالَمٍ آخَرَ غَيرِ عَالَمِنَا، بَل هُم أُنَاسٌ مِنَّا وَيَعِيشُونَ بَينَنَا، لَهُم نُفُوسٌ كَنُفُوسِنَا، قَد تَضعُفُ فَتَبحَثُ عَنِ السُّكُونِ وَالخُمُولِ وَالدَّعَةِ، وَقَد تُحَدِّثُهُم بِالكَسَلِ وَالقُعُودِ وَالإِخلادِ إِلى الرَّاحَةِ، لَكِنَّهُم يُخَالِفُونَ هَوَاهَا، وَيُجَاهِدُونَهَا بِاستِحضَارِهِم أَنَّ المَكَارِمَ مَنُوطَةٌ بِالمَكَارِهِ، وَأَنَّ المَصَالِحَ لا تُنَالُ إِلاَّ بِحَظٍّ مِنَ المَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَأَنَّ سِلعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، وَأَنَّ نَعِيمَ الآخِرَةِ لا يُدرَكُ بِنَعِيمِ الدُّنيا، وَأَنهُ لا فَرحَةَ لِمَن لا هَمَّ لَهُ، وَلا لَذَّةَ لِمَن لا صَبرَ لَهُ، وَلا نَعِيمَ لِمَن لا شَقَاءَ لَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ أَهلُ النَّعِيمِ المُقِيمِ فَهُوَ صَبرُ سَاعَةٍ في طاعةٍ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: « حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ »؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. أَلا فَاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وَاجعَلُوا هَمَّكُم هُوَ آخِرَتَكُم، فَإِنَّ مَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لها سَعيَها وَهُو مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَشكُورًا، وَمَن كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَملَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلبِهِ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَن كَانَت نِيَّتُهُ الدُّنيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيهِ ضَيعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]. الخطبة الثانية أَمَّا بَعدُ:فَيَا أَصحَابَ الهِمَمِ العَالِيَة، وَيَا طُلاَّبَ الجَنَّةِ الغَالِيَةِ، هَا أَنتُم أُولاءِ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، وَقَد مُدَّ في أَعمَارِكُم حَتَّى أَدرَكتُم مِنهَا لَيلَةً، قَد تَكُونُ هِيَ لَيلَةَ القَدرِ، الَّتي عَمَلٌ فِيهَا خَيٌر مِن عَمَلٍ في ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً لِمَن تَقَبَّلَ اللهُ مِنهُ. أَلا فأَينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَفعَالِهِم وَأَقوَالِهِم: رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ؟! أَينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِم لم يَخِرُّوا عَلَيهَا صُمًّا وَعُميَانًا؟! أَينَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لها سَابِقُونَ؟! إِنَّ أَبوَابَ الخَيرِ تُفتَحُ مَا بَينَ حِينٍ وَحِينٍ، وَفُرَصَ العَودَةِ إِلى اللهِ تُتَاحُ لِلتَّائِبِينَ، وَالعِبَادَةَ جَنَّةٌ دَانِيَةٌ ظِلالُها، فَأَرُوا اللهَ مِن أَنفُسِكُم خَيرًا، مَن كانَ مُحسِنًا فَلْيَزدَدْ، وَمَن كَان مُسِيئًا فَلْيَستَعتِبْ، إِلى اللهِ مَرجِعُكُم جَميعًا فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ، وَسَابِقُوا إِلى جَنَّةٍ عَرضُها الأَرضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَنَافِسُوا في كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَرفَعُكُم عِندَ اللهِ دَرَجَاتٍ، اِحفَظُوا صِيَامَكُم، وَأَطِيلُوا قِيَامَكُم، وَاطمَئِنُّوا في صَلاتِكُم، وَاخشَعُوا في رُكُوعِكُم وَمُدُّوا سُجُودَكُم، وَكَرِّرُوا الدُّعَاءَ وَأَحسِنُوا الرَّجَاءَ، وَالهَجُوا باِلذِّكرِ وَتِلاوَةِ القُرآنِ، وَابذُلُوا مِن أَموَالِكُم وَتَخَيَّرُوا مِنهَا مَا تُحِبُّونَهُ، فَكَم مِن مُسلِمٍ دَخَلَ الجَنَّةَ بِصَومِ يَومٍ أَو صَدَقَةٍ، وَآخَرَ نَجَا مِنَ النَّارِ بِرَكعَةٍ في جَوفِ اللَّيلِ، وَثَالِثٍ ارتَفَعَ عِندَ اللهِ دَرَجَةً بِدَعوَةٍ صَادِقَةٍ، وَلا تَدرِي نَفسٌ مَا العَمَلُ الَّذِي سَيَرفَعُهَا أَو يَنفَعُها، فَأَرُوا اللهَ مِن أَنفُسِكُم خَيرًا وَضَاعِفُوا جُهدَكُم، فَقَد كَانَ إِمَامُكُم وَقُدوَتُكُم عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَخلِطُ العِشرِينَ الأُولى مِن رَمَضَانَ بِصَلاةٍ وَنَومٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ العَشرُ شَدَّ المِئزَرَ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ، يَفعَلُ هَذَا وَهُوَ الَّذِي قَد غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا أَحرَانَا أَن نَفعَلَ كَمَا فَعَلَ وَأَن نَقتَدِيَ بِهِ، إِذْ نَحنُ الضُّعَفَاءُ المُقَصِّرُونَ المُذنِبُونَ، المُحتَاجُونَ إِلى رَحمَةِ الغَنيِّ الحَمِيدِ سُبحَانَهُ، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر: 15 - 18]. هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |