|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() معالم وهدايات بعد الأيام المعدودات (1) كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري فرمضان كالموجة العذبة التي تغمر القلب، تغسله من أدرانه، وتفيض عليه أنوار الطاعة، ولكن ماذا بعد أن تنحسر هذه الموجة وينقضي شهر النفحات والبركات؟ هل يعود القلب إلى جفافه القديم؟ هل سيظل المرء بعد رمضان كما كان قبله أم هل يبقى أثر العمل والقرب، ويعظم الزاد الإيماني ويفيض فيكمل العبد سيره إلى الله على صراط مستقيم؟ إن من دلائل قبول الطاعة أن تتبعها طاعة، كما قال بعض السلف: "إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها" والحسنات تدل على أخواتها، وكذا السيئات. عن عروة بن الزبير -رحمه الله- قال: "إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا، وَإِذَا رَأَيْته يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا" (المصنف لابن أبي شيبة). فالسعيد مَن جعل رمضان نقطة انطلاق ومحطة تزود، والمحروم من جعله محطة عبور عابرة، لا تترك أثرًا في مسيرته وليخش على نفسه أن يكون ممَّن خاب وخسر وإلا لوجد أثر الفوز والتوفيق فيما بعد الشهر. رمضان كان مدرسة كبرى، تأخذ بيد القلب، فتعلمه المراقبة، وتغرس فيه التقوى، وتُلقنه الصبر، وتدربه على التوكل، وتذيقه لذة الذكر والقيام والتلاوة؛ فمن كان عاقلًا لم يفرّط في هذه الدروس، ولا يضيع هذه المنح، ولا يسمح لرياح الفتور أن تقتلع هذه البذور التي ألقيت في قلبه بمجرد أن انقضى الشهر. الاختبار الأول بعد رمضان: يوم العيد: يظن بعض الناس أن أول اختبار للاستقامة يأتي بعد رمضان بأيام أو أسابيع، لكن الحقيقة أن أول معالم القبول وأول اختبار للثبات يبدأ من يوم العيد ذاته! إن يوم العيد في الشرع ليس يوم انفلات، ولا ينبغي أن يهدم المسلم ما بُني في نفسه خلال رمضان، بل العيد هو اختبار التخرج من مدرسة الشهر الكريم. فهل يخرج العبد منه بثبات على الطاعة، أم يكون كمن نقض غزله من بعد قوة أنكاثًا؟ يوم العيد هو اليوم الذي يفرح فيه المؤمن بطاعة الله، وتكتمل فرحته بعنايته بآداب العيد وسننه، واقتدائه بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، فلا يجعله يوم تساهل وفتور، بل يشغله بالخير. نعم هو يوم توسعة وترويح واستجمام، لكنه أيضًا يوم ذكر وشكر وصلة أرحام، وقد كان سلف الأمة يرون العيد موسمًا آخر من مواسم الطاعة، يتجلى فيه شكر النعمة، ودوام العبودية، وحمد الله على توفيقه للصيام والقيام. ولذلك ينبغي للمسلم أن يتعرف على حِكَم العيد وشعائره؛ حتى لا يقع في فخاخ الفتن فيه، أو يضيع أثر رمضان الطيب بيديه. فالعيد عبادة كما كان رمضان عبادة، وإذا كان الصيام لله، فإن الفرح بالعيد لله أيضًا، فيكون الفرح مقيدًا بالآداب الإسلامية، مفعمًا بالذكر والتكبير والتواصل وصلة الرحم، وليس انفلاتًا في اللهو المحرم والغفلة. العبودية لا تنقطع حتى اليقين: إن الله الذي عبدناه في رمضان، هو رب الشهور كلها، فلا ينبغي أن يكون لله في رمضان حق، ثم نضيعه بعده! قال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 99)، واليقين هنا هو الموت، أي: أن العبادة لا تتوقف حتى نلقى الله. وإنما المواسم الفاضلة فرصة لترميم النفوس وإصلاح ما فسد وتعويض التقصير واغتنام الأجور والنفحات، وليست وقت التعبد وما سواها تفلت وتفريط. إذا كان رمضان قد ذهب، فماذا عن الصلاة؟ ماذا عن القرآن؟ ماذا عن قيام الليل؟ ماذا عن الصيام بعده؟ أمِن الوفاء أن تُهجر هذه الطاعات وكأنها لم تكن، وكأن لم تستشعر جمالها ولم تتذوق حلاوتها، ولم تندم على تقصيرك فيها وحرمانك من ملازمتها طوال العام؟ عقليات ونفسيات "رمضانية": الأمة اليوم بحاجة إلى أناسٍ يعيشون بروح رمضان طوال العام، لا أقصد أنهم لا يأكلون في النهار أو يكثرون من السهر بالليل، ولكن أقصد أن تكون قلوبهم عامرة بالقرآن، أن تحافظ جوارحهم على المراقبة، أن تتنافس في أعمال البر، أن تكون نفوسهم مملوءة بالإحسان أن تكون يتواصوا بالخير كما كانت في رمضان. نحتاج إلى شخصيات تسير بين الناس وهي تحمل في قلوبها أنوار رمضان، تحفظ ألسنتها كما حفظتها في الشهر الكريم، تتعامل بالإحسان كما كانت تفعل حين كانت صائمة، تُقبل على الطاعة بحب لا برتابة، تتذكر دائمًا أن الهدف ليس رمضان، بل الجنة! وإذا كان كثير منا يقر بضرورة هذه المعاني، فيلزم أن نذكر بوسائل عملية لتحقيق الاستقامة بعد رمضان، وهذا ما سنتناوله في المقال القادم -بإذن الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() معالم وهدايات بعد الأيام المعدودات (2) كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري فمِن الوسائل العملية لتحقيق الاستقامة بعد رمضان: 1- الانشغال بالعلم وملازمة العلماء: الطاعة بلا علم قد تضعف، والإيمان بلا بصيرة قد يُسرق؛ لذلك كان لا بد من أن يجعل الإنسان لنفسه برنامجًا علميًّا مستمرًا، ينهل فيه من العلم الشرعي، ويتدرج في فهم دينه، تحت إشراف شيخ راسخ أو طالب علم بصير بمنهج التعلم. فالصحبة العلمية تعين على الثبات، وكم من رجل ثبت على الطاعة بسبب مجالسته للعلماء ومحبته لكتب السلف! وطلب العلم النافع من أعظم أسباب الثبات، وتحصيل التقوى، وخشية الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر: 28). 2- الصحبة الصالحة والاستمرار في بيئة إيمانية: كان الناس في رمضان يجتمعون في المساجد، يتلون القرآن، يصلّون التراويح، ويتواصون بالخير، وتتلاقى الصحبة الصالحة في مجالس الذكر والقيام والإفطار، لكن بعد رمضان تتفرق الجموع، وينشغل كل إنسان بحياته، فمن أراد الثبات، فعليه أن يحافظ على الصحبة الصالحة، لا يبتعد عن أهل الخير، بل يحرص على المجالس الإيمانية، يشارك في حلقات العلم، ويجعل لنفسه رابطًا مع الصالحين حتى لا يفتر قلبه. قال -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28). 3- المواظبة على الطاعات ولو بالقليل: القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، فلو لم يستطع الإنسان أن يقوم الليل كله، فليصلِّ ركعتين، وإن لم يستطع أن يصوم أسبوعيًّا، فليحرص على ثلاثة أيام من كل شهر، وإن لم يكن يقرأ جزءًا يوميًّا، فليقرأ صفحة، المهم أن تستمر الطاعة؛ لأن التوقف عنها هو بداية التراجع، وفي الصحيح: قالت عائشة -رضي الله عنها- لما سُئِلت عن عمله -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً" (متفق عليه). 4- الانشغال بأعمال الخير والإصلاح: من وسائل الثبات أن يكون الإنسان مشغولًا بعمل نافع، فكما كان في رمضان ينفق ويساعد المحتاجين، ويتلو قدرًا من القرآن الكريم، ويواظب على الدعاء، ويسعى في تفطير الصائمين وقضاء حوائج المحتاجين، فليجعل له بعد رمضان نصيبًا من ذلك، فالمؤمن أينما وُجد كان مفتاحًا للخير، فلا ينبغي أن يكون الخير محصورًا في زمن دون آخر، ولو ترك الإنسان نفسه للفراغ غُبن وفُتن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري)، وقد كان هذا حال السلف وأهل العلم والصالحين. 5- مدافعة الفتن وحراسة القلب: القلب سريع التغير والتقلب، والشيطان لن يتركك بعد رمضان، بل سيحاول جاهدًا أن يجرّك إلى عاداتك القديمة، لذلك كن حارسًا على قلبك، لا تفتح له أبواب الفتور، ولا تكن طويل الغفلة، واحرص على أن تُشغل نفسك بما ينفعك؛ حتى لا يشغلك الشيطان بما يضرك. ومن أهم ما يعين على الثبات: أن يكون العبد متنقلًا بين الطاعات، فلا يكثر طاعة واحدة ويلازمها دون غيرها فيمل القلب، ولا يترك وقته فارغًا فيزل؛ فإذا وجد نفسه فاترًا في القيام، انتقل إلى الذكر، وإن وجد قلبه بعيدًا عن القرآن، اتجه إلى الصيام، وإن شعر بالفتور في صلاة الليل، انشغل بالدعوة، فيقطف من كل بستان زهرة ومن كل شجرة ثمرة، فلا يمل مع المحافظة على الفروض إن فتر، وبذلك يكون قلبه راشدًا، يعمل عمل الراشدين، موفقًا مهديًّا على السداد، وصامدًا أمام أمواج الفتن والشهوات. اثبت.. فالطريق لم ينتهِ بعد: رمضان كان فرصة عظيمة، ولكن لا يكن حالك كمن زرع بذرًا، وسقاه، حتى بدأ ينبت، ثم تركه دون رعاية، فجفّ ومات! لا تكن كمن بنى بيتًا، ثم هدمه بيده بعد أن كاد يكتمل! قيل للإمام أحمد: "متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: إذا وضع قدمه في الجنة". وقال الشافعي: "لا ينبغي للرجل ذي المروءة أن يجد طعم الراحة، فإنما هو في هذه الحياة الدنيا في نَصَبٍ حتى يلقى الله". وقال -تعالى-: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) (النحل:92)، فالحذر من أن نقع في هذه الصفة المذمومة، وننقض ما غزلناه من طاعات، ونهدم ما بنيناه في المواسم المباركة. ومَن استقام بعد رمضان حقيق بأن يفرح حينئذٍ الصائم عند لقاء ربه بحصوله على أجره، وحفاظه على تعبه وسهره، كما فرح عند يوم فطره. اللهم يا مقلب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك، واصرفها إلى طاعتك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |