أبو مسلم الخراساني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5013 - عددالزوار : 2141657 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4594 - عددالزوار : 1421494 )           »          إزدواجية الملتزم بين أخلاق الإسلام وغواية الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          غـزوة مؤتـة: بداية الفتح الإسلامي وإنهيار دولة الرومان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          إصدارات لتصحيح المسار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 914 )           »          السنة كالقرآن في الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          شـهر رمضـان- أمامك موسم من مواسم الآخرة فاستعد لعمارته بالأعمال الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 8783 )           »          تفسير آيات الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 40 )           »          لا تحاســدوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 02-09-2025, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,942
الدولة : Egypt
افتراضي أبو مسلم الخراساني

أبو مسلم الخراساني


الأستاذ محمد زاهد أبوغدة



حدث في الخامس والعشرين من شعبان 137

في الخامس والعشرين من شعبان من سنة 137 أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بقتل أبي مسلم الخراساني، عبد الرحمن بن مسلم، أحد القائمين بالدعوة للخلافة العباسية، وأهم من قاموا بنصرتها وتأييدها، وجاء قتل أبي مسلم بعد 8 أشهر من تولي المنصور الخلافة.

وتكاد حياة أبي مسلم الخراساني تكون مواكبة لمسيرة الدعوة العباسية في نجاحها بانتزاع الخلافة من الأمويين، وكما هي الحال في أخبار كثير من كبريات الشخصيات التاريخية، فإن الروايات تتعدد وتتباين حول أسرته ونشأته، ولعل أقربها للصحة أن والده كان يملك عدة أراض قريباً من مرو، في جنوبي تركمنستان اليوم، وكان في بعض الأحيان يجلب إلى الكوفة مواشي، فاشترى منها مرة جارية، وطُلب في مستحق له على الخراج، فهرب إلى أذربيجان، فاجتاز بأراض يسكنها أمير عربي هو عيسى بن معقل العجلي، فترك الجارية عنده، فأدركته المنية هناك، وكانت الجارية قد حملت منه، وفي حدود سنة 100 وضعت الجارية وليدها أبا مسلم في رستاق عيسى العجلي، وهو جد الأمير أبي دلف العجلي المشهور بالمروءة والكرم والشجاعة.

ونشأ أبو مسلم في رعاية عيسى بن معقل، فلما ترعرع أرسله مع ولده إلى المكتب، فخرج أديباً لبيباً يشار إليه في صغره، ثم إن أمير العراقين خالد بن عبد الله القسري أمر بحمل عيسى بن معقل وأخيه إدريس إليه في الكوفة بسبب مستحقات عليهما لديوان الخراج، ثم أمر بسجنهما، فقام أبو مسلم برعاية أملاكهما، ولحق بهما في الكوفة، حيث نزل في بني عجل، وكان يتردد إلى السجن ويتعهد عيسى وإدريس فيه.

وكان دعاة العباسيين ونقباؤهم يطوفون الأمصار يلتمسون من يؤيدهم وينصرهم، ولقيت دعوتهم قبولاً وانتشاراً في خراسان ثم العراق، وهي قائمة على أن خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون من أهل بيته، وأنه بعد مقتل الحسين انتقلت الإمامة لأخيه محمد بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية، ويخالفهم في هذا الشيعة الإمامية فيقولون: انتقلت إلى علي بن الحسين زين العابدين، ثم بنيه واحداً بعد واحد إلى المهدي المنتظر؛ القائم بأمر الله محمد بن الحسن.

أما العباسيون فيقولون: إن محمد بن الحنفية أوصى بها إلى ابنه عبد الله، وأن عبد الله قصد دمشق وافداً على هشام بن عبد الملك في سنة 98، فرأى من فصاحته ورياسته وعلمه ما دفعه إلى أن يقتله بالسم، فأدركه الموت وهو راجع إلى المدينة، فعدل إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في الحُميمة، قرب الشوبك اليوم في الأردن، فأوصى إليه إذ لم يكن له عقِب، وكان في صحبته جماعة من الشيعة فسلمهم إليه وأوصاه فيهم، ويؤيد العباسيون أحقيتهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ لعبد الله بن العباس أن يكون والد ملوك المسلمين، ويزعمون أن العباس أتاه بابنه عبد الله بعد ولادته فدعا له وقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. ثم دفعه إلى أبيه وقال له: خذ إليك أبا الأملاك.

وجرى تعديل على هذه العقيدة في زمن الخليفة المهدي الذي استند على قاعدة أن أولى الذكور بالرسول من من بني هاشم هو عمه العباس بن عبد المطلب، وقال: إن الإمامة كانت للعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أولى الناس به وأقربهم إليه، ثم من بعده عبد الله بن العباس، ثم بعده علي بن عبد الله، ثم من بعده محمد بن علي، ثم من بعده إبراهيم بن محمد، ثم أبي العباس السفاح، ثم أبي جعفر المنصور، ثم المهدي، ثم مدَّها في ولد المهدي.

ولما صارت الخلافة عتد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، شرع في بث الدعاة سراً، وبعد وفاته سنة 126 قام بها ابنه إبراهيم الإمام، وأكثر من إرسال الدعاة إلى الأطراف، خصوصاً إلى خراسان، حيث لقيت دعوتهم إقبالاً واسع النطاق، وصارت معقد آمالهم في قيام دولتهم المرتقبة.

ذلك إن الدعوة العباسية أدركت أن الحجاز وأهله قليلون لا تقوم عليهم دولة، وأما شيعتهم الكثر من أهل الكوفة والبصرة فكانوا لا يثقون بهم بعد ما جرى منهم من الخذلان على أمير المؤمنين علي وابنيه الحسن والحسين، رضوان الله عليهم أجمعين، وأما أهل الشام ومصر فكانوا مع بني أمية ظاهراً وباطناً، فلم يبق للعباسيين من يتوسمون فيه النصرة من أهل الأمصار إلا أهل خراسان، وسنورد بعد قليل نظرة العباسيين إلى جميع هؤلاء.

وفي نحو سنة 118 جاء الكوفة جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب مع بعض من شيعة خراسان، فدخلوا على العجليين السجن مسلمين، فصادفوا أبا مسلم عندهم، فأعجبهم عقله ومعرفته وكلامه وأدبه، ومال هو إليهم، فكشفوا له حقيقة أمرهم وأنهم دعاة إلى إعادة الخلافة لورثتها الشرعيين؛ أبناء عم الرسول العباس بن عبد المطلب.

وهرب عيسى وإدريس من السجن، ولم يعد لهم بأبي مسلم حاجة إذ كان وجوده في مكان يدل عليهم، فتحول أبو مسلم من دور بني عجل وسكن مع النقباء، ثم خرج معهم إلى مكة المكرمة، حيث التقى هناك بالإمام الجديد إبراهيم بن محمد الذي تولى الإمامة بعد وفاة أبيه، وقدم النقباء للإمام الجديد ما جمعوه من التبرعات: 20.000 دينار و200.000 درهم، وقدموا إليه العضو الجديد أبا مسلم، فأعجب به وبمنطقه وعقله وأدبه، وقال لهم: هذا عُضْلة من العُضَل. أي داهية من الدواهي، وأقام أبو مسلم عند الإمام إبراهيم يخدمه حضراً وسفراً.

وكانت خراسان من أولى الولايات التي ظهرت فيها بوادر التمرد العباسي، فقد خرج فيها سنة 117 مالك بن الهيثم الخزاعي وسليمان بن كثير الخزاعي ومعهم عدة من زعماء القبائل العربية المستوطنة هناك، فأفشل التمرد أسد بن عبد الله القسري، وقبض عليهم، ولكنه أطلقهم لضعف الدولة وتفلت أمورها، فتابعوا نشاطهم، وكان للإمام العباسي 12 نقيبا في خراسان، 7 من العرب و5 من الموالي، وكان أكبر دعاة بني العباس في خراسان: أبو سلمة الخلال، حفص بن سليمان الهمداني، مولي السَّبيع، وكان أقدم في الدعوة من أبي مسلم، وأول من أشخصه إبراهيم الإمام بالكتب إلى نقباء خراسان، كان يُعرف بوزير آل محمد، وهو أول من سُمي باسم الوزير في الإسلام.

واحتاج إبراهيم إلى رجل يثق بكتمانه ورجاحة عقله ليكون صلة الوصل بينه وبين خراسان، فوقع اختياره على أبي مسلم الخراساني، وقال: إني قد جربت هذا الأصبهاني، وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض! فأرسله إلى خراسان وجعله بمثابة الممثل الشخصي له، وأمر من هناك بالسمع والطاعة له، فكان أبو مسلم يختلف ما بين الحميمة وخراسان، ونظراً لشخصيته وكون عائلته من تلك الأصقاع، سرعان ما أصبح أبو مسلم الرجل القوي والمدير الفعلي للدعوة العباسية في خراسان، وما لبث أبو مسلم أن أعلن تمرده علانية في آواخر سنة 129 في مدينة مرو التي منها أصله.

ففي الخامس والعشرين من رمضان من هذه السنة، عقد أبو مسلم اللواء الذي بعثه إليه الإمام، ويدعى الظل، على رمح طوله أربعة عشر ذراعا، وعقد الراية التي بعث بها الإمام أيضا، وتدعى السحاب، على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعا، وهما سوداوان، وهو يتلو قوله تعالى في سورة الحج?أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ?، ولبس أبو مسلم وسليمان بن كثير وأتباعهم السواد، وصار شعارهم، وأوقدوا في هذه الليلة نارا عظيمة يدعون بها أهل تلك النواحي، وكانت علامة بينهم فتجمعوا.

ومعنى تسمية إحدى الرايتين بالسحاب أن السحاب كما يطبق جميع الأرض كذلك بنو العباس تطبق دعوتهم أهل الأرض، ومعنى تسمية الاخرى بالظل أن الأرض كما أنها لا تخلو من الظل فكذلك بنو العباس لا تخلو الأرض من قائم منهم.

وكان والي خراسان الأموي يومئذ نصر بن سيار الليثي يخوض حرباً دامت قرابة سنة مع الخوارج الحرورية الذين قادهم شيبان بن مسلمة السدوسي، وتغلبوا على سَرْخَس وطوس، في شمالي شرقي إيران اليوم، ولم تكن تلك سوى إحدى متاعبه، فقد كان نصر على فضله رجلاً فيه عصبية لقومه، فقدمهم على الناس، فثارت العصبية في عرب تلك الديار وتحزبوا؛ أهل اليمن من ربيعة مع أبي مسلم، وأهل نجد والحجاز من مضر مع الأمويين، فزاد أمر نصر بن سيار ضِغثاً على إبالة، فكتب إلى الخليفة الأموي مروان بن محمد في دمشق يطلب منه العون، ولكن مروان لم يمده بما يريد فقد كان مشغولاً عنه بالخوارج الذين انتهزوا كذلك وهن الدولة الأموية، فخرجوا عليها في الجزيرة الفراتية، فكتب له الأبيات المشهورة:

أرى خَلَل الرماد وَميض جمر ... ويوشك أن يكون لها ضِرام

فإن النار بالزندين تُورى ... وإن الحرب أولها كلام

لئن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثثٌ وهام

أقول من التعجب ليت شعري ... أأيقاظٌ أمية أم نيام

فإن كانوا لحينهم نياماً ... فقل قوموا فقد حان القيام

ونقف هنا لنتحدث عن الدعوة العباسية فنقول إن من ثمرات هذه الحركة تقدم العنصر غير العربي، وبخاصة الفرس، واحتلاله المناصب المفصلية فيها ثم في الدولة العباسية، ولذلك أسباب أهمها أن أهل البيت من علويين وعباسيين كانوا ساخطين على العرب لأنهم شهدوا ما يفعله بهم الأمويين من تنكيل وظلم وتشريد ولم ينصروهم على هؤلاء المغتصبين، بل كانوا لهم أعواناً بما كان الأمويون يبذلون لهم من العطايا السخية.

ومن ناحية أخرى فتح المسلمون فارس وهي أرض حضارة عريقة فخورة، وكان العرب كذلك، فيهم الاعتداد بأنفسهم والفخر بأنسابهم عريقاً منذ أيام الجاهلية، وبعد الإسلام كانوا يرون أنفسهم أجدر بالرياسة وأولى بالشرف، لأنهم الذين أقاموا الملك ونشروا الدين، وكانت دولة الأمويين عربية، وقليل من غير العرب من استطاع أن يصل فيها إلى المناصب العليا، فسخط الفرس من أجل ذلك على العرب وعلى الدولة الأموية، واستعان بهم الثائرون على الأمويين مرة تلو الأخرى، وعلى سبيل المثال كان الموالي أغلب جيش المختار بن أبي عبيد الذي كان أول من طلب ثأر الحسين بن علي.

وهكذا كان العلويون والعباسيون يلتقون مع الفرس في كراهة الأمويين، وهو أحد الأسباب التي جمعت بين التشيع والفرس منذ أمد بعيد، فلما جاءت الدعوة العباسية رآها الفرس فرصتهم لينتصفوا من الأمويين ويأخذوا مكانهم المناسب في قيادة الأمة الإسلامية، فأخلصوا لها وتفانوا في إقامتها، وكانت مشاعرهم حيالها خليطاً من الدين والعصبية الفارسية، ولذا قال البيروني عن الدولة العباسية: دولة خراسانية شرقية.

ويميل بعض المحللين إلى جعل حركة أبي مسلم الخراساني حركة إحياء مجوسية، وهذا غير صحيح فأبو مسلم كان فارسيا مسلماًً وأسلم بمساعيه كثير من دهاقين الفرس، ومنهم المتنبيء الفارسي به آفريد، والذي أراد بعد إسلامه إحياء الزردشتية ودعا إليها، فقتله أبو مسلم، وكان أهل خراسان يسمون الرماح التي خرجوا بها لنصرة العباسيين: كافركوب، أي مضارب الكفار، فكانوا يرون خروجهم انتصاراً للإيمان على الكفر، وقد كان من نتائج الحركة العباسية وقيام دولتها أن نال العنصر الفارسي نصيبه في الدولة، ثم تمكن فيها واختلط بالعرب ثقافة وديناً وتزاوجاً، ولذا صارت خراسان مصدر عدد لا يحصى من العلماء والأدباء الذين قامت عليهم حضارة الإسلام في تلك الحقبة الذهبية.

ويظهر يأس العباسيين من العرب في وصية محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أول من آلت إليه قيادة الدعوة السرية من العباسيين، حين وجه دعاته إلى الأمصار، قال لهم: أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف تقول: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل، وأما الجزيرة الفراتية فحَرورية مارقة وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق نصارى، وأما أهل الشام فليسوا يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، وعداوة راسخة وجهل متراكم، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم يتوزعها الدغل، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحي وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة، وبعد فإني أتفاءل إلى المشرق، والى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق.

وقفَّى على هذه الوصية إبراهيم بن محمد بن علي حين قال لأبي مسلم الخراساني حين أمّره على خراسان: يا عبد الرحمن، إنك رجل منا أهل البيت فاحفظ وصيتي، وانظر هذا الحي من ربيعة فاتهمهم في أمرهم، وانظر هذا الحي من مضر فإنهم العدو القريب الدار، فاقتل من شككت فيه، ومن كان في أمره شبهة، ومن وقع في نفسك منه شئ؛ وإن استطعت ألا تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل، فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله!

وبهذه الفتوى الجائرة من إبراهيم الإمام لم يكن من الغريب أن يجعل أبو مسلم هدفه استئصال العرب في مناطق نفوذه، فقد كانوا هم الأمراء ويدينون بالولاء للأمويين الذين عينوهم، وكان بذلك يجتذب تأييد غير العرب بل وحتى العرب من اليمانية الذين لم يكن لهم في الحكم كبير نصيب عند الأمويين، وحاول الأمير نصر بن سيار انتشال العرب من الفرقة والتحزب، وكتب إلى علي بن الكرماني: إن الحرب كانت بيننا على الحمية، وقد كانت لبعضنا على بعض فيها بقية ترجع إلى ألفة العرب، وقد نجم بين أظهرنا من همته استئصالنا جميعا، قد بلغك ما أوقع هؤلاء القوم بنسا وطالقان ومرو الروذ وآمُل، وقلة إبقائهم على حرمة العرب، فهلم فلتجتمع أيدينا عليهم فإذا حصدناهم عاودنا ما كنا فيه، أو حكمناك فأنفذنا حكمك، ورضينا بذلك.

وعلم أبو مسلم بهذه المحاولة فكتب إلى ابن الكرماني يخدعه ويقول: أنا معك. وانخدع ابن الكرماني وانحاز إليه فقاتلوا نصر بن سيار، وأراد نصر أن يشق معسكر أبي مسلم فكتب إليه: إني أبايعك، وأنا أحق بك من ابن الكرماني. وزاد هذا من قوة أبي مسلم المعنوية بين الناس، وكثر جيشه، وهرب نصر بن سيار، ومات في طريقه إلى العراق في أول سنة 131، وكانت ولايته بخراسان عشر سنين. وبعث أبو مسلم جيشاً إلى سرخس استطاع هزيمة شيبان الحروري وقتله.

وكانت الدعوة العباسية قائمة على السرية المطلقة، ولم يكن أغلب أنصارها يعلمون من هو زعيمها وإمامها، بل كانوا حين يعطون البيعة يبايعون رجلاً من آل البيت لا يعرفون هويته، ولكن الخليفة الأموي مروان أتي في سنة 132 بكتاب من إبراهيم الإمام لأبي مسلم الخراساني يوبخه فيه حيث لم ينتهز الفرصة التي أمكنته من نصر، ويعاتبه على تأخره في القضاء عليه، فانكشف أمر الإمام إبراهيم بن محمد، وأرسل مروان من قبض عليه في أراضيه بالحُميمة، وأحضره إلى حرَان حيث قتله، وكان عمره 51 سنة، ولكن إبراهيم بن محمد كان قبل مغادرته الحميمة قد أوصى بالأمر لأخيه عبد الله، المعروف بأبي العباس السفاح، وأمر العباسيين بالمسير إلى الكوفة حيث أنزلهم أبو سلمة الخلال وكتم أمرهم.

ويجدر أن نذكر أن الوليد بن عبد الملك بن مروان أخرج علي بن عبد الله بن العباس من دمشق وأنزله الحميمة في سنة 95، ولم يزل أولاده بها إلى أن زالت دولة بني أمية، وولد له بها نيفٌ وعشرون ولداً ذكراً، ونذكر كذلك أن السفاح لُقب بذلك لأنه في أول خطبة له في الكوفة قال: أنا السفاح المبيح، والثائر المبير.

وفي أول سنة 132 وثب أبو مسلم على والي نيسابور فقتله، وقعد في الديوان وسُلِّم عليه بالإمرة، وصلى وخطب ودعا لأبي العباس السفاح أول خليفة عباسي، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وصفت له خراسان، وانقطعت عنها ولاية بني أمية، ولم يمض شهر ونيف حتى ظهر أبو العباس السفاح بالكوفة وبويع بالخلافة.

وبأمر الإمام الذي سبق كان أبو مسلم لا يتردد في سفك الدماء حتى قيل إنه قتل ستمئة ألف شخص وقيل مليوني شخص، وأياً كان العدد فهو كارثة شديدة لأنه يشكل نسبة كبيرة من عدد السكان آنذاك، وقام بهذه المقتلة تحت شعار الشك في ولائهم، وشقهم عصا الطاعة لسلطان الرايات السوداء الذي بشر به الرسول في حديث ضعفه العلماء ورد عند الإمام أحمد مرفوعاً عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من خراسان فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي.
يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 107.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 105.87 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]