الحمد.. عبادة جليلة وذكر عظيم
- حمد الله تعالى له شأن عظيم وفضل كبير وثواب عظيمٌ ومنزلته عند الله عالية
- قال صلى الله عليه وسلم : «الطَهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :» إنَّ أفضلَ عبادِ اللهِ يومَ القيامةِ الحمَّادون»
- الحمد عبادة جليلة يتقرب بها العبد إلى مولاه وهي اعتراف صادق بقدرته وعظمته وإقرار له بفضله ولطفه وعطائه
- من أعظم مواطن حمد الله تعالى حمد الوالد على فقد ولده فهذا مقام عظيم من مقامات الصبر على أقدار الله المؤلمة
حمد الله -تبارك وتعالى- عبادة جليلة يتقرب بها العبد إلى مولاه؛ فهي اعتراف صادق بقدرته وعظمته، وإقرار بأن ما يجري في الحياة من سرّاء أو ضرّاء إنما هو بفضله ولطفه وعطائه، وكل نعمة، مهما صغرت أو عظمت، إنما هي أثر من كرمه، يستوجب الشكر والثناء الدائمين؛ بل إن توفيق العبد إلى هذا الحمد نفسه نعمة تضاف إلى نعم الله التي لا تحصى.
معنى الحمد
- الحمد في اللغة: الوصف بالكمال في الخصال الحسنة بحسب الموصوف، مع سلامتها من عارض الذم والعيب والنقص.
- واصطلاحاً: لا يخرج عن معناه اللغوي؛ إذ كلاهما يدل على إخبار عن محاسن المحمود. قال ابن القيم: الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه.
مكانة الحمد في القرآن
حمد الله -تعالى- له عنده -سبحانه- شأن عظيم وفضل كبير، وثوابُه عنده -سبحانه- عظيمٌ، ومنزلته عنده عالية، فقد افتتح الله -تعالى- سورة الفاتحة قائلاً: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وكأنها إعلان أن الحمد هو الأصل الذي ينبغي أن يلهج به العبد في كل حال، وافتتح خلقَه -سبحانه- بالحمد فقال: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ} (الأنعام: 1)، واختتمه بالحمد فقال بعد ما ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار: {وَتَرَى المَلآئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْد رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} (الزمر: 75)، وافتتح -سبحانه- العديد من سور القرآن الكريم بالحمد. مكانة الحمد في السُنَّة
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمد: «أفضل الدعاء الحمد لله»، والحمد لله خير الكلام وأحبه إلى الله: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحَبُّ الكلامِ إلى اللهِ أنْ يَقولَ العبدُ: سُبحانَ اللهِ و بِحمدِهِ»، وعنه أيضا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فخرَ، وبيدي لواءُ الحمدِ ولا فخرَ، وما من نبيٍّ يومئذٍ آدمَ فمن سواهُ إلَّا تحتَ لوائي، وأنا أوَّلُ من تنشقُّ عنْهُ الأرضُ ولا فخرَ»، ولِواءُ الحَمدِ رايةٌ تُعقَدُ له - صلى الله عليه وسلم -، فيَكونُ مَعلومًا أنَّه المُقَدَّمُ في المَحامِدِ والثناءِ على اللهِ، فيَشتَهِرُ في تلك العَرَصاتِ بصِفاتِ الحَمدِ، وهذا مِن المَقامِ المَحمودِ الذي يُعطيهِ اللهُ يومَ القيامةِ، حيث يَحمَدُه فيه الأوَّلونَ والآخِرونَ، وممّا ورد في فضل الحمد وعِظم ثوابه عند الله قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الطَهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصَّبرُ ضِياءٌ، والقرآن حجّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو فبائعٌ نفسَه فمعتقُها أو موبقُها». مواطن يتأكد فيها الحمد
يتأكد حمد الله -عزوجل- في مواطن عديدة منها: - عند النوم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال إذا أوى إلى فراشِه: الحمدُ لله الذي كفَاني وآواني، الحمدُ لله الذي أطعمَني وسقاني، الحمدُ لله الذي منَّ عليَّ وأفضلَ، اللهمَّ! إني أسألُك بعزَّتِك أن تُنَجِّيَني من النار؛ فقد حمِدَ اللهَ بجميعِ محامدِ الخَلْقِ كلِّهم».
- وعند الانتباه ليلاً: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ».
- وإذا رأى في منامه خيراً: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رَأَى أحَدُكُمُ الرُّؤْيا يُحِبُّها، فإنَّها مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عليها ولْيُحَدِّثْ بها،»
- وفي الصباح والمساء: ومنها دعاء: «أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، وكذلك، أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله.»
- وعند ركوب الدابة: يقول المسلم بسمِ اللهِ، ثم بعد الاستواء على ظهرِها يقول: الحمدُ للهِ.
- ومِن مواطن الحمد حمدُ الله في الصلاة: ولا سيّما عند الرفع من الركوع، ففي صحيح مسلم عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه قال: «سمع الله لمن حمده ربّنا لك الحمد ملءَ السموات وملءَ الأرض، وملءَ ما شئتَ من شيءٍ بعد « والمعنى أن الله يستجيب ويقبل من عباده الذين يحمدونه، فهي لحظة امتنان واستجابة ربانية، ثم يخر العبد بعدها ساجدا؛ حيث يكون أقرب ما يكون من ربه.
- ودبر الصلاة: كما عند مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ.
- ومن المواطن التي يتأكّد فيها الحمد حمدُ الله في ابتداء الخُطب والدروس، وفي ابتداء الكتب المصنّفة ونحوِ ذلك، علَّمنا رَسولُ اللَّهِ خُطبةَ الصَّلاةِ وخطبةَ الحاجةِ: فأمَّا خطبةُ الصَّلاةِ فالتَّشَهُّدُ وأمَّا خطبةُ الحاجةِ فإنَّ الحمدَ للَّهِ نستعينُهُ ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسنا ومن يَهدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ ومن يضلِلْ فلا هادِيَ لَهُ.
- وقبل الدعاء: فلقد سمِع رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعو في صلاتِه لم يحمَدِ اللهَ ولم يُصَلِّ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عجِل هذا» ثمَّ دعاه فقال له: «إذا صلَّى أحدُكم فليبدَأْ بتحميدِ اللهِ والثَّناءِ عليه ثمَّ ليُصَلِّ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ ليَدْعُ بعدُ بما شاء».
- وفي السراء وعند حلول النعم: فكان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أتاه الأمرُ يَسُرُّه قال: الحَمدُ للهِ الَّذي بنِعمتِه تَتمُّ الصَّالحاتُ.
- وفي الضراء وعند حلول المكروه: فكان من سنته - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أتاه الأمرُ يَكرهُه قال: الحمدُ للهِ على كلِّ حالٍ. فالحمد عبادة مستمرة لا يحدها ظرف، بل تزداد قيمتها حين تصدر من قلب صابر في وقت الشدة.
- وبعد الأكل والشرب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أكلَ طعامًا ثُم قال: الحمدُ للهِ الّذي أطعمَنِي هذا الطعامَ، ورزَقَنِيهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ. بل إن حمد الله بعد الأكل والشرب يعد سببا في تحصيل رضا الرب -سبحانه وتعالى- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا».
- حمد الله بعد رفع المائدة: روى البخاري عن أبي أمامة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا رفع مائدته قال: «الحمدُ لله حمداً كثيراً طيّباً مُباركاً فيه، غير مَكْفِيٍّ، ولا مُوَدَّعٍ، ولا مستغنى عنه ربّنا».
- وبعد لبس الثوب يتأكد حمد الله -سبحانه- بل هو سبب في مغفرة ما تقدم من الذنوب وما تأخر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ومَنْ لبِسَ ثوبًا فقال: الحمدُ للهِ الّذي كسَانِي هذا، ورزَقَنِيِهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ ومَا تأخَرّ»َ.
- كما يتأكد حمد الله عند رؤية المبتلى: بل إن حمد الله في هذا الموضع سبب في العافية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى مبتلًى فقال: «الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا، لم يُصِبْهُ ذلك البلاءُ».
- وفي ختام المجلس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ : «سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ».
- وعند العطاس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا عطَسَ أحدُكُم فحمِدَ اللهَ فشمِّتُوهُ، وإذا لَم يحمَدِ اللهَ فلا تُشمِّتُوهُ».
أعظم مواطن الحمد
ومن أعظم مواطن حمد الله -عزوجل- التي يثيب عليها عبده حال فقد الولد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله -تعالى-: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه: بيت الحمد» فهذا مقام عظيم من مقامات العبد في حال المصيبة والشدة، والصبر على أقدار الله المؤلمة. أفضل عبادِ اللهِ يومَ القيامةِ الحمَّادون
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:» إنَّ أفضلَ عبادِ اللهِ يومَ القيامةِ الحمَّادون» أي: أفضَلَهم وأكثَرَهم أجرًا ومَنزِلةً يَومَ القيامةِ الذي هو يَومُ الجَزاءِ وكَشفِ الغِطاءِ ونَتيجةِ الأمرِ، والحَمَّادونَ، صيغةُ مُبالغةٍ، أي: الذينَ يُكثِرونَ الحَمدَ للهِ -تعالى- في كُلِّ حالٍ؛ فإنَّ فيه مَعَ فضيلةِ الحَمدِ الرِّضا عنه -تعالى- في كُلِّ حالٍ، فالحَمدُ وَصفُه بالجَميلِ المُستَحَقِّ له مِن جَميعِ الخَلقِ على السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، فهو المُستَحِقُّ للحَمدِ مِن كافَّةِ الأنامِ. الشكر والحمد والفرق بينهما..
لعل تساؤلا يرد إلى أذهاننا حول الفرق بين الحمد والشكر، وخير من يجيبنا عن هذا التساؤل الإمام ابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين) بقوله: «والفرق بينهما: أن الشكر أعمّ من جهة أنواعه وأسبابه، وأخصّ من جهة متعلقاته، والحمد أعمّ - من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب. ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا؛ فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد يقع بالقلب واللسان».
اعداد: عمرو علي