|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أين العمل ؟
الكاتب : سيف الدين الأنصاري الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: " أمطري أو لا تمطري، فحيثما أمطرت فإن خراجك سيحمل إلينا " كلمات خاطب بها الخليفة هارون الرشيد -رحمه الله- سحابة مرت فوق رأسه فلم تمطر، فجاءت معبرة بصدق عن معاني التمكين لهذا الدين، ومعاني العز لأهله..، إنها دولة الإسلام الممتدة امتداد الأرض إلاّ قليلا.. إن مفاهيم الحق تبقى دمى في عالم الأشباح لا تجري فيها روح الحياة إلاّ إذا حملها أناس صادقون لا يرضون إلاّ بالموت في سبيلها، حتى إذا تمكن هذا المعنى من نفوسهم -كما تمكن من سلف هذه الأمة-، كان ما عبّر عنه الشاعر بقوله: تلك آثارنا تدل علينا .... فانظروا بعدنا إلى الآثار. وأشدّ ما تعانيه ساحتنا اليوم هو هذا التباطؤ في الاستجابة للحق، والفصامُ النكد الذي أقامه الناس بين ما يحملونه من المفاهيم وما يمارسونه من العمل [1]، حتى اكتفى الناس من الحق بالانتساب إليه، مقيمين بذلك جدارا سميكا بينهم وبين هذا الدين، فكان لزاما على من عزم على صدق السير إلى الله جل وعلا من استحضار مجموعة من حقائق أهمها: أولاً : إن قضية هذا الدين -وهي الخلافة في ظل العبودية- قضية عملية وليست قضية ثقافية، ولا هي قضية كلامية، ولذلك لا يمكن أن يكون تحقيقها بإغناء الذاكرة بالمعلومات الإسلامية التي لا حظ لها من واقع العمل، ولا بملء الدنيا كلاما عنها مادام هذا الكلام –ولو كان طيبا- لم يتبعه عمل ]إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[فاطر:10]. ثانياً : إن طبيعة هذا الدين طبيعة عملية، وانطلاقا من هذه الطبيعة أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، حتى إن الصحابة رضوان الله عنهم عندما وصفوا كلامه قالوا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأحْصَاهُ)[البخاري]، لأنه كما قال ابن القيم رحمه الله: (ليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنه نور يُقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد)[2]. ولذلك كان منهجهم في تلقي هذا الدين يقوم على " أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا"[دقائق التفسير2/227]. ثالثاً : إن الجزاء في الدنيا والآخرة على ما قدم المرء من العمل، فالذين يدخلون الجنة إنما يدخلونها بالعمل[3]، قال سبحانه: ]وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[[الأعراف:43]، والذين يدخلون النار إنما يدخلونها بالعمل قال سبحانه: ]وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[[النمل:90]، وفي الحديث القدسي: (إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاّ نَفْسَهُ)[مسلم]، فلا جدوى للكلام ولا ثقة به ولا اطمئنان إليه إلاّ إذا صدقه دليل العمل، ]وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[[التوبة:105]. رابعاً : إن العمل هو الذي يحدد قيمة المرء عند الله جل علا ومنزلته عند المؤمنين، وقد قال عليه الصلاة والسلاموَمَنْ أبطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)[الترمذي]، وليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، ومحل نظر الرب جل وعلا من العبد قلبه وعمله، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)[مسلم]. خامساً : إن العلم بالحق لم يكن في يوم من الأيام مقصودا لذاته، وإنما يطلب العلم بالحق من أجل العمل به، وقد كان الحسن البصري رحمه الله يقول: (ابن آدم ما يغني عنك ما جمعت من حكمة الحكماء وأنت تجري في العمل مجرى السفهاء)[جامع بيان العلم:2/9]، فالمقصود ابتداء هو العمل، وما العلم إلاّ دليل ، قال الشاطبي رحمه الله: (العلم وسيلة من الوسائل، ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظرُ الشرعي، وإنما هو وسيلة إلى العمل، وكل ما ورد في فضل العلم فإنما هو ثابت للعلم من جهة ما هو مكلَّف بالعمل به) [الموافقات:1/65]، فتأمل فإنما أغلق باب التوفيق عن الخلق من اشتغالهم بالعلم وتركهم العمل[4]. وماذا يغني عن المرء أنه يعرف التوحيد إن لم يكن موحدا..؟، وماذا يغني عنه أنه يعرف منهج أهل السنة إن لم يكن سُنيّا..؟، وماذا يغني عنك أنك تعرف أهمية الجهاد وضرورته ثمّ لا أنت في جهاد ولا أنت في إعداد له..؟، بل ماذا يغني عن المرء أنه يتغنى بالإعداد وقد وزع وقته بين الراحة البدنية.. والعشرة الزوجية.. والعلاقات الاجتماعية.. والصداقات الجانبية.. والأعمال الهامشية.. وقس على ذلك.. فالقائمة طويلة، وكفى المرأة من العمل حسن تبعّلها لزوجها، وكفاه هو من الإعداد خيركم خيركم لأهله، وإن ذكّر أو حوسب قال بعد فهم سقيم: ساعة وساعة، وكأننا في عز من قال لها: <أمطري أو لا تمطري ..> ..فلنكن صرحاء.. هل نحن قوم عمليون؟[5] إن حركية هذا الدين حقيقة قد غرست في نفوس الجيل الأول حتى خالطت الدماء التي تجري في عروقهم، فبعضهم أهل بيعة الرضوان، وبعضهم ]السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ[[التوبة:100]، وبعضهم ]الَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا[[الأنفال:72]، وبعضهم أهل بدر، وبعضهم ]الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ[[آل عمران:172]...، جيلٌ ربته معاناة العمل وميادين الممارسة، فأثر أبناءه على سير الأحداث بل وصنعوها، ولم يكتفوا بالعيش في ظلها لا يحسنون إلاّ استهلاكها في حديث المجالس الراكدة التي لا تكلف أصحابها إلاّ حركة اللسان، ولا جعلوها مادة تسلية لِلِقاءات من استحكم الفراغ من قلوبهم. إن الإسلام اليوم بحاجة إلى رجال ينزعون إلى الجد، ويستعذبون التعب، ويرتاحون بالنَّصب، فيترجمون بصمت متطلبات المنهج الشرعي إلى واقع عملي يحترم المعطيات الذاتية والظروف الموضوعية، بعيدا عن الضوضاء والعجعجة التي قلبت الحق إلى جدل سفسطائي، يكثر فيه التبجح بالكلام ويقل فيه نصيب المرء من العمل.. رجالِ النفوس الصادقة والهمم العالية والعزائم القوية التي لا تعرف إلاّ سَمْت التلقي للتنفيذ، فتأبى أن يقعدها الكلل، أو يدركها الملل، أو تنفق أعمارها في المراء والجدل. وهذا يفرض علينا أمورا كثيرة أهمها : 1 - الصدق في الإقدام الكامل على العمل بهذا الدين وله، والابتعادُ عن أخلاق الذين استسلموا للهوى وأسرهم الوهن فجعلوا قضية هذا الدين قضية هامشية لا تأخذ منهم إلاّ الفضل من إحساس قلوبهم، والاستثناء من أوقات حياتهم، واليسير من أموالهم.. مقبلين على هذا الدين برجل راسخة في الدنيا وأخرى يتمنون على الله أن يضعوها في الآخرة، لا يطلبون إلاّ الراحة، ولا يحرصون إلاّ على الاستقرار الاجتماعي، حسبهم من الإسلام قراءة جريدة أو مطالعة كتاب، ثم يحسبون أنهم على شيء، و]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ[[الحجرات:15]. 2 - ارتباطُ جهود المنتسبين إلى هذا الدين بقدر كبير من العمل وقدر قليل من الكلام، والحذرُ من حالات الاسترخاء التي تقلب هذا الدين إلى قضية كلامية تُستهلك في مجالس من استنزفتهم معارك الشبهات، وأقعدتهم هواجس الشهوات، فأفنوا أعمارهم في استحضار بارد لذكريات العز المسلوب، ومن اجتهد منهم.. ففي إبداء فصاحة اللسان على حساب لغة العمل، أو انعزالٍ سلبي يفر به من ميدان التدافع، حتى إذا قيل لهم "أين العمل؟" دفعت بهم الأهواء إلى التنقيب عن الأعذار الواهية لإخفاء القعود. 3 – الحذر من جعل قضية هذا الدين قضية فكرية لا يقدم فيها المرء إلاّ الرّصد السَلبي للأحداث، واستهلاك العمر في تشخيص الداء وعرض الواقع دون أدنى خطوة عملية لتغييره، فإن بساطة بعض العاملين خير من قعود المتكلفين، وليكن شعارك "عرفتَ فالزم"، فإنه دليل الإيمان العميق بالحق، وبرهان الوعي الإيجابي الذي يدفع إلى الاستدراك والمبادرة، أما إيثار السلامة والاكتفاء بالعتاب فحرفة يتقنها العاجزون. فاحذر أن يكون همَك العنوان، وأن تسلب لبَك الظواهر، فأكثرها سحابة صيف، واجتهد في إجهاد نفسك، فعند الأعمال تستبين معادن الرجال، وقل:ماذا قدمتُ لديني؟ فإن الله قد قال: ]إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ[[يس:12]، واغتنم خمسا قبل خمس، فالعمر قصير، والأنفاس معدودة، واخش يوما يقول فيه المتكلمون ]رَبِّ ارْجِعُون،ِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ[، فيجابون: ]كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[[المؤمنون:100]، واعلم أن ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أماني، والوقت ضائع بينهما. فتفقد نفسك. إن دولة الإسلام عزيزة غالية، لا يستحقها إلاّ الذين جعلوا أنفسهم وقفا لله. ودون التمكين جسرٌ من العمل لا يجتازه إلاّ ]مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً[[الأحزاب:23]. فاصدق الله يصدقك، وبنفسك فابدأ، واعلم أنه: ]لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيراً[[النساء:123]، وإنما يَنال شرفَ العمل من فرّغ خاطره للهَمّ بما أمر به، و"من لم يباشر حر الهجير في طِلاب المجد لم يقِلْ في ظلال الشرف، فشمر على ساعد العمل فما نيل العلا بالأماني"[الفوائد]. والحمد لله وهو ولي التوفيق [1] وعوامل انهيار هذه الأمة على كثرتها لا تكاد تخرج عن أمرين اثنين: أولهما الانحراف الخطير الذي أصاب المفاهيم والحقائق، وثانيهما الفصام النكد الذي أقامه الناس بين علمهم بالحق والعمل به. [2] نقلا عن قدر الدعوة [3] بعد رحمة الله تعالى كما هو معلوم عند جميع المسلمين. [4] ومما يدل على عمق الاقتران بين العلم والعمل، وكمال التوازن بينهما في عقل المرء وإحساسه وسلوكه، طلبُ العلم بالحق من أجل العمل به، قال ابن القيم: (العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة، والجهل والبطالة توأمان أمهما إيثار الكسل) [بدائع الفوائد:3/747]. [5] قد يشغل بعض المسلمين نفسه باجتهادات فردية ارتجالية محدودة، ثم يظن أنه قد أبرأ الذمة وحقق المقصود.. وما من شك أن الله جل وعلا سيحقق قَدَرا بهذه الجهود بعض الخير، لكن العمل الإسلامي الذي لا تبرأ الذمة إلاّ به أكبرُ من أن يكون جهودا فردية أو أعمالا ارتجالية أو حركة فوضوية، وإنما {قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}، {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}، و{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}، فالعمل الإسلامي مشروع جماعي متكامل يشمل الدعوة والإعداد أو الدعوة والجهاد -على حسب المرحلة- يأخذ فيه كل واحد موقعه بصدق وثبات، وإلاّ ستستنزف الطاقات وتضيع الجهود في القنوات. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |