|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي قال الله تعالى:﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾[1]. تمهيد: قاعدةٌ قرآنيةٌ عامة بالغة الأهمية تَشد الانتباه إلى تربية الإنسان والارتقاء به إلى ما يحبه الله ويرضاه بالحث على العناية بما هو أنفع وأصلح له في شؤون دينه ودنياه، وفي هذا المعنى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها"[2]. أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال: قال الطبري رحمه الله: "يعني بقوله: ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾، قال: لهم موسى: أتأخذون الذي هو أخس خطرًاوقيمة وقدرًامن العيش، بدلًابالذي هو خير منه خطرًاوقيمة وقدراً؟ وذلك كان استبدالهم. وأصل "الاستبدال": هو ترك شيء لآخر غيره مكان المتروك"[3]. قال القرطبي رحمه الله: "ومعنى الآية: أتستبدلون البقل والقِثّاء والفوم والعدس والبصل الذي هو أدنى بالمنِّ والسلْوى الذي هو خير. واخُتلف في الوجوه التي تُوجب فضل المن والسلوى على الشيء الذي طلبوه، منها: لما كان المنُّ والسلْوى طعامًامَنَّ الله به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر الله وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة، والذي طلبوه عارٍ من هذه الخصائل كان أدنى في هذا الوجه. وقيل: لما كان ما مَنّ الله به عليهم أطيب وألذ من الذي سألوه، كان ما سألوه أدنى من هذا الوجه لا محالة، وقيل: لما كان ما أعطوا لا كلفة فيه ولا تعب، والذي طلبوه لا يجيء إلا بالحرث والزراعة والتعب كان أدنى"[4]. الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال: أولاً:عقيدة التوحيد الخالص منطلق أساس في الإسلام، لأن صلاحَ الإنسان والمجتمع والأمة بأسرها مرهون بسلامة عقيدتها، فمن حاد عنها بالكلية، أو أدخل فيها ما ليس منها من قريب أو بعيد، فقد استبدل الأدنى بالذي هو خير، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾[5]. قال الطبري رحمه الله: "فقد حرّم الله عليه الجنة أن يسكنها في الآخرة، ﴿وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾، يقول: ومرجعه ومكانه -الذي يأوي إليه ويصير في معاده، من جعل لله شريكًا في عبادته- نارُ جهنم، ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾، يقول: وليس لمن فعل غير ما أباح الله له، وعبد غير الذي له عبادة الخلق، ﴿مِنْ أَنْصَار﴾، ينصرونه يوم القيامة من الله، فينقذونه منه إذا أورده جهنم"[6]. ثانياً: من ضعفت همته في تعلم ومعرفة الضروري من الدين، أو قلّ حرصه على التفقه فيما يحتاجه في صلاح نفسه وأهله وأولاده، وما يعينه بالوجه الأكمل في علاقاته الاجتماعية وكافة شؤون حياته، فقد استبدل الأدنى بالذي هو خير، وهناك فرق واضح وجلي بين من وفقه الله تعالى واعتنى بطلب العلم فيما ينفعه ويعينه على أمر دينه ودنياه، وبين من ضعفت همته وغفل عن ذلك، وصدق الله تعالى: ﴿قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾[7]. ثالثاً: من أضاع عمره وأشغل جل وقته في العناية بتوافه الأمور؛ مثل: قراءة الروايات الفاسدة، ومتابعة الأفلام والمسلسلات الآثمة، وكل ما يدور في فلكها من ضياع الأوقات وتبديد الأموال فيما لا خير منه في أمر دينه أو دنياه، بل قد يلحقه ضرر بالغ منها، فقد استبدل الأدنى بالذي هو خير، ولا شك أن ضياع العمر والأوقات في توافه الأمور مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ القائل: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، و َكرَهُ سَفْسافَها"[8]. ختاماً: إن الموفق مَنْ عَلِم بفقه المصالح والمفاسد، وفقه الموازنات، وفقه الأولويات في أعماله وأقواله وفي شؤون حياته كلها، فلم يُقْدِم على قول، أو عمل مهما كان إلا بعد التأكد التام من موافقتهما للضوابط الشرعية من جهة، ومحققة لأعلى المصالح التي تعود عليه بالخير والصلاح في دينه ودنياه من جهة أخرى، وأقوى بل أهم معين في ذلك الاستقامة على الصراط المستقيم، فمن اجتهد في طاعة ربه بالمحافظة على الفرائض المكتوبة والإكثار من نوافل العبادات وقراءة القرآن الكريم وغير ذلك من الأذكار الشرعية الصحيحة المندوبة في اليوم والليلة؛ فقد أخذ بأسباب التوفيق لشؤون حياته، وصدق الله تعالى: ﴿مَنۡعَمِلَصَٰلِحٗامِّنذَكَرٍأَوۡأُنثَىٰوَهُوَمُؤۡمِنٞفَلَنُحۡيِيَنَّهُۥحَيَوٰةٗطَيِّبَةٗۖوَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡأَجۡرَهُمبِأَحۡسَنِمَاكَانُواْيَعۡمَلُونَ﴾[9]. قال ابن كثير رحمه الله: "هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحاً؛ وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر، أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة"[10]. والله أسأل أن يتولى أمرنا، وأن يسدد أعمالنا وأقوالنا، وأن يرينا الحق حقًاويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًاويرزقنا اجتنابه. [1] البقرة:61. [2] الألباني، صحيح الجامع، (1890). [3] تفسير الطبري (2/ 130). [4] تفسير القرطبي (1/ 428). [5] المائدة: 72. [6] تفسير الطبري (10/ 481). [7] الزمر: 9. [8] الألباني، صحيح الجامع، حديث رقم: (1890). [9] النحل: 97. [10] تفسير ابن كثير (4/ 516).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |