{وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         من فضائل الحج والعمرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لماذا يترك العالم غزة تموت؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          (الغفور) و (الغفار) ﷻ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فضل الدعاء بعد عصر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طرد المواطنين بغزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الدعوة إلى الله في الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كل يوم ‏جدد التوبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنوار الكهف تبدد ظلمات الفتن {فأووا إلى الكهف} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          تأملات في مقاصد الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-05-2025, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,030
الدولة : Egypt
افتراضي {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾، ورسائل للمسلمين

الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

نص الخطبة:
الحَمْد لله مُجِيبِ الدَّعَوَاتِ، وَكَاشِفِ الكُرُبَاتِ، أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا هو، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، رَافِعِ الدَّرَجَاتِ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وصَفِيُّهُ وخَلِيلُهُ، عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أفضل الصلوات والتسليمات، أما بعد:
فيا أَيُّهَا المسلمون، إن نظرةً إلى تاريخِ هذه الأمةِ تري أنه كلما ألــَمَّ بها بلاءٌ يكادُ يستأصِلها، لا تلبثُ أن تنهضَ فتعودَ أقوى مما كانت.

والمتأمل في أسباب إنزال الله نصره لعباده، يجد أنها فضل من الله أفاضه علينا؛ فهو سبحانه الولي النصير، فالنصر منه وبيده؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

أيها المسلمون، واليومَ ورغم كل ما يُكادُ لها، وحتى لا يُصاب البعض بحالة من الإحباطِ واليأسِ والقُنوطِ، ويستبطئ النصر، وتسيطر عليهم روح الانهزامية؛ لما تمر به أمتنا من محن وابتلاءات، وقد حذرنا ديننا الحنيف من اليأس وفقدان الأمل؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون ﴾ [يوسف: 87]، وقال تعالى: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، وقال تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].

فإلى القلب الذي يفكِّر خاشعًا بين يدي ملك السماوات والأرض، وينفطر كمدًا على نكبات المسلمين، وإلى العين التي تسيل دمعًا من خشية الله، ودمًا على أحوال المسلمين ومآسيهم، وإلى الجوارح التي تصوم ابتغاء رضوان الله، وتشتاق أن ينتصر الإسلام والمسلمون، إلى هؤلاء جميعًا أرسل هذه الرسائل؛ الرسالة الأولى تقول:
لا بد للمسلمين أن يفقهوا حِكَم الله وسننه في النصر والهزيمة، وأنهم ليسوا أول من يسلط عليهم الابتلاء لحِكَم عديدة، فإن شواهد التاريخ ناطقة بأن أشد الناس بلاءً، وأعظمهم ابتلاءً في هذه الدنيا هم خير خلق الله الأنبياء والمرسلون -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- كُذِّبوا وأُوذوا وأُخرجوا من ديارهم وتعرضوا لأنواع من البلاء، بل ربما قُتل بعضهم في سبيل لله كما قال ربنا: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾ [آل عمران: 146]، وقال -عز وجل-: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 109، 110].

قال صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل)).

أيها المسلمون، أما قرأتم خبر أصحاب الأخدود الذين حُرِّقوا بالنار؛ لأنهم قالوا ربنا الله ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 4 - 8].

أما قرأتم في القرآن ما كان من أحداث يوم أُحُد عن حمزة سيد الشهداء عم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا صنع به يوم أُحُد؟ ألم تُبقَر بطنه؟ ألم تجدع أنفه؟ ألم تقطع أذنه؟ ألم تُستخرج كبده -رضي الله عنه-؟ مما غاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل في قلبه ألمًا دفينًا.

ألم نقرأ في التاريخ ما كان يوم مؤتة حين التقى المسلمون وهم ثلاثة آلاف بمائة ألف من الروم، وانضم إليهم مائة ألف من عملائهم من العرب من لخم وجزام وغيرهم كانوا ثلاثة آلاف أمام مائتي ألف! قتل من المسلمين زيد بن حارثة قائدهم، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقتلوه، فأخذ الراية زيد بن حارثة فقُتل، فأخذ الراية عبدالله بن رواحة فقتلوه، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد -رضي الله عنه- فانحاز بالمسلمين إلى المدينة.

متى حصلت هذه؟ لقد حصلت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان الناس أطهر الناس قلوبًا، وأعمقهم هديًا، وأقلهم تكلفًا، وأعظمهم بالله صلةً، وأشدهم بدين الله استمساكًا؛ كان في الأمر نصر وهزيمة، كرٌّ وفرٌّ، تقدُّم وتأخُّر، هذه سنة الله ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4].

هل كان في إيمانهم نقص؟ هل كان في عملهم من عوج؟ هل كان في يقينهم شك؟ اللهم لا، لكن هذه سنة الله ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 141، 142] ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

الرسالة الثانية تقول:
إننا نمتلك قوة لا تعدِلُـها قوةٌ في الأرض، وإن مكرَ أعداءِ اللهِ مهما علا فإنه لا بقاءَ له ولا قرار، وذلك ليس رجمًا بالغيب، ولا تمنياتٍ وأحلامًا، ولكن تصديقًا لوعدِ ربِنا سبحانه، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ [فاطر: 10]، إنها قوةُ العقيدةِ، واللهِ إني لأرى في الأفقِ جموعًا مباركةً من الرجالِ يسيرون صفًّا واحدًا إخوةً متحابِّين يُعيدون لنا ذكرى المهاجرين والأنصار، رجالًا ابتغَوْا الدارَ الآخرةَ فركَلوا الدنيا وأقبلوا على الله مسرعين أجسادًا تمشي على الأرض وقلوبًا ترفرفُ حول العرش، فهم رجالٌ يمدون أيديَهم للأمةِ من أجلِ البِرِّ والتقوى، رجالٌ يَصِلون الليلَ بالنهار، يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكرِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، يدعون إلى الله بـِجـلَــدٍ، لا يستوحِشون طولَ الطريقِ أو شدةَ الابتلاءِ وجوَّ التآمرِ والخذلان، رجالٌ يعلمون أن النصرَ والظَّفرَ يأتي من اللهِ بالصبرِ والدعوةِ لاستئنافِ الحياةِ الإسلامية، يعلمون أن المستقبلَ لهذا الدينِ قالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأمرُ مَا بَلَغَ الليلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَر وَلَا وَبَر إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ، بعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ))، وقال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]، فالأمةُ الإسلاميةُ صنَعَها كتابٌ ولا زالَ الكتابُ بين أيديها، فعمَّا قريبٍ بإذِن اللهِ ستُفاجِئُ وستقهَر أعداءَها وستنتقمُ لأبنائِها والمظلومين في الأرضِ كلِّها وتنشرُ العدلَ والإسلام كما فاجأَ الفاروقُ الفرسَ والرومَ، قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].

نعم عبادَ الله، ستأتي تلك اللحظة قريبًا بإذن الله، فوعْدُ الله تعالى جَلَّت قدرته لا زال قائمًا ونحن أمة لا تيأسُ، ولا تلين، ولا تستكين، ولن تموتَ قبل تحقيق الوعد وكذلك أمةٌ شعارُها "قائدُنا للأبد سيدُنا محمد"، تمرضُ لكنَّها لا تموت، وتغفـو لكنَّها لا تنـام، تنحني ولا تركعُ، فـلا تيأسوا فإنكم ستروْن عزَّكم، متى عُدتُم لربكم، لقد مرت بديارِ الإسلام في تاريخِها الطويلِ أزماتٌ وأزماتٌ، وحلتْ بها بلايا ونكبات، وزُلزلت الأرضُ زلزالها وفي كل مرةٍ تَخرُج هذه الأمةُ من مآزقَ كبرى أصلبَ عودًا، وأشدَّ إيمانًا، وفي كل مرةٍ يظنُّ أهلُ الكَيدِ أنهم قَدروا عليها، فلا يغرنك كثرتهم؛ يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "اسلك طريق الحق، ولا يغرك قلة السالكين وإياك وطرق الباطل، ولا يغرك كثرة الهالكين، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، وقال: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وابحث عن الحق تجد أهله ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

إن ما يحدث اليوم من تسلُّط الأعداء ومن عاونهم على بلاد المسلمين، واحتلالهم لأرضهم يحتاج من الأمة أن تتلاحم وتتعاضد ويجتمع صفُّها، وأن تأخذ بأسباب القوة للوقوف أمامهم وصدّهم، وأن تطلب العون والغوث من الله -تعالى- وأن تتعلق القلوب به سبحانه، ولقد وعد الله -عز وجل- بأن يمكِّن للمؤمنين في الأرض، وأن يجعل لهم الغلبة، فقال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، هذا وعد الله وهذا شرط الله ﴿ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ هل حقق الناس هذا الشرط، هل عملوا بأوامر الله؟ هل اجتنبوا نواهيه؟ هل اعتصموا بحبله؟ هل اجتمعت كلمتهم؟ هل توحَّدت صفوفهم؟ هل كان رضا الله مرادهم؟ هذه أسئلة لا بد أن نطرحها على أنفسنا، وأن نطرحها على إخواننا قبل أن يقول قائلنا: أين نصر الله؟ أين موعود الله؟ لمَ لا ينتصر المسلمون؟ لماذا يتسلط عليهم الكافرون؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى وبعد:
فما زلنا مع بعض الرسائل إلى المسلمين وهذه الرسالة الثالثة تقول:
أمتُنا قد تمرض، لكنها أبدًا لن تموتَ، ولو قُدِّر لهذه الأمةِ أن تموتَ لماتتْ يومَ حوصِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الغارِ حين قال أبو بكر: "لو نظر أحدُهم تحتَ قَدمِه لرآنا"، فقال عليه الصلاةُ والسلامُ بجوابٍ يصلحُ شعارًا لكل مسلم: ((ما ظَنُّك باثنينِ اللهُ ثالثُهما؟))، وقال الله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]، وقد رأيتم ما حصلَ بعد الغارِ من سكينةٍ وتأييدٍ بجنودٍ لم تروْها.

نعم أيها الأخوة، أمتُنا قد تمرض، لكنها أبدًا لن تموتَ، ولو قُدِّر لهذه الأمةِ أن تموتَ لماتت يومَ بدرٍ، يومَ كان الكفارُ تِسعَمائة وخمسين مقاتلًا، معهم مائتا فرسٍ يقودُونها ومعهم القيانُ يَضربْنَ الدفوفَ ويُغَنّـــين بِـهجاءِ المسلمين، والتقى الجمعانِ، فأقبلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الناسِ فقال: ((هذِهِ مكَّةُ قَد ألقَت إليكُمْ أفلاذَ كبِدِها))، وفي أثناء المعركة، وإذا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أبشِر يا أبا بكرٍ أتاكَ نصرُ اللَّهِ؛ هذا جِبريلُ آخذٌ بعَنانِ فرسِهِ يقودُهُ علَى ثَنايا النَّقعِ!))، وقال الله تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12]، وسقطَ فرعونُ هذهِ الأمةِ أبو جهلٍ يَسبحُ في دمائِهِ على أيدي فتيةِ الإسلامِ وقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، نعم إنه الثباتُ للمسلمين، والرعبُ للكافرين.

لو قُدر لهذه الأمة أن تموتَ لماتت يوم الأحزاب، وقد أمسى المسلمونَ وأصبحوا كأنهم في جزيرةٍ منقطعةٍ وسطَ طوفانٍ يتهددُها ليلًا أو نهارًا عندما حاصر المشركون المدينة المنورة بعشرة آلاف مقاتل من جُلِّ قبائل العرب قال تعالى: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11]، وظن أهل الزيغ والنفاق أن نهاية الإسلام والمسلمين قد حانت لكن أهل الإيمان كانوا على يقين من نصر ربهم لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]، فأرسل سبحانه الريح على أعدائهم فولوا منهزمين، قال تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 25 - 27]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 9].

أمتُنا قد تمرض، لكنها أبدًا لن تموتَ، ولو قُدر لهذه الأمةِ أن تموتَ لماتت يوم الرِّدة، فقالت عَائِشَةَ رضي الله عنها: "لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارتدتْ العربُ وَصَارَ المسلمون كأنَّهم مَعزى مطيرة في ليلة شاتيةٍ بأرضِ مَسبَعةٍ، فوالله مَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إِلَّا طَارَ أَبِي بخِطامها وعنانِها وفصلِها"، وقال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه: "أينْقصُ الدِّينُ وأنا حيٌّ، والله لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدونه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتُهم عليه، والله لَأُقاتِلَنَّ مَنْ فرَّق بين الزكاةِ والصلاة"، فكُن أبا بكرٍ لأمتِك!، وليكن شعارُك "أَينقصُ الدينُ وأنا حي؟" فلْنُنهِضْ هذه الأمةَ من كبوتِها.

أمتُنا قد تمرض، لكنها أبدًا لن تموتَ، ولو قُدر لهذه الأمةِ أن تموتَ لماتتْ يوم اجتاحَ التتارُ بلادَ المسلمين، لقد هَجم التتارُ على بغدادَ وظلوا يذبحونَ ويقتلون أربعين يومًا حتى جرتْ الدماءُ في شوارعِ بغدادَ وأسرفوا في المسلمين أيما إسرافٍ حتى قَيضَ اللهُ المُـــظَفَّـرَ قطز، القائدَ المسلمَ الذي جعل نَـحرَهُ فداءً للإسلام، وأطلقَ صيحتَه المشهورةَ في عين جالوتَ حينما أوشكَ التتارُ على الانتصار، حيث قال: واإسلاماهُ! فهبَّ الجيشُ المسلمُ مستجيبًا لهذا النداءِ، وقضَوْا على التتارِ المتوحشين إلى الأبدِ وانتصرَ الإسلامُ، فليكنْ شعارُك "واإسلاماه!" لتنهضَ هذه الأمة من كبوتِها.

عباد الله، أمتُنا قد تمرضُ ولكننا أمةٌ لا تموت، لو قُدر للأمةِ لماتتْ زمنَ الصليبيين وأحفادِهم الفرنسيين والإنجليز والأمريكان، لكنها صخرةُ الإسلامِ التي يتكسَّرُ عليها كلُّ من حادَّ اللهَ ورسولَه، إنها أمةُ الإسلام، أمةٌ أراد اللهُ لها أن تبقى ما بقي الخيرُ في هذه الدنيا، ((لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ)).

يا أمةَ الإسلامِ العظيم، يا خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس: ها قد سمِعنا وعَلِمنا أن أمتَنا لا تموت، وأن نصر الله للأمة وعد الله الحق، فكونوا على يقين وتمسكوا بمنهج عزتها ومصدر قوتها، كتاب ربها وسنة نبيها، قال الله -جل جلاله-: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21] وقال: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173].

اللهم انصر الإسلام وأعِزَّ المسلمين وأذن اللهم بتحرير المقدسات، اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم اجعلنا أهلًا لنصرك وتأييدك سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.35 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]