تفسير سورة العلق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4907 - عددالزوار : 1947013 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4478 - عددالزوار : 1253534 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14463 - عددالزوار : 762071 )           »          تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 637 - عددالزوار : 67759 )           »          الجاليات المسلمة: التأثير والتأثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 467 - عددالزوار : 145015 )           »          تفسير سورة العلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          النهي عن الوفاء بنذر المعصية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الدرس السادس والعشرون: الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الخلاصة في تفسير آية الجلابيب وآية الزينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,077
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة العلق

تفسير سورة العَلَق

أبو عاصم البركاتي المصري

عدد آياتها: تسع عشرة آية، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
وتسمى أيضًا سورة اقرأ.

فضلها:
(1) الآيات الخَمْس مِن أوَّلِها هن أوَّلُ ما نزَل مِن القُرآنِ.

أخرج البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ، زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاءُ، فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاء فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَات العَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّد لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاء، فَجَاءَهُ المَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 1 - 4] - الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ - ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]".

(2) اشتمالها على سجدة تلاوة، ففي الحديث عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: "سَجَدْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1]، و﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: 1]"؛ [أخرجه مسلم (578)].

سبب نزول بعض آياتها:
أخرج أحمد برقم (8831) ومسلم برقم (2797) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ- أَيْ يَسْجُدُ- بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا"، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴾ [العلق: 6 - 12] - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 14 - 19].

مناسبة السورة لما قبلها (سورة التين):
لما ذكر سبحانه في سورة التين خلق الإِنسان في أَحسن تقويم، بيَّن - عزَّ وجلَّ - هنا أَنه تعالى خلقه من علق، فكان ما تقدم كالبيان لكمال تصويره، وهنا كالبيان للمادة التي خلق منها، وذكر سبحانه هنا أَيضًا من أَحواله في الآخرة ما هو أَبسط وأَكثر مما ذكره عز وجل هناك[1].

مناسبة السورة لما بعدها (سورة القدر):
صدر سورة العلق أول ما نزل من القرآن، وكان ذلك في شهر رمضان، وفيه الأمر بقراءة القرآن الموحى به، وفي سورة القدر الإشارة إلى نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر.

مقاصد السورة:
(1) الأمر بالقراءة وبيان أهمية القراءة والكتابة والعلم وتحصيله.

(2) بيان خلق الإنسان وكماله بالعلم.

(3) بيان طغيان بعض الناس بالغنى والمال.

(4) التهديد والوعيد لمن يقف في وجه الدعوة.

(5) بيان صبر النبي صلى الله عليه وسلم ومثابرته في الدعوة والعبادة.

تفسير سورة العلق:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 1-19].

تفسير الآيات:
قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ؛ أي: اقرأ يا محمد مبتدئًا بذكر ربك الذي خلق، والْبَاءُ زَائِدَةٌ؛ أي: أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقِرَاءَةَ بِاسْمِ اللَّهِ تبركًا وتأدُّبًا، وَقِيلَ: الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ؛ أَيْ: مُسْتَعِينًا بَاسِمِ رَبِّكَ.


وذلك لأن الاسم هو المسمَّى، خلافًا لقول المعتزلة: الاسم غير المسمَّى، وهذا كقوله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 78].


وكقوله: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1].
وذلك مما يدل على أن الاسم هو المسمَّى.
﴿ الَّذِي خَلَقَ يَعْنِي خلق الْخَلَائِقَ لا خالق غيره.


قوله تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ؛ يَعْنِي: خَلَقَ آدَمَ وذريته، ﴿ مِنْ عَلَقٍجَمْعُ عَلَقَةٍ، والعلقة: قطعة دم متجمدة بعد أن كانت نطفة، وهو أحد أطوار خلق الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: 12 - 14].


قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُوالأكرم؛ أي: واسع الكَرَم، وهو اسم من أسماء الله الحسنى، والأمر بالقراءة؛ أي: قراءة القرآن الذي يُوحى إليه، فليس الأمر بالقراءة لا بد أن يكون من مكتوب، ردًّا على قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أُمِّيًّا لا يكتب.


قوله تعالى: ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ؛ أي: علم الْخَطَّ بِالْقَلَمِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ، وَسُمِّيَ قَلَمًا؛ لِأَنَّهُ يُقَلَّمُ؛ أَيْ: يُقْطَعُ.


قوله تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْعموم الناس، وقيل: آدم عليه السلام، قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31]، وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113].


قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، كلا: حرف زجر وردع بمعنى حقًّا.


﴿ لَيَطْغَىليتجاوز حدود الله كِبْرًا، ﴿ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىلما رأى نفسه، استغنى؛ أي: كثر ماله، والمعنى: أبطره الغنى.


قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى: 27] الْآيَةَ.


قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى، الرُّجْعى؛ أي: المرجع يَوْم الْقِيَامَة.


قوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أرأيت؛ أي: أعلمت ونبئت بحال ذلك الكافر وقوله وفعله،وقيل: بمعنى اعجب، أي اعجب مِن طغيان هذا الذي ينهى عبدًا إذا صلَّى لربه، ونزلت في أبي جهل لعنه الله، كان يَنْهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاة في المسجد الحرام.


أخرج مسلم برقم (2797) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ- أَيْ يَسْجُدُ- بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا"، ثم نزلت الآيات.

قوله تعالى: ﴿ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾عبدًا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفه الله بالعبودية؛ لأنها أسمى المقامات، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23]، وفي التشريف بالإسراء يقول الله عز وجل: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1].

والصلاة من أسمى مظاهر العبودية لله تعالى.

قوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى؛ أي: ﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ﴾ المصلي وهو النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ عَلَى الْهُدَى ﴾ فكيف ينهاه؟!

وقيل المعنى: أَرَأَيْتَ إِنْ تبدل حال الناهي عن الصلاة وكان عَلَى الْهُدى، أو أمر بالتقوى وأمر العباد بِطَاعَة الله، بدلًا من الأمر بعبادة الأوثان.

قوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى؛يعني: أرأيت إن كَذَّبَ أبو جهل بِكِتَابِ اللَّهِ وبدلائل التوحيد الظاهرة، وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وأعرض عن الإيمان بدعوتك، ومات على ذلك؟!

قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾يرى عمله وصدَّه عن الإسلام.

قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، والسفع: الأخذ والجذب بشدة، والناصية مقدم الرأس، وَالْمَعْنَى: لئن لم يرتدع وينتهِ عن محاربته للرسول صلى الله عليه وسلم لَنَأْخُذَنَّ بِنَاصِيَتِهِ وَلَنَجُرَّنَّهُ إِلَى النَّارِ، قال تعالى: ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ﴾ [الرحمن: 41]، والأخذ بالناصية دلالة على القهر والإذلال والتعذيب والنكال.

وفي الآية دليل على قبول توبة الطغاة والكفرة، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله.

قوله تعالى: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ بدل من (الناصية)؛ أي: ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها.

قوله تعالى: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ؛ أي: فلينادي قومه الذين يتقوَّى بهم، أخرج الترمذي برقم (3349) وصححه، وقال الألباني: صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَبَرَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ، لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ.

والزبانية ملائكة الله، والمراد بهم ملائكة العذاب، وقال مقاتل: هم خزنة جهنم.

وقد وصف الله الملائكة الذين على النار بالغلظ والشدة، قال الله: ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ؛ أي: لا تطعه فيما دعاك إليه من ترك الصلاة، ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ، واسجد؛ أي: صلِّ لله وتقرَّب إليه بصلاتك، وأخرج مسلم برقم (482) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ".

وهذه آية سجدة تلاوة، ففي الحديث عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: "سَجَدْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1]، و﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: 1]"؛ [أخرجه مسلم (578)].

انتهى تفسير سورة العلق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.

[1] التفسير الوسيط (10/ 1964) لمجموعة علماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.92 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]