|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() "تأملات في حقيقة الموت" د. خالد بن حسن المالكي الخطبة الأولى الحمد لله الأول والآخر، والظاهر والباطن، الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملًا، نحمَده سبحانه عددَ ما أحيا مِن خلْقٍ، وعدد ما أمات، عدد ما رفرف طائر، وسكن ساكن، وذاب جليد، وسالت دموع، ونبض قلبٌ، الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وكتب على كل حيٍّ الفناءَ، وجعل من بعد الموت بعثًا ونشورًا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاة في يوم تشخص فيه الأبصار، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:فأوصيكم ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، فإنها زاد الراحل، ووصية رب العالمين لعباده أجمعين؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]. أيها المؤمنون: حديثنا اليوم عن حقيقة يخشاها الكثير، ويتجنبون الحديث عنها، وهي مع ذلك أقرب إلينا من أنفسنا؛ إنها الموت، نعم، الموت الذي كُتب على كل مخلوق، ولم يعطَ فيه مخلوق استثناء. حديثنا اليوم عن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، ولا يشك فيها إنسان، ولا ينكرها عاقل، مهما بلغت علومه، أو علت منازله، أو عظمت أمواله: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]. الموت قبض الله به نفس أبينا آدم، واختتمت به حياة الأنبياء، وخُتمت به رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبه يُختم أجَل كل مخلوق. أيها الأحبة، نعم، نحن نؤمن أن الموت قادم، وأن لا مفرَّ منه، ولكننا نعيش وكأننا مخلدون، نغفل وننسى ونلهو، رغم أن الموت لا يحتاج إلى موعد، ولا استئذان، ولا مقدمات؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾ [الجمعة: 8]؛ انظروا إلى صيغة الآية: فرار يقابله لقاء، تفرون منه فيدرككم، تبتعدون فيلتقيكم، كأنه يبحث عنكم كما تبحثون أنتم عن الحياة، فكيف يكون حال الفارِّ من لقاء لا مفر منه؟! أيها المسلم، الموت ليس أسطورة، وليس قصةً تُروى، الموت حكم نافذ، واقع لا محالة، كل من تراهم حولك سيموتون، وكل من كان قبلك قد ماتوا، ولا تزال النعوش تُحمل، والقبور تُفتح، والناس يُوارون التراب، فهل من متعظٍ؟ نحن نعيش وكأننا نملك أعمارنا، نخطط لعشر سنوات قادمة، وننسى أن ملَك الموت قد يأتي الليلة! نخطط للتقاعد، ولشراء الأرض، وبناء البيت، ونسينا أن هناك بيتًا في الأرض لا يُبنى، بل يُحفر، وأنه قد يكون أقرب إلينا من كل تلك الأحلام؛ ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]؛ فلا الأمن يرده، ولا الحصون تمنعه، ولا الجيوش تصرفه، يأتي إلى الرضيع في مهده، والملك في قصره، والعالِم في محرابه، والجاهل في غفلته. يا عباد الله، لولا الموت، لطغى أهل الطغيان، ولتمرد الظالمون أكثر، ولكن الموت يطرق الباب، فيُوقف المتكبر، ويُسكت المتطاول، ويذكِّر الغافل. تأملوا: كم من إنسان كان بالأمس يضحك ويخطط ويتفاخر، واليوم صار طريحَ التراب، بلا صوت ولا حركة! أين أصحاب الأموال؟ أين من زاحموا على المناصب؟ أين من ملؤوا الدنيا صخبًا وضجيجًا؟! ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19]، ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]. عباد الله، إن في الموت لَعبرةً لمن تدبَّر، وإن في القبور لموعظة لمن تفكر، فلا نقصر النظر إلى اللحظة، بل ننظر ما بعد الموت: ماذا أعدَدنا؟ ما أعمالنا؟ ما حالنا؟ أين سنُوضع؟ وعن ماذا سنُسأل؟ وعلى ماذا سنُحاسب؟ اللهم لا تجعلنا من الغافلين، وذكِّرنا بالموت، وأحسِن خاتمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم ارزقنا قلوبًا حية، وأرواحًا راجية، ولا تُمت قلوبنا قبل أجسادنا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على ما مضى، والحمد لله على ما بقيَ، الحمد لله الذي أحيانا ويُميتنا، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله على النِّعم، وعلى الابتلاء، وعلى الفقد، وعلى الأمل، وعلى كل ما كان وما سيكون.وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادةً نلقى بها ربنا، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، دلَّنا على الصراط المستقيم، وبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلوات ربي وسلامه عليه؛ أما بعد: فيا عباد الله، لماذا نتحدث عن الموت؟ لماذا نذكِّر به؟ أهو التشاؤم؟ أهو الإحباط؟ كلا والله. بل هي البصيرة، هو النور، هو الميزان. الموت يعلِّمنا التواضع، يزيل الغرور، يُرينا حقيقتنا، يخرجنا من الزيف، يعيد ترتيب الأولويات، يذكِّرنا أن ما نعيشه سراب، وأن الحقيقة الكبرى هي ما بعد القبر. قال صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني]. هاذم اللذات، يقوِّض القصور، يُسكت الأغاني، يطفئ الشهوات، يزيل الغفلة، يعيد العقل إلى رشده. وما أجمل أن يظل الموت حيًّا في وجدان المؤمن! دائمًا يدعو ويقول: ﴿ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]. أيها الإخوة، تأمل هذا الحديث العظيم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أخذ رسول الله بمَنْكِبي فقال: كُنْ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح))؛ [رواه البخاري]. أرأيت؟ عابر سبيل، مجرد عابر، لا يحق له أن يتشبث، أن يتعلق، أن يغتر؛ لأنه راحل. اجعل الموت بوصلتك، وميزانك، ونقطة انطلاقك نحو إصلاح القلب، والنية، والأخلاق، والصلوات، والعلاقات. كن طيبَ الذكر، نقيَّ السريرة، خفيفَ المظالم، كثير الدعاء، حسن التوبة، لين الجانب، عفيف اللسان. اللهم اجعل الموت لنا راحة، لا حسرة، اجعل قبورنا نورًا، لا ظلمة، اجعل لقاءك أحبَّ إلينا من كل شيء، وزِدنا شوقًا إلى دار الخلود. اللهم اجعل آخر كلامنا: لا إله إلا الله، واجعل خير أيامنا يومَ نلقاك، وثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، ووفِّق الأحياء إلى صالح العمل قبل الفوات. والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |