|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير التأملي دعاء أنور أبو مور المقدمة: لم يكُن القرآن الكريم كتابَ تشريعٍ وعبادة فحسب، بل جاء مشروعًا حضاريًّا متكاملًا يستهدف بناء عقلية مفكِّرة، واعية، قادرة على التعامل مع معطيات الحياة، وقد تكررت في آياته أوامرُ مباشرة للتفكر والتأمل والتدبر، حتى غدَت هذه المفاهيم من السمات المميِّزة للخطاب القرآني، إن التفكير التأمليَّ الذي يقوم على مراجعة الذات، وتحليل الظواهر، واستخلاص النتائج، يشكِّل في ضوء القرآن الكريم مدخلًا تربويًّا فريدًا، يمكن استلهامه في صياغة المناهج التعليمية المعاصرة، خصوصًا في زمنٍ تتعاظم فيه الحاجة إلى عقول ناقدة وبصيرة. التأمل في الكون والأنفس: دعوة مفتوحة للتفكر: يركِّز القرآن الكريم على توجيه الإنسان للتأمل في الكون من خلال آياته؛ ومن الأمثلة على ذلك: • ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]. • ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]. هذه الآيات لا تكتفى بمجرد الوصف، بل تدعو المتلقي إلى رحلة عقلية، تتجاوز الملاحظة إلى إدراك العِلل والسُّنن الكونية، بما ينمي التفكير التأمليَّ المبنيَّ على الربط بين الظواهر، والبحث عن المعنى الأعمق خلفها. القصص القرآنية: مختبر للتجربة الإنسانية: القصص القرآنية ليس سردًا تاريخيًّا محضًا، بل بناء تربوي يستثير الوعي التأملي؛ فقصة يوسف عليه السلام تكشف للمتأمل أبعاد الصبر والإيمان والثبات أمام الابتلاء، بينما تتيح قصة نوح للأجيال فرصة للتفكر في مصير المجتمعات التي أعرضت عن الحق، أما المواجهة بين موسى وفرعون، فهي نموذج للتأمل في صراع العدل والظلم عبر التاريخ، ومن خلال هذا السرد، يغدو الطالب أمام "مختبر تاريخي"، يتأمل فيه حركة البشر عبر الزمان؛ ليستخلص العِبرَ للحاضر والمستقبل. الحوار وضرب الأمثال: أدوات عقلية عميقة: يستخدم القرآن أسلوبَ الحوار لكشف التناقضات الفكرية، وإثارة التساؤلات العقلية؛ فحوار إبراهيم مع النمرود: ﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]، يفتح أفقًا تأمليًّا حول مفهوم السلطة والقدرة، كذلك تأتي الأمثال القرآنية لتجسيد المعاني المجردة في صور محسوسة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ [البقرة: 261]، الأمثال والحوار معًا يخلقان بيئةً ذهنيةً، تدفع المتعلم للتأمل وإعادة النظر في مواقفه. المنهج القرآني والمناهج التربوية المعاصرة: تتقاطع أساليبُ القرآن في تنمية التفكير التأملي مع أحدث نظريات التعلم، القائمة على الاستقصاء والتفكير الناقد، بينما تسعى المناهج الحديثة إلى تعزيز التعلم العميق، والابتعاد عن التلقين، نجد القرآنَ قد سبق إلى ذلك بمنهجه القائم على السؤال، والتفكر، والتأمل، وهذا يفتح المجال أمام الباحثين والمربِّين لإعادة قراءة القرآن كمصدر ثريٍّ، لبناء إستراتيجيات تعليمية متجددة. الخاتمة: يُبرهن القرآن الكريم على أن التفكير التأملي ليس ترفًا ذهنيًّا، بل ضرورة تربوية لصناعة إنسان مسؤول، وقادر على اتخاذ قرارات مستنيرة، ومن ثَم فإن استلهام المنهج القرآني في التعليم المعاصر يعزِّز مهاراتِ التحليل والنقد والتبصُّر، ويربط بين المعرفة والسلوك، ليُسهم في إعداد أجيال مؤمنة بقدرتها على فَهم العالم وتغييره.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |