|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العولمة وتدويل التعليم العالي في ظل توازن التأصيل ابتسام علي التركي و أحلام خالد البصام مقدمة تعتبر الجامعة أعلى المؤسسات التربوية، ولا تمثل الجامعة ذلك المجتمع التعليمي الصغير الذي ينطبق على المؤسسات التربوية والعلمية السابقة لها؛ حيث تتميز الجامعة بأنها المجتمع الأكبر والأقرب من هموم الوطن والمواطن، وقبل عصر العولمة كانت الوظيفة التقليدية للجامعة تتركز في تقديم المعرفة العلمية، أما اليوم فقد تغيرت وظيفة الجامعة وَفْق التطورات العالمية، ومن أهم ملامح هذا التغيُّر ذلك الصراع الذي يواجه الجامعة نحو التوفيق بين الهوية الوطنية والهوية العالمية، وهذا الصراع ما هو إلا انعكاس لذلك الصراع الذي يواجهه المجتمع ككل؛ فالعولمة ما هي في تعريفها الفلسفي إلا (تجاوز الحدود الزمانية والمكانية)، ومن هنا فمن عرَّف العالم ما بعد العولمة بأنه قرية كونية لم يجانبه الصواب؛ حيث يتعرض النسق التعليمي بكل مكوناته من مدخلات ومخرجات وسياسات تعليمية، لتأثيرات العولمة، وعمليات تدويل التعليم العالي والبحث العلمي التي نشهدها اليوم. وسنتناول في هذه الورقة مفهوم تدويل التعليم العالي، وأهميته، ونشأته، ومعوقاته، وسنعرض تجربة ألمانيا في تدويل التعليم العالي. مفهوم العولمة: حقيقة يحتار المرء في إيجاد تعريف محدد للعولمة أو الكوكبية إلى آخره من المصطلحات التي تعني في النهاية: العالم أو الكون، بمفهوم الوحدة الواحدة المتكاملة. قد يتبادر إلى ذهن البعض أن العولمة هي أقرب ما يكون من العالم العربي؛ وذلك لأن السواد الأعظم منه يعتنق الإسلام، والإسلام في حقيقته هو دين عالمي، على أساس ما أقره دستورا الإسلام (القرآن الكريم، والسنة النبوية) بعمومية ملكية الأرض، وأنها ليست حكرًا على أحد، وأن العالم عالم واحد بما يتفق ومفهوم العولمة؛ فهو لا يعرف الحدود التي صنعها الاستعمار..﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾ [النساء: 97]، إذًا فالأرض ملك الله، والإنسان خليفة في أرض الله.. يصلحها وينعم بها، وهذا الكلام قد يكون صحيحًا من الناحية النظرية؛ فالإسلام قد سبق العالم الحديث كعادته في كل الأمور، وقدم العولمة ولكن بمفهوم دِيني يضمَن المصلحة للجميع - ضعفاء وأقوياء - على حدٍّ سواء. أما من الناحية التطبيقية فالأمر يختلف اختلافًا جذريًّا؛ لأن ما يريده الإسلام يختلف عما يريده العالَم الغربي الذي يبحث عن مصلحته الخاصة دون النظر إلى مصلحة الآخر، بعكس الإسلام الذي صان حقوقَ الجميع، بل وجعل عقابًا لمن يهدر تلك الحقوق، أو يفسد في الأرض فسادًا يضر بالآخرين: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33]. إن العولمة بمفهومها الحالي لا يوجد بها مكان للشعوب الضعيفة الفقيرة التي تحبو نحو التقدم بخطوات متثاقلة، وهذه نظرة عنصرية لا تتفق مع شعارات العولمة التي نادت بعالم واحد، ومن الغريب أن بعض دعاة العولمة اعتبروا تلك السلبية من إيجابيات العولمة، وبرروا ذلك بأن الدول الضعيفة أو الفقيرة سوف تنمي قدراتها سريعًا، وتحقق التقدم المنشود حتى تصبح من الدول المتربعة على القمة، والتي تنعم بالحياة الرغدة في ظل العولمة الميمونة، وذلك هربًا من خطر الضياع (العريني، 2007). ومن تعريفات العولمة أنها: 1) في دلالتها اللغوية تعني جعل الشيء عالميًّا، بما يعني جعل العالم كله وكأنه في منظومة واحدة متكاملة، وهذا المعنى هو الذي حدده المفكرون باللغات الأوروبية للعولمة "Globalization" في الإنجليزية والألمانية، وعبروا عن ذلك بالفرنسية بمصطلح "Mondialisation". 2) كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى إدماج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد (حبيب وآخرون، 134،2005). 3) عرفها الحازمي (2012) بأنها عبارة عن مرحلة تمر بها المجتمعات، وتتضمن مجموعة من الوسائل والأساليب التي تُحدث علاقات ممتدة بين العالم في جميع المجالات الاقتصادية والفكرية والثقافية والسياسية والاستثمارية والاجتماعية، بالإضافة إلى توحيد النشاطات الإنسانية باستخدام تكنولوجيا العولمة، التي هي أداة تغيير معيشي. ومهما تعددت السياقات التي ترد فيها العولمة، فإن المفهوم الذي يعبر عنه الجميع في اللغات الحية كافة هو الاتجاه نحو السيطرة على العالم، وجعله في نسق واحد. وتشير العولمة إلى شيئين معًا: ![]() مفهوم تدويل التعليم العالي: لقد بدأ يطرح على ساحة المناقشات الدولية مفهوم التدويل كصيغة أفضل من العولمة في مجال التعليم، وطرح مفهوم التكتل الإقليمي، وهو إحدى الطرق التي تلقى اهتمامًا في الآونة الراهنة لمواجهة العولمة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، والتقليل من تأثيراتها السلبية. ولعملية التدويل بُعدان، أحدهما محلي، والآخر أجنبي، أو كما يسميهما بعضهم: (التدويل على صعيد الوطن)، و(التدويل على صعيد الخارج)، ومن باب التجاوب المباشر مع ظواهر عالمية تعرف بـ (العولمة) (باسكرفيل وآخرون،2011). ومن تعريفاته: يرى سعد (2011) أنه إستراتيجية تنتهجها الجامعة لتستجيب لقوى التغيير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ حيث يعطى الطلاب الفرصة لاكتساب الخبرة الدولية، وتطوير المهارات للعمل بفاعلية في العالم. ويعرف أيضًا بأنه قيام مؤسسات التعليم العالي بتحركات واثقة لتطوير مناهجها الدراسية، وتعزيز التفاهم فيما بين الحضارات، وتوفير فرص لتحسين مهارات إتقان اللغات الأجنبية (باسكرفيل وآخرون،2011). ما الفرق بين العولمة والتدويل؟ من المهم أن يفرق بين العولمة والتدويل؛ فالعولمة سبق بيانها وذكر تأثيرها على التعليم العالي، بينما التدويل هو أسلوب التعامل مع ظاهرة العولمة وتبعاتها (كاظم، 2007). نشأة تدويل التعليم العالي: لقد بدأ يطرح على ساحة المناقشات الدولية مفهوم التدويل: "Internationalization" كصيغة أفضل من العولمة في مجال التعليم، وطرح مفهوم التكتل الإقليمي، وهو إحدى الطرق التي تلقى اهتمامًا في الآونة الراهنة لمواجهة العولمة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، والتقليل من تأثيراتها السلبية، وتجرِبة الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن جديرة بالاهتمام. لقد أدركت دول الاتحاد الأوروبي الأهمية الكبرى للتعاون الأكاديمي فيما بينها في هذه الاتجاهات، وذلك بتوقيع إعلان "بولونيا" 1999 "Déclaration de Bologne"، فوضعوا قواعد مكثفة، تهدف إلى إحداث تقارب بين قطاعات التعليم العالي في الدول المختلفة من أجل إقامة محيط أوروبي للتعليم العالي، مع مراعاة أن هذا التقارب في القضايا المشتركة موضع الاهتمام، لا يُلغي في الوقت نفسه التنوع والتعدد والثراء الموجود في مؤسسات التعليم العالي الأوروبية. ويظهر الاتجاه العام خصوصًا لدى المنظمات التعليمية الدولية، مثل منظمة اليونسكو، وهو اتجاه نحو تأكيد أهمية التنوع الثقافي، وضمان وصول البلدان النامية إلى الموارد التعليمية المتاحة في العالم أجمع، (هذا ما أكده إعلان اليونسكو العالمي لسنة 2003). كما أن إستراتيجية "اليونسكو" المتوسطة الأجل (2002/2007م) ركزت على التحديات التي تطرحها العولمة؛ حيث جاء فيها: يتمثل أحد التحديات الجديدة المطروحة في الوقت الحاضر في بناء توافق في الآراء على المستوى الدولي بشأن المعايير والمبادئ المستجدة المطلوبة لمواجهة التحديات والمعضلات الأخلاقية الناشئة نتيجة للعولمة، وإن الاستثمار التجاري المتزايد في مجالات عديدة كانت تعتبر سابقًا من الخِدمات العامة؛ كالتعليم والثقافة والمعلومات - أصبح يعرض للخطر أشد فئات المجتمع العالمي ضعفًا، وأقلها نفوذًا من الناحية الاقتصادية، مع أنها لا تقلُّ أهمية عن غيرها من الفئات، كما أن انتشار التجديدات التكنولوجية وأجهزة المراقبة القوية، بات يقتضي اعتماد مناهج جديدة لحماية حقوق الأفراد، وبوجه عام هناك حاجة للاتفاق على آليات مقبولة عالميًّا لضمان المشاركة في العولمة وإدارتها بصورة عادلة، ولكن لا يوجد حاليًّا سوى القليل من القواعد لضبط التعامل مع هذه المسألة، وما لم يتم تحديد إطار متفق عليه على الصعيد العالمي بهذا الشأن، فسوف يظل الفقراء وضعاف الحال محرومين من الانتفاع بفوائد العولمة، ومن ثمة يجب العمل على أن تعود العولمة بالنفع على الجميع. ولغرض تحقيق تواصل بين الشمال والجنوب، قام منتدى اليونسكو "الترويج عن العولمة والتعليم العالي"، والمنعقد في أوسلو في مايو /أيار 2003، بتعميق النقاش عن طريق منح فرص التعليم للبلدان النامية، ووضع التعليم العالي في قلب التنمية الاجتماعية المستدامة، والتشديد على مفهوم التجارة المنصفة، والمناداة بتوفير تعليم عابر للحدود، بما في ذلك التعليم العالي بمساعدة تكنولوجيات المعلومات والاتصال لتقوية القدرات الوطنية في التعليم العالي، وليس لإضعافها (17)، وهو ما أكد عليه اجتماع المؤتمر العالمي لشركاء التعليم العالي (باريس يونيو/ حزيران 2003)، والمتعلق أساسًا بأوضاع هيئة التدريس، وطرائق البحث العلمي، ومشكل الشهادات. إن ما يميز أنشطة التعليم العالي التي تصنف ضمن فكر التدويل عن الأنشطة التي تصنف ضمن فكر العولمة، ليس اختلاف طبيعة الأنشطة ذاتها، بل الدوافع والمنافع المتوقعة منها. إن التدويل في مجال التعليم العالي يرتبط بمبادئ أساسية، مثل: التنوع، والتعاون الدولي، والتضامن بين المؤسسات، وإقامة شبكات المعلومات، والمشاركة العالمية، والتبادل المعرفي، على أسس من النفع المتبادل، أما العولمة فإنها تتبنى مبادئ مماثلة، ولكن في إطار أشد خطورة، مثل: الاندماج، والتجانس، والتنميط (قوي، د.ت). أهمية تدويل التعليم العالي: اتسمت حِقبة التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة بخصائص غير مسبوقة، ستؤثر بشكل كبير في برامج التعليم العالي، ونظمها وآليات عملها، ويمكن تجميع هذه الخصائص بشكل عام في النقاط الرئيسية التالية: 1 - تنامي دور العلم والمعرفة بالشكل الذي أسهم في ربط استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمدى نجاح الدول النامية في تحقيق مستويات عالية من (التقدم العلمي، والتطوير التقني)، وقد ساهم ذلك في ظهور الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية (High Value Added Activities)، التي يمثل بها جانب العلم والمعرفة عنصرًا أساسيًّا من عناصر الإنتاج الرئيسية، إلى جانب العمل، ورأس المال. 2 - التطور غير المسبوق في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعاظم تأثيراته في طرق التعلم والتدريب والبحث العلمي من ناحية، والأنشطة الاقتصادية والمجتمعية من ناحية أخرى. 3 - التأثيرات المتزايدة لظاهرة العولمة بما تمثله من حرية تدفق التكنولوجيا، والاقتصاد، والمعرفة، والأفراد، والقيم، والأفكار عبر الحدود، واتساع نطاق اتفاقيات التجارة الدولية لتشمل الخدمات التعليمية، مما أدى إلى سرعة التوجه نحو تدويل نظم التعليم العالي من ناحية، وساهم في تراجع دور الدولة في صياغة سياساتها الوطنية في مجال التعليم وتنمية الموارد البشرية، من ناحية أخرى. 4 - اتساع نطاق التوجه التنموي نحو الخصخصة، وإعادة صياغة دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وانعكاس هذا التوجه على نظم التعليم العالي وهياكله الأكاديمية. وقد ساهمت هذه الخصائص غير المألوفة سابقًا في التوسع الكمي في أعداد الطلاب والمؤسسات التعليمية بوجه عام، والتباين في الهياكل المؤسسية للتعليم العالي وبرامجها الأكاديمية على وجه الخصوص، ويمكن تلخيص السمات الجديدة لنظم التعليم العالي في الألفية الثالثة على النحو التالي: • تَنامٍ ملحوظ في معدلات الطلب على خدمات التعليم العالي، وتزايد الضغوط على مؤسسات التعليم العالي الوطنية لإعداد خريجيها للعمل في إطار دولي يتواءم مع قواعد العولمة ومجتمع المعرفة. • ظهور مقدمين جدد للخدمات التعليمية، مثل: الشركات الخاصة في مجال التعليم، والمؤسسات متعددة الجنسيات التي تقدم فرص التعليم العالي عبر الحدود. • ظهور أشكال وتقنيات جديدة متطورة لتقديم الخدمات التعليمية والتدريبية، مثل: التعليم الإلكتروني، والتعليم من بُعد، والجامعات الافتراضية. • تزايد الحراك الأكاديمي للطلاب، والأساتذة، والبرامج التعليمية عبر الحدود، مما ساهم في خلق مناخ تنافسي أكثر انفتاحًا على المستوى العالمي، وحدوث تغيرات هيكلية في أسواق العمل وأساليب البحث العلمي. • تنامي الحاجة إلى وجود أنماط وبرامج للتعليم المستمر، مثل: التعليم المفتوح، وتعليم الكبار، والتعليم مدى الحياة. • تزايد الضغوط على مؤسسات التعليم العالي لتنويع مصادر التمويل المتاحة بفعل تراجع قدرة القطاع العام على تمويل الاستثمارات اللازمة لتحقيق النقلة النوعية المرغوبة في التعليم العالي، مما قد يغذي بشكل عام التوجه إلى التعامل مع مؤسسات التعليم العالي كوحدات تجارية، أو اعتبار خدمة التعليم العالي كسلعة تخضع لآليات وقواعد عمل الأسواق التجارية (Commercialization or Commodification of higher education). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |