سمات المسلم الإيجابي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4877 - عددالزوار : 1871077 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4445 - عددالزوار : 1206862 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 9756 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 3497 )           »          الخوارج أوصافهم وأخلاقهم.. وذكر التعريف الصحيح لهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 129 - عددالزوار : 65134 )           »          الملك القدوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          حديقة الأدب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 98 - عددالزوار : 29679 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 4640 )           »          عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 449 - عددالزوار : 86066 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 25-05-2025, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,816
الدولة : Egypt
افتراضي سمات المسلم الإيجابي

سمات المسلم الإيجابي

الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

نص الخطبة:
الحمد لله المُنعِم بالخيرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربُّ البريَّات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، المؤيَّد بالمعجزات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه في سائر الأوقات؛ أما بعد:
فإن الإيجابية في حياة المؤمنين سِمَةٌ وعلامة بارزة وواضحة؛ لأنهم كما وصفهم الله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [التوبة: 71].

والإيجابية تعني أن يكون المسلم فيضًا من العطاء قويًّا في البناء، ثابتًا حين تدلهمُّ الخطوب، لا ييأس حين يقنط الناس، ولا يتراخى عن العمل حين يفتُر العاملون، يصنع من الشمعة نورًا، ومن الحزن سرورًا، متفائلًا في حياته، شاكرًا في نعمائه، صابرًا في ضرائه، قانعًا بعطاء ربه له، مؤمنًا بأن لهذا الكون إلهًا قدَّر مقاديره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

والإيجابية معناها: اندفاع المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، لتكييف الواقع الذي من حوله وتغييره إلى الأفضل، وتكتمل معاني الإيجابية حين يحقق المسلم في حياته قولَ الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

والقرآن الكريم مليء بالأمثلة الإيجابية، بل إن المُتتبِّع للقرآن الكريم يجد أن مِن أكثر الأمثلة ضربًا في القرآن هي الإيجابيَّة، ونبينا صلى الله عليه وسلم يحثُّ على الإيجابية؛ ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها، فَلْيَغْرِسْها))؛ [رواه أحمد والبخاري في الأدب، وسنده صحيح].

وإن أهم ما يُميِّز المسلم الإيجابي أنه يدرك أن له في الحياة رسالةً، فإنه لم يأتِ إلى الدنيا ليعيش كما تعيش الأنعام، ثم يخرج بلا أثر، إنما جاء الإنسان في هذه الحياة ليترك فيها بصمته، وإن الناظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يرى الإيجابية واضحة في كل معانيها، من يوم أن كان غلامًا يتيمًا إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لذلك لَمَّا أتى النبيَّ عليه الصلاة والسلام الوحيُ، وأصاب منه ما أصاب، وهزَّه هزةً شديدةً، أسرع إلى خديجة يقول: ((زمِّلوني زمِّلوني، دثِّروني دثِّروني، فإذا بالحق يوحي إليه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4]، وفي الأخرى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1 - 5]، فقام فأدَّى دوره في هذه الحياة، وكان يقول: مضى وقتُ النوم، ولقد استطاع نبينا صلى الله عليه وسلم أن يُغيِّر من وجه الأرض خلال ثلاثة وعشرين عامًا، وتمكَّن صلى الله عليه وسلم من إقامة دولة الإسلام في هذه المدة الوجيزة، هذه الغاية التي حقَّقها صلى الله عليه وسلم ولم تتحقق لأحد من إخوانه الأنبياء من قبله.

وهكذا ربَّى أصحابه على معاني الإيجابية الفاعلة؛ لقد كان يقول لهم صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال الصالحة))، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس))، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((استعن بالله ولا تعجز)).

وكان يكره أن يُرى الرجل بلا عمل، وإذا اشتكى إليه الرجل القوي قلةَ المال، قال له: ((اذهب فاحتطب))، وكان يشجع عبدالله بن عمر ويقول: ((نعم الرجل عبدُالله، لو كان يقوم الليل))، بل كان يشجع الأعمال الصغيرة ويُثيب عليها، حتى تلك التي زهِد فيها الناس اليومَ، ويرونها عملًا قليلًا؛ كتنظيف المسجد مثلًا، فحينما ماتت تلك المرأة التي كانت تقمُّ المسجد وتُطيِّبه بالبخور، سأل عنها صلى الله عليه وسلم، فأخبر بموتها، وغضِب لما لم يُخبَر، فذهب وصلى عليها بعد أن دُفنت.

وهذه إيجابية: أبو بكر رضي الله عنه لما أسلم، لم يكتفِ بأن يجلس في بيته، ويقول: محمد هو المكلَّف وحده بتبليغ الرسالة لجميع الناس - هذا ليس منطقًا - إنما من منطلق الإيجابية، توجه إلى عثمان بن عفان وقال: أعلِمت أن الله بعث محمدًا نبيًّا ورسولًا؟ ألا تؤمن به؟ فآمن عثمان، فذهب إلى الزبير بن العوام، فأسلم الزبير، وذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح، فأسلم وذهب إلى بلال، وقال: إن الله بعث محمدًا بالهدى ودين الحق، وأنا أدعوك إلى الإيمان به، فقال بلال: يا أبا بكر، هلَّا انتظرت إلى الصباح؟ فأسلم بلال لذلك.

وهذه إيجابية الطُّفيل بن عمرو الدوسيِّ رضي الله عنه: كان يتحاشى ويحاذر أن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب تحذير قريش، فلما سمعه، وأدرك صدقه، بعقله، وثاقب نظره، وفطرته السليمة، آمن، ولكن الرجل لم يكتم إيمانه في قبيلته (دوس)، ولم ينكفئ على نفسه، دون أن يكون له أثر، وإنما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية، فلما أقبل على قومه، جعل الله له نورًا بين عينيه، فسأل الله أن تكون في غير هذا الموضع، حتى لا يظنها قومه مُثلة، فكانت في رأس سَوطه، فلما جاءه أبوه قال: إليك عني، ما أنا منك، ولا أنت مني، وصنع ذلك مع زوجه، وقبيلته، فقالوا: ماذا أصابك؟ قال: إني آمنت بالله، فإما أن تؤمنوا بما آمنت به، أو أفارقكم، فلم يزل بهم حتى وافقوه، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم عامَ خيبر، ومعه سبعون من قبيلته دوس، رجل واحد يأتي بسبعين رجلًا، منهم أبو هريرة.

فلو لم يكن من فضائله رضي الله عنه، إلا أن أسلم على يديه أبو هريرة رضي الله عنه، لكفى، كفى أن أبا هريرة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنة من حسنات هذا المؤمن الفاعل النشيط، الذي وقر الإيمان في قلبه، فظهر على أعماله وسلوكه.

أيها المسلمون، من أهم ما يُميِّز المسلم الإيجابي النصيحة؛ لأن ((الدين النصيحة)) كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلًا؛ فقال: ((مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء، مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا فلم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوا ونَجَوا جميعًا))؛ [البخاري].

وتدبَّر في قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى؛ ويقول: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20].

انظر كم من الجهد بُذِل في زمان لم تكن وسائل المواصلات والاتصالات سهلةً ومُيسرةً، كما في أيامنا هذه! فكم من الثمن دفع تضحية لإنقاذ حامل الحق الذي أراد تبليغه! إنها الإيجابية والإيمان بالفكرة والدعوة والطريق.

وتأمل في قصة مؤمن آل ياسين؛ قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ [يس: 20 - 25].

إنها استجابة الفِطَرِ السليمة لدعوة الحق المستقيمة، فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها، ثم لم يُطق عليها سكوتًا، ولم يجلس في بيته، ولم ينشغل بأعماله ودنياه، وهو يرى الضلال من حوله، ولكنه سعى بالحق إلى قومه، وهذه هي الإيجابية.

حتى النملة إيجابية؛ قال تعالى: ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 17، 18].

انظر كيف حذَّرت النملة قومَها من الأخطار المحيطة بهم، واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور، وخاطبت أمتها بالقول السديد والرأي الرشيد، فهل فكَّرت يومًا في تحذير قومك من مؤامرات الأعداء؟

أيها الأحِبة، إن المسلمين قد ضربوا أروع الأمثلة في عمارة هذه الحياة، وفي تغيير هذا الكون، وسَطَّر لهم التاريخ تاريخًا مجيدًا، ولأهمية هذا الأمر كان الله تعالى يدعو المؤمنين إلى تغيير الحياة من حولهم، لا يكتفون بتغيير أحوالهم فقط، ولكنهم يُغيرون ما حولهم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:
فإن من أهم ما يميز المسلم أنه إيجابي حتى في أمنياته، فالأمانيُّ الإيجابية هي بذور صادقة، ومشاعرُ جيَّاشة، إذا سُقيت بالجِدِّ والمتابعة، والعزيمة الصادقة، معها إخلاص وهمة لا تفتر، فسوف تؤتي أُكُلَها عاجلًا لا آجلًا.

والأمنيات هي تلك الأشياء الجميلة التي نحبها، ونرغب فيها، ونريد أن نصل إليها؛ لأنها ليست في أيدينا الآن، ولكل إنسان في هذه الحياة أمنيات وآمالٌ يسعى إلى تحقيقها، وتختلف تلك الأمنيات باختلاف الأفراد، وعلى قدر علوِّ همة الشخص وسموِّه، تسمو أمنياته وترقى، وعلى قدر سعيه نحو تحقيقها، يصل إلى ما يرنو إليه، وتتفاوت هذه الأمنيات وتلك الآمال بتفاوت الأشخاص زمانًا ومكانًا، فأصحاب الهِمَمِ العالية لهم أمنيات وطموحات تختلف عن أمنيات وطموحات أصحاب الهمم الدنيئة، وحين نُقلِّب سيرة سلفنا الصالح، نراهم قد تمنَّوا وحدَّثوا غيرهم بما يدور في نفوسهم من الطموحات والتطلعات، وتأمل معي هذه الأمانيَّ، فهذا نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم يتمنى أمنياتٍ عدة، تمنى لو أن له مثل أُحُدٍ ذهبًا، فلا يأتي عليه ثلاثُ ليالٍ إلا وقد أنفقه في سبيل الله؛ روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو كان عندي أُحُدٌ ذهبًا، لأحببت ألَّا يأتي عليَّ ثلاث وعندي منه دينار - ليس شيء أرصُده في دَينٍ عليَّ - أجد من يقبله)).

وتمنى صلى الله عليه وسلم هداية قومه، وتمنى أن يكون أكثر الناس تبعًا يوم القيامة، وتمنى رؤية إخوانه؛ ((وددت أني رأيت إخواني الذين لم يأتوا بعدُ))، وتمنى صلى الله عليه وسلم أن تكون أمته شَطْرَ أهل الجنة، وتمنى صلى الله عليه وسلم الشهادة في سبيل الله: ((والذي نفسي بيده، لَوددتُ أني أُقتل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل)).

أما عن أمنيات الصحابة رضوان الله عليهم؛ فهذا ربيعة بن كعب الأسلمي يتمنى مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود)).

أما فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد كان كثير التمني، حتى إنه لَيسمع أصحابه بعض أمنياته، تمنى أن يُغني أرامل أهل العراق، فلا يحتجن لما في أيدي الناس، وهو في المدينة، واجتمع بأصحابه يومًا فقال لهم: تمنَّوا، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله، فقال عمر: تمنَّوا، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة لؤلؤًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله، فقال عمر: ولكني أتمنى رجالًا ملءَ هذه الدار مثلَ أبي عبيدة بن الجراح.

وداخل الحجر يجتمع عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير، فقالوا: تمنَّوا، قال عبدالله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة، فنالها، وقال عروة أخوه: أما أنا فأتمنى أن يُؤخذ عني العلم، فنال ذلك، وقال الأخ الثالث مصعب: وأما أنا فأتمنى إمارة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم، وجهَّزها بمثلها.

وقال عبدالله بن عمر: وأما أنا فأتمنى مغفرة الله.

وأقول: هؤلاء الأربعة الكرام طارت بهم أحلامهم وغاياتهم بين دنيا وآخرة، وسعى كل واحد منهم بعزم صادق، وهمة راسخة، وإرادة تُذيب كل صعب ووعْرٍ يقف في طريقها، حتى بلغوا ما أرادوا بتوفيق الله - لا شك - وليس عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بغريب أو عجيب أن تكون أمنيته الجنة، وهو من أشد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تقيدًا و(بشكل حرفي تمامًا) في كثير من الأحيان اقتداءً بهديه قولًا وسلوكًا، بل وعادات وتصرفات.

فيا من هرمت، ويا من كبرت، ويا شابًّا في ريعان شبابه، ويا من أنت في فُتُوة رجولتك، ماذا يا تُرى تتمنى؟! ما الأمنية التي تقارعك ليلَ نهار؟! تصارع عقلك وتصارع فكرك، سبقت جميع الأمنيات، فأصبحت هي الأمنية التي تؤرِّق ليلك، وتؤرِّق نهارك، يا تُرى هل عرفت الإجابة؟!

والله تعالى يعطي كل إنسان على حسب سعيه وحسب ما يتمنى؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 18 - 21]، وقال: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145].

أسأل الله أن يُثبِّتنا وإياكم على الخير والصلاح، وأن يجعلنا من النافعين للبلاد والعباد، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقم الصلاة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.42 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]