الأيام المعلومات وذكر الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4871 - عددالزوار : 1854616 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4438 - عددالزوار : 1193623 )           »          اذكر الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الإنتصار على الهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الإقبال على الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 65 )           »          الخطاب فى القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 103 - عددالزوار : 64742 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 2289 )           »          إصلاح ذات البين.. مهمة.. وإنجاز عظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 11:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة : Egypt
افتراضي الأيام المعلومات وذكر الله

الأيام المعلومات وذكر الله!

حسان أحمد العماري
الخطبة الأولى
الحمد لله المطلع على ما تكنُّه النفوس والضمائر، الذي أحاط علمه بكل شيء باطنٍ وظاهرٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ يرجو بها النجاة يوم يدخل قبره ويلقى ربه.
والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وحبُّك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أُحدِّثُهم
إلَّا وأنت حديثي بين جُلَّاسي


وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، ما ترك خيرًا إلا ودلَّ أمته عليه، ولا شرًّا إلا وحذَّرها منه، فتركها على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك، هدى الله به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، فصلوات ربي وسـلامه عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد:
عباد الله، من فضل الله ومنته عليكم أن جعل لكم مواسم تستكثرون فيها من العمل الصالح، وأمدَّ في آجالكم، فأنتم بين غادٍ للخير ورائح، ومن أعظم هذه المواسم وأجلِّها أيام عشر ذي الحجة التي تحل بنا هذه الأيام، وقد ورد فضلها في الكتاب والسنة، فقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 1، 2]، قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة، وقال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج: 28]، قال ابن عباس: أيام العشر، وفيها العمل الصالح مهما كان يتضاعف إلى أضعاف كثيرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما العمل في أيام أفضل من هذه العشر"، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد؛ إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء"؛ [رواه البخاري].

ومن أراد أن يستشعر فضل هذه الأيام ويتصور ذلك فليتدبَّر ما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجهاد وفضله؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ؟ قَالَ: "لا أَجِدُهُ"، قَالَ: "هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلا تُفْطِرَ؟" قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟! (رواه البخاري ومسلم)، ومع ما للجهاد من هذه المكانة يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطاعة في العشر أفضل منه، أما الجهاد فيها فلا شيء يعدله، فعلى المسلم أن يغتنم هذه الأيام المباركة بالتقرب إلى الله بعد الفرائض بالنوافل؛ كالصلاة والصيام وقراءة القرآن والصدقة؛ لما فيها من التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه، عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11]، ومن ذلك: بِرُّ الوالدين، وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البَيْن، والعفو والتسامح، وتقديم النفع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأعمال الصالحات، بالإضافة إلى قيام المسلم بالاستكثار من الدعاء، وذكر الله وتحميده وتهليله وتمجيده خلال هذه الأيام في بيته وشارعه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِن التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"؛ رواه أحمد (7/224)، قال البخاري رحمه الله: "كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكبِّران، ويُكبِّر الناسُ بتكبيرهما"؛ (البخاري) (1/329).

أيها المؤمنون، ذكر الله تعالى منزلة من منازل هذه الدار يتزوَّد منها الأتقياء، زيَّنَ اللهُ به ألسنةَ الذَّاكرين، كما زيَّن بالنور أبصار الناظرين، به تستجلب النعم، وبمثله تُدفَع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح. فما أشدَّ حاجة العباد إليه! وما أعظم أثره في حياتهم! لذلك لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال، قال ربّنا تعالى ذكره: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء: 103]، وبعد أداء صلاة الجمعة يوصينا ربنا ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10]، وفي مناسك الحج يأتي الأمر بذكر الله في ثنايا أعمال الحجيج ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة: 200]، وفي الجهاد في سبيل الله وحال ملاقاة الأعداء يأمر الله تعالى بالثبات وبالإكثار من ذكره: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال: 45].

عباد الله، ما أكثر مشاكلنا وهمومنا اليوم على المستوى الفردي والجماعي! هموم ومشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية، قلق واضطرابات نفسية وعصبية تصيب الفرد، فتعكر صفو حياته، فكان من وسائل الإسلام لحماية الإنسان تربية روحه والاهتمام بجوهره؛ ليستمر عطاؤه في هذه الحياة، فكان ذكر الله، والتعلُّق به، واللجوء إليه، زادًا للأرواح، وغذاء للقلوب، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28]، إن خيرَ الأعمال وأزكاها عند اللهِ هو ذكر الله، فعن معاذِ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله: "ألا أنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذهب والفضَّة، ومِن أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم ويضربوا أعناقكم؟"، قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: "ذكرُ الله"؛ [مسند أحمد (5/195)، سنن الترمذي (3377)].

وكفى بذكرِ الله شَرفًا أن الله سبحانه وتعالى يذكر صاحبه، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله: "يقول الله تعالى: أنا عِند ظنِّ عبدي بي، وأنا معَه إذا ذكرني، فإن ذكرَني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم"؛ (البخاري/ 7405).. بل إن ذكر الله من العبادات التي يُباهي الله بها ملائكته؛ فعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله.

قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟"، قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا.

قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟"، قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة"؛ (مسلم (2701)). قال تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور: 37]، وانظروا إلى حال كثير من الناس اليوم لا يفتر لسانهم عن ذكر الملوك والرؤساء والزعماء وأحداث العالم وأخبار الرياضة والفن والمخترعات ووسائل التقنية وأنواع الأطعمة والغذاء والدواء والملابس وأسعار العملات والذهب والبورصات في منتدياتهم ودواوينهم ووظائفهم وأسواقهم وطرقاتهم وفي وسائل المواصلات، ولا تكاد تجد من يذكر الله؛ فنتج عن ذلك قسوة في القلوب، وخواء في الروح، وضيق وقلق في النفوس، وأمراض نفسية، وسوء علاقات بين الأفراد، وجرأة على المعاصي، والتساهل في القيام بالعبادات والطاعات، وانعكست هذه الآثار السيئة على واقع الأمة، والله عز وجل قد حذَّر من ترك هذه العبادة، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون: 9]، وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الزمر: 22]، والله عز وجل ذمَّ المنافقين فقال: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142].

أيها المسلمون، وذكر الله عبادة تلازم العبد طوال عمره، وتزداد أهميتها في مواسم الطاعات وعند الحاجة ونزول الابتلاءات، جاء رجل يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة شرائع الإسلام عليه، ويطلب منه إرشاده إلى ما يتمسَّك به، ليصل به إلى الجنة، فبماذا أجابه الحبيب صلى الله عليه وسلم؟ عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع الـقـيـام بكلها، فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى، وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، وأنا قد كبرت، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال: "لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى"؛ أخرجه الترمذي.

والذكر نهر جارٍ من الحسنات لا ينضب معينه، ولا يتكدر صفوه، ولا يتأخَّر رجاؤه، ولا يضيع أجر فاعله، لا يسأمه الجليس، ولا يملّه الأنيس، عن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من القائل كلمة كذا وكذا؟"، قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: "عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء"، قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؛ (مسلم).

وأهل الذكر هم أهل الله، اختصَّهم برحمته، وامتنَّ عليهم بمغفرته، ومن فضلهم وعلو منزلتهم عند ربهم أن جعلهم القوم الذي لا يشقى بهم جليسهم حتى وإن لم يفعل مثلهم، ووالله إنها كرامة لهم ودليل قربهم من ربهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا.

قال: فيسألهم ربهم - وهو أعلم منهم - ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون: يُسبِّحونك ويُكبِّرونك ويحمدونك ويُمجِّدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادةً، وأشد لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون:لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا، وأشد لها طلبًا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: "لو رأوها كانوا أشدَّ منها فرارًا، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"؛ رواه البخاري (ح 6408).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
عباد الله، المسلم الذاكر يصحو وينام، ويقوم ويقعد، ويغدو ويروح، وفي أعماقه إحساس بأن دقَّات قلبه، وتقلُّبات بصره وحركات جوارحه كلها في قبضة الله وتحت قدرته، في أعماقه إحساس وإيمان بأن إدبار الليل وإقبال النهار، وتنفُّس الصبح وغسق الليل، وحركات الأكوان، وجريان الأفلاك؛ كل ذلك بقدرة الله وأقداره ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191].

ويوم المسلم يبدأ مع بزوغ الفجر أو قبيل ذلك، ليمتد النهار سبحًا طويلًا، متقلبًا في الغدو والآصال، والعشي والإبكار، يستيقظ المسلم مع طلائع الصبح المتنفس مستفتحًا هذا اليوم يذكر الله قائلًا: "الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وردَّ عليَّ روحي، وأذن لي بذكره"؛ [حسن: صحيح الترمذي 144/3)]، من حديث أبي هريرة. "أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد، وعلى مِلَّة أبينا إبراهيم، حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين"؛ [صحيح].

إنه تجديد للإيمان والعهد مع الله في صباح كل يوم؛ لأن الإيمان يبلى في القلوب ونعم الله تترى؛ فكان لا بد من الاعتراف بالعبودية لله، وهذا شأن كل مسلم.

والذكر يمدُّ المسلم بالقوة الروحية والبدنية، فقد اشتكى عليٌّ وفاطمة رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تواجهه من الطحن والعمل المجهد، فسألته خادمًا، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسَبِّحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمداه ثلاثًا وثلاثين، وكَبِّراه أربعًا وثلاثين، فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان"، فقال علي رضي الله عنه: ما تركتها بعدما سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال له: "يا معاذ، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعِنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

عبـاد الله، وذكر الله يكون بتلاوة القرآن، وأداء الفرائض، وبالتسبيح والتحميد، وبالذكر والثناء والاستغفار، ويكون بالخوف والرجاء، ويكون بالمداومة على أذكار الصباح والمساء، ويكون بالتفكُّر قي مخلوقات الله وفي ملكوته، ويكون الذكر بوقوف العبد عند أمر الله ونهيه، ومعرفة الحلال والحرام، وذكر الله يكون في التبري من أعدائه، وموالاة أوليائه، وقول الحق ونصرة المظلوم، فما أحوج الأمة اليوم؛ أفرادًا وشعوبًا ودولًا، حُكَّامًا ومحكومين إلى ذكر الله والتضرع بين يديه لاستجلاب النصر والتمكين وللخروج من هذه الأزمات الطاحنة التي صرفت الناس عن دينهم وذكر ربهم! فاتقوا الله- رحمكم الله - وقوموا بحق الله وذكره، واستغلوا أيامكم ومواسم الطاعات وخاصة هذه العشر من ذي الحجة؛ لما للأعمال فيها من فضل وأجر، وقد آن لنا أن نعود إلى الله بطاعته وتحكيم دينه والإكثار من ذكره، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغنِنا بفضلك عمَّن سواك، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا، ولسانًا ذاكرًا، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين.

هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغارًا.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نِعَمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.00 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]