أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الجــــــــــــــــــدال ​ بين الأمر والنهى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          القواعد التى تدور الأحكام عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          سنن الخلفاء الراشدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الاحتياط وقطع الذرائع والمشتبه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          خلاف العلماء في حكم جلد الميتة بعد الدباغ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تفسير قوله تعالى: ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          عناية الصحابة - رضي الله عنهم - بحفظ القرآن وضبطه في محفوظا في الصدور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تحريم رفع الصوت على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          {تحيتهم فيها سلام} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف تكون عبدا ربانيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-08-2025, 03:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (1)

التكفير والهجرة «جماعة المسلمين»


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة بين يدي الدراسة:-
للدعوة السلفية في مصر تاريخ عريق في تأصيل المسائل العلمية وتحرير القضايا الخلافية، وذلك منذ أن نشأت بوصفها مدرسة سلفية في سبعينيات القرن الماضي إلى أن اتسع نشاطها، وأصبحت تهتم بالعلم والدعوة والسلوك وإصلاح المجتمع والأعمال الخيرية وغيرها.
والدعوة السلفية عانت منذ بدايتها تعدد الخصومات الفكرية بينها وبين عدد لا بأس به من التيارات والجماعات التي كانت موجودة بقوة في ذلك الحين، فقد واجهت الدعوة في بداية نشاطها خطر التكفير بكل أنواعه؛ الصريح منه والمستتر، وواجهت أيضاً تيارات العنف والصدام واستخدام السلاح وتغيير المنكرات بالقوة، وقد ظلت الآثار السيئة لتبنى هذه المسالك متواجدة حتى وقت قريب إلى أن جاءت مراجعات الجماعة الإسلامية وتبعتها بعدها بفترة جماعة الجهاد، وواجهت الدعوة كذلك التيار الذي تبنى مسلك تمييع القضايا والتزلف للجماهير.
والدعوة السلفية إذ تقوم بذلك الجهاد الفكري منذ قديم الزمان لا تنتظر مدحاً من أحد، ولا تعير اهتمامًا لنقد من ناقدة؛ لأنها تقوم بذلك ديانة وأمانة فهي تؤمن بأن هذه الأفكار ضارة وهدامة، وتؤثر على مسيرة الدعوة الإسلامية بالسلب، وتدمر العلاقة بين الدعاة والمجتمع، وتسهم في عرقلة تطبيق المشروع الإسلامي وتنفير الناس منه.
وقد رفعت الدعوة السلفية لواء الدفاع عن العقيدة والاهتمام بقضايا التوحيد وأصول الدين والإيمان، معتمدة على محورين مهمين:
- الأول: جانب البناء الذي يُعنى بتثبيت معاني العقيدة في القلوب كما جاءت في القرآن الكريم وفى السنة المطهرة.
- والثاني: هو جانب الهدم ويهتم بالتعرض للأفكار الباطلة والمذاهب المنحرفة وطرائق مناقشتها والردود العلمية عليها، وقد تحملت الدعوة في سبيل ذلك العديد من الاتهامات، مثل من اتهمها بإذكاء الخلافات القديمة لصالح جهات مشبوهة،وتحملت كذلك كثيراً من الاستخفاف والسخرية بزعم أنها تستهلك الوقت، وتشغل الأمة بقضايا تافهة لا تواكب قضايا الزمن ولا اهتمامات العصر.
وقد كان رد الدعوة دائماً يتمثل قول القائل « تعلم العلم فإنك لا تدرى متى تحتاج إليه؛ «ولأن الأفكار من طبيعتها أنها تتجدد وتتطور مع الوقت، فصمام الأمان للأمة أن تحصن نفسها بإجراءات وقائية تحمى المجتمع من الخطر قبل مجيئه. وإذا طبقنا ذلك على موضوع البحث سنتيقن مدى أهمية هذا السلوك الوقائي المبكر وحساسيته؛ لأنك لا تستطيع أن تتكهن ببداية الأزمة ولا بحجمها، وبالتالي إذا لم يكن هناك الاستعداد الكافي لها فسيتأخر الرد أو يتعطل والله أعلم كم سيكلف ذلك من خسائر.
ومن خلال هذا المقال سوف نتناول فكر جماعة (شكري مصطفى) التي عُرفت إعلامياً باسم (التكفير والهجرة) وهي أقدم جماعات التكفير في مصر وهي النبتة السوداء التي انقسمت على نفسها، وتشرذمت إلى جماعات وطوائف وفرق تكفر بعضها بعضا وتلعن بعضها بعضا كعادة أهل البدع، وربما انطفأت جماعات أو ماتت ولكن يبقى الفكر حياً لا يموت، تتوارثه أجيال أخرى، وتتلقف رايته قيادات جديدة تزيد وتنقص، وتتسمى بأسماء، وتتصف بصفات، ولكن جوهر الفكر واحد مع تعدد الأنواع وتنوع الأسماء.
1- الظروف التي نشأت فيها الجماعة:-
المؤسس الأول للجماعة في مصر هو الشاب (شكري أحمد مصطفى) من مواليد محافظة أسيوط عام 1942، وكان طالباً في كلية الزراعة جامعة أسيوط، وقد كان شكري أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتم اعتقاله في عام 1965 فيما يعرف بقضية تنظيم (65) الذي كان يقوده الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – والمثير للدهشة أن الأستاذ سيد كانت أسرته الخاصة في جماعة الإخوان مكونة من ثلاثة أفراد الأول هو شقيقه الأستاذ محمد قطب الذي التصق اسمه بالتيار القطبي، والثاني هو الأستاذ عبد المجيد الشاذلي الذي صار هو الآخر مؤسساً لتيار فكرى مستقل عُرف بعد ذلك باسم (التوقف والتبين)، والثالث هو شكري مصطفى مؤسس (جماعة المسلمين) موضوع كلامنا في هذا المقال.
أما عن الظروف التي نبتت فيها هذه النبتة المسمومة، فنستطيع أن نرصد ثلاثة أسباب رئيسية أسهمت مباشرة في ميلاد هذا الفكر المدمر:-
1) العذاب والتنكيل بمختلف أنواعه وبجميع صنوفه الذي واجهه هؤلاء الشباب داخل السجون والمعتقلات بالدرجة التي جعلتهم يعتقدون أن من يعذبونهم أشد كفراً من كفار قريش أنفسهم، هذه المبالغة في التعذيب والإيذاء كانت في الحقيقة عقيدة ومذهبا للنظام الناصري مع كل معارضيه ومناوئيه سواء كانوا من الإسلاميين أم من غيرهم، بيد أن الإسلاميين كان لهم حظاً أوفر من غيرهم في هذا الإيذاء، ولكن هؤلاء الشباب المساكين لم يتصوروا إلا أن يكون الدافع الأساسي لهؤلاء هو الكفر الصراح فبدؤوا بتكفير من يعذبونهم ثم من يأمرونهم بالتعذيب وهكذا حتى وصلوا لتكفير الجيش والشرطة والرئيس والحكومة على اختلاف فيما بينهم بين موسع لدائرة التكفير وبين مضيق لها.
2) الصمت الرهيب من الجماهير على ما يتم من تعذيب واعتقالات لرجالات الدعوة الإسلامية الذين أحبوهم وتفاعلوا معهم، فظن هؤلاء الشباب – خطأ ووهماً - أنهم لأجل هذا الحب والتأييد سوف يضحون بالغالي والنفيس من أجلهم، وأنهم سينتفضون لأجل رفع هذا الظلم عن إخوانهم، ولكنهم فوجئوا أن الجماهير صمتت صمت القبور، وأن همها الأساسي متوجه للبحث عن احتياجاتها الأساسية الشخصية، مع وجود قدر من التعاطف القلبي مع المظلومين بطبيعة الحال، لكن هذا التعاطف لن يدفعهم للقيام بثورة مثلاً، وهنا كانت الكارثة الكبرى أن هؤلاء الشباب الذين لم يفرغوا بعد من تكفير النظام والحكومة إذ بهم يكفرون عموم الشعب ممن رضي بالظلم وسكت عن حكم الطاغوت.
3) الجهل الشديد لدى هؤلاء الشباب وعدم معرفتهم بالأصول الشرعية والقواعد العلمية في التكفير والتفسيق والتبديع، وتأثرهم عاطفياً بحالة الظلم والانتهاك لحريتهم وكرامتهم ومع عدم وجود الشيوخ والعلماء الذين يضبطون هذه المسائل، فلم تكن جماعة الإخوان حسمت موقفها من هذه القضايا الكبرى لا من قضية الحاكمية ولا من قضايا الإيمان والكفر ولا حتى من قضية حمل السلاح والمواجهة؛ لذا وجد سيد قطب لنفسه مجالاً واسعاً ليسد فيه كل هذه الثغرات برأيه وباجتهاده، واتهم الإخوان بعد ذلك بالتميع العقدي وبالتدسس الناعم وبغيرها من المسائل التي انتقدها عليهم.
2- أضواء على شخصية المؤسس – شكري مصطفى – ونماذج من آرائه:-
كان إمام هذه الفتنة شيخاً كبيراً يدعى (علي عبده إسماعيل)، وكان من خريجي الأزهر ولكنه تأثر بفكر الخوارج، فلازمه شكري ووجد فيه بُغيته، ولكن سرعان ما تراجع الشيخ عن هذه الأفكار وتاب عنها، فتلقف منه شكري موقعه وبدأ به فكفره وحكم عليه بالردة، وأعلن تأسيسه لجماعة جديدة سماها (جماعة المسلمين).
أما عن ملامح شخصية شكري مصطفى فهي كما يأتي:-
- الجهل الشديد بدين الله وبعلوم السلف.
- التقلب وشدة المزاجية.
- التطرف في الآراء والتعصب الحاد.
- الاعتداد بالرأي وتجريح الآخرين والاستخفاف بهم.
- التطلع والرغبة في القيادة والزعامة.
- الجرأة والشجاعة.
- حفظه لأفكار الخوارج وتصوراتهم وإعادة صياغتها.
هذه الملامح وغيرها ذكرها صديقه وأحد أعضاء تنظيمه (عبد الرحمن أبو الخير) في كتابه (ذكرياتي مع جماعة المسلمين).
أما عن الكتب والرسائل التي وضعوها لبيان ملامح مذهبهم والخطوط الفكرية لجماعتهم فهي كما يأتي:-
- الحُجيات:- وتتحدث عن قضايا أصولية مثل الاجتهاد والتقليد وحجية أقوال الصحابة.
- التوسمات:- وتتحدث عن خلاصة المنهج العملي للجماعة مثل وجوب الهجرة والموقف من التعليم والمدارس والجامعات، كما تتحدث عن مسألة ظهور المهدي والموقف من التاريخ الإسلامي.
- إجمال تأويلاتهم وإجمال الرد عليها:- وهى ترد على أهل السنة والجماعة في تكفير مرتكب الكبيرة وغيرها من مسائل التكفير.
3- أهم المبادئ والأصول التي قامت عليها الجماعة:-
في القضايا العقدية:-
1) تكفير مرتكب الكبيرة وأن الكبائر كلها كفر وأن من ارتكب كبيرة ولم يتب منها فقد ارتد عن الإسلام وأن المعصية تصير كفراً بالإصرار عليها:-
وذلك ناشئ عن اعتقادهم أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم والفسق والذنب والخطيئة والسيئة ونحوها تعني كلها معنى واحداً هو الكفر المخرج عن الملة، ومن ثم فكل من ارتكب أي مخالفة شرعية مما يطلق عليها أحد هذه التسميات في آيات القرآن أو في الأحاديث فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام.
2) يعتقدون أن أول كفر وقع في الأمة الإسلامية هو كفر التقليد، ويرون أن كل مسلم يجب أن يكون مجتهداً، وأن من لم يبلغ هذه المرتبة فهو كافر مشرك:-
والعجيب في ذلك أن شكري يعد مقلداً في كثير مما ينقله ويكتبه، وجميع تلامذته وأتباعه صاروا مقلدين لما يقول به ويعتقده، ولا يخفى أن هذه القاعدة قد وفرت عليه عناء البحث عن أسباب لتكفير الناس؛ إذ غالب أحوال الناس أنهم مقلدة ولاسيما إذا علمت أن شكري يعد اتباع مذهب الصحابي بل اتباع الإجماع تقليداً في زعمه، فضلا عن أن هذا القول منهم ليس نابعاً من حرصهم على أن يجتهد الناس في تحصيل العلم بل هو نابع من رؤية التساوي بين العامي والفقيه وهذا ما ورد نصاً في رسالة الحجيات: «إن الفقيه لا يحمل من العلم أكثر مما يحمله العامة»، بل يبالغ شكري في التبجح ويقول: «من قال لكم: إن الصحابة والتابعين وكبار الأئمة المحققين من رجال خير القرون أكثر علماً مني؟!».



اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-08-2025, 02:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (2) التكفير والهجرة «جماعة المسلمين»


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
استكمالا للحديث الذي بدأناه في الحلقة السابقة عن فكر جماعة (شكري مصطفى) التي عُرفت إعلامياً باسم (التكفير والهجرة)، وهي أقدم جماعات التكفير في مصر وهي النبتة السوداء التي انقسمت على نفسها وتشرذمت إلى جماعات وطوائف وفرق تكفر بعضها بعضا وتلعن بعضها بعضا كعادة أهل البدع، وربما انطفأت جماعات أو ماتت ولكن يبقى الفكر حياً لا يموت، تتوارثه أجيال أخرى، وتتلقف رايته قيادات جديدة، تزيد وتنقص، وتتسمى بأسماء وتتصف بصفات ولكن جوهر الفكر واحد مع تعدد الأشكال وتنوع المسميات، نتكلم اليوم عن موقفهم من القضايا الأصولية:
1) يعتقدون عدم حجية الإجماع ويكفرون من يعتقد حجيته؛ لأنه في زعمهم قد اتخذ العلماء آلهة وأرباباً من دون الله:-
جاء في رسالة التوسمات: «الإجماع ليس حجة، وإنما الحجة في مستنده إن ظهر لنا، وإن لم يظهر فلا يصح أن يشرع لنا الرجال ديناً ثم نطيعهم فيكونون آلهة وأرباباً من دون الله».
2) يعتقدون أن جماعتهم أفضل من جيل الصحابة بزعم أن النبي قال «أجر أحدهم بخمسين من أجر الصحابة»، وأنهم هم الجماعة الوحيدة المسلمة في العالم، وأن الجماعات المنتسبة إلى الإسلام جميعها كاذبة فيما تدعى:-
كما جاء في الحجيات عن جماعة آخر الزمان: «وقد اجتباهم الله تبارك وتعالى أيضاً، وخصهم من فضله حتى قال رسول الله لأجر الواحد منهم بخمسين منكم -أي الصحابة-».
في المسائل المنهجية والحركية:-
1) تطاولهم على العلماء واستخفافهم بعلمهم بل وتكفيرهم:-
فمن ذلك ما جاء في رسالة (إجمال تأويلاتهم وإجمال الرد عليها) : قالوا عن النووي رحمه الله: «ولكن النووي ونظائره يقدمون العام على الخاص والمطلق على المقيد، وكل شيء على شيء نصراً لمذاهبهم الباطلة واتباعاً لسلفهم من اليهود والنصارى الذين قالوا: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة}»، وقالوا عن الخطابي رحمه الله-: «إنما الخطابي يكذب كدأبه في الكذب، وكذا النووي الصوفي الكذاب كدأب إخوانه من المتصوفة الكذابين على الله ورسوله».
2) اعتزال المجتمع والخروج إلى الصحراء واعتقاد وجوب الهجرة من دار الكفر وهي أي بلد لا تحكم بالشريعة، والاعتقاد في شكري بأنه المهدي المنتظر:-
وقد سلك شكري مُصطفى في تحقيق ذلك سُبلاً منها: جمع أموال أفراد جماعته وحلياهم وذهبهم، وتسفير بعضهم إلى بعض الدول العربية مثل الأردن واليمن والسعودية والجزائر، وكذلك اليونان (اعتقادا منه أنها أرض أهل الكهف) لجمع الأموال، ولاختيار أنسب أرض يخرجون إلى جبالها فيما بعد ليعودوا منها العودة الكبرى لقتال الكافرين من المسلمين وبسط نفوذه عليهم بوصفه لنفسه أنه المهدي المُنتظر، وأمير آخر الزمان.
ووقع اختياره على (اليمن) لكثرة ما ورد في مناقبها من روايات نبوية في البخاري ومسلم وغيرهما.
وبالفعل فقد أمر رجاله بالذهاب إلى (المنيا) لتنفيذ أولى خطوات هجرته عن المجتمع، وللتدريب على الحياة البدوية الصحراوية، استعدادا للتسلل منها إلى جنوب مصر، ومنها إلى الجانب الآخر من البحر الأحمر ثم إلى جبال (اليمن)، إلا أن أجهزة الأمن اكتشفت أمر رجاله بالصعيد في منتصف 1973، وتم اعتقالهم، ولكنهم خرجوا ضمن الخارجين بالعفو الرئاسي العام احتفالا بنصر أكتوبر 73.
3) الدعوة إلى ترك التعليم والإبقاء على الأمية ومنع الناس من دخول المدارس والمعاهد والجامعات، ولا يقتصر الأمر على جامعات العلوم الدنيوية فقط بل يمتد إلى المعاهد والكليات الإسلامية؛ لأنها من مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن إطار مساجد الضرار:-
جاء في رسالة التوسمات: «فلم تتعلم –أي جماعة الصحابة – الدين للدنيا، ولم يكونوا يتعلمون لعمارة الأرض وبناء الدور فتلك صفة الكافرين (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا). حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهل أثر تأبير النخل، ويقول نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، فلابد أن نكون أميين مثلهم نوجه كل جهدنا ووقتنا لتعلم الكتاب والحكمة وما دون ذلك فهو ضلال مبين، ومتى يتعلم الإسلام من أمضى أكثر من نصف عمره في تعلم الجاهلية، ومن أجل هذا نقول: إن الدعوة إلى محو الأمية فكرة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام. ووجود من يقرأ ويكتب بيننا لا ينفى أننا نحن أمة أمية طالما نوجه كل وقتنا لتعلم الإسلام».
4) الموقف من إقامة الخلافة:-
يعتقدون أن النصر الجاد للجماعة المؤمنة هو أن تعبد الله، وألا تتدخل في أي صراع؛ لأنه يستحيل أن تتفوق هذه الجماعة المؤمنة مادياً وعسكرياً على الجاهلية، ولكن الله يقدر أن تدخل الجاهلية في معارك طاحنة مع بعضها بعضا لتفني نفسها وتدمر الأرض بمن عليها وتبقى القوة المؤمنة تقيم دولة الإسلام على أنقاض دولة الكفر.
4- قضية اغتيال الشيخ الذهبي – رحمه الله
ولد الذهبي رحمه الله في قرية مطوبس بكفر الشيخ عام 1915، حفظ القرآن في أول حياته وكان أول دفعته في الشهادة العالمية التي حصل عليها في الشريعة، ثم حصل على الدكتوراه في التفسير والحديث ليعمل بعد ذلك مدرسا بكلية أصول الدين التي تدرج بها حتى صار عميدا لها ثم وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر قبل اغتياله بنحو عامين.
جاء الذهبي في وقت تنتشر فيه الأفكار المنحرفة من الغلو والتطرف والتكفير، وكان من واجبه أن يتصدى لهذه الأفكار وأن يبين فسادها للناس حتى يحمى المجتمع من شرورها، ففكر الذهبي في أن يصدر كتابا يحذر فيه الشباب من خطورة الانسياق وراء مثل هذه الأفكار، وصدر الكتاب تحت عنوان: (قبس من هدي الإسلام) وكتب الذهبي في مقدمته قائلا «يبدو أن فريقا من المتطرفين الذين يسعون في الأرض فسادا ولا يريدون لمصر استقرارا قد استغلوا في هذا الشباب حماس الدين فأتوهم من هذا الجانب وصوروا لهم المجتمع الذي يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر تجب مقاومته، ولا تجوز معايشته؛ فلجأ منهم من لجأ إلي الثورة والعنف، واعتزل منهم من اعتزل جماعة المسلمين وآووا إلى المغارات والكهوف، ورفض هؤلاء وأولئك المجتمع الذي ينتمون إليه؛ لأنه في نظرهم مجتمع كافر» وجاء ضمن محتويات الكتاب أن الإسلام ينتشر بالدعوة الهادئة والإقناع وليس الإرهاب ولابد من تنقية تراثنا من شوائب التخريف والتضليل وتعرية كل حملات الدس والتأويلات المغرضة التي تعرضت له على مدى التاريخ.
ويبدو أن الجماعة أرادت أن تؤدب الشيخ الذهبي فقامت باختطافه للتهديد بقطع رأسه في حالة عدم الاستجابة لطلباتهم التي تمثلت في إخلاء سبيل رموز الجماعة من المعتقلات.
وقامت الجماعة بتنفيذ عملية الاغتيال، وتلقي الشيخ الذهبي طلقتين في رأسه وهو معصوب العينين ومقيد اليدين ومستقر فوق السرير.
موقف الدعوة السلفية من الحادث
تحركت الدعوة السلفية تندد وتستنكر هذا الفعل الإجرامي، فخرجت في مسيرة في شوارع الإسكندرية رفعت فيها لافتات لا للتكفير ولا للعنف، وتواجد أبناء الدعوة في الشوارع ووسائل المواصلات ليوضحوا للناس أن هذه الجماعة منحرفة الفكر وأن الدين منها براء، وأنه ليس هناك ربط بين اللحية أو الالتزام وبين انتهاج العنف أو تكفير المجتمع وغير ذلك من المعاني، وقد شارك في هذه الفاعليات فضيلة الشيخ ياسر برهامي وفضيلة الشيخ حسن عمر وغيرهم من الإخوة والمشايخ حفظهم الله جميعاً.
5- جهود الدعوة السلفية في مواجهة هذه البدعة
الدعوة السلفية – بفضل الله – هي التي تحملت وحدها عبء مقاومة هذا الفكر ومهاجمته؛ حيث إنها كانت الجماعة الوحيدة المؤهلة علمياً وفكرياً للرد على شبهاتهم وتفنيد أقوالهم، وقد كان من ثمرات ذلك أن عصم الله الدعوة الإسلامية بمصر من أن تتلوث بهذه اللوثة أو أن يُشتهر عنها أنها تعادي المجتمع أو تكفره.
وقد اعتمدت الدعوة في مواجهة هذا التيار على عدد من الوسائل منها:-
المناظرات الفكرية: وكان من أهم نتائجها الإيجابية أنها جعلت كثيراً من الشباب الذي انخدع بدعاويهم يتخلى عنهم ويعود إلى صوابه ورشده، ومن ظل متمسكاً بمذهبه ومعانداً للحق لم يدم له المجال طويلاً؛ حيث انكشف جهله وظهرت للناس حقيقته، وقد كانت هذه المناظرات تتم في مساجدهم وقراهم وأماكن تجمعاتهم وكانت تنتهي بانسحابهم وانقطاعهم بفضل الله تعالى.
المحاضرات العلمية: تبنت الدعوة السلفية خط تحصين الشباب من هذه البدع، فقامت بعقد عدد من الدورات العلمية والدروس المنهجية لشباب الصحوة، حتى يتعرفوا على هذه الأفكار بدقة ومباشرة، ومن ذلك سلسلة شرح قضايا الإيمان والكفر للشيخ محمد إسماعيل المقدم، وقام بشرح هذه المسائل الدكتور ياسر برهامي في سلسلة بالعنوان نفسه أيضاً، كما قام بتدريسها في سلسلة مستفيضة ومطولة الشيخ عبد المنعم الشحات، وأيضاً قام الشيخ ياسر برهامي بنقد هذه الأفكار أثناء شرحه لكتاب فضل الغني الحميد وكتاب فتح المجيد، وكل هذه السلاسل متوفرة على مواقع الدعوة على الإنترنت بحمد الله تعالى.
الرسائل والكتب: منها المطول ومنها المختصر فعلى سبيل المثال كتاب مسائل الإيمان والكفر للشيخ عادل نصر وهو يقع في مجلدين، وكتاب العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير للدكتور أحمد فريد وهو رسالة صغيرة، وعدد من مؤلفات الدكتور ياسر برهامي منها الرد على ظاهرة الإرجاء وكتاب لا إله إلا الله كلمة النجاة وكتاب فضل الغني الحميد وغيرها من الكتب والرسائل.



اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-08-2025, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (3)- القطبية (1)


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:-
1) التعريف بالمصطلح:-
هي مدرسة فكرية تُنسب إلى الأخوين الشقيقين الأستاذ سيد قطب والأستاذ محمد قطب، ورغم أن الأستاذ سيد يعد هو الأب الروحي الذي صاغ فكر الأستاذ محمد إلا أن للأستاذ محمد الدور الأكبر في تأسيس المدرسة القطبية وتوضيح أبعادها وشرحها بعبارات صريحة ومباشرة لا تحتمل التأويل أو تعدد التفاسير؛ مما جعله يتبوأ الصدارة والمسؤولية عن هذا الفكر بخلاف الأستاذ سيد الذي يدور حول ماكتبه وما عناه مما كتبه جدل طويل وكبير.

هذا من ناحية الفكر، أما الوعاء التنظيمي الذي ينتظم فيه هذا الفكر فعادة لا يأخذ نهجاً واحداً، بل تسمع عن عشرات التجمعات والهيئات والمسميات في البلد الواحد، والعجيب في الأمر أنه من النادر أن يُظهر هؤلاء الانتساب للقطبية بل غالباً ما يتسمون بأسماء مشتقة من (أهل السنة والجماعة) أو مشتقة من (السلفية) كما هو الحال فيمن يسمون أنفسهم بـ (الجبهة السلفية) في مصر، وهذه التجمعات تتفق وتختلف في تفاصيل كثيرة إلا أنهم يجتمعون على تقديم فكر الأستاذين واعتماده المرجعية العليا لهم.
2) لمحة تعريفية عن الأستاذ سيد قطب:-
حتى نستطيع فهم شخصية سيد وحقيقة الأفكار التي تركها، علينا أن نستعرض سريعاً المراحل التي مر بها في حياته التي أسهمت في تكوين وعيه وبناء ثقافته، وقد أفاضت عدد من الكتب والدراسات في ترجمة حياة سيد قطب ومناقشة أفكاره والأحداث المهمة في حياته منها كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) للدكتور (صلاح عبد الفتاح الخالدي)، وتكلم عنه الأستاذ سالم البهنساوي في كتاب بعنوان (سيد قطب بين العاطفية والموضوعية) وقد عالج فيه بعض آراء سيد مثل الحاكمية والجاهلية والتكفير، كما عالج ذلك أيضاً في كتابيه (أضواء على معالم في الطريق)، وكتاب (الحكم وقضية تكفير المسلم)، وتكلم عنه الأستاذ عبدالحليم محمود في موسوعته الشهيرة (الإخوان رؤية من الداخل)، وتكلم عن تجربته مع تنظيم 65 (علي عشماوي) في كتابه (التاريخ السري لجماعة الإخوان) وزينب الغزالي في مذكراتها، ومن خارج الإسلاميين كتب عادل حمودة كتاباً بعنوان (سيد قطب من القرية إلى المشنقة)، وغيرها من الكتب والرسائل لكن هذه هي أهم الدراسات الموجودة وأشهرها.
وهناك كتاب آخر على قدر كبير من الأهمية وهو كتاب (لماذا أعدموني؟) لسيد قطب، وهو الإقرار الذي كتبه سيد بخط يده في السجن الحربي عام 1965 قبل الحكم عليه بالإعدام وهي شهادة موثقة عن الأحداث، فضلا عن محاضر التحقيق ونص الأسئلة والأجوبة التي دارت بين القضاة وبين سيد -رحمه الله- وهي ثابتة وموثقة أيضاً.
وسوف نلتقط أهم المحطات التي تبرز لنا التحولات الرئيسية في حياته:-
- المرحلة الأولى: طفل من القرية (1906 - 1920):-
ولد سيد قطب في أسيوط عام 1906 م في قرية تتميز بالجمال وكثرة الأراضي الزراعية، وكانت أسرته متوسطة الحال وكان لوالده وجاهة في القرية؛ حيث كان مثقفاً ومشتغلاً بالسياسة، وكان ممن جهزوا لثورة 1919م، والأسرة عموما كانت متدينة ومحافظة على الصلاة، فقد كان أبوه يربيه على تعاليم الدين وارتياد المساجد وحضور دروس العلم؛ لذا فقد أتم ختم القرآن وهو في العاشرة من عمره، وقد تعود سيد على القراءة والمطالعة منذ صغره وكان يقتني نفائس الكتب، ويقتطع من مصروفه الشخصي حتى يستطيع شراء ما يحتاجه من الكتب؛ وبالتالي تكونت لديه مكتبه ضخمة منذ صغره، أسهمت في نضج فكره وإثراء معرفته.
ولأن والد سيد كان مشتغلاً بالسياسة فكان من الطبيعي أن تتكون لدي سيد ميول سياسية في سن مبكرة، فشارك في أحداث ثورة 19 وكان يلهب حماس الجماهير بالخطب الحماسية الرنانة رغم أن عمرة وقتها لم يتجاوز ثلاث عشرة سنة.
توقف سيد عن الدراسة لمدة سنتين؛ بسبب أحداث الثورة، ثم سافر إلى القاهرة عام 1920م، وأقام عند خاله الذي كان عضواً في حزب الوفد، وكان صديقاً لعباس العقاد، ومن هنا تبدأ مسيرة سيد قطب الأدبية، وقد سجل سيد ذكريات هذه الفترة من حياته في كتابه (طفل من القرية) وكتابه (الأطياف الأربعة).
- المرحلة الثانية: الأديب الساخر (1921 - 1945):-
ذهب سيد إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين في عام 1921 ثم تخرج فيها عام 1924 وكان من المفترض أن يعمل بعدها في مجال التدريس ولكنه فضل الاستمرار في التعليم؛ فالتحق بتجهيزية دار العلوم عام 1925 وتخرج فيها عام 1929، ثم التحق بعدها بكلية دار العلوم وتخرج فيها عام 1933.
بعد تخرج سيد من الكلية بدأت معاركه الأدبية في الظهور والانتشار؛ حيث كان لاذع النبرة، ساخر العبارة، شديد النقد على كل من يخالفه، وكان من أشد المهاجمين للأديب العبقري (مصطفى صادق الرافعي) رحمه الله ولتلميذه النجيب العلامة (محمود شاكر) رحمه الله؛ وسبب ذلك أن الرافعي كان دائم السخرية والنقد لـ (طه حسين) ولـ (عباس العقاد)، وسيد كان يعد العقاد أستاذه الأول في الأدب، وكان محباً له لدرجة التعصب، ومتيماً به لدرجة الجنون، فدفعه هذا الحب إلى الغلو والمبالغة ومفارقة الوسطية، أما طه حسين فقد كان سيد يقدر أدبه غاية التقدير، وكانت تربطهما علاقة قوية، فكان يدافع عنه باستمانه حتى ولو جانبه الصواب، فهكذا كانت طبيعة سيد في هذه المرحلة.
عمل سيد في وزارة التربية والتعليم فور تخرجه في دار العلوم، ثم تنقل في وظائف مختلفة داخل الوزارة، ثم سافر إلى أمريكا بالباخرة عام 1948، ولهذا السفر قصة فارقة في حياة سيد رحمه الله للتخصص في علم التربية وأصول المناهج، وعاد بعدها بسنتين عام 1950 ليتم تعينه مراقب مساعد للوزير لسنوات عدة، وبعدها قام بتقديم استقالته لوزير التعليم وقتها (اسماعيل القباني) الذي رفعها لرئيس مجلس الوزراء (جمال عبدالناصر) وقام بالموافقة عليها عام 1954؛ حيث أصبح سيد وقتها عضواً في جماعة الإخوان ورئيس التحرير لمجلة الإخوان المسلمون.
واللافت للنظر أن سيد كان يعيش تلك المرحلة من حياته مضطرباً غاية الاضطراب؛ حيث تعارضت لديه المباديء والأفكار والفلسفات الأوروبية التي قرأها وأخذها من بعض أساتذته، مع ما استقر في وجدانه منذ الصغر من أصول وثوابت إسلامية، تلك المرحلة التي يسميها سيد بمرحلة الضياع، وقد استمرت معه قرابة خمسة عشر عاماً، وكانت الثقافة الغربية قد سيطرت عليه لأبعد مدى حتى جعلته يمر بمرحلة من الشك والارتياب في الحقائق الدينية ذاتها على حد تعبيره، بل وصل الأمر إلى نوع من الاضطراب السلوكي أيضاً يصفه الأستاذ عبدالحليم محمود في الجزء الأول من موسوعة (الإخوان أحداث صنعت التاريخ) بقوله: «لقد كان سيد في هذه المرحلة مسفاً منحلاً، يطالب بحياة بهيمية، ويدعو إلى المجتمع العاري».
- المرحلة الثالثة: حياته الإسلامية ثم انتماؤه إلى جماعة الإخوان ( 1945 - 1954):-
ذكرنا أن سيد كان قد بدأ حياته السياسية وفدياً بسبب أن خاله كان كذلك، ثم لما تعرف على العقاد وأعجب به وجده وفدياً أيضاً؛ فترسخ الانتماء للوفد عنده أكثر، وظل كذلك حتى عام 1942، فترك الوفد وانضم إلى حزب السعديين، ثم تركه أيضاً عام 1945 ناقماً على الأحزاب كلها وعلى آدائها.
ومن بعدها بدأ سيد في الكتابات الإسلامية العامة وتحديداً في باب الرؤية الأدبية للقرآن، وبدأها بكتابه (التصوير الفني للقرآن) ثم بكتاب (مشاهد القيامة في القرآن)، ثم اقترب أكثر وأكثر من الرؤية الإسلامية في السنوات التي تلى ذلك إلى أن جاء موعد سفره لأمريكا عام 1948؛ حيث كان على موعد مع نقلة حقيقية في حياته.
النقلة النوعية التي انتقلها سيد من حياته السابقة إلى الحياة الجديدة لها بداية عجيبة، هذه البداية كانت على متن الباخرة التي تقله إلى أمريكا كما ذكرنا، وفوق هذه الباخرة حدثت له حادثتان كل منها أعجب من الأخرى، وقد أسهمت هذه الرحلة في التحول الفكري الكبير لدى سيد رحمه الله، أما الأولى فقال عنها في كتاب أمريكا من الداخل:-
«وما أن دخلت الغرفة، حتى كان الباب يُقرع، وفتحت، فإذا أنا بفتاة هيفاء جميلة فارعة الطول شبه عارية، يبدو من مفاتن جسمها كل ما يغري، وبدأتني بالإنجليزية: هل يسمح لي سيدي بأن أكون ضيفة عليه هذه الليلة؟ فاعتذرت بأن الغرفة معدة لسرير واحد وكذا السرير لشخص واحد، فقالت وكثيراً ما يتسع السرير الواحد لشخصين، واضطررت أمام وقاحتها ومحاولة الدخول عنوة لأن أدفع الباب في وجهها لتصبح خارج الغرفة، وسمعت ارتطامها بالأرض الخشبية في الممر فقد كانت مخمورة».
أما الحادثة الثانية فقد أخبره أحد الركاب أن مبشراً نصرانياً على متن الباخرة يحاول نشر النصرانية بين الركاب؛ فاستيقظت مشاعره الإيمانية، وغار على دينه وطلب من قبطان الباخرة أن يسمح للركاب بصلاة الجمعة، وقام بإلقاء خطبة فيهم، وحدثهم عن الإسلام وعن عظمته، وقد كان سيد من أشد المتأثرين بالحدث وبالموقف.
ولما وفقه الله لهذه الهداية ولهذه الولادة الجديدة وهب ما تبقى من حياته للقرآن، وسطر مشاعره وسمو روحه في تلك اللحظات وضمنها في مقدمة كتابه (تفسير الظلال) بعبارات غاية في العذوبة والرقة والشعور بلذة القرآن.
بدأ سيد انضمامه لجماعة الإخوان وانتظامه في صفوفها عام 1953، ثم كان السجن الأول له في مطلع عام 1954، وأفرج عنه بعد أشهر عدة، ثم اعتقل ثانية في نهاية عام 1954 بعد حادث المنشية، وحكم عليه بـ 15 عام، ثم أفرج عنه بعفو صحي عام 1964، وبعد أشهر عدة تم اعتقاله مع العشرات من الإخوان في صيف 1965 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم، وأعدم بعد منتصف عام 1966 عن عمر يناهز الستين.
هذا بإختصار هو تاريخ الحقبة الإسلامية في حياة سيد - 13 عام - قضى منها 11 عام في السجن على فترتين الأولى 10 سنوات والثانية سنة واحدة، ثم كان الحكم عليه بالاعدام رحمه الله.
علاقة سيد قطب بتنظيم الضباط الأحرار:-
كان سيد على علاقة وطيدة بالضباط الأحرار وبجمال عبدالناصر تحديداً، فقد كان الضباط في الجيش يقدرونه جداً، ويقرؤون كتبه ومقالاته ويعدونه فيلسوف الثورة ومشعل حرارتها، وكانوا عادة ما يجتمعون في منزله ويطلبون منه المشورة والرأي، بل لقد كان سيد هو العضو المدني الوحيد – إن صح التعبير - في تنظيم الضباط الأحرار، وقد قرر مجلس قيادة الثورة أن يسندوا إليه منصب وزير المعارف ولكنه اعتذر، ثم رجوه أن يتولى منصب المدير العام للإذاعة ولكنه اعتذر أيضاً، ثم وافق على مضض أن يكون السكرتير العام لهيئة التحرير، ولكنه مكث فيها أشهر عدة ثم دب الخلاف بينه وبين عبدالناصر فاستقال من منصبه وتركها، مع احتفاظه حتى ذلك الحين بعلاقة جيدة مع عبدالناصر، ومن أراد أن يعرف كيف كان ضباط الثورة يقدرون سيد قطب فليقرأ تفاصيل الحفل الحاشد الذي أقامه رجال الثورة بعد شهر من نجاحها لكي يكرموا فيه سيد، وليدعوه ليلقي محاضرة بعنوان (التحرر الفكري والروحي في الإسلام) وقد وصفه محمد نجيب وجمال عبدالناصر وغيرهم من القادة بأنه رائد الثورة ومعلمها وراعيها وغير ذلك من مديح وثناء لا يوصف.
وعندما دب الخلاف بين الإخوان حاول عبدالناصر التوسط بينهم وبينه لعلاقته الجيدة بالطرفين ولكنه فشل في ذلك وقد سجل ذلك في ملاحظاته حول هذه الحقبة في كتاب لماذا أعدموني؟.
اقترب الإخوان من سيد بشدة، واستغلوا خلافه مع عبدالناصر، واقترب هو منهم وأعجب بتنظيمهم وحركتهم، وقد فرح الإخوان بانضمام سيد إليهم فرحاً عظيماً وعَدّوا ذلك نصراً مؤزراً، فرجل بمثل هذه المكانة وأصبح لديه عداء شخصي مع عدو الإخوان اللدود –عبد الناصر– فجدير بأن يُصدر وسرعان ما تقلد سيد داخل الجماعة عدداً من المهام والأعمال الثقافية فقد تولى رئاسة التحرير لجريدة الإخوان المسلمون، وكان يعطي أحاديث الثلاثاء في المركز العام، وقام بتمثيل الإخوان في المؤتمر الإسلامي الشعبي بالقدس الشريف وغير ذلك من الأعمال التربوية والثقافية، ولم يصل إلى مرحلة قيادة الأعمال الحركية بعد.



اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-08-2025, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (4) القطبية (2)


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه أما بعد:-
استكمالا للحديث عن الفكر القطبي نتكلم اليوم عن المرحلة الرابعة من المراحل التي مر بها هذا الفكر وهي:
المرحلة الرابعة: قيادة التنظيم الإخواني السري «الجناح القطبى داخل جماعة الإخوان» (1955 - 1965):-
انتهى الأمر بجماعة الإخوان إلى حالة الصدام المباشر مع عبدالناصر، وكان من نتيجة ذلك صدور قرار بحل جماعة الإخوان، وشن حملة من الاعتقالات لقادة الجماعة وأعضائها ولاسيما بعد حادثة المنشية عام 1954، وكان سيد قطب ممن ألقى القبض عليهم، وتم إيداعه فى السجن لمدة عشر سنوات كاملة من الفترة ما بين (1954 - 1964) وقد خرج بعدها بعفو صحى ولكن لم يدم مكثه خارج السجن طويلاً حتى تم إلقاء القبض عليه ثانية وهى المرة التي أعدم فيها رحمه الله، وبالتالى فالمرحلة التي نتكلم فيها عن أفكار سيد هى فترة سجنه كاملة!!
انزوي معظم الإخوان ممن لم يتم اعتقالهم، وأيقنوا أن الجماعة أدخلتهم في صراع صفري مع الدولة؛ مما جعل الدولة تستنفر كل قواها في مواجهتهم ولاسيما بعدما صار الكيان محظوراً قانوناً؛ مما يتيح للدولة التعامل بحرية كاملة مع أعضاء تنظيم خارج على القانون، وقد كان رأي شريحة كبيرة من الإخوان أن تدخل الجماعة في مرحلة سكون تتيح لها ترتيب أوراقها بهدوء، وتحافظ على ما تبقي من أبنائها وقوتها، وتدخره لمستقبل قريب، ومع أن هذا رأي يتوافق مع الشرع والعقل والمنطق إلا أن مجموعة أخرى من الإخوان كان لها رأي مختلف خلاصته: أن يقوم الإخوان بإنشاء تنظيم سري مسلح!! حتى لا تتعرض الدعوة لنكبة 54 نفسها مرة أخرى، وأن الدولة إذا فكرت ثانية بأن تعتقل الإخوان بهذه الطريقة فهي على موعد مع حرب مسلحة، وخطة اغتيالات جاهزة، وخريطة انفجارات معدة، وأمور لا قبل للدولة بها – على حد زعمهم وتصورهم- وهذا ليس تجنياً على أحد بل هو ما اعترف به سيد قطب تفصيلياً في شهادته (لماذا أعدموني؟) كما سنرى بعد قليل، ولا يوجد وصف لهذا التهور أدق من كلمة «انتحار» التي ذكرها أحدهم – مفتخراً – وهو الأستاذ محمد توفيق بركات فى كتابه سيد قطب خلاصة حياته: «وكان الأهم من ذلك – نفسياً – أن أعاد – أي سيد - اتصالاته مع الإخوان المسلمين داخل السجون وخارجها، وأنشأ أرقى أنواع التنظيم الإسلامي سرية وفاعلية فى مصر وكان هذا الإنشاء يعد عملية انتحار إن جاز التعبير في الظروف الرهيبة التي كانت تسود أرض الكنانة».
اجتمع عدد من الإخوان – بعد استئذان المرشد – واختاروا قيادة خماسية لهذا التنظيم الجديد وهم (عبدالفتاح اسماعيل – مجدي عبدالعزيز – صبري عرفة – أحمد عبدالمجيد – على عشماوي)، وهؤلاء القادة الخمس كانوا وقتها جميعاً في سن الشباب، ولم يكن لهم خبرة كبيرة في العمل، ولم يكن لهم من الوجاهة ما يكفي لتوجيه التنظيم!! وبحثوا عن قائد فاستقر رأيهم بعد عدد من المحاولات على سيد قطب الذي كان وقتها ما زال في السجن!!
ولا تسأل هنا أسئلة من جنس كيف ترك المرشد مجموعة من الشباب المتهور يقودون الدعوة نحو المجهول، ولا أين دوره في أن يحفظ الأمانة التي بين يديه، ويحافظ على حياة أبنائه وعلى دعوتهم، والأهم من ذلك لماذا لم يصغ للعقلاء والناصحين من شيوخ الجماعة وقتها؟ فقد ذكر سيد في (لماذا أعدموني) ما يلي: -
«... وفكروا في الأخ محمد فريد عبدالخالق، واتصل به عبدالفتاح إسماعيل ليقودهم، ولكنه رفض الفكرة، وعدها مغامرة، وعَدَّ تجميع الإخوان مؤدياً إلى مذبحة لهم، أحسن حالات التنظيم في هذه المرحلة هي عدم التنظيم».
ولم يكتف بهذا التحذير بل ذهب هو والأستاذ منير الدلة ليوضحا للمرشد خطر هذا التنظيم وأنه سينكشف يوماً ما، وعندها ستبطش الدولة بكل إخواني وبكل من له صلة بالإخوان ولكن المرشد طمأنهما ووعدهما خيراً!!
وانطلقت القاطرة بلا وعي وبلا عقل وبلا أمانة.
انطلقت القاطرة بقيادة الشباب المتهور لتصطدم بالصخر، ولتستفيق بعد فوات الأوان.
انطلقت القاطرة والعقلاء من الجماعة يتحسرون على القيادة التي تدمر الكيان ولكنهم لا يستطيعون حراكاً.
انطلقت القاطرة وعلى رأسها سيد قطب لنرى بعد سنوات إلى أين سينتهي مصيرها؟ بكل أسف نقول: إنه بعد اكتشاف أمر التنظيم عام 1965 حاول سيد أن ينقذ الشباب الذين قادهم لسنوات من هلاك محقق، فعرض على عبدالناصر مصالحة - من خلال وسطاء – مفادها أن يعطوه عهداً ألا يتصدوا له، وألا يقاوموه بشىء مقابل أن يتركهم للعمل الدعوي والتربوي فرد عليهم عبدالناصر أنه قد فات الأوان لذلك!!
وبدأ سيد العمل من داخل السجن في مسارين متوازيين؛ الأول هو قيادة مجموعات من الإخوان المسجونين معه، فقام بعرض منهجه الجديد وأفكاره الخاصه التي ذكر أنها أحدثت نوعاً من الاضطراب والاختلاف بين الإخوة داخل السجن ومنهم من قبل منهجه ووافق العمل معه، ومنهم من تحفظ ورفض الانضمام لهذا التنظيم ولهذا الفكر، واتهموه بمخالفة الخط الحركي للجماعة!! والعجيب أن رائحة هذا الخلاف قد فاحت واتسعت حدتها داخل السجن حتى وصلت أخبار لمكتب الإرشاد تقول: إن سيد تبني أفكاراً جديدة وأنه يكفر الناس، فأوفد مكتب الإرشاد من يستوضح الأمر من سيد داخل السجن واطمأنوا إلى أن ما قيل تهويلات من المعارضين لسيد، وأن الأمور تسير على ما يرام!! بل والأعجب من ذلك ما ترويه زينب الغزالي في مذكراتها تقول: إنها قابلت المرشد وسألته عن سيد وعن كتابه المعالم فقال: «على بركة الله... إن هذا الكتاب قد حصر أملي كله في سيد، ربنا يحفظه، لقد قرأته، وأعدت قراءته، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن»، وهذا له دلالة ليس هذا مجال بسطها، وخلاصتها: أن الفكر الإخواني قابل للتصالح مع الفكر القطبي بسهولة.
أما المسار الثاني فهو قيادة التنظيم خارج السجن من خلال عبدالفتاح إسماعيل، وبدأ سيد يكتب (معالم في الطريق) على هيئة أجزاء، تسرب من داخل السجن لأعضاء التنظيم في الخارج، وكانت هذه هي وجبة التوجيه الفكري للتنظيم الجديد مع عدد آخر من كتب سيد وأجزاء من تفسير الظلال وكتب المودودي.
أما عن الإعداد العسكري فهو ما سماه سيد بخطة رد الاعتداء. ولنتركه يحكي بنفسه عن تفاصيل هذا الأمر، وسوف نقتصر على روايته فقط رغم أن (علي عشماوي) قد بسطها بتفاصيل أكثر وأوضح في كتابه (التاريخ السري لجماعة الإخوان) إلا أن الإخوان يتهمونه بتهم شنيعة للغاية، ويحملونه أخطاء تنظيم 65 بكاملها، رغم أن المتأمل في الأحداث يجد أن ذلك نوعاً من التجني والله أعلم.
يقول سيد في شهادته (لماذا أعدموني؟):-
«وفي الوقت نفسه، ومع المضي في برنامج تربوي كهذا، لابد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج، وتدميرها ووقف نشاطها وتعذيب أفرادها، وتشريد بيوتهم وأطفالهم تحت تأثير مخططات ودسائس معادية، كالذي حدث للإخوان سنة 1948، ثم سنة 1954 وسنة 1957، وكالذي نسمع عنه ونقرأ مما يحدث للجماعات الأخرى، كالجماعة الإسلامية في باكستان، وهو يسير على الخطة نفسها، ويصدر عن المخططات والدسائس العالمية نفسها».
ثم يوضح طبيعة هذه الحماية ووسائلها فيقول:
«وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريباً فدائياً بعد تمام تربيتها الإسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق... هذه المجموعات لا تبدأ هي اعتداء، ولا محاولة لقلب نظام الحكم، ولا مشاركة في الأحداث السياسية المحلية، وطالما الحركة آمنة ومستقرة في طريق التعليم والتفهيم والتربية والتقويم، وطالما الدعوة ممكنة بغير مصادرة لها بالقوة، وبغير تدمير لها بالقوة، وبغير تعذيب وتشريد وتذبيح وتقتيل، فإن هذه المجموعات لا تتدخل في الأحداث الجارية، ولكنها تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة لرد الاعتداء وضرب القوة المتعدية بالقدر الذي يسمح للحركة أن تستمر في طريقها».
ثم تحت عنوان البحث عن المال والسلاح كتب سيد يقول:-
«فأما التدريب؛ فقد عرفت أنه موجود فعلاً من قبل أن يلتقوا بي، ولكن لم يكن ملحوظاً فيه ألا يتدرب إلا الأخ الذي فهم عقيدته، ونضج وعيه، فطلبت إليهم مراعاة هذه القاعدة، وبهذه المناسبة سألتهم عن العدد الذي تتوافر فيه هذه الشروط عندهم، وبعد مراجعة بينهم ذكروا لي أنهم حوالي السبعين، وتقرر الإٍسراع في تدريبهم نظراً لما كانوا يرونه من أن الملل يتسرب إلى نفوس الشباب إذا ظل كل زادهم هو الكلام من غير تدريب وإعداد... ثم تجدد سبب آخر فيما بعد عندما بدأت الإشاعات ثم الاعتقالات بالفعل لبعض الإخوان.
وأما السلاح فكان موضوعه له جانبان:
- الأول: أنهم أخبروني أنه نظراً لصعوبة الحصول على ما يلزم منه حتى للتدريب فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلياً، وأن التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً، ولكنها في حاجة إلى التحسين والتجارب مستمرة.
- والثاني: أن على عشماوي زارني على غير ميعاد، وأخبرني أنه كان منذ حوالي سنتين - قبل التقائنا - قد طلب من أخ في دولة عربية قطعاً من الأسلحة، حددها له في كشف، ثم ترك الموضوع من وقتها، والآن جاءه خبر منه أن هذه الأسلحة سترسل، وهي كميات كبيرة - حوالي عربية نقل - وأنها سترسل عن طريق السودان، مع توقع وصولها في خلال شهرين، وكان هذا قبل الاعتقالات بمدة، ولم يكن في الجو ما ينذر بخطر قريب».
وما أن توفر المال والسلاح؛ إذ بهم يرسمون ما سموه خطة رد الاعتداء على الحركة الإسلامية، فقال لهم سيد ناصحاً: «الذي قلته لهم: إننا إذا قمنا برد الاعتداء عند وقوعه، فيجب أن يكون ذلك في ضربة رادعة توقف الاعتداء، وتكفل سلامة أكبر عدد من الشباب المسلم»، ووفقاً لهذه النصيحة فقد طلب من القيادة الخماسية خطة تفصيلية لكونهم المسؤولين عن التنفيذ فكان ما يلي:
«وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم، بإزالة رؤوس في مقدمتها؛ رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها - كمحطة الكهرباء والكباري - وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء.
وقلت لهم: إن هذا إذا أمكن يكون كافياً بوصفها ضربة رادعة، ترد على الاعتداء على الحركة - وهو الاعتداء الذي يتمثل في الاعتقال والتعذيب والقتل والتشريد كما حدث من قبل - ولكن ما الإمكانيات العملية عندكم للتنفيذ؟».
- إذاً كل مشكلة سيد مع هذا الكلام هو مدى الجاهزية والقدرة على التنفيذ فقط!! فلما كانت إجابتهم أنهم غير جاهزين لتنفيذ هذا التصور، وأن الشخصيات المطلوب اغتيالها غالباً ما تحاط بحراسة قوية فكان ما يلي:-
«وبناء على ذلك اتفقنا على الإسراع في التدريب، بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له، لكونه الخطوة الأخيرة في خط الحركة وليس الخطوة الأولى؛ ذلك أنه كانت هناك نذر متعددة توحي بأن هناك ضربة للإخوان متوقعة، والضربة كما جربنا معناها التعذيب والقتل وخراب البيوت وتشرد الأطفال والنساء».
ثم وقعت الاعتقالات لأعضاء الإخوان فأرسل سيد للقيادة الخماسية بأن يوقفوا التجهيزات من الأسلحة والتدريب يقول سيد:
«فجاءني استفهام من الأخ على عن طريق الحاجة زينب عما إذا كانت هذه تعليمات نهائية حتى لو وقع التنظيم؟ فأجبته بأنه في هذه الحالة فقط، وعند التأكد من إمكان أن تكون الضربة رادعة وشاملة يتخذ إجراء، وإلا فصرف النظر عن كل شيء، وكنت أعلم أن ليس لديهم إمكانيات بالفعل، وأنه لذلك لن يقع شيء».
نهاية المآساة:-
قامت سلطات الأمن باعتقال سيد قطب، وألقت القبض على أعضاء التنظيم الجديد الذي سقط تباعاً في قبضة الأمن، وأدلوا بكامل تفاصيل التنظيم؛ من حيث الأسماء والمال والسلاح والخطط، وامتلأت السجون بهذا الشباب المسلم البريء، وتحققت نبوءة فريد عبدالخالق التي لم يعرها المرشد أي نوع من الأهمية ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتم الحكم بالإعدام على سيد واثنين آخرين في أواخر شهر أغسطس 1966 رحمهم الله رحمة واسعة وغفر لهم.



اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-09-2025, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5)

القطبية (3)


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:- ما زلنا نتناول الحديث عن الفكر القطبي، واليوم نتكلم عن هذه المدرسة بعد موت الأستاذ سيد قطب رحمه الله.
1) - الفكر القطبي بعد موته:-
بعد موت سيد -رحمه الله- صار لدينا اتجاهان رئيسان:-
القطبية الإخوانية: وهم مجموعة إخوان 65 الذين تربوا مع سيد داخل السجن، فضلا عن باقي أعضاء التنظيم خارج السجن، وقد كانوا الجانب الأظهر والأقوى في الجماعة في هذا الوقت ولاسيما وأن الجماعة رسمياً أصبحت منحلة، فصار هذا التنظيم القطبي هو البديل، ويبدو أن هذا التنظيم مستمر إلى يومنا هذا.
التيار القطبي: وهو شق آخر من تلاميذ سيد قطب ومحبيه على رأسهم محمد قطب نفسه الذي لم يكن منتمياً تنظيمياً إلى الإخوان، وقد سألوا سيد في ذلك فقال: إنه يعرف من حال أخيه أنه يحب العزلة، هذا التيار يضم بداخله كيانات تنظيمية مثل جماعة التوقف والتبين، ومثل السرورية – وإن كانت السرورية أقل من أن توصف بالكيان المنظم – ويضم أيضاً أشخاصاً منفردين يغلب على ظاهرهم و كلامهم السمت السلفي، إلا أنه عند التدقيق في القضايا الخلافية تجد عقيدتهم فيها قطبية، فضلا عن أن حنينهم إلى الإخوان أقوى من نسبتهم للسلفية؛ لذا فإن معظم مشايخ القاهرة المنتمين لهذا الاتجاه دعموا جماعة الإخوان في الانتخابات بزعم أنهم رجال المرحلة ثم بعد ذلك صاروا وجوهاً بارزة على منصة رابعة بكل ما حوته من عبارات التكفير والتخوين والصدام.
وهناك اتجاهان آخران نسبتهم لفكر سيد نسبة فرعية:-
تيار التكفير الصريح: ورغم أنه خرج من عباءة سيد، إلا أنه صارت له مرجعيات وتصورات مختلفة عن فكر سيد أو بمعنى آخر لم يعودوا محتاجين لها ولتأويلاتها مثل جماعة شكري مصطفى.
جماعات الجهاد واستخدام السلاح: وهي تتلمذت عادة على كتب سيد بصفتها إحدي المصادر الحماسية التي توفر لهم إشباعاً جيداً في المواجهة مع الطواغيت وغيرها، وإن كانت لا تعتمد في تنظيراتها الفكرية على كتب سيد وحده؛ لأن هناك تأصيلات أكثر تفصيلاً في المسائل المرتبطة بالجهاد ارتباطاً وثيقاً.
2) وقفات سريعة مع بعض أفكار سيد قطب:-
كانت تدور في فكر سيد -رحمه الله- عدد من القضايا المحورية، التي قام ببناء منهجه الفكري عليها، وهي التي رددها وكررها فى كتبه بصيغ وعبارات مختلفة إلا أن مضامينها تبدو واحدة، ومن أخطر هذه القضايا قضية الجاهلية، وقضية الحاكمية:-
أولاً: قضية جاهلية المجتمعات الإسلامية:-
قام الأستاذ سيد بنحت مصطلح الجاهلية ليعني به الانحراف عن نهج الإسلام سواء كان في الماضي أم في الحاضر، يقول سيد -رحمه الله- في ظلال القرآن: «الجاهلية ليست اسماً لمرحلة تاريخية سابقة على الإسلام، بل إنها تنطبق انطباقاً حرفياً على كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان، إذا كان الوضع مشابها لتلك المرحلة التاريخية السابقة على الإسلام»، ثم توسع في استخدامه ووسم به معظم المجتمعات الإسلامية المعاصرة، ولو كان هذا المصطلح جملة عابرة في كتاباته لأمكن تأويلها أو عدها من المتشابه الذي يجب أن نرده إلى محكمه سواء كانت كتابات أخرى أم سلوكا عملياً، ولكن للأسف الشديد لم يسعفنا البحث في هذا الأمر، بل جاءت نتيجته سلبية للغاية وعلى العكس تماماً من المراد.
وسوف نعرض نماذج مما كتبه سيد فيظلال القرآن وفي معالم على الطريق -وهما أبرز كتابين من مجموع ما كتب – حول هذه القضية، يقول سيد رحمه الله:-
1- «نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، وموارد ثقافتهم، وفنونهم وآدابهم، وشرائعهم وقوانينهم، وحتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية.. هو ما صنع هذه الجاهلية»، ثم يمضي برأيه بأن المجتمعات الإسلامية القائمة حالياً تدخل في إطار هذه الجاهلية، فيقول: «يدخل في اطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها «مسلمة»؛ لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده؛ ولأنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها».
2- ويقول أيضاً: «إن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية تتمثل في أقوام من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام يسيطر عليها دين الله و«تحكم بشريعته» ثم إذا هى تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقاداً»، ويقول كذلك: «وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام، ولكن لا الأقوام تشهد أن لا إله إلا الله بذلك المدلول، ولا الأوطان تدين لله بمقتضى هذا المدلول».
3- ويقول أيضاً: «إن الأمة الإسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً» ثم يضيف: «ووجود الأمة الإسلامية يعد قد انقطع منذ قرون، فالأمة الإسلامية ليست «أرضاً» كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوماً كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما الأمة الإسلامية جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض ».
4- ومن أشد ما كتبه في هذه القضية: «وإذا بدا للبشر يوما أن مصلحتهم في مخالفة شرع الله لهم فهم واهمون أولاً، وهم كافرون ثانيا». ويقول: «والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام.. إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية.. ليس هذا إسلاماً وليس هؤلاء مسلمين.. والدعوة اليوم إنما ترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام لتجعل منهم مسلمين من جديد».
هل كان سيد يقصد من ذلك التكفير على حقيقته أم أنه أراد أن يستعمل أشد الألفاظ وقعاً على النفس حتى يستنفر الهمم من أجل العمل للدين وبذل الجهد لعودة المجتمعات إلى الصورة المثالية التي كانت عليها المجتمعات الأولى؟
الإجابة أن هذه قضية جدلية قليلة الفائدة من الناحية البحثية؛ لأن الأهم بالنسبة لنا من اتهام الشخص أو تبرئته هو محاكمة الفكر والوقوف على حقيقته، والذي ليس عليه خلاف أن سيد قال كلاماً موهماً يسهل تأويله تأويلاً فاسداً؛ لأنه يحتمل ذلك بالفعل، أما عن نيته هل كان يقصده أم لا؟ بعضهم يقول كان يقصده وبعضهم يتمسك بأنه سبق قلم، ويعول على ما قاله سيد في آخر حياته عندما واجهته المحكمة بسؤالات مباشرة لا احتمال في تأويلها بأن كتاباته وأفكاره تدعو إلى التكفير الصريح للمجتمع، فكان الرد الواضح منه أنه لم يقصد ذلك، وأن هذا الأمر فُهم من كلامه خطأً.
ثانياً: قضية الحاكمية:-
1- يقول سيد في كتابه (معالم في الطريق): «إن إعلان ربوبية الله وحده معناه الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها، وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض يكون فيها الحكم للبشر بصورة من الصور».
2- ويقول أيضاً: «إن العالم اليوم يعيش في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها» وهذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية؛ لأنها تسند الحاكمية للبشر لتجعل بعضهم لبعض أربابا».
تحقيق الانحراف في الحاكمية عند سيد:-
تختلف مسألة الحاكمية عن مسألة الجاهلية فى أن الأصل الذي انبنى عليه تصور المجتمعات الجاهلية أصل فاسد، بل إن اللفظ نفسه غير جائز؛ لأن هذه المجتمعات الأصل فيها هو الإسلام حتى وإن انحرفت عن تطبيقه على واقعها بدرجة من الدرجات.
أما لفظة (الحاكمية) أو الأدق منه «الحكم بما أنزل الله» أو «نظام الحكم في الإسلام» فهي أصول شرعية من صميم الدين، ومن أهم أصول العقيدة، وقد جاءت في القرآن بهذا الوضوح ووردت فى السنة كذلك، وبالتالي فليس الخلاف مع سيد في هذه القضية خلافاً حول أصل المسألة ولكنه خلاف حول مسألة «تعميم التكفير لكل حاكم لم يحكم بما أنزل الله»؛ لأن هذه القضية يدخل ضمن أقسامها الكفر الأصغر بنص كلام ابن عباس رضي الله عنهما، وبالتالي فادعاء أن المسألة كلها من باب الكفر الأكبر المخرج من الملة ادعاء غير صحيح من الناحية العلمية، والخلاف الثاني في إطلاق لفظ الكفر على الأعيان دون التأكد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، وقد شذ سيد في هذه المسألة وفي غيرها بسبب قلة حظه من العلوم الشرعية مع اشتعال حرارة غيرته على الواقع الأليم الذي تعيشه البلاد الإسلامية.
ولو أحسنا الظن بسيد، سنقول: لو مد الله في عمره، ونال قسطاً من العلوم الشرعية، واطلع على كلام العلماء الذين سبقوه في المسائل التي تكلم فيها لكان لكتاباته وآرائه شأن آخر؛ لأن الملاحظ أن سيد لا ينقل عمن سبقوه شيئاً بل يترك لقلمه السيال وعاطفته الجياشة العنان بدون أن يلجمهما بلجام العلم، فينفرط عقد الضوابط الشرعية بين ثنايا كلامه، والوحيد الذي نقل عنه وتأثر به هو أبوالأعلي المودودي ولديه انحراف كبير في فهم هذه القضايا، ومنه أخذ سيد كثيراً من تصوراته أيضاً كما أقر بذلك أمام المحكمة.
3) سيد قطب فى عيون بعض من اشتد في نقده وذمه:-
اشتد نكير فريق من الناس على سيد -رحمه الله- حتى خرج بهم الإنكارعن حد الإنصاف والاعتدال فرموه بعظائم وكبائر، وحمَّلوا عباراته أكثر مما تحتمل، وهاجموا كل من ينقل عنه أو يترحم عليه، وانشغلوا بالشخص عن الفكرة، فأصبح كل همهم فى هدم الشخص وكشف عوراته والتنقص منه ومهاجمة محبيه وذم كل ما أتى به أو مدحه حتى وإن كان فى ذاته حسناً، وأصبح سيد عندهم عبارة عما يأتي:-
- يسخر من العلماء على مدار تاريخ الأمة، ويطعن في كتب السنة.
- يقول بالاشتراكية، ويدعو الى الأخوة الإنسانية، ويصف النصرانية بالسماحة.
- يستقي أفكاره من النظريات الشيوعية والغربية.
- يدعو الى حرية الاعتقاد ووحدة الأديان.
- يمتدح العلمانيين، ويضمن لهم الحرية.
وهكذا تمتد هذه السلسلة حتى وصل الأمر ببعضهم أن وصفه بالزندقة، وآخر بالعمالة للماسونية العالمية وغير ذلك من التهم الشنيعة التي تتجلى فيها نزعة التجني والحيدة عن الحق، وقد انتهج هذه الطريقة بعض الشيوخ الذين لهم اشتغال بعلم الحديث على رأسهم الدكتور ربيع المدخلي الذي كتب كتاباً سماه (العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم)، بالغ فيه جداً من لَيِّ أعناق كلام سيد وإخراجه عن سياقه أحياناً أو تحميله على أسوأ محامله في معظم ما نقل عنه، ثم ما لبث أن تطور به الحال هو الآخر فأصبح رائداً لمدرسة في الجرح والتجريح فصار له أتباع وأنصارسموا بالربيعيين أو بالمداخلة وهؤلاء لم يسلم من طريقتهم الفظة ولا أسلوبهم الحاد أي مخالف لهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
4) رأي الدعوة السلفية في سيد قطب:-
سلكت الدعوة السلفية – بفضل الله – مع سيد قطب ومع غيره قواعد العدل والإنصاف فهي لم تبخسه حقه، ولم تنسف ما عنده من الخير، ولكنها في الوقت نفسه لم تغال فيه ولم ترفعه فوق قدره ومنزلته، فتضاهي به رجلاً في قدر ابن تيمية مثلاً فى الرصانة العلمية والعمق الفكري، ولكنها تراه أديباً إسلامياً عنده عاطفة إسلامية جياشة وحب جارف تجاه دينه؛ مما جعله يوظف قلمه الرشيق والسيال في الدفاع عن الدين وعن قضايا الأمة وعن الرد على موجات الهجوم الفكرى الذي عانته الأمة طويلاً.
ونراه كذلك قد انكب على كتاب الله -عزوجل- وقد تأثر به وتعمق فى وجدانه فإذ بمشاعره الفياضة تسيل لتسجل سفراً ماتعاً لخواطره حول آيات القرآن الكريم، لكنها مع جمالها ورقتها وعذوبتها ستظل خواطر تحتاج ألفاظها إلى التدقيق العلمي وإلى الإحكام الفقهي المنضبط، أما من يحاول أن يجعل منه كتاباً في الأحكام أو العقائد أو حتى في المنهج والحركة فسوف ينحرف به الأمر إلى ما يخالف النهج القويم والصراط المستقيم، ونراه كذلك مفكراً أمضى وقتاً من حياته سجيناً ثم خُتمت حياته بطريقة نسأل الله -عزوجل- أن يكون قد رزقه فيها الإخلاص والتوبة، هذا هو حد الاعتدال الذي نراه في سيد، نسأل الله أن يلهمنا الرشد والصواب وأن يرزقنا الإخلاص والإنصاف، آمين.



اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-09-2025, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (6) التوقف والتبين


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:-
1) دلالة المصطلح:- هي مدرسة فكرية تنتسب للأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، وهو كما أسلفنا أحد خواص تلامذة سيد قطب رحمه الله، ويمكن عَدُّ كلٍّ من الشاذلي ومحمد قطب منظرين أساسيين لهذا الفكر، إلا أن عبد المجيد الشاذلي كان مقلاً في كتاباته، ولم يُنسب له سوى كتب عدة أبرزها: كتاب (حد الإسلام وحقيقة الإيمان)، أما محمد قطب فصاحب قلم سيال وفكر عميق، وله مؤلفات عديدة وضع فيها خلاصة أفكاره، كما ضمن فيها أفكار عبد المجيد الشاذلي ولكن بعبارات أدبية أقل عمقاً وأسهل تناولاً من الطرح الأصولي الذي قدمه عبد المجيد الشاذلي.
2) لمحة تعريفية عن الأستاذ عبد المجيد الشاذلي:-
ولد الأستاذ عبد المجيد بمحافظة الغربية عام 1938، وحصل على بكالوريوس العلوم قسم الكيمياء من جامعة الإسكندرية، انضم لجماعة الإخوان المسلمين في بداية الخمسينات، وتم اعتقاله على خلفية قضية تنظيم65 بما أنه كان أحد قادة الصف الثاني للتنظيم عن محافظة الإسكندرية وقضي في السجن عشر سنوات، وتم الإفراج عنه في عام 1975.
بعد خروجه من السجن أنشأ مع بعض إخوانه جماعة التوقف والتبين التي سماها (دعوة أهل السنة والجماعة على طريق إحياء الأمة) لتكون امتداداً للمدرسة القطبية وراعية لها، وقد اتخذت دعوته مساراً سرياً بعد اعتقاله عام 1981 مع عدد كبير من الإسلاميين على خلفية اغتيال السادات.
وقد لازم عبد المجيد سيد قطب وتتلمذ على كتبه، وكان يعد من أخص تلامذته بل يعده القطبيون هو المنظر الشرعي لفكر سيد قطب؛ ومما يدل على ذلك ما شهد به أحد رموز هذا الفكر في مصر وهو الشيخ رفاعي سرور؛ حيث يقول في ترجمته للشاذلي بعنوان (عبد المجيد الشاذلي.. تعريف منهجي في مواجهة المحاولة الجاهلية لإهدار الرموز الإسلامية المؤثرة بأعمالها والملهمة بسيرتها في الواقع والناس) – وهي منشورة على موقع (أهل السنة والجماعة على طريق إحياء الأمة)– على شبكة الإنترنت:-
«يمثل الشيخ عبد المجيد اتجاها منهجياً أساسياً في واقع الفكر الإسلامي المعاصر باعتباره المؤصل الفقهي والشرعي لفكر سيد قطب، حتى تكونت بجميع كتابات هذا الاتجاه وحدة موضوعية واحدة توزعت على كل العقول التي تحاول الوصول للحق كل بما يناسبه، ليكون هذا التأصيل هو المواجهة الفكرية الواقعية على الزعم القائل بأن كتابات سيد قطب مجرد كتابات أدبية؛ حيث لم يفهم القائلون بذلك أن سيد قطب كان يخاطب الناس بما يناسبهم ويؤثر فيهم، لتكون مهمة التأصيل الضرورية موكولة لكتابات التأصيل التي تعد كتابات الشيخ عبد المجيد نموذجا كاملا لها، فتكتمل كل الشروط الشرعية للاتجاه الفكري الصحيح للدعوة».
لاحظ هنا أن الشيخ سرور يتحدث عن اتجاه منهجي واحد له رابطة موضوعية واحدة وذات مصدر محدد حتى وإن اختلفت طرائق وأساليب الكتابة، وهو بذلك يؤكد على الوحدة المنهجية للتيار القطبي الذي ينتسب هو إليه والذي يعد الشاذلي أحد أهم منظريه، ثم يقول في نفس الترجمة:-
«والبعد الأساسي للتعريف المنهجي بالشيخ عبد المجيد الشاذلي هو تجربة 65؛ حيث كانت تلك التجربة هي البداية التاريخية للتصحيح الفكري والمنهجي للدعوة، كما كانت سنداً نفسياً لمن أتي بعدها؛ حيث علم شباب الدعوة الجدد بعد اكتشاف تنظيم 65أن هناك من استطاع الوقوف أمام عبد الناصر».
هذا الكلام من الشيخ رفاعي سرور يورط سيد قطب مباشرة، ويصعب المهمة على من يحاول تبرئة سيد قطب مما نُسب إليه، ومما فُهم من كلامه؛ لأننا هنا أمام مدرسة فكرية متكاملة يعضد بعضها بعضاً، وتتوزع فيها الأدوار حسب الإمكانيات والطاقات والظروف المحيطة.
ومما كان يميز شخصية الأستاذ عبد المجيد أنه كان شغوفاً بالقراءة، محباً لطلب العلم، وتحديداً علم الأصول الذي انكب على الكتب المتخصصة فيه ليقرأها بتركيز شديد، وقد كانت لهذه القراءات – فضلا عن كتابات سيد - أثر في تأصيله لبدعته التي أقام عليها الجماعة كما سيأتي بيان ذلك، ومؤلفات الشاذلي تكاد تنحصر في أربع كتب تقريباً؛ أولها وأشهرها كتاب (حد الإسلام وحقيقة الإيمان) وقد استغرق في كتابته سبع سنوات كاملة؛ حيث وضع فيه خلاصة فكره وحقيقة منهجه.
يوضح رفاعي سرور الأهمية الفكرية لهذا الكتاب عندهم حتى إنه قرنه بالمعالم فقال في الترجمة نفسها المذكورة:-
«وكان قد سبقها إلى الخر وج ـ أي رسالة حد الإسلام - كتاب (معالم في الطريق) للأستاذ سيد قطب فكانت أوراق (المعالم) و(الحد) كقطرات اللبن للرضيع، حتى أصبح شباب الدعوة الجدد يرددون عبارات هذه الكتابات بثقة ويقين، يتعجب لها كل من يسمعهم وهم يرددونها، ويهمسون من أين لهم هذا الكلام وهذا الفكر؟! ما هذا الاتجاه الذي يسعي بكل قوة للصدام مع كل النظم والسلطات الحاكمة ؟! من هؤلاء الشباب ؟! ما لهم لا يخافون ؟! ولم يكن الناس يعلمون أنهم يقرؤون (معالم في الطريق) و(حد الإسلام) ولذلك فهم لا يخافون».
ونحن بدورنا نتعجب كما تعجب الناس!!، نتعجب من هذه العقلية التي تفتخر بالصدام «مع كل النظم والسلطات الحاكمة» وتقدم شباب التيار الإسلامي وقوداً لهذا الصراع الدموي مستغلين حماستهم وعواطفهم الجياشة بدون حدود أو ضوابط، من يقرأ هذا الكلام يعرف الطرائق التي يستخدمها أصحاب هذا الفكر في التهييج والإثارة تحت مسمى الشجاعة والعزة وعدم الخوف، والوسائل قد تتغير ولكن يبقى المضمون ثابتاً؛ فالكتابات الحماسية التي كانت تثير الشباب قديماً هي هي الخطب الرنانة نفسها والشعارات الساخنة التي تم استخدامها من على المنصات وفي الميادين لتحميس الشباب ودفعهم لمواجهة الدبابات بصدورهم العارية زعماً منهم أن هذا من الجهاد ولأجل نيل الشهادة.
ثم ألف كتاب (البلاغ المبين) لمناقشة بعض المسائل المتعلقة بالكتاب الأول فضلا عن مسألة الولاء والبراء وعوارض الأهلية، ثم كتاب (وصية لقمان) وكتاب (الطريق إلى الجنة).
التوقف والتبين بعد الثورة:-
نشطت دعوة التوقف والتبين بعد الثورة كما هو الحال مع غالب التيارات التي استثمرت فترة الانفتاح العامة، وقد زادت من نشاطها إثر ترشح أحد رموز التيار القطبي للرئاسة وهو الأستاذ حازم أبو إسماعيل، وقد ظهر الشيخ عبد المجيد الشاذلي في المؤتمر الانتخابي الذي عقده أبو إسماعيل في مدينة الإسكندرية، والجدير بالذكر أن الأستاذ حازم لم يكن - في البداية - يُظهر منهجه أو انتماءه الفكري، بل كان حريصاً على الظهور بمظهر الداعية السلفي غير المنتمي تنظيمياً لكيان محدد بما يؤهله ليكون حاضناً للشباب الملتزم عموماً، إلا أنه بعد تبين عدم صلاحيته القانونية للدخول في سباق الرئاسة أظهر بعضاً مما يعتقده في مسألة «لزوم استخدام القوة لإسقاط الأنظمة التي لا تحكم بالشريعة» – وهي بالمناسبة أحد أهم سمات التيار القطبي - بدلاً من محاولة تقويمها وإصلاحها، ثم تكلم عن براءته من منهج الدعوة السلفية ممثلة في (حزب النور)، وقال: «أسأل الله أن ينجيني من منهج حزب النور في الدنيا والآخرة»، واشتد ظهور القيادات القطبية عموماً في عهد الدكتور محمد مرسي، وكان أفراد هذا الاتجاه أداة رئيسية في تصعيد الأوضاع على الأرض بعدما دخل الإخوان في صراع مع السلطة ومع المعارضة، وكان من ذلك أحداث العباسية التي دعا إليها «أبو إسماعيل» وتواجد فيها عبد المجيد الشاذلي وحسن أبو الأشبال ومحمد الظواهري، ثم كان التصعيد الأخطر من على (منصة رابعة) التي ظهر فيها عدد من هذه الرموز وكان منهم عبد المجيد الشاذلي أيضاً، هذه المواقف تبين لنا مدى التحالف القوي بين جماعة الإخوان تحت قيادتها القطبية وبين التيارات القطبية المستقلة تنظيمياً عن جماعة الإخوان.
3) المنطلقات والأصول الفكرية للجماعة:-
قدمنا في كلامنا السابق أن عبد المجيد الشاذلي كان زميلاً لشكري مصطفى في الأسرة الإخوانية الخاصة وقت أن كان كل منهما عضواً في جماعة الإخوان، وقد تأثر كل منهما بسيد قطب باعتباره أستاذهما الأول، وسيد كانت لديه فكرتان أساسيتان؛ الأولى: تخص الحكام، وهي ما عبر عنها باسم (الحاكمية)، والثانية تخص المجتمع، وهي ما عبر عنها باسم (جاهلية المجتمع)، وقد ظل المسار الفكري لهاتين القضيتين واضحاً في أذهان تلامذة سيد قطب إلا أن الأفهام قد تنوعت في عمق المضمون لكل قضية من هذه القضايا؛ ولأن كلام سيد كان كلاماً أدبياً مرسلاً وكانت تعوزه الأدلة الشرعية – كما أقر بذلك رفاعي سرور في معرض مدحه لكتابات الشاذلي – فانطلق كل واحد من هؤلاء باحثاً عن أدلة شرعية يستشهد بها للقضايا التي تشربها واعتنقها لكي يدعم بها كلامه، لا أن يختبر بها فهمه هل وافق الشرع أم لا؟
ومن هذا المنطلق قدم عبد المجيد الشاذلي أطروحته الفكرية في قالب أصولي عبر كتابه الذي سماه (حد الإسلام) الذي قسم فيه المجتمع إلى ثلاثة أقسام، ووضع حداً أدنى للإسلام لا يعذر صاحبه فيه بالجهل ولا تقبل فيه دعوى الجهل، وهذا الحد هو (الحكم، الولاية، النسك)، ومن مجرد العنوان تستطيع أن تلمح مدى تأثير علم الكلام والمنطق على تفكير الرجل للدرجة التي جعلته يختار هذا اللفظ المشكل من الناحية الأصولية المنطقية ليعبر به عن قضية عقدية مهمة وفي الوقت نفسه هي محسومة وواضحة في الشرع تمام الوضوح، فحد الإسلام – لو جاز لنا استعمال لفظ المؤلف نفسه – في الشرع ووفق منهج أهل السنة والجماعة هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، هذا هو الشرط الذي يدخل به العبد في الإسلام، ويظل كذلك ما دام لم يأت بناقض ينقض هذه الشهادة، فإذا أتى بناقض فإن كان هذا الناقض معلوماً من الدين بالضرورة كفر من ساعته وأصبح مرتداً مثل من يسب الله، أو يلقي المصحف في القاذورات وغيرها، أما إذا كان هذا الناقض غير معلوم من الدين بالضرورة عذر بجهله ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة.
وكذلك قام محمد قطب بتفصيل قضية المجتمع الجاهلي وتقسيمه إلى ثلاثة أقسام (مسلمون بلا شبهة - كفار بلا شبهة - طبقة متميعة) وذكرها في عدد من كتبه، ولاسيما كتابيه (واقعنا المعاصر)، (مفاهيم ينبغي أن تصحح)، وصار التقسيم الثلاثي للمجتمع هو الفكر المعتمد لدى التيار القطبي عموما، اعتماداً على تنظير كل منهما كما يلي:-
القسم الأول: مسلمون بلا شبهة:-
هو الشخص الذي ينطق بالشهادتين وهو فاهم لمعناها عامل بمقتضاها، وقد حصر هذا الفهم في ثلاث قضايا رئيسية هي (الحكم – الولاية - النسك)، وفي الواقع فإن فهم تفاصيل هذه القضايا لا ينطبق على كثير من أفراد الجماعات الإسلامية فضلاً عن عموم الناس، بل أقول: إن تفاصيل هذه القضايا لا يحسنها كثير من المنتمين لهذه التيارات نفسها، ولو أعملنا عليهم هذه القاعدة لكفرنا معظمهم !!، فضلاً عن أن دراسة مثل هذه القضايا بتفاصيلها يستلزم شيئاً من الوقت ربما يستغرق سنوات، فهل الشخص الذي انضم إليهم حديثاً وهو يجهل هذه القضايا يكون في حكم الكافر حتى يتقنها أم أنهم سيتعاملون معه باعتبار ما سيكون ؟!
القسم الثاني: كفار بلا شبهة:-
الكافر بلا شبهة عندهم هو الكافر الأصلي الذي لم ينطق الشهادتين فضلا عن نطقها ولكن عنده خلل في قضية من القضايا الثلاث المشهورة (الحكم – الولاية - النسك)، فهذه القضايا الثلاث عندهم بمنزلة المعلوم من الدين بالضرورة، وهم لا يعذرون فيها بالجهل، وهذا مؤداه كما ذكرنا تكفير معظم المجتمع فعلاً، وهو قريب في النتيجة من جماعة شكري مصطفى إلا أن شكري لم يتعب نفسه كثيراً في تعقيدات أصولية وحكم على المجتمع كله بالردة، أما عبد المجيد الشاذلي فكما نرى ضيق دائرة التكفير شيئاً قليلاً عن طريق (فلتر) يظنه علمياً أو هكذا يبدو، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك.
القسم الثالث: طبقة متميعة لا يحكم لها بإسلام ولا بكفر بل يتوقف فيها:-
وهو الشخص الذي لم يُتحقق من كونه مسلماً بلا شبهة، وكذلك لم يتبين أنه كافر بلا شبهه مع أنه قد ينطق بالشهادتين أمامهم، وقد يرونه يصلي أو يصوم أو يحج، فيتوقف هؤلاء في الحكم عليه حتى يظهر لهم أمره، وظهور أمره عن طريق اختبار في المسائل الثلاث (الحكم – الولاية - النسك)، فإن اجتاز الاختبار صار مسلماً بلا شبهة، ويتم التعامل معه بوصفه مسلما، وإن رسب في الاختبار صار بذلك كافراً بلا شبهة وهو المتوقع من أغلب المجتمع، وهذا القسم في الواقع هو التحسين الذي أدخلة عبد المجيد الشاذلي على فكر شكري مصطفى، وهو تحسين صوري وشكلي فقط؛ لأنهم في الواقع يتعاملون مع أفراد القسم الثالث على أنهم كفار حتى يتبين لهم أمرهم ولكنهم لا يُظهرون هذا التكفير.
4) السمات العامة للجماعة:-
رغم أن بدعة جماعة التوقف والتبين أخف حدة من جماعة التكفير، إلا أنها في الحقيقة أشد خطراً؛ ذلك لأن تيارات التكفير الصريح بكل تنوعاتها تفشل غالباً في اجتذاب أنصار جدد، وتجد نفسها محاصرة مجتمعياً في كل النواحي؛ مما يجعلها إما تفر إلى الصحاري والجبال كما كان يطلب شكري من أتباعه أن يفعلوا ذلك، وإما أن يستخدموا التقية وهي عندهم من الكفر، وإما أن يزهدوا في هذا الفكر المنحرف وبعضهم يمن الله عليه بالهداية، وبعضهم الآخر ينشق تنظيمياً عن جماعته الأولى ثم يقوم بإجراء تحسينات فكرية في بعض مناهجها ومعتقداتها ووسائل تحركها، ثم يسمي نفسه باسم جديد، وهكذا في سلسلة من الانشقاقات والانشطارات لا تنتهي، {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور }(النور: 40)، أما جماعة التوقف والتبين فهي أولاً تتخفى تحت اسم شريف وهو (أهل السنة والجماعة)، وتستخدم لغة أهل العلم، بل تزعم أن القضية في أساسها ليست روحا عدائية أو انتقامية من المجتمع ومن أفراده، وإنما هي في إعراض الناس عن تعلم أنواع من العلم الشرعي الذي يرونه «ركناً في الإيمان» فضلا عن أنها لا تفر من المجتمع بل تحاول أن تتواجد فيه من أجل جذب شباب التيار الإسلامي إلى منهجها.



اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-09-2025, 05:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,155
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (8) السرورية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:-
- دلالة المصطلح :- هي مدرسة فكرية وضع ملامحها الأولية الأستاذ محمد بن سرور بن نايف زين العابدين؛ حيث قام في البداية باستغلال البيئة السلفية في المملكة السعودية، فضلا عن توظيف الوسائل الحركية التي تعلمها في جماعة الإخوان من أجل تنشيط الدعوة وتطويرها عبر مسار تنظيمي، ولكي يتسنى له الاستفادة من الصبغة العلمية للسلفية والسمة الحركية للإخوان، قام سرور بإنشاء تنظيم حركي استطاع من خلاله السيطرة على الكثير من المراكز الدينية والمساجد والجامعات والتجمعات الشبابية، وبالتالي قام باستنساخ التجربة الإخوانية في التنظيم والحركة مع تزويد هذه التجمعات بكتابات سيد قطب، ثم بأفكار محمد قطب ومناهجه، فضلا عن اللمسات الخاصة بمحمد سرور ذاته.
هذه هي النبتة الأولى للفكر، ولكن ما تم عملياً – ولاسيما بعد قدوم محمد قطب إلى السعودية – أن تسلل إلى هذه المدرسة الجديدة شخصيات من تلامذة محمد قطب، فصارت السرورية في السعودية تكافئ القطبية تقريباً، أما جماعة الإخوان فبقيت كما هي، بل اختلفت مع سرور بعد ذلك، وشنعت عليه، وهم من أوائل من أطلقوا على جماعته اسم السرورية.
- لمحة تعريفية عن الأستاذ محمد سرور:-
ولد محمد بن سرور في عام 1938 في سوريا، وقد كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين هناك، إلا أنه غادر البلاد، وترك الجماعة في سنة 1969على إثر خلافات بينه وبين قادته من الإخوان التي أحدثت انشقاقات عديدة داخل صفوف الجماعة.
هاجر سرور على إثر هذه الخلافات إلى السعودية، ليعمل مدرساً للرياضيات في المعهد العلمي ببريدة في منطقة القصيم، ومن خلال إقامته هناك بدأ يتأمل الواقع، ويحلل عناصر البيئة الجديدة، فوجدها في الغالب بيئة علمية تقبل على العلم، وتعظم العلماء، وتتسم بالسمت السلفي في العقيدة والفكر والسلوك، إلا أن الحياة الدعوية بها نوع من السكون والكمون، وبطء النشاط ورتابة العمل.
فقرر سرور أن يستثمر خبرته في العمل مع الإخوان سابقاً، وينشئ كيانا تنظيميا قائما على الشباب، لكن دون أن يصطدم بالبيئة السلفية التي اكتسبت مع الوقت عمقاً قوياً يصعب تجاوزه، فضلاً عن مهاجمته أو تكسيره، وفي الوقت نفسه لم يذكر سرور أنه تخلى عن مبادئ الإخوان أو عن أفكارهم، إنما هو ثمة خلاف إداري أو تنظيمي، أما الفكر فقد استمر معه – على الأقل بوصفه مبادئ – كما هو.
انتقل سرور بعد أزمة الخليج من السعودية إلى الكويت، وعمل في مجلة المجتمع ثم خرج منها لمخالفته لفكر المجلة، ثم انتقل للعمل في لندن، وأسس المنتدى الإسلامي الذي يصدر مجلة البيان، وأنشأ مؤسسة أخرى تُصدر مجلة السنة، وبعدها سافر إلى الأردن للإقامة بها.
ورغم نسبة السرورية إليه، إلا أن السرورين يرفضون هذه التسمية، كما يرفضها محمد سرور أيضاً، ويعدونها نوعا من التنابز بالألقاب، قال محمد سرور زين العابدين في (مجلة السنة)العدد السابع والعشرون ما نصه:
وإذا كان الأمر كذلك فمن أين جاء الظالمون باسم (السرورية)؟!، وفي أي مصنع من مصانع كذبهم لفقوا هذا الاسم؟! أين هؤلاء الظالمون من قوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب}، ثم قال: «وأنا لا أعرف أحـداً في مشارق الأرض ومغاربها يقـول عـن نفسه: إنه (سروري)، وأستغرب كيف قبل الطيبون هذا الخبر الملفق الذي لا أصل له، لا أعرف أن هناك جماعة اسمها (السرورية)، ولم أكن في يوم من الأيام مسؤولاً عن جماعة».

والحقيقة أن هذا الاسم لم تتبلور حقيقته إلا في أعقاب حرب الخليج التي كان لسرور وأتباعه فيها عدد من المواقف الحادة والصادمة، التي جعلت الجميع ينتبه لوجود تيار جديد بأفكار جديدة وروح مختلفة، ففتشوا عن سمة عامة تجمع هؤلاء فوجدوهم جميعاً من أتباع محمد سرور ومؤيديه؛ فسموا بذلك من هذا المنطلق، أما لماذا لم يعترف سرور بالتيار الذي قام عليه وأنشأه؟ ولماذا كل هذا الغموض والتخفي، والرغبة في السرية؟ سيأتيك الجواب في الملامح العامة للتيار الذي حرص على هذه السرية بدرجة كبيرة.
هذا فضلا عن أن تلميذه النجيب - محمد المقدسي - قد اعترف بوجود الجماعة في ثنايا رده عليه بعدما انفصل عنها، يقول المقدسي في كتاب (الرد الميسور على مجازفات الشيخ محمـد سـرور في رده على أهـل الــتبيّن والتوقف وما جاء فيه من تخليطات وغرور):
«فقد عرفت الشيخ محمد سرور عن قرب؛ إذ كان يومًا ما شيخي، وكنت يومًا ما في جماعته، وهذا ما لم أكن لأنساه أو أتناساه، حتى وإن قيل: إن الاستفادة والعلم الذي حصّلته عن طريق الجماعة كان قليلاً لا يكاد يذكـر»، ثم قال: «ومكثت مع الجماعة ما شاء الله لي أن أمكث، وكنت رغم حداثة سني وقلة إمكاناتي العلمية آخذ على أتباعها التقليد والانقياد الأعمى للقيادة وعدم الخروج عن خطها البتة، ثم شاء الله أن أُفصل من الجماعة؛ لأنني في نظرهم فوضوي غير منضبط، فقد كُنت أُنهى عن الاختلاط بأفراد من جماعات أخرى، أو حضور دروس لشيوخ من اتجاهات أخرى، وكنت لا أصغي لهذا ولا أعبأ به».
ولمحمد سرور عدد من المؤلفات من أهمها: دراسات في السيرة النبوية، منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، سلسلة الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو في جزأين الأول عن جماعة المسلمين، والثاني عن التوقف والتبين، العلماء وأمانة الكلمة.
وللحديث بقية إن شاء الله


اعداد: أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 150.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 146.50 كيلو بايت... تم توفير 4.43 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]