احذروا هذا المرض: التكبر

[عبق القدس]

التكبر

بسم الله نبدأ ، نحث الخطى ، نرتفع بهاماتنا فوق شم الجبال فخراً بهذه الأجيال من الشباب المسلم ، وهي تتداعى إلى المساجد ، وتتهافت بشوق للعمل في حقل الدعوة وخدمة الإسلام والمسلمين ، وكم تزغرد النفس فرحاً وهي ترى هذه الجموع مستغرقة في اجتماعاتها ، وهي تخطط وتفكر وتبدع في سبيل الارتقاء بدعوة الحق ، وفي هذه العجالة نحاول أن تضع بين يدي الدعاة لافتة عساها تكون نذيراً لهم من بعض أمراض النفس التي بالكاد يسلم أحدنا منها حين ينغمس الداعية في أعماله ، فلا يجد متسعاً ليداوي نفسه أو يوجهها الوجهة الحق .

ولعل من الأمراض الشائعة ، والتي يشكو منها العديد من الأخوة هو مرض الكبر والعياذ بالله ، وهو من الأمراض النفسية الخطيرة التي تصيب الإنسان وفي لمجتمع الدعوي تشتد خطورة هذا المرض وتكون انعكاساته سلبية على صعيد البناء الدعوي بشكل عام بحيث لا تتوقف تداعيات المرض عند الشخص نفسه ، وإنما تفتك بالمجتمع الدعوي ككل وتكون سبباً في تفشي انعدام الطاعة والجدال المذموم والتناجي وعدم الرضوخ لسلطة الحق .

والكبر كما يعرفه صلى الله عليه وسلم بأنه ( غمط الناس وبطر الحق ) ، أي ازدراء الآخرين وعدم تقديرهم ورفض الحق وعدم النزول إليه ، ومن خلال التجربة العملية في ميدان الدعوة نصطدم مثلاً بأحد الأخوة يتخذ موقفاً مسبق من بعض إخوانه وربما يتخذ هذا الموقف من مؤسسته التي ينتمي إليها حيث نجده يسفه ويزدري وجهة النظر المقابلة لمجرد الازدراء ليس أكثر فيسفه وجهة نظر أخيه ويسخر منها وربما تجده ليس مستعداً حتى لسماعها ، والعَرض الآخر لهذا المرض يتمثل في عدم الرضوخ لسلطة الحق ، وعدم النزول لرأي الجماعة إذا ما تبين صدق رأيها وعلى صعيد الحياة الشخصية والاحتكاك الاجتماعي مع الآخرين تمتد أعراض هذا المرض من خلال النزوع إلى الجدال الحاد والصاخب والتمسك بالرأي الشخصي وعدم التنازل عنه حتى لو تأكد له عدم صواب رأيه .
ما عرضناه ليس إلا الشيء اليسير من أعراض هذا المرض العضال _ وقانا الله منه _ و من الأسباب التي يراها الغزالي ( رحمه الله ) سبباً لهذا المرض أيضاً نتعرض لها على عجالة أولها : ( الاغترار بالعلم ) حين يستعظم العالم نفسه ويستحقر الناس فيترفع حتى عن رد السلام على جيرانه وإخوانه ، والسبب الثاني (أن يخوض العبد في العلم ) وهو خبيث الدخيلة بحث لم تأخذ نفسه حظها الوافر من التربية والتهذيب ، والثالث ( التكبر بالحسب والنسب ) فيرى في نفسه صاحب نسب وشرف رفيع وينظر إلى غيره على أنهم أقل منه شرفاً ونسباً ، والرابع التكبر على الناس بما أنعم الله عليه من قوة وشد البطش فيستقوي على الضعفاء ، والتكبر بكثرة الأتباع والتفاف الأنصار والتلامذة من حوله .

إن خطورة هذا المرض وتداعياته تتجاوز هذا العرض السريع الذي لا يفي الموضوع حقه ، لكننا أردناه تذكرة سريعة للعاملين في حقل الدعوة ، عساهم يتنبهون إن ألم بأحدهم عارض من هذا المرض ، لأن في تفشيه دمار للمجتمع الدعوي وهو قبل أي شيء خسران للأجر ، ومضيعة للجهود ويكفي ما جاء في الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( لا يدخل الجنة من في صدره ذرة من كبر ) فأي دليل على شناعة هذا المرض من هذا البيان النبوي القوي في بلاغته ومعناه .

ألا من وقفة مع النفس ، نستدرك هفواتها ، نطبب نزواتها وحبها للرياسة والجاه وتكبرها عن الحق ؟ ألا من رجوع إلى أحضان التربية وأن نعطي مجالسنا التربوية حقها ؟ ألا من وقفة مع الذات أيها العاملون في حقل الدعوة بأن تؤدوها على أكمل وجه ، فتجعلوا الباب مفتوحاً للنقاش في مجالسكم ولتسلطوا الضوء على هذه الآفات ولتحاربوها بالتبصير بخطورتها والتذكير بها ؟

إنها دعوة مفتوحة للجميع ، بأن يتحسسوا أنفسهم جيداً ، ويتفقدوا سلوكيات من حولهم ، ومن تحت أيديهم ، فيوجهونها الوجهة الصحيحة فبالقدر الذي نكد فيه بالغرس والتربية والتوجيه فإننا نتقدم بالقدر ذاته بخطى قوية وببناء متماسك عصيٍ على التفكك والانحلال وكما قيل ( من صحت بدايته ، صحت نهايته ، ومن فسدت بدايته ربما وصل !!! ) .

أخوكم... عبق القدس
عبد الوهاب - فلسطين المحتلة