|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العمارة العروس في الشعر الغرناطي السعيد الدريوش تُضفي الأشعار المنقوشة على العمارة الملوكية وقصور الحمراء صورة أنثويَّة، صورةَ العروس الموشَّاة بالجواهر الثمينة، والتيجان المنمَّقة، وهذه الصورة الأنثوية للعمارة الإسلامية في العصر الغَرْناطي ما هي إلا تصويرٌ فني متكرِّر لصورة العمارة في العصور السابقة، تعيش على صور الماضي وتتغذَّى عليه، فقد (كان الشعر الأندلسي خلال العصر الغَرْناطي يَلفِظ آخر أنفاسِه، مثله في ذلك مثل غيره من فروع الثقافة الإسلامية في الأندلس، كانت كلُّها تَعيش على أصداء الماضي)[1]. فتصوير العمارة بالعروس نجده في العصر العبَّاسي مع أبي نُواس يصف قصرًا: لا أنعَت الرَّوضَ إلا ما رأيتُ به ![]() قصرًا مُنيفًا عليه النَّخلُ مُشتمِلُ ![]() يا طِيبَ تلك عَروسًا في مَجاسدها ![]() لو كان يَصلُح مِنها الشمُّ والقُبَلُ[2] ![]() وذكرها أبو يعقوب إسحاق الخزيمي في رثاء بغداد: إذْ هي مِثلُ العَروسِ بادئها ♦♦♦ مُهوِّلٌ للفتى وحاضرُها[3] أمَّا في الأندلس فقد اتَّخذَت هذه الصورة شيوعًا كبيرًا، واستهلاكًا واسعًا، سواء في شعر شعرائهم أو نثر أدبائهم، فذكَرها أحد الوشَّاحين بإشبيلية قائلاً: إشبيلِيَا عَروسٌ ![]() وبَعلُها عبَّادُ ![]() وتاجُها شريفٌ ![]() وسلكها الودادُ[4] ![]() أمَّا ابن الخطيب فيصف قصر الحمراء بعد عملية تجديده وترميمه قائلاً: "فهو اليوم عَروسٌ يُجلي المهضب، ويغازل الشهب"[5]. فالعمارة العَروس هي ذلك الحِضْن الدافئ الذي يَرجع إليه السلطان بعد غياب؛ ليَستمتع بجمالها وروعة نُقوشها، ويستنشق عِطر أريجها الفوَّاح بما تشتمل عليه من رياض غنَّاء، ومن نُقوش وزخارفَ ذات ألوان بديعة. هذا ولم يكن الشعر المنقوشُ بمعزِل عن التأثُّر بصور السابقين من الشعراء والوشَّاحين الأندلسيِّين، فاتخذ الشعراء من العروس مصدرًا مُغريًا للتصوير الشعري، وتداولوا هذه الصورة في قالَبٍ متكرر جاهز، يستخدمه شاعرٌ بعد آخر. فها هو ابن الجياب يَصف القصر الجديد للسلطان أبي الوليد إسماعيل بن فرج - على قوس مدخل صالون جنة العريف - بالعروس المجمَّلة بالأصباغ، فصارت كمِثل أزاهر البستان، يقول الشاعر [الكامل]: قصرٌ بديع الحُسنِ والإحسانِ ![]() لاحَت عليه جَلالةُ السلطانِ ![]() راقَت مَحاسنُه وأشرق نُورُه ![]() وهَمَت سحائبُ جُوده الهتَّانِ ![]() رَقَمَت يدُ الإبداع في أرجائه ![]() وَشيًا كمِثل أزاهرِ البستانِ ![]() فكأنَّ مجلسه العَروس تبرَّجَت ![]() عند الزفاف بحُسنِها الفتَّانِ[6] ![]() أما لسان الدين بن الخطيب، فيَجعل العمارة غادةً حَسناء، بحُلَّة زاهية، وتاجٍ رفيع؛ يقول [الطويل]: أنا الغادَةُ الحَسْناء يُغنِي جَمالُها ♦♦♦ عَن الدرِّ من فوقِ الطُّلَى والتَّرائبِ[7] هذه الفتاة التي فاقَت بجمالها وروعتها حِسَانَ الأرض جميعَهن، حتى جذبَت إليها شُهب السماء: فُقْتُ الحِسانَ بحُلَّتي وبتاجي ♦♦♦ وهوَت إليَّ الشُّهْب في الأبراجِ[8] فالجودة التصويرية للعمارة العروس إنما تتجلَّى في الوسيلة البلاغيَّة المتخَذة، ونوع التشبيه الموظَّف من قِبل الشاعر، فنجده تارة يوظِّف الأداة، وتارة أخرى يعتمد على التشبيه البليغ، من باب التنويع والجِدَّة في الصورة؛ يقول ابن زمرك [المجتث]: انظُرْ لرَوضٍ مُحلَّى ♦♦♦ مِثلَ العَروسِ المجلَّى[9] ويقول أيضًا [مجزوء الرمَل]: أنا مِجْلاةٌ عَروسٌ ♦♦♦ ذاتُ حُسنٍ وكَمالِ[10] أما ابن فركون فقد جعل مِن قصر جنة العريف عروسًا لها تاجٌ رفيع، وكأن القصد الإخباريَّ هو غايته مِن هذه الصورة الفنية؛ يقول [الخفيف]: إنَّما جنَّة العَريف عَروسٌ ♦♦♦ وأنا تاجُها الرفيعُ المحلَّى[11] وتتجلَّى في الشعر المنقوش خاصية أساس، وهي الانسجام الحاصلُ بين المعمار والشعر، فيَبني الشاعر قصيدته النقشية اعتمادًا على الصورة المعمارية، هكذا يجعل الشعراء من القبة عروسًا وخودًا وفتاة مَليحة، ومن الصِّهريج والبِركة مِرآة تُبرز مَحاسنها وجمالها، فتتجلى نَرجسيَّةُ العمارة الإسلامية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |