تجليات الرحمة الإلهية وكيف نحصلها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 195 - عددالزوار : 17339 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 4447 )           »          الاحتلال الهندي لكشمير وأثره في الصراع الباكستاني الهندي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4872 - عددالزوار : 1858645 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4439 - عددالزوار : 1197097 )           »          القلب لا القالب! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 26095 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 16170 )           »          وإعجاب كل ذي رأي برأيه! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 155 )           »          هلموا إلى منهج السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-08-2021, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,340
الدولة : Egypt
افتراضي تجليات الرحمة الإلهية وكيف نحصلها

تجليات الرحمة الإلهية وكيف نحصلها
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان


نص الخطبة:
الحمد لله الذي وسِع كل شيء علمًا ورحمة، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفردُ بالألوهية والوحدانية، المتوحِّدُ في العظَمة والكبرياء والمجد والرُّبوبية، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرحمُ البرِيَّة، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آله وأصحابه وعنَّا معهم يا عظيم الرحمة والمغفرة. أما بعد. أيها المسلمون فقد وصف الله نفسه بأنه الرحمن والرحيم؛ فالله هو الرحيم بعباده وحده دون سواه، ورحمة الله لا تُماثل رحمة المخلوقين، ولا يضاهيها شيءٌ، فهي تفوق كل شيء، يقول تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وقد شبّه النبي رحمة الله - للصحابة بمشهدٍ حقيقيٍّ حصل أمامهم، إذ أضاعت أمٌّ ابنها الرضيع في الحرب، وبعد انتهاء الحرب أخذت تبحث عنه في القتلى والجرحى، فلما وجدته أخذته وضمّته، فسأل النبي أصحابه: (أترون هذه المرأة طارحَةً ولدَها في النَّار؟))، قالوا: لا والله وهي تقدِر على أن لا تطرَحَه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((للهُ أَرحم بعباده من هذه بولدها))؛ رواه مسلم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لمَّا قضى الله الخلقَ كتب كتابًا، فهو عنده فوق عرشه: إنَّ رحمتي سبقَت غضبي))؛ متفَق عليه.

إن رحمة الله واسعة، وسعت كل شيء، وهي تتمثل وتتجلي في مظاهر كثيرة لا يحصيها العبد، ويعجز الإنسان عن مجرد تتبعها وتسجيلها لكن دعني أذكرك ببعضها.

معاشر المسلمين: مظاهر رحمة الله سبحانه ببني آدم، وآثارها العظيمة على الكون والخلق أجمعين تتجلى في العديد من المشاهد الكونية ومنها:
تتجلى ابتداءً في وجود البشر أنفسهم، وفي نشأتهم من حيث لا يعلمون، وفي تكريم الإنسان على كثير من العالمين، دون أن يسأله ذلك أو يشترط عند خلقه بذلك، أو يكون له أدنى سبب قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

ومن رحمة الله - بالإنسان أن خلقه في أحسن تقويم ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] وأكرمه بالدين وزوده بالسمع والبصر والعقل، ولم يكله في الاهتداء إلى عقله وحده ولا على الفطرة وحدها، ولا على كثرة ما في الأنفس والآفاق من دلائل الهدى، وموجبات الإيمان، ولا إلى كتاب منزل وحده، ولا إلى نبي مرسل وحده، بل جمع له بين ذلك كله، ليقطع عليه العذر، ويقيم عليه الحجة.

وتتجلى رحمة الله في تسخير ما في هذا الكون العظيم من النعم والطاقات، والقوى والأرزاق، والماء والهواء وغير ذلك مما يتقلب فيه الإنسان كل لحظة قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]، فمن رحمته أن ذلل لهم وطوع لهم مخلوقاته وجعلها في متناولهم وتحت تصرفهم يستعينوا بذلك على القيام بواجبهم التي خلقوا من أجله، فتجد الصبي الصغير يقود الجمل الكبير بمنتهى اليسر، لأن الله قد سخره له وأخضعه لسلطانه.

ومن آثار رحمته سبحانه إنزال الماء قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى:28]، وقال جل وعلا: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50].

وعَنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَسْقَى، قَالَ: (اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ)؛ رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

ومن آثار رحمته خلق الله الليل والنهار، حيث يستعين الإنسان بالنهار على العمل والسعي في الأرض بما ينفعه، ويستعين بسكون الليل على النوم وأخذ الراحة لاستعادة نشاطه، قال تعالى: ﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].

وتتجلى رحمة الله في تعليم الإنسان ما لم يعلم مما يحتاجه في حياته: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وكلما تقدمت بهم الأزمان، وازدادت أعدادهم، فتح لهم من أسرار العلوم والاكتشافات الحديثة، ما تتيسر بها أمورهم وتستمر منافعهم، وتخيل لو لم يتم اكتشاف الطائرات والقطارات ووسائل الاتصالات الحديثة والليزر وغير ذلك من أسرار العلم الحديث.

تخيل كيف ستمضي عجلة البشرية بأعدادها الهائلة من غير هذه النعم المسخرة برحمة الرحيم.

ومن رحمته -سبحانه أن أرسل لنا محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، فهو أرحم الناس بالخلق، فقال في وصفه: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]،وقَالَ رسول الله: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)؛ رواه مسلم. فهو صلى الله عليه وسلم رحمة لكل أحد، لكن المؤمنين قبلوا هذه الرحمة، وامتثلوا لموجباتها، فنالوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وقد رفع الله برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- العذاب العام عن أهل الأرض، وأبدله رحمة، كيف وهو نبي الرحمة للعالمين، قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].

يقول الإمام ابن القيم: فبرحمته أرسل إلينا رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأنزل علينا كتابه وعصمنا من الجهالة وهدانا من الضلالة وبصَّرنا من العَمى وأرشدنا من الغيّ.

وتتجلى رحماته كذلك في مجازاته العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومحو السيئة بالحسنة: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160]، وتظهر أيضا في تجاوز الله عن سيئات العباد إذا عملوها بجهالة ثم تابوا، رحمة بهم كما قال سبحانه: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].

قال ابن كثير: أي: أوجبها على نفسه الكريمة، تفضلا منه وإحسانًا وامتنانًا، بل ومن هم بسيئة ثم تركها كتب الله له حسنة، إكراما للعبد على تركه وخشيته ربه.

ومن سعة رحمة الله، وعظيم فضله، أن رتب على الأعمال اليسيرة أجورًا كبيرة، فانظر إلى رحمة الله المسداة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وانظر إلي عظيم منته في فضل الصدقة ولو بشق تمرة، وفضل من ذكر الله -عز وجل- (سبحان الله وبحمده) مائة مرة في اليوم، وفضل صلاة الجنازة، المشي إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وقراءة آية الكرسي دبر الصلوات، فدونك -يا عبد الله- أبواب الخيرات الكثيرة التي لا ينقطع خيرها وفضلها برحمة الله عز وجل.

وتتجلى رحمة الله -جل جلاله- أنه يبسط رحمته لكل التائبين، ويفتح بابه لكل المنيبين، وجنته لكل العائدين المقبلين: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

ويفرح سبحانه بتوبة العبد إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، ويكفر عنه سيئاته، ويغفر ذنوبه، ويوجب له محبته، وهو -سبحانه- الرحيم الذي ألهمه إياها، ووفقه لها، وأعانه عليها، وقبلها منه، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39].

وفي الحديث: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ"؛ (مسلم)، وهذا يدلك على مدى رحمة الله بعباده.


فلو تخيلت حالة رجل انقطعت به أسباب الحياة الأرضية فشارف على الموت المحقق فأوكل نفسه إلى بارئها، ثم أسلم جسده إلى النوم ليدبر الغني القدير، والكريم الرحيم في أمره ما يريد، وبينما هو في نومه إذ بالمفاجأة الكبرى تمنحه عمرا ثانيا بعد أن يئس من حياته فكان من فرحته البالغة أن أخطأ خطأ كبيرًا فادحًا، حيث قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك وذلك من شدة فرحه، أرأيتم ما بلغ الفرح بهذا، فالله بتوبة عبده أشد وأعظم من هذا.

ومن رحمته أنه ينزل –سبحانه - كل ليلة إلى سماء الدنيا، إكراما للمؤمنين، لقضاء حاجات السائلين، وقبول دعاء الداعين، وإلحاح المستغفرين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"؛ (البخاري، ومسلم).

ومن رحمته -سبحانه- أنه ملأ سماواته من ملائكته، يستغفرون لأهل الأرض، والدعاء لعباده المؤمنين، والاستغفار لذنوبهم، ووقايتهم عذاب الجحيم، والشفاعة لهم عند ربهم ليدخلهم الجنة كما قال سبحانه:

﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [غافر: 7-9].

فما أعظم هذه العناية من الله الرحيم بعباده المؤمنين، وما أجمل هذا الإحسان من المولى الكريم، وما أعظم هذه الرحمة من الرحمن الرحيم، وما أجملَ هذا التحنن والعطف والتحبب إلى العباد، وحسن التلطف بهم. ألا ما أعظمَ رحمة الله بعباده، فمع خلقهم، وتأمين أقواتهم، وقسمة أرزاقهم، خلق سبحانه ملائكة يدعون لهم، ويستغفرون لهم، ويشفعون لهم عند ربهم، ومع هذا كله أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وتعَّرف إليهم بأسمائه وصفاته، وآلائه وإنعامه، ليدعوه بها، ويسألوه بموجبها، ويعظموه من خلال تعرفهم بها.

حتي الموت رحمة للمؤمنين: الموت نهاية الحياة الدنيا، لكنه رحمة للمؤمنين حيث يستريح من نصب الدنيا وعنائها إلى رحمة الله تعالى، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: (العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)؛ (البخاري ومسلم).

والأمل بالرب الكريم، الرحمن الرحيم، أن يرى الخلائق منه يوم القيامة من الفضل والإحسان، والعفو والتجاوز والغفران، ما لا تعبّر عنه الألسنة، ولا تتصوره الأفكار، ولا يخطر على القلوب، ويتطلع إلى رحمته في ذلك اليوم جميع الخلق لما يشاهدونه، فيختص المؤمنون به وبرسله بالرحمة، فهو الذي رحمته وسعت كل شيء، وغلبت رحمته غضبه، وعم كرمه كل حي، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها. فقل ما شئت عن رحمة الله، فإنها فوق ما تقول، فهو الرحمن الرحيم، وتصور فوق ما شئت، فإنها فوق ذلك، قال تعالى: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 26]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ، يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالأرْضَ، مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الأرْضِ رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ"؛ (مسلم)، وللبخاري: "فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ، وقد جاء في الحديث أن عابدا عبد الله خَمْسَ مِائَةِ عَامٍ، فيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: "أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، ثلاثا، فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمَلَائِكَةِ: قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رُدُّوهُ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي، مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ أَوْ بِرَحْمَتِي؟ فَيَقُولُ: بَلْ بِرَحْمَتِكَ. فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قَالَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: إِنَّمَا الْأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- يَا مُحَمَّدُ"؛ (الحاكم في المستدرك وصححه).

وله شاهد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي رواه الشيخان أن رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ". قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لا، وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ".

فمن رحمته أنه لا يدخل عباده جنته بأعمالهم، بل برحمته وفضله، إذ أعمالهم لا تستقل باقتضاء الرحمة، وحقوق عبوديته وشكره التي يستحقها عليهم لم يقوموا بها كما يجب لعظمته وجلال سلطانه، فإن أعمالهم لا توازي القليل من نعمه عليهم، فتبقى نعمه الكثيرة لا مقابل لها من شكرهم وأعمالهم، وكل نعمة ظاهرة وباطنة تحتاج منهم إلى شكر، وتوفيقه لهم لشكره يحتاج منهم إلى شكر وهكذا. فإذا أعطى الله عبده الثواب، كان مجرد صدقة منه -تعالى- لا استحقاقًا من العبد، وفضل منه -سبحانه- ورحمة لا عوضًا عن عمله القاصر، والعبد مملوك، مفرغ لخدمة سيده، لا يستحق شيئًا، فإن أعطاه شيئًا فهو إحسان منه وفضل. اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، ولا تخزنا يوم العرض عليك، وراحم ضعفنا وذلنا وانكسارنا بين يديك، أنت ربنا، وأنت أرحم الراحمين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده المرسلين، وآلهم وأصحابهم وأتباعهم المؤمنين.

أما بعد:
كيف نُحَصِل رحمة أرحم الراحمين (تعرَّض لرحماته) إن الواجب على المؤمن إذا علم أن الله سبحانه هو الرحمن الرحيم، أن يتعرض لرحمة ربه، وأن يبذل الأسباب التي تنال بها رحمة الله، لأن الرحمة لها أسباب تُستجلب بها منها:
أولًا - تحقيق الإيمان بالله وإخلاص التوحيد:
إن رحمة الله لا تحصل إلا لمن آمن الإيمان الحقيقي بجميع أركانه الستة: الإيمان بالله، بملائكته، وبكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، قال تعالى: ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 109].

وقال الله تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156] فمن أعظم أسباب رحمة الله بعبده إقامة التوحيد لله رب العالمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أحقُّ الناس برحمة الله: هم أهلُ التوحيد والإخلاص له فكلُّ مَنْ كان أكمل في تحقيق إخلاص " لا إله إلا الله " علما وعقيدة وعملا وبراءة وموالاة ومعاداة: كان أحقَّ بالرحمة).

ثانيًا- لزوم طاعة الله ورسوله:
كلما كان الإنسان أقرب إِلى الله، طائعًا لله ورسوله، منتهيًا عما نهاه الله ورسوله؛ كلما كان استحقاقه للرحمة أعظم قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56] وقال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132].

وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾ [الأعراف: 156، 157].

ثالثًا- تدبر القرآن:
القرآن الكريم كلام الله، كله بركة ورحمة وفضل وكلما اقترب منه العبد كلما حصل له الفضل والبر والرحمة، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)؛ (رواه مسلم).

رابعًا - الإكثار من التوبة والاستغفار:
لأن العبد المؤمن يقع منه الخطأ والزلل فيحتاج دائما إلى أن يكثر من التوبة والاستغفار لتدركه رحمة الله، قال سبحانه: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46] وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].

خامسًا - الإحسان إلى الخلق:
يقول ابن القيم: أقرب الخلق إلى الله تعالى أعظمهم رأفة ورحمة كما أن أبعدهم منه: من اتصف بضد صفاته. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)؛ ( أبو داوود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع).

قال الطيبي: أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البرَّ والفاجر والناطق والبهم والوحوش والطير).

وعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ -رضي الله عنهما- أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)؛ (البخاري ومسلم ).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ )).

بل حتى الحيوان إنْ رحمناه رحمنا الله، فكيف برحمة إنسان، بل كيف إنْ كان هذا الإنسان الذي رحمناه مؤمنًا بالله وباليوم الآخِر. وقد صحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا، فَقَالَ: وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ )). وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ رَحِمَ وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).

وتبرَّأ النبي صلى الله عليه وسلم مِمن لا يرحمون صغار المؤمنين، ويوقِّرون كِبارهم، فثبت عنه صلى الله الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )). فكن من الرحماء ذوي القلوب الرحيمة الرقيقة الشفيقة، التي تنبض بالإيمان، وتخفق بالرحمة والحنان، فترحم؛ لترحم، وتعطف على المسيئين لها، ليلطف الله بها.

سادسًا - الجمع بين الخوف والرجاء في جميع الأحوال والأوقات:
إن الخوف من الله مع الرجاء في الله يورثان فضل الله ورحمته وغفرانه، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ، أسرف علي نفسه، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حَضَرَته الوَفَاةُ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ)؛ (البخاري ومسلم).

سابعًا: الدعاء باسمي الرحمن الرحيم وبصفة الرحمة:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)؛ (أبو داوود، وأحمد).


وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ)؛ (الترمذي وحسنه الألباني في تخريج الكلم الطيب).

هذا وأسأل الله - جلَّ وعلا - رحمنَ الدنيا والآخرة ورحيمَهما أنْ يجعلني وإياكم مِن الرَّاحمين والمرحومِين كثيرًا، إنَّه سميع الدعاء، واسع الفضل والعطاء. وأقم الصلاة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.10 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]