|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() مشروعية تأديب المعلم لتلميذه د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم للمعلم منـزلة عظيمة في الإسلام، وقد وردت الآيات والأخبار والآثار، وتطابقت الدلائل الصريحة على فضيلة العلم، والحث على تحصيله، والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه، وقد اعتنى المسلمون عناية عظيمة بالعلم والتعلم والتعليم. ولذا أثبتت الشريعة للمعلم ولاية خاصة على تلميذه يمارس من خلالها واجبات ومتطلبات التعليم كالشفقة على المتعلمين وإجرائهم مجرى بنيه، ولينه لهم، وله أن يتعرض لتأديب من يستحق ذلك منهم[1]. وتعتبر ولاية المعلم لتلميذه ولاية ثابتة له عن طريق الكتاب، والسنة، والاعتبار. أولاً: دليل الكتاب: قال تعالى:﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾[2] حُمِلَ ذلك على المعلِّم. «أي علماءنا الذين ربَّونا بالعلم بدلالة قوله تعالى:﴿ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾[3] وقيل في قوله:﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾[4]، أنه عنى الأب الذي ولده، والمعلم الذي علَّمه»[5]. ومن هنا يسمى كل من كان سبباً في إصلاح شيء وتربيته (أباً) «ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين. قال تعالى:﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾[6]، وفي بعض القراءات:وهو أب لهم»[7]. ولهذا المعنى سمي معلم الإنسان أباه. وإذا ثبت هذا المعنى المشترك بين الأب والمعلم، فإن المعلم تصبح له ولاية على الولد كما أن الأب له تلك الولاية بجامع أن كلا منهما له عناية بالقيام على تربية الولد وتهذيبه. قال - عليه الصلاة والسلام -:«إنما أنا لكم مثل الوالد لولده»[8]، فالمعلم الشفيق يقصد بتأديبه إنقاذ تلاميذه من نار الآخرة، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا»[9]، فأبو الإفادة أقوى من أبي الولادة. ثانياً: دليل السنة: 1 - قال - عليه الصلاة والسلام -:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»[10]. وجه الدلالة من الحديث على مشروعية ولاية المعلم على تلميذه: أن الحديث دَلَّ بعمومه على أهمية المسؤولية، وعظيم تبعتها، وأنها حمل ثقيل يحمله المسلم وتبقى أمانة في عنقه يجب عليه أداء واجباتها، ولا شك أن مسؤولية تعلم العلم وتعليمه، والقيام على حمله وتبليغه داخلة في عموم تلك الرعاية، فدل ذلك على ثبوت ولاية المعلم على تلميذه. 2 - وكذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -:«إنما أنا لكم مثل الوالد لولده»[11]. ففي هذا التمثيل دلالة ظاهرة على إثبات مشروعية ولاية المعلم على تلميذه، وذلك عن طريق إلحاق ولاية المعلم بولاية الأب على ولده، بجامع الرعاية وتحمل المسؤولية في كلٍّ. ثالثاً: كما أن هذه الولاية ثابتة للمعلم على تلاميذه بطريق النيابة عن أوليائهم؛ لأجل إصلاحهم وتعليمهم وزجرهم عن سيء الأخلاق ورديء الأفعال، وذلك بالنصح والأمر والنهي والوعيد والتعنيف، ثم الضرب إن لم ينفع التأديب بالقول حيث إن القول باعتبار مشروعية ولاية المعلم على تلميذه يرفع ضرراً واقعاً إذ لا يتفرغ كل والد لتربية ولده، بل إنه يحتاج إلى من ينوب عنه في رعاية أولاده، والقول بعدم تجويز هذه الولاية يؤدي إلى وقوع أكبر الضرر على الأولاد وأوليائهم، والضرر يزال. ولذا فقد صرّح جمهور الفقهاء[12] بأن للأب الحق في إنابة غيره على تأديب ولده وتعليمه كما لو أسلمه للمكتب يتعلم فيه الصنائع والحرف، أبو بعثه للمعلم يعلمه ويؤدبه. قال الكاساني رحمه الله: «ولو ضربه - أي الولد - المعلمُ أو الأستاذ فمات، إن كان الضرب بغير أمر الأب أو الوصي يضمن؛ لأنه متعد في الضرب، والمتولد منه يكون مضموناً عليه، وإن كان بإذنه لا يضمن للضرورة...»[13].ا.هـ. و«قال الباجي: إذا كان الابن في حضانة أمه لم يُمنع من الاختلاف إلى أبيه ليعلمه ويأوي لأمه؛ لأن على الأب تعليمه وتأديبه وإسلامه في المكتب والصنائع»[14].ا.هـ. وقال النووي رحمه الله: «والمعلم يؤدب الصبي بإذن الولي ونيابة عنه»[15].ا.هـ. وقال ابن قدامة رحمه الله: «وليس على المعلم ضمان إذا أدَّب صبيه التأديب المشروع»[16].ا.هـ. فأفادت هذه النصوص الفقهية أن العلماء يرون جواز نيابة المعلم عن الأب في تأديب ولده، وأن له بهذه الولاية حق تأديب الولد. ولهذا لم يختلف الفقهاء[17] - رحمهم الله - في ثبوت مشروعية هذه الولاية التأديبية للمعلم على تلاميذه. والله أعلم. [1] انظر: المجموع للنووي (1/58). [2] من الآية (22), من سورة الزخرف. [3] من الآية (67), من سورة الأحزاب. [4] من الآية (14), من سورة لقمان. [5] المفردات في غريب القرآن, مادة «أب» ص(7). [6] من الآية (6), من سورة الأحزاب. [7] المفردات في غريب القرآن, مادة «أب» ص(7). [8] تقدم تخريجه في ص(76). [9] انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (1/69), والمدخل لابن الحاج (2/259), وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/547). [10] تقدم تخريجه في ص(38). [11] تقدم تخريجه في ص(76). [12] انظر: بدائع الصنائع (7/305), ومنح الجليل (4/421), وروضة الطالبين (10/175), والمغني (8/116). [13] بدائع الصنائع (7/305), وانظر: المبسوط للسرخسي (16/13), والبحر الرائق (5/53), وحاشية ابن عابدين (3/189, 5/363). [14] التاج والإكليل للمواق (4/215 بهامش الحطاب), وانظر: منح الجليل (4/421). [15] روضة الطالبين (10/175), وانظر: تحرير المقال للهيتمي ص(79), ومغني المحتاج (4/193), وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج (9/179). [16] المغني (12/528), وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص(282), ومطالب أولى النهي (6/90 - 91). [17] انظر: جامع أحكام الصغار (2/16 - 17)رقم (757, 760), والتاج والإكليل (6/319 بهامش الحطاب) والمعيار للونشريسي (8/256), وتحرير المقال ص(78), وكشاف القناع (6/16).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |