|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() اتقوا الأرحام أ. د. زكريا محمد هيبة وإذا كانت صلة الرحم واجبة، فإن وصلها أوجبُ مع أقرب الأقارب: الوالدين، والأبناء، والإخوة، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات؛ في صحيح البخاري: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصِل رَحِمَه)). وقطعها مع هؤلاء أمر جللٌ مُنذر بغضب الله: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]، وقال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققتُ لها من اسمي، فمن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتَتُّه)). و((ليس الواصل بالمكافِئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها))؛ [صحيح البخاري]؛ أي: ليس من الصلة أن تصل من يصلك، وتجفو من قطعك، لكن الصلة الحقيقية أن تصل ما انقطع في علاقة مع الأقارب، ولا تلتفت إلى الوشاة؛ فمقاصدهم لئيمة، ومآلات سماعهم وخيمة، والعاقل العاقل من لا ينقاد لهم من قريب أو بعيد. بعد وفاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية (من بني حنيفة)، فولدت له ولدًا سمَّاه (محمدًا)، فهو (محمد بن علي)، غير أن الناس أرادوا التفريق بينه وبين ذرية فاطمة رضي الله عنها، فسمَّوه (محمد بن الحنفية)، واشتُهر بها أبدًا رضي الله عنه، ولم يكن يكبره أخواه الحسن والحسين رضي الله عنهما بأكثر من عشرة أعوام، ونشأ محمد بن الحنفية نشأة أبيه فروسيةً وبطولة، وشدة وشكيمة، فكان أبوه يقحمه في الشدائد والمعارك، فقال له بعضهم يومًا: لِمَ يُقحمك أبوك في مواطنَ لا يُقحم فيها أخويك الحسن والحسين؟! فكان جوابه عجبًا من الفصاحة الهاشمية، قال: "لأن أخَوَيَّ هما عينا أبي وأنا يده، فهو يقي عينيه بيديه". لم يلتفت هذا الفارس النبيل لوشاية الوشاة، فعرَف للرحم قدرها، وللأُخوة مكانتها. ووقع بينه وبين أخيه الحسن خلاف فكتب إليه: "أما بعد، فإن الله تعالى فضَّلك عليَّ، فأمك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وأمي امرأة من بني حنيفة، وجَدك لأمك رسول الله، وصفوة خلقه، وجَدي لأمي جعفر بن قيس، فإذا جاءك كتابي هذا، فتعالَ إليَّ، وصالحني؛ حتى يكون لك الفضل عليَّ في كل شيء"؛ فلما بلغ كتابه أخاه الحسن رضي الله عنه، بادر إلى بيته وصالحه. وهذا يوسف قال لإخوته بعدما فعلوا فعلتهم وهم من الضالين: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92]؛ أي: لا توبيخ ولا تعيير على فعلكم الشنيع، ثم زاد من كرمه ونبله فقال: ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]. وهذا أب حكيم، تحدث بينه وبين ابنه جفوة، فيعمل على سدها غير مكابر؛ سأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الأحنف بن قيس عن الولد فقال: "يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، نحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصول عند كل جليلة، فإن طلبوا فأعطِهم، وإن غضبوا فأرضِهم، يمنحوك ودَّهم، ولا تكن عليهم قفلًا فيتمنوا موتك، ويكرهوا قربك، ويملوا حياتك، فقال له معاوية: لله أنت، لقد دخلت عليَّ وإني لمملوء غيظًا على يزيد، ولقد أصلحت من قلبي له ما كان فسد". فلما خرج الأحنف من عند معاوية، بعث معاوية إلى يزيد بمائتي ألف درهم، فبعث يزيد إلى الأحنف بنصفها. وهذه الجفوة التي كانت بين عبدالله بن الزبير وخالته عائشة رضي الله عنهم؛ فقد قال عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها: "والله لتَنْتَهِيَنَّ عائشة أو لأَحْجُرَنَّ عليها، قالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله عليَّ نَذْرٌ ألَّا أكلم ابن الزبير أبدًا. فاستشفع ابنُ الزبير إليها حين طالت الهجرة،فقالت: لا، والله لا أُشفَّع فيه أبدًا، ولا أَتَحَنَّثُ إلى نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير، كلم المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وعبدالرحمن بن الأسود بن عبديَغُوثَ، وقال لهما: أَنْشُدُكُما الله لَمَا أَدْخَلْتُمَانِي على عائشة رضي الله عنها، فإنها لا يَحِلُّ لها أن تَنْذِرَ قَطِيعَتِي، فأقبل به المِسْوَرُ وعبدالرحمن حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا ويبكي، وطَفِقَ المِسْوَرُ، وعبدالرحمن يُنَاشِدَانِهَا إلا كَلَّمَتْهُ وقَبِلَتْ منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمتِ من الهجرة، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُما وتبكي، وتقول: إني نَذَرْتُ والنذرُ شديدٌ، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تَذْكُرُ نَذْرَهَا بعد ذلك فتبكي، حتى تَبلَّ دموعُها خمارَها". قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]، قال ابن عباس: "اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الله في الأرحام، فصِلُوها". صِلوا أرحامكم، سببٌ للبركة في الرزق والعمر، وسبب لصلة الله وإكرامه، وأحد أسباب دخول الجنة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |